كتاب الطهارة الحديثات

اشارة

سرشناسه : خميني، روح الله، رهبر انقلاب و بنيانگذار جمهوري اسلامي ايران، 1368 - 1279

عنوان و نام پديدآور : كتاب الطهاره/ تاليف الامام الخميني

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني(س)، 1380.

مشخصات ظاهري : ج 4

شابك : 964-335-460-1(دوره) ؛ 964-335-485-x(ج.1) ؛ 964-335-459-811000ريال:(ج.2) ؛ 964-335-380-x13000ريال:(ج.3) ؛ 964-335-381-811000ريال:(ج.4)

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.

يادداشت : كتابنامه

موضوع : طهارت

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني(س)

رده بندي كنگره : BP185/2/خ75ك2 1380

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 80-2199

مقدّمة التحقيق

اشارة

الحمد للّٰه الذي خلق العقل أوّل ما خلق، و لم يجعل لمدارج كماله حدّا يقف عليه، و لا أمراً ينتهي إليه، فمنتهى فهمه لا غاية لها، و حَلَبة سباقه لا نهاية لها، و الحمد للّٰه الذي جعل الفهم قريناً للعقل، و جعل العقل مفتاحاً للفقه، ثمّ رفع الفقه و شرّفه كما أعزّ العقل و كرّمه، و أناط وقائع الحياة بالفقه كما أناط بعضها بالعقل العملي و أحكامه، فما من صغيرة و لا كبيرة إلّا و في الفقه حكمها، و ما من شاردة و لا واردة إلّا و له فيها نظر و رأي مصيب، فاز من حكّمه و عمل به، و خاب من جانبه و تمرّد عليه، كيف و هو دستور ربّ العالمين، و منهاج شريعة خاتم المرسلين صلّى اللّٰه عليه و آله.

و الصلاة و السلام على صاحب الشريعة الجامعة، و الرسالة الخالدة، و النبوّة الخاتمة، أفضل الأوّلين و الآخرين مقاماً، و أعلاهم شأناً، و أزكاهم نفساً، و على آله الأطهار، الميامين الأخيار، ورّاث النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في العلم و الفهم، و خلفائه في

السياسة و الحكم صلّى اللّٰه عليهم أجمعين.

لا يخفى: أنّ الأبحاث الفقهية متفاوتة من حيث الدّقة و اليسر، و التفصيل و الإجمال، ففي الوقت الذي ظلّت فيه مباحث الحدود و الديات على يسرها و تلخيصها مع أنّها من أُسس القوانين الاجتماعية المدنية، نجد أنّ مباحث

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 2

الطهارة و الصلاة و البيع مثلًا قد بلغت القمّة في عمق الاستدلال و في التفصيل و الاستيعاب؛ حتّى صار التعليم و التعلّم فيها من لوازم التفقّه و من مقدّمات الاستئناس بكلام المعصوم (عليه السّلام) و الفقهاء الكرام، فما من فقيه اليوم إلّا أنّه قد أجاد التحقيق و التدقيق في المسائل و الفروعات من أبواب العبادات حتّى غير المبتلى بها ليكون متبحّراً في سائر أبواب الفقه الاجتماعية ناظراً في حلالهم و حرامهم عارفاً بأحكامهم. و من المؤسف له أنّ هذه الأبحاث لمّا تتسع كما ينبغي مع كثرة فروعها و شدة الابتلاء بها.

و ليس ذلك إلّا بسبب العناية الفائقة التي أولاها المحقّقون من علمائنا لبحث الطهارة و نحوها، حيث توالت عليها عمليات التحقيق و التمحيص؛ فتعدّدت فيها النظريات العلمية و المباني الفقهية، و نمت كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء، و سمنت و بدنت و جسمت، و لم تتورّم و لم تنتفخ، كما قد يتوهّم. فكان حصيلة هذه الجهود المضنية و الجبّارة المئات بل الآلاف من الكتب و الرسائل القيّمة التي جاد بها الزمان على أبناء الطائفة المحقّة دون سائر الطوائف؛ و ذلك بفضل انفتاح باب الاجتهاد و التحقيق عندنا، و انسداد بابه عند غيرنا.

و من أفضل ما كتب في بحث الطهارة و أنفعه و أدقّه و أجمعه ما ألّفه سماحة

المرجع الديني الأعلى آية اللّٰه العظمى السيّد الإمام روح اللّٰه الموسوي الخميني، قدس اللّٰه نفسه الزكية، فكان بحثه (قدّس سرّه) وحيداً في تحقيقه، فريداً في سعته و تفريده.

و استجابةً لرغبة الكثيرين من عشّاق الإمام الراحل (قدّس سرّه) نشير إلى جانب من حياته المباركة؛ فإنّها كالمسك كلّما كرّرته تضوّع.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 3

الإمام الخميني طاب ثراه في سطور

ولد رحمه اللّٰه في العشرين من شهر جمادى الثانية عام 1320 ه. ق، بمدينة «خمين» و فيها تلقى مقدّمات العلوم الإسلامية إلى عام 1339 ه. ق، تقريباً، حيث هاجر إلى مدينة «أراك» و واصل فيها دراسته العلمية و سيره التحصيلي.

و في سنة 1340 ه. ق و في أعقاب هجرة آية اللّٰه العظمى الحائري اليزدي (قدّس سرّه) إلى مدينة «قم» المقدّسة هاجر الإمام إليها، فتلقّى القسم الأكبر من السطوح على آية اللّٰه المرحوم السيّد علي اليثربي (قدّس سرّه) و تلقّى البعض الباقي على آية اللّٰه المرحوم السيّد محمّد تقي الخونساري (رحمه اللّٰه).

و كانت أكثر استفادته (رحمه اللّٰه) في مجال الدراسات العليا الفقهية و الأُصولية من بحوث آية اللّٰه العظمى الحائري اليزدي مؤسّس الحوزة العلمية بمدينة «قم» المقدّسة، كما حضر عند علماء آخرين من المحقّقين، كآية اللّٰه الشيخ محمد رضا النجفي الأصفهاني صاحب كتاب «وقاية الأذهان» و آية اللّٰه السيّد محمد صادق الأصفهاني.

كما و درس الرياضيات و الفلسفة عند السيّد أبو الحسن الرفيعي القزويني، و أخذ عمدة العلوم العرفانية و المعنوية على العارف الكامل آية اللّٰه الميرزا محمّد علي الشاه آبادي.

و بعدها استقلّ بتدريس الفلسفة و العرفان، و طار صيته إلى كلّ مكان، فاجتمع حوله عدد كبير من الأفاضل و المحقّقين، و تخرّج على يديه الكثير منهم، و قد استغرق

ذلك عقدين من الزمن.

و كان لسماحته (قدّس سرّه) أيضاً حلقة درس في الأخلاق تحضرها نخبة من أهل الفضل و العلم، و كان لهذا الدرس أثر كبير في تهذيب نفوس الحاضرين و تزكيتها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 4

ثمّ إنّه (قدّس سرّه) شرع في تدريس «دورة الخارج» من الفقه و الأُصول منذ سنة 1360 ه. ق. في مدينة «قم» المقدّسة و حاصله تدريس تقريباً ثلاث دورات في علم الأُصول و مباحث الزكاة و الطهارة و المكاسب المحرّمة و البيع و الخيارات و الخلل في الصلاة من الفقه الاستدلالي.

و قد استمرّت إفاضاته إلى آخر يوم من أيّام إقامته في «النجف الأشرف» حيث تلت ذلك الأحداث السياسية الساخفة في إيران، فانشغل الإمام بها عن بحوثه الفقهية و الأُصولية، و ركّز جلّ اهتماماته على إزالة الطاغوت و تشكيل حكومة المستضعفين في الأرض، إلى أن وفّقه سبحانه لذلك سنة 1357 ه. ش. فأسّس بنيان هذه الحكومة على التقوى، و أرسى دعائمها على مبادئ الدين الإسلامي الأصيل، مقتدياً بسيرة أجداده المعصومين (عليهم السّلام) فلم يَمِل في حكومته من حقّ إلى باطل، و لم تخفه سطوات المستكبرين، فكان همّه إعلاء كلمة اللّٰه، و إعزاز المؤمنين المستضعفين، و إذلال المستكبرين الطاغين، حتّى اختاره سبحانه للقائه سنة 1368 ه. ش، رضي اللّٰه عنه و أرضاه، و حشره مع محمد و آله الطاهرين صلّى اللّٰه عليهم أجمعين.

مصنّفاته و تقريراته (قدّس سرّه)

على الرغم من تصدّي الإمام الخمينى (قدّس سرّه) للزعامة السياسية قبل تشكيل الحكومة الإسلامية بزمان طويل، و رغم ما عاناه من الحبس و التشريد على يد الشاه و أعوانه الطغاة، إلّا أنّه تمكّن من أن يخلّف تراثاً علمياً ضخماً و عطاءً فكرياً غضّاً في

مختلف جوانب العلوم الإسلامية؛ سواء أكتبه بقلمه الشريف، أو قرّره الأعلام و الأفاضل من أبحاثه، فلنذكر مصنفاته كلّها و بعضاً من تقريرات بحثه

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 5

أ مصنفاته (قدّس سرّه):

1 شرح دعاء السحر.

2 مصباح الهداية إلى الخلافة و الولاية.

3 تعليقة على الفوائد الرضوية للقاضي سعيد القمي.

4 تعليقة على شرح فصوص الحكم للقيصري.

5 تعليقة على مصباح الانس لابن الفناري.

6 الأربعون حديثاً (چهل حديث).

7 سرّ الصلاة (معراج السالكين و صلاة العارفين).

8 آداب الصلاة (آداب نماز).

9 كشف الأسرار (كشف أسرار).

10 شرح حديث جنود العقل و الجهل.

11 تعليقة على الحكمة المتعالية لصدر المتألّهين (مفقودة).

12 الرسائل العشرة و هي مشتملة على رسائل:

التقية.

فروع العلم الإجمالي.

قاعدة «مَن مَلك شيئاً ملك الإقرار به».

تداخل الأسباب.

قياس العلل التشريعية بالتكوينية.

موضوع علم الأُصول.

الفجر في الليالي المقمرة.

العقود و الإيقاعات.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 6

الشرط المخالف للكتاب.

قاعدة «على اليد ..».

و لكن لم نتحقّق بعدُ أنّ هذه الثلاثة الأخيرة هل هي تعبّر عن آراء الإمام الشخصيّة، أم أنّها تقريراته لبعض معاصريه و هي:

13 لمحات الأُصول، و هي تقريرات لدروس آية اللّٰه العظمى البروجردي (قدّس سرّه).

14 أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية، مجلّدان.

15 بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر.

16 الاستصحاب.

17 الاجتهاد و التقليد.

18 التعادل و الترجيح.

19 مناهج الوصول إلى علم الأُصول، مجلّدان.

20 الطلب و الإرادة.

21 كتاب الطهارة، 4 مجلّدات «و هو هذا الكتاب».

22 المكاسب المحرّمة، مجلّدان.

23 التعليقة على وسيلة النجاة لآية اللّٰه العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني (قدّس سرّه).

24 التعليقة على العروة الوثقى لآية اللّٰه العظمى محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (قدّس سرّه).

25 نجاة العباد.

26 حاشيۀ رسالة إرث ملّا هاشم خراساني.

27 حاشيۀ توضيح المسائل آية اللّٰه العظمى بروجردي.

28 توضيح المسائل.

29

مناسك الحجّ.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 7

30 تحرير الوسيلة، مجلّدان.

31 كتاب البيع، 5 مجلّدات.

32 ولايت فقيه.

33 الخلل في الصلاة.

34 تفسير سورۀ حمد.

35 ديوان أشعار، مجلّد واحد، و الظاهر أنّه قد فقدت منه ثلاثة مجلّدات.

36 استفتاءات، مجلّدان مطبوعان، و مجلّدان غير مطبوعين.

37 صحيفة امام، 22 مجلّداً.

ب تقريرات الأعلام لبحوثه (قدّس سرّه):

1 شرح منظومة و أسفار، 3 مجلّدات تقرير آية اللّٰه السّيد عبد الغني الأردبيلي.

2 الطهارة، مباحث المياه و الأغسال تقرير آية اللّٰه العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، و من بعض العلماء الآخرين.

3 الطهارة، تتمّة مباحث الوضوء إلى بحث الدماء الثلاثة، و تحتفظ هذه المؤسّسة في أرشيفها بتقريرات مختلفة لآيات اللّٰه: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، و السيد جواد علم الهدى، و محمّد نصراللهي الخراساني. و لهم في كثير من المباحث تقريرات اخرى.

4 المسائل المستحدثة تقرير آية اللّٰه محمّد المحمّدي الجيلاني.

5 كثير السفر تقرير آية اللّٰه السيّد حسن الطاهري الخرّم آبادي.

6 قضاء الصلاة عن الميت تقرير آية اللّٰه الطاهري الخرّم آبادي و آية اللّٰه الشيخ علي الكريمي.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 8

كلمة حول هذا الكتاب

يعدّ كتاب الطهارة أوّل ما دوّنه الإمام الراحل من بحوثه الفقهية التفصيلية، و قد جرت سيرته (رحمه اللّٰه) غالباً على تدوين بحوثه العالية بقلمه الشريف فترى أكثر كتبه مصنّفة بقلمه حينما كثر التقرير عن أقرانه و معاصريه، و هذا من مزايا كتبه.

و كان (قدّس سرّه) قد شرع ببحث و تدوين هذا الكتاب سنة 1373 ه. ق، و ذلك على حسب ترتيب «شرائع الإسلام» للمحقّق الحلّي (رحمه اللّٰه) الذي عبّر عنه بقرآن الفقه، حتّى انتهى إلى مباحث الدماء الثلاثة، فصنّف فيها كتاباً عزّت نظائره، و ندرت أمثاله؛ لجمعه آراء

المتقدّمين و المتأخرين، و لغور سبرة في نقدها و محاكمتها، فلم يدع لمتكلّم مقالًا، و لم يترك للأواخر إلّا متابعته و مسايرته، ثمّ سار (قدّس سرّه) على نفس هذا المنهج في مباحث التيمّم و النجاسات و أحكامها إلى أن فرغ منه سنة 1378 ه. ق بمدينة «قم» المقدّسة.

أنّ أبرز ما انفرد به هذا الكتاب الشريف، التتبّع الوافي في مجالي الفقه و الحديث، و الدقّة و العمق في استقصاء الأقوال و محاكمة الأدلّة و نقدها. و يظهر هذا جلياً بمراجعة بحوثه و مقارنتها ببحوث سابقي الإمام و لاحقيه، حيث يجد فيها الخبير فوائد فقهية كثيرة لم يسبق غيره (قدّس سرّه) إليها، و يلمس فيه بوضوح القريحة القويمة في فهم الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة، و في تحديد مرادات الفقهاء و مقاصدهم.

و مع كلّ هذا فقد اشتمل الكتاب على بعض المباحث الرجالية المفيدة، كالتحقيق في أخبار أصحاب الإجماع، كما و استعرض بعض القواعد الفقهية المهمّة في باب الطهارة، و فيه تطبيق لبعض الآراء الأُصولية التي ابتكرها

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 9

الإمام (رحمه اللّٰه) خصوصاً مسألة الخطابات القانونية و عدم سراية الأحكام إلى غير موضوعاتها، و ما يتفرّع عليها من جواز اجتماع الأمر و النهي و غيره.

و رغم أنّ كتاب الطهارة هو أوّل ما دوّنه الإمام الراحل بأنامله الكريمة، إلّا أنّه لم يكن أوّل ما أفاض في بحثه و تدريسه، فقد سبقه كتابات حسب ما ذكره تلامذته-: المكاسب المحرّمة، و الزكاة، إلّا أنّه (قدّس سرّه) لم يدوّن منهما شيئاً، فضاعا- و للأسف مع ما ضاع من تراثه العظيم.

و من المؤسف له أيضاً أنّ الإمام (قدّس سرّه) لم يكتب أوائل هذا الكتاب كمباحث

الوضوء بقلمه الشريف، بل اكتفى بإلقائها على المحقّقين من تلامذته، فما كان منهم- حفظهم اللّٰه إلّا أن قيّدوه بالكتابة، حفظاً له من الضياع، و ضنّاً به عن الاندراس، و تحتفظ مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني ببعض هذه التقريرات المفصّلة و المنقّحة، و ستقوم بطبعها في القريب العاجل إن شاء اللّٰه تعالى.

و جدير بالذكر أنّ هذا الكتاب كان قد طبع سابقاً باهتمام آية اللّٰه السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، و آية الهّٰر الشيخ علي أكبر المسعودي شكر اللّٰه لهما سعيهما، و قد حرصت المؤسّسة على تجديد طبعه بعد نفاد نسخ الطبعة السابقة، و بعد أن بذل جمع من الفضلاء قصارى جهدهم في تصحيحه و تقويم نصّه و تحقيقه، راجيةً أن ينال رضى اللّٰه تعالى و إعجاب الأعلام و المحقّقين.

منهج التحقيق

للتحقيق المثالي في عصرنا مراحل عديدة معروفة و مكلفة، و قد أخذت المؤسّسة على نفسها أن تأخذ بأشقّها و أحمزها، بل لم تقنع بمرحلة إلّا بعد تكرارها و إعادة النظر فيها مراراً، فلم يقع تحقيق هذا الكتاب دفعةً واحدة، و لا من

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 10

قبل شخص واحد، بل توالت عمليات التحقيق و التصحيح، و تعدّد الأفاضل القائمون عليها؛ حرصاً منها على إخراجه كتبها بحلّة قشيبة، و بأقلّ عدد ممكن من الأخطاء التي لا يعصم منها إلّا من عصمه اللّٰه سبحانه و تعالى. و إلى القارئ الكريم إشارة إلى هذه المراحل:

1 تصحيح الكتاب على ضوء النسخة التي هي بخطّ العلّامة المؤلّف (قدّس سرّه) الموجودة عندنا.

2 تقطيع المتن و تزيينه بعلامات الترقيم المتعارفة.

3 إضافة عناوين بهدف تسهيل عملية مراجعة الكتاب و مطالعته، و نظراً لكثرة ما أضفناه من العناوين فقد

جرّدناها من العضادتين [] و بهذا اختلطت عناوين المؤلّف مع عناويننا.

4 استخراج الآيات القرآنية مع الإشارة إلى مصادر الأحاديث الأصلية كالكتب الأربعة، و إلى الناقلة عنها كالوسائل، إلّا في صورة تكرّر ورود الحديث، حيث اكتفينا بعد ذلك بوسائل الشيعة، و أسقطنا المصادر الأصلية.

5 استخراج الأقوال و الآراء الفقهية و الأُصولية و اللغوية و الرجالية و التفسيرية و الحكمية و غيرها، على قدر ما عثرنا عليه منها؛ سواء منها الصريحة و غيرها.

و قد استعملنا كلمة «انظر» مكتفين بالحاكي فيما إذا لم نتمكّن من تشخيص صاحب القول الأصلي بعينه، أو لم نعثر على كتابه، و إن عرفناه بشخصه، أو فيما إذا لم يتطابق المحكي مع ما هو موجود في المصدر الأصلي.

6 ذكر وجه الضعف أو الترديد في الأحاديث التي صرّح الإمام بضعفها أو تردّد فيها؛ و ذلك على حسب المباني الرجالية للإمام الراحل نفسه. و قد سلكنا سبيل الاختصار مكتفين بما سننشره إن شاء اللّٰه تعالى تحت موسوعة مستقلّة تضمّ

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 11

بيان منهج الإمام (رحمه اللّٰه) في علم الرجال، و تتكفّل بشرح الأسانيد التي تعرّض لها (قدّس سرّه) في جميع كتبه.

7 وضع الفهارس الفنّية لكلّ مجلّد من هذا الكتاب؛ إلّا فهرس مصادر التحقيق فإنّه جعل في آخر المجلّد الرابع.

و في الختام تتقدّم المؤسّسة بالشكر الجزيل و الثناء العاطر إلى كلّ الإخوة الفضلاء الذين ساهموا في تحقيق هذا الكتاب، راجيةً لهم التسديد و الموفّقية في خدمة ديننا الحنيف. و هم:

1 فضيلة الأخ الشيخ حسين الشائعي، الذي أشرف على عمليّة التحقيق و بذل غاية جهده في إتقانها و إتمامها، شكراللّٰه مساعيه الجميلة.

2 الإخوة الأجلّاء حجج الإسلام: مهدي اوجي، عليرضا نخبة

روستا، سامي خفاجي، محمّد إيزي، مرتضى قلي بيگيان، محمود أيوبي، علي كريمي، حقيقة اللّٰه أكبري، إبراهيم طاهري كيا الذين ساعدونا في تخريج الآيات و الروايات و الأقوال.

3 الإخوة الأفاضل: رضا هوشياري، عباس أخضري، حسنعلي منصوري، محمد علي حسن زاده، حجة اللّٰه أخضري، محمد حسن عباسي، الذين قاموا بتصحيح الأخطاء المطبعية.

4 الأخ الأعزّ فليح العبيدي الذي قام بتقويم النصّ و وضع علامات الترقيم.

5 الأخوان فلاح المظفر و أبو النور في الإخراج الفنّي للكتاب.

و آخر دعوانا أن الحمد للّٰه ربّ العالمين، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

19/ 10/ 1379 مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) فرع قم المقدّسة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 5

الجزء الاول

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم أجمعين و بعدُ ..

فلمّا انتهىٰ بحثنا في الدورة الفقهية إلى الدماء الثلاثة، أحببت أن أُفرز رسالة فيها حاوية لمهمّات مسائلها.

و فيها مقاصد

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 7

المقصد الأوّل في الحيض

اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 9

تمهيد في حدّ الحيض شرعاً

اشارة

و البحث في أطراف معناه اللغوي غير مهمّ، و يُشبه أن يكون دم الحيض: ما تقذفه الرحم حال استقامتها و استقامة مزاج المرأة، و دم الاستحاضة: ما تقذفه حال الانحراف؛ لضعف أو مرض أو غيرهما.

و لمّا كانت النساء نوعاً في حال الاستقامة و السلامة، لا يقذفن الدم أقلّ من ثلاثة أيّام، و لا أكثر من عشرة، و نوعهنّ لا تقذف أرحامهنّ قبل البلوغ و بعد اليأس، و خلاف ذلك من شذوذ الطبيعة و نوادرها، تصرّف الشارع المقدّس في الموضوع، و حدّده بحدود، لاحظاً فيه حال النوع الغالب؛ إلحاقاً للشواذّ و النوادر بالعدم.

فلو رأت المرأة قبل سنّ البلوغ ما تراه البالغات منظّمةً مرتّبةً في كلّ شهر ثلاثة أو خمسة مثلًا؛ بحيث علم أنّه الدم المعهود الذي تقذفه الرحم بحسب العادة، أو رأت بعد الخمسين في عادتها كما رأت قبل الخمسين؛ بحيث علم أنّه هو الدم المعهود الذي كانت تقذفه رحمها قبل زمان يأسها، لم يحكم بالحيضية، لا لأجل أنّه ليس بحيض؛ أي الدم الذي تقذفه الرحم في حال استقامتها

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 10

و اعتدالها، بل لإسقاط الشارع شواذّ الطبيعة و نوادرها عن الحكم الذي لغالب النسوة و نوعهنّ.

و كذا الحال فيما إذا رأت يومين أو أكثر من عشرة أيّام، مع فرض كونِ الرحم في حال السلامة، و الدمِ المقذوف هو الدم المعهود الذي تقذفه الأرحام.

و ما ذكرنا هو الأقرب لفتاوى الأصحاب (رحمهم اللّٰه) و الأخبار الكثيرة في الباب. مع عدم مخالفته للوجدان و الضرورة؛ فإنّ الالتزام بأنّ الدم إلى الدقيقة الأخيرة من اليوم العاشر يكون حيضاً، و يكون

مجراه مجرى خاصّاً، ثمّ ينسدّ دفعة ذلك المجرىٰ، و ينفتح عرق آخر هو العرق العاذل، و يخرج منه دم الاستحاضة، كأنّه مخالف للضرورة. و كذا حال الدم إلى الدقيقة الأخيرة من عادتها لمن استمرّ بها الدم، و كذا الأشباه و النظائر.

و بعض الروايات التي يتراءىٰ منها أنّ مجرييهما مختلفان

كرواية معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّ دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد؛ إنّ دم الاستحاضة بارد، و إنّ دم الحيض حارّ «1»

لا بدّ من توجيهها بوجه لا يخالف الوجدان و الضرورة، فكيف يمكن الالتزام بأنّ من استمرّ بها الدم و تكون ذات عادة، يكون مجرى دمها إلىٰ آن ما قبل العادة و آن ما بعدها، غيرَ مجراه في زمان العادة؟! و قد حكي عن العلّامة: «أنّه لو قيل بأنّ الدم بعد الخمسين من المرأة في زمن عادتها علىٰ ما كانت تراه قبل ذلك ليس بحيض، كان تحكّماً لا يقبل» «2».

و لعلّ مراده أنّ الدم الكذائي و لو كان حيضاً، و لا افتراق بينه و بين الدم

______________________________

(1) الكافي 3: 91/ 2، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1.

(2) منتهى المطلب 1: 96/ السطر 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 11

قبل الخمسين، لكنّ الشارع مع ذلك أسقط حكمه، و هو يوافق ما ذكرناه نتيجة، تأمّل.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الشرع حدّد الدم في موارد؛ فما كان خارجاً عن الحدود التي جعلت للحيض و لو كان في الواقع حيضاً لا يكون محكوماً بحكمه.

كلام المحقّق الخراساني و جوابه

فما أفاده المحقّق الخراساني «1» من تقريب خلاف ذلك، و حمل أخبار الحدود علىٰ مورد الاشتباه؛ لبُعد عدم

ترتّب أحكام الحيض شرعاً علىٰ ما علم أنّه حيض واقعاً، مؤيّداً ببعض الروايات، كموثّقة سماعة «2» و رواية إسحاق بن عمّار «3» و منكراً للإجماع استناداً إلى المحكي عن «المنتهىٰ»، كما تقدّم ذكره، لا يمكن المساعدة عليه.

و ليت شعري، أيّ بُعدٍ في الالتزام بجعل الشارع قسماً خاصّاً من الدم موضوعاً لحكمه؛ علىٰ ما قرّبنا وجهه، و هل هذا إلّا مثل تحديد السفر بثمانية فراسخ .. و غير ذلك من التحديدات الواقعة في الشرع، و هل يمكن مع هذا الاستبعاد رفع اليد عن الإجماع و الأخبار، بل ضرورة الفقه؟! و أمّا ما استند إليه من عبارة العلّامة فغير واضح، فلعلّه ليس بصدد بيان

______________________________

(1) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 3 و 4.

(2) الكافي 3: 77/ 2، تهذيب الأحكام 1: 158/ 453، وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 296، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 12

كون دم الحيض بعد الخمسين أيضاً موضوعاً لحكمه، بل مراده أنّه مع كونه حيضاً لا يترتّب عليه حكمه. و لو كان مراده ذلك، فلعلّه مبني علىٰ أنّ حدّ اليأس زائد على الخمسين، بل إلى الستّين، و أمّا بعد اليأس و هو الستّون علىٰ جميع الأقوال فلا يلتزم أحد ببقاء حكم الحيض و لو كان الدم مثل ما رأت قبلها. كما أنّه قبل البلوغ لم يذهب أحد منّا إلىٰ ترتّب أحكام الحيض عليه، و كذا في الدم المرئي أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة؛ ممّا نقل الإجماع عليهما كثير من الفقهاء «1»، و عن «الأمالي» في الحدّين: «أنّهما

من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به» «2».

و أمّا الروايات التي استند إليها فلا بدّ من توجيهها، كما لعلّه يأتي من ذي قبل «3»، أو ردّ علمها إلىٰ أهلها؛ بعد مخالفتها للنصوص الكثيرة و الإجماع، بل ضرورة الفقه، فالأخذ بالحدود الشرعية الواردة في الروايات لا محيص عنه، فتدبّر.

ثمّ هاهنا مطالب

______________________________

(1) الخلاف 1: 236 238، غنية النزوع 1: 38، المعتبر 1: 201، ذكرى الشيعة 1: 230.

(2) أمالي الصدوق: 516.

(3) يأتي في الصفحة 85.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 13

المطلب الأوّل فيما يميّز به دم الحيض عن غيره

اشارة

إذا علمت المرأة أنّ دمها من أيّ أقسام الدم، تعمل علىٰ طبق أحكامه. و مع الاشتباه فإمّا أن يشتبه دم الحيض بدم الاستحاضة، أو بدم البكارة، أو بدم القرحة، أو بغيرها. و قد يكون الاشتباه ثلاثي الأطراف، أو رباعيها.

فيتمّ الكلام فيه برسم مسائل:

المسألة الأُولىٰ: فيما يميّز به دم الحيض عن الاستحاضة
في أمارية الأوصاف

وردت روايات بذكر أوصاف يشخّص بها دم الحيض و الاستحاضة كالحرارة و السواد و الخروج بالحُرقة و كونه عبيطاً بَحْرانياً، و له دفع و إقبال إلىٰ غيرها في أوصاف الحيض، و الصفرة و البرودة و الفساد و الكدرة و الإدبار في الاستحاضة.

فيقع الكلام في أنّ تلك الأوصاف هل هي أمارة تعبّدية واحدة، كالخاصّة المركّبة، أو أمارات مستقلّة؟

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 14

أو ليست بأمارات رأساً؟ بدعوىٰ: أنّ ظاهر الروايات أنّها بصدد رفع اشتباه الحيض بالاستحاضة؛ بذكر أوصافها التي تعهدها النساء، و أنّه لا مجال معها للاشتباه؛ لحصول القطع غالباً؟

و بالجملة: هذه الأوصاف وردت لرفع الاشتباه، لا لجعل الإمارة في موضوع الشبهة.

أو يكون بين الأوصاف تفصيل؛ ففي غير إقبال الدم و إدباره يكون كما ذكر من عدم الأمارية، بخلافهما بدعوىٰ ظهور الأخبار في هذا التفصيل؟

و علىٰ فرض الأمارية، هل تكون الأمارة لتشخيص الحيض، أو هو و الاستحاضة مطلقاً، فيجب الأخذ بها في جميع موارد الشبهة إلّا ما دلّ الدليل علىٰ خلافه، أو تكون لتشخيصه عند اشتباهه بالاستحاضة مطلقاً، فلو اشتبه دم المبتدئة بينهما تكون الأوصاف أمارة، أو عند اشتباهه بها في موضوع أخصّ؛ و هو عند استمرار الدم بها، ففي المثال المتقدّم لا تكون أمارة؟

وجوه و أقوال.

ثمّ إنّه يقع كلام آخر في أنّ الأوصاف التي ذكرت للحيض، أمارات على الحيضية، و كذا الأوصاف التي في الاستحاضة أمارات عليها،

فجعل الشارع أمارتين؛ إحداهما: للحيض، و الأُخرى: للاستحاضة؟

أو تكون أوصاف الحيض أمارة دون الاستحاضة؟

ثمّ عند فقد أمارة الحيض، هل يكون استحاضة من غير جعل أمارة عليها، أو لا يكون استحاضة أيضاً، فلا بدّ أن تعمل مع فقد أمارة الحيضية علىٰ طبق العلم الإجمالي أو القواعد الأُخر؟

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 15

تفصيل المحقّق الخراساني بين الأوصاف

ذهب المحقّق الخراساني إلى التفصيل المتقدّم، فأنكر الأمارية التعبّدية في الأوصاف غير إقبال الدم و إدباره، و فيهما ذهب إلى الأمارية التعبّدية، و قال:

«نعم، ظاهر المرسلة الطويلة «1» جعل إقبال الدم و إدباره أمارة تعبّدية على الحيض و عدمه، لكنّ الإقبال و الإدبار لا دخل له بالأوصاف، بل العبرة بتغيّر الصفة التي كان عليها شدّة و ضعفاً» «2» انتهى.

فلا بدّ أوّلًا من الكلام معه حتّى يتّضح الحال من هذه الجهة، ثمّ الكلام في سائر الجهات، فلا محيص من ذكر الروايات و البحث في دلالتها:

ففي صحيحة حفص بن البَخْتَري قال: دخلتْ علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) امرأة، فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدم، فلا تدري أ حيض هو أو غيره، قال: فقال لها إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود، له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفرُ باردٌ، فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة.

قال: فخرجت و هي تقول: و اللّٰه، أن لو كان امرأة ما زاد علىٰ هذا! «3».

و لا يخفىٰ: أنّ ظاهرها أنّ من لم تدرِ أنّ دمها حيض أو غيره، فطريق تشخيصها هو هذه الأوصاف، و إنّما الكلام في أنّ سوق الرواية بصدد بيان ما يرفع به الشبهة تكويناً؛ و أنّه مع هذه الأوصاف تقطع المرأة بأنّه حيض، أو أنّها أوصاف غالبية يحصل

بها الظنّ النوعي بالموضوع، و قد جعلها الشارع أمارة عند الاشتباه؟

______________________________

(1) سيأتي متنها في الصفحة 16- 17.

(2) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 4 5.

(3) الكافي 3: 91/ 1، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 16

و بعبارة اخرىٰ: أنّها بصدد رفع الشبهة تكويناً؛ و إرشادها إلىٰ آثار تقطع منها بالواقع، أو بصدد رفع الشبهة تشريعاً.

الظاهر هو الثاني؛ لأنّ هذه الأوصاف لا تكون من اللوازم العادية بحيث تقطع النساء غالباً لأجلها بالحيض، نعم يحصل لهنّ غالباً العلم به، لكن لا لأجل هذه الأوصاف، بل للعادة المستمرّة لهنّ، و عدم اعوجاج طبائعهنّ غالباً، ففي حال الاستقامة تعلم المرأة بقرائن غالباً أنّ ما تقذفه الرحم حيض، و أمّا لو استمرّ مثلًا بها الدم أو حصلت شبهة اخرىٰ لها، فليس [لها] أن تقطع مع ذلك بالواقع لأجل تلك الصفات، و مع عدم حصول القطع وجداناً، لا محيص عن كونها أمارة ظنّية اعتبرها الشارع، نظير الشهوة و الفتور و الدفع في المنيّ. مع أنّ تشخيص المنيّ عادة، أسهل للرجال من تشخيص الحيض عند الاشتباه للنساء.

و بالجملة: كون الرواية بصدد بيان أنّ هذه الأوصاف، علامات يحصل بها القطع فلا معنى للسؤال، في غاية البعد.

و في مرسلة يونس موارد للدلالة علىٰ أنّ تغيّر لون الدم أمارة تعبّدية، ففيها أنّ فاطمة بنت أبي حُبَيش أتت النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالت: إنّي أُستحاض و لا أطهر، فقال لها النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ليس ذلك بحيض، إنّما هو عِرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي ...

إلىٰ أن قال فهذا يبيّن أنّ

هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها؛ لم تعرف عددها و لا وقتها، أ لا تسمعها تقول: إنّي أُستحاض و لا أطهر! و كان أبي يقول: إنّها استحيضت سبع سنين، ففي أقلّ من هذا تكون الريبة و الاختلاط، فلهذا احتاجت إلىٰ أن تعرف إقبال الدم من إدباره، و تغيّر لونه من السواد .. إلىٰ غير ذلك؛ و ذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف، و لو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلىٰ معرفة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 17

لون الدم؛ لأنّ السنّة في الحيض أن تكون الصفرة و الكُدرة فما فوقها في أيّام الحيض- إذا عرفت حيضاً كلّه إن كان الدم أسود أو غير ذلك، فهذا يبيّن لك أنّ قليل الدم و كثيره أيّام الحيض، حيض كلّه إذا كانت الأيّام معلومة، فإذا جهلت الأيّام و عددها، احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلىٰ إقبال الدم و إدباره و تغيُّر لونه .. «1» الحديث.

فإنّ الظاهر منها أنّ إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه، أمارة تعبّدية لتشخيصه، و أنّها إذا اختلط عليها أيّامها و لم تعرف عددها و لا وقتها ممّا هي أمارة تعبّدية اخرىٰ احتاجت إلىٰ أمارة دونها في الأمارية؛ و هي إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه من السواد .. إلىٰ غير ذلك، فلا يكون تغيّر لون الدم أمارة قطعية على الحيض، و إلّا لم يعقل تأخّرها عن الرجوع إلى العادة المعلومة.

مع أنّ أمارية العادة أيضاً لا تكون قطعية، خصوصاً مع حصولها بمرّتين، و بالأخصّ في زمان اختلاط الدم و الريبة، كما هو المفروض.

و بهذا يظهر: أنّ المراد بقوله إنّ دم الحيض أسود يعرف ليس هو المعروفية الوجدانية القطعية، بل الظنّية التعبّدية، و

لهذا قال و لو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم؛ لأنّ السنّة في الحيض .. إلىٰ آخره؛ فإنّ الرجوع إلىٰ معرفة لونه إذا كان بحسب احتياجها إليه، و عند فقد ما يوصلها إلى معرفة الأيّام و لو تعبّداً، لا يعقل إلّا أن يكون أمارة ظنّية، دون أمارية العادة. و يؤكّد ذلك تعليله: بأنّ السنّة في الحيض أن تكون الصفرة في أيّام الحيض حيضاً.

و ممّا يؤكّد ما ذكرنا

قوله (عليه السّلام) في المرسلة فجميع حالات المستحاضة

______________________________

(1) الكافي 3: 83/ 1، وسائل الشيعة 2: 276، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 4 و الباب 8، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 18

تدور علىٰ هذه السنن الثلاث؛ لا تكاد تخلو من واحدة منهنّ: إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير، فهي علىٰ أيّامها و خِلقتها التي جرت عليها؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها. فإن اختلطت الأيّام عليها، و تقدّمت و تأخّرت، و تغيّر عليها الدم ألواناً، فسنّتها إقبال الدم و إدباره و تغيّر حالاته.

حيث جعل تغيّر حالات الدم من السنن الثلاث التي سنّها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قبال السنّتين الأُخريين، و معلوم أنّ الأخذ بتغيّر اللون لأجل التبعية للسنّة، لا للعلم الوجداني بالموضوع. و لهذا تمسّك في ذيلها أيضاً للرجوع إلىٰ تغيّر دمها مع اختلاط الأيّام

بقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إنّ دم الحيض أسودُ يعرف

و لو كان يحصل العلم بالحيض من لون الدم، لم يعقل التشبّث بالتعبّد.

و بالجملة: لا يشكّ الناظر في المرسلة في أنّ تغيّر الدم ألواناً، من الأمارات التعبّدية التي جعلها الشارع

أمارة عند فقد أمارة هي أقوى في الأمارية منها.

و العجب من المحقّق الخراساني (رحمه اللّٰه) حيث اعترف بظهور المرسلة في أمارية إقبال الدم و إدباره، و أنكر الأمارية في تغيّر اللون! مع أنّ الإقبال و الإدبار ذكرا فيها مع تغيّر اللون بسياق واحد، و لا يمكن التفكيك بينهما.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال

في موثّقة إسحاق بن جرير قال: سألتني امرأة أن أُدخلها علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فاستأذنت لها، فأَذِنَ لها فدخلتْ .. إلىٰ أن قال: فقالت له: ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها؟ قال إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد، ثمّ هي مستحاضة.

قالت: فإنّ الدم يستمرّ بها الشهر و الشهرين و الثلاثة، كيف تصنع بالصلاة؟ قال تجلس أيّام حيضها، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين.

قالت له: إنّ أيّام حيضها تختلف عليها، و كان يتقدّم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة، و يتأخّر مثل ذلك، فما علمها به؟ قال دم الحيض ليس به خفاء؛ هو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 19

دم حارّ تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد.

قال: فالتفتت إلىٰ مولاتها فقالت: أ تراه كان امرأة مرّة «1»؟!

و هذه الموثّقة عمدة ما تشبّث بها لما ادعىٰ من عدم إمكان كونها بصدد جعل أمارة تعبّدية.

و أنت خبير: بأنّ المتعيّن فيها أيضاً هو الحمل علىٰ جعل الأمارة، لا إرجاعها إلىٰ ما تقطع بها بالحيض؛ ضرورة أنّ إرجاعها إلى الأوصاف المذكورة، يكون بعد فقد أمارة تعبّدية هي أيّام حيضها، و معه كيف يمكن أن يقال: إنّ تغيّر الأوصاف ممّا تقطع منه بالحيض، و كيف يمكن الإرجاع أوّلًا إلىٰ أمارة ظنّية، ثمّ مع فقدها إلىٰ ما يحصل

به العلم؟! و أمّا التعبير بأنّه ليس به خفاء [فهو] و إن كان مشعراً بما ذكره، لكن مع ما ذكرنا و مع النظر إلى المرسلة المتقدّمة لا ينبغي الشكّ في أنّ المراد أنّ تلك الأوصاف أمارات له، و معها لا خفاء به.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الموضوع الذي له أمارة من أوصافها و حالاتها، لا يكون به خفاء.

و أمّا قول المرأة: «أ تراه كان ..» إلىٰ آخره، فلا يدلّ علىٰ تصديقها بأنّ دم الحيض وجداناً كذلك، بل لا يبعد أن يكون تعجّبها من ذكره أوصافاً لا يطلع عليها إلّا النساء؛ فإنّ الحرارة و الحرقة ممّا لا يطلع عليهما إلّا صاحبة الدم، فتعجّبت من ذكر أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أوصاف الدم الذي يكون من النساء فقط.

و هذا القول و إن كان ربّما يستشعر منه ما ادعاه لكن لا يمكن معه رفع اليد عمّا هو كالنصّ في جعل الأمارة، بل بما ذكرنا يقطع المنصف بأمارية الأوصاف.

______________________________

(1) الكافي 3: 91/ 3، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 20

مقدار أمارية الأوصاف

ثمّ بعد البناء على الأمارية، يقع الكلام في أنّها أمارة مطلقة لتشخيص مطلق الدماء من الحيض؛ و أنّ الحيض دائر مدار وجودها و عدمها في الثبوت التعبّدي و اللاثبوت، أو أنّها أمارة لتشخيص الحيض من الاستحاضة مطلقاً، أو مع استمرار الدم.

وجوه و أقوال أقربها أوسطها، ثمّ الأخير.

و أمّا الأوّل و هو الذي نسب إلى «المدارك» و «الحدائق» و «المستند» «1» فضعيف:

أمّا أوّلًا: فلأنّ تلك الأوصاف التي ذكرت للحيض لا تكون مختصّة به وجداناً، خصوصاً مع البناء على استفادة طريقية كلّ واحد منها مستقلا، كما هو

الأقوىٰ؛ ضرورة أنّ نوع الدماء الخارجة من الإنسان مع خلوّ طبيعته عن الانحراف و الضعف و المرض يكون عبيطاً حارّاً أحمر يضرب إلى السواد، بل كثير منها يكون له دفع، و يكون بَحْرانياً مقبلًا، فلا تكون تلك الأوصاف من خواصّ دم الحيض بحيث تميّزه عن سائر الدماء.

و أمّا دم الاستحاضة فهو بحسب النوع لمّا كان مقذوفاً من الطبيعة المنحرفة بواسطة ضعف و فتور و مرض، لا محالة يكون فاسداً بارداً أصفر مدبراً غير دافع.

فهذا الأمر الوجداني يساعدنا في الاستفادة من الأخبار؛ و أنّ المنظور من

______________________________

(1) مدارك الأحكام 1: 311 و 313، الحدائق الناضرة 3: 152، مستند الشيعة 2: 383.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 21

ذكر الأوصاف ليس تمييز دم الحيض من سائر الدماء مع اشتراكها نوعاً فيها، بل هذه الأوصاف المشتركة بين الحيض و غير الاستحاضة، ذكرت فيما دار الأمر بين الحيض و الاستحاضة؛ لامتيازها عنه، لا امتيازه عن غيرها، و لهذا لم تذكر هذه الأوصاف في دوران الأمر بينه و بين العُذْرة و كذا بينه و بين القُرحة.

فحينئذٍ لو دار الأمر بين الحيض و بين جريان الدم من شريان لانقطاعه، لا تكون تلك الأوصاف معتبرة؛ فإنّ الضرورة حاكمة بأنّ دم الشريان أيضاً طري عبيط له دفع و حرارة، و يكون أسود كدم الحيض بحسب النوع، و معه كيف يمكن الذهاب إلىٰ ما ذهب إليه الأعلام المتقدّم ذكرهم؟! و أمّا ثانياً: فلأنّ سياق الروايات، يشهد بأنّها في مقام تشخيص الحيض عن الاستحاضة لا غير؛ أ لا ترى إلىٰ صحيحة حفص بن البَخْتري «1» مع كون السؤال عن أنّها لا تدري حيض هو أو غيره، أجاب عن الحيض و الاستحاضة، و

سكت عن غيرهما! و ذلك لأنّ نوع الاشتباه الحاصل للنساء إنّما هو الاشتباه بين الدمين، و أمّا سائر الدماء فنادرة الوجود؛ لا يكون السؤال و الجواب محمولين عليها إلّا بالتنصيص.

فيكون محطّ الجواب و السؤال هو الاختلاط و الاشتباه بين الدمين، فلا يمكن استفادة الأمارة المطلقة؛ لا من منطوقها، و لا من مفهوم مثل رواية حفص.

فدعوى دلالة السياق علىٰ مدعاهم في غاية السقوط، بل دعوى دلالته علىٰ تشخيص الدمين قريبة جدّاً.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 22

حول اختصاص أمارية الصفات بمستمرّة الدم

نعم، حمل الروايات على التشخيص بين الدمين في حال الاستمرار؛ بحيث يكون التمييز بها لمستمرّة الدم كما ذهب إليه الشيخ الأعظم بل نسب إلى المشهور «1» غير وجيه ظاهراً؛ لأنّ السؤال في صحيحة ابن البَخْتَري مثلًا و إن كان عن مستمرّة الدم، لكن ظاهر الجواب هو ذكر الأوصاف التي لماهية دم الحيض في مقابل ماهية دم الاستحاضة؛ لا قسم خاصّ منه.

فقوله (عليه السّلام) بعد السؤال إنّ دم الحيض حارّ عبيط .. و دم الاستحاضة أصفر بارد

ظاهر في أنّ هذه الأوصاف لطبيعة الدمين و ماهيتهما، لا لصنف خاصّ منهما.

كما أنّ

قوله (عليه السّلام) في موثّقة إسحاق: إنّ دم الحيض ليس به خفاء؛ هو دم حارّ .. و دم الاستحاضة دم فاسد .. «2»

يدلّ علىٰ ما ذكرنا. و حمله علىٰ صنف خاصّ بمجرّد كون السؤال عنه بعيد.

و

قوله فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة

متفرّعاً على قوله السابق في الصحيحة يؤيّد ما ذكرنا.

و يدلّ علىٰ ذلك

صحيحة معاوية بن عمّار أو حسنته «3»، قال: قال

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 183/ السطر 26.

(2) تقدّم في الصفحة 18.

(3) رواها الكليني، عن محمّد بن

إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسىٰ و ابن أبي عمير، جميعاً عن معاوية بن عمّار.

وجه الترديد لوقوع محمّد بن إسماعيل النيسابوري في السند. راجع ما يأتي حوله في الصفحة 77 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 23

أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّ دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد؛ إنّ دم الاستحاضة بارد، و إنّ دم الحيض حارّ «1».

و لا تكون هذه الرواية مسبوقة بالسؤال؛ حتّى يأتي فيها ما ذُكر في غيرها. و لو سلّم عدم الاستفادة ممّا سبق، فلا مجال لرفع اليد عن ظهورها في أنّ وصف الحرارة لمطلق دم الحيض، و لا إشكال في كونها بصدد بيان تشخيص الدمين، و لا معنىٰ للإهمال في هذا الحال. و غاية الأمر في الروايات الأُخر عدم الدلالة، لا الدلالة على العدم. مع أنّ عدم الدلالة ممنوع.

الكلام حول دلالة مرسلة يونس الطويلة

نعم، بقيت المرسلة الطويلة حيث يدعىٰ دلالتها علىٰ أنّ الرجوع إلى الصفات ليس سُنّة المبتدئة؛ و أنّه مختصّ بالمضطربة التي لها أيّام متقدّمة مغفول عنها، و أنّ المبتدئة التي لم تُسبق بدم فسنّتها الرجوع إلى الروايات «2»، ففيها بعد ذكر السنّتين من السنن الثلاث التي سنّها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

قال: و أمّا السنّة الثالثة فهي التي ليس لها أيّام متقدّمة، و لم ترَ الدم قطّ، و رأت أوّل ما أدركت فاستمرّ بها، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الأُولىٰ و الثانية؛ و ذلك أنّ امرأة يقال لها: حَمَنة بنت جحش أتت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالت: إنّي استحضت حيضة شديدة، فقال: احتشي كُرْسُفاً.

فقالت: إنّه أشدّ من ذلك؛ إنّي أثجّه ثجّاً فقال: تلجّمي

و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّٰه ستّة أيّام أو سبعة، ثمّ اغتسلي غسلًا، و صومي ثلاثة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 10.

(2) الحدائق الناضرة 3: 194.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 24

و عشرين يوماً أو أربعة و عشرين ...

إلىٰ أن قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) فأراه قد سنّ في هذه غير ما سنّ في الأُولىٰ و الثانية؛ و ذلك لأنّ أمرها مخالف لأمر تَيْنك ...

إلىٰ أن قال فهذا بيِّن واضح؛ إنّ هذه لم يكن لها أيّام قبل ذلك قطّ، و هذه سنّة التي استمرّ بها الدم أوّل ما تراه، أقصى وقتها سبع، و أقصى طهرها ثلاث و عشرون، حتّى تصير لها أيّام معلومة فتنتقل إليها.

فجميع حالات المستحاضة تدور علىٰ هذه السنن الثلاث؛ لا تكاد أبداً تخلو من واحدة منهنّ:

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير، فهي علىٰ أيّامها و خلقتها التي جرت عليها؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها.

فإن اختلطت الأيّام عليها و تقدّمت و تأخّرت، و تغيّر عليها الدم ألواناً، فسنّتها إقبال الدم و إدباره و تغيّر حالاته.

و إن لم تكن لها أيّام قبل ذلك، و استحاضت أوّل ما رأت، فوقتها سبع، و طهرها ثلاث و عشرون.

و إن استمرّ بها الدم أشهراً فعلت في كلّ شهر كما قال لها ...

إلىٰ أن قال بعد ذكر حصول العادة بمرّتين و إن اختلط عليها أيّامها، و زادت و نقصت حتّى لا تقف منها علىٰ حدّ، و لا من الدم علىٰ لون، عملت بإقبال الدم و إدباره، ليس لها سُنّة غير هذا؛ لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغتسلي،

و لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ دم الحيض أسود يعرف، كقول أبي: إذا رأيت الدم البَحْراني ..

و إن لم يكن الأمر كذلك، و لكنّ الدم أطبق عليها، فلم تزل الاستحاضة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 25

دارّة، و كان الدم على لون واحد و حالة واحدة، فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون؛ لأنّ قصّتها كقصّة حَمَنة حين قالت: إنّي أثجّه ثجّاً «1».

فهذه الرواية عمدة مستند من ذهب إلىٰ أنّ المبتدئة سنّتها الرجوع إلى السبعة و الثلاثة و العشرين؛ ليس لها سنّة غيرها، و ليس لها الرجوع إلى الصفات.

لكنّ المتأمّل فيها من أوّلها إلىٰ آخرها، لا يبقى له ريب في أنّ الرجوع إلى التمييز بعد الرجوع إلى العادة، مقدّم على الرجوع إلى الروايات، و أنّ الرجوع إليها أي إلى السنّة الثالثة إنّما هو مع فقد الأمارة على الحيض أو الاستحاضة، و أنّ من كانت لها عادة معلومة يجب عليها الرجوع إليها؛ لأنّ العادة طريق قوي إلى الحيض، و مع فقد الأمارة القوية ترجع إلى الأمارة التي دونها؛ و هي إقبال الدم و إدباره و تغيّر حالاته و ألوانه، و مع فقد هذه أيضاً يكون المرجع هو السنّة الثالثة، و هي التي لفاقدة الأمارة.

و معلوم من الرواية حتّى مع قطع النظر عن ذيلها الذي هو كالصريح في المطلوب أنّ حَمنة بنت جحش كانت فاقدة الأمارة:

أمّا فقدها للعادة فمعلوم.

و أمّا فقدها للتمييز؛ فلأنّ الظاهر منها أنّ الدم كان في جميع الأزمنة كثيراً له دفع؛ حيث قالت إنّي استحضت حيضة شديدة و قالت إنّه أشدّ من ذلك؛ إنّي أثجّه ثجّاً، فقال: تلجّمي و تحيّضي .. فإنّ «الثجّ»: هو سيلان دم الأضاحي و

الهدي و الدم الذي بهذه الشدّة و الكثرة لا ينفكّ عن الحرارة و الحمرة،

______________________________

(1) الكافي 3: 83/ 1، تهذيب الأحكام 1: 381/ 1183، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 26

فله دفع و شدّة و حرارة و كثرة من غير تغيّر حال، و إنّما جعلت السنّة الرجوع إلى السبع لأجل ذلك.

ثمّ لو فرض إبهام فيها من هذه الجهة، فلا إشكال في أنّ ذيلها يرفع كلّ إبهام متوهّم؛ حيث قال فإن لم يكن الأمر كذلك .. إلىٰ آخرها، فيعلم من ذلك أنّ قصّة حَمنة هي كون الدم علىٰ حالة واحدة من الحرارة و الدفع و الكثرة، و على لون واحد لا يكون لها تمييز، و أنّ الثجّ دليل عليه، كما ذكرنا.

فلا إشكال في أنّ الرواية تدلّ علىٰ أنّ الرجوع إلى السبع و الثلاث و العشرين، سنّة التي فقدت الأمارتين المتقدّمتين، و تكون الاستحاضة دارّة عليها، و يكون في جميع الأوقات لها دَرّ و دفع، و علىٰ لون واحد، و علىٰ حالة واحدة، فمن كانت قصّتها هذه فلا إشكال في أنّها ترجع إلى الروايات.

فلا يستفاد منها أنّ المبتدئة إذا رأت أوّل ما رأت بصفة الحيض، لا تكون الصفات أمارة لها كيف! و صدر الرواية يدلّ علىٰ أمارية الصفات مطلقاً،

حيث قال فلهذا احتاجت إلىٰ أن تعرف إقبال الدم من إدباره، و تغيّر لونه من السواد إلى غيره؛ و ذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف

فترى كيف علّل رجوعها إلى الصفات

بقوله إنّ دم الحيض أسود يعرف

فيعلم منها أنّ العلّة في الرجوع، هي كون ماهية دم الحيض بهذه الصفة، لا أنّ صنفاً منها كذلك، فتدلّ علىٰ

أنّ هذه الصفات من مميّزات هذه الماهية عن ماهية الاستحاضة، و لهذا أرجعها إليها.

فيستفاد منها أنّه كلّما وجدت هذه الصفة، امتاز الحيض عن الاستحاضة فيما دار الأمر بينهما في غير ذات العادة التي سنّتها الرجوع إليها. و الظاهر أنّ المسألة لا تحتاج إلى زيادة إطناب.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 27

هل الأوصاف خاصّة مركّبة؟

ثمّ إنّ صريح «المستند» و ظاهر «الحدائق» و المحكي عن «المدارك» أنّ هذه الأوصاف خاصّة مركّبة؛ متى اجتمعت في الدم يحكم بأنّه حيض «1».

و استدلّ الأوّل منهم: «بأنّ ذلك مقتضى الجمع بين الروايات التي ذكرت بعضها و ما ذكر الجميع؛ بتقييد الإطلاق».

و هو في غاية البعد؛ فإنّه لا توجد في الروايات رواية تستجمع جميع الصفات، و أجمع الروايات في ذلك

صحيحة حفص حيث قال فيها إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود، له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة «2»

و مع ذلك لم تذكر فيها «الكثرة» التي ذكرتها صحيحة أبي المغراء «3» و رواية ابن مسلم في باب جمع الحيض و الحمل «4»، و ترك «الحرقة» المذكورة في موثّقة إسحاق بن جرير «5» و ترك ذكر «العبيط» في ذيلها مع ذكرها في صدرها.

و دعوى تقييد إطلاق كلّ رواية برواية أُخرى في غاية البعد، بل ارتكابه في

مرسلة يونس ممتنع؛ فإنّ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) نقل قضية شخصية عن

______________________________

(1) مستند الشيعة 2: 384، الحدائق الناضرة 3: 152، مدارك الأحكام 1: 313.

(2) تقدّم في الصفحة 15.

(3) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1191، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 5.

(4) الكافي 3: 96/ 2، وسائل الشيعة 2:

334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 16.

(5) تقدّم في الصفحة 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 28

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال لفاطمة بنت أبي حُبيش إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي ..

فترك أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) سائر الصفات لو كانت في كلام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) غير ممكن، و عدم ذكر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مع كونه في مقام بيان تكليفها و تأثيرها في الحكم أيضاً غير ممكن.

و ليس المقام مقام ذكر الكليات و القواعد و المطلقات و ترك القرائن إلىٰ زمان آخر، كما نقول ذلك في الروايات الملقاة إلىٰ أصحاب الأُصول و الكتب ففي مثل المقام لا يجوز تأخير البيان مع حاجتها الفعلية. و احتمال تغيّر الحكم بعد قضيّة فاطمة مع بُعده في نفسه يدفعه ذكر أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) ذلك في مقام بيان الحكم و إفادة أحكام المستحاضة.

و بالجملة: إنّ روايات الباب علىٰ كثرتها، لا تشتمل واحدة منها علىٰ جميع الصفات، بل في غالبها اكتفي بخاصّة واحدة، كصحيحة معاوية بن عمّار «1» حيث ذكر فيها الحرارة و في مقابلها البرودة، و

كمرسلة يونس حيث ذكر إقبال الدم في مقابل الإدبار تارة، و استشهد بقول النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إنّ دم الحيض أسود و علّل الحكم ب «أنّ دم الحيض أسود يعرف

اخرىٰ. و في صحيحة أبي المغراء اكتفىٰ بذكر الكثرة و في مقابلها القلّة. و في موثّقة إسحاق بن عمّار «2» اقتصر علىٰ كون الدم عبيطاً.

و في بعضها ذكر الوصفين منها، كموثّقة إسحاق

بن جرير حيث اكتفىٰ فيها بذكر الحرارة و الحُرْقة في الحيض، و ذكر الفساد و البرودة في الاستحاضة. و في مرسلة يونس اكتفىٰ بذكر البَحْراني و فسّره بالكثرة و اللون. و في رواية

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 10.

(2) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 29

محمّد بن مسلم في باب جمع الحَبْل و الحيض اقتصر على الكثرة و الحمرة في مقابل القلّة و الصفرة.

و في رواية حفص التي هي أجمعها ذكر في صدرها أربع صفات، و اقتصر في ذيلها على الثلاث.

فكيف يمكن أن تكون الأوصاف من قبيل الخاصّة المركّبة التي يكون لجميعها دَخْل في الموضوع، و لم يذكر الجميع في رواية مع كثرتها، و معه كيف يمكن تقييد الإطلاق؟! مع الغضّ عمّا ذكرنا من عدم إمكانه بالنسبة إلى المرسلة الطويلة.

فالقول بالخاصّة المركّبة غير صحيح. إلّا أن يدعىٰ أنّ بين الصفات ملازمة عادية غالبية؛ بحيث يستغني المتكلّم عن ذكر جميعها، فذكر الواحدة أو الاثنتين بمنزلة ذكر الجميع مع تلك الغلبة.

لكنّ الدعوىٰ غير ثابتة، فأيّ ملازمة غالبية بين كون الدم عبيطاً و بين كثرته، أو بين الدفع و السواد، أو بين الحرقة و العبيطية؛ فربّما كان الدم أسود غير دافع، أو حارّاً غير كثير؟! و بالجملة: هذه الدعوىٰ غير ثابتة، بل خلافها ثابت، فلا يمكن إلّا المصير إلى استقلال كلّ صفة في الأمارية.

في حجّية مطلق الظنّ بالحيضية

ثمّ إنّه قد يدعىٰ كون مطلق الظنّ بالحيضية حجّة، كما نفى البعد عنه صاحب «الجواهر» «1» أو كون الظنّ الحاصل من أيّ صفة من صفات الحيض

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 140.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 1، ص: 30

حجّة و لو لم تذكر في الروايات، بل و لو كانت مختصّة بمرأة بحسب حالها، كما نفى البعد عنه المولى الهمداني «1».

و الظاهر بُعدهما، خصوصاً الاولىٰ منهما؛ فإنّه إن كان المراد أنّ المستفاد من الأخبار هو حجّية الظنّ الشخصي؛ بحيث يدور الحكم بالحيضية مداره، فإن حصل من غير الصفات المذكورة في الروايات يكون حجّة، و إن لم يحصل من المذكورات فيها ظنّ لم يحكم بالحيضية، فهو تخرّص غريب لا يمكن الالتزام به، خصوصاً في الشقّ الثاني.

و إن كان المراد هو حجّية الظنّ الحاصل نوعاً من الصفات الخاصّة بالحيض و لو لم تذكر في الروايات مثل النتن المذكور في بعض الروايات غير المعتبرة «2» فله وجه؛ بدعوىٰ عدم خصوصية لتلك الصفات إلّا كونها من الصفات الغالبية، فلو فرض صفة أُخرى غالبية، لاستفيد منها بالارتكاز العرفي و إلغاء الخصوصية، كونها أمارة أيضاً. لكنّه غير خالٍ عن الإشكال، و بعيد عن مساق كلامهما، فالجمود على الروايات أسدّ و أشبه.

ثمّ الظاهر أنّ المستفاد منها هو جعل الأمارتين للحيض و الاستحاضة، فكما أنّ الصفات المذكورة لدم الحيض أمارة تعبّدية له، كذلك الصفات المذكورة لدم الاستحاضة، كالبرودة و الفساد و الصفرة و غيرها، فلو وجد في دمٍ بعضُ صفاتهما يكون من قبيل تعارض الأمارتين، و سيأتي زيادة توضيح للمقام إن شاء اللّٰه «3».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 301/ السطر 34.

(2) دعائم الإسلام 1: 127، مستدرك الوسائل 2: 7، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

(3) يأتي في الصفحة 49.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 31

المسألة الثانية فيما يميّز به دم الحيض عن دم العُذرة
اشارة

إذا اشتبه دم الحيض بدم العُذْرة، فتارة: لا يحتمل غيرهما، و أُخرى: يحتمل الآخر؛ من استحاضة أو

قُرحة أو غيرهما، كاحتمال انقطاعِ عرق في الباطن.

و علىٰ أيّ حال: قد يكون زوال البكارة معلوماً، فيدور الأمر بين كون الدم منها أو من غيرها، و أُخرى: يشكّ في زوالها، فيحتمل الزوال و الخروج منها أو من غيرها، و يحتمل عدم الزوال و الخروج من غيرها.

و علىٰ أيّ تقدير: قد يكون الدم في أيّام العادة، و قد يكون في غيرها، و قد تكون له حالة سابقة من حيض أو غيره، و قد لا تكون.

فيقع الكلام في جهات:

في أمارية التطوّق للعذرة و الانغماس للحيض

منها: أنّ المستفاد من روايات الباب، هل هو جعل أمارة تعبّدية على العُذْرة، أو ما ذُكر فيها من تطوّق الدم لرفع الاشتباه، و معه يحصل القطع بكونه دم العُذرة، كما تقدّم من المحقّق الخراساني في أوصاف دم الحيض «1» و احتمل ذلك في المقام أيضاً «2»؟

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15.

(2) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 14/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 32

ثمّ علىٰ فرض الأمارية، هل تكون أمارة مطلقة لتشخيص دم العُذرة مطلقاً، أو فيما إذا دار الأمر بينهما مطلقاً أو فيما إذا كان زوال البكارة معلوماً أيضاً؟

و هل يكون التطوّق أمارة على العُذرة، و عدمُه علىٰ عدمها، أو لا أمارية لعدمه؟ و هل يكون الاستنقاع أيضاً أمارة على الحيضية، أو لا؟

احتمالات يظهر حالها في خلال الجهات المبحوث عنها.

و لا بدّ من تقديم ذكر مستند الحكم حتّى يتضح الحال:

ففي صحيحة خلف بن حمّاد الكوفي قال: دخلت علىٰ أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) بمنىٰ، فقلت له: إنّ رجلًا من مواليك تزوّج جارية مُعصِراً لم تطمث، فلمّا افتضّها سال الدم، فمكث سائلًا لا ينقطع نحواً من عشرة أيّام، و إنّ القوابل اختلفن في

ذلك، فقال بعضهنّ: دم الحيض، و قال بعضهنّ: دم العُذْرة، فما ينبغي لها أن تصنع؟ قال فلتتّق اللّٰه، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتّى ترى الطهر، و ليمسك عنها بعلها، و إن كان من العُذْرة فلتتّق اللّٰه و لتتوضّأ و لتصلّ، و يأتيها بعلها إن أحبّ ذلك.

فقلت له: و كيف لهم أن يعلموا ما هو حتّى يفعلوا ما ينبغي؟ قال: فالتفت يميناً و شمالًا في الفسطاط؛ مخافة أن يسمع كلامه أحد، قال: فنهد إليّ فقال يا خلف، سرّ اللّٰه، سرّ اللّٰه فلا تذيعوه، و لا تعلّموا هذا الخلق أُصول دين اللّٰه، بل ارضوا لهم ما رضي اللّٰه لهم من ضلال.

قال: ثمّ عقد بيده اليسرىٰ تسعين، ثمّ قال تستدخل القطنة، ثمّ تدعها مليّاً، ثمّ تخرجها إخراجاً رفيقاً، فإن كان الدم مطوّقاً في القطنة فهو من العُذرة، و إن كان مستنقعاً في القطنة فهو من الحيض.

قال خلف: فاستخفّني الفرح فبكيت، فلمّا سكن بكائي قال ما أبكاك؟ قلت: جعلت فداك، من كان يُحسن هذا غيرك! قال: فرفع يده إلى السماء و قال

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 33

إنّي و اللّٰه ما أُخبرك إلّا عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن جبرئيل، عن اللّٰه عزّ و جلّ «1»

و قريب منها غيرها «2».

قال بعض شرّاح الحديث: «إنّ قوله: «عقد بيده اليسرىٰ تسعين» لعلّه من اشتباه الراوي، أو كان لحساب العقود ترتيب آخر غير مشهور، و إلّا فاليد اليسرى للمئات لا العشرات» «3» انتهىٰ.

و الأمر سهل بعد وضوح أنّ المراد منه وضع رأس ظفر مسبّحة يسراه على المفصل الأسفل من إبهامها؛ لإفهام كيفية وضع القطنة.

و لا إشكال في أنّ ظاهر

الرواية هو بيان الأمارة الشرعية التعبّدية لرفع الاشتباه تعبّداً، لا التنبيه علىٰ أمر تكويني لحصول القطع؛ لعدم الملازمة بين الاستنقاع و الحيض؛ لاحتمال اجتماع دم البكارة في جوف المحلّ و حصول الاستنقاع به، كاحتمال كون الحيض موجباً للتطوّق أحياناً، فحصول العلم لأجله ممنوع.

مع أنّ الظاهر من صدر الرواية و ذيلها حيث عدّ ذلك من سرّ اللّٰه الذي لا بدّ من كتمانه و عدم إفشائه للناس، و من أُصول دين اللّٰه، و من وحي اللّٰه إلىٰ رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بتوسّط جبرئيل أنّ ذلك من أحكام الشريعة و الأمارات التعبّدية، و إلّا لم يكن وجه لهذه التعبيرات و التقيّة الشديدة مع حصول العلم به لنوع النساء؛ و كونه من الأُمور الطبيعية، فاحتمال عدم الأمارية ضعيف لا يمكن رفع اليد عن ظاهر النصوص به.

______________________________

(1) المحاسن: 307/ 22، الكافي 3: 92/ 1، وسائل الشيعة 2: 272، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 2: 273، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 2 و 3.

(3) الوافي 6: 447.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 34

دخل العلم بالافتضاض في أمارية التطوّق

و منها: أنّ المفروض في الروايات و إن كان العلم بالافتضاض؛ و أنّه مع فرض العلم به دار الأمر بينه و بين الحيض، لكنّ المتفاهم منها أنّ التطوّق في هذا الحال- أي حال الدوران بينهما من خواصّ دم العُذرة المميّزة إيّاه من دم الحيض، و أنّ دم الحيض لا يوجب التطوّق، بل يوجب الاستنقاع و الانغماس.

كما يساعد عليه الاعتبار أيضاً؛ فإنّ دم الحيض من الباطن، فلا يتطوّق منه القطنة غالباً، و دم العذرة من زوال غشاء البكارة و خرقه، فيخرج الدم من الأطراف،

فتصير مطوّقة نوعاً، فلأجل هذه الغلبة جعل الشارع التطوّق أمارة للعُذرة.

و بالجملة: المتفاهم من الروايات عرفاً أنّه مع الدوران بين الأمرين يكون التطوّق أمارة للعذرة من غير تأثير للعلم بزوال البكارة و عدمه في ذلك.

فحينئذٍ لو شكّت في زوالها، و دار الأمر بينهما، فوضعت القطنة علىٰ نحو ما في الرواية فأُخرجت و كانت مطوّقة، يحكم بكون الدم من العُذرة، فيكشف عن تحقّق زوالها، فيرفع ذلك الشكّ؛ لحجّية الأمارة بالنسبة إلىٰ لوازمها و ملزوماتها.

في مورد أمارية التطوّق و الانغماس

و منها: أنّ الظاهر من الروايات خصوصاً من رواية خلف بن حمّاد المتقدّمة أنّ المفروض في السؤال و الجواب هو دوران الدم بين العذرة و الحيض، و لا ثالث للاحتمالين؛ فإنّ قوله: «إنّ القوابل اختلفن ..» إلىٰ آخره، ظاهر في أنّهن اتفقن علىٰ نفي الثالث و لو لأجل لازم قولهنّ، فحينئذٍ كان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 35

المفروض الاحتمالين؛ سواء قلنا بأمارية قول القوابل، و أنّ الأمارتين لدى التعارض لا تسقطان بالنسبة إلىٰ مدلولهما الالتزامي، أو لا:

أمّا على الأوّل فظاهر.

و أمّا على الثاني؛ فلأنّ الظاهر أنّ هذا الاختلاف صار سبباً لصرف ذهن السائل عن سائر الدماء و احتمالها. مضافاً إلىٰ أنّ سائر الدماء حتّى دم الاستحاضة علىٰ خلاف العادة و من انحرافات الطبيعة، بخلاف دم الحيض، فإنّه طبيعي، فالسؤال و الجواب منصرف إليه عن غيره، و لهذا يفهم ذلك من صحيحة ابن سوقة «1» أيضاً.

مع أنّ ظاهر السؤال فيها هو السؤال عن تكليفها بالنسبة إلى الصلاة، فجواب أبي جعفر (عليه السّلام): بأنّه مع التطوّق من العذرة، و مع الانغماس من الحيضة، إنّما هو في الموضوع الخاصّ؛ لا لأجل كون التطوّق يرفع جميع الاحتمالات إلّا العذرة، و الانغماس

جميعَها إلّا الحيضة حتّى يكون الاستنقاع و الانغماس من مميّزات الحيض عن جميع الدماء، لكن لا مطلقاً و إلّا لذكر مع الأوصاف في الروايات المتقدّمة في المسألة السابقة، بل عند إضافة احتمال العذرة أيضاً فإنّ هذا بمكان من البُعد، كيف! و لو كان لدم الحيض خاصّة مميّزة، لم يكن معنى لتأثير زوال العُذرة أو احتماله فيها.

______________________________

(1) و

هي: سئل أبو جعفر (عليه السّلام) عن رجل افتض امرأته أو أمته فرأت دماً كثيراً لا ينقطع عنها يوماً، كيف تصنع بالصلاة؟ قال: تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة مطوقةً بالدم فإنّه من العذرة، تغتسل، و تمسك معها قطنةً و تصلي، فإن خرج الكرسف منغمساً بالدم فهو من الطمث، تقعد عن الصلاة أيام الحيض.

الكافي 3: 94/ 2، وسائل الشيعة 2: 273، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 36

هذا مع أنّ الوجدان أيضاً غير مساعد علىٰ ذلك؛ فإنّ دم الحيض و الاستحاضة كليهما يخرجان من الجوف، و تصير القطنة بهما مستنقعة منغمسة نوعاً، من غير افتراق من هذه الجهة بينهما، فلا يكون الاستنقاع خاصّة مميّزة للحيض عن مطلق الدماء.

بل الظاهر أنّه من مميّزات سائر الدماء الخارجة من الجوف عن دم العذرة الذي يخرج من غشاء البكارة علىٰ نحو التطوّق. علىٰ إشكال في ذلك أيضاً؛ فإنّ مقتضى الجمود على الروايات، هو كون التطوّق أمارة على العذرة و الاستنقاع على الحيض؛ في حال دوران الأمر بينهما لا غير.

و غاية ما يمكن من دعوى إلغاء الخصوصية و الفهم العرفي هو كون الأمارتين مميّزتين لهما في حال الدوران بينهما مطلقاً و لو مع الشكّ في زوال العذرة، و لو كان هذا خارجاً عن مفادها

بدواً. و أمّا التخطّي عن مورد الدوران بينهما إلىٰ غيره فمشكل بعد خروجه عن مفادها و عدم مساعدة العرف عليه أيضاً.

نعم، لا إشكال في حصول الظنّ بأنّ التطوّق من العذرة في الدوران بينها و بين الاستحاضة، و الاستنقاع من الاستحاضة، لكن لا دليل على اعتبار هذا الظنّ أو الغلبة مع قصور الأدلّة.

و كما أنّ التطوّق ليس أمارة على العذرة في الدوران بينها و بين الاستحاضة، كذلك الاستنقاع ليس أمارة على الاستحاضة، و لا علىٰ عدم العذرة حتّى يؤخذ بلازمها؛ لعدم الدليل علىٰ ذلك، لأنّ الظاهر من الأدلّة أنّه في الموضوع الخاصّ.

و كما يكون التطوّق أمارة على العذرة، يكون الاستنقاع أمارة على الحيض، لا أنّه أمارة علىٰ عدم العذرة.

و لو سُلّم أماريته علىٰ عدمها، فإنّما هي في مورد الدوران فقط لا مطلقاً.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 37

أمارية التطوّق للعذرة مطلقاً

و منها: أنّ مقتضىٰ إطلاق صحيحة زياد بن سوقة و رواية خلف بن حمّاد الثانية «1» المحتمل كونها صحيحة؛ لاحتمال كون جعفر بن محمّد الواقع في سندها، هو جعفر بن محمّد بن يونس الثقة «2»، و كونها حسنة؛ لاحتمال كونه جعفر بن محمّد بن عون «3» أنّ التطوّق أمارة العذرة في حال الدوران مطلقاً لذات العادة و غيرها. كما أنّ مقتضىٰ إطلاق جميع الروايات هو أماريته لها و لو كان الدم بصفة الحيض.

و توهّم «4»: أنّ وقوع الاختلاف في متن

رواية خلف بن حمّاد، يوجب الترديد في جواز التعويل عليها؛ حيث قال في الرواية الأُولىٰ: «فقلت له: إنّ رجلًا من مواليك تزوّج جارية مُعصراً لم تطمث، فلمّا افتضّها سال الدم، فمكث سائلًا لا ينقطع نحواً من عشرة أيّام» و في الثانية قال: «قلت لأبي

الحسن الماضي (عليه السّلام): جعلت فداك، رجل تزوّج جارية أو اشترىٰ جارية طمثت، أو لم تطمث، أو في أوّل ما طمثت، فلمّا افترعها غلب الدم، فمكث أيّاماً و ليالي ..» إلىٰ آخره،

فترى أنّ الظاهر من الاولىٰ أنّ السؤال كان مقصوراً علىٰ مُعصر لم تطمث،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 385/ 1184، وسائل الشيعة 2: 274، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 3.

(2) رجال الطوسي: 374/ 1.

(3) قال النجاشي في ترجمة محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي: «كان أبوه وجهاً روىٰ عنه أحمد بن محمّد بن عيسىٰ».

رجال النجاشي: 373/ 1020، تنقيح المقال 1: 225/ السطر 9.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 141 142.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 38

و الثانية عن التي طمثت، أو لم تطمث، أو في أوّل ما طمثت.

مدفوع: بأنّ هذا ليس من التشويش أو الاختلاف الموجبين للتأمّل فيها؛ فإنّ ترك بعض الخصوصيّات ممّا لا يضرّ بالحكم لبعض الدواعي، أو لعدم الداعي في النقل لا يوجب خللًا فيها، و لا ريب في أنّ اختلافهما إنّما هو لأجل ذلك؛ أ لا ترى أنّ مقدّمات ملاقاته و غيرها ممّا هي مذكورة في الرواية الأُولىٰ إنّما ترك ذكرها في الثانية لبعض الدواعي، أو عدم الداعي في النقل، فترك بعض شقوق المسألة أيضاً من هذا القبيل.

و لا ظهور للرواية الاولىٰ في كون السؤال مقصوراً علىٰ ما ذكر إلّا لعدم الذكر و السكوت، و المذكور فيها أحد الشقوق التي ذكرت في الرواية الثانية؛ و هو قوله: «أو في أوّل ما طمثت» أي في أوّل زمان طمثها، و هو بمنزلة قوله: «معصراً» فإنّ المراد منه كونها في عصر الطمث و زمانه.

و معنى «أوّل ما طمثت»:

أوّل زمان طمثها، في مقابل التي طمثت؛ أي كانت امرأة ليس أوّل طمثها، بل طمثت سابقاً. و قوله: «لم تطمث» في مقابلهما؛ أي التي في سنّ الطمث و لمّا تطمث؛ أي مضى منها أوقات كان من شأنها أن تطمث فيها و لم تطمث، فلا إشكال من هذه الجهة فيها.

فتحصّل: أنّ مقتضىٰ إطلاقها عدم الفرق بين ذات العادة و غيرها، و الدم الموصوف بصفات الحيض و غيره.

و لا ينافيها ما دلّ على اعتبار العادة و الصفة:

أمّا اعتبار الصفات؛ فلأنّ الظاهر من أدلّتها هو أنّ تلك الصفات مميّزات الحيض عن الاستحاضة، لا عن مطلق الدماء كما مرّ «1».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 39

و أمّا اعتبار العادة فكذلك أيضاً؛ فإنّ أقوى ما دلّ عليه هو

مرسلة يونس القصيرة، حيث قال فيها و كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، و كلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض «1».

و الظاهر منها بعد الغضّ عن الإشكالات الآتية فيها سنداً و متناً «2» أنّها ناظرة إلىٰ أنّ الصفات المميّزة بين الحيض و الاستحاضة إنّما هي لغير ذات العادة، و أمّا هي فعلى عادتها؛ رأت حمرة أو صفرة، و ليست ناظرة إلى مثل ما نحن فيه، و ليست الكلّية إلّا في مورد الصفات، لا مطلق الدم، فالجمع العرفي يقتضي اختصاص الرجوع إلى العادة بمورد الدوران بين الحيض و الاستحاضة، دون الحيض و العذرة ممّا ذكر له طريق خاصّ و أمارة مستقلّة.

أمارية التطوّق و الانغماس في جميع صور الشكّ

و منها: أنّ المرأة التي اشتبه دم حيضها بالعذرة تارة: تعلم حال سابقها، و أُخرى: لا تعلم، بل حال حدوث الدم تشكّ في

أنّه منه، أو منها، أو مختلط منهما.

و على الأوّل تارة: تكون الحالة السابقة هي الحيض، ثمّ تشكّ في عروض دم العذرة.

و أُخرى: تكون هي دم العذرة، ثمّ يحدث الشكّ في عروض الحيض، فتحتمل بقاء دم العذرة و عدم كون الدم من الحيض، و انقطاع دم العذرة و كونَه من الحيض، و اختلاطَهما.

______________________________

(1) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 279، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 3.

(2) يأتي في الصفحة 92 95.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 40

و ثالثة: تكون الحالة السابقة هما معاً، ثمّ تشكّ في بقاء أحدهما و انقطاع الآخر، أو بقائهما و امتزاجهما. و قد يكون الشكّ سارياً، و يأتي فيه الفروض المتقدّمة.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في أنّ المستفاد من روايات الباب: أنّ التطوّق أمارة للعذرة و الانغماس للحيض في جميع صور الشكّ أو لا، و على الأوّل هل يجب الاختبار في جميعها أو لا؟

لا يبعد استفادة جميع الصور ما عدا الشكّ في زوال البكارة منها:

أمّا غير صورة كون الحالة السابقة هي الحيض فلإطلاقها؛ فإنّه بعد سيلان الدم و عدم انقطاعه، يمكن أن يكون الشكّ سارياً، فتشكّ في أنّ الدم من أوّل الأمر من أيّهما كان، و يمكن أن تكون عالمة بكونه من العذرة، و تشكّ في حدوث الحيض، و يمكن أن تكون عالمة بكونه منهما، ثمّ تشكّ؛ لأجل الشكّ في انقطاع أحدهما، فترك الاستفصال دليل على إطلاق الحكم.

و أمّا الصورة المذكورة، فلاستفادتها من رواية خلف الثانية فإنّ قوله: «جارية طمثت، أو لم تطمث، أو في أوّل ما طمثت» يحتمل وجوهاً، أقربها أن يكون المراد من «التي طمثت» هي المرأة التي كانت تحيض، و من «التي

لم تطمث» هي من لم تحض سواء كانت معصراً أو لا، فحينئذٍ يكون المراد من «التي في أوّل ما طمثت» بقرينة المقابلة هي التي طمثت فعلًا، و كان طمثها ذلك أوّلَ طمث لها، فلمّا افترعها غلب الدم و صار كثيراً، لا أنّه حدث الدم، و عليه فالصورة المذكورة تكون مسؤولًا عنها بالخصوص.

و مع الغضّ عنه يكون قوله: «جارية طمثت» بإطلاقه شاملًا لهذه الصورة، و قوله «غلب الدم» أعمّ من غلبة الدم حدوثاً و غلبته بعد وجود أصله؛ لو لم نقل بظهوره في الثاني.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 41

و كيف كان: فلا يبعد استفادة جميع الصور من الرواية.

و أمّا صورة الشكّ في زوال العذرة و إن كانت خارجة منها، لكن يفهم حكمها منها عرفاً؛ فإنّ الظاهر كما مرّ «1» أنّ التطوّق أمارة لماهية دم العذرة من غير تأثير للعلم و الشكّ فيه، فمع الشكّ في حصوله لو اختبرت فخرجت القطنة مطوّقة، يحكم بزوال البكارة، كما يحكم بكون الدم من العذرة.

حول وجوب الاختبار في جميع صور الشكّ

ثمّ بعد كون التطوّق أمارة مطلقة في حال الدوران بينهما، و كذا الاستنقاع على الظاهر، فالظاهر وجوب الاختبار في جميع الصور حتّى صورة الشكّ في زوال البكارة:

أمّا في غير هذه الصورة، فظاهر بعد دخولها في مفاد الروايات.

و أمّا في هذه الصورة، فلأنّ الظاهر منها أنّه مع إمكان تحصيل الأمارة علىٰ أحدهما، يسقط الأصل؛ فإنّ صورة عدم المسبوقية بالحيض هي المتيقّنة من الصور في شمول الروايات لها، و مع ذلك لم يعوّل عليها أبو الحسن (عليه السّلام) مؤكّداً بقوله فلتتّقِ اللّٰه فيفهم منه أنّ الأصل في مثل ما يمكن تحصيل الأمارة الشرعية، غير معوّل عليه. مع أنّ العرف أيضاً لا يساعد على

الرجوع إلى الأصل مع وجود الأمارة الحاكمة؛ و إمكانِ الاطلاع عليها بالاختبار، تأمّل.

فوجوب الاختبار مطلقاً أحوط، بل أوجه و أقوى.

ثمّ إنّ وجوبه ليس نفسياً و لا شرطياً بل طريقي كوجوب العمل بخبر الواحد، فإذا تركته و صلّت، فإن كانت حائضاً تستحق العقوبة لأجل الصلاة في حال

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 42

الحيض، و إن كانت طاهرة تصحّ صلاتها مع حصول قصد القربة.

و ليس في الروايات لإدخال القطنة كيفية خاصّة غير ما في رواية خلف «1» فهل الوَدْع ملياً و الإخراج رفيقاً واجبان، أو لا؟ وجهان:

من أنّ مقتضى الجمع بينها و بين إطلاق صحيحة زياد «2» تقييد إطلاقها.

و من إمكان الحمل على الأولوية و الاستحباب؛ أخذاً بإطلاقها الذي في مقام البيان.

و الأوّل أحوط لو لم يكن أقوى. و اختلاف روايتي خلف من هذه الجهة لا يضرّ؛ بعد تقدّم أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة عند العقلاء، خصوصاً مثل تلك الزيادة التي لا يحتمل فيها الخطأ و الاشتباه، فعدم الذكر في الرواية الثانية لجهة من الجهات.

ثمّ إنّه إذا تعذّر عليها الاختبار، ترجع إلىٰ سائر القواعد المقرّرة للشاكّ.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 32.

(2) تقدّمت في الصفحة 35.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 43

المسألة الثالثة فيما يميّز به دم الحيض عن دم القرحة
اشارة

إذا اشتبه دم الحيض بدم القرحة، فعن المشهور وجوب الاختبار و ملاحظة خروج الدم من الأيسر أو الأيمن، فإن كان من الأيسر فهو من الحيض، و إن كان من الأيمن فهو من القرحة «1».

و عن «المعتبر» عدم الاعتبار بالاختبار «2»، و تبعه الأردبيلي و صاحب «المدارك» «3». و عن الشهيد في «الدروس» عكس المشهور «4»، و عن «الذكرى» الميل إليه «5»، لكنّه

أفتىٰ في «البيان» موافقاً للمشهور «6».

استفادة أمارية خروج الدم من الأيسر أو الأيمن من رواية أبان

و مبنىٰ ذلك هو الاختلاف الواقع في نسخة «الكافي» و «التهذيب» في المرفوعة التي هي الأصل في هذا الحكم،

ففي «الكافي» عن محمّد بن يحيىٰ رفعه عن أبان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): فتاة منّا بها قرحة في جوفها،

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 252، مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 12، مستند الشيعة 2: 385- 386، جواهر الكلام 3: 144.

(2) المعتبر 1: 198 199.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 141 142، مدارك الأحكام 1: 318.

(4) الدروس الشرعيّة 1: 97.

(5) ذكرى الشيعة 1: 229.

(6) البيان: 57.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 44

و الدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة، فقال:

مُرها فلتستلقِ علىٰ ظهرها، ثمّ ترفع رجليها، ثمّ تستدخل إصبعها الوسطىٰ، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة «1».

و عن الشيخ في «التهذيب» روايتها، لكن فيها قال فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة «2».

ثمّ إنّ الظاهر ترجيح نسخة الشيخ علىٰ نسخة «الكافي» للشهرة المنقولة على الفتوى بمضمونها قديماً و حديثاً، بل عن «جامع المقاصد» نسبتها إلىٰ فتوى الأصحاب «3»، و عن «حاشية المدارك» نقل اتفاق المتقدّمين و المتأخّرين من المحدّثين علىٰ موافقة المشهور «4»، و هو الموافق لرسالة علي بن بابويه إلى الصدوق «5» التي قيل: «إنّها كانت المرجع عند إعواز النصوص» «6» و الموافق «للفقه الرضوي» «7» و أفتى به المفيد «8» و غيره «9».

______________________________

(1) الكافي 3: 94/ 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 385/ 1185.

(3) جامع المقاصد 1: 282.

(4) انظر مفتاح

الكرامة 1: 338/ السطر 14، حاشية المدارك، ضمن مدارك الأحكام: 52، ذيل قوله «فيما يخرج» (ط. حجري).

(5) الفقيه 1: 54.

(6) الحدائق الناضرة 3: 134.

(7) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 193.

(8) لم نعثر عليه في مصنّفات المفيد (رحمه اللّٰه)، انظر مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 15.

(9) النهاية: 24، السرائر 1: 146.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 45

فلا إشكال في اشتهار الحكم بين الأصحاب.

و في مقابله فتوى ابن الجنيد «1» لكن مفروض كلامه دوران الأمر بين الحيض و الاستحاضة؛ فإنّ المحكي عنه: «أنّ دم الحيض أسود عبيط تعلوه حمرة، يخرج من الجانب الأيمن، و تحسّ المرأة بخروجه، و دم الاستحاضة بارد رقيق يخرج من الجانب الأيسر» و الظاهر أنّه من الصفات المميّزة بين الحيض و الاستحاضة، كسائر الصفات المذكورة، فلا يعلم فتواه في المقام.

و عن ابن طاوس و الشهيد في «الذكرى»: «أنّ ما في «التهذيب» مخالفاً «للكافي» إنّما هو في النسخ الجديدة» و قطعا بأنّه تدليس، و كانت النسخ القديمة موافقة «للكافي» «2».

و قد رجع «الشهيد» عن هذا الاعتقاد ظاهراً؛ لفتواه في «البيان» الذي يقال: «إنّه متأخّر في التصنيف عن «الذكرى» «3» موافقاً للمشهور «4».

و عن «شرح المفاتيح»: «أنّ ابن طاوس لم ينقل عنه مخالفة المشهور» «5».

و أمّا حديث التدليس في النسخ الجديدة، فيردّه فتوى الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» علىٰ وفق المشهور «6»، و لا إشكال في أنّ مستنده هذه الرواية.

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 199، مختلف الشيعة 1: 194.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 25، ذكرى الشيعة 1: 229 230.

(3) مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 31.

(4) البيان: 57.

(5) مصابيح الظلام 1: 21/ السطر 24 (مخطوط).

(6) المبسوط 1: 43، النهاية: 24.

كتاب

الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 46

مع أنّ اختلاف النسخ لم ينقل إلّا من ابن طاوس و الشهيد، فعن ابن طاوس نسبة كون الحيض من الأيسر إلىٰ بعض نسخ «التهذيب» الجديدة، و عن «الذكرى»: أنّ كثيراً من نسخ «التهذيب» موافقة لرواية «الكليني».

و كيف كان: لو كان الاشتباه من النسّاخ، لما أفتى الشيخ في كتبه الفتوائية- خصوصاً مثل «النهاية» بخلافها.

و لو كانت النسخ الموافقة «للكافي» بهذه الكثرة لما خفي علىٰ غيرهما، مع بناء محشّي «التهذيب» علىٰ ما قيل «1» علىٰ نقل النسخ المختلفة، و لم ينقلوا ذلك. بل عن «شرح المفاتيح»: «أنّه اعترف جميع المحقّقين باتفاق نسخ «التهذيب» علىٰ ما وجدناه» «2».

فاتّضح أنّه لم يكن خلاف في المسألة بين المتقدّمين كالصدوقين و المفيد و الشيخ و من تأخّر عنهم «3» سوى المحقّق في «المعتبر» علىٰ ما حكي عنه، و قد حكي عن «المعتبر»: «أنّ ما في «الكافي» لعلّه من وَهْم الناسخ» «4». و أمّا الأردبيلي فطريقته المناقشة و عدم الاعتناء بالشهرات، و كذا متابعوه.

و من ذلك كلّه يقع الترديد فيما نقل عن ابن طاوس و الشهيد و ليس عندي كتابهما حتّى أتأمّل في عبارتهما، فمن المحتمل أن يكون قطعهما بالتدليس كان لأمر غير ما ذكر، كالاعتماد التامّ على «الكافي» و حفظه.

______________________________

(1) مصابيح الظلام 1: 21/ السطر الأخير (مخطوط)، مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 29، جواهر الكلام 3: 145 146.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 29، مصابيح الظلام 1: 21/ السطر 27 (مخطوط).

(3) المهذّب 1: 35، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 57، السرائر 1: 146.

(4) المعتبر 1: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 47

و علىٰ أيّ حال: فالمسألة مشهورة فتوى،

و الخلاف لو ثبت شاذّ نادر، و قد ذكرنا في محلّه: أنّ الشهرة الفتوائية ليست من المرجّحات «1» حتّى يناقش بأنّ ما نحن فيه ليس من الروايتين المتعارضتين؛ بل بقيامها تمتاز الحجّة عن غيرها و أنّ المشتهرَ بين الأصحاب فتوى بيّنٌ رشده فيتّبع، و الشاذَّ النادرَ بيّنٌ غيّه فيجتنب.

و الإنصاف: أنّ الشهرة في مثل هذا الحكم المخالف للاعتبار و القواعد و التعبّدي المحض، حجّة معتبرة في نفسها مع قطع النظر عن الرواية، فضلًا عن المقام الذي يمكن حصول الاطمئنان باتكالهم علىٰ رواية أبان أو «الفقه الرضوي» فالمسألة من هذه الجهة خالية من الإشكال.

و أمّا ما يقال «من أنّ الحكم علىٰ خلاف الاعتبار، و أنّ القرحة قد تكون في الطرف الأيسر، و قد تكون محيطة بالمحلّ» «2»، فلا ينبغي الإصغاء إليه في الأحكام التعبّدية.

مع أنّ كيفية خروج الدم غير معلومة لنا، فلعلّ الغالب في خروج الحيض- إذا كانت المرأة مستلقية كذلك.

و كيف كان: لا يمكن رفع اليد عن الدليل المعتبر بمثل ذلك، مع دعوى شهادة النساء بما يوافق المشهور «3».

______________________________

(1) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 168 و 177.

(2) مدارك الأحكام 1: 318، مستند الشيعة 2: 388.

(3) حاشية المدارك، ضمن مدارك الأحكام: 52، ذيل قوله «فيما يخرج» (ط. حجري)، جواهر الكلام 3: 146.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 48

الإشكال في مقتضى إطلاق رواية أبان

ثمّ إنّ إطلاق الرواية و ترك الاستفصال فيها و إن اقتضىٰ عدم الفرق بين الجهل بمحلّ القرحة و العلم به؛ سواء كانت في الأيمن أو الأيسر و دعوىٰ جهل المرأة بمحلّها غالباً، مع كون القرحة ذات ألم غالباً في غير محلّها لكنّ الالتزام به مع العلم بكون القرحة في الطرف الأيسر، في

غاية الإشكال. مع عدم إحراز فتوى الأصحاب في مثل تلك المسألة التي تكون علىٰ خلاف الاعتبار، فالاتكال علىٰ مثل ترك الاستفصال في القضية التي لا يبعد أن تكون شخصية مشكلٌ، تأمّل.

كما أنّ الظاهر أنّ تلك الأمارة خاصّة بدوران الأمر بين الحيض و القرحة، لا مطلقاً، و ما عن «المدارك»: «أنّ الجانب إن كان له مدخل في الحيض وجب اطراده، و إلّا فلا» «1» فهو كما ترى.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 1: 318.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 49

المسألة الرابعة في سائر الاشتباهات بين دم الحيض و غيره
اشارة

فإنّ منشأ الشكّ في دم الحيض قد يكون فقدان الأمارة، كما لو اشتبه بدم الجرح مثلًا ممّا لم يرد فيه نصّ.

و قد يكون تعارض الأمارتين، كما لو رأت دماً فيه بعض صفات الحيض و بعض صفات الاستحاضة؛ إن قلنا بأمارية الصفات.

و قد يكون قصور اليد عن الوصول إلى الأمارة المحقّقة، كما لو علمت بتحقّق التطوّق أو الانغماس، لكن اشتبه عليها حاله لأجل مانع من ظلمة أو غيرها.

و قد يكون عدم التمكّن من استعمال الأمارة، كما لو غلب الدم، أو ضاق المجرىٰ. و من فقدان الأمارة ما إذا كان الاشتباه ثلاثيّ الأطراف أو أكثر، كما لو دار الأمر بين الحيض و الاستحاضة و القرحة، أو هي و الجرح أو العذرة؛ ممّا قصرت النصوص عن شمولها.

و أيضاً: قد يكون الشكّ لأجل الشكّ في المكلّف، كما لو شكّت الخنثىٰ في ذكورتها و أُنوثتها، فصار منشأً للشكّ في كون الدم حيضاً، أو شكّت في بلوغها أو يأسها، فصار منشأً لشكّها في كونه حيضاً.

و قد يكون الشكّ لأجل الشكّ في تحقّق شرط أو مانع، كما لو شكّت في كون الدم بعد العشرة أو لا، أو قبل الثلاثة أو لا، أو

شكّت في تحقّق الفصل المعتبر بين الدمين.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 50

و قد يكون لأجل الشكّ في شرطية شي ء، كالتوالي ثلاثة أيّام، أو مانعية شي ء، كالفترات اليسيرة بين ثلاثة أيّام.

و قد يكون لأجل الشكّ في تحقّق شرطه بعدُ، كالمبتدئة التي تشكّ في استمرار دمها إلىٰ ثلاثة أيّام.

إلىٰ غير ذلك، كالشكّ في كونه حيضاً مع وجدان الشرائط و فقدان الموانع بحسب الأدلّة الشرعية، و مع تحقّق ما تحتمل شرطيته و فقدان ما تحتمل مانعيته بحسب الشبهات الحكمية، لكن مع ذلك تشكّ في الحيضية لأجل بعض الاحتمالات الشخصية الجزئية التي تختلف بحسب اختلاف الحالات و الأمزجة. هذه هي نوع الشكوك الواقعة أو ممكنة الوقوع للنساء.

فيقع الكلام في أنّه مع فقدان الأمارات أو تعارضها أو عدم إمكان التعويل عليها، هل تكون قاعدة شرعية أو عقلائية ممضاة ترفع الشكّ شرعاً، و تكون معوّلًا عليها لدى الشبهة، أو لا؟ و على فرض وجودها، فما حدّها سعةً و ضيقاً؛ و هل يمكن رفع جميع الشكوك المتقدّمة بها، أو تختصّ ببعضها؟

الكلام في قاعدة الإمكان
اشارة

و ليعلم: أنّ ما هو الدائر في الألسن و المشتهر بين الأصحاب في المقام؛ هو قاعدة الإمكان، و هي: «أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض» و قد تكرّر نقل الإجماع عليها، و أرسلوها إرسال المسلّمات «1»، فلا بدّ من بسط الكلام فيها موضوعاً، و مدركاً و مورداً

______________________________

(1) المعتبر 1: 203، جامع المقاصد 1: 288، مفتاح الكرامة 1: 345/ السطر 20، رياض المسائل 1: 345، جواهر الكلام 3: 163 164.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 51

موضوع قاعدة الإمكان

أمّا الأوّل: فيحتمل في بادئ الأمر أن يكون «الإمكان» بمعنى الاحتمال بقول مطلق، فيشمل جميع الصور من الشكوك المتصوّرة؛ لمساوقة الشكّ للاحتمال، أو أعمّيته من الشكّ.

و أن يكون بمعنى عدم الامتناع بحسب القواعد الشرعية؛ أي إذا لم يرد دليل شرعي علىٰ عدم حيضيته بحسب نفس الأمر؛ وصل إلينا أو لم يصل.

و أن يكون بمعنى عدم الامتناع بحسب ما وصل إلينا من القواعد الشرعية؛ أي إذا لم يدلّ دليل شرعي علىٰ عدم حيضيته، و أُحرز عدم امتناعه كذلك، لا بمعنى الإمكان العامّ حتّى يشمل مورد قيام الأمارة على الحيضية، بل بمعنى أنّه إذا لم يقم أمارة و دليل شرعي على الطرفين، تكون القاعدة معوّلًا عليها. و لعلّ هذا مراد من قال: «إنّ الإمكان هو الاحتمالي، لكن الاحتمال المستقرّ» «1».

و أن يكون بمعنى الإمكان الذاتي و عدم الامتناع ذاتاً؛ أي سلب الضرورة عن الجانب المخالف للحكم بالحيضيّة.

هذا، لكنّ الاحتمال الأخير غير صحيح؛ لأنّ المراد من «الدم» هو الدم الخارجي الموجود، لا ماهية الدم، و الدم الموجود إمّا واجب الحيضية، أو ممتنعها. و كذا الاحتمال الثاني؛ فإنّ العلم بالواقعيات غير حاصل للمكلّفين، فتقييد الموضوع بأمر

غير محقّق، موجب للغوية القاعدة.

فيبقى الاحتمال الأوّل و الثالث:

و لازم الاحتمال الأوّل هو الحكم بحيضية كلّ محتمل إلّا ما قام دليل علىٰ

______________________________

(1) الروضة البهيّة 1: 374، روض الجنان: 73/ السطر 1 6، رياض المسائل 1: 345.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 52

خلافها. بل المعوّل عليه هو القاعدة في موارد الشبهات المصداقية لأدلّة جعل الأمارات، فلو شكّت في تحقّق أمارة العذرة أو الاستحاضة مثلًا، فلا يجوز التمسّك بدليلهما، و معه ينسلك في موضوع القاعدة؛ لأنّ موضوعها هو الاحتمال، و مع عدم إحراز الأمارة يتحقّق الاحتمال الذي هو موضوعها، و كذا في تعارض الأمارتين.

و لازم الثاني هو الحكم بحيضية ما أُحرز استجماعه للشرائط المقرّرة له، فقبل استمرار الدم إلىٰ ثلاثة أيّام، لا يحكم بالحيضية إلّا إذا أُحرز الشرط بالأصل. و كذا مع الشبهة المصداقية للقواعد المقرّرة الشرعية؛ لعدم إحراز الإمكان بحسب القواعد المقرّرة. و كذا مع الشكّ في قيام الأمارة بعد إحراز أماريتها، كما لو اشتبهت الأمارتان لأجل الظلمة مثلًا؛ لعدم إحراز موضوع القاعدة؛ و هو الإمكان الواقعي بالنظر إلى المقرّرات الشرعية. ثمّ إثباتُ أنّ «الإمكان» في موضوع القاعدة بأيّ معنى يكون، تابعٌ للدليل الدالّ عليه.

دليل قاعدة الإمكان
اشارة

و أمّا الثاني: فقد استدلّ عليها بوجوه:

الأوّل: أصالة السلامة

و قد عوّل عليها في «الرياض» «1» و قرّبها في «مصباح الفقيه» بما لا مزيد عليه. و محصّله: أنّ أصل السلامة أصل معتبر معتمد عليه عند العقلاء كافّةً في جميع أُمورهم معاشاً و معاداً، و يشهد به تتبّع الأخبار و سيرة العقلاء؛ و أنّ دم الحيض تقذفه الرحم بمقتضىٰ طبعها و مع عدم انحرافها عن

______________________________

(1) رياض المسائل 1: 345.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 53

حالتها الطبيعية، و أمّا سائر الدماء حتّى دم الاستحاضة فدماء غير طبيعية منشؤها خلل في المزاج أو آفة، فلا يعتني العقلاء باحتمال ينافي أصالة السلامة، فعند الاشتباه بين دم الحيض و غيره، لا بدّ من البناء على الحيضية عملًا بأصل السلامة.

ثمّ بالغ في التأييد و الاستشهاد بطوائف من الأخبار يأتي الكلام فيها إن شاء اللّٰه «1» و جعل جميعها دليلًا علىٰ كون الأصل في دم النساء هو الحيضية، و أنّ ملاحظة سيرة النساء و الأسئلة و الأجوبة الواردة في الأخبار، تكاد تُلحق المسألة بالبديهيات .. إلىٰ آخر ما فصّل و قرّر «2».

و يمكن المناقشة فيه بوجوه:

منها: أنّ بناء النساء علىٰ أنّ الدم المقذوف حيض لو سلّم، فكونه لأجل الاتكال علىٰ أصل السلامة غير مسلّم، خصوصاً مع هذه الحدود التي قرّرها الشارع، فلو علمت المرأة: أنّ الدم بأيّ صفة و في أيّ وقت خرج، إذا لم يبلغ ثلاثة أيّام، و نقص منها و لو ساعة واحدة، ليس بحيض شرعاً، و كذلك الدم المتجاوز عن العشرة و لو قليلًا، و الدم الخارج قبل تمام عشرة أيّام من الحيضة السابقة .. و هكذا، فهل تبنى على الحيضية بمجرّد رؤية الدم اتكالًا علىٰ

أصالة الصحّة، فتحكم باستمراره إلىٰ ثلاثة أيّام، و هل ترى أنّ العقلاء يحكمون بأنّ الدم مع انقطاعه قبل ثلاثة أيّام بساعة، من انحراف المزاج، بخلافه إذا استمرّ إلىٰ تمام الثلاثة؟! و الذي يمكن أن يقال: إنّ بناء النساء علىٰ حيضية الدم غالباً، غير قابل للإنكار، لكن لا لأجل الاتكال علىٰ أصالة الصحّة، بل معهودية الدم،

______________________________

(1) ستأتي في الصفحة 55 64.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 271/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 54

و الحالات التي تعرضهنّ في حال خروج الدم أو قبله، و الأوصافُ و الخصوصيات التي للدم المعهود، و غيرُ ذلك من الغلبة و غيرها، صارت موجبة لقطعهنّ أو اطمئنانهنّ بكون الدم هو المعهود من النساء، و أمّا الاتكال علىٰ مجرّد أصالة الصحّة لو فرض عدم وجود الغلبة و القرائن و العلائم التي للدم و للمرأة في قرب رؤيته أو حينها فغير معلوم، لو لم نقل: إنّه معلوم العدم.

و منها: أنّه بعد تسليم جريانِ أصالة الصحّة و كونِ اتكالهنّ عليها، لا يمكن أن تكون دليلًا علىٰ قاعدة الإمكان؛ سواء فسّرناها بالمعنى الأوّل من المعاني المتقدّمة، أو بالثالث؛ ضرورة أنّ أصالة السلامة ليست من الأُصول التعبّدية، فإنّه مضافاً إلىٰ عدم ثبوت التعبّد في الأُمور العقلائية، لازمه أن لا نحكم على الدم بالحيضية؛ لأنّ الحيضية من لوازم صحّة المزاج و سلامته، فأصالة السلامة مجراها المزاج، و لازم صحّة الرحم أن يكون قذفها طبيعياً، و لازم ذلك كون الدم حيضاً و كون المرأة حائضاً، فلا محيص لإثبات المدعىٰ.

إلّا أن يدعىٰ: أنّ أصالة السلامة طريق عقلائي لإثبات متعلّقه، و أنّ الظنّ الحاصل لأجل الغلبة و غيرها طريق إلى السلامة، و مع ثبوتها تثبت لوازمها.

فمع تسليم

هذه الأمارة العقلائية و الغضّ عن المناقشة فيها، لا يمكن أن تكون مبنى القاعدة؛ لأنّ مفاد القاعدة: أنّ ما يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض، بمجرّد احتمال الحيضية على المعنى الأوّل، أو إمكانها أي عدم الدليل علىٰ خلافها على المعنى الثاني، و مع قيام الأمارة على الحيضية يخرج المورد عن موضوع القاعدة، و كيف يمكن أن يكون دليل الشي ء مُعدِماً لموضوعه؟! و بعبارة اخرىٰ: أنّ موضوع القاعدة هو إمكان الحيضية، فوجوب الحيضية و امتناعها خارجان عن مصبّها. إلّا أن يفسّر «الإمكان» بالإمكان العامّ أي سلب الضرورة عن الجانب المخالف بالنظر إلى القواعد الشرعية حتّى

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 55

لا ينافي الوجوب، و هو كما ترى؛ فإنّ مرجعها في كثير من الموارد أو جميعها أنّ كلّ ما يجب أن يكون حيضاً فهو حيض، و أنّ كلّ ما دلّت الأدلّة الشرعية و الأمارات المعتبرة علىٰ حيضيته، فهو حيض.

فلا محيص عن أن يقال: إنّ قاعدة الإمكان قاعدة برأسها، مؤسّسة للحكم بالحيضية فيما لم يدلّ دليل علىٰ أحد الطرفين، و كانت المرأة فاقدة الأمارة، فتأسيس القاعدة لرفع الشكّ عند فقد الأمارة. و الالتزام بكونها منتزعة من موارد قيام الأدلّة على الحيضية إنكار لأصل القاعدة.

و منها: أنّه علىٰ فرض تسليم ذلك، لا تفي أصالة السلامة بجميع موارد قاعدة الإمكان، ففي مورد تعارض الأمارتين، أو الجهل بالأمارة القائمة، أو كون المرأة في معرض اختلال المزاج و انحرافه، لا مصير إلىٰ أصالة الصحّة، مع أنّ موضوع القاعدة يشملها. فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الاستدلال بأصالة السلامة لإثبات المدعىٰ، ممّا لا مجال له.

الثاني: التمسّك بطوائف من الأخبار

إمّا مستقلا، أو مؤيّداً بها لأصالة السلامة «1»:

منها: ما وردت في تحيّض الحامل معلّلة بأنّ

الحبلىٰ ربّما قذفت بالدم

كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سأل عن الحبلىٰ ترى الدم، أ تترك الصلاة؟ قال نعم؛ إنّ الحبلىٰ ربّما قذفت بالدم «2».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 271/ السطر 36.

(2) الكافي 3: 97/ 5، وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 56

و قريب منها مرسلة حَريز «1». و هي تدلّ علىٰ أنّ احتمال قذف الدم موضوع للتحيّض، و هذا هو قاعدة الإمكان.

و فيه: أنّ الحكم لمّا كان محلّ خلاف بين العامّة و كان أبو حنيفة منكراً لاجتماع الحيض مع الحبل «2»، وردت هذه الروايات لرفع استبعاد اجتماعهما، و لهذا ترى في بعضها ذكر وجه خروج دم الحيض،

كصحيحة سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): جعلت فداك، الحبلىٰ ربّما طمثت؟ قال نعم؛ و ذلك أنّ الولد في بطن امّه غذاؤه الدم، فربّما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة «3».

فقوله إنّ الحبلىٰ ربّما قذفت بالدم إخبار عن الواقع لرفع الاستبعاد، لا للتعبّد بجعل الدم حيضاً بمجرّد الاحتمال.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 56

كما ترى أنّ ما

في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الحبلىٰ، ترى الدم؟ قال نعم؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم و هي حبلىٰ «4»

كالصريح فيما ذكرنا؛ فإنّ قوله نعم جواب سؤاله: بأنّ الحبلىٰ ترى الدم أو لا؟ و قوله إنّه

ربّما قذفت .. إخبار عن واقع محفوظ، و لا معنى للتعبّد في هذا المقام.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 386/ 1186، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 9.

(2) انظر الخلاف 1: 239، المغني، ابن قدامة 1: 371، فتح العزيز، ذيل المجموع 2: 576.

(3) الكافي 3: 97/ 6، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 14.

(4) تهذيب الأحكام 1: 386/ 1188، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 57

و لا يخفىٰ: أنّ مضمون الروايات التي ذكر فيها هذه الجملة واحد،

فقوله في صحيحة عبد اللّٰه المتقدّمة: «إنّ الحبلىٰ ترى الدم، أ تترك الصلاة؟»

مراده أنّها ترى الدم المعهود مثل سائر النساء، فهل عليها أن تترك الصلاة أو لا؟

و لهذا عرِّف «الدم» في الروايات باللام، كما ترى

في صحيحة عبد الرحمن قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الحبلىٰ، ترى الدم و هي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كلّ شهر، هل تترك الصلاة؟ قال تترك الصلاة إذا دام «1»

و

في صحيحة ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الحبلىٰ، ترى الدم كما كانت ترى أيّام حيضها مستقيماً في كلّ شهر .. «2» الحديث

أنّ السؤال عن ترك الصلاة بعد الفراغ عن كون الدم في أيّام العادة أو بصفات الحيض؛ لاحتمال أن لا يجتمع الحيض و الحبل، كما قال أبو حنيفة.

و كيف كان: فالتأمّل في الروايات يورث القطع بعدم كونها في مقام إفادة القاعدة.

بل يمكن أن يُدعىٰ: أنّ في أخبار جواز اجتماع الحمل و الحيض، ما يشهد بعدم اعتبار قاعدة الإمكان؛ للإرجاع إلى الصفات،

ففي صحيحة أبي

المغراء إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ، و إن كان قليلًا فلتغتسل عند كلّ صلاتين «3».

و

في موثّقة إسحاق إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين، و إن كان

______________________________

(1) الكافي 3: 97/ 4، وسائل الشيعة 2: 330، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 97/ 3، تهذيب الأحكام 1: 387/ 1194، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1191، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 58

صفرة فلتغتسل عند كلِّ صلاتين «1».

و

في رواية محمّد بن مسلم إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي، و إن كان دماً قليلًا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء «2».

فتحصّل: أنّ الاستدلال بهذه الروايات للقاعدة في غير محلّه.

و منه يظهر حال ما دلّ على التحيّض قبل وقت حيضها معلّلًا ب «إنّه ربّما تعجّل بها الوقت و هو

موثّقة سَماعة قال: سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، فقال إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة؛ فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت «3».

فإنّ الظاهر أنّ قوله ربّما تعجّل بها الوقت ليس بصدد بيان أنّ مجرّد احتمال التعجّل موضوع للحكم بالحيضية، بل بصدد أنّ الدم المعهود للنساء إذا جرىٰ قبل العادة، فهو من الحيض، و يكون من تعجّل الوقت؛ فإنّ العادة في النساء ليست مضبوطة بالدقّة بحيث لا تتقدّم يوماً أو يومين، بل كثيراً ما يتعجّل الوقت فيكون من العادة.

بل يمكن دعوى إشعارها أو دلالتها بعدم اعتبار قاعدة الإمكان؛ فإنّها لو كانت معتبرة، و كان كلُّ دم يمكن أن يكون حيضاً محكوماً بالحيضية، لم

يكن وجه لتخصيص الحكم بما يصدق عليه عرفاً عنوان «تعجّل الوقت» و قد حدّده

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

(2) الكافي 3: 96/ 2، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 16.

(3) الكافي 3: 77/ 2، وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 59

في بعض الروايات بيوم أو يومين فالتقييد بذلك لأجل أمارية العادة للحيض، لكن لا بمعنى أنّها منضبطة بحيث لا تتقدّم قليلًا أو لا تتأخّر كذلك.

و بالجملة: لا يستفاد من مثل تلك الرواية قاعدة الإمكان.

و ممّا استدلّ «1» به لها ما دلّ علىٰ أنّ ما رأت قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ

كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ، و إن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة «2».

و

روايته عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ؛ و إذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة أُخرى مستقبلة «3».

و

رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه في أبواب العدد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة إذا طلّقها زوجها، متى تكون هي أملك بنفسها؟ قال إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها.

قلت: فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قُرْئها؟ فقال إن كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها، و هو من الحيضة التي طهرت منها، و إن

كان الدم بعد العشرة أيّام فهو من الحيضة الثالثة، و هي أملك بنفسها «4».

______________________________

(1) راجع رياض المسائل 1: 345 346، مصباح الفقيه، الطهارة: 271/ السطر 33.

(2) الكافي 3: 77/ 1، تهذيب الأحكام 1: 159/ 454، وسائل الشيعة 2: 298، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 156/ 448، وسائل الشيعة 2: 296، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 11.

(4) الكافي 6: 88/ 10، وسائل الشيعة 22: 212، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 17، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 60

دلّت هذه الأخبار علىٰ أنّ الدم بمجرّد رؤيته محكوم بالحيضية، لكن إذا كان قبل العشرة فهو من الاولىٰ، و إذا كان بعدها فهو من الثانية.

و أنت خبير: بأنّ الظاهر من الروايات مفروغية كون الدم حيضاً، و أنّ محلّ البحث كونه من الأُولىٰ أو الثانية.

و بعبارة اخرىٰ: أنّها في مقام بيان أنّ أيّ دم من الحيضة الأُولىٰ، و أيّ دم من الحيضة الثانية، لا في مقام بيان أنّ كلّ ما رأته فهو من الحيض.

و ممّا يوضح ذلك قوله

في رواية ابن مسلم أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة

فإنّ قوله إذا رأت الدم .. عقيب ذلك يؤكّد أن المراد منه هو دم الحيض. كما أنّ

قوله في الرواية الأخيرة فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قُرْئها

كالصريح في تعجّل دم الحيض، فقوله إن كان الدم قبل عشرة أيّام .. إلىٰ آخره جواباً عن ذلك، ظاهر في أنّ الكلام بعد فرض حيضية الدم.

و توهّم عدم علمها بالحيضية لولا القاعدة مدفوع بأنّ النساء كثيراً ما علمن بها بواسطة القرائن و الأمارات التي عندهنّ. مع أنّ الشارع جعل للحيض طريقاً إذا اشتبه بالاستحاضة،

و الاشتباه قلّما يتفق في غيرهما.

و بالجملة: استفادة مثل تلك القاعدة من مثل تلك الروايات، غير ممكن.

و منها:

صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل: في امرأة نفست، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً، ثمّ طهرت، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، قال تدع الصلاة؛ لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس «1».

حيث حكم بالحيضية بمجرّد عدم الامتناع و خروج أيّام الطهر.

______________________________

(1) الكافي 3: 100/ 1، تهذيب الأحكام 1: 402/ 1260، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 61

و فيه أوّلًا: أنّ تلك الرواية في عداد سائر الروايات التي دلّت علىٰ أنّ أيّام النفاس، يمكن أن تكون ثلاثين يوماً أو أزيد «1» ممّا أعرض أصحابنا عنها «2». مع أنّ ظاهرها أنّ أيّام النفاس تجتمع مع أيّام الطهر، و هو أيضاً يوجب الاضطراب في المتن؛ و إن أمكن تأويله بالحمل علىٰ أيّام النفاس عرفاً و إن لم يكن واقعاً و شرعاً، لكنّه تأويل بعيد ينافي تقريره ترك الصلاة ثلاثين يوماً.

إلّا أن يقال: إنّ

قوله لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس

في مقام الردع عن ترك الصلاة؛ فإنّ أيّام النفاس ليست أيّام الطهر عيناً، فيحمل علىٰ أنّ الثلاثين ليست أيّام النفاس جميعاً، بل بعضها أيّام النفاس، و بعضها أيّام الطهر، فيكون قد أظهر الحكم الواقعي تحت حجاب التقيّة.

و ثانياً: أنّ المراد من «الدم» هو دم الحيض مقابل الصفرة، و هو أمارة الحيض عند دوران الأمر بينه و بين الاستحاضة. و الشاهد عليه مضافاً إلىٰ أنّ «الدم» في الروايات ذُكر في مقابل الصفرة

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا إبراهيم

(عليه السّلام) عن امرأة نفست، فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر، ثمّ طهرت و صلّت، ثمّ رأت دماً أو صفرة، قال إن كان صفرة فلتغتسل و لتصلّ، و لا تمسك عن الصلاة «3».

و روى الشيخ مثلها، إلّا أنّه قال: فمكثت ثلاثين ليلة أو أكثر، و زاد في آخرها

فإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها، ثمّ لتغتسل

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 387، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 13 و 16 و 17 و 18.

(2) جواهر الكلام 3: 378 379.

(3) الكافي 3: 100/ 2، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 62

و لتصلّ «1»

فتدلّ علىٰ أنّ مرجعها الصفات، لا قاعدة الإمكان، و الإنصاف أنّها علىٰ خلاف المطلوب أدلّ.

و منها:

صحيحة يونس بن يعقوب أو موثّقته «2»، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة .. قال تدع الصلاة؛ تصنع ما بينها و بين شهر، فإن انقطع عنها الدم، و إلّا فهي بمنزلة المستحاضة «3»

و قريب منها رواية أبي بصير «4».

لكنّ التمسّك بمثلهما لا يجوز؛ للزوم كون الحيض أكثر من عشرة أيّام، أو كون الطهر أقلّ منها، و كلاهما خلاف الواقع، فلا بدّ من طرحهما أو توجيههما، و قد وجّههما الشيخ و المحقّق بما لا بأس به «5».

هذا مع أنّ قوله: «ترى الدم» في مقابل «ترى الطهر» أي ترى الحيض

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 176/ 503، الإستبصار 1: 151/ 523، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 3.

(2) رواها الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير،

عن يونس بن يعقوب.

و الرواية صحيحة أو موثّقة؛ لأنّ يونس بن يعقوب مردّد بين كونه ثقةً أو موثّقاً، فإنّه كان فطحياً ثمّ رجع.

و لكن لا يخفى أنّ الرواية صحيحة عند المصنّف كما يأتي التصريح بها في الصفحة 123، 176، 364.

راجع تنقيح المقال 3: 344 345 (أبواب الياء).

(3) الكافي 3: 79/ 2، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1179، وسائل الشيعة 2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 1: 380/ 1180، وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 3.

(5) الاستبصار 1: 132، ذيل الحديث 454، المعتبر 1: 207.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 63

و الدم المعهود. مضافاً إلىٰ أنّ الرواية في مقام بيان حكم آخر، و لا يمكن أن يتمسّك بها للمقام، كما لا يخفى.

و منها: ما دلّ علىٰ أنّ الصائمة تفطر بمجرّد رؤية الدم «1». و لا يخفىٰ ما فيه بعد الرجوع إليها.

كما لا يخفى ما في التمسّك بقوله: «و الصفرة و الكدرة في أيّام الحيض حيض»

كصحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها، فقال لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، و إن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت «2»

إذ لا إشكال في أنّ الظاهر من «الأيّام» خصوصاً قوله أيّامها هو أيّام العادة، دون أيّام الإمكان كما قيل «3».

و منها:

صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة ذهب طمثها سنين، ثمّ عاد إليها شي ء، قال تترك الصلاة حتّى تطهر «4».

فإنّ عود شي ء أعمّ من الموصوف بصفات الحيض و غيره، و في زمان العادة و غيره.

و فيه: أنّ ظاهر العود

مجي ء الطمث. مع أنّ الأخذ بإطلاق قوله: «شي ء» لا معنىٰ له، فلا بدّ من تقدير، و الظاهر أنّ التقدير: «عاد إليها شي ء من الطمث» فإنّه ذهب فعاد، و لا أقلّ من احتماله، و معه لا يجوز التمسّك به للقاعدة.

______________________________

(1) كخبر منصور بن حازم، تهذيب الأحكام 1: 394/ 1218، وسائل الشيعة 2: 366، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 50، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 78/ 1، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1230، وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 1.

(3) جواهر الكلام 3: 169، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 223/ السطر 20.

(4) الكافي 3: 107/ 1، تهذيب الأحكام 1: 397/ 1234، وسائل الشيعة 2: 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 32، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 64

الثالث: الإجماع

كما في «الخلاف» و حكي عن «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «النهاية» و بعض من تأخّر عنهما.

و فيه: مضافاً إلىٰ وهن دعوى الإجماع في مثل هذه المسألة التي كثرت الأخبار و القواعد فيها؛ بحيث يمكن اتكال القوم عليها، فكيف يمكن حصول العلم أو الاطمئنان بوجود شي ء آخر غير تلك الأدلّة كان هو منشأ الإجماع؟! أنّ في أصل الدعوىٰ تأمّلًا و إشكالًا، فلا بدّ من نقل عباراتهم حتّى يتّضح الحال:

قال في «الخلاف»: «الصفرة و الكدرة في أيّام الحيض حيض، و في أيّام الطهر طهر؛ سواء كانت أيّام العادة، أو الأيّام التي يمكن أن تكون حائضاً فيها، و علىٰ هذا أكثر أصحاب الشافعي ..» «1».

إلىٰ أن قال: «دليلنا علىٰ صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الفرقة، و قد بيّنا أنّ إجماعها حجّة».

و أيضاً:

روىٰ محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة ترى الصفرة

في أيّامها، فقال لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، و إن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت «2»

ثمّ تمسّك برواية أبي بصير «3».

و قد نقل «4» عن «المبسوط» تفسير قوله «و الصفرة و الكدرة في أيّام

______________________________

(1) المحلّى بالآثار 1: 388، المجموع 2: 384.

(2) الكافي 3: 78/ 2، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1231، وسائل الشيعة 2: 279، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 2.

(3) الخلاف 1: 235.

(4) جواهر الكلام 3: 165 166.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 65

الحيض حيض» بأيّام الإمكان «1»، فكأنّ الشيخ فهم من قوله أيّامها و أيّام الحيض أيّامَ الإمكان، فحينئذٍ من الممكن مطابقة عبارات الأصحاب أو جملة منهم لهذا النصّ الذي استند إليه، و قد فهم الشيخ منها ما فهم، و أسند إليهم الحكم باجتهاده، فصارت المسألة بتخلّل اجتهاده إجماعية.

و بالجملة: بعد استظهار الشيخ أيّامَ الإمكان من أيّامها في مثل رواية ابن مسلم لا يبقى وثوق بنقل إجماعه؛ لإمكان استظهاره ذلك من عبارات الفقهاء أيضاً، خصوصاً مع دعواه: «أنّ الفقهاء كان بناؤهم علىٰ عدم التخطّي عن النصوص، بل عن عباراتها أيضاً».

هذا مع أنّ في مطلق إجماعات «الخلاف» كلاماً علىٰ نحو الكلام الذي في إجماعات «الغنية».

و عن «المعتبر»: «و ما تراه المرأة بين الثلاثة إلى العشرة حيض إذا انقطع، و لا عبرة بلونه ما لم يعلم أنّه لقرح أو لعذرة، و هو إجماع. و لأنّه زمان يمكن أن يكون حيضاً، فيجب أن يكون الدم فيه حيضاً» «2».

و عن «المنتهىٰ»: «كلّ دم تراه المرأة ما بين الثلاثة إلى العشرة ثمّ ينقطع عليها، فهو حيض ما لم يعلم أنّه لعذرة أو قرح، و لا اعتبار باللون، و هو

مذهب علمائنا أجمع، و لا نعرف مخالفاً؛ لأنّه في زمان يمكن أن يكون حيضاً، فيكون حيضاً» «3».

و عن «النهاية»: «كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً و ينقطع على العشرة، فإنّه حيض سواء اتفق لونه أو اختلف، قوي أو ضعف إجماعاً» ثمّ استدلّ

______________________________

(1) المبسوط 1: 43.

(2) المعتبر 1: 203.

(3) منتهى المطلب 1: 98/ السطر 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 66

بأنّه دم في زمان يمكن .. إلىٰ آخره «1».

و أنت خبير: بأنّ شيئاً من تلك الكلمات، لا يدلّ علىٰ دعوى الإجماع على القاعدة، بل يكون محلّ كلامهما هو المسألة الفرعية؛ و هي ما ترى المرأة بين الثلاثة إلى العشرة، فادعيا الإجماع علىٰ هذه المسألة الفرعية، و أضافا التمسّك بالقاعدة من غير دعوى الإجماع عليها.

و توهّم كون موضوع كلام العلّامة في «النهاية» قاعدة الإمكان، فاسد جدّاً؛ للزوم المصادرة و الاستدلال على القاعدة بنفسها.

فمن المحتمل بعيداً أن يكون مفروض كلامهما بعد مفروغية كون الثلاثة حيضاً، و يكون مستندهما في حيضية الزائد إلى العشرة، هو الاستصحاب. و ذكر إمكان حيضية الدم لتنقيح موضوع الاستصحاب، لا التمسّك بالقاعدة، كما عن «الذكرى» «2»:

«أنّ ما بين الأقلّ و الأكثر حيض مع إمكانه و إن اختلف لونه؛ لاستصحاب الحيض، و لخبر سماعة «3»».

و معلوم أنّ التمسّك بالاستصحاب بعد مفروغية كون الدم في الثلاثة حيضاً.

و ممّا ذكرنا يتضح حال دعوى عدم الخلاف و الإجماع و الشهرة من المتأخّرين و المقاربين لعصرنا؛ لعدم الوثوق بها في هذه المسألة التي مرّ حالها من ترامي الأدلّة و الاستدلالات فيها. و طريق الاحتياط واضح، و هو سبيل النجاة.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 118 و 134، انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 222/ السطر الأخير.

(2) ذكرى الشيعة

1: 231.

(3) تهذيب الأحكام 1: 161/ 462، وسائل الشيعة 2: 309، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 67

في مقدار سعة قاعدة الإمكان

و أمّا الثالث: أي بيان موردها و مقدار سعة نطاقها، فهو تابع لمدرك القاعدة، فيختلف باختلافه.

فإن كان مثل أصالة السلامة، فيلاحظ بناء العقلاء في الإجراء و الاستناد، و لا إشكال في عدم مورد لجريانها إلّا فيما شكّ موضوعاً؛ في أنّ الدم الخارج منها هو الدم الطبيعي المقذوف من الرحم السالم أو لا، و كان منشأ الشكّ فيها هو الشكّ في السلامة و الانحراف، دون سائر الموارد من الشبهات الحكمية، أو الشكّ في تحقّق ما يعتبره الشارع، أو الشبهة الحاصلة من تعارض الأمارات، أو عدم إمكان العلم بالأمارة الموجودة، أو عدم إمكان استعمال الأمارة .. و غير ذلك من الشبهات المتقدّمة «1».

و إن كان المستند هو الروايات، فلا بدّ من ملاحظة مفاد المستند، و أشملها دلالةً على الفرض هو روايات اجتماع الحمل و الحيض و ما دلّ علىٰ أنّ الوقت ربّما يعجّل بها و رواية النفاس «2» و شي ء منها لا يدلّ إلّا على البناء على الحيض في الشبهة الموضوعية و الشكّ في أنّ الدم الخارج حيض أو لا؛ فإنّ الظاهر من الروايات الواردة في الحمل، أنّ الشبهة كانت في أنّ الحامل تقذف الحيض، أو لا تقذف؛ لكون الدم غذاء ولدها، فدلّت الروايات علىٰ أنّ الغذاء قد يزيد عن الطفل، فتقذفه الرحم.

و أمّا سائر الشكوك كالشكّ في اعتبار الشارع أمراً في لزوم ترتّب الآثار،

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 55.

(2) تقدّم بعض الروايات في الصفحة 55 61.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 68

أو الشكّ في

تحقّق ما اعتبره الشارع .. و أمثال ذلك فلا دلالة فيها بالبناء عليها بوجه. و منه يظهر حال سائر الروايات.

و أمّا الإجماع، فالقدر المتيقّن منه الشبهة الموضوعية؛ بعد إحراز ما له مدخل في الحكم بالحيضية، كالبلوغ و عدم اليأس و الاستمرار إلىٰ ثلاثة أيّام. بل مع الشبهة الحكمية في دخل شي ء فيه كالشكّ في شرطية التوالي مثلًا، أو مانعية شي ء يشكل التمسّك بالقاعدة؛ لعدم ثبوت الإجماع في مثله أيضاً علىٰ فرضه.

و الإنصاف: أنّ القاعدة بنفسها غير ثابتة، و بعض الفروع التي ادعي الإجماع فيها لو ثبت قيامه عليها، كالفرع المتقدّم الذي سيأتي الكلام فيه «1» نلتزم به؛ لا لأجل القاعدة، بل للإجماع في المسألة الفرعية.

حول أمارية القاعدة و أصليتها و بيان نسبتها مع غيرها

ثمّ إنّ القاعدة علىٰ فرض تماميتها في كونها أصلًا أو أمارة، تابعة لمدركها:

فإن كان المدرك لها هو أصالة السلامة، و قلنا بأماريتها أو الظنّ الحاصل لأجل الغلبة، فتكون أمارة.

و إن كان المدرك لها الإجماع و الأخبار، فلا تكون إلّا أصلًا معوّلًا عليه لدى الشبهة.

ثمّ إنّ تقديمها على الاستصحاب بناءً علىٰ أماريتها واضح أصلًا و كيفيةً. و أمّا بناءً علىٰ أصليتها فمقدّمة عليه أيضاً؛ للزوم لغويتها لو عملنا بالاستصحاب؛

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 175.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 69

لنُدرة مورد لا يكون فيه استصحاب.

و تأخّرها عن سائر الأمارات الشرعية على الأصلية، واضح. و أمّا على الأمارية فلأنّ جعل الأمارات الشرعية لغير الحيض رادع عن بناء العقلاء، فلو دار الأمر بين الحيض و الاستحاضة في المبتدئة مثلًا، و قلنا بأمارية البرودة و الصفرة و الفتور للاستحاضة، فلا مجال للتمسّك بالقاعدة حتّى على الأمارية، لعدم اعتبار بناء العقلاء مع قيام الأمارة علىٰ خلافه.

هذا تمام الكلام في قاعدة الإمكان.

و قد

تحصّل عدم اعتبارها، فمع الشكّ في كون دمٍ حيضاً أو غيره ممّا لم تقم أمارة أو دليل علىٰ رفع الشبهة لا محالة يرجع الأمر إلى الأُصول الشرعية؛ موضوعية أو حكمية، و اللّٰه العالم.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 71

المطلب الثاني في حدود الحيض و قيوده و شرائطه

اشارة

و هي أُمور:

الأمر الأوّل: في اشتراط الحيض ببلوغ تسع سنين
اشارة

لا إشكال نصّاً و فتوى في أنّ ما تراه الصبيّة قبل بلوغها تسعاً، ليس بحيض و إن كان مع الصفات و المميّزات، و قد تكرّر دعوى الإجماع عليه «1»، و تدلّ عليه بعده

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) ثلاث يتزوّجن علىٰ كلّ حال: التي لم تحض و مثلها لا تحيض.

قال: قلت: و ما حدّها؟ قال إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين .. «2».

و ليس في سندها من يمكن التوقّف فيه إلّا سهل بن زياد و هو مورد وثوق على الأصحّ «3».

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 116، ذكرى الشيعة 1: 228، مستند الشيعة 2: 374.

(2) الكافي 6: 85/ 4، وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 2، الحديث 4.

(3) سيأتي وجهه في الصفحة 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 72

و رواها الشيخ بسند فيه الزبيري «1» و فيه توقّف و إن لم يبعد وثاقته.

و الظاهر منها أنّ الحدّ هو تمام التسع؛ لأنّ «تسع سنين» لا تصدق إلّا من حين الولادة إلىٰ آخر التسعة، فإتيان تسع سنين لا يكون إلّا بتمامها؛ للفرق بين قوله: «أتى لها تسع سنين» و قوله: «أتى لها السنة التاسعة» فمع ورودها في التاسعة أتى لها السنة التاسعة، و لكن أتى لها أقلّ من تسع سنين، كما أنّها لم تبلغ تسع سنين، كما في روايته الأُخرىٰ.

كما أنّ المراد منه التحقيق لا التقريب.

لا لما قيل: «إنّ الظاهر من مقام التحديد هو ذلك» «2» و إن لم يخلُ من وجه.

و لا لما قيل: «من أنّ تطبيق المفاهيم على المصاديق يكون بالدقّة العقلية، لا بتشخيص العرف» «3» فإنّه ضعيف؛ لأنّ

مبنىٰ مخاطبات الشرع معنا كمخاطبات بعضنا مع بعض، و لا شبهة في أنّ المخاطبات العرفية لا تكون مبنية على الدقّة العقلية؛ لا مفهوماً و لا في تشخيص المصاديق.

فإذا قال: «اغسل ثوبك من الدم» فكما أنّ مفهومه يؤخذ من العرف، كذلك المعوّل عليه في تشخيص المصداق هو العرف، فلون الدم دم عقلًا،

______________________________

(1) رواها الشيخ بإسناده، عن عليّ بن الحسن، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجّاج.

قال الشيخ في المشيخة: «و ما ذكرته في هذا الكتاب عن عليّ بن الحسن بن فضّال فقد أخبرني به أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعاً منه و إجازة عن عليّ بن محمّد بن الزبير عن عليّ بن الحسن بن فضّال»، تهذيب الأحكام، المشيخة 10: 55.

تهذيب الأحكام 7: 469/ 1881، وسائل الشيعة 22: 183، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 3، الحديث 5.

(2) مستند الشيعة 2: 374.

(3) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 574 575.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 73

لكن لا يجب غسله؛ لعدم كونه دماً عرفاً، بل هو لون الدم.

بل لأنّ الميزان في تشخيص المفاهيم و المصاديق نظر العرف بحسب فهمه و دقّته، لا مع التسامح العرفي.

فإذا كان للمفهوم مثلًا ثلاثة مصاديق:

أحدها: مصداق برهاني عقلي؛ بحيث لا سبيل للعرف إلىٰ تشخيصه و لو مع الدقّة و عدم التسامح، كلون الدم؛ فإنّ العرف لا يدرك استحالة انتقال العرض؛ و أنّ المنتقل أجزاء صغار جوهرية، فلا يكون اللون دماً في أدقّ نظر العرف، و لا يتسامح في سلب الدمية عنه.

و ثانيها: مصداق عرفي من غير تسامحٍ عرفي، بل يكون مصداقاً بدقّته العرفية.

و ثالثها: مصداق تسامحي لدى العرف، كإطلاق «الألف» علىٰ

عدد ناقص منه بواحد أو اثنين، و إطلاق «الرطل» علىٰ ما نقص بمثقال أو درهم، و لا إشكال في أنّ هذا الإطلاق مسامحي مجازي يحتاج إلى التأوّل.

فميزان تشخيص موضوعات الأحكام هو الثاني لا الأوّل، و هو معلوم. و لا الثالث، إلّا مع قيام قرينة حالًا أو مقالًا علىٰ تسامح المتكلّم، و إلّا فأصالة الحقيقة محكّمة.

هذا من غير فرق بين الموضوعات، و لا بين مقام التحديد و غيره، ف «الماء» موضوع لهذا المائع المعروف، و تسامح العرف في إطلاقه علىٰ شي ء لا يكون متبعاً.

فإطلاق العرف بلوغ التسع علىٰ من بلغت التسع إلّا عدّة أيّام، مسامحي مجازي. و لهذا لو سئلوا: «هل بلغت تمام التسع؟» لأجابوا بالنفي، و اعترفوا بالتسامح.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 74

فبلوغ التسع لا يكون إلّا بتمام الدورة التاسعة من السنة القمرية التي هي المنصرف إليها عند العرف العامّ، و الشمسية يحتاج معرفتها إلىٰ مبانٍ علمية و نجومية لا يعرفها عامّة الناس، خصوصاً الأعراب و في تلك الأزمنة، إلّا أن تكون قرينة موجبة للتعيّن، كما قد تدعى في باب سنة الخمس «1».

كما لا إشكال في التلفيق و حساب المنكسر؛ لقضاء العرف به.

إشكال التنافي بين كون الحيض بلوغاً و عدم حيضية الصبيّة

ثمّ إنّ هاهنا إشكالًا مشهوراً، بل إشكالين:

أحدهما: ما في «الروض» قال: «إنّ المصنّف و غيره ذكروا: أنّ الحيض للمرأة دليل علىٰ بلوغها و إن لم يجامعه السنّ، و حكموا هنا بأنّ الدم الذي قبل التسع ليس بحيض «2»، فما الدم المحكوم بكونه حيضاً؟!» «3» انتهىٰ.

و هذا كما ترى ليس إشكال الدور، بل إشكال التناقض في كلامهم: بأنّ لازم القول الأوّل أنّ الحيض قبل التسع دليل البلوغ، فيمكن تحقّقه قبله، و صريح القول الثاني عدم كون الحيض إلّا

بعد التسع، فلا يمكن أن يتحقّق قبله.

ثانيهما: أنّ القوم جعلوا الحيض و الحمل دليلين على البلوغ، و قالوا في المقام: «إن كلّ دم تراه المرأة قبل التسع ليس بحيض» فإحراز الحيضية يتوقّف علىٰ إحراز التسع، و لو كان إحراز التسع متوقّفاً علىٰ إحراز الحيضية، لدار الأمر علىٰ نفسه.

______________________________

(1) شرح تبصرة المتعلّمين، المحقّق العراقي 3: 76.

(2) إرشاد الأذهان 1: 226 و 395، المبسوط 1: 42، و 2: 282.

(3) روض الجنان: 60/ السطر 22.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 75

و لقد أجاب الشهيد في «الروض» عن الإشكال الأوّل بما يناسب الإشكال الثاني «1».

و يمكن أن يجاب عن الأوّل: بأنّه لا تنافي بين كونِ الحيض دليلًا على البلوغ مستقلا، و عدمِ كون الدم قبل التسع حيضاً؛ إذا أُريد بالثاني عدم ترتّب آثار الحيضية على الدم قبل التسع، لا عدم تحقّق الحيض تكويناً، فالحيض الذي لا يترتّب عليه أحكام الحيض كترك الصلاة و حرمة مسّ الكتاب مثلًا دليل على البلوغ، فيجب على الحائض قبل التسع الصلاة لبلوغها.

لكنّ الالتزام بذلك بعيد، بل ممنوع و إن شهد به بعض الأخبار «2». و لعلّ رجوع الشهيد إلى الجواب المذكور لأجل ما ذكر.

فالأولىٰ أن يقال: إنّ المصنّف و غيره، لم يلتزموا بكون الحيض بلوغاً مستقلا و لو قبل التسع، بل ادعي الإجماع أو عدم الخلاف علىٰ أنّ الحيض لا يكون بلوغاً «3».

فبقي الإشكال الثاني، فأُجيب عنه: «بأنّه مع العلم بالسنّ، لا اعتبار بالدم قبله و إن جمع الصفات، و مع اشتباهه و وجود الدم في وقت إمكان البلوغ، يحكم بالبلوغ، و لا إشكال حينئذٍ» «4».

لكن هذا الجواب مبنيّ علىٰ أنّ الدم المعهود المقذوف من النساء أعني دم الحيض لا

يتحقّق قبل التسع، و يكون السنّ دخيلًا في تحقّقه تكويناً؛ حتّى

______________________________

(1) روض الجنان: 60/ السطر 26.

(2) انظر وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 4 و 13، و الباب 29، الحديث 3.

(3) جواهر الكلام 26: 42.

(4) الحدائق الناضرة 3: 170، جواهر الكلام 3: 143 144.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 76

تكون الأمارة على الحيضية أمارة على السنّ، أو كان القذف قبل التسع مع إمكانه بحدّ من الندرة يعدّ معه قذف الدم المتصف بالصفات المعهودة من الأمارات العقلائية على السنّ، و كلاهما محلّ تأمّل و إشكال؛ و إن كان الثاني لا يخلو من قرب.

عدم صحّة التمسّك بروايات الصفات للحكم بالحيضية و السنّ

ثمّ إنّه لا مجال للتمسّك بروايات الصفات للحكم بالحيضية و السنّ؛ لأنّ الصفات أمارات في مقام الدوران بين الحيض و الاستحاضة، و الدم الخارج قبل التسع لا يكون أمره دائراً بينهما، و مع الشكّ في السنّ يشكّ في الموضوع.

مضافاً إلىٰ أنّ مقتضى النصّ و الفتوىٰ أنّ الدم الخارج ممّن لم تبلغ التسع، ليس بحيض و لو كان علىٰ صفاته، و مع استصحاب عدم كونها بالغة يحرز موضوع المخصّص، فلا مجال معه للتمسّك بأدلّة الصفات.

نعم، مع العلم أو الاطمئنان بكون الدم المقذوف حيضاً، لا يبعد الحكم ببلوغ التسع و ترتيب آثار البلوغ و الحيضيّة، علىٰ إشكال.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 77

الأمر الثاني في بيان حدّ اليأس
اشارة

ما تراه المرأة بعد يأسها ليس بحيض و لو كان بصفاته؛ بلا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2». إنّما الإشكال في حدّ اليأس هل هو ستّون مطلقاً «3» أو خمسون كذلك «4» أو تفصيل بين القرشية و بين غيرها «5» أو بين القرشية و النبطية و بين غيرهما «6»؟

وجوه و أقوال منشؤها اختلاف الأخبار،

ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال حدّ التي قد يئست من المحيض خمسون سنة «7».

و ليس في طريقها من يتأمّل فيه إلّا محمّد بن إسماعيل النيسابوري الذي لم يرد فيه توثيق، و إنّما هو راوية الفضل بن شاذان، لكن من تفحّص رواياته

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 336 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 6 و 8.

(2) شرائع الإسلام 1: 21، الحدائق الناضرة 3: 171، مستند الشيعة 2: 374، جواهر الكلام 3: 160 161.

(3) شرائع الإسلام 1: 21، منتهى المطلب 1: 96/ السطر 14.

(4) النهاية: 516، السرائر 1: 145،

مدارك الأحكام 1: 323.

(5) المبسوط 1: 42، المعتبر 1: 199.

(6) المقنعة: 532، ذكرى الشيعة 1: 228، روض الجنان: 62/ السطر 13.

(7) الكافي 3: 107/ 4، وسائل الشيعة 2: 335، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 78

اطمأنّ بوثاقته و إتقانه؛ فإنّ كثيراً من رواياته لو لم نقل أغلبها منقولة بطريق آخر صحيح أو موثّق أو معتبر طابق النعل بالنعل، و الوثوق و الاطمئنان الحاصل من ذلك، أكثر من الوثوق الذي يحصل بتوثيق الشيخ أو النجاشي أو غيرهما.

و

في صحيحته الأُخرىٰ قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) ثلاث يتزوّجن علىٰ كلّ حال .. إلىٰ أن قال و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض.

قال قلت: و ما حدّها؟ قال إذا كان لها خمسون سنة «1».

و في طريقها سهل بن زياد الآدمي و أمره سهل بعد اشتراكه في إتقان الرواية و كثرته مع النيسابوري. بل هو أكثر رواية منه، و له قدم راسخ في جميع أبواب الفقه، كما يتضح للمتتبّع، مع قرائن كثيرة توجب الاطمئنان بوثاقته.

و

في مرسلة البَزَنْطي عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة «2».

نعم،

روى الشيخ بإسناده عن عبد الرحمن بن الحجّاج الروايةَ المتقدّمة مع اختلاف يسير من التقديم و التأخير في العبارة، و فيها إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض، و مثلها لا تحيض «3».

______________________________

(1) الكافي 6: 85/ 4، وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 2، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 107/ 2، تهذيب الأحكام 1: 397/ 1235، وسائل الشيعة 2: 335، كتاب الطهارة، أبواب

الحيض، الباب 31، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 7: 469/ 1881، وسائل الشيعة 2: 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 79

لكن في سندها تأمّل؛ فإنّ في طريق الشيخ إلىٰ عليّ بن الحسن، عليَّ بن محمّد بن الزبير القرشي «1»، و لم يرد فيه توثيق.

و إنّما قال النجاشي في ترجمة أحمد بن عبد الواحد: «و كان قد لقي أبا الحسن علي بن محمّد القرشي المعروف بابن الزبير، و كان عُلوّاً في الوقت» «2» و قد جعل بعض المتأخّرين كالمحقّق الداماد الجملة الأخيرة وصفاً له، ففهم منه التوثيق أو قريباً منه «3»، مع أنّ قول النجاشي لا يبعد أن يكون مربوطاً بأحمد بن عبدون؛ لأنّه في مقام ترجمته، لا ترجمة ابن الزبير.

مع أنّ قوله: «كان علوّاً في الوقت» يحتمل قريباً جريه على الاصطلاح؛ من كونه علوّاً في السند من حيث كثرة عمرة أو عمر واسطته؛ فإنّ ابن الزبير عمّر مائة سنة علىٰ ما ذكروا «4» و معنى «عُلُوّ السند» قلّة الوسائط، فقول النجاشي مربوط ظاهراً بابن عبدون، و أنّه لأجل لقائه القرشي كان عالي السند في رواياته في ذلك الزمان.

و كيف كان: فمع الإشكال في السند و إن كان الأرجح عندي قبول رواياته يحتمل قريباً وقوع اشتباه في الرواية؛ إمّا من الرواة، أو من النسّاخ؛

______________________________

(1) قال الشيخ الطوسي في مشيخة التهذيب:

«و ما ذكرته في هذا الكتاب عن عليّ بن الحسن بن فضال، فقد أخبرني به أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعاً منه و إجازة عن عليّ بن محمّد بن الزبير، عن عليّ بن الحسن بن فضال».

تهذيب الأحكام، المشيخة 10: 55 56.

(2) رجال النجاشي: 87/ 211.

(3)

انظر منتهى المقال 5: 56.

(4) رجال الطوسي: 430/ 22، منتهى المقال 5: 56.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 80

لبُعد كونها رواية أُخرى مستقلّة غير الصحيحة، و بُعد الاشتباه في الصحيحة لتأيّدها بالصحيحة الأُولىٰ و مرسلة البَزَنْطي بل و مرسلات ابن أبي عمير و الصدوق و المفيد و الشيخ «1».

بل لا يبعد أن يكون الاشتباه من النسّاخ في النسخ الأوّلية من كتاب الشيخ؛ لأنّ الفتوىٰ بهذه الرواية حدثت بعد زمان الشيخ في عصر المحقّق «2» و العلّامة «3».

و نُقل عن «مبسوطه»: «و تيأس المرأة إذا بلغت خمسين سنة، إلّا أن تكون امرأة من قريش، فإنّه روي: أنّها ترى دم الحيض إلىٰ ستّين سنة» «4» و لم يُشر إلىٰ رواية الستّين مع إشارته إلى المرسلة.

و كيف كان: فلا يبقى مع ما ذكرنا وثوق بالرواية، و ليست حجّية الخبر الواحد تعبّدية محضة بل لأجل عدم ردع بناء العقلاء أو تنفيذه «5».

و لا إشكال في أنّ العقلاء لا يعملون بمثل هذه الرواية، و لا أقلّ من عدم إحراز بنائهم على العمل بمثلها، فلا إشكال في ضعف القول بالستّين مطلقاً.

و الأقوى هو التفصيل بين القرشية و غيرها. و البحث عن النبطية لا يجدي بعد عدم معروفية هذه الطائفة.

______________________________

(1) تأتي في الصفحة 81.

(2) شرائع الإسلام 1: 21، المعتبر 1: 199 200.

(3) منتهى المطلب 1: 96/ السطر 13.

(4) المبسوط 1: 42.

(5) أنوار الهداية 1: 313 316، تهذيب الأُصول 2: 133 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 81

أدلّة التفصيل بين القرشية و غيرها

و أمّا القرشية، فقد دلّت على التفصيل بينها و بين غيرها، مرسلةُ ابن أبي عمير «1» التي هي في حكم الصحيحة عندهم «2» حتّى أنّ المجلسي (رحمه

اللّٰه) وصف هذه المرسلة بالصحيحة في «مرآته» «3».

و لا تقصر عنها

مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام) المرأة إذا بلغت خمسين لم ترَ حمرة، إلّا أن تكون امرأة من قريش، و هو حدّ المرأة التي تيأس من الحيض «4».

فإنّ هذا النحو من الإرسال و النسبة إلى الصادق (عليه السّلام) علىٰ نحو الجزم من مثل الصدوق، لا يصحّ إلّا مع علمه بصدور الرواية، و معلوم من طريقته أنّ النسبة ليست من الاجتهاد، فهو إمّا اتكل علىٰ مرسلة ابن أبي عمير، فحكمه علىٰ نحو الجزم يوجب الوثوق بها، و إمّا جزم بصدورها مستقلا، و هو لا يقصر عن توثيق الوسائط بالنظر إلىٰ طريقته.

و مثلها

ما عن «المقنعة» قال روي: أنّ القرشية من النساء و النبطية، تريان الدم إلىٰ ستّين سنة «5»

و عن الشيخ في «المبسوط»: تيأس المرأة إذا

______________________________

(1) الكافي 3: 107/ 3، وسائل الشيعة 2: 335، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 2.

(2) انظر جواهر الكلام 3: 163.

(3) مرآة العقول 13: 253.

(4) الفقيه 1: 51/ 198، وسائل الشيعة 2: 336، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 7.

(5) المقنعة: 532، وسائل الشيعة 2: 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 82

بلغت خمسين سنة، إلّا أن تكون امرأة من قريش،

فإنّه روي أنّها ترى دم الحيض إلىٰ ستّين سنة «1»

و هما مرسلتان مستقلّتان غير السابقتين؛ لافتراقهما عنهما مضموناً كافتراق أنفسهما.

هذا مع اشتهار الحكم بين الأصحاب قديماً و حديثاً، و قد نقل الشهرة عن «جامع المقاصد» و «فوائد الشرائع» في التفصيل بين القرشية و النبطية و غيرهما «2»، و ادعاها في «الروضة» «3» و ادعى الشهرة

في التفصيل بين القرشية و غيرها صاحب «المسالك» و «الجواهر» «4» و عن «التبيان» و «المجمع» نسبة ذلك إلى الأصحاب «5». بل هو مقتضى الجمع بين الروايات علىٰ فرض استقلال رواية ابن الحجّاج «6» و مرسلة الكليني «7» علىٰ تأمّل.

فلا ينبغي الإشكال بعدم صراحة «الحمرة» في الحيض، كما في مرسلتي ابن أبي عمير و الصدوق و لا «الدم» فيه، كما في مرسلة المفيد و عدم ذكر الستّين للقرشية فيهما.

و لعلّ فتوى المشهور كان لأجل الجمع بين روايتي ابن الحجّاج و مرسلة ابن أبي عمير، و بعد ترجيح تصحيف الستّين، لا يبقى دليل على التفصيل إلّا مرسلة

______________________________

(1) المبسوط 1: 42.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 339/ السطر 26، جامع المقاصد 1: 285 286.

(3) الروضة البهيّة 1: 371.

(4) مسالك الأفهام 1: 58، جواهر الكلام 3: 161 و 163.

(5) التبيان في تفسير القرآن 10: 30، مجمع البيان 10: 458.

(6) تهذيب الأحكام 7: 469/ 1881، وسائل الشيعة 2: 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 8.

(7) الكافي 3: 107/ 2، وسائل الشيعة 2: 336، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 83

الشيخ و المفيد و هما غير كافيتين للاحتجاج بعد احتمال أنّ إرسالهما لأجل الجمع و تخلّل الاجتهاد؛ ضرورة أنّ مثل هذه الاحتمالات العقلية، تأتي في جميع الفقه، و هي ليست معتدّاً بها و معياراً لفهم الأحكام.

و لا يجوز نسبة هذا الجمع الغير المقبول لدى العقلاء إلى الفقهاء، و أنّ مبنى اشتهار الفتوىٰ هذا الجمع البعيد الغير الوجيه. بل عدم ذكر الستّين في المرسلتين، يؤكّد كون الحكم كذلك كان مشهوراً لدى الإمامية و معروفاً من لدن زمن الأئمّة

(عليهم السّلام) من غير احتياج إلى الاستناد إلىٰ رواية، و الشهرة في مثل هذا الحكم التعبّدي المخالف للقواعد، حجّة مستقلّة؛ لو لم نقل بكفاية مرسلتي المفيد و الشيخ، مع انجبارهما بفتوى الطبقة المتقدّمة و المتأخّرة.

مقتضى الأصل عند الشكّ في القرشية و النبطية

ثمّ مع الشكّ في كون امرأة قرشيةً، لا تجري أصالة عدم القرشية أو عدم الانتساب إلىٰ قريش لو كان المراد بها الاستصحاب «1»؛ لما حقّق في محلّه «2». و إن كان المراد بها الأصل العقلائي المستند إلى الغلبة و ندرة الطائفة بين سائر الطوائف «3»، فلها وجه، و إن لم يخلُ من إشكال منشؤه عدم ثبوت هذا الأصل، و عدم ندرة هذه الطائفة بحدّ يتكل العقلاء على الأصل لدى الشبهة.

نعم، لا بأس بها مع الشكّ في النبطية؛ لاحتمال الانقراض رأساً، فاحتمال النبطية ضعيف إلىٰ حدّ لا يعتني به العقلاء.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 156.

(2) مناهج الوصول 2: 266 268، الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 102 104.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 270/ السطر 19.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 84

الأمر الثالث في اشتراط الحيض بأن لا يقلّ عن ثلاثة أيّام
اشارة

لا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2» في عدم كون ما رأت المرأة أقلّ من ثلاثة أيّام حيضاً، و نقل الإجماع عليه مستفيض «3»، و عن «الأمالي»: «أنّه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به» «4» و عن «المعتبر»: «هو مذهب فقهاء أهل البيت (عليهم السّلام)» «5».

نعم، يقع الكلام هاهنا في جهتين:

حول الروايات الواردة في حدود الحيض

الجهة الأُولىٰ: و هي التي لا تختصّ بالمقام، و قد مرّ فيها بعض الكلام «6»: أنّ الروايات الواردة في حدود الحيض- كعدم كونه قبل التسع و بعد اليأس و عدم كونه أقلّ من ثلاثة أيّام و أكثر من عشرة أيّام «7» هل هي في مقام تحديد واقع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

(2) النهاية: 26، شرائع الإسلام 1: 21، نهاية الإحكام 1: 117، مدارك الأحكام 1: 319.

(3) جواهر الكلام 3: 147.

(4) أمالي الصدوق: 516.

(5) المعتبر 1: 201.

(6) تقدّم في الصفحة 11 12.

(7) راجع وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 2، الحديث 4، و: 183، الباب 3، الحديث 5، و 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 85

الحيض؛ و أنّ ما خرج علىٰ خلاف تلك الحدود ليس من الحيض تكويناً، بل من مبدأ آخر؛ إمّا من عرق العاذل أو من القرحة في الجوف، أو غير ذلك؟

أو في مقام التحديد الشرعي؛ بمعنى جعل الشارع موضوع الأحكام صنفاً خاصّاً من دم الحيض لا مطلقَه، كما جعل موضوع القصر صنفاً خاصّاً من السفر، فقبل ثمانية فراسخ و إن كان سفراً واقعاً، لكن لا يترتّب عليه الأحكام، و كذا سفر المعصية و الصيد، فكذا لو فرض تحقّق دم الحيض أي

الدم الطبيعي المعهود قبل التسع أو بعد الخمسين أو أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة، لم يكن موضوعاً للحكم الشرعي؟

أو في مقام بيان جعل الشارع أمارات للحيض عند الاشتباه، و كانت الأحكام مترتّبة علىٰ واقع الحيض و نفس طبيعة الدم المعهود، لكن لمّا كان الموضوع غالباً مورد الاشتباه، جعل أمارات له أو لعدمه، فكون الدم أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة أو قبل البلوغ و بعد اليأس، محكوم بعدم الحيضية ظاهراً، فلو علمت بحيضية ما خرج قبل البلوغ أو بعد اليأس، يجب عليها التحيّض و العمل بالوظائف؛ لكونها حائضاً، و هي موضوع للأحكام؟

قد يقال بالأخير «1»؛ جمعاً بين أدلّة أحكام الحيض الظاهرة في كون الحكم لنفس ماهيّة الدم، و بين

موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة الحُبلىٰ ترى الدم اليوم و اليومين، قال إن كان الدم عبيطاً فلا تصلِّ ذينك اليومين، و إن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين «2».

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 158، أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 3 و 23.

(2) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 86

و كذا

موثّقة سماعة الظاهرة في وجوب الجلوس إذا رأت الدم يومين، قال: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض، فتقعد في الشهر يومين، و في الشهر ثلاثة أيّام، يختلف عليها، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء، قال فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم؛ ما لم يَجُز العشرة، فإذا اتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها «1».

بدعوىٰ: أنّ الروايتين محمولتان علىٰ

صورة عدم الشبهة و العلم بكون الدم حيضاً، و سائر الروايات محمولة علىٰ صورة الشبهة.

و أنت خبير: بأنّ ذلك مضافاً إلىٰ مخالفته للإجماع ليس من الجمع المقبول؛ فإنّ الظاهر من الروايتين صورة الاشتباه و عدم العلم، و لهذا أرجعها إلى الأمارة و كونه عبيطاً أو صفرة.

و دعوىٰ: كون الرواية بصدد رفع الاشتباه و التنبيه علىٰ عدم كون المورد من موارد الاشتباه، لا لجعل الأمارة لدى الشبهة، كما ترى.

كما أنّ رواية سماعة لا تدلّ علىٰ ما ذكر إلّا من حيث تقرير الإمام قعودها في الشهر يومين، و هو لا يقاوم الأدلّة الناصّة علىٰ أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام «2». مع ما في ذيلها من أنّه

إذا اتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها

من ظهوره في أكثر من يومين. و أمّا

قوله فلها أن تجلس و تدع الصلاة

فحكم ظاهري لمن رأت الدم، كما في رؤية الدم في أيّام العادة.

______________________________

(1) الكافي 3: 79/ 1، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1178، وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 14، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 87

و إن أبيت عن جميع ذلك، فلا بدّ من ردّ علمهما إلىٰ قائلهما مع إعراض الأصحاب عنهما، فالاحتمال الأخير أضعف الاحتمالات.

و لا يبعد أن يكون أقربُها ثانيَها؛ لما مرّ من بُعد كونها تحديداً للواقع، فإنّ الحيض أي الدم المعهود قد يكون أكثر من عشرة أو أقلّ من ثلاثة، و لا يمكن الالتزام بأنّ الدم إلى الساعة الأخيرة من اليوم العاشر حيض تكويناً و له مجرى، و إذا بلغ آخر العشرة انسدّ الطريق المخصوص بالحيض، و انفتح طريق آخر؛

و إن كان ظاهر بعض الروايات تحديد الواقع كمرسلة يونس القصيرة «1» و غيرها «2»، لكن ورود التحديد في لسان الشارع محمول على التحديد التعبّدي لا التكويني؛ لعدم اهتمام الشارع في مقام بيان الأحكام و موضوعاتها ببيان حال التكوين، بل همّه بيان موضوع أحكامه.

في اعتبار التتابع في أقلّ الحيض

الجهة الثانية: هل يشترط التوالي في رؤية الدم ثلاثة أيّام، فلا يحكم بحيضية ما تراه ثلاثة متفرّقة و لو بين العشرة، أو يكفي كونها في جملة العشرة أو يكفي كونها متفرّقة؛ بحيث لا يتخلّل بين أبعاضها عشرة أيّام، أو يفصّل بين الحامل و غيرها؟

و المشهور هو الأوّل، كما في «المسالك» و «الحدائق» و «الجواهر» و «طهارة الشيخ الأعظم» و عن «الذكرى» و «شرح المفاتيح» «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 39.

(2) وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 5 و 6.

(3) مسالك الأفهام 1: 57، الحدائق الناضرة 3: 159، جواهر الكلام 3: 149 150، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 189/ السطر 22، ذكرى الشيعة 1: 230، مصابيح الظلام 1: 23/ السطر 3 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 88

الروايات الدالّة علىٰ أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام

و تدلّ عليه- قبل الأُصول التي يأتي البحث عنها «1» الأخبار الكثيرة الدالّة علىٰ أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام،

ففي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام، و أكثر ما يكون عشرة أيّام «2»

و مثلها أو قريب منها غيرها «3».

تقريب الاستدلال بها: أنّ الحيض إمّا الدم المعهود، أو سيلانه أو أمر معنوي محصّل به، و علىٰ أيّ حال لا يصدق كون أقلّه ثلاثة أيّام إلّا مع الاستمرار؛ فإنّ الدم إذا جرىٰ يوماً، و انقطع يوماً، ثمّ جرىٰ يوماً، و انقطع يوماً، ثمّ جرىٰ يوماً، و قلنا بأنّ هذه الدماء حيض، يكون أقلّ الحيض يوماً واحداً؛ ضرورة أنّ الدم في اليوم الأوّل- بعد تعقّبه بالثاني و الثالث يكون دماً مستقلا منقطعاً عن الدمين المتأخّرين، و هو حيض حسب الفرض، فيكون أقلّ الحيض يوماً واحداً،

لا ثلاثة أيّام، إلّا بتأويل و توجيه يأتي الكلام فيه «4».

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الدم و كذا كلّ أمر تدريجي الوجود ما دام كونه سائلًا، يعدّ مصداقاً واحداً للطبيعة، و إذا انقطع و تخلّل بينه و بين قطعة اخرىٰ نقاء

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 98.

(2) الكافي 3: 75/ 2، وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

(4) يأتي في الصفحة 104.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 89

أو طهر، تكون القطعتان مصداقين للطبيعة، لا مصداقاً واحداً، فالدماء المتفرّقة في عشرة أيّام إذا كان عدد مجموعها ثلاثة أيّام، تكون مصاديق متعدّدة مستقلّة للدم و لسيلانه أيضاً وجداناً، و مع كونها حيضاً تكون ثلاثة مصاديق لدم الحيض، فيكون أقلّ دم الحيض يوماً واحداً، و كذا أقلّ سيلانه، إلّا بالتأويل و ارتكاب التجوّز.

و هكذا لو قلنا: بأنّ الحيض عبارة عن أمر معنوي حاصل بالدم إذا بلغ ثلاثة أيّام في العشرة، فإنّ هذا الأمر المعنوي يحصل بالدم المتعقّب بثلاثة أيّام، فإذا قيل بكفاية التفرّق لا يمكن أن يكون الأقلّ ثلاثة؛ لأنّه إذا قلنا بأنّ الفترات طهر، يكون الحيض في زمان جريان الدم مصداقاً مستقلا، و مع تخلّل الطهر بينه و بين مصداق آخر، لا يمكن أن يكون المصداقان واحداً إلّا بالتأوّل و التجوّز و الاعتبار، فيكون أقلّ الحيض يوماً، لا ثلاثة أيّام.

و لو قلنا: بأنّ الفترات أيضاً حيض، يكون أقلّ الحيض في الفرض أكثر من ثلاثة أيّام؛ لأنّه إذا فرض جريان الدم يومين، ثمّ انقطع يوماً و جرىٰ يوماً، يكون الحيض أي الأمر المعنويّ أربعة أيّام، فكون أقلّ الحيض ثلاثة أيّام

حقيقة، لا يمكن إلّا بتوالي الأيّام الثلاثة علىٰ جميع الاحتمالات.

و بما ذكرنا يظهر: أنّه لا وقع للاعتراض عليه «1» تارة: بمقايسة المقام بنذر الصوم و هو واضح، و أُخرى: بالنقض بالعشرة المقابلة للثلاثة لقيام الإجماع علىٰ عدم لزوم التوالي، فإنّ كون أكثر الحيض بمعنى الدم أو سيلانه أو الأمر المعنوي عشرة أيّام، لا ينافي الإجماع المذكور؛ ضرورة أنّه مع هذا الإجماع، تكون العشرة مع تفرّق أيّام الدم بعد توالي ثلاثة أيّام حيضاً، لا دم

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 166.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 90

الحيض و سيلانه، فإذا كان المراد من «الحيض» في الروايات دم الحيض أو سيلانه، يكون أكثر الحيض عشرة أيّام متوالية، و تكون العشرة المذكورة حيضاً حكماً لا حقيقة.

بل لنا أن نقول: إنّ الدم الذي بعد النقاء الحاصل بعد الثلاثة المتوالية، حيض حكماً؛ لدلالة الأدلّة علىٰ أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام، و لو كان الدم المرئي يوماً حيضاً، لكان منافياً للروايات المتقدّمة، تأمّل.

و لو قلنا: بأنّ الحيض أمر معنوي يكون أكثر الحيض عشرة أيّام سواء استمرّ الدم في العشرة، أو رأت الدم بعد الثلاثة متفرّقاً إلى العاشرة فلا يرد النقض أصلًا. بل لو قلنا ذلك لم يرد علينا النقض؛ بأنّ رؤية الدم يوماً واحداً بعد الثلاثة المتوالية قبل تمام العشرة، مصداق من الدم، و هو حيض، فيكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام، ضرورة أنّ الحيض على هذا الفرض أكثر من ثلاثة أيّام؛ لأنّ أيّام النقاء أيضاً حيض، كما يأتي الكلام فيه «1».

نعم، بناءً علىٰ كون النقاء طهراً كما يراه صاحب «الحدائق» «2» يرد هذا النقض، لكنّ المبنىٰ غير تامّ.

التمسّك بمرسلة يونس القصيرة لإثبات عدم اعتبار التتابع

ثمّ إنّ في مقابل هذه الروايات

روايات، عمدتها

مرسلة يونس القصيرة التي رواها في «الكافي» عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار عن يونس، عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أدنى الطهر عشرة أيّام؛ و ذلك

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 116 117.

(2) الحدائق الناضرة 3: 160.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 91

أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربّما كانت كثيرة الدم، فيكون حيضها عشرة أيّام، فلا تزال كلّما كبرت نقصت حتّى ترجع إلىٰ ثلاثة أيّام، فإذا رجعت إلىٰ ثلاثة أيّام ارتفع حيضها، و لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام.

فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة، فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض. و إن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين، اغتسلت و صلّت، و انتظرت من يوم رأت الدم إلىٰ عشرة أيّام. فإن رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت الدم يوماً أو يومين حتّى يتمّ لها ثلاثة أيّام، فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في عشرة، فهو من الحيض.

و إن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيّام و لم تَرَ الدم، فذلك اليوم و اليومان الذي رأته لم يكن من الحيض، إنّما كان من علّة: إمّا قرحة في جوفها، و إمّا من الجوف، فعليها أن تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها؛ لأنّها لم تكن حائضاً، فيجب أن تقضي ما تركت من الصلاة في اليوم و اليومين.

و إن تمّ لها ثلاثة أيّام فهو من الحيض، و هو أدنى الحيض، و لم يجب عليها القضاء. و لا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام.

و إذا حاضت المرأة، و كان حيضها خمسة

أيّام، ثمّ انقطع الدم، اغتسلت و صلّت. فإن رأت بعد ذلك الدم، و لم يتمّ لها من يوم طهرت عشرةُ أيّام، فذلك من الحيض؛ تدع الصلاة.

و إن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيّام و دام عليها، عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل و الثاني عشرة أيّام، ثمّ هي مستحاضة؛ تعمل ما تعمله المستحاضة.

و قال كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 92

الحيض، و كلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض «1».

و هذه المرسلة كما ترى تدلّ علىٰ أنّ الثلاثة لا يلزم أن تكون متصلة متوالية، فتفسّر ما في الروايات: من أنّ الدم لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام، فلولا الإشكالات الآتية، لكان الجمع بينها و بين تلك الروايات عقلائياً؛ لحكومتها عليها، و تكون نتيجته هو القول المخالف للمشهور.

و لكنّ العمل بمثل تلك المرسلة في غاية الإشكال، لا لكون الحكم علىٰ خلاف المشهور و إن كان له وجه وجيه، و احتمال تخلّل الاجتهاد في البين، أو إعمال المعارضة و ترجيح الروايات المقابلة لا الإعراض عنها بعيد، بل فاسد مع ما ترى من الجمع الوجيه العقلائي بين الطائفتين؛ بحيث لا يبقى معه شبهة المعارضة، فكيف يمكن نسبة عدم فهم هذا النحو من الجمع المقبول العرفي إلىٰ مشهور العلماء و أرباب اللسان؟! بل لأنّ في المرسلة اضطرابات و مناقضات و مخالفات للمشهور، ربّما تبلغ المناقشات فيها إلىٰ عشر أو أكثر، مع الغضّ عن التأمّل في سندها بإسماعيل بن مرار الذي لم يرد فيه توثيق و أكثر ما ورد فيه عدم استثناء ابن الوليد إيّاه

من رجال يونس «2»، و في كفايته تأمّل و إن كانت غير بعيدة، خصوصاً مع قول الصدوق في شأن ابن الوليد «3»، و عن إرسالها و إن كان المرسل يونس لعدم ثبوت كون مرسلاته حجّة. بل عدم ثبوت ذلك في سائر أصحاب الإجماع أيضاً؛ لأنّ استفادة ذلك من إجماع الكشّي و عباراته الواردة في شأن الطوائف الثلاث محلّ

______________________________

(1) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 294، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 4، و: 299، الباب 12، الحديث 2.

(2) انظر الفهرست: 181/ 789.

(3) الفقيه 2: 55/ 241.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 93

إشكال، و الشهرة المتأخّرة عنه غير معتمدة، مع قرب احتمال كون الاشتهار- علىٰ فرض ثبوته من فهم تلك العبارة الواردة من الكشّي، فراجع عباراته «1».

فمن الاضطرابات فيها: هو التعليل الواقع فيها لكون أدنى الطهر عشرة أيّام، لعدم التناسب بينهما؛ فإنّ كون المرأة في أوّل حيضها كثيرة الدم في بعض الأحيان، ليس علّة لكون أقلّ الطهر عشرة، و لا مناسباً له أصلًا [1] و التوجيه بأنّ المناسبة المصحّحة للعلّية، هي معلومية عدم تحيّض النساء عادة في كلّ شهر إلّا مرّة؛ و إن كان ربّما يعجّل بها الوقت بيوم أو يومين، لكن ليس التحيّض في شهر مرّتين تامّتين عادة لهنّ، فإذا كان المتعارف بينهنّ ذلك فيحسن التعليل؛ لأنّه إذا كان حيض كثيرة الدم عشرة أيّام و لم يتعدّ عنها، فكيف يكون الطهر أقلّ من عشرة مع أنّها لا تحيض إلّا مرّة واحدة في كلّ شهر «2»؟! غير وجيه؛ لأنّه إذا كان المتكلّم بصدد بيان عادة نوع النساء، فمع هذا التوجيه لا بدّ و أن يقول: «لا يكون أقلّ من

عشرين» لا عشرة، و ذكر العشرة إنّما يحسن إذا علّلها: «بأنّ المرأة لا تحيض زائداً عن مرّتين في الشهر كلّ مرّة عشرة أيّام» و معه يكون أقلّ الطهر عشرة أيّام، فتعليل كون أقلّ الطهر عشرة أيّام و عدم كونه أقلّ من ذلك بزيادة دم النساء في أوّل الحيض، لا يكون له وجه صحّة، فضلًا عن حُسن.

و منها: قوله اغتسلت مع أنّ الغسل مع الشكّ في الحيض بل في الاستحاضة، و احتمال دم ثالث، كما أبداه في نفس الرواية؛ حيث قال مع عدم

______________________________

[1] سيأتي في باب النفاس ما يمكن أن يكون وجه التناسب. «3». [منه (قدّس سرّه)]

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 238/ 431 و: 375/ 705 و: 556/ 1050.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 265/ السطر 11.

(3) يأتي في الصفحة 510.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 94

رؤية اليوم الثالث: إنّه ليس بحيض، بل من قرحة في الجوف أو من الجوف ليس له وجه مع جريان الاستصحاب؛ و أنّه لا ينبغي لها أن تنقض اليقين بالشكّ، و إيجاب الاحتياط عليها كما هو ظاهر الرواية لا يناسب الاحتياط الغير اللازم. بل لا يبعد دعوى عدم ملاءمة أدلّة الاستصحاب لحسن الاحتياط بالعمل علىٰ خلافها.

و منها: الأمر بالانتظار إلىٰ عشرة أيّام من يوم رأت الدم، مع أنّ الانتظار إلى العشرة إنّما يجب في بعض الأحيان لا مطلقاً؛ فإنّها إذا رأت يوماً و انقطع، و لم تَرَ إلى اليوم التاسع، انقطع انتظارها، فإنّ رؤيته في أثناء اليوم التاسع توجب أن لا تكون الثلاثة في أثناء العشرة، و معه لا يكون الدم حيضاً بحكم المرسلة، و إنّما دم الحيض ما إذا تمّت الثلاثة في العشرة، و كذا سائر الفروض المشابهة

لما ذكرنا.

و منها: أنّ صريحها في موضعين منها أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام، و ظاهر بعض فقرأتها أنّ الطهر أقلّ من عشرة، كما اتكل عليه صاحب «الحدائق» و حمل الأوّل علىٰ ما بين الحيضتين المستقلّتين، و الآخر علىٰ ما بين الحيض الواحد «1»، و هو كما ترى خروج عن طريق المحاورة. مع أنّ المناسب علىٰ زعم صاحب «الحدائق» أن يذكر في الرواية الطهر بين الحيضة الواحدة و يقول: «إنّ الطهر قد يكون أقلّ من عشرة» لا أن يقول: «إنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام» ثمّ يردفه بما يثبت الأقلّية، ثمّ يعقّب ذلك بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام، فإنّ كلّ ذلك اضطراب و اغتشاش.

و منها: جعل حساب العشرة تارة: من أوّل ما رأت الدم الأوّل، و أُخرى: من أوّل يوم طهرت، فالدم فيما بعد العشرة من أوّل رؤية الدم، ليس بحيض على

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 160 161.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 95

الحساب الأوّل، و حيض على الحساب الثاني. و لو كان بدل

طهرت

طمثت- كما نقل عن نسخة مصحّحة مقروءة على الشيخ العاملي «1» فهو اغتشاش و اضطراب آخر.

و منها: جعل ميزان الحساب ثالثاً نفس الدم الأوّل و الثاني، و جعل الاستحاضة بعد العشرة من الدمين، فلو فرض أنّها رأت الدم خمسة أيّام، و رأت الطهر ثلاثة أيّام، ثمّ الدمَ عشرة أيّام، فالدم في اليوم الحادي عشر من مبدأ اليوم الأوّل ليس بحيض؛ بناءً علىٰ مفاد أوّل الرواية، و حيض بناءً على الثاني و الثالث، و أمّا الدم في الخامس عشر فليس بحيض بناءً على الأوّل و الثاني، دون الثالث.

و منها: الحكم بحيضية

الدم المتجاوز عن العشرة في ذات العادة، كما هو ظاهرها .. إلىٰ غير ذلك.

و الإنصاف: أنّ مثل تلك المرسلة مع هذا التشويش و مخالفات الشهرة بل الإجماع في بعضها و الوهنِ في بعض تعابيرها، غير صالحة للاتكال عليها و الاحتجاج بها. مع ما مرّ: من أنّ العمل بالروايات ليس لتعبّد صِرف، بل العمدة هو بناء العقلاء و عدم الردع أو الإمضاء «2» و هم لا يعملون بمثل تلك الروايات مع ما عرفت.

التمسّك بصحيحة ابن مسلم و روايته علىٰ عدم اعتبار التتابع

و قد يستدلّ لعدم اشتراط التوالي بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

و إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الأُولىٰ، و إن

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 193/ السطر 15.

(2) تقدّم في الصفحة 80.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 96

كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة «1».

و

روايته عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ، و إذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة أُخرى مستقبلة «2».

بدعوىٰ إطلاقهما لرؤية الدم أوّلًا يوماً أو يومين، قال في «الحدائق»: «التقريب فيهما: أنّهما ظاهرتان في أنّه إذا رأت المرأة الدم بعد ما رأته أوّلًا- سواء كان يوماً أو أزيد فإن كان بعد توسّط عشرة أيّام خالية من الدم، كان الدم الثاني حيضة مستقلّة، و إن كان قبل ذلك كان من الحيضة الأُولىٰ» «3».

و أنت خبير بما فيها؛ فإنّ الرواية الاولىٰ مع إجمال صدرها أعني قوله إذا رأت الدم قبل عشرة لا يفهم منها شي ء، فلا محالة إمّا أنّها كانت مسبوقة بكلام آخر أسقطه الرواة لبعض الدواعي، أو كان المعهود أمراً

رافعاً للإجمال، و إلّا فلا يفهم من عشرة مبهمة شي ء، و لا يعلم ما كان معهوداً ذهناً أو ذِكْراً، فكيف يستدلّ بها، و بأيّ إطلاق يكون الاستدلال؟! مع إمكان أن يستكشف المعهود من نفس الرواية؛ أي قوله من الحيضة الأُولىٰ فكأنّ الكلام بتلك القرينة، كان مسبوقاً بأنّه إذا حاضت المرأة، و انقطع حيضها، و رأت الدم قبل عشرة، فهو كذلك، فكأنّه قال: «إذا رأت المرأة الدم بعد حيضها قبل عشرة أيّام ..» إلىٰ آخره.

______________________________

(1) الكافي 3: 77/ 1، وسائل الشيعة 2: 298، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 156/ 448، وسائل الشيعة 2: 296، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 11.

(3) الحدائق الناضرة 3: 162.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 97

و الدليل عليه: أنّ الحيضة كانت مفروضة الوجود، بل الدم الثاني أيضاً كان مفروض الحيضية، و وقع الكلام في إلحاق الحيض المفروض بالحيض المفروض المتقدّم أوّلًا، أو كونه بنفسه حيضاً مستقلا، و هذا هو المتفاهم منها، و معه لا دلالة لها علىٰ دعوى صاحب «الحدائق» بل لها إشعار أو دلالة علىٰ خلافها.

و منه يظهر الكلام في الرواية الثانية، بل هي أظهر فيما ذكرنا؛ لكونها مسبوقةً بقوله أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ممّا يفهم منه الاستمرار بالتبادر أو بما قرّرناه سابقاً «1»، و متعقّبةً بقوله و إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام .. إلىٰ آخره، و ظاهرها أنّ المرأة بعد أن تحيّضت بثلاثة أيّام، إذا طهرت و رأت الدم قبل عشرة أيّام، فهو من الحيض المفروض التحقّق بتحقّق ثلاثة أيّام متوالية، فتدلّ علىٰ خلاف مقصود صاحب «الحدائق».

و إن تنزّلنا عن ذلك نقول: إنّ الروايتين ليستا

في مقام بيان كون الدم حيضاً حتّى يتمسّك بإطلاقها، بل في مقام بيان أمر آخر؛ و هو استقلال الحيض و عدمه.

التمسّك برواية عبد الرحمن علىٰ عدم اعتبار التتابع

و منه يظهر الكلام

في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه المنقولة في أبواب العدد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة إذا طلّقها زوجها، متى تكون أملك بنفسها؟ قال إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها.

قلت: فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قرئها؟ فقال إذا كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها، و هو من الحيضة التي طهرت منها، و إن كان الدم بعد

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 88 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 98

العشرة أيّام فهو من الحيضة الثالثة، و هي أملك بنفسها «1».

ضرورة أنّ المفروض رؤيتها الحيضتين، و وقع الكلام في الدم الذي عجّل عليها، و كانت الشبهة لأجل التعجيل بعد فرض حيضية الثاني، بل حيضية الدم الذي رأته بعد الثانية، و إنّما شبهته كانت في أنّ الدم إذا عجّل عليها، هل يوجب الخروج عن العدّة أم لا؟ فأجاب بما أجاب، ففرض الحيضة الثانية ممّا لا إشكال فيه، فلا وجه للتمسّك «2» بإطلاقها لمدعاه، كما مرّ الوجه فيه.

بطلان التمسّك بقاعدة الإمكان

هذا، و أمّا التمسّك بقاعدة الإمكان و أدلّة الأوصاف «3» فضعيف؛ لما مرّ من عدم الدليل على القاعدة. و علىٰ فرض تماميتها لا ترفع بها الشبهة الحكمية، بل مصبّها الشبهة الموضوعية، كما أنّ مصبّ الإرجاع للأوصاف عند الدوران بين الحيض و الاستحاضة هو الشبهة الموضوعية لا الحكمية.

حول الأُصول الموضوعية و الحكمية في المقام

ثمّ إنّ هاهنا أُصولًا موضوعية و حكمية مع الغضّ عن الأدلّة، كأصالة عدم كون المرأة حائضاً، و أصالة عدم تحقّق حيضها، و أصالة عدم كون الدم حيضاً، و أصالة عدم حيضية الدم.

______________________________

(1) الكافي 6: 88/ 10، وسائل الشيعة 22: 212، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 17، الحديث 1.

(2) الحدائق الناضرة 3: 163.

(3) انظر مستند الشيعة 2: 392، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 190/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 99

و الفرق بينها لا يكاد يخفىٰ على المتأمّل؛ فإنّ القضية المتيقّنة في الأُولىٰ «أنّ المرأة ليست بحائض» بنحو اللّيس الرابط، فيتحقّق بها موضوع الأدلّة الاجتهادية التي رتّب الحكم بها علىٰ من لم تكن حائضاً، فمن لم تكن حائضاً يجب عليها الصلاة، و يجوز لها اللبث في المسجد .. إلىٰ غير ذلك، و الاستصحاب محقّق موضوعها.

و في الثانية تكون القضية المتيقّنة «عدم تحقّق حيضها، و عدم كون حيضها موجوداً» بنحو العدم المحمولي، و لا يترتّب علىٰ هذا الاستصحاب ما تقدّم من الآثار إلّا على الأصل المثبت؛ فإنّ عدم كونها حائضاً من لوازم عدم تحقّق حيضها. نعم لو كان لعدم تحقّق الحيض أثر، لترتّب عليه بالأصل المذكور.

و في الثالثة تكون القضيّة المتيقّنة «أنّ الدم ليس بحيض» بنحو اللّيس الناقص، و بالاستصحاب يترتّب عليه حكم عدم كون الدم حيضاً إذا كان له حكم شرعيّ. و أمّا الأحكام السابقة فلا

تترتّب عليه إلّا على الأصل المثبت؛ فإنّ عدم كون المرأة حائضاً لازم عدم كون الدم حيضاً. كما لا يترتّب عليه حكم عدم حيضتها.

و في الرابعة تكون القضيّة «عدم تحقّق حيضية الدم» بنحو اللّيس التامّ، و لا يترتّب عليه شي ء من الأحكام المتقدّمة المترتّبة علىٰ موضوعات سائر القضايا؛ لعين ما ذكرنا من المثبتية.

و لا يتوهّم أنّ ما ذكرنا مخالف

لصحيحتي زرارة حيث قال في الأُولىٰ فإنّه علىٰ يقين من وضوئه، و لا ينقض اليقين أبداً بالشكّ «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 8/ 11، وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 100

و

في الثانية لأنّك كنت علىٰ يقين من طهارتك، ثمّ شككت «1».

و ظاهرهما جريان الأصل في الوجود المحمولي، و ترتّب أثر الرابط.

فإنّه مدفوع بمنع الظهور، بل الظاهر منهما الكون الرابط؛ فإنّ المتفاهم العرفي من قوله إنّك كنت علىٰ يقين من طهارتك بإضافتها إلى الضمير أنّك كنت علىٰ يقين من كونك طاهراً، أو كونك علىٰ وضوء؛ علىٰ نحو ربط الصفة بموصوفها.

ثمّ إنّ جريان أصالة عدم كون الدم حيضاً، موقوف علىٰ أحد الأمرين:

إمّا كون الدم في الباطن غير حيض، و تكون الحيضية من صفات الدم الخارج.

و إمّا جريان الأصل في الأعدام الأزلية.

و كلاهما ممنوعان؛ ضرورة أنّ دم الحيض: هو الدم المعهود المختزن في الرحم المقذوف في أوقات معيّنة، كما يظهر من روايات باب اجتماع الحمل و الحيض «2». نعم لا يترتّب عليه حكم إلّا بعد القذف و تحقّق سائر شرائطه. و لو كان الحيض عبارة عن سيلان الدم، لم يجرِ الأصل أيضاً. و قد فرغنا عن عدم جريان الأصل في الأعدام الأزلية كأصالة عدم

القرشية في الأُصول «3» فلا نطيل بالبحث حولها.

و بما ذكرنا ظهر النظر في كلام الشيخ الأعظم خصوصاً في إجراء أصالة عدم كون الدم حيضاً لإثبات كون المرأة مستحاضة، حيث قال: «إن قلنا بعدم

______________________________

(1) علل الشرائع: 361/ 1، تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30.

(3) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 102 104، مناهج الوصول 2: 266 268.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 101

الواسطة بينهما أي بين دم الحيض و دم الاستحاضة في دم لم يعلم أنّه نفاس أو قُرحة أو عُذرة، فأصالة عدم الحيض حاكمة علىٰ أصالة عدم الاستحاضة أيضاً؛ لأنّ المستفاد من الفتاوى بل النصوص: أنّ كلّ دم لم يحكم عليه بالحيضية شرعاً، و لم يعلم أنّه لقرحة أو عذرة أو نفاس، فهو محكوم عليه بأحكام الاستحاضة، و حينئذٍ فإذا انتفىٰ كونه حيضاً بحكم الأصل، تعيّن كونه استحاضة، فتأمّل» «1» انتهىٰ.

و سيأتي الكلام إن شاء اللّٰه في النصّ و الفتوىٰ المدعيين «2». و مع تسليم ما ذكر لا يجري استصحاب عدم كون الدم حيضاً، كما مرّ. و مع الجريان لا يترتّب على المرأة أحكام المستحاضة بمجرّد جريان أصالة عدم كون الدم حيضاً، كما يظهر منه ذلك، إلّا أن يدعىٰ كشف التلازم الشرعي ببركة النصّ و الفتوىٰ بين عدم كون الدم حيضاً و كون المرأة مستحاضة، و على المدعي إثبات ذلك.

ثمّ علىٰ فرض عدم جريان الأُصول الموضوعية تجري الحكمية، و هي مختلفة، و لا داعي إلى البحث عنها بعد قلّة الجدوى.

بيان المراد من التوالي في الأيّام الثلاثة

و هل المراد من التوالي هو توالي الأيّام و

إن لم يستمرّ الدم فيها؛ بأن ترى في كلّ يوم في الجملة، لكن تكون أيّام الرؤية متواليات «3» فيحمل عليه قوله

في «الفقه الرضوي» فإن رأت الدم يوماً أو يومين، فليس ذلك من الحيض ما

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 189/ السطر 29.

(2) يأتي في الصفحة 315 و ما بعدها.

(3) انظر مدارك الأحكام 1: 322، ذخيرة المعاد: 63/ السطر 41، جواهر الكلام 3: 157.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 102

لم تَرَ الدم ثلاثة أيّام متواليات «1»

لصدق رؤية الدم في كلّ يوم من الثلاثة المتواليات علىٰ ما لو رأت في كلّ يوم منها في الجملة، خصوصاً إذا كان مقداراً معتدّاً به؟

و عليه تحمل

الروايات الكثيرة الدالّة علىٰ أنّ أدنى الحيض ثلاثة أو أدنىٰ ما يكون من الحيض ثلاثة أو أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام «2»

على اختلاف التعابير، فإنّ «الثلاثة» لا يمكن أن تكون محمولة حقيقة على الحيض و أدناه و أقلّه، بل تكون ظرفاً له؛ ذُكر حرف الجرّ أو لم يُذكر، فيكون المراد أنّ أدنىٰ تحقّق الدم في ثلاثة أيّام، و هو يصدق مع رؤيتها فيها في الجملة.

و تشهد له

موثّقة سَماعة قال: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض، فتقعد في الشهر يومين، و في الشهر ثلاثة أيّام؛ يختلف عليها، لا يكون طَمثها في الشهر عدّة أيّام سواء، قال فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم؛ ما لم يُجز العشرة، فإذا اتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها «3».

حملًا للقعود يومين علىٰ يومين تامّين مع رؤية الدم في ثلاثة أيّام غير مستمرّ إلىٰ تمام الثلاثة. بل لو سلّم دلالة الروايات المتقدّمة على الثلاثة المستمرّة، تكون هذه الرواية شاهدة علىٰ

عدم لزوم استمراره إلىٰ آخر اليوم، فيكون لها نحو حكومة و تفسير ل «ثلاثة أيّام» في تلك الروايات. بل لا يبعد ظهور مرسلة يونس المتقدّمة «4» في رؤية الدم في الثلاثة في الجملة.

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 192.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

(3) الكافي 3: 79/ 1، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1178، وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 14، الحديث 1.

(4) تقدّمت في الصفحة 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 103

أو المراد استمرار الدم في الثلاثة؛ بحيث متى وضعت الكُرْسُفة تلوّثت به، كما نسب إلى المشهور «1»؟

و عن «جامع المقاصد»: «أنّ المتبادر إلى الأفهام من كون الدم ثلاثة أيّام، حصوله فيها على الاتصال؛ بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث به. و قد يوجد في بعض الحواشي الاكتفاء بحصوله فيها في الجملة، و هو رجوع إلىٰ ما ليس له مرجع» «2».

و استجوده «الجواهر» جدّاً، و يظهر منه ندرة القائل بخلافه «3».

و عن «الجامع»: «لو رأت يومين و نصفاً و انقطع لم يكن حيضاً؛ لأنّه لم يستمرّ؛ بلا خلاف من أصحابنا» «4» و يظهر منه أنّ اعتبار الاستمرار غير مختلف فيه لدى الأصحاب.

و عن «التذكرة»: «أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام بلياليها؛ بلا خلاف بين فقهاء أهل البيت» «5» و ظاهره الاستمرار بقرينة ذكر الليالي. بل دعوى الإجماع علىٰ عدم إخلال الفترات المعهودة في استمرار الدم كما عن «التذكرة» «6» دليل على اعتبارهم الاستمرار؛ و إن لم يخلّ به بعض الفترات.

و كيف كان: فهذا هو الأقوىٰ؛ لما ذكرنا سابقاً من أنّ الظاهر من روايات أقلّ الدم، أنّ ثلاثة أيّام أقلّ مصداق يتحقّق لدم الحيض،

و هو لا يمكن إلّا باستمراره،

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 157، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 192/ السطر 15.

(2) جامع المقاصد 1: 287.

(3) جواهر الكلام 3: 158.

(4) الجامع للشرائع: 43.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 255.

(6) نفس المصدر 1: 322.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 104

و إلّا فلو رأت في يوم ساعة و انقطع بحصول النقاء، و رأت في اليوم الثاني ساعة أُخرى و انقطع، و رأت في الثالثة، فهذه الدماء في الساعات المزبورة كما مرّ «1» لا تكون مصداقاً واحداً لدم الحيض عرفاً و عقلًا، بل ثلاثة مصاديق؛ ضرورة أنّ استقلال كلّ مصداق حتّى في نظر العرف عن مصداق آخر إنّما هو بتخلّل الطهر، و إذا كانت هذه الدماء حيضاً لا يكون أقلّ دم الحيض ثلاثة أيّام، بل أقلّه ساعة، فإنّ كلّ ساعة دم حيض مستقلّ في التحقّق و الوجود.

و لو فرض كون الحيض أمراً معنوياً محصّلًا من الدم، لم يكن الأقلّ ثلاثة أيّام أيضاً؛ سواء جعل النقاء في البين طهراً و هو ظاهر أو لا، فإنّها لو رأت الدم في اليوم الثالث في أوّل النهار و طهرت، و لم تر الدم إلىٰ عشرة أيّام، كان هذا النقاء من أوّله طهراً، فيكون أقلّ الحيض يومين و ساعة. إلّا أن يحمل

قوله أقلّ الحيض ثلاثة أيّام

على التسامح حتّى يصدق على الثلاثة الناقصة، و هو كما ترى.

كما أنّ حمل الروايات علىٰ كونه أمراً معنوياً، أيضاً بعيد مع ظهورها في كونه نفس الدم أو سيلانه.

و كيف كان: فحملها علىٰ عدم الاستمرار و الرؤية في الجملة، يحتاج إلىٰ تكلّف و اعتبار و ارتكاب تجوُّز محتاج إلى القرينة.

و لا يرد علىٰ ما ذكرنا من التقريب ما يرد علىٰ دعوى التبادر

العرفي «2»، و هو أن يقال: إنّ

قوله أقلُّ الحيض ثلاثة أيّام

غير ممكن الحمل علىٰ ظاهره، فلا بدّ و أن تكون «الثلاثة» ظرفاً، فهي إن كانت ظرفاً لأصل تحقّق الدم، فلا يدلّ على الاستمرار، و إن كانت ظرفاً لاستمراره أو سيلانه، فلا يبعد ظهوره في الاستمرار في تمام اليوم، و لم يعلم أنّه أُريد به في الروايات نفسه أو سيلانه و استمراره.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9088.

(2) راجع جواهر الكلام 3: 157.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 105

و حذف حرف الجرّ لا يفيد شيئاً؛ ضرورة أنّ الظرفية باقية معه علىٰ حالها.

و لو قيل: إنّه مع حذفه يكون الحمل لتأوّل، و مع الاستمرار يكون التأويل أقرب، بخلافه مع عدمه.

فيه: أنّه مع تسليمه لا يوجب ظهوراً حجّة يتمسّك به لدى الشكّ مع إمكان التأويل بغير ذلك، خصوصاً إذا كان الدم في كلّ يوم مقداراً معتدّاً به، أو أكثر من النقاء.

فالعمدة ما ذكرناه، و معه لا مجال للتمسّك بموثّقة سماعة. مع أنّ الظاهر منها أنّ القعود في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة، كناية عن رؤية الدم يومين و ثلاثة، كما يشهد به قوله: «يختلف عليها؛ لا يكون طَمْثها في الشهر عدّة أيّام سواء» فلا دلالة فيها علىٰ ما ادعي حتّى نحتاج إلى جواب الشيخ الأعظم «1» بما لا يخلو من تكلّف، فلا بدّ من حمل الرواية علىٰ لزوم ترك الصلاة إذا رأت الدم؛ استظهاراً حتّى يتضح حالها، أو ردّ علمها إلىٰ أهله مع مخالفتها للأخبار و الإجماع. و مرسلة يونس مع ما عرفت من حالها «2» لا تدلّ علىٰ ما ادعي؛ لو لم تدلّ علىٰ خلافه.

و ممّا ذكرنا يظهر حال الاحتمال الثالث- ممّا نفى

البُعدَ عنه شيخنا البهائي «3» علىٰ ما نقل عنه و نسب إلىٰ بعض معاصري شيخنا الشهيد الثاني «4» من اشتراط رؤيته أوّل الأوّل، و آخرَ الثالث، و أيَّ وقت من الثاني. نعم، لو بنينا علىٰ أنّ الحيض أمر معنوي، يكون هذا القول أسلم من الإشكال من القول الأوّل.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 192/ السطر 5.

(2) تقدّم في الصفحة 92.

(3) الحبل المتين: 47/ السطر 22.

(4) انظر الحدائق الناضرة 3: 169.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 106

عدم إضرار الفترات اليسيرة المعهودة بين النساء

ثمّ لا يبعد عدم مضرّية الفترات اليسيرة المعهودة للنساء؛ إذا كانت بحيث لا تضرّ بالاستمرار العرفي و رؤية الدم ثلاثة أيّام، كما نقل عن العلّامة دعوى الإجماع عليه «1». و لعلّ مراد القائلين بالاستمرار ليس إلّا هذا النحو، فقول «جامع المقاصد»: «متى وضعت الكُرْسُف تلوّث به» «2» لعلّه لا ينافي ذلك، فتأمّل. و هذا لا يخلو من قوّة إذا ثبتت المعهودية، و إلّا فمحلّ إشكال و تأمّل.

في دخول الليالي في الأيّام الثلاثة

و هل المراد من «ثلاثة أيّام» هي مع لياليها أو هي مع الليلتين المتوسّطتين أو نفس الأيّام بلا لياليها، أو تختلف بحسب الموارد؛ فإن رأت في أوّل الليل لا بدّ من دخول الليالي الثلاث، و كذا لو رأت وسط النهار، بخلاف ما لو رأت أوّل النهار، فلا يدخل فيها الليلة الأخيرة، أو يختلف الأمر بحسب المبنى المشهور فيدخل فيها الليلتان المتوسّطتان في بعض الفروض، و الليالي الثلاث في آخر، و بحسب مبنىٰ «صاحب الحدائق» «3» فلا تدخل فيها الليالي مطلقاً؟

يمكن أن يبتني الحكم علىٰ أنّ المراد من

قوله لا يكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام

أو أدنى الحيض ثلاثة

هل هو نفس الثلاثة؛ بحيث يكون النهار دخيلًا في الموضوع و مقوّماً له، كتقوّم الصوم بالنهار، و الصلاة بالأوقات

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 322.

(2) جامع المقاصد 1: 287.

(3) الحدائق الناضرة 3: 159.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 107

المخصوصة، أو أنّ ذكر «ثلاثة أيّام» لمجرّد التقدير، فتكون آلة محضاً لتقدير مقدار الدم؛ و أنّه إذا سال بهذا المقدار يكون حيضاً؟

و يأتي هذا الكلام في كثير من المواضع، كالنزح يوماً إلى الليل متراوحاً لموت الكلب مع غلبة الماء.

لا إشكال في أنّه قد يفهم العرف و العقلاء- بمناسبات مغروسة في

أذهانهم أنّ ذكر الأيّام و أمثالها لمجرّد التقدير؛ من غير دخالة لذات اليوم في الموضوع و الحكم، مثل أن يؤمر بوضع شي ء في الماء يوماً، أو وضع المشمّع على الجرح يوماً، فإنّ العرف لا يفهم منه إلّا وضعهما مقدار يوم، و لا يرىٰ ذكر «اليوم» إلّا لمحض التقدير، فإذا وضعهما بمقدار يوم في الليل أو ملفّقاً، يرىٰ نفسه عاملًا بالخطاب.

و قد يرىٰ لليوم دخلًا تقويمياً للحكم و موضوعه.

و لا يبعد أن يكون النزح متراوحاً من قبيل الأوّل؛ فإنّ العرف يرىٰ أنّ تمام الموضوع لتطهير البئر أو تنظيفه، هو إخراج الماء بهذا المقدار من الزمان متراوحاً، و لا يرى لليوم دخلًا في الحكم، بل يكون ذكره لمجرّد التقدير، فالنزح في الليل بمقدار يوم إلى الليل، عمل بالنصّ عرفاً.

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ المقام من قبيل ذلك؛ و إنّما جي ء ب «ثلاثة أيّام» لمجرّد تقدير مقدار خروج الدم من غير مدخل لليوم فيه؛ بحيث لو رأت مقدار ثلاثة أيّام أيّ ستّ و ثلاثين ساعة من أوّل الليل مثلًا إلىٰ مضيّ هذا المقدار مستمرّاً، كان ذلك كافياً في جعله حيضاً.

و كذا لو كانت المرأة في أقطار تكون لياليها شهرين، و أيّامها كذلك أو أكثر، فرأت بمقدار ذلك، كان حيضاً، و وجب عليها التحيّض.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 108

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 108

و بعبارة اخرىٰ: أنّ العرف لا يرى لطلوع الشمس و غروبها، دخلًا في حيضية الدم، كما لا يرى لهما تأثيراً في تطهير

البئر بالنزح، و وضع المشمّع على الجرح و أمثالهما.

أو يكون المقام من قبيل الأوّل «1»؛ بأن يكون للأيّام الثلاثة دخل في الموضوع، فليس الموضوع إلّا رؤية الدم و استمراره ثلاثة أيّام، و مع رؤية يوم و ليلتين أو بالعكس، لا يصدق أنّها رأت ثلاثة أيّام. و ليس للمقدار اسم و لفظ حتّى يستفاد منه ذلك. و إلغاء خصوصية الثلاثة غير ممكن؛ لأنّه لا بدّ فيه من حكم العرف بذلك، و هو غير معلوم.

لكن الإنصاف: أنّه لولا مخالفة ما ذكرنا للقوم حيث لم أرَ احتماله في كلام أحد لكان للذهاب إليه وجه، فتأمّل.

لكنّ الأوجه هو اعتبار الليالي؛ لأنّ الظاهر من الأدلّة هو اعتبار الاستمرار، و أنّ المراد من

قوله لا يكون دم الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام

من حين رؤيته، فيفهم منه الاستمرار، و من الاستمرار دخول الليالي، فكأنّه قال: «إذا رأت الدم من حين ما رأت ثلاثة أيّام، يكون حيضاً» ففهم دخول الليالي لذلك، لا لدخل بياض النهار فيه. و في مثل التراوح أيضاً يفهم ذلك إذا قال: «يتراوح ثلاثة أيّام» لا لفهم تأثير اليوم فيه، و لذا نقول بالتلفيق، بل لفهم الاستمرار من التراوح من حين الاشتغال، و يفهم دخول الليالي لفهم الاستمرار.

فالأقوىٰ هو الجمود علىٰ مقتضى النصوص، مؤيّداً بما قلنا سابقاً «2»: من أنّ التحديدات الشرعية الواردة لدم الحيض، ليست تحديدات للحيض الواقعي؛ أي

______________________________

(1) و الصحيح هو «الثاني».

(2) تقدّم في الصفحة 9 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 109

للدم المعهود المقذوف من الرحم في أوقات خاصّة، بل هي لمعرّفية الموضوع الشرعي الذي هو صنف من الدم المعهود، فلهذا لو علمنا بأنّ الدم الأقلّ من ثلاثة أيّام هو الدم المعهود،

لم نحكم عليها بالتحيّض، و لا تكون حائضاً محكوماً عليها بالأحكام الخاصّة، و معه لا مجال للعرف لإلغاء الخصوصية. و ليس حال ثلاثة أيّام الحيض حال التراوح؛ ممّا يمكن فيه إلغاء الخصوصية عرفاً. مع أنّك قد عرفت في التراوح ما عرفت.

نعم، لو كان التحديد لواقع دم الحيض، لكان لما ذكر وجه، لكنّه ضعيف مخالف للاعتبار و الوجدان، فلا يمكن رفع اليد عن ظواهر الأدلّة المتظافرة الدالّة علىٰ كون أقلّ الحيض ثلاثة. و علىٰ ما ذكرنا يرفع الاستبعاد عن اختلاف أقلّ الحيض قلّةً و كثرةً بحسب وقت الرؤية من أوّل الليل أو أوّل النهار.

دخول الليلتين المتوسّطتين و الأولى

ثمّ إنّه علىٰ ما ذكرنا، لا إشكال في دخول الليلتين المتوسّطتين إذا رأت في أوّل النهار، و الليلة الأُولىٰ أيضاً إذا رأت أوّل الليل و التلفيق إذا رأت بين النهار؛ بحكم العرف و فهمه من

قوله لا يكون الدم أقلّ من ثلاثة أيّام

، فإنّها إذا رأت أوّل الزوال إلىٰ أوّل زوال اليوم الرابع، يصدق عرفاً أنّها رأت ثلاثة أيّام، كما أنّ الأمر كذلك في أشباهه و نظائره.

نعم، بناءً علىٰ مذهب صاحب «الحدائق» «1» فالظاهر عدم دخول الليل مطلقاً؛ لأنّ عمدة مستنده المرسلة «2» و ظاهرها أنّها لو رأت يوماً، ثمّ رأت بعد

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 159.

(2) تقدّمت في الصفحة 90 92.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 110

الانقطاع ما يتمّ به ثلاثة أيّام، يكون الدمان حيضاً، و لا شبهة في صدق ثلاثة أيّام متفرّقة بين العشرة على الأيّام بغير لياليها.

و دعوىٰ إطلاق «اليوم» على اليوم و الليلة «1»، ضعيفة مخالفة للعرف و اللغة «2» و إنّما فهمنا دخول الليالي من ظهور الأدلّة في الاستمرار، أو من الوجه الذي

سبق.

كما أنّه علىٰ فرض كون المراد من «ثلاثة أيّام» مقدارها، يكون المقدار المفروض هو مقدار بياض الأيّام؛ لأنّه اليوم عرفاً و لغة.

نعم، قد يطلق علىٰ مطلق الوقت، لكنّ إطلاقه على اليوم و الليلة ليس علىٰ نحو الحقيقة. و مع التسليم لا ريب في انصرافه إلىٰ بياض النهار فقط، و هذا أيضاً أحد وجوه المناقشة في مرسلة يونس القصيرة.

ثمّ إنّ التلفيق من الساعات، خلاف ظواهر الأدلّة و لو علىٰ مبنىٰ صاحب «الحدائق» كما يظهر بالنظر في المرسلة.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 287، روض الجنان: 61/ السطر ما قبل الأخير.

(2) لسان العرب 15: 466.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 111

الأمر الرابع في اشتراط الحيض بأن لا يزيد علىٰ عشرة أيّام
اشارة

لا إشكال في كون أكثر الحيض عشرة أيّام، و عن «الأمالي»: «هذا من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به» «1» و عن «المعتبر»: «هو مذهب فقهاء أهل البيت» «2» و نقلُ الإجماع عليه متكرّر «3» كنقل عدم الخلاف «4» و النصوص به مستفيضة «5».

نعم،

في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إنّ أكثر ما يكون من الحيض ثمانٍ، و أدنى ما يكون منه ثلاثة «6».

و هي مع ما فيها من احتمال وقوع السهو؛ لأجل تذكير لفظة ثمان كما في النسخ التي عندنا، أو التقدير الموجب للإجمال شاذّة، و عن الشيخ: «أنّ الطائفة أجمعت علىٰ خلاف ما تضمّنه هذا الحديث» أو محمولة علىٰ بعض المحامل «7».

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 516.

(2) المعتبر 1: 201.

(3) الخلاف 1: 237 238، نهاية الإحكام 1: 117، جامع المقاصد 1: 287.

(4) السرائر 1: 145، تذكرة الفقهاء 1: 256، مفتاح الكرامة 1: 344/ السطر 16.

(5) وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

(6) تهذيب الأحكام 1:

157/ 450، وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 14.

(7) تهذيب الأحكام 1: 157/ ذيل الحديث 450، الاستبصار 1: 131/ ذيل الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 112

اعتبار التوالي في العشرة
اشارة

و إنّما الإشكال و الكلام في اعتبار التوالي فيها، كما عن ظاهر المشهور بل عن ظاهر «النهاية» عدم القائل بالخلاف «1»، و عدمه كما قال به صاحب «الحدائق» «2» و هو خالف المشهور في توالي الثلاثة، و توالي العشرة، و أقلّ الطهر.

و قد مرّ التقريب في دلالة ما دلّ علىٰ أنّ أدنى الحيض ثلاثة أيّام على التوالي «3»، و يمكن تقريبها في العشرة أيضاً.

لكن لا يمكن إلزام صاحب «الحدائق» بذلك إلّا بعد إثبات عدم كون الطهر مطلقاً أقلّ من عشرة أيّام، و إلّا فله أن يقول: إنّ كون أكثر الحيض عشرة أيّام متوالية، لا ينافي تفرّق الأيّام علىٰ تسعين يوماً، و مع ذلك لا تكون الأيّام المتفرّقة أكثر أيّام الحيض؛ لأنّ الأكثرية بأكثرية الدم المستمرّ. لكنّه لا يلتزم بذلك، بل يدعي أنّ الأكثر يمكن أن يكون متفرّقاً، و عليه يكون التقريب المتقدّم حجّة عليه و ملزماً له.

و الإنصاف: أنّ ظهور الروايات المحدّدة لأقل الحيض و أكثره «4» في التوالي مطلقاً، ممّا لا ينكر، و كذا لزوم التوالي في كلّ مصداق واحد من الحيض كان الأقلّ أو الأكثر أو الأوسط بالتقريب المتقدّم، فلا بدّ لرفع اليد عن هذا الظهور المستقرّ و الدليل المتّبع من دليل، و إلّا كان هو المتّبع.

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 192/ السطر 32، نهاية الإحكام 1: 166.

(2) الحدائق الناضرة 3: 159.

(3) تقدّم في الصفحة 88 89.

(4) وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب

10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 113

حول مذهب صاحب الحدائق في عدم اعتبار التوالي

و استند صاحب «الحدائق» «1» لمقالته إلىٰ روايات:

منها: ذيل

مرسلة يونس القصيرة، و هو قوله فإذا حاضت المرأة، و كان حيضها خمسة أيّام، ثمّ انقطع الدم، اغتسلت و صلّت، فإن رأت بعد ذلك الدم، و لم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام، فذلك من الحيض تدع الصلاة، و إن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيّام و دام عليها، عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل و الثاني عشرةَ أيّام، ثمّ هي مستحاضة «2».

و التقريب فيها من وجهين:

أحدهما قوله فإن رأت بعد ذلك الدم، و لم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام، فذلك من الحيض حيث جعل مبدأ الحساب من الطهر، فإذا رأت خمسة و طهرت خمسة ثمّ رأت خمسة، فالخمستان الحاشيتان من الحيض؛ لرؤيتها قبل مضيّ عشرة أيّام من الطهر، و لا يتمّ ذلك إلّا بعدم اعتبار التوالي.

و ثانيهما قوله و إن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني .. إلىٰ آخره؛ حيث جعل عدّ الدمين ميزاناً للعشرة، لا من مبدأ الدم الأوّل إلىٰ عشرة أيّام؛ حتّى يكون النقاء داخلًا في الحساب، و هو لا يتمّ إلّا بعدم اعتبار التوالي.

و في الوجهين نظر، حاصله: أنّ صدر المرسلة ظاهر بل صريح في أنّ مبدأ حساب عشرة أيّام، من أوّل رؤية الدم يوماً أو يومين، و أنّ كلّ دم رأت في العشرة التي مبدؤها ذلك، هو من الحيض، و مع عدم الرؤية فيها ليس اليوم

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 159 و ما بعدها.

(2) تقدّم في الصفحة 91.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 114

و اليومان

من الحيض، بل إمّا من قرحة أو غيرها، و يجب عليها قضاء الصلاة، فيكون مبدأ الحساب بحسب الصدر هو أوّل رؤية الدم، فحينئذٍ يكون قوله إذا رأت خمسة أيّام إمّا من أمثلة ما ذكر في الصدر، و إنّما أعاد مثالًا آخر للتوضيح.

أو فرضاً آخر حكمه غير الفرض الأوّل، فيستفاد منها التفصيل بين رؤية الدم يوماً أو يومين و بين خمسة أيّام مثلًا.

أو كان الفرض الأوّل لغير ذات العادة، بخلاف الثاني.

و هذان التفصيلان ممّا لا قائل بهما ظاهراً؛ و إن لم يبعد التزام صاحب «الحدائق» بهما. و لا يبعد دعوى كون المثال للتوضيح، لا لبيان مطلب مستقلّ و لو لما ذكرنا من عدم القائل بهما، فيتعيّن الاحتمال الأوّل، و معه يكون الصدر رافعاً لإجمال الذيل؛ فإنّ قوله من يوم طهرت في الجملة الأُولى التي استند إليها يمكن أن يكون متعلّقاً ب «لم يتمّ و أن يكون متعلّقاً ب «عشرة أيّام و لا ترجيح لأحدهما ابتداءً، لكن مع ملاحظة الصدر الصريح في كون مبدأ الحساب هو أوّل رؤية الدم، يرتفع هذا الإجمال و يتعيّن تعلّقه بقوله لم يتمّ و يكون المعنىٰ: «إذا رأت الدم مع عدم تمام العشرة المتقدّمة التي مبدؤها من رؤية الدم ..» فتكون أيّام الطهر متمّمة للعشرة لا مبدأها.

و بعبارة أُخرى: إذا لم يأتِ عليها من الطهر متمّم للعشرة، و رأت الدم، يكون حيضاً، فصارت هذه الجملة مطابقة للجملة السابقة، و للشهرة، بل الإجماع.

هذا مع الغضّ عمّا قال الشيخ الأعظم: من أنّ في نسخة مصحّحة مقروءة على الشيخ الحرّ بدل طهرت طمثت «1».

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 193/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 115

و ممّا ذكرنا يظهر حال الجملة

الثانية، مع إجمالها و اضطرابها، فإنّ المراد منها بعد ضمّ الصدر إليها أنّه إن رأت من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته متمّماً للعشرة المتقدّمة التي مبدؤها من رؤية الدم الأوّل .. فتكون رؤية الدم في العشرة التي مبدؤها مصرّح به في الصدر، فتكون هذه الجملة أيضاً مطابقة للصدر و القول المشهور.

و إلّا فلو أُريد من قوله تمام العشرة العشرة التامّة من رؤية الدم الثاني، تكون هذه الجملة لغواً محضاً؛ فإنّ رؤية العشرة التامّة من مبدأ الدم الثاني، لا دخل لها في الحكم المترتّب عليه أصلًا، و لا في مدّعى صاحب «الحدائق» رأساً؛ فإنّ الحكم إنّما يكون على الدم المتجاوز عن عشرة أيّام بعد حساب الدمين مجتمعين، فمع رؤية خمسة أيّام كما هي مفروضة الرواية إن طهرت يوماً مثلًا، و رأت ستّة أيّام، يكون اليوم السادس منها استحاضة علىٰ قول صاحب «الحدائق» و لا دخل لرؤية العشرة الكاملة في ترتّب هذا الحكم عليه. هذا كلّه مع الغضّ عمّا تقدّم في المسألة السابقة «1».

و الإنصاف: أنّ هذه المرسلة مع هذه التكلّفات في توجيهها و تأويلها و الإجمالات الكثيرة فيها، لا يمكن الاتكال عليها لإثبات حكم شرعي.

و ممّا استدلّ به لمذهب صاحب «الحدائق»:

رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة «2»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أقلّ ما يكون من الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ، و إذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة أُخرى مستقبلة «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 92 95.

(2) تقدّم في الصفحة 59.

(3) الكافي 3: 77/ 1، تهذيب الأحكام 1: 159/ 454، وسائل الشيعة 2: 298، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 1، ص: 116

و قريب منها روايته الصحيحة الأُخرىٰ و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه المتقدّمتان «1».

و التقريب فيها: أنّ الظاهر منها أنّ العشرة المذكورة فيها، عشرة واحدة جعل لرؤية الدم قبلها و بعدها حكم، و لا إشكال في أنّ مبدأ العشرة في الفقرة الثانية هو أوّل الطهر، و إلّا لزم كون الدم حيضة مستقبلة قبل عشرة الطهر، و هو خلاف الإجماع و النصّ، فلا محالة يكون مبدأ العشرة في الأُولىٰ أيضاً هو الطهر، فحينئذٍ إن جعل النقاء المتخلّل حيضاً، يصير أكثر الحيض أكثر من عشرة أيّام، و هو أيضاً خلاف الإجماع و النصّ، فلا بدّ من جعله طهراً، و به يتمّ المطلوب؛ و هو عدم توالي عشرة أيّام الحيض.

بل و تتمّ دعوى اخرىٰ: و هي كون الطهر أقلّ من العشرة؛ إذا كان في خلال الحيضة الواحدة.

و فيه: أنّه لا إشكال في لزوم ارتكاب خلاف ظاهر في المقام، فلا بدّ من عرض الأخبار الواردة على العرف حتّى نرىٰ أنّ ارتكاب أيّ خلاف ظاهر أهون.

و توضيحه: أنّ هاهنا طوائف من الروايات:

الطائفة الأُولىٰ: الروايات الكثيرة القائلة: بأنّ أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة، و أكثره عشرة، الظاهرة في التوالي، و هذه الروايات بإطلاقها تدلّ علىٰ أنّ العشرة حدّ للأكثر؛ سواء استمرّ الدم، أو تخلّل نقاء في البين، و لازمه كون النقاء حيضاً.

و الطائفة الثانية: ما دلّت علىٰ أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام، كمرسلة يونس

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 59.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 117

و غيرها، و هي بإطلاقها تدلّ علىٰ أنّه لا يكون أقلّ؛ كان في خلال الحيضة الواحدة، أو بين الحيضتين.

و الطائفة الثالثة: تلك الروايات المتقدّمة الظاهرة

في كون العشرة واحدة، و استفاد صاحب «الحدائق» منها أنّ النقاء المتخلّل طهر، و لا يشترط التوالي في العشرة؛ جمعاً بينها «1».

و لنا أن نقول مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب، و عدم الاعتناء بالشهرة و الإجماع، كما هو دأب صاحب «الحدائق»: إنّ الجمع بينها لا ينحصر فيما ذكر، بل يمكن الجمع بوجه آخر؛ و هو رفع اليد عن إطلاق ما دلّ علىٰ أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام، فإنّ مقتضىٰ إطلاقها أنّ الأكثر عشرة؛ سواء كان الدم سائلًا، أو تخلّل النقاء في البين، فمع رفع اليد عن إطلاقها و تخصيصها بما إذا رأت الدم في جميع العشرة، يجمع بين الروايات أيضاً، فيكون مبدأ العشرتين من حين رؤية الدم، كما هو الظاهر منها، و مع حفظ ظهور الروايات الدالّة علىٰ أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام، نحكم بحيضية النقاء المتخلّل، و تكون النتيجة: أنّ الحيض الحكمي يكون أكثره أكثر من عشرة أيّام.

و هذا الجمع أقرب ممّا ذكره صاحب «الحدائق» لأنّ «الحيض» عبارة عن الدم أو سيلانه لغة «2»، فما دلّت علىٰ أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام، يمكن دعوى ظهورها في أنّ أكثر جريان الدم الذي هو حيض، عشرة أيّام، و لا تكون متعرّضة للحيض الحكمي، فيجمع حينئذٍ بين الروايات من غير ارتكاب خلاف ظاهر أصلًا.

و لو قيل بالإطلاق كان هذا الجمع أيضاً أقرب؛ لما ذكر، أو لاحتماله و ضعف الإطلاق. و لا أقلّ من كون الجمعين متساويين من غير ترجيح.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 163 164.

(2) لسان العرب 3: 419، مجمع البحرين 4: 201، القاموس المحيط 2: 341.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 118

بل بناءً علىٰ هذا الجمع، يكون التصرّف في الأدلّة أقلّ ممّا

ارتكبه صاحب «الحدائق».

بيانه: أنّ الجمع بينها علىٰ مسلكه، يوجب التصرّف في جميع الطوائف الثلاث: أمّا فيما دلّت علىٰ أنّ أقلّ الطهر عشرة، فبتقييد إطلاقها بما بين الحيضتين المستقلّتين.

و أمّا فيما دلّت علىٰ أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام، فبرفع اليد عن ظهورها في العشرة المتوالية.

و أمّا في الطائفة الثالثة، فبرفع اليد عن ظهورها في أنّ مبدأ العشرة هو الدم؛ ضرورة أنّ قوله

في رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاولىٰ ..

إلىٰ آخره، ظاهر في أنّ مبدأ العشرة هو مبدأ الثلاثة المذكورة، و ليس للطهر ذكر حتّى تحمل العشرة على العشرة من الطهر.

و أمّا بناءً علىٰ ما ذكرنا من حمل الروايات الدالّة علىٰ أكثر الحيض علىٰ عشرة الدم، فلا يكون التصرّف إلّا فيها علىٰ فرض تسليم إطلاقها و عدم انصرافها إلىٰ وجدان الدم و في الطائفة الثانية برفع اليد عن ظهورها في كون العشرة واحدة، و مبدأ الثانية هو مبدأ الأُولىٰ، فيكون هذا التصرّف أقلّ ممّا سلكه صاحب «الحدائق» و أهون.

لكن مع ذلك و مع الغضّ عن كونه خلاف الإجماع، يكون الجمع بينها بما يوافق قول المشهور، أهونَ و أقلّ محذوراً منه، فضلًا عن الجمع علىٰ مسلك «الحدائق» فإنّه لو سُلّم كون الطائفة الثالثة مطلقة و في مقام البيان، كان التصرّف مختصّاً بها علىٰ مذهب المشهور، و تكون ما دلّت علىٰ أكثر الحيض و أقلّ الطهر، محفوظةً عن التصرّف.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 119

و أمّا التصرّف في هذه الطائفة، فإمّا بجعل العشرة الأُولىٰ غير الثانية، كما قد يؤيّده تنكير الثانية علىٰ بعض

النسخ «1».

أو حفظ هذا الظهور؛ و تقييد الفقرة الثانية بمضي أقلّ الطهر؛ و هو عشرة أيّام طاهرة، و هذا تصرّف واحد أهون من تصرّفين أو تصرّفات في جميع الأدلّة.

هذا مع التسليم، و إلّا فالحقّ أنّ هذه الروايات ليست في مقام البيان من هذه الجهة بلا إشكال، كما تقدّم، و يظهر بالمراجعة إليها؛ فإنّ

قوله في رواية ابن مسلم أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة ..

إلىٰ آخره، ظاهر في أنّ الحيض في مبدأ العشرة كان مفروض الوجود، و كذا الدم المتأخّر كان مفروض الحيضية، و إنّما الكلام في استقلاله و عدمه؛ و أنّه من الحيضة الاولىٰ أو حيضة مستقبلة، و ليست بصدد بيان أنّ الدم كذا حتّى يتمسّك بإطلاقها.

و لهذا لا ينقدح في الذهن تعارض بين صدرها حيث حكم بأنّ أقلّ الحيض ثلاثة و بين ذيلها، و لو كان للذيل إطلاق لكان متعارضاً مع الصدر. و كذا لا ينقدح التعارض بينها و بين ما دلّ على اعتبار شرائط في الحيض، و ذلك آية عدم الإطلاق، كما ينادي به نفس الرواية.

و مثلها رواية عبد الرحمن المتقدّمة «2»، فإنّ الظاهر منها أنّ حيضية الدم المتقدّم و المتأخّر مفروضة، و تكون الرواية في مقام بيان أنّه ملحق بالثانية أو حيضة مستقلّة، فحينئذٍ لا يكون الجمع بين تلك الطوائف بما يوافق المشهور موجباً لتصرّف فيها.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 267/ السطر 30.

(2) تقدّمت في الصفحة 97.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 120

حول مذهب صاحب الحدائق في النقاء المتخلّل بين العشرة

نعم، هنا روايات أُخر يتمسّك بها لعدم اعتبار التوالي، و لكون أقلّ الطهر بين الحيضة الواحدة أقلّ من عشرة أيّام، و أنّ ما دلّت علىٰ أنّ أدنى الطهر عشرة،

مختصّة بما بين الحيضتين «1»:

منها: موضعان من مرسلة يونس «2»: أحدهما

قوله و إن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين، اغتسلت و صلّت

حيث إنّ الأمر بالاغتسال إنّما يكون للحيض المحتمل، و الأمر بالصلاة لكونها طاهرة.

و فيه: أنّه كما يحتمل أن يكون ذلك لأجل احتمال الحيض، يمكن أن يكون لأجل احتمال الاستحاضة. و يمكن أن يقال: إنّ الثاني موافق للأصل؛ بناءً علىٰ أنّ هذه المرأة إذا لم تكن حائضاً فهي مستحاضة شرعاً، و إحراز عدم كونها حائضاً بالأصل.

و لو أُغمض عن ذلك أو استشكل فيه، فلا ظهور للرواية في تعيين شي ء من الاحتمالين، كما أنّ الأمر بالصلاة يمكن أن يكون للتكليف الظاهري و استصحاب عدم كونها حائضاً، فلا ظهور لها فيما ادعىٰ صاحب «الحدائق» «3».

و

ثانيهما قوله فذلك الذي رأته في أوّل الأمر، مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة، هو من الحيض

حيث حكم بحيضية الدمين، و لو كان النقاء

______________________________

(1) انظر الحدائق الناضرة 3: 159 164، جواهر الكلام 3: 156، مصباح الفقيه، الطهارة: 264 267.

(2) تقدّمت في الصفحة 90.

(3) الحدائق الناضرة 3: 160.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 121

حيضاً كان عليه بيان حيضية المجموع.

و فيه: أنّ الظاهر من قوله فذلك الذي رأته في أوّل الأمر .. إلىٰ قوله من الحيض حيث أتى بلفظة من الظاهرة في التبعيض أنّ مجموع الدم الأوّل و الثاني بعض الحيض، و هو لا يتمّ إلّا بكون النقاء حيضاً، و إلّا كان تخلّل من التبعيضية غير مناسب، بل كان عليه أن يقول: «هو الحيض» لا «هو من الحيض».

نعم، لو كان الضمير راجعاً إلىٰ بعض الدم، كان تخلّلها صحيحاً، لكن لا إشكال في رجوعه إلى

كلّه، و هو لا يستقيم إلّا بما ذكرنا.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ كون الوسط طهراً، موجب لاستقلال الدمين في الوجود، فجعلهما واحداً و من حيضة واحدة، لا يستقيم إلّا بتأوّل و تجوّز و اعتبار وحدة.

مع أنّ تصريحه في موضعين منها بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة، لا يناسب بيان أقلّيته منها، فمن يريد أن يبيّن أنّ الطهر يمكن أن يكون أقلّ من عشرة أيّام، لا يقول بقول مطلق: «إنّ أدنى الطهر عشرة أيّام» و لا يذيّل كلامه: «بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة».

و الإنصاف: أنّ المرسلة علىٰ خلاف قوله أدلّ.

و أضعف ممّا ذكر الاستدلال بآخر المرسلة؛

حيث قال عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل و الثاني، عشرةَ أيّام

، و قد مرّ الكلام في الجمل الأخيرة منها «1».

و منها: روايتا محمّد بن مسلم المتقدّمتان «2»، حيث جُعل فيهما الدم بعد الانقطاع من الحيضة الأُولىٰ إذا رأت قبل عشرة أيّام، فتدلّان علىٰ أنّ النقاء ليس

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 113.

(2) تقدّمتا في الصفحة 95 96.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 122

بحيض. و مثلهما رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «1».

و الجواب عنهما بما تقدّم: من أنّ الظاهر من قوله من الحيضة الاولىٰ أنّ الحيضة مستمرّة من مبدأ الدم الأوّل إلى الدم الثاني، و إلّا كان حيضاً مستقلا، فلا يصدق كونه من الاولىٰ بلا تجوّز و اعتبار وحدة تأوّلًا إلّا ببقاء الاولىٰ و استمرارها، فيكون النقاء وجوداً بقائياً لها، فيكون حيضاً.

مضافاً إلىٰ أنّ تلك الروايات كما تقدّم «2» إنّما تكون بصدد بيان أمر آخر، و لا تكون بصدد بيان حال الطهر، فلا دلالة لها علىٰ مذهب صاحب «الحدائق». هذا مع الغضّ عن

سند رواية عبد الرحمن و إحدى روايتي ابن مسلم و إجمال الأُخرىٰ.

و منها:

رواية داود مولى أبي المغراء عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: قلت له: المرأة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام، حيضها دائم مستقيم، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام، ثمّ ينقطع عنها الدم، و ترى البياض؛ لا صُفرة و لا دماً، قال تغتسل و تصلّي.

قلت: تغتسل و تصلّي و تصوم، ثمّ يعود الدم، قال إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة و الصيام.

قلت: فإنّها ترى الدم يوماً، و تطهر يوماً، قال فقال إذا رأت الدم أمسكت، و إذا رأت الطهر صلّت، فإذا مضت أيّام حيضها و استمرّ بها الطهر صلّت، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة. قد انتظمتُ لك أمرَها كلّه «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 97.

(2) تقدّم في الصفحة 97 و 119.

(3) الكافي 3: 90/ 7، وسائل الشيعة 2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 123

حيث أمرها بالغسل و الصلاة و الصيام في أيّام النقاء، فتكون طهراً حقيقة. و أيضاً لم يأمرها بقضاء الصوم، مع أنّ قضاءه لازم على الحائض، فتدلّ علىٰ أنّ النقاء طهر.

و فيه: أنّ عدم الأمر بقضاء الصوم؛ إنّما هو لعدم كونه في مقام بيانه، و لا يجب بيان جميع الأحكام المرتبطة بالحيض في رواية واحدة، و أمّا الأمر بالصلاة و الصيام فيمكن أن يكون احتياطاً و استظهاراً، كما هو متكرّر في أبواب الدماء من الأمر بالترك أو الفعل للاستظهار حتّى مع وجود الأصل المنقّح «1»، فلا تدلّ علىٰ تحقّق الطهر الحقيقي، و لا كون الدم حيضاً.

كما لا محيص عن حمل صحيحتي يونس بن يعقوب «2»

و أبي بصير «3» علىٰ ذلك،

ففي الأُولىٰ قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام، قال تدع الصلاة.

قلت: فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة؟ قال تصلّي.

قلت: فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة؟ قال تدع الصلاة.

قلت: فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة؟ قال تصلّي.

قلت: فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة؟ قال تدع الصلاة؛ تصنع ما بينها و بين شهر، فإن انقطع عنها الدم، و إلّا فهي بمنزلة المستحاضة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 299 و 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 12 و 13، و: 381، أبواب النفاس، الباب 1، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 79/ 2، وسائل الشيعة 2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 380/ 1180، وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 124

ضرورة أنّ الحمل على الحيض و الطهر في جميع الأيّام إلىٰ شهر، ممّا لا يمكن؛ للزوم كون الطهر بين الحيضتين المستقلّتين أقلّ من عشرة إذا كان كلّ دم حيضاً مستقلا، و كون الحيض الواحد أكثر من عشرة إذا كانت الدماء حيضة واحدة، فلا محالة تحمل على الأمر بالاحتياط، و ترجيح جانب الحيض في أيّام الدم، و جانب الطهر في أيّام النقاء، كما صنع العَلَمان الشيخ و المحقّق «1» و عليه يحمل فتوى من أفتىٰ بمضمونهما «2».

و منها:

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا يكون القُرْء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد، و أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلىٰ أن ترى الدم «3».

فقد يتمسّك بها للفريقين «4»

بدعوىٰ: أنّ «القُرْء» هو الطهر بين الحيضتين المستقلّتين، كما تدلّ عليه

صحيحتا زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) القُرء ما بين الحيضتين «5»

، فاختصاص «القُرْء» بالذكر لكون الطهر أعمّ، و هو لا يكون عشرة أيّام. مع ظهور

قوله أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلىٰ أن ترى الدم

في طهرها من الحيض إلىٰ رؤية الدم من الحيضة المستقبلة.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ «القُرْء» علىٰ ما صرّح به أئمّة اللغة هو الطهر

______________________________

(1) الاستبصار 1: 132/ ذيل الحديث 3، المعتبر 1: 206 207.

(2) النهاية: 24، المبسوط 1: 43، ذكرى الشيعة 1: 235.

(3) الكافي 3: 76/ 4، تهذيب الأحكام 1: 157/ 451، وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 1.

(4) الحدائق الناضرة 3: 161، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 193/ السطر 29.

(5) الكافي 6: 89/ 2 و 3، وسائل الشيعة 22: 201، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 14، الحديث 1 و 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 125

ضدّ الحيض «1»، و لم أرَ فيما عندي من كتب اللغة و كلام شرّاح الحديث و المفسّرين، التفسير بما بين الحيضتين، إلّا عبارة من الصدوق في «الفقيه» «2» و ما في «الصحاح» عن الأخفش عن بعضهم «3»، و إلّا فكلماتهم متطابقة علىٰ أنّ «القُرْء» هو الطهر و الحيض، و هو من الأضداد، و عن الأخفش: «أنّه انقضاء الحيض» «4» و الظاهر أنّ كلام الصدوق تبع للرواية، لا نقل للّغة.

و أمّا الروايات الواردة في باب العدد «5» فهي في مقام بيان الحكم الشرعي، لا ذكر المعنى اللغوي؛ لوقوع الخلاف بين الخاصّة و بعض العامّة- كأبي حنيفة في المراد من «القُرْء»

في آية التربّص «6» هل هو الطهر، كما عليه أصحابنا «7» أو الحيض، كما عليه أبو حنيفة و بعض آخر منهم «8»؟ فتلك الروايات واردة في بيان المراد من «القُرْء» في آية التربّص؛ و أنّ «القرء» ليس بمعنى الحيض فيها، بل هو الطهر بين الحيضتين، فلا يستفاد منها شي ء من المذهبين في المقام.

مع أنّه علىٰ فرض تفسير «القرء» بما بين الحيضتين، يمكن الاستدلال بها للمشهور بضميمة ما دلّ علىٰ أنّ الأقراء هي الأطهار، كصحيحة زرارة في باب

______________________________

(1) معجم مقاييس اللّغة 5: 79، لسان العرب 11: 80، تاج العروس 1: 101 102.

(2) الفقيه 1: 51/ 198.

(3) الصحاح 1: 64.

(4) الصحاح 1: 64، انظر لسان العرب 11: 81.

(5) وسائل الشيعة 22: 201، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 14، أكثر أحاديث الباب.

(6) و هو قوله تعالىٰ وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ، البقرة (2): 228.

(7) التبيان في تفسير القرآن 2: 237، مجمع البيان 2: 573، فقه القرآن 2: 156، كنز العرفان 2: 256.

(8) المبسوط، السرخسي 6: 13، الكشّاف 1: 271، المغني، ابن قدامة 9: 82، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 3: 116 117.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 126

العدد «1»، و الظاهر من تخلّل ضمير الفصل هو كون «القرء» و «الطهر» واحداً، فما لم يكن قرءً لا يكون طهراً، فإذا كان النقاء أقلّ من عشرة لا يكون قرءً و لا طهراً، فيكون حيضاً.

و الإنصاف: أنّ رواية باب العدد أجنبية عمّا نحن بصدده.

و أمّا صحيحة محمّد بن مسلم فحاكمة بأنّ القرء لا يكون أقلّ من عشرة أيّام، و هو لغةً الطهر فلا يكون الطهر أقلّ منها، و الجملة التالية أعني

قوله و أقلّ ما يكون

عشرة من حين تطهر إلىٰ أن ترى الدم

تفسير للسابقة، و معناها: أنّ الطهر إذا عقّبه الدم، ليس بقرء و لا طهر إلّا إذا كان بينهما عشرة أيّام، فدلالتها على القول المشهور ظاهرة.

مع إمكان أن يقال: إنّ عمل المشهور علىٰ رواية يونس في تلك الفقرة التي لا إجمال فيها يكفي في جبران ضعفها سنداً «2»، و التشويش المتني ليس في هذه الفقرة، فالحقّ ما عليه المشهور في المسائل الثلاث، و طريق الاحتياط معلوم، و هو سبيل النجاة.

______________________________

(1) الكافي 6: 89/ 4، وسائل الشيعة 22: 201، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 14، الحديث 3.

(2) تقدّم وجه ضعفها في الصفحة 92.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 127

المطلب الثالث في أقسام الحائض و أحكامها

[في أقسام الحائض]

الحائض إمّا ذات عادة أو لا:

فالأُولىٰ: إمّا وقتية و عددية، أو وقتية فقط، أو عددية كذلك.

و الثانية: إمّا مبتدئة، و هي التي لم تَرَ الدم سابقاً، و كان ما رأت أوّل دمها.

و إمّا مضطربة، و هي التي لم تستقرّ لها عادة و إن رأت الدم مراراً، كمن رأت ثلاثة في أوّل شهر، و خمسة في وسط شهر آخر، و سبعة في آخر شهر ثالث، و أربعة في شهر آخر في غير الأيّام المتقدّمة .. و هكذا.

و إمّا ناسية، و هي التي كانت لها عادة فنسيتها، و يقال لها: «المتحيّرة».

و قد تطلق «المبتدئة» على الأعمّ ممّن تقدّمت و من لم تستقرّ لها عادة، كما تطلق «المضطربة» على الناسية، و الأمر سهل.

و الأولى صرف الكلام إلىٰ أحكام الأقسام في ضمن مسائل:
اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 128

المسألة الأُولىٰ في استفادة حصول العادة بمرّتين من الأخبار
اشارة

لا إشكال في حصول العادة برؤية الدم مرّتين في الجملة دون مرّة واحدة نصّاً «1» و فتوى «2». و خلاف بعض العامّة «3» كنقل موافقة بعض أصحابنا معه «4» مع عدم ثبوته لا يعتنى به.

و إنّما الإشكال مع قطع النظر عن الإجماع أو الشهرة «5» في استفادة حصول العادة بمرّتين في أُصول أقسام ذات العادة التي تقدّمت من الأدلّة، كمرسلة يونس الطويلة «6» و غيرها «7» و كذا في استفادة حصولها بهما في سائر الأقسام المتكثّرة المذكورة في كتب المحقّق و العلّامة و الشهيد علىٰ ما حكيت «8» و أشار إلىٰ بعضها الشيخ الأعظم و غيره «9».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 7.

(2) النهاية: 25، المهذّب 1: 35، منتهى المطلب 1: 102/ السطر 22.

(3) المغني، ابن قدامة 1: 329/ السطر 3، المجموع 2: 417/ السطر 16.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 346/ السطر 22، جواهر الكلام 3: 171.

(5) جامع المقاصد 1: 289، مستند الشيعة 2: 431 432، جواهر الكلام 3: 171.

(6) تقدّم في الصفحة 16.

(7) كمضمرة سماعة، راجع الكافي 3: 79/ 1، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1178، وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 14، الحديث 1.

(8) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 196/ السطر 13، المعتبر 1: 213 و 217 218، نهاية الإحكام 1: 134 162، منتهى المطلب 1: 99/ السطر 36، الدروس الشرعيّة 1: 97 98، ذكرى الشيعة 1: 232 234.

(9) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 196/ السطر 13، جواهر الكلام 3: 171 194.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 129

فنقول: لا إشكال في استفادة حصولها بمرّتين في

ذات العادة الوقتية و العددية من مرسلة يونس. و ادّعى بعضهم استفادة العددية فقط أيضاً منها؛ أي شمول ظهورها اللفظي لهما، دون الوقتية فقط «1».

لكن الظاهر منها بعد التأمّل التامّ في جميع فقرأتها هو تعرّضها لذات العادة العددية و الوقتية دون غيرها، بل شمولها لذات العادة الوقتية أقرب من العددية، فالأولىٰ ذكر بعض فقرأتها حتّى يتضح الحال:

قال بعد كلام أمّا إحدى السنن: فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، ثمّ استحاضت و استمرّ بها الدم، و هي في ذلك تعرف أيّامها و مبلغ عددها .. إلىٰ آخره.

لا إشكال في أنّ ما ذكر، لا ينطبق إلّا علىٰ ذات العادة العددية و الوقتية مع كونها ذاكرة لعددها و وقتها، و أمّا لو كان لها عدد معلوم، لكن كان مختلطاً في ثلاثين يوماً، فلا تكون لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، و أيّ اختلاط أكثر من اختلاط ثلاثة في ثلاثين مثلًا؟! و أوضح من ذلك قوله تعرف أيّامها و مبلغ عددها فعرفان الأيّام غير عرفان مبلغ العدد، فلا إشكال في أنّ موضوع السنّة الاولىٰ هو ما ذكر.

و أمّا قوله بعد ذلك حاكياً

عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في تكليف هذه المرأة تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها

و إن كان في نفسه مع قطع النظر عن الصدر و الذيل للعددية فقط، لكن مع لحاظ أنّ ذلك بيان حكم الموضوع المتقدّم، لا يبقى ريب في أنّ المراد قدر أقرائها التي تعرفها ذاتاً و مبلغاً، و لهذا قال بلا فصل هذه سنّة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في التي تعرف أيّام أقرائها؛ لم تختلط عليها

______________________________

(1) الطهارة،

الشيخ الأنصاري: 196/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 130

و معرفة أيّام الأقراء غير معرفة العدد و المبلغ؛ ضرورة أنّ معرفة نفس اليوم هو العلم بشخصه؛ و أنّه في أيّ موضع من الشهر، و مع الجهل بذلك تكون ممّن تختلط عليها أيّامها و لم تعرفها، فقوله بلا فصل أ لا ترى أنّه لم يسألها: كم يوم هي؟ لا يدلّ علىٰ شموله لذات العادة العددية؛ ضرورة أنّه بصدد بيان حال من تقدّم ذكرها، و لذا قال بلا فصل و إنّما سنّ لها أيّاماً معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها و معلومية نفس الأيّام و معروفيتها، لا تصدقان إلّا بما تقدّم.

و يزيده وضوحاً قوله بعد ذلك في بيان تكليفها فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ضرورة أنّ مثل ذلك لا يقال لمن لا تعلم أيّامها و لا تعرفها بشخصها؛ للفرق الواضح بين أن يقول: «فلتدع الصلاة مقدار أيّام أقرائها» و بين ما ذكر، فقوله بعد ذلك فهذه سنّة التي تعرف أيّامها و لا وقت لها إلّا أيّامها؛ قلّت أو كثرت ممّا يؤكّد المطلوب.

كما يؤكّده و يوضّحه قوله و أمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم، فزادت و نقصت حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر، فإنّ سنّتها غير ذلك .. إلى غير ذلك ممّا يؤكّد المطلوب.

فلا ريب في أنّ المرسلة متعرّضة لذات العادة العددية و الوقتية، فحينئذٍ يكون ذيلها أيضاً بيان تقسيم الصدر، لا شيئاً آخر، فقوله فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع أو أكثر من سبع، فإنّها تغتسل ساعة ترى الطهر و تصلّي، فلا تزال كذلك حتّى تنظر ما يكون في

الشهر الثاني، فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواءً حتّى توالىٰ عليها حيضتان .. إلىٰ آخره متعرّض لما تقدّم.

فقوله لوقته من الشهر الأوّل أي يكون الانقطاع وقت الشهر الأوّل.

و قوله سواء أي عدداً؛ بقرينة الصدر و الذيل، فلا إشكال في تعرّضها لذات العادة العددية و الوقتية.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 131

فحينئذٍ يقع الإشكال في المرسلة: بأنّ صريحها أنّ سنّ السنن الثلاث لرفع كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها؛ حتّى لا يدع لأحد مقالًا فيه بالرأي، و أنّ جميع حالات المستحاضة، تدور علىٰ هذه السنن الثلاث؛ لا تكاد أبداً تخلو عن واحدة منهنّ، مع أنّ كثيراً من حالات المستحاضة و أقسامها، غير مذكورة فيها، كالعددية المحضة، و الوقتية كذلك، و الصور الكثيرة التي تعرّض لها المحقّقون.

و يمكن دفع الإشكال عنها بوجهين:

أحدهما أن يقال: إنّ السنّة الأُولىٰ أي الرجوع إلىٰ خلقها و وقتها إنّما هي لمن لها خلق معروف معلوم، و يكون وجه الإرجاع إلىٰ خلقها هو معروفية الخلق و معلومية الأيّام، و ذلك تمام الموضوع للإرجاع، و يكون المثال المذكور أوضح المصاديق؛ من غير أن يكون الحكم منحصراً به بدعوىٰ: أنّ العرف- بمناسبات الحكم و الموضوع و إلغاء الخصوصية يفهم منها أنّ الخلق المعروف و العدد المعلوم، يكون مرجعاً لأجل أقوائية أماريته من حالات الدم، و الرجوع إلىٰ صفات الدم إنّما هو مع فقد الأمارة الأقوىٰ، فإذا كانت المرأة حسبما رأت متكرّراً في الزمان الطويل ذات خلق معروف عدداً و وقتاً، أو عدداً فقط، أو وقتاً فقط، يكون هو المرجع لأجل معروفية الخلق و معلومية العادة.

و بالجملة: العادة الحاصلة من تكرُّر الدم أقوى الأمارات، فذاك الخلق مرجعها لأجل كونه عادة

و خلقاً، فالمرأة التي ترى الدم في أوّل الشهر لا تتخلّف عادتها عنه في الأزمنة المتطاولة؛ و إن اختلف عددها يكون لها خلق معروف معلوم بحسب الوقت، و هو أقوى الأمارات.

و كذا في العددية المحضة، كما يشهد به قوله في مقابل السنّة الأُولىٰ

و أمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 132

فزادت و نقصت حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر ..

مع أنّ مقابل ما ذكره في السنّة الاولىٰ هو إغفال أحدهما، لا إغفالهما معاً، فذكر إغفالهما دليل علىٰ أنّ الصدر بصدد بيان أمر أوسع ممّا مثّل به، فيشمل الذاكرة و لو عدداً فقط، أو وقتاً كذلك. فحينئذٍ يدخل جميع الصور التي تتصوّر للخلق المعروف و العادة المعروفة- و لو بنحو التركيب و غيره في السنّة الأُولى، و مع فقد الخلق و العادة يكون المرجع هو الأمارة الأُخرىٰ؛ أي اختلاف ألوان الدم و تغيّر حالاته، و مع فقدها يكون المرجع السبع و الثلاث و العشرين، فهذه جميع حالات المستحاضة تقريباً أو تحقيقاً.

و ثانيهما أن يقال: إنّ السنّة الأُولىٰ لذات العادة الوقتية و العددية معاً، و السنّة الثانية لغيرها؛ سواء لم تكن لها عادة أصلًا، أو كانت و أغفلتها مطلقاً، أو أغفلت إحداهما، فيدخل فيها جميع الأقسام ما عدا الأوّل، و إنّما اختصّ بالذكر قسم منها هو أحد مصاديق المفهوم، فقوله: «إن كانت لها أيّام معلومة فكذا» أو قوله فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها .. كذا، يكون بالمفهوم شاملًا لجميع أقسام المستحاضة غير ما في المنطوق.

فكأنّه قال: «المستحاضة إمّا ذات عادة وقتية و عددية أو

لا، فالأُولىٰ حكمها الرجوع إلىٰ خلقها، و الثانية إمّا أن يكون لدمها اختلاف لون و تغيّر حال أو لا، فالأُولىٰ حكمها الرجوع إلى الصفات، و الثانية الرجوع إلى السبع و الثلاث و العشرين» و ذكر من كلّ مفهوم مصداقاً؛ فذكر من مفهوم الجملة الأُولى التي أغفلت مطلقاً، و من مفهوم الجملة الثانية المبتدئة فقط من باب المثال، لا من باب كونهما تمام الموضوع للحكم، فحينئذٍ تحيط السنن الثلاث بجميع حالات المستحاضة إلّا بعض النوادر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 133

و هذان الوجهان و إن كان يُدفع بكلٍّ منهما الإشكال عن المرسلة لكنّ الرجحان للوجه الأوّل؛ لمساعدة الارتكازات العرفية عليه، و معها لا يبقى للوجه الثاني محلّ.

و لموافقته لفتوى الأصحاب و دعاوى الشهرة و الإجماع على إلحاق العددية المحضة و الوقتية المحضة بالسنّة الأُولىٰ.

مضافاً إلىٰ خصوصيات في المرسلة تؤيّد ذلك أو تدلّ عليه، كقوله في ذيل السنّة الثانية فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها؛ لم تعرف عددها و لا وقتها .. إلىٰ أن قال فلهذا احتاجت إلىٰ أن تعرف إقبال الدم .. إلىٰ آخره، فجعل وجه الاحتياج إلى الرجوع إلى الصفات، عدمَ معرفة العدد و لا الوقت معاً، فيفهم منه أنّها لو عرفت وقتها لا تحتاج إلىٰ معرفة لون الدم، و كذا لو عرفت العدد، فمورد الاحتياج فقدان الأمارة التي هي أقوى؛ و هي الخلق المعروف و العادة المعلومة.

و يؤكّده قوله فإذا جهلت الأيّام و عددها، احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلىٰ إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه .. إلىٰ غير ذلك من الخصوصيات.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ من لها خلق معروف سواء كان خلقها العدد و الوقت، أو أحدهما،

أو كان مركّباً في الوقت، أو في العدد، أو في كليهما، و كذا سائر أقسام الخلق فسنّتها الرجوع إلىٰ خلقها المعروف و عادتها المعلومة؛ لا سنّة لها غيرها.

و لا إشكال في تلك الكبرى الكلّية و استفادتها من الرواية؛ بعد النظر التامّ في فقرأتها و التأمّل في خصوصياتها، كما قال الإمام (عليه السّلام) في صدرها

بيَّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 134

دلالة ذيل مرسلة يونس علىٰ تحقّق العادة بحيضتين مطلقاً

فحينئذٍ يقع الكلام: في أنّه هل يستفاد من ذيل المرسلة، أنّ الحيضتين مطلقاً و في جميع الفروع و صغريات الكبرى الكلّية، موجبتان لتحقّق العادة أو يختصّ ذلك بموضع و محلّ خاصّ و لا يتجاوز عنه؟

و وجه الاختصاص هو أخذ خصوصيات في المرسلة في الموضوع:

منها: كون الحيضتين من المرأة المبتدئة لا غيرها، فإنّ

قوله فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع

راجع إلى من استمرّ بها الدم أوّل ما رأت، و هي قسم من المبتدئة، فالعادة تحصل بالحيضتين بالنسبة إليها خاصّة.

و منها: تحقّقهما في شهرين هلاليين لا غيرهما، كما هو ظاهر الشهر في لسان الشرع.

و منها: استواؤهما أخذاً و انقطاعاً؛ لقوله

فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواء

ف «الوقت» إشارة إلى المحلّ من الشهر، و «السواء» إلى العدد، فلا بدّ من اختصاص الحيضتين لتحصيل العادة الشرعية التعبّدية بالموضوع الذي دلّت عليه المرسلة، و فيما سواه ترجع إلى العادة العرفية، و مع عدمها إلى الصفات.

لكن الإنصاف: أنّ المرسلة آبية عن دخل تلك الخصوصيات في موضوع حصول العادة؛ لأنّ الإمام (عليه السّلام) بيّن لنا طريق استفادة كفاية الحيضتين في حصول العادة و الوقت و الخلق المعروف؛ حيث قال بعد قوله

فقد علم الآن: أنّ ذلك قد

صار لها وقتاً و خلقاً معروفاً؛ تعمل عليه، و تدع ما سواه

بهذه العبارة

و إنّما جعل الوقت إن توالىٰ عليها حيضتان أو ثلاث؛ لقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) للتي تعرف أيّامها: دعي الصلاة أيّام أقرائك، فعلمنا أنّه لم يجعل القُرء الواحد سُنّة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 135

لها، فيقول لها: دعي الصلاة أيّام قرئك، و لكن سنّ لها الأقراء، و أدناه حيضتان فصاعداً ..

إلىٰ آخره.

فيظهر منه: أنّ الحيضتين بما هما أقلّ الأقراء الواردة في قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) موضوع السنّة الأُولىٰ، و لا دخل لشي ء آخر فيه، فكلّ من كان لها أيّام معلومة و أقراء معروفة، لا بدّ لها من الرجوع إلىٰ أيّامها و أقرائها كائنة من كانت، و تحصل الأقراء بأدنى مراتبها؛ و هو حيضتان، فكونهما موضوع السنّة الأُولىٰ؛ لدخولهما في قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ليس إلّا، فلو كان لما ذكر من الخصوصيات دخل لما تمّ ما ذكره، و لما أفادنا طريق الاستفادة و الاجتهاد كذلك.

فذيل المرسلة حاكم علىٰ صدرها بتحصيل موضوع ذات العادة تعبّداً، و بيان له، فكأنّه قال: «كلّ ذات عادة و خلق سنّتها الرجوع إليهما، و يحصل الخلق و العادة بحيضتين».

و أمّا ما يقال: «من أنّ العادة العرفية تحصل بمرّتين لخصوصية في عادات النساء؛ من حيث إنّ الرحم بالطبع تقذف الدم بنظام معيّن نوعاً، فإذا قذفت مرّتين علىٰ نسق واحد حصلت العادة. و أنّ الرواية بصدد بيان حدّ المعنى العرفي، كتعيين ثلاث في باب كثير السهو» «1» .. إلىٰ غير ذلك ممّا أفاد المشايخ «2» فلا يخلو من الإشكال، خصوصاً

بالنسبة إلىٰ بعض الموارد، بل ظاهر الرواية يأبىٰ عن ذلك.

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 196/ السطر 22، مصباح الفقيه، الطهارة: 273/ السطر 34 و 274/ السطر 16.

(2) مختلف الشيعة 2: 532، مجمع الفائدة و البرهان 3: 143 145 و 393 394.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 136

المسألة الثانية في ثبوت العددية الناقصة المحضة برؤية الدم مرّتين

هل تثبت العددية الناقصة برؤية مرّتين مختلفتين عدداً؛ بحيث يلزم الأخذ بالقدر المتيقّن؛ سواء كانت ذات عادة وقتية أو لا، فإذا رأت أربعة أيّام في أوّل شهر، و ستّةً في أوّل شهر آخر، أو أربعةً في أوّل شهر، و ستّةً في وسط شهر آخر، تصير الأربعة عادة ناقصة لها، و كذا في جانب الأكثر، فيكون الخارج عنهما غير أيّام حيضها أو لا، أو يفصّل بين ذات العادة الوقتية، فتأخذ بالقدر المتيقّن من العدد، فتثبت لها العددية الناقصة، و بين غيرها فلا تثبت؟

وجوه، فعن العلّامة و الشهيد ثبوتها «1»، و اختاره بعض المحقّقين «2» و عن «جامع المقاصد» و «الروض» عدمه «3»، و اختاره صاحب «الجواهر» و الشيخ الأعظم و المحقّق الخراساني «4».

و استدلّ علىٰ عدمه «5» بظهور مضمرة سَماعة «6» و المرسلة «7» في اعتبار

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 103/ 26، ذكرى الشيعة 1: 232.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 274/ السطر 4 15.

(3) جامع المقاصد 1: 292، روض الجنان: 64/ السطر 12.

(4) جواهر الكلام 3: 177، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 198/ السطر 26 28، أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 32/ السطر 19.

(5) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 32/ السطر 21.

(6) يأتي متنها في الصفحة 148.

(7) تقدّم في الصفحة 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 137

التساوي في العدد. و بأنّ أقلّ ما يحصل به العادة

حيضتان، و من رأت في شهر أربعة و في شهر ستّة، فكما أنّ الأخذ بالستّة أخذ بقُرء واحد، كذلك الأخذ بالأربعة؛ لأنّ الأربعة في ضمن الستّة لا تكون قرءً مستقلا، و القرء الواحد لا يكون عادة بنصّ المرسلة.

و يمكن أن يقال: إنّ المضمرة لا تدفع العددية الناقصة؛ فإنّ

قوله فإذا اتفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها

إمّا أن يدّعىٰ دلالته على النفي بمفهوم الشرط، فلا مفهوم له في المقام ظاهراً لو سلّم مفهوم الشرط في غيره فإنّ المفهوم فيه: «إذا لم يتفق شهران كذلك فليس تلك أيّامها» أي ليس الأيّام المتقدّمة المتساوية في صورة الاختلاف أيّامها، و هذا نفي بنفي الموضوع، لا لأجل المفهوم.

و إمّا بمفهوم القيد بأن يقال: «إذا اتّفق شهران عدّة أيّام غير سواء، فليس تلك أيّامها» و معناه حينئذٍ أنّ الأيّام التي هي غير سواء ليس أيّامها، و هو- مع الغضّ عن عدم المفهوم لا ينفي إلّا عدم جميع الأيّام التي هي غير سواء، و هو مسلّم، و أمّا الأقلّ فلا ينفيه، تأمّل.

و بمثله يجاب عن المرسلة أيضاً.

و أمّا كون الناقص قرءً واحداً فمسلّم، لكن يمكن دعوى استفادة ذلك من المرسلة بإلغاء الخصوصية عرفاً؛ بأن يقال: إنّ العرف يفهم منها أنّ تكرّر الدم علىٰ نحو واحد، يوجب الخلق.

و إن شئت قلت: لا ريب في شمول

قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك

لمن كانت لها عادة ناقصة عدداً مع كونها ذات العادة المستقرّة وقتاً، فمن رأت سنين متمادية أوّل الشهر حيضاً مع اختلاف العدد زيادة و نقيصة، تكون لها أيّام معلومة هي القدر المتيقّن، كأوّل الشهر إلى اليوم الرابع مثلًا، فيشملها قول

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 1، ص: 138

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و زيادة العدد و نقصه، لا توجبان عدم الشمول بالنسبة إلى القدر المتيقّن، و المرسلة دلّت علىٰ أنّ الرؤية مرّتين موجبة للخلق المعلوم؛ حيث قال لمن توالىٰ عليها حيضتان

فقد علم الآن: أنّ ذلك قد صار لها وقتاً و خلقاً معروفاً؛ تعمل عليه، و تدع ما سواه.

نعم، ظاهرها حيضتان تامّتان. كما أنّ الظاهر حصولهما في شهرين، فكما أنّ العرف يفهم منها أنّ خصوصية الشهر غير دخيلة، يفهم أنّ العدد الزائد على الأربعة في المثال لا دخل له.

و أمّا قولهم: «إنّ ذلك هو الأخذ بقرء واحد، و قد صرّحت المرسلة بعدم صيرورتها ذات عادة بقرء واحد».

ففيه: أنّه فرق بين الأخذ بالأربعة بحدّها و جعل الأربعة وقتها، و بين الأخذ بالجامع بين الناقص و الزائد و القدر المتيقّن منهما، ففي الصورة الثانية لا تكون آخذة بالناقص، بل به و بما يشاركه؛ و هو القرء الثاني، فهي آخذة بهما و إن لم تأخذ بجميعهما.

و قد يقال: إنّ ما ذكر منافٍ لقوله

في المرسلة و إن اختلط عليها أيّامها، و زادت و نقصت حتّى لا تقف منها علىٰ حدّ، و لا من الدم علىٰ لون، عملت بإقبال الدم و إدباره؛ ليس لها سنّة غير هذا «1».

و فيه: أنّ ذلك مسلّم في العددية الناقصة غير الوقتية ممّا ذكرنا في صدر المبحث لا في ذات العادة الوقتية مع العددية الناقصة، و نحن نلتزم به و نفصّل بينهما؛ و ذلك لأنّه في المرسلة كما يعلم بالنظر في صدرها و ذيلها جعل التمييز مرجعاً لمن لا تكون لها أيّام معلومة؛ لا من حيث العدد و لا الوقت، كما

______________________________

(1)

مصباح الفقيه، الطهارة: 274/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 139

صرّح به في موارد منها،

كقوله و أمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم؛ فزادت و نقصت حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر ..

إلىٰ آخره.

و ما في ذيلها هو السنّة الثانية التي في صدرها، و موضوعها هي التي اختلط عليها أيّامها من حيث موضع الشهر، و زادت و نقصت عدداً، و لا إشكال بحسب مفاد المرسلة في أنّ مرجعها إلى التمييز. و أمّا من عرفت موضعها من الشهر و لم تحصِ عددها، فهي غير داخلة في السنّة الثانية، بل داخلة في السنّة الأُولىٰ كما مرّ «1». كما أنّ من أحصت عددها و لم تعرف موضعها، لا يكون مرجعها في العدد إلى التمييز.

فهذه الفقرة الأخيرة، غير شاملة لذات العادة الوقتية المحضة، و هو ظاهر لمن سمع المرسلة و فهمها.

و أمّا ما أفاده بعض المحقّقين في جواب هذا الإشكال «2»، فهو كما ترى.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ الأقوىٰ هو التفصيل بين ذات العادة الوقتية المحضة؛ فتأخذ بالقدر المتيقّن من العدد، و يصير ذلك عادة لها بمرّتين، و بين ذات العددية الناقصة مع عدم العادة الوقتية لها، فمرجعها التمييز، و ليس لها سنّة مع التمييز غيره.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 131.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 274/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 140

المسألة الثالثة في ثبوت المرّتين بالتعبّد

إنّ حصول المرّتين قد يكون بالأخذ و الانقطاع، مع كون الدم حيضاً وجداناً.

و قد يكون بقيام أمارة معتبرة على الحيضية، كمن كانت مبتدئة و استمرّ بها الدم، فرأت في أوّل شهرين متصلين، عدداً معيّناً بصفات الحيض.

و قد يكون الحكم

بحصول الحيض بقاعدة الإمكان، كمن رأت في أوّل شهرين متصلين، عدداً معيّناً محكوماً بالحيضية بقاعدة الإمكان.

و قد يكون ذلك بالاقتداء بعادة نسائها، كمن كانت عادة نسائها خمسة في أوّل كلّ شهر، فاقتدت بهنّ مرّتين.

و قد يكون بشهادة القوابل؛ بناءً علىٰ قبولها.

و قد يكون بالاستصحاب، كما لو فرض العلمُ بحيضية ثلاثة أيّام من أوّل شهرين، و الشكّ في بقائها إلى الخامس، و قلنا بجريان الاستصحاب فيه.

و قد يكون بالتحيّض سبعة أيّام من شهرين في وقت معيّن؛ عملًا بالرواية.

لا إشكال في حصول العادة في الفرض الأوّل، كما لا إشكال في عدم حصولها في الأخير:

أمّا الأوّل فواضح.

و أمّا الأخير؛ فلأنّ السبعة ليست بحيض وجداناً و لا تعبّداً، بل المرأة تعمل فيها عمل الحائض، كما قال في المرسلة تمسّكاً بقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تحيّضي و ليس يكون التحيّض إلّا للمرأة التي تريد تكلّف ما تعمل الحائض.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 141

و أمّا الأقسام الأُخرىٰ، فالظاهر تحقّقها بها:

أمّا فيما قامت الأمارة على الحيضيّة؛ فلأنّ الأمارة كاشفة عن الحيض الواقعي، فمع قيامها عليه و تكرّرها مرّتين، ينقّح بها موضوع

قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك مفسّراً بكلام أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أدناه حيضتان.

و ترجيح بعض المحقّقين العدم بدعوىٰ خروج الفرض عن مورد الروايتين، و عدم الوثوق بكون واجد الصفات حيضاً لا غير، و أنّ الأوصاف أمارات ظنّية اعتبرها الشارع في الجملة، كعادة نسائها التي ترجع إليها في بعض الصور، فلا تكون موجبة للوثوق بمعرفة أيّام أقرائها حتّى ترجع إليها «1».

لا يخلو من غرابة؛ ضرورة أنّه مع قيام الأمارة المعتبرة على

الحيضية، تصير الحيضية الواقعية ثابتة و لو تعبّداً، و مع تحقّقها و تكرّرها مرّتين وجداناً، يتحقّق موضوع ما دلّ علىٰ أنّ أدنىٰ ما يتحقّق به العادة حيضتان.

و لو فرض عدم الوثوق بالحيضية، لم يضرّ ذلك بلزوم ترتيب الأحكام عليها؛ لانسلاكها تحت الدليل الشرعي، فأيّ فرق بين المقام و سائر الموارد؛ ممّا يكون الحكم مترتّباً على العناوين الواقعية مع إحرازها بالأمارات الشرعيّة؟! كما أنّ ما في «الجواهر»: «من عدم تناول الخبرين أي المرسلة «2» و المضمرة «3» له. مع ظهور غيرهما في عدمه، كالأخبار الآمرة بالرجوع إلى

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 274/ السطر 29.

(2) تقدّم في الصفحة 16.

(3) يأتي في الصفحة 148.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 142

الصفات «1»؛ إذ هي متناولة بإطلاقها ما تكرّر الجامع مثلًا مرّتين، ثمّ اختلف محلّه أو عدده في الدور الثالث، فإنّه يجب اتباع الأوصاف أينما كانت؛ تكرّرت أو لا» «2».

أيضاً لا يخلو من غرابة؛ ضرورة أنّ الرجوع إلى التمييز، إنّما يكون بعد فقد العادة، و إلّا فهي المرجع لا غير، و بعد ثبوت الحيضتين الواقعيتين بالصفات، يندرج الموضوع تحت

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك، مفسّراً بقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أدناه حيضتان

، فالحيضتان الواقعيتان محقّقتان للعادة، و مع تحقّقها تكون هي المرجع دون التمييز.

بل لو فرض أنّ الموضوع لحصول العادة هو الحيض المعلوم و الأيّام المعروفة، لقلنا بثبوتها في المقام بالحيضتين؛ لقوله (عليه السّلام) في المرسلة بعد فرض تكرّر الحيضتين- فقد علم الآن: أنّ ذلك قد صار لها وقتاً و خلقاً معروفاً متمسّكاً

بقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك و

أنّ أدناه حيضتان

فالحيضتان محقّقتان للخلق المعروف و العادة المعلومة التي هي موضوع الحكم، فتدبّر.

و أمّا ما يمكن أن يقال: إنّ التمسّك بدليل التمييز لمنع الرجوع إلى التمييز يلزم منه كون الدليل رافعاً لنفسه أو لعلّته. و أيضاً يلزم منه حكومته علىٰ نفسه.

فممّا لا يصغى إليه بعد التأمّل فيما تقدّم، و لا مانع من أن تحصل العادة بمصداقين من التمييز، و لأجله يرتفع موضوع الرجوع إلى التمييز فيما بعد، كما في الأصل السببي و المسبّبي. بل ما نحن فيه أولىٰ منه، كما يظهر بالتأمّل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3.

(2) جواهر الكلام 3: 178.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 143

ثمّ إنّه لو فرض أنّ ثبوت الحيض بقاعدة الإمكان، أو بالاقتداء بأقراء نسائها من قبيل الثبوت بالأمارة، فالكلام فيهما هو الكلام.

و أمّا لو فرض كون القاعدة أصلًا، و كذا الاقتداء بعادة النساء، فكذلك إن كانا أصلين محرزين؛ بدعوى أنّ معقد الإجماع القائم على القاعدة علىٰ فرضه لو لم يكن مفاده التحقّق الواقعي، فلا أقلّ من ظهوره في التعبّد بتحقّقه؛ فإنّ معقده «أنّ كلّ دم أمكن أن يكون حيضاً فهو حيض» فهو إمّا بصدد بيان أنّ أسباب الحيضية و عللها متحقّقة لولا الامتناع، و الإمكان مساوق للتحقّق الواقعي، فتكون أمارة للواقع، أو بصدد بيان التعبّد بوجودها عند إمكانها، فلا محالة يكون أصلًا محرزاً، و مع التعبّد بوجودها مرّتين، تنسلك في موضوع ما دلّ علىٰ أنّ العادة تحصل بأدنى الأقراء؛ و هو حيضتان، كما ينقّح موضوع الأدلّة الاجتهادية بالأُصول المحرزة في غير المقام.

و من هذا يظهر حال الاقتداء بالأقراء لو أخذنا برواية سَماعة فإنّ

قوله أقراؤها مثل أقراء نسائها «1»

إمّا أمارة؛

بقرينة أنّ مماثلة حالات النساء في طائفة، أمارة علىٰ كشف حال مورد الشكّ. و لو أُغمض النظر عنه، فلا أقلّ من أنّ لسانها لسان التعبّد بأنّ أقراءها مثل أقرائهنّ، فإذا كانت أقراؤهنّ خمسة في أوّل الشهور، يكون قرؤها كذلك، فمع الاقتداء بهنّ مرّتين ينقّح الموضوع، كما مرّ.

و يأتي هذا الكلام في الاستصحاب أيضاً؛ علىٰ ما حقّقنا في محلّه: من أنّ الاستصحاب في الموضوعات منقّح لنفس موضوع الأدلّة الاجتهادية «2»، فتبصّر.

و ممّا ذكرنا يظهر حال غيرها من الفروع، كما لو ثبتت الحيضتان بأمارتين

______________________________

(1) الكافي 3: 79/ 3، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1181، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 2.

(2) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 244 246.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 144

مختلفتين؛ كأن يكون أحد الدمين واجداً لبعض صفات الحيض، و الآخر لبعض آخر؛ بعد فرض كون كلّ صفة أمارة مستقلّة.

و أمّا التفصيل بين جامع الصفات و غيره؛ لحصول الظنّ القوي في الأوّل دون الثاني «1»، ففي غير محلّه بعد فرض أمارية كلّ صفة، فقوّة الظنّ كأصل حصوله كالحجر جنب الإنسان.

فلا إشكال في تحقّق العادة بالمرّتين مطلقاً؛ حتّى لو ثبتت إحدى الحيضتين بالتمييز، و الأُخرى بالقاعدة، أو إحداهما بالقاعدة، و الأُخرى بالرجوع إلى الأقران .. و هكذا. و عليك بالتأمّل فيما مرّ و استخراج كلّ فرع يرد عليك.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3: 178.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 145

المسألة الرابعة في حصول العادة بالمرّتين

هل تحصل العادة بالمرّتين مع حصول النقاء في البين أو لا؟

و على الأوّل: هل العبرة بالدمين مطلقاً؛ سواء كانت الرؤية في وقت واحد أو عدد معيّن، فتصير ذات عادة وقتية في الأوّل، و

عددية في الثاني؛ و سواء كان النقاءان متساويين في المرّتين أو لا، و سواء كان النقاء في كلتا المرّتين، أو في مرّة دون أُخرى؟

أو يفصّل في المقامات؟

أو العبرة بالدم المستمرّ أوّلًا؟

أو بالدمين و إلغاء النقاء؟

وجوه أوجهها الأوّل؛ أي حصول العادة بالمرّتين و احتساب النقاء و الدمين مطلقاً؛ و ذلك لأنّ الظاهر من المرسلة الطويلة «1» أنّ الميزان في حصول العادة المعلومة و الخلق المعروف، هو حصول القُرءين عدّة أيّام سواء؛

لقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك مفسّراً بقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ أدناه حيضتان

فيكون الذيل قاعدة كلّية يندرج فيها جميع أفراد القرء؛ سواء كانت المرأة في أيّام القرء مستمرّة الدم أو لا، بشرط صدق أيّام القُرْء عليها، و إنّما ذكر فيها الدم و استمراره مثالًا للمقام.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 146

فقوله

فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع ..

إلىٰ آخره، و إن كان ظاهراً في استمرار الدم عدّة أيّام سواء، مع حصول الانقطاع في وقت معيّن من الشهر، لكن استدلال أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) بكلام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و تحديده الجمع بحيضتين فصاعداً، حاكم علىٰ هذا الظهور، و مبيِّن للمراد؛ و أنّ تمام الملاك هو تكرّر أيّام القُرء مرّتين فصاعداً، فإذا ضمّ إلىٰ هذه الكلّية كون أيّام النقاء قرءً و حيضاً تمّ المطلوب، و تمّت الحكومة.

و يدلّ علىٰ ذلك مضافاً إلىٰ دعوى عدم وجدان الخلاف، كما في «الجواهر» «1» و عن «شرح المفاتيح»: «أنّه لم يُنقل في ذلك خلاف» «2» بل ادعى الشيخ في «الخلاف» إجماع الفرقة علىٰ كون الكلّ

حيضاً «3» ما دلّ علىٰ أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام «4»، و عدم الواسطة بين الطهر و الحيض، فالنقاء في البين إن لم يكن طهراً فهو حيض.

و تدلّ عليه أيضاً

رواية يونس القصيرة حيث قال فيها فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في عشرة، فهو من الحيض «5»

بالتقريب الذي مرّ في بعض المسائل السابقة «6».

و كذا

روايتا محمّد بن مسلم حيث قال فيهما إذا رأت المرأة الدم قبل

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 187.

(2) مصابيح الظلام 1: 28/ السطر 10 (مخطوط).

(3) الخلاف 1: 243.

(4) وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11.

(5) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 279، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 3.

(6) تقدّم في الصفحة 120 121.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 147

عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ «1»

بالتقريب المتقدّم «2».

و يؤيّده أنّ كون النقاء طهراً في الواقع مع وجوب ترك الصلاة عليها فيه، بعيد جدّاً.

و هذا أبعد

ممّا استبعده أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في مرسلة يونس الطويلة حيث قال في السنّة الثالثة أ لا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع، و كانت خمساً أو أقلّ من ذلك، ما قال لها تحيّضي سبعاً! فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيّاماً، و هي مستحاضة غير حائض .. «3»

إلىٰ آخره، فإذا لم يأمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) المستحاضة غير الحائض بترك الصلاة، لم يأمر قطعاً الطاهرة غير الحائض بتركها، فلا بدّ إمّا من التزام مقالة صاحب «الحدائق» «4» و هو خلاف الإجماع و الأدلّة، أو البناء علىٰ كون النقاء حيضاً و جميع الأيّام قرءً،

و هو المتعيّن، فحينئذٍ يثبت المطلوب؛ و هو أنّ القرءين سواء كانا مع استمرار الدم، أو مع تخلّل النقاء مطلقاً موجب لحصول الخلق المعروف.

و بما ذكرنا يظهر النظر في سائر الوجوه و الأقوال.

و قد يقال «5»: إنّ مقتضى المرسلة و مضمرة سماعة اعتبار تساوي عدد أيّام الدم في الحيضتين في حصول العادة العددية، و مقتضى صدق أيّامها علىٰ أيّام الدم و النقاء في الوقتية، هو التفصيل بينهما؛ بأن يقال: إنّ الاعتبار بالدمين في العددية و بالدمين و النقاء في الوقتية.

______________________________

(1) تقدّما في الصفحة 95 96.

(2) تقدّم في الصفحة 121 122.

(3) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

(4) الحدائق الناضرة 3: 160.

(5) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 34/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 148

و فيه ما لا يخفى؛ لما عرفت من حال المرسلة. و أمّا المضمرة فلا بدّ من نقلها و بيان الوجوه فيها حتّى يظهر الأمر:

قال سماعة: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض، فتقعد في شهر يومين و في شهر ثلاثةَ أيّام؛ يختلف عليها، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء، قال فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة، فإذا اتفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها «1».

لا ريب في أنّ السائل بصدد رفع شبهته في اختلاف أيّام الطمث؛ و أنّه إذا لم يكن طمثها عدّة أيّام سواء فما تكليفها؟ من غير نظر إلىٰ أنّ الطمث ما هو؛ و هل هو نفس الدم، أو هو مع النقاء المتخلّل؟ و كذا الجواب إنّما هو عن ذلك؛ و أنّه مع عدم تجاوز الدم عشرة أيّام، تجلس و تدع الصلاة.

و قوله

فإذا اتفق شهران عدّة

أيّام سواء ..

يحتمل فيه:

اتفاق أيّام القعود.

و اتفاق أيّام الطمث.

و اتفاق أيّام الدم المستمرّ المعهود في الكلام.

و اتفاق مطلق الدم.

و لازم الاحتمال الأوّل أن يكون أيّام النقاء، محسوبة من العادة و لو لم تكن حيضاً، إلّا أن تكون «أيّام القعود» كناية عن الطمث.

و لازم الثاني أن يكون أيّام النقاء علىٰ فرض كونها من أيّام الطمث محسوبة منها.

______________________________

(1) الكافي 3: 79/ 1، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1178، وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 7، الحديث 1، و: 304، الباب 14، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 149

و لازم الثالث أن يكون الدم الأوّل المستمرّ محسوباً لا غير.

و لازم الرابع أن يكون الدمان محسوبين دون النقاء.

و لا ترجيح لأحدهما لو لم نقل: إنّه لمّا كان السؤال عن الطمث، يكون المراد من الجواب اتفاق أيّامه. و لو فرض الظنّ بترجيح اتفاق أيّام الدم المذكور في الكلام أخيراً، فاعتبار مثل هذا الظنّ الغير المستند إلى الظهور مشكل، بل ممنوع. مع أنّ لازمه كون العبرة بالدم الأوّل المستمرّ لا الدمين.

و الإنصاف: أنّ الرواية لا تقاوم ما استظهرناه من المرسلة و سائر الأدلّة؛ لو لم نقل بظهورها في تأسيس الكبرى الكلّية التي في المرسلة. بل لا يبعد تحكيم المرسلة عليها؛ علىٰ نحو ما مرّ من تحكيم بعض فقرأت المرسلة علىٰ بعض «1» فلا ريب في أنّ الأظهر هو احتساب النقاء و الدمين.

و يظهر حال الفروع الكثيرة في المقام من التأمّل فيما ذكرنا و استفدنا من الأدلّة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 150

المسألة الخامسة في حصول العادة الوقتيّة بتكرّر الحيض

كما تحصل العادة العددية بتكرّر العدد في شهرين أو أقلّ أو أزيد، هل تحصل

الوقتية بتكرّر الحيض مطلقاً؟

أو يعتبر في حصولها تخلّل طهرين متساويين مطلقاً؟

أو لا يعتبر ذلك في شهرين هلاليين مع حفظ الوقت، كما لو رأت أوّل شهرين أو وسطهما مثلًا، و أمّا لو رأت في شهر مرّتين، أو رأت مرّتين في أزيد من شهر- كما لو رأت خمسة، و طهرت خمسة و خمسين، فرأت خمسة فلا تحصل العادة إلّا برؤية طهر آخر خمسة و خمسين، و كذا في الناقص عن الشهر؟

الأقوىٰ هو التفصيل؛ لأنّ الملاك في حصولها بعد الرجوع إلى الارتكاز العرفي و إلغاء الخصوصيات بالتقريب المتقدّم «1» هو تكرّر العدد في حصول العددية، و تكرّر الوقت في الوقتية، فمع رؤية الطمث في أوّل شهرين هلاليين مثلًا، يحصل التكرّر المحصّل للعادة بالنسبة إلى الوقت؛ لتكرّر الحيض في أوّل الشهر، و هو أدنى القرء، كما هو المصرّح به في مرسلة يونس «2».

و أمّا إذا رأت في شهر مرّتين مع فصل أقلّ الطهر أو أزيد، فمع تساوي العدد لا إشكال في حصول العادة العددية؛ لتكرّر العدد، و أمّا الوقت فلم يتكرّر؛ لأنّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 131 135.

(2) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 151

وسط الشهر ليس عوداً لأوّله، كما هو واضح، فالحيضتان مكرّرتان من حيث الذات و العدد دون الوقت، فلا تحصل العادة الوقتية لها إلّا بتخلّل طهر مساوٍ للأوّل، فحينئذٍ يصدق أنّ وقتها بعد كلّ عشرة مثلًا. و كذا فيما إذا رأت في أكثر من شهرين.

و علىٰ ما ذكرنا لا يرد الإشكال: بأنّ ظاهر النصّ حصول العادة بالحيضتين، و مع اعتبار الطهرين لا يحصل إلّا بثلاث حيضات «1»، فإنّ اعتبار الثلاث ليس لأجل حصول العادة بها، بل لأجل

تكرّر الوقت، و هو موقوف علىٰ ذلك.

و بالجملة: الوقت لا ينضبط إلّا بتخلّل طهرين، إلّا إذا انضبط بالشهر كما مرّ.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 197/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 152

المسألة السادسة في زوال العادة بعادة شرعية مطلقاً
اشارة

لا إشكال في عدم زوال العادة عرفية كانت أو تعبّدية بمرّة واحدة بخلافها، خلافاً لأبي يوسف علىٰ ما حكي عنه «1». و كذا لا إشكال في زوالها بطروّ عادة اخرىٰ عرفية. فهل تزول بعادة شرعية مطلقاً، أو لا تزول كذلك، أو تزول الشرعية دون العرفية؟

الأقرب هو الأوّل؛ لما مرّ من الصغرىٰ و الكبرى المستفادتين من مرسلة يونس؛ و أنّ

قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك

إذا انطبق علىٰ كلّ موضوع عرفي، تقوم المرّتان مقامه، و لا إشكال في أنّ العادة الثانية إذا كانت عرفية مستقرّة، تصير ناسخة للأُولىٰ؛ لكونها العادة الفعلية، فقوله

دعي الصلاة أيّام أقرائك

و قوله

ليس لها سنّة إلّا أيّامها

لا ينطبقان إلّا على الثانية، فإذا كان حال العرفية كذلك فالمرّتان تقومان مقامها؛

لتفسير الصادق (عليه السّلام) قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك بحيضتين فصاعداً.

و بهذا التقريب يدفع ما يمكن أن يقال: من أنّ المرسلة و كذا المضمرة واردتان في المبتدئة، و لها خصوصية عرفاً لا يمكن إلغاؤها و إسراء الحكم منها إلىٰ من لها عادة مستمرّة سنين عديدة، و كذا إلىٰ من لم تستقرّ لها عادة مع رؤيتها الدم في سنين عديدة؛ لأنّ طبيعة المبتدئة الخالية من عادة مستمرّة أو

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 105/ السطر 35، المبسوط، السرخسي 3: 183/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 153

اعوجاج مستمرّ، إذا

قذفت مرّتين بمنوال واحد، يمكن أن يكشف ذلك عن خلقها و عادتها؛ لأنّ انتظام الدم نوعي للنساء، فمع حصول المرّتين لا يبعد تحقّق النظم حتّى بنظر العرف.

و لهذا يمكن أن يقال: ليس قول الصادق (عليه السّلام) بأن أدناه حيضتان لأجل كون أقلّ الجمع كذلك، بل لكون الموضوع ذا خصوصية بها صار التكرّر كاشفاً عن الخلق المعهود.

و قوله

فقد علم الآن: أنّ ذلك قد صار لها وقتاً و خلقاً معروفاً

ممّا يؤيّد ما ذكرنا؛ لأنّ التكرّر المطلق لا يوجب العلم بالخلق المعروف إلّا بقرائن و خصوصيات مقرونة به، و هي موجودة بالنسبة إلى المبتدئة، و أمّا من كانت لها عادة مستمرّة أو انحراف مستمرّ، فالخروج عن عادتها و انحرافها لا يحصل بدفعتين أو ثلاث.

فإذن فرق بين المبتدئة الواردة فيها الروايتان و ذات العادة العرفية أو الانحراف العادي المستمرّ، فلا يمكن إلغاء الخصوصية من الروايتين، فلا بدّ في زوال العادة من الرجوع إلى العرف بحصول كرّات و مرّات.

قلت: هذا غاية ما يمكن أن يقال لمنع إلغاء الخصوصية، و لو كانت الدعوىٰ إسراء الحكم لمحض ارتكاز العرف و إلغاء الخصوصية، كان لما ذكر وجه وجيه.

بل لو كان المستند هو الفهم العرفي كما استندوا إليه «1» كان رفع اليد عن الشهرين الهلاليين و إسراء الحكم إلى الشهر الحيضي أو أكثر من الشهرين، في غاية الإشكال؛ لأنّ للشهرين المتصلين أيضاً خصوصية ليست لغيرهما من الأقلّ

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3: 173، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 195 196.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 154

و الأكثر؛ ضرورة أنّ نوعية عادات النساء، إنّما هي الرؤية في كلّ شهر مرّة، لا مرّتين، و لا التأخير عن الشهر، فإذن للرؤية مرّتين في شهرين

على النظم خصوصية؛ و هي الغلبة و العادة، و الخروج عنها نوع انحراف عن الطبيعة، و لذا تكون المرّتان من الطبيعة السليمة الغير المنحرفة، كاشفتين عن الخلق و العادة، دون المرّتين من غيرها.

لكن العمدة هو

تمسّك أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) بقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك و قوله (عليه السّلام) أدناه حيضتان

و الظاهر منه أن لا خصوصية للموضوع إلّا ذلك؛ و أنّ الحيضتين تمام الموضوع، و لو كانت الخصوصيات الأُخر دخيلة في الحكم كان عليه بيانها، خصوصاً في المورد ممّا يغفل العامّة عن الخصوصيات الخفية المربوطة بما في الأرحام.

فقوله (عليه السّلام) و إنّما جعل الوقت إن توالىٰ عليها حيضتان أو ثلاث؛ لقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ..

إلىٰ آخره، يدلّ علىٰ أنّ الوجه هو قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من غير مدخل لشي ء آخر، خصوصاً بناءً علىٰ دلالة كلمة إنّما على الحصر، و مع إنكارها يكفي الإطلاق في مقام البيان، و لا مجال للتشكيكات العلمية الخارجة عن أفهام العامّة، و إلّا لانسدّ باب التمسّك بالإطلاق في كثير من الموارد.

فتحصّل منه: أنّ الأقرب زوال العادة العرفية بالرؤية علىٰ خلافها مرّتين منتظمتين، و أمّا مع رؤيتها مرّتين غير منتظمتين، فلا ينبغي الإشكال في عدم نسخ العادة العرفية بها؛ لعدم مساعدة العرف عليه، و عدم دليل شرعيّ، فلا بدّ لزوالها من تكرّرها مراراً حتّى يحكم العرف بنسخ عادتها.

و ممّا ذكرنا يظهر الكلام في العادة الحاصلة بمرّتين متماثلتين بعين ما مرّ، بل هي أولىٰ بذلك من العادة العرفية.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 155

هل تزول العادة برؤية مرّتين غير متماثلتين؟

و هل تزول بمرّتين غير

متماثلتين؟ فيه تردّد؛ لعدم جريان ما تقدّم فيه، و لاحتمال انصراف دليل العادة عمّا تكرّر علىٰ خلافها كذلك.

و ظاهر المحكي عن العلّامة عدم الزوال، حيث قال في ردّ أبي يوسف القائل بزوال العادة بمرّة: «إنّ العادة المتقدّمة دليل علىٰ أيّامها التي عادت، فلا يبطل حكم هذا الدليل إلّا بدليل مثله؛ و هي العادة بخلافه» «1» و قد نفى الريب عن الزوال المحقّق الخراساني و أوّل كلامَ العلّامة بما هو بعيد عن ظاهره «2».

و المسألة محلّ إشكال في غير ما تكرّر؛ بحيث يحكم العرف بزواله. نعم هنا بعض أُصول حكمية، بل موضوعية علىٰ تأمّل في هذه.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 105/ السطر 36.

(2) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 34/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 156

المسألة السابعة في أقسام ذات العادة و أحكامها
اشارة

ذات العادة الوقتية سواء كانت عددية أو لا إمّا أن ترى الدم في أيّام عادتها أو لا.

و على الثاني: إمّا أن ترى قبلها، أو بعدها.

و على الفرضين: إمّا أن تكون القبلية و البعدية قريبة من أيّامها كاليوم و اليومين أو لا.

و على الفروض: إمّا أن يكون ما رأت واجداً لصفات الحيض، كالحمرة و الحرارة، أو لصفات الاستحاضة، كالصفرة و البرودة، أو لبعضٍ من كلٍّ منهما؛ كأن رأت حمرة باردة.

و ذات العادة العددية المحضة تارة: ترى ما هو جامع لصفات الحيض، و أُخرى: لصفات الاستحاضة، و ثالثة: لصفتهما. فهذه عمد الوجوه التي لا بدّ من البحث عنها،

و يتمّ الكلام فيها في ضمن جهات:
أُولاها: في تحيّض ذات العادة الوقتية مطلقاً برؤية الدم في أيّامها

لا إشكال في أنّ ذات العادة الوقتية مطلقاً، تتحيّض برؤية الدم في أيّامها مطلقاً؛ كان واجداً لصفات الحيض، أو صفات الاستحاضة، أو صفتهما. و حكي الإجماع عليه من «المعتبر» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» و غيرها «1».

______________________________

(1) المعتبر 1: 213/ السطر 31، تذكرة الفقهاء 1: 275، منتهى المطلب 1: 109/ السطر 15، مستند الشيعة 2: 433.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 157

و تدلّ عليه بعده روايات كثيرة يدّعىٰ تواترها «1» دلّت علىٰ أنّ الصفرة في أيّام الحيض حيض. و تنظّر في دلالة هذه الروايات بعض المحقّقين: «بأنّ مفادها ليس إلّا أنّ ما تراه من صفرة أو كدرة في أيّامها فهو من الحيض، و قد ثبت بالنصّ و الإجماع تقييدها بما إذا لم يكن أقلّ من ثلاثة أيّام، فالحكم بتحيّضها برؤية الدم مع عدم العلم بأنّه يستمرّ ثلاثة أيّام، يحتاج إلىٰ دليل آخر» «2».

و هو لا يخلو من غرابة؛ لأنّ ما دلّ علىٰ أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام، إنّما هو في مقام تحديد حدود

الحيض، و هو لا ينافي لزوم التحيّض مع قيام الأمارة على الحيضية بمجرّد الرؤية. نعم لو كانت الأمارة متقيّدة بذلك كان لما ذكره وجه، لكنّه ضعيف مخالف للأدلّة. هذا مع إمكان التشبّث بالأصل لبقاء الدم ثلاثة أيّام.

فالتحقيق: أنّ الصفرة و الكدرة في أيّام العادة بما أنّها طريق شرعي إلىٰ حيضيّة ما وقع فيها محكومة بالحيضية ما لم يعلم الخلاف، و لا يتوقّف الحكم بحيضيّة ما وقع فيها علىٰ إحراز سائر شرائط الحيض و عدم موانعه، و لا إحراز القيود المعتبرة فيه، كما هو الشأن في كلّ أمارة قائمة علىٰ موضوع. نعم بعد انقطاع الدم قبل تمام الثلاثة، يعلم بعدم الحيضية، فتسقط الأمارة، و هو واضح.

و يدلّ على المقصود مضافاً إليها

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها، فقال لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، و إن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت «3».

______________________________

(1) مستند الشيعة 2: 433، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 199/ السطر 35.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 274/ السطر 34.

(3) الكافي 3: 78/ 1، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1230، وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 158

و

رواية إسماعيل الجُعْفي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيّام عادتها لم تصلّ، و إن كانت صفرة بعد انقضاء أيّام قرئها صلّت «1».

و

مرسلة يونس القصيرة قال فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة، فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض «2».

ثمّ إنّه لا فرق في التحيّض بمجرّد الرؤية في الوقت؛ بين ذات العادة

الوقتية مع العددية التامّة، أو الناقصة في المورد المتيقّن من العدد؛ لإطلاق الأدلّة و كون الأيّام أيّامها.

ثانيتها: في الحكم بحيضية الدم المتقدّم أو المتأخّر بقليل
اشارة

إذا رأت الدم أو الصفرة قبل أيّام الحيض قليلًا، كيوم أو يومين، أو رأت بعد تمام أيّام الحيض كذلك، فهل يحكم بحيضيتهما مطلقاً، أو يفصّل بين ما رأت قبلها أو بعدها؛ فيحكم بالتحيّض في الأوّل دون الثاني، أو العكس؟

وجوه لا يبعد دعوى أقربية الأوّل؛ أمّا فيما رأت قبل وقتها قليلًا، فلإمكان دعوى دلالة العمومات عليه، مثل

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك «3»

، و

قوله (عليه السّلام) الصفرة في أيّام العادة حيض «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 78/ 3، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 299، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 12، الحديث 2.

(3) يأتي في ضمن مرسلة يونس في الصفحة 349.

(4) المبسوط 1: 43، وسائل الشيعة 2: 281، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 159

بتقريب: أنّ عادات النساء غالباً، ليست منضبطة دقيقاً علىٰ وجه لا تتخلّف بمثل يوم أو يومين، فغالب النسوة تختلف عليها بمثل ذلك، و لا أظنّ الانضباط الدقيق و لو عرفياً في مرأة، و لو فرض فهي نادرة، فحينئذٍ لو قيل لامرأة: «دعي الصلاة أيّام أقرائك» أو «إنّ الصفرة و الكدرة في أيّام الحيض حيض» لم ينقدح في ذهنها إلّا الأيّام التي قد تتقدّم بمثل نصف يوم أو يوم أو يومين، فإذا رأت الصفرة قُبيل الوقت، تكون حيضاً بمقتضىٰ فهم العرف من الروايات.

و بعبارة اخرىٰ: فرق بين جعل الموضوع لحكم أمراً منضبطاً محدوداً بحدّين دقيقين كاليوم

من طلوع الشمس إلى الغروب و بين الموضوع الغير المنضبط كذلك، كأيّام العادة ممّا تتقدّم عادةً و نوعاً بيوم أو يومين. و هذا غير بعيد بالنظر إلىٰ عادات النساء و أحكام العرف و مرتكزاته.

نعم، هو غير تامّ بالنسبة إلىٰ تأخّر الدم عن تمام العادة؛ فإنّ التأخّر بمثله غير عادي و لا غالبي، بل الأمر بالعكس.

الروايات الخاصّة الدالّة على التحيّض مطلقاً

و يدلّ على المطلوب روايات خاصّة:

منها:

موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة ترى الصفرة، فقال إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و إن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض «1».

______________________________

(1) الكافي 3: 78/ 2، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1231، وسائل الشيعة 2: 279، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 160

و

مضمرة معاوية بن حكيم قال: قال الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و بعد أيّام الحيض فليس من الحيض، و هي في أيّام الحيض حيض «1».

و لا يضرّ الإضمار بعد كون المضمر مثل معاوية الذي لا يضمر إلّا عن المعصوم.

و صحيحة الصحّاف و موثّقة سَماعة إلّا أنّ المذكور فيهما الدم بدل الصفرة

ففي الأُولىٰ و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر، فإنّه من الحيضة .. «2» إلىٰ آخره.

و

في الثانية إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة؛ فإنّه ربّما تعجل بها الوقت «3».

و الظاهر منها و لو بقرينة بعضها أنّ المراد من جميعها حدوث الرؤية قبل أيّام الحيض؛ أي قبل أيّام عادتها، و في مقابله حدوثه بعد أيّام العادة.

و احتمال كون المراد قبل نفس الحيض و بعده في

موثّقة أبي بصير، بعيد محتاج إلى التأويل و التوجيه، بأن يقال: إنّ الصفرة التي هي من صفات الاستحاضة إذا وقعت قبل الدم الذي قامت الأمارة أي الوقت علىٰ حيضيته حيض.

و هذا التوجيه و إن أخرج الكلام عن الاختلال، لكن لا يوجب الإجمال أو

______________________________

(1) الكافي 3: 78/ 5، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 6.

(2) الكافي 3: 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 330، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 77/ 2، تهذيب الأحكام 1: 158/ 453، وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 161

الظهور في ذاك الاحتمال، فإنّ الظاهر العرفي منها هو قبل وقت الحيض و بعده، كما صرّح به في سائر الروايات، و الاطمئنان حاصل بأنّ مفادها من هذه الجهة ليس مغايراً لسائر الروايات و حينئذٍ يستدلّ بها لحدوث الصفرة بعد أيّام الحيض أقلّ من يومين؛ للتحديد الواقع فيها بيومين. و حمل ما بعدها علىٰ غير ما قبلها خلاف الظاهر جدّاً، و خلاف المتبادر من مقابلته بما قبلها.

نعم، على الاحتمال المتقدّم يكون مقابلُ الرؤية قبل وجود الحيض، الرؤية بعد وجوده، فتكون في أيّام العادة، فتخرج عمّا نحن بصدده، لكن قد عرفت بعده و بطلانه.

و يشهد لما قلنا من ترجيح الاحتمال الأوّل مضافاً إلىٰ ما ذكر أنّ قوله

إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 161

ليس إخباراً عن

واقع لغرض كشف واقعيته، بل لغرض تحيّضها في وقت رؤية الصفرة، فلا بدّ من حمل الحيض علىٰ أيّامه؛ لكون الوقت مضبوطاً و الأيّام معلومةً و لو تقريباً بحسب النوع، فتعلم المرأة تكليفها عند رؤية الصفرة قبل وقته، و أمّا إذا كان المراد نفس الدم المحكوم بالحيضية بواسطة التمييز أو الوقت، فلا تعلم وقت حدوثه حتّى تعلم أنّ الصفرة قبله بيومين.

و فرض العلم علىٰ تسليم واقعيته نادر جدّاً، فلا محيض عن حمل الرواية علىٰ ما ذكرنا.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ كون الصفرة قبل أيّام الحيض من الحيض، إنّما هو لأجل خصوصية في أيّام العادة دون نفس الدم؛ فإنّ العادة كما أنّها كاشفة عن كون الصفرة الواقعة في نفسها حيضاً، لا يبعد كاشفيتها بالنسبة إلىٰ ما حصل قبل وقتها قليلًا، كيوم أو يومين، خصوصاً مع ما عرفت من عدم انضباطها نوعاً على الوجه الدقيق، فحينئذٍ تكون للعادة خصوصية لأجلها حكم بحيضية الصفرة فيها و فيما

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 162

قبلها بقليل، كما يشهد به أو يدلّ عليه قوله في موثّقة سماعة

ربّما تعجّل بها الوقت.

و بالجملة: يحصل من جميع ما ذكرنا الاطمئنان بأنّ المراد من الموثّقة، هو رؤية الصفرة قبل أيّام الحيض، و حينئذٍ لا ريب في أنّ المراد من الجملة المقابلة للأُولىٰ هو أيّام الحيض، و التفكيك بينهما في غاية الفساد، فتمّت الدلالة علىٰ أنّه إذا حدثت الصفرة بعد أيّام الحيض بأقلّ من يومين، فهي من الحيض، فلا بدّ من التحيّض بمجرّد رؤيتها.

نعم، إذا لم تستمرّ إلىٰ ثلاثة أيّام تعلم بعدم حيضيتها، كما في سائر الموارد.

هذا مضافاً إلىٰ دعوى عدم القول بالفصل بين المتقدّم و المتأخّر. و أمّا التمسّك بقاعدة الإمكان

و بزيادة الانبعاث «1»، ففيه ما لا يخفى.

ثالثتها: في حكم الدم المرئي قبل أيّام العادة أو بعدها بكثير
اشارة

إذا رأت قبل أيّام العادة أو بعدها بما لا تشمله الأدلّة المتقدّمة، فهل تتحيّض بمجرّد الرؤية مطلقاً، أو تستظهر إلىٰ ثلاثة أيّام مطلقاً، أو يفصّل بين المتصف بصفات الحيض و غيره، أو يفصّل بين ما قبل الأيّام و ما بعدها؛ فتتحيّض في الثاني مطلقاً، و في الأوّل بشرط الاتصاف؟

وجوه و أقوال.

و الأظهر هو التفصيل بين الجامع للصفة و غيره مطلقاً؛ سواء كان قبل الأيّام أو بعدها.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 302، جواهر الكلام 3: 180 181، مصباح الفقيه، الطهارة: 275/ السطر 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 163

الحكم بحيضية الدم الجامع لصفات الحيض مطلقاً في المقام

أمّا في الجامع فلأخبار الصفات «1» و قد مرّ في أوائل هذا المختصر «2» ما يمكن أن يقرّر به وجه استفادة أمارية الصفات للحيض؛ فيما دار الأمر بينه و بين الاستحاضة مطلقاً، و عدم اختصاص ذلك بمستمرّة الدم، فهي أمارة على الحيضية في ذات العادة و المبتدئة و المضطربة فيما دار الأمر بين الدمين، فراجع.

و تدلّ عليه أيضاً

صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام): في امرأة نفِست، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً، ثمّ طهرت، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، قال تدع الصلاة؛ لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس «3».

فتدلّ بإطلاقها علىٰ لزوم تحيّض ذات العادة و غيرها؛ كان الرؤية بعد أيّام العادة أو قبلها بقليل أو كثير. و إطلاقها و إن اقتضىٰ شمول الصفرة أيضاً علىٰ إشكال ناشئ من احتمال كون الدم مقابل الصفرة، كما في بعض الروايات، كصحيحة ابن الحجّاج الآتية لكنّه متقيّد بما يأتي.

و توهّم «4» كون تلك الصحيحة واردة مورد التقيّة؛ لتقرير الإمام ترك الصلاة ثلاثين يوماً، و هو موافق لمذهب العامّة القائلين بأنّ

أكثر النفاس أربعون أو ستّون يوماً «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3.

(2) تقدّم في الصفحة 13.

(3) الكافي 3: 100/ 1، تهذيب الأحكام 1: 402/ 1260، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 1.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 26، مصباح الفقيه، الطهارة: 331/ السطر 27.

(5) المجموع 2: 522 و 524 525.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 164

مدفوع بأنّ قوله

لأنّ أيّامها

أيّام الطهر

قد جازت مع أيّام النفاس

ردع لتركها الصلاة؛ ضرورة أنّ أيّام النفاس ليست عين أيّام الطهر، فمعنىٰ مضيّ أيّام الطهر مع أيّام النفاس: هو أنّ الثلاثين ليس جميعها أيّام النفاس، بل بعضها أيّام النفاس، و بعضها أيّام الطهر و إن استمرّ بها الدم، فبيّن الحكم الواقعي بنحو لا يتنبّه له الغالب.

و تدلّ على المطلوب أيضاً

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن امرأة نفِست، فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر، ثمّ طهرت و صلّت، ثمّ رأت دماً أو صفرة، قال إن كانت صفرة فلتغتسل و لتصلّ، و لا تمسك عن الصلاة «1».

و

في رواية الشيخ و إن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها، ثمّ لتغتسل و لتصلّ «2».

و إنّما تدلّ على المطلوب مفهوماً علىٰ رواية الكليني، و منطوقاً علىٰ رواية الشيخ.

و قوله

فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها

محمول علىٰ مقدار أيّام قرئها، أو أيّام إمكان قرئها.

و لا يمكن إبقاؤه علىٰ ظاهره؛ للزوم كون الصفرة في أيّام القرء، محكومة بعدم الحيضية بقرينة المقابلة، و هو مقطوع البطلان. و التفكيك بين الفقرتين بعيد جدّاً.

______________________________

(1) الكافي 3: 100/ 2، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب

5، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 176/ 503، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 165

الروايات التي قد تتوهّم دلالتها علىٰ عدم التحيّض

نعم، هنا روايات ربّما يتوهّم دلالتها علىٰ عدم التحيّض،

كمرسلة يونس القصيرة قال و كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، و كلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض «1».

و مفهوم

موثّقة سماعة قال: سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، فقال إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة؛ فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت «2».

و صحيحة الصحّاف في الحامل «3».

لكنّ المرسلة مضافاً إلىٰ ما تقدّم من ضعفها سنداً، و اضطرابها متناً «4» لا يبعد بملاحظة ما قبل هذه الفقرة، أن يكون موردها ما إذا تجاوز الدم عشرة أيّام، فراجع.

و لا مفهوم لموثّقة سماعة؛ لأنّ الشرط فيها سيق لتحقّق الموضوع، و لا مفهوم للقيد، فإنّه من مفهوم اللقب.

و أمّا صحيحة الصحّاف فراجعة إلى الحامل، و بإزائها روايات لا بدّ من إفراز البحث عنها، و سيأتي في محلّه «5».

فالحكم في واجد الصفات خالٍ من الإشكال.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 90.

(2) تقدّم في الصفحة 160.

(3) تقدّم في الصفحة 160.

(4) تقدّم في الصفحة 92 95.

(5) يأتي في الصفحة 329 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 166

عدم الحكم بحيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة في المقام

و أمّا مع اتصاف الدم بصفات الاستحاضة كالصفرة و البرودة فهل تتحيّض بمجرّد رؤيتها مطلقاً، أو لا تتحيّض مطلقاً، أو يفصّل بين ما قبل العادة و ما بعدها؛ فيقال بالتحيّض في الثاني دون الأوّل؟

وجوه:

أقربها العدم مطلقاً، و تدلّ عليه أدلّة التمييز «1» حيث إنّ الظاهر منها أنّ الأوصاف كالحرارة و الحمرة و الدفع و غيرها، كما تكون أمارة الحيض كذلك مقابلاتها أي الصفرة و البرودة و الفساد و الفتور أمارات الاستحاضة. و لا وجه للتفكيك بينهما مع كون

لسان الدليل واحداً.

و فائدة جعل الأمارتين ظاهرة؛ ضرورة أنّه مع أمارية صفات الحيض فقط، لا يحكم على الدم الخالي منها بكونه استحاضة، فمع تمامية قاعدة الإمكان يحكم بالحيضية، و مع عدم تماميتها لا بدّ من الاحتياط و العمل بالعلم الإجمالي، بخلاف ما لو كانت الصفات المقابلة أمارات الاستحاضة، فلا تجري القاعدة؛ لحكومة أدلّة الأمارات عليها و إخراج موضوعها عن القاعدة.

بل يمكن أن يقال: إنّ جعل أوصاف الاستحاضة أمارةً عليها، أقرب من جعل أوصاف الحيض أمارة عليه؛ لأنّ صفات الحيض نوعاً صفات مشتركة بينه و بين سائر الدماء، بخلاف صفات الاستحاضة، فإنّها صفات مختصّة بها نوعاً، و كون الصفات المختصّة أمارة علىٰ ما تختصّ به، أقرب من أمارية الصفات

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 167

المشتركة و لو في فرض الدوران بينهما.

و الإنصاف: ظهور الروايات في أمارية كلٍّ من القبيلين، فحينئذٍ يحكم بكون الصفرة استحاضة مطلقاً إلّا ما خرج بالدليل، ككونها في أيّام العادة أو قبلها أو بعدها بقليل، كما مرّ «1».

و تدلّ على المطلوب أيضاً روايات،

كصحيحة محمّد بن مسلم قال: 2136 سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها، فقال لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، و إن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت «2».

ظاهرها حدوث الرؤية في العادة أو بعدها، و لو أُنكر الظهور فيه فلا أقلّ من الإطلاق. و العجب أنّ الشيخ الأعظم تمسّك بها لعدم التحيّض بما رأت قبل أيّام العادة، و لم يتمسّك بها لما بعدها، و أفتى بالتحيّض برؤية الصفرة لوجوه ضعيفة «3».

و كموثّقة أبي بصير المتقدّمة «4» بالتقريب المتقدّم

«5» دلّت علىٰ أنّ الصفرة قبل أيّام الحيض بأكثر من يومين و بعدها بيومين و صاعداً، ليست بحيض.

و كذا الروايات الدالّة علىٰ أنّه إذا رأت الصفرة قبل انقضاء أيّام عادتها لم تصلّ، و إن رأت بعدها صلّت «6» فإنّ إطلاقها يقتضي أن لا تكون الصفرة و إن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 158 159.

(2) الكافي 3: 78/ 1، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1230، وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 1.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 200/ السطر 10.

(4) تقدّم في الصفحة 159.

(5) تقدّم في الصفحة 160 161

(6) الكافي 3: 78/ 3، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 168

حدثت بعد العادة حيضاً؛ سواء رأت الدم في العادة فطهرت ثمّ رأت صفرة، أو لم تَرَ في العادة و رأت بعدها. و تخصيصها بما إذا استمرّ دمها إلىٰ ما بعد العادة، لا وجه له.

و كصريح صحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة «1» .. إلىٰ غير ذلك من الروايات.

حول التمسّك بقاعدة الإمكان لإثبات حيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة

و ليس في مقابلها إلّا قاعدة الإمكان، و قد مرّ عدم الدليل عليها «2». و مع تسليم تماميتها تكون الأدلّة المتقدّمة حاكمة أو واردة عليها؛ ضرورة أنّ موضوعها ما يمكن أن يكون حيضاً، و قد مرّ أنّ معناه: ما لم يدلّ دليل علىٰ عدم حيضيته «3»، فبقيام الأمارة على الاستحاضة و ما تقدّم من الأدلّة علىٰ عدم الحيضية، ينتفي موضوعها.

و قد أورد الشيخ الأعظم على القاعدة: «بأنّ موضوعها الإمكان المستقرّ، و لا يمكن إحرازه بالأصل؛ لمنع جريان أصالة البقاء في مثل المقام، بل الأصل عدم حدوث الزائد علىٰ ما حدث. و لو سُلّم جريانها، لكنّه

لا يجدي في إثبات الإمكان المستقرّ ليدخل تحت معاقد إجماعات القاعدة؛ لأنّ مراد المجمعين من «الاستقرار» هو الواقعي المتيقّن، و بعبارة اخرىٰ: الدم الموجود في ثلاثة أيّام، و ليس لفظ «الإمكان المستقرّ» وارداً في نصّ شرعي حتّى يترتّب على الثابت منه بالاستصحاب ما يترتّب على المستقرّ الواقعي، فافهم» «4» انتهىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 164.

(2) تقدّم في الصفحة 68 69.

(3) تقدّم في الصفحة 51 52.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 201/ السطر الأخير، و 202/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 169

و فيه: أنّ عدم جريان الأصل لو كان لأجل عدم جريانه في المتصرّمات؛ لعدم البقاء لها؛ لأنّ كلّ قطعة منها غير الأُخرىٰ، فالدم في اليوم الثاني غير ما في اليوم الأوّل، فلا يجري فيها أ لأصل إلّا على القول بالجريان في القسم الثالث من الكلّي، فلا محيص من إجراء أصل عدم الحدوث بالنسبة إلىٰ غير الموجود.

ففيه: أنّه قد حقّق في محلّه «1» جريان الأصل فيها؛ و أنّ هذه المتصرّمات ليست مركّبة من قطعات متكثّرة؛ لا عقلًا، و إلّا لزم مفاسد الجزء الذي لا يتجزّأ «2»، و لا عرفاً؛ لأنّ العرف يرى الماء الجاري و الحركة شيئاً واحداً له البقاء؛ و إن كانت وحدته و بقاؤه بنحو التصرّم و التغيّر، فالدم الجاري المتصل من أوّل وجوده إلىٰ زمان انقطاعه شي ء واحد متصل متصرّم باقٍ دائم، لا أُمور متكثّرة و مصاديق متعدّدة متلاصقة، فمع العلم بوجوده و الشكّ في انقطاعه، تكون القضيّة المتيقّنة و المشكوك فيها واحدة، و يصدق عدم نقض اليقين بالشكّ بلا ريب، فحينئذٍ يكون المستصحب شخصياً لا كلّياً.

مضافاً إلىٰ أنّ التحقيق جريان الأصل في القسم الثالث من الكلّي في مثل الدم

السائل «3» و أصالة عدم حدوث الزائد لا تنفي الكلّي إلّا بالأصل المثبت.

و أمّا ما ذكره ثانياً: من عدم إجداء الأصل في إثبات الإمكان المستقرّ، الظاهر منه الفرق بين كون الدليل عليه الإجماع و الدليل اللفظي، ففيه: أنّه إن كان المدعىٰ أنّ الإجماع قائم على الدم المتيقّن في ثلاثة أيّام؛ بحيث كان اليقين جزءً للموضوع، فلا يخفى ما فيه؛ ضرورة أنّ ما ادعي الإجماع عليه علىٰ فرض صحّته هو «أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض».

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 113.

(2) راجع الإشارات و التنبيهات 2: 20 21، الحكمة المتعالية 5: 41 44.

(3) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 93 94.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 170

و إن كان المراد أنّ الحكم و إن ثبت للدم الواقعي المستمرّ إلىٰ ثلاثة، لكنّ القدر المتيقّن من الإجماع هو الدم الثابت باليقين، ففيه: أنّ الثبوت باليقين إن كان قيداً للموضوع، فيرجع إلى الوجه الأوّل، و إن كان الحكم ثابتاً للموضوع الواقعي فالأصل محرز له.

نعم، لو كان موضوع القاعدة هو عنوان «الإمكان» لم يمكن إحرازه بأصالة بقاء الدم إلىٰ ثلاثة أيّام إلّا بالأصل المثبت. لكنّ الظاهر كما مرّ سابقاً «1» أنّ موضوع القاعدة ليس هذا العنوان؛ إذ ليس المراد ب «الإمكان» ما هو المصطلح عند المنطقيّين، بل المراد ما لم يقم دليل شرعي علىٰ عدم حيضيته، فكلّ دم لم يقم دليل من عقل أو شرع علىٰ عدم حيضيته فهو حيض، فالدم الموجود ممّا لم يقم دليل علىٰ عدم حيضيته؛ من غير ناحية عدم الاستمرار إلىٰ ثلاثة أيّام بالوجدان، و من ناحيته بالأصل، فيحرز الموضوع بهما؛ لأنّ الموضوع مركّب لا مقيّد.

رابعتها: في حكم ذات العادة العددية المحضة

ذات العادة العددية

المحضة، إن رأت بصفة الحيض تتحيّض بمجرّد الرؤية؛ لما مرّ من أخبار الصفات «2» و قد مرّ عدم اختصاصها بمستمرّة الدم «3»، و سيأتي إن شاء اللّٰه في الاستحاضة تتمّة البحث فيها «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 51 52.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3. و قد تقدّمت الروايات في الصفحة 15 و ما بعدها.

(3) تقدّم في الصفحة 22.

(4) يأتي في الصفحة 306 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 171

و إن رأت بصفات الاستحاضة يحكم بها؛ بناءً علىٰ أمارية الأوصاف لها.

و قد يقال بتحيّضها مطلقاً، و استأنس له صاحب «الجواهر» بعد الإجماع المدعىٰ علىٰ ذات العادة، و صدق اسم «ذات العادة» عليها بما دلّ على التحيّض بمجرّد الرؤية في معتادة الوقت لو رأت قبل وقتها،

كخبر علي بن أبي حمزة قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن المرأة ترى الصفرة، فقال ما كان قبل الحيض فهو من الحيض، و ما كان بعد الحيض فليس منه «1».

و

مضمر معاوية بن حكيم قال قال الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و بعد أيّام الحيض فليس من الحيض «2».

و

خبر سماعة إنّه ربّما تعجّل بها الوقت «3».

بتقريب أن يقال: إنّه لو كان مدار التحيّض بالرؤية على الوقت، لما حكم في هذه الأخبار بذلك و إن لم تَرَه فيه «4».

و فيه ما لا يخفى:

أمّا الإجماع فلعدم ثبوته، بل الظاهر اختصاص معقد الإجماع بذات العادة الوقتية، فعن «المعتبر» «5»: تترك ذات العادة الصلاة و الصوم برؤية

______________________________

(1) الكافي 3: 78/ 4، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1232، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4،

الحديث 5.

(2) الكافي 3: 78/ 5، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 77/ 2، تهذيب الأحكام 1: 158/ 453، وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1.

(4) جواهر الكلام 3: 179 180.

(5) المعتبر 1: 213.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 172

الدم، و هو مذهب أهل العلم؛ لأنّ المعتاد كالمتيقّن، و

لما رواه يونس عن بعض رجاله، عن الصادق (عليه السّلام) قال إذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة «1».

و هو كما ترى مختصّ بذات العادة الوقتية؛ ضرورة أنّ ذات العادة العددية ليست بالنسبة إلى الوقت معتادة، و ليس لها أيّام معلومة حتّى ترجع إليها.

و أصرح منه عبارة «المنتهىٰ» «2» قال: و تترك ذات العادة الصلاة و الصوم برؤية الدم في وقت عادتها، و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم؛ لأنّ العادة كالمتيقّن، و

روى الجمهور عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك «3».

و هي كما ترى صريحة في ذات العادة الوقتية، و حينئذٍ لا يبقى وثوق بإطلاق «الشرائع» «4» و لا يحضرني «التذكرة» «5».

و أمّا الروايات فالاستئناس بها بعيد، بل غير ممكن؛ لأنّ لتقدّم الوقت و تأخّره خصوصيةً كما تقدّم «6»، فلا يمكن إلغاؤها و رفع اليد عن أدلّة التمييز بهذا الوجه المخالف للاعتبار و دلالة الأخبار، فعدم التحيّض بمجرّد الرؤية مع فقد صفات الحيض، أشبه بالقواعد و الأُصول.

______________________________

(1) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 294، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 4، و: 299، الباب 12، الحديث 2.

(2) منتهى المطلب 1: 109/ السطر 15.

(3) سنن الدارقطني 1:

212/ 36، شرح السنّة 9: 207.

(4) شرائع الإسلام 1: 21.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 275.

(6) تقدّم في الصفحة 158 162.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 173

حكم المبتدئة و المضطربة و الناسية

ثمّ إنّه بما مرّ من الأدلّة، ظهر حال المبتدئة و المضطربة، بل الناسية أيضاً؛ فإنّ الدليل فيها هو تلك الأدلّة، و يأتي فيها التفصيل المتقدّم.

نعم، قد يتوهّم في المبتدئة دلالة بعض الأخبار علىٰ تحيّضها بمجرّد الرؤية مطلقاً «1»،

كرواية ابن بكير: قال في الجارية أوّل ما تحيض يدفع عليها الدم، فتكون مستحاضة إنّها تنتظر بالصلاة، فلا تصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض .. «2» الحديث.

و

كموثّقته عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها، فاستمرّ بها الدم بعد ذلك، تركت الصلاة عشرة أيّام .. «3» إلىٰ آخره.

و

مضمرة سماعة قال: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض، فتقعد في الشهر يومين، و في الشهر ثلاثة أيّام، يختلف عليها؛ لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء، قال فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم؛ ما لم يجُز العشرة «4».

و فيه: مضافاً إلى احتمال انصراف الدم إلى المتصف بصفات الحيض؛ أي الحمرة، كما جعلت مقابل الصفرة أنّ تلك الروايات في مقام بيان حكم آخر،

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 188 189.

(2) تهذيب الأحكام 1: 400/ 1251، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 381/ 1182، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 6.

(4) تقدّم في الصفحة 148.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 174

فلا يمكن التمسّك بإطلاقها لما نحن بصدده، و هو واضح. و

سيأتي الكلام في حال موثّقتي ابن بكير في باب الاستحاضة «1».

حكم تعارض الأمارتين

بقي من الفروع المتقدّمة ما إذا تعارضت الأمارتان، كما إذا رأت حمرة باردة أو صفرة بدفع و حرارة، فمقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين الوظيفتين. و هذا واضح لو قلنا بعدم حرمة العبادة عليها حرمة ذاتية.

و يمكن أن يقال: إنّه كذلك و لو قلنا بها أيضاً؛ لأنّ العلم الإجمالي بالنسبة إلى العبادات و إن كان غير مؤثّر؛ للدوران بين المحذورين، لكن هنا علم إجمالي آخر؛ و هو العلم بوجوب العبادة عليها، أو حرمة مسّ الكتاب و اللبث في المسجد و غيرهما من المحرّمات على الحائض، فمقتضى القاعدة هو التخيير بين الترك و الفعل في العبادة، و لزوم الترك في غيرها من تروك الحائض.

لكن تنجيز العلم الإجمالي الذي لا يؤثّر في بعض أطرافه محلّ إشكال، بل منع، و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه تعالىٰ «2».

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 361 362.

(2) يأتي في الصفحة 197 198.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 175

المسألة الثامنة في حكم ما إذا رأت الدم ثلاثة أيّام فانقطع ثمّ رأته بعدها
اشارة

لو رأت الدم ثلاثة أيّام و انقطع، فلا يخلو إمّا أن تكون ذات عادة أو لا.

و على التقديرين: إمّا أن ترى الدم بصفات الحيض أو لا.

و على التقادير: إمّا أن ترى الدم بعد الانقطاع قبل عشرة أيّام من أوّل الرؤية، و ينقطع على العشرة، أو على الأقلّ، أو ترى بعد عشرة أيّام و بعد مضيّ أقلّ الطهر، أو قبله، أو ترى قبل العشرة و يتجاوز عنها.

و الدم الثاني في التقادير: إمّا بصفة الحيض أو لا.

هذه عمد صور المسألة. و أمّا حكمها:

حكم الدم الأوّل

فلا إشكال في أنّ الدم الأوّل إذا كان بصفة الحيض أو في أيّام العادة حيض؛ لأدلّة الصفات، و

لما دلّ علىٰ أنّ كلّ ما رأت في أيّام العادة من صفرة أو حمرة حيض.

و أمّا إذا لم يكن بصفته و لا في أيّام العادة، فلا دليل على الحيضية إلّا قاعدة الإمكان و الإجماع المدعى «1» في خصوص الفرع المعتضد بدعوى الشهرة و عدم الخلاف «2» و الظاهر أنّ المسألة من المسلّمات، و القاعدة في المورد

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 187.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 275/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 176

مسلّمة عندهم و مع المناقشة في إجماعية القاعدة، فالمسألة الفرعية مسلّمة مجمع عليها ظاهراً، فلا إشكال فيها.

و أمّا التمسّك «1»

بصحيحة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة، قال تدع الصلاة.

قلت: فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة، قال تصلّي.

قلت: فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة، قال تدع الصلاة؛ تصنع ما بينها و بين شهر، فإن انقطع عنها الدم، و إلّا فهي بمنزلة المستحاضة «2».

و بصحيحة أبي بصير «3» القريبة

منها، ففي غير محلّه؛ لأنّه لا يمكن الالتزام بهما لما مرّ «4»، فلا بدّ من حملهما علىٰ ما لا يخالف الإجماع، مثل ما حملهما الشيخ و المحقّق عليه من اختلاط حيضها، أو غير ذلك «5».

حكم الدم الثاني

و أمّا الدم الثاني، فإن كان بصفة الحيض أو في وقت العادة، فحيض بلا إشكال، و كذا النقاء بينهما؛ لما مرّ من أنّ النقاء المتخلّل حيض «6».

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 187.

(2) الكافي 3: 79/ 2، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1179، وسائل الشيعة 2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 380/ 1180، وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 3.

(4) تقدّم في الصفحة 62 63.

(5) الاستبصار 1: 132/ ذيل الحديث 454، المعتبر 1: 207.

(6) تقدّم في الصفحة 116 117.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 177

و أمّا مع عدم الأمرين، فالحكم بالحيضية إمّا لقاعدة الإمكان علىٰ فرض ثبوتها، أو للإجماع في خصوص هذا الفرع «1».

و أمّا التمسّك «2» بالأخبار الدالّة علىٰ أنّ ما رأت المرأة من الدم قبل عشرة أيّام، فهو من الحيضة الأُولىٰ «3»، فمشكل؛ لما مرّ من أنّ تلك الروايات لا إطلاق لها «4»، فإنّها بصدد بيان حكم آخر بعد فرض حيضية الدمين، لا بصدد بيان حال الدم حتّى يتمسّك بإطلاقها. مع احتمال كون الدم هو الأحمر انصرافاً في مقابل الأصفر، علىٰ إشكال فيه.

مع معارضتها بالنسبة إلىٰ ذات العادة إذا رأت بعد عادتها بيومين أو أزيد بالمستفيضة الدالّة علىٰ أنّ الصفرة بعد العادة ليست بحيض «5»، و الجمع بينهما بأحد الوجوه:

إمّا بحمل أخبار الصفرة علىٰ مورد استمرار الدم إلىٰ بعد العادة.

أو حملها علىٰ مورد رؤية الدم

بعد الأيام من غير رؤيته في الأيّام.

أو حمل الروايات المقابلة لها علىٰ غير الصفرة. و هذا الوجه علىٰ فرض إطلاقها أقرب الوجوه، لكن مع ذلك لا يمكن الالتزام به؛ للشهرات و الإجماعات المنقولة، و عدم وجدان التفصيل بين الدم و الصفرة في خصوص المسألة، فتتقيّد بها أخبار الصفرة بمثل الفرض.

هذا إن رأت قبل تمام العشرة و انقطع عليها.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 226/ السطر 7.

(2) جواهر الكلام 3: 188.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 297 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11 و 12.

(4) تقدّم في الصفحة 97.

(5) وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 178

و إن رأت بعد العشرة و بعد تخلّل أقلّ الطهر، فإن كان الدمان علىٰ صفة الحيض، أو في العادة، أو كان أحدهما في العادة و الآخر مع الصفة، فلا إشكال.

و أمّا مع فقد الأمرين، فالدليل عليه هو قاعدة الإمكان لو تمّت، أو الإجماع علىٰ أنّ الدم المستمرّ إلىٰ ثلاثة أيّام حيض. و أمّا الحكم بالحيضية بمجرّد الرؤية، فموقوف على الاتصاف أو الوقوع في العادة، و مع عدمهما فلا يحكم بها، بل يحكم بالاستحاضة مع صفاتها؛ لأدلّتها.

اللهمّ إلّا أن يقال: بعد قيام الإجماع علىٰ أنّ الدم المستمرّ ثلاثة أيّام حيض، ينقّح الموضوع بالاستصحاب. لكنّ الشأن في ثبوت الإجماع في الفرع.

و لو رأت بعد العشرة و قبل مضيّ أقلّ الطهر، فإن كان الحكم بحيضية الدم الأوّل بقاعدة الإمكان أو الإجماع؛ لفقد الصفات، و كان الدم الثاني أيضاً فاقداً لها، فانطباق القاعدة على الدم الأوّل يُخرج الدم الثاني عن موضوع القاعدة؛ لأنّ الدم الأوّل في زمان تحقّقه كان ممكن الحيضية، فهو حيض، و

مع حيضيّته لا يمكن أن يكون الدم الثاني حيضاً؛ للزوم كون أقلّ الطهر أقلّ من عشرة، أو كون الحيض أكثر منها.

و القول بعدم الترجيح بين انطباق القاعدة في الموردين «1»، غير تامّ؛ لأنّ الدم الأوّل ممكن بلا معارض، فتنطبق عليه القاعدة، و معه يخرج الثاني عن الإمكان، و لا وجه لعدم جريانها مع تحقّق موضوعها بلا معارض. تأمّل؛ فإنّ فيه إشكالًا ربّما يأتي التعرّض له.

و أمّا لو كان الدم الثاني بصفة الحيض، ففيه وجهان:

أحدهما: ما تقدّم و مع خروج الثاني عن الإمكان لا اعتبار بالصفات.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 249.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 179

و ثانيهما: تحكيم أدلّة الصفات على القاعدة؛ لكون الصفات أمارة، و هي قاعدة معتبرة حيث لا أمارة، و هو الأظهر. هذا بحسب القاعدة.

لكن نسب إلى الأصحاب كون الثاني استحاضة و لو كان بصفة الحيض و ما رأته أوّلًا بصفة الاستحاضة «1». و استدلّ عليه «2» مضافاً إلىٰ إطلاق الأصحاب في فتاويهم و معاقد إجماعاتهم المنقولة

بصحيحة صفوان بن يحيىٰ على الأصحّ من كون محمّد بن إسماعيل النيسابوري ثقة «3»، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: قلت له: إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم، ثمّ طهرت، فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، أ تمسك عن الصلاة؟ قال لا؛ هذه مستحاضة «4».

علىٰ تأمّل في دلالتها على الصفرة، و إن كانت أقوى؛ لأنّها دم، و مقابلتها في بعض الروايات بالدم «5» لا توجب الانصراف. و أمّا إذا تجاوز الدم عن العشرة فسيأتي الكلام فيه «6».

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3: 188 189، المبسوط 1: 42 43، المعتبر 1: 205، روض الجنان: 73/ السطر 11.

(2) جواهر الكلام

3: 189.

(3) تقدّم وجهه في الصفحة 77 78.

(4) الكافي 3: 90/ 6، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3.

(5) راجع وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 8، و: 391، أبواب النفاس، الباب 4، الحديث 1 و 3.

(6) يأتي في الصفحة 370 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 180

المسألة التاسعة في وجوب الاستبراء عند الانقطاع
مقتضى الأصل في المقام

إذا انقطع الدم في الظاهر، و احتمل بقاؤه في الباطن، مع احتمال الحيضية- بأن كان الانقطاع قبل عشرة أيّام فمقتضى الأصل عدم وجوب الاختبار و الفحص على المرأة؛ لإطلاق أدلّة الاستصحاب.

و احتمالُ وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية إذا كان رفع الشبهة سهلًا، كالنظر و الاختبار، أو كان الموضوع ممّا يترتّب عليه أمر مهمّ، مثل ترك الصلاة، أو لزم من الرجوع إلى الأصل الوقوع في مخالفة الواقع كثيراً «1»، مدفوعٌ بإطلاق الأدلّة.

بل

في صحيحة زرارة الواردة في باب الاستصحاب: قلت: فهل عليّ إن شككت في أنّه أصاب شي ء أن أنظر فيه؟ قال لا، و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك «2»

مع أنّ الشكّ كان يرفع بمجرّد النظر بسهولة.

ثمّ إنّه مع جريان الاستصحاب في المقام علىٰ ما هو التحقيق في جريانه

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 276/ السطر 12 و 35، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 301 302.

(2) علل الشرائع: 361/ 1، تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 181

في مثل الأُمور التدريجية «1» و القول بحرمة الغسل عليها ذاتاً، لا إشكال في عدم إمكان التقرّب به مع

التفاتها حكماً و موضوعاً. و أمّا لو اغتسلت عن غفلة بقصد التقرّب فصادف الطهر صحّ. كما أنّه يصحّ إن قلنا بعدم حرمته ذاتاً، فأتت به رجاءً و صادف الطهر، فالحكم بوجوب الفحص و عدم صحّة الغسل قبله مطلقاً، يحتاج إلى الدليل.

ما استدلّ به علىٰ وجوب الاستبراء و بيان أنّه طريقي

و استدلّ علىٰ وجوب الاستبراء «2» بروايات:

منها:

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة، فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل، و إن لم ترَ شيئاً فلتغتسل، و إن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضّأ «3».

و فيها احتمالات:

كاحتمال الوجوب التعبّدي الشرعي.

و احتمال الوجوب الشرطي؛ بمعنى كون الاختبار شرطاً لصحّة الغسل.

و احتمال عدم الوجوب، بل الأمر به لمجرّد الإرشاد إلىٰ حسن الاحتياط؛ لئلّا يقع غسلها لغواً و عملها باطلًا.

و احتمال الوجوب الطريقي؛ بمعنى وجوب الاختبار لأجل الاطلاع على الواقع؛

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 113 120.

(2) الحدائق الناضرة 3: 191، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 226/ السطر 21، مصباح الفقيه، الطهارة: 276/ السطر 16.

(3) الكافي 3: 80/ 2، وسائل الشيعة 2: 308، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 182

بحيث لو تركته فكان مخالفاً للواقع، عوقبت علىٰ مخالفته، لا علىٰ ترك الاختبار، و لو اغتسلت و صلّت و صادف غسلها الطهر، صحّ غسلها و صلاتها و إن كانت متجرّية في ترك التكليف الطريقي.

أقربها الأخير، و أبعدها الأوّل. و أمّا الاحتمال الثاني فبعيد أيضاً.

و القول «1» بظهور أمثال ذلك في الوضع، كقوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. «2» إلىٰ آخره، و

قولِه (عليه السّلام) لا تصلّ في وَبَر ما لا يؤكل لحمه «3»

ممّا هي ظاهرة في

الشرطية و المانعية، فوِزان

قوله إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة

وِزان قوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا .. إلىٰ آخره، فيستفاد منه الوجوب الشرطي.

غير وجيه، و القياس مع الفارق؛ ضرورة أنّ الاختبار في المقام ليس له نفسية، بل طريق إلى العلم بالواقع، و معه لا يستفاد منه شرطية نفس الاختبار؛ لعدم كونه ملحوظاً بذاته، بل هو ملحوظ لمحض إراءة الواقع، و المنظور إليه نفس الواقع، و معه لا يبقى له ظهور في الشرطية، و يتضح الفارق بينه و بين المثالين.

و أمّا الاحتمال الثالث و إن لم يكن بذلك البعد، لكن رفع اليد عن الأمر بلا حجّة غير جائز.

فالأظهر هو الوجوب الطريقي عند إرادة الغسل، لكن هذا لا يثبت وجوب الاختبار عند الانقطاع، بل يجب عند إرادة الغسل، فيمكن الاتكال على

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 276/ السطر 18.

(2) المائدة (5): 6.

(3) انظر علل الشرائع: 342/ 1، وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 183

استصحاب عدم وجوب التكاليف عليها؛ لو قلنا بسقوط الاستصحاب الموضوعي، فيحكم بعدم وجوب الغسل عليها، لكن عند إرادة الغسل يجب عليها الاختبار.

نعم، لو قلنا بسقوط الاستصحاب في المقام مطلقاً، و لزوم العمل علىٰ طبق العلم الإجمالي بالجمع بين ما على الطاهرة و ما على الحائض فلا محيص عن الغسل، و معه يجب الاختبار.

لكن يمكن أن يقال: إنّ الصحيحة دلّت على الوجوب عند الانقطاع و حضور وقت الصلاة؛ بدعوىٰ أنّ

قوله إذا أرادت الحائض أن تغتسل ..

ليس بصدد إيكال الأمر إلىٰ إرادتها، بل بصدد بيان أنّها إذا احتاجت إلى الغسل بحضور وقت العبادة المشروطة به، و

أرادته بحسب طبع التكليف.

و بعبارة أُخرى: إذا احتاجت إليه، و كان في الخروج عن التكليف لا بدّ منه، فعليها الاختبار، فوجوب الغسل و لزوم إرادته مفروض الوجود، و إنّما أوجب عليها الاختبار عنده.

و هذا و إن كان بعيداً عن ظاهر اللفظ، لكنّه غير بعيد بالنظر إلىٰ أنّ إيكال الأمر إلىٰ إرادته، أبعد منه جدّاً.

و منها: مرسلة يونس «1» و رواية شُرَحْبيل الكندي «2»، و هما مع ضعفهما

______________________________

(1) الكافي 3: 80/ 1، وسائل الشيعة 2: 309، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 2.

(2)

رواها الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عليّ بن الحسن الطاطري، عن محمّد بن أبي حمزة، عن ابن مسكان، عن شرحبيل الكندي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: كيف تعرف الطامث طهرها؟

قال: تعمد برجلها اليسرى على الحائط، و تستدخل الكرسف بيدها اليمنى، فإن كان ثمّ مثل رأس الذباب خرج على الكرسف.

الكافي 3: 80/ 3، وسائل الشيعة 2: 309، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 184

سنداً «1» لا تدلّان علىٰ وجوب الاختبار، بل ظاهرتان في كيفية معرفة المرأة بطمثها و طهرها عند الشكّ فيهما.

و مثلهما

موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: المرأة ترى الطهر، و ترى الصفرة أو الشي ء، فلا تدري أ طهرت أم لا؟

قال فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلىٰ حائط، و ترفع رجلها علىٰ حائط، كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد أن يبول، ثمّ تستدخل الكرسف، فإذا كان ثَمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج، فإن خرج دم فلم تطهر، و إن لم تخرج فقد طهرت «2».

و سؤاله و

إن احتمل فيه أمران؛ أحدهما: السؤال عن الوظيفة الشرعية، و ثانيهما: عن كيفية معرفتها بالطمث، كما في رواية الكندي، بل الاحتمال الأوّل أقربهما، لكن يظهر من الجواب أنّ مقصوده كان معرفة الطمث؛ فإنّ

قوله فإذا كان ثمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج

هو الجواب عن سؤاله، و هو مناسب للاحتمال الثاني.

و بالجملة: إنّ جوابه إنّما يكون عن أمر تكويني. إلّا أن يقال: إنّه مقدّمة

______________________________

(1) قد تقدّم وجه ضعف مرسلة يونس في الصفحة 92، و أمّا رواية الكندي فإنّها ضعيفة بسلمة بن الخطاب الضعيف و شرحبيل الكندي المجهول.

رجال النجاشي: 187/ 498، الفهرست: 79/ 324.

(2) تهذيب الأحكام 1: 161/ 462، وسائل الشيعة 2: 309، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 185

للأمر الشرعيّ و الوظيفة، و هو كما ترى، فلا تدلّ الموثّقة على المطلوب بوجه.

و منه يظهر الحال في دلالة ما عن «الفقه الرضوي» «1» مع الغضّ عن سنده «2».

فالعمدة هي صحيحة ابن مسلم مع تأيّدها بدعوى الشهرة و عدم الخلاف «3».

ثمّ لا إشكال في أنّ الوجوب الطريقي، مقدّمة لوضوح حالها لأجل العبادات؛ لأنّ الغسل ليس بواجب نفسي، فالوجوب هاهنا لأجل تحصيل الواجب الشرطي للعبادات التي هي واجبات نفسية.

هل يجب الاستبراء ثانياً و ثالثاً؟

و هل يجب الاختبار ثانياً و ثالثاً إذا اختبرت و رأت الدم، أو لا يجب إلّا دفعة واحدة؟ وجهان:

من أنّ القطع عَن الظاهر يوجب الظنّ نوعاً بالقطع عن الداخل، فيمكن أن يكون ذلك منشأ إلغاء الاستصحاب و إيجاب الفحص، و أمّا لو اختبرت و رأت الدم في الداخل فيجري الاستصحاب، فتترك العبادة اتكالًا عليه إلى العلم بالنقاء أو تجاوز العشرة.

و من أنّ الظاهر من صحيحة ابن مسلم

بالتقريب المتقدّم أنّها كلّما احتاجت إلى الغسل حسب احتياج سائر المكلّفين يجب عليها الاختبار.

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 193.

(2) لأنّ كون هذا الكتاب روايةً غير ثابت فضلًا عن اعتباره كما قاله المصنّف (قدّس سرّه) في الجزء الثالث: 481480.

(3) الحدائق الناضرة 3: 191، جواهر الكلام 3: 189، مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 257.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 186

و الفرق المذكور بين موردي الاستصحاب بعيد.

مضافاً إلى العلم الإجمالي بوجوب العبادات أو حرمةٍ ما على الحائض، كالدخول في المسجدين، و اللبث في سائر المساجد.

فمع عدم الحرمة الذاتية في العبادات، يجب عليها الإتيان بها بمقتضى العلم الإجمالي، فيجب الغسل بحكم العقل، فإذا أرادت الغسل يجب عليها الاختبار بحكم صحيحة ابن مسلم.

و إن قلنا بالحرمة الذاتية كان من قبيل الدوران بين المحذورين، فمع عدم جريان الاستصحاب، يجب الاختبار بحكم العقل لاتضاح الحال. و لا يبعد ترجيح الوجه الثاني.

حكم نسيان الاستبراء

ثمّ على القول بشرطية الاختبار للغسل، لا يصحّ بدونه و لو صادف الطهر. و هل يصحّ مع فرض وقوعه علىٰ وجه تُعْذر فيه، كنسيان الاستبراء و نحوه؟

قطع بذلك صاحب «الجواهر» «1» و فيه تأمّل و إشكال؛ لأنّه علىٰ فرض الشرطية، يكون الشرط هو واقع الاختبار من غير دخل لعذر المكلّف فيه.

نعم، لو قلنا: بأنّ الوضع ينتزع من التكليف، و لا يجوز تكليف المعذور، فلا منشأ لانتزاع الوضع، كان له وجه.

لكنّ المبنىٰ صغرى و كبرى محلّ إشكال؛ ضرورة أنّ الظاهر من مثل

قوله لا تصلّ في وَبَر ما لا يؤكل لحمه «2»

بحسب فهم العرف في أمثال المقام أنّ

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 191.

(2) تقدّم في الصفحة 182.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 187

النهي

إرشاد إلىٰ عدم تحقّق الصلاة مع الوبر، فالنهي لأجل عدم إمكان الوجود، فيستفاد منه مانعية ما لا يؤكل للصلاة مطلقاً، و كذا سائر المقامات التي تكون مثل ذلك، و منها ما نحن بصدده.

مع أنّ في عدم تعلّق التكليف بالمعذور، كلاماً و إشكالًا قد تعرّضنا له في محلّه «1». نعم في خصوص النسيان لا يبعد التمسّك بحديث الرفع؛ علىٰ ما قوّينا شموله لمثل المقام «2».

حول سقوط شرطية الاستبراء مع تعذّره

و هل يسقط الشرط علىٰ فرض الشرطية مع التعذّر، كالعمىٰ و الظلمة و ضيق المجرىٰ؟ وجهان:

من دعوى قصور الأدلّة عن قطع الاستصحاب في مثله؛ لكونها واردة في غير المعذورة، و المعذورة لها الاتكال على الاستصحاب و ترك العبادات إلى القطع بالنقاء أو تجاوز العشرة «3».

و من احتمال قطع الاستصحاب في المقام و كذا الشرطية؛ لتعذّره، فلا بدّ من الاحتياط «4».

و يمكن أن يقال: إنّ الشرطية لا تنافي التعذّر، و ورود الروايات كذلك لا ينافي انفهام الشرطية منها مطلقاً، و معها لا يصحّ غسلها إلّا بعد العلم بالنقاء أو تجاوز العشرة.

______________________________

(1) أنوار الهداية 2: 214 216، تهذيب الأُصول 2: 280 284.

(2) أنوار الهداية 2: 54 55، تهذيب الأُصول 2: 160 161.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 273.

(4) العروة الوثقى 1: 331، فصل في أحكام الحيض، المسألة 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 188

كيفية الاستبراء

ثمّ إنّه لا إشكال في عدم تعيّن كيفية خاصّة في الاستبراء؛ لإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم «1» و عدم استفادة التعيين من سائر الروايات؛ بعد اختلافِها و معلوميةِ ورودها للإرشاد إلىٰ ما هو الأسهل، و معلوميةِ عدم دخل بعض الخصوصيات، كالإدخال بيدها اليمنىٰ، فالمقصود هو حصول الاستبراء بأيّ وجه كان، إلّا أنّ الأحوط العمل عليها.

و أمّا ترجيح رفع اليسرى كما صنع الشيخ الأعظم بدعوىٰ تعدّد ما دلّ عليه و قوّة سنده «2» فغير معلوم؛ لأنّ سند ما دلّ علىٰ رفع اليمنىٰ أرجح، فإنّ مرسلة يونس أرجح من رواية الكندي و «الفقه الرضوي».

و لمّا كان الاستبراء و الفحص لا يحصل غالباً إلّا بالمكث و لو قليلًا لا يبعد لزومه، كما ورد مثله في رواية خلف بن حمّاد الواردة في اشتباه دم

العذرة بالحيض «3»، فالأحوط اعتباره لو لم يكن الأقوىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 181.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 227/ السطر 10.

(3) الكافي 3: 92/ 1، وسائل الشيعة 2: 272، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 1، و تقدّم أيضاً في الصفحة 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 189

المسألة العاشرة في صور ما بعد الاستبراء و بيان أحكامها
اشارة

المرأة إمّا مبتدئة، أو مضطربة لم تستقرّ لها عادة، أو ذات عادة. و علىٰ أيّ تقدير: إمّا أن تخرج القطنة بعد الاستبراء نقيّة، أو ملوّثة بالدم، أو بالصفرة.

و ذات العادة إمّا ذات عادة عرفية؛ بحصول العادة في أزمنة كثيرة، أو ذات عادة بحكم الشرع بالمرّتين أو ثلاث مرّات.

فهاهنا صور لا بدّ من البحث عنها:

الصورة الأُولىٰ: فيما إذا خرجت القطنة نقيّة بعد الاستبراء

إذا كانت مبتدئة أو مضطربة و خرجت القطنة نقيّة، فلا إشكال في أنّها طاهرة يجب عليها الغسل شرطاً عند وجوب مشروطه. و لا يجب عليها الاستظهار بل لا يجوز؛ لأصالة عدم حدوث الدم، و أصالة بقاء الطهر، و لأخبار الاستبراء المتقدّمة «1» و لو ظنّت العود لعدم اعتباره، و لا يرفع اليد عن الدليل به.

و قد يقال بالاستظهار مستظهراً بدليل الحرج «2» و هو كما ترى؛ لمنع الحرج.

و أمّا ذات العادة، فإن كانت لها عادة عرفية توجب الاطمئنان بنظامها و كانت عادتها انقطاع الدم و عوده، فلا إشكال في عدم الاستبراء لها و لزوم ترك العبادة؛

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 181 185.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 227/ السطر 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 190

لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك

، و النقاء المتخلّل من أيّام الأقراء.

و كذا لو كانت العادة غير موجبة للاطمئنان كالعادة الشرعية فالظاهر عدم لزوم الاستبراء و لزوم ترك العبادة، لا لما قيل من لزوم الحرج «1»؛ لما مرّ من عدم الحرج مع أنّ الحرج لا يوجب التفصيل بين الظنّ الحاصل من العادة و غيره، كما نسب إلىٰ جمع «2»، بل لحكومة مرسلة يونس الطويلة «3» علىٰ أدلّة الاستبراء، فإنّ تلك الأدلّة موضوعها «من لم تدرِ أ طهرت أم لا؟»

و المرسلة بالتقريب الذي تقدّم «4» تدلّ علىٰ أنّ العادة الحاصلة بالمرّتين، توجب الخلق المعروف و الأيّام المعلومة، و قد مرّ «5» عدم اختصاصها بمستمرّة الدم، فإذا رأت خمسة أيّام دماً و يومين نقاءً و يومين دماً في شهرين بهذا النظام، تصير تلك الأيّام عادتها و خلقها المعروف، و لا تكون ممّن لم تدرِ أ طهرت أم لا؟ بل تكون عالمة بعدم طهرها؛ لقيام الأمارة عليها، فتكون مشمولة

لقوله دعي الصلاة أيّام أقرائك

فتخرج بالمرسلة عن موضوع تلك الأدلّة.

ثمّ اعلم: أنّ ترك العبادة في هذا المورد ليس لأجل الاستظهار، بل لأجل الدليل على الحيضية، و لهذا لو قلنا باستحباب الاستظهار و جواز العبادة، لم نقل به في المقام.

و بالجملة: إنّ الاستظهار للمردّدة، و هذه ليست كذلك.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 1: 332.

(2) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 227/ السطر 17، مدارك الأحكام 1: 332، ذخيرة المعاد: 69/ السطر 28.

(3) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

(4) تقدّم في الصفحة 128 136.

(5) تقدّم في الصفحة 145 147.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 191

الصورة الثانية فيما إذا خرجت القطنة ملوّثة بالحمرة أو الصفرة

إذا رأت المبتدئة أو المضطربة حمرة بالاستبراء أي خرجت القطنة ملوّثة بالحمرة فلا إشكال في لزوم التحيّض و ترك العبادة؛ للأصل و دلالة جملة من الأخبار:

منها: أخبار الاستبراء،

ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة، فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل .. «1»

الحديث.

و

في موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فإذا كان ثمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج، فإن خرج دم فلم تطهر «2».

و منها: رواية خلف بن حمّاد «3» الواردة في اشتباه الحيض بدم العذرة، الدالّة علىٰ لزوم

ترك العبادة لمن استمرّ بها الدم إلىٰ عشرة أيّام؛ إذا خرجت القطنة مستنقعة.

و منها: روايتا محمّد بن مسلم الدالّتان علىٰ أنّه إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام، فهو من الحيضة الأُولىٰ «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 181.

(2) تقدّم في الصفحة 184.

(3) الكافي 3: 92/ 1، وسائل الشيعة 2: 272، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 1، و تقدّم أيضاً في الصفحة 32.

(4) تقدّمتا في الصفحة 95 96.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 192

و مثلهما ما ورد في باب العدد «1» علىٰ تأمّل فيها.

و منها:

ما ورد في خصوص المبتدئة أو خصوص المضطربة، كموثّقة ابن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك، تركت الصلاة عشرة أيّام، ثمّ تصلّي عشرين يوماً «2»

و قريب منها روايته الأُخرىٰ «3».

و

في موثّقة سماعة قال: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض؛ تقعد في الشهر يومين، و في الشهر ثلاثة أيّام؛ يختلف عليها، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء، قال فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة، فإذا اتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها «4».

فلا إشكال في المسألة. إنّما الإشكال فيما إذا خرجت ملوّثة بالصفرة، هل هو كالتلوّث بالحمرة؛ فتمكث إلىٰ حصول النقاء أو مضي عشرة أيّام، أو يجب عليها العبادات و عمل المستحاضة؟

مقتضى الاستصحاب هو الأوّل، كإطلاق الأدلّة المتقدّمة الواردة في الجارية البكر و غيرها و إن لم يخلُ من تأمّل؛ لاحتمال كون المراد من الدم هو غير الصفرة؛ و إن كان الأقرب شمولها لها. و مجرّد جعله في بعض الروايات في

______________________________

(1)

الكافي 6: 88/ 10، وسائل الشيعة 22: 212، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 17، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 381/ 1182، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 400/ 1251، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 5.

(4) الكافي 3: 79/ 1، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1178، وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 14، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 193

مقابلها «1»، لا يوجب صرف المطلقات عنها مع دخولها في عنوان الدم.

نعم، إذا قوبلت به يكون المراد منه صنفاً خاصّاً، و هو الأحمر.

و أمّا

صحيحة سعيد بن يسار بناءً علىٰ وثاقة الرواسي كما لا يبعد «2» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة تحيض ثمّ تطهر، و ربّما رأت بعد ذلك الشي ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها، فقال تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة، ثمّ تصلّي «3».

فهي في غير ما نحن فيه؛ لأنّ كلامنا فيمن انقطع الدم عن ظاهرها دون الباطن، و ظاهر الصحيحة هو تطهّرها و اغتسالها منه، ثمّ رؤية الدم الرقيق، و هو موضوع آخر. مع ظهورها في ذات العادة بمقتضىٰ كون مصبّ أخبار الاستظهار هو هي، و ظهور قوله بعد أيّامها فيمن لها أيّام و عادة.

و أبعد منه التمسّك «4»

بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) حيث قال و إن لم تَرَ شيئاً فلتغتسل، و إن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضّأ و لتصلّ «5».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 8، و: 391، أبواب النفاس، الباب 4، الحديث 1 و

3.

(2) الرواسي هو أبو عمرو عثمان بن عيسى الكلابي، كان شيخ الواقفة و وجهها، ثمّ تاب و رجع و هو من أصحاب الإجماع على قول.

رجال النجاشي: 300/ 817، اختيار معرفة الرجال: 597/ 1117، تنقيح المقال 2: 247 249 (أبواب العين).

(3) تهذيب الأحكام 1: 172/ 490، وسائل الشيعة 2: 302، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 8.

(4) جواهر الكلام 3: 192.

(5) الكافي 3: 80/ 2، وسائل الشيعة 2: 308، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 194

لتعليق الاغتسال علىٰ عدم رؤية شي ء.

ففيه: أنّ هذه الجملة ملحوقة

بقوله فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل

و معه لا إطلاق فيها، كما لا يخفى.

و أمّا ذيلها فلا يخالف مسألتنا، لا لما في «الجواهر» من حمله على العلم بعدم الحيضية «1»؛ لأنّه غير وجيه، و لا شاهد عليه، بل لما أشرنا إليه آنفاً: من أنّ كلامنا فيمن استمرّ دمها في الباطن، لا من انقطع دمها عن الظاهر و الباطن و صارت طاهرة، ثمّ رأت بعد اغتسالها.

نعم، هي تنافي صحيحة سعيد بن يسار، فلا بدّ من الجمع بينهما إمّا بحمل «الدم الرقيق» على الأحمر الرقيق أو حمل صحيحة ابن مسلم علىٰ ما بعد أيّام الاستظهار أو بعد عشرة أيّام و الأوّل أقرب لولا مخافة مخالفته للإجماع أو الشهرة.

كما أنّ الرجوع إلى الأوصاف و أمارية الصفرة للاستحاضة، أقرب بحسب الأدلّة فيما نحن فيه، و به يقطع الاستصحاب، و ترفع اليد عن إطلاق الروايات علىٰ فرض ثبوته لولا تلك المخافة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 192.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 195

الصورة الثالثة في حكم ما إذا رأت ذات العادة بعد أيّامها صفرة

إذا رأت ذات العادة بعد أيّامها صفرة،

فهل يجب عليها أو يستحبّ الاستظهار؛ بمقتضىٰ ما دلّ عليه «1»، أو تعمل عمل المستحاضة؛ بمقتضىٰ ما دلّ علىٰ أنّ الصفرة بعد الحيض أو بعد أيّام الحيض، ليست بحيض «2»؟

فعن «الرياض»: «أنّ تلك الأخبار مخالفة للإجماع؛ بسيطاً أو مركّباً، و لأخبار الاستظهار» «3» و لهذا حملها في «الجواهر» علىٰ ما بعد الحيض و الاستظهار «4». و هو المتجه لو كانت مخالفة للإجماع، و إلّا فالجمع العقلائي بينها و بين أدلّة الاستظهار يقتضي تحكيمها عليها؛ لأنّ موضوع أدلّة الاستظهار هو من لم تعلم أنّ الدم حيض أو لا، و لهذا عبّر

في بعضها: بأنّها تحتاط «5»

بل نفس «الاستظهار» يدلّ علىٰ ذلك.

بل المورد مورد الشبهة و التحيّر؛ لأنّ الدم إذا انقطع على العشرة، يكون جميعه حيضاً بمقتضى الأدلّة، و إذا تجاوز عنها تكون أيّام العادة كذلك، فتكون شاكّة في حيضية ما تجاوز عن العادة؛ لأجل الشكّ في تجاوزه عن العشرة،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

(2) وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4.

(3) رياض المسائل 1: 368.

(4) جواهر الكلام 3: 193.

(5) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 302، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 196

و الأخبار الدالّة علىٰ أنّ الصفرة بعد أيّام العادة ليست بحيض، حاكمة علىٰ أدلّة الاستظهار و نافية لموضوعها؛ سواء كان بينها و بين أدلّة الاستظهار عموم مطلق و ذلك إذا حملت تلك الأخبار علىٰ من استمرّ بها الدم، كما احتمله أو قرّبه الشيخ الأعظم «1» أو عموم من وجه؛ بناءً علىٰ إطلاقها كما هو الأقرب.

هذا إذا حملنا

موثّقة أبي بصير، عن أبي

عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة ترى الصفرة، فقال إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و إن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض «2»

علىٰ ما حدث بعد الأيّام، كما لا يبعد بلحاظ قوله: «ترى الصفرة».

و إلّا فالوجه حمل مطلقات تلك الأخبار عليها فيمن استمرّ بها الدم؛ أي تجاوز عن عادتها، فحينئذٍ يمكن القول: بأنّ المراد من

قوله و إن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض

هو أيّام الاستظهار، فتكون مطابقة

لما دلّ علىٰ أنّه إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام، استظهرت بيوم أو يومين ثمّ هي مستحاضة «3»

فيحمل عدم الحيضية على التكليف الظاهري بكونها مستحاضة، لا علىٰ عدم الحيضية الواقعية.

و هذا الوجه أقرب إلىٰ جمع الأخبار و كلمات الأصحاب؛ و إن لم يخلُ من إشكال.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 200/ السطر الأخير.

(2) الكافي 3: 78/ 2، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1231، وسائل الشيعة 2: 279، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 2.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 197

الصورة الرابعة في حكم ذات العادة مع تلوّث القطنة بعد أيّامها
اشارة

إذا خرجت القطنة بعد أيّام عادتها ملوّثة بالدم، بل بالصفرة بناءً علىٰ ما تقدّم آنفاً ففيه جهات من البحث.

مقتضى القاعدة في المقام

و قبل الورود فيها لا بأس بذكر ما تقتضي القاعدة:

فنقول: لو قلنا بجريان الاستصحاب في المقام، فالظاهر جريان استصحاب استمرار الدم إلىٰ ما بعد العشرة، فيترتّب عليه كون العادة أيّامها، و لا سنّة لها غيرها.

و لو قلنا بعدم جريانه إمّا لعدم الجريان في التدريجيات، أو لقطع الاستصحاب في المقام فمقتضى القاعدة الجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة؛ للعلم الإجمالي بكونها حائضاً أو مستحاضة. هذا إذا قلنا بالحرمة التشريعية في العبادات.

و ما قيل: «من أنّه لا يجب عليها للأصل؛ لأنّ الشكّ بالنسبة إليها مرجعه إلى الشكّ في أصل التكليف، و المرجع فيه البراءة» «1» في غير محلّه بعد العلم الإجمالي.

و أمّا إن قلنا بالحرمة الذاتية ففي العبادات يدور الأمر بين المحذورين،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 277/ السطر 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 198

فتتخيّر مع عدم الترجيح محتملًا و احتمالًا، و إلّا فتأخذ بأرجحهما.

و أمّا بالنسبة إلىٰ محرّمات الحائض كمسّ الكتابة و غيره فقد يقال بلزوم تركها؛ لكونها طرفاً للعلم الإجمالي؛ و إن كان أحد الطرفين من قبيل الدوران بين المحذورين.

لكنّ الظاهر عدم لزومه؛ لأنّ العلم ليس منجّزاً بالنسبة إلىٰ أحد الطرفين؛ أي العبادات التي دار أمرها بين المحذورين، و معه يكون الآخر في حكم الشبهة البدوية؛ لأنّ من شروط تنجيز العلم تعلّقه بتكليف منجّز به علىٰ كلّ تقدير.

ثمّ إنّ التخيير العقلي في المقام استمراري لا بدوي، فهي مخيّرة في كلّ واقعة في الأخذ بأيّ طرف شاءت، إلّا أن يلزم منه محذور، كحصول العلم التفصيلي ببطلان عملها في بعض الصور، كما لو تركت

الظهر و أتت بالعصر، فتعلم تفصيلًا ببطلانها؛ لفقد الترتيب أو الطهور.

الجهة الاولىٰ: في مصبّ أخبار الاستظهار و موردها

لا إشكال في أنّ مصبّ أخبار الاستظهار «1» هو الامرأة المتحيّرة؛ أي التي تتحيّر في أنّها حائض أو مستحاضة، و منشأ هذا الشكّ هو الشكّ في تجاوز دمها عن العشرة حتّى لا تكون لها سنّة إلّا أيّامها، كما سيأتي «2» و عدمه حتّى يكون المجموع حيضاً كما مرّ «3» و ذلك لظهور عنوان «الاستظهار» و «الاحتياط» في ذلك، و أخبار الباب تدور علىٰ هذين العنوانين، فمن علمت أو اطمأنّت بعدم تجاوز

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

(2) يأتي في الصفحة 212.

(3) تقدّم في الصفحة 195.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 199

دمها عن العشرة أو تجاوزه، فهي خارجة عن مصبّها، فمثل المرأة التي يستمرّ بها الدم شهوراً أو أقلّ خارجة عن مصبّها، كما يظهر بالتأمّل فيها؛ فإنّه مضافاً إلى اقتضاء العنوانين ذلك قد وردت الروايات في موردين:

أحدهما: و هو ما ورد فيه غالب الروايات حتّى أنّ غيره بالنسبة إليه قليل و هو من رأت الدم وقت حيضها أو قبله و جاز أيّامها، و ممّا ورد في ذلك موثّقتا سَماعة «1» و رواية إسحاق بن جرير «2» و مرسلة داود مولى أبي المغراء، و صحيحتا سعيد بن يسار و ابن أبي نصر و رواية محمّد بن عمرو و عبد اللّٰه بن المغيرة و يونس بن يعقوب و زرارة و محمّد بن مسلم «3» و ما وردت في النفساء، كصحيحة زرارة و رواية يونس و مالك بن أعين و زرارة و يونس بن يعقوب و أبي بصير و غيرها «4».

و هذه الطائفة لا إشكال فيها من حيث كون

مصبّها ما ذكرنا.

و ثانيهما: ما وردت في المستحاضة،

كرواية إسماعيل الجُعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال المستحاضة تقعد أيّام قرئها، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين، فإن هي رأت طهراً اغتسلت «5».

و

رواية زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال يجب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1 و 6.

(2) وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 2: 301، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 4 و 8 13 و 15.

(4) وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 2 5، و: 381، الباب 1، الحديث 1، و: 386، الباب 3، الحديث 20 و 11.

(5) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 200

للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها، فتقتدي بأقرائها، ثمّ تستظهر علىٰ ذلك بيوم «1».

و

رواية أُخرى لزرارة، عنه (عليه السّلام) قال المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين «2».

و

رواية فضيل و زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها، و تحتاط بيوم أو اثنين، ثمّ تغتسل .. «3»

إلىٰ آخره.

و

رواية عبد الرحمن، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المستحاضة، أ يطؤها زوجها، و هل تطوف بالبيت؟ قال تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به، و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل .. «4» إلىٰ آخره.

و المستحاضة و إن كانت أعمّ ممّن يستمرّ بها الدم شهراً أو أزيد، و ممّن تجاوز دمها عن

أيّام عادتها، لكن لا بدّ من حملها في تلك الروايات على الثانية؛ بقرينة قوله تستظهر و تحتاط فإنّ العنوانين لا ينطبقان إلّا عليها، و أمّا من استمرّ بها الدم فلا يكون لها احتياط؛ لكون عادتها هي الحيض، و الزائدِ عليها استحاضةً، كما صرّح به في المرسلة الطويلة «5» من غير ريب و شائبة إشكال.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 401/ 1252، وسائل الشيعة 2: 302، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1256، وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 401/ 1253، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 12.

(4) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

(5) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 201

و دعوى الشيخ الأعظم ظهور بعض فقرأتها في غير مستمرّة الدم «1»، غير وجيهة، كما يظهر للمتأمّل.

و ما ذكرنا هو الظاهر من روايات أُخر، كصحيحة معاوية بن عمّار و الحلبي و عبد اللّٰه بن سنان و غيرها «2».

فلا إشكال في هذا الحمل في الروايات سوىٰ موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه حيث فصّل فيها بين استقامة القروء و غيرها.

و الظاهر كون المراد فيها مستمرّة الدم، و هي لا تنافي الروايات؛ لأنّ صدرها موافق لمرسلة يونس و ما هو بمضمونها، و ذيلها فرض آخر غير المفروض في سائر الروايات.

و لا بأس بالحكم بالاحتياط في مستمرّة الدم مع الخلاف في عادتها، كما تدلّ عليه الرواية.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ مستمرّة الدم لا سنّة لها إلّا أيّامها إذا كانت لها أيّام

معلومة غير مختلفة، و مع الاختلاف تحتاط بيوم أو يومين، كما في موثّقة البصري و أنّ الحائض و النفساء إذا جاوز دمهما عن عادتهما شرع في حقّهما الاستظهار.

و يشهد للجمع موثّقة إسحاق بن جرير؛ حيث فصّل فيها بين من تحيض و جازت أيّام حيضها، فأمرها بالاستظهار، و بين من استمرّ بها الشهر و الشهرين و الثلاثة، فأمرها بالجلوس أيّام حيضها، ثمّ الاغتسال للصلاة.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 229/ السطر 11.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1 و 2 و 4 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 202

الجهة الثانية: في اختلاف أخبار الاستظهار
اشارة

قد اختلفت الروايات في هذه المسألة غاية الاختلاف، و هي على اختلافها علىٰ طوائف:

منها: ما هي ظاهرة في مستمرّة الدم، كالمرسلة و أشباهها ممّا قد مرّ الكلام فيها.

و منها: ما هي ظاهرة أو صريحة في غير المستمرّة، و قد حكم فيها بالاستظهار إمّا مطلقاً أو بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام .. إلىٰ غير ذلك «1».

و منها: ما هي محمولة على الثانية؛ لبعض القرائن الداخلية و الخارجية، و هي

الروايات الواردة في أنّ المستحاضة تستظهر «2»

كما مرّ الكلام فيها.

و منها: ما وردت في غير مستمرّة الدم، و أُمر فيها بالاغتسال و الصلاة بعد عادتها،

كصحيحة زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي كانت تمكث فيها، ثمّ تغتسل، و تعمل كما تعمل المستحاضة «3».

و

كحسنة «4» عبد الرحمن بن أعين قال: قلت له: إنّ امرأة عبد الملك

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 302، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 5 و 14.

(3) الكافي

3: 97/ 1، تهذيب الأحكام 1: 173/ 495، وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 1.

(4) رواها الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّٰه بن بكير، عن عبد الرحمن بن أعين.

عبد الرحمن بن أعين إمامي ممدوح، و عبد اللّٰه بن بكير فطحي ثقة، و بقيّة رجال السند لا كلام فيهم، فحينئذٍ يتصف السند بالحسن، كما عبّر به هنا بناءً على كون الموثّق أقوى من الحسن، و يتصف بالموثّق كما عبّر به في الصفحة 206 بناءً على كون الحسن أقوى من الموثّق.

راجع تنقيح المقال 2: 140/ السطر 22 (أبواب العين) و 171/ السطر 3 (أبواب العين).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 203

ولدت، فعدّ لها أيّام حيضها، ثمّ أمرها فاغتسلت و احتشت، و أمرها أن تلبس ثوبين نظيفين، و أمرها بالصلاة، فقالت له: لا تطيب نفسي أن أدخل المسجد، فدعني أقوم خارجاً عنه و أسجد فيه، فقال قد أمر بذا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال فانقطع الدم عن المرأة و رأت الطهر، و أمر عليّ (عليه السّلام) بهذا قبلكم، فانقطع الدم عن المرأة و رأت الطهر، فما فعلت صاحبتكم؟ قلت: ما أدري «1».

حيث تدلّ علىٰ أنّه أمرها بعد عادتها و عدول الدم عنها بالاغتسال و الصلاة، فقال له: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أمير المؤمنين (عليه السّلام) أمرا بذلك.

و

كمرسلة داود مولى أبي المغراء، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: المرأة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام؛ حيضها دائم مستقيم، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام، ثمّ

ينقطع عنها الدم، و ترى البياض؛ لا صفرةً و لا دماً، قال تغتسل و تصلّي.

قلت: تغتسل و تصلّي و تصوم، ثمّ يعود الدم، قال إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة و الصيام.

قلت: فإنّها ترى الدم يوماً و تطهر يوماً، قال فقال إذا رأت الدم أمسكت،

______________________________

(1) الكافي 3: 98/ 2، وسائل الشيعة 2: 385، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 204

و إذا رأت الطهر صلّت، فإذا مضت أيّام حيضها و استمرّ بها الطهر صلّت، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة، قد انتظمت لك أمرها كلّه «1».

و كصحيحة الصحّاف «2» علىٰ بعض الوجوه و الاحتمالات.

و اختلاف هذه الأخبار صار سبباً لاختلاف الأنظار في الجمع بينها في موضوع الاستظهار و الاقتصار، و في حكم الاستظهار و مقداره، و قد مرّ في الجهة الاولىٰ: أنّ مصبّ أخبار الاستظهار هو ذات العادة التي تجاوز دمها عن عادتها، و صارت متحيّرة لأجله، و أنّ مصبّ طائفة من روايات الاقتصار هو مستمرّة الدم، فموضوع كلٍّ غيرُ الآخر، و لا اختلاف في الأخبار من هذه الجهة.

و أمّا الروايات الواردة في استظهار المستحاضة، فهي ظاهرة في الطائفة الأُولى- أي من تجاوز دمها عن عادتها بمقتضىٰ عنوان «الاستظهار» و مقتضى

رواية الجُعفي، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال المستحاضة تقعد أيّام قرئها، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين، فإذا هي رأت طهراً اغتسلت، و إن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت و احتشت «3».

أو محمولة عليها بمقتضىٰ مرسلة يونس التي نصّت علىٰ أنّ مستمرّة الدم إذا كانت لها عادة، لا وقت لها و لا سنّة إلّا أيّامها، و هي علىٰ أيّامها.

______________________________

(1) الكافي 3: 90/ 7، وسائل الشيعة

2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 284، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 5، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 205

تعارض روايات الاستظهار مع أدلّة الاقتصار و بيان وجه الجمع بينها

و أمّا الروايات الواردة في الاقتصار، فما هي ظاهرة في مستمرّة الدم- كمرسلة يونس و صحيحة معاوية و الحلبي و عبد اللّٰه بن سنان «1» فلا إشكال فيها، و ما هي مطلقة يحفظ ظهورها في الوجوب بالنسبة إلىٰ مستمرّة الدم، و يرفع اليد عن وجوب الاقتصار بالنسبة إلىٰ ذات العادة التي جازت أيّامها، فتصير كالطائفة التي دلّت على الاقتصار في ذات العادة التي جازت أيّامها، فحينئذٍ يقع التعارض ظاهراً بين روايات الاستظهار و هذه الطائفة من أدلّة الاقتصار ممّا تكون ظاهرة في ذات العادة التي جازت أيّامها بالإطلاق أو بالورود في هذا المورد، كصحيحة زرارة فلا بدّ من الجمع بينهما.

و الأقرب في النظر حمل جميع الروايات على الإرشاد إلىٰ حكم العقل، و قد مرّ «2» أنّ العقل في المقام يحكم بالتخيير ما دام لم يتضح حالها، و دار الأمر بين المحذورين؛ بناءً علىٰ حرمة العبادات ذاتاً كما هو الأقوىٰ، و سيأتي الكلام فيه «3» فإذا حكم العقل بعد مضيّ أيّام العادة و تحيّر المرأة بين انقطاع الدم على العشرة و عدمه بتخييرها بين الفعل و الترك، لم يبقَ ظهور في الروايات في إعمال التعبّد، فلا يفهم منها إلّا ما هو حكم العقل.

و توهّم دلالة هذه الأخبار الكثيرة علىٰ وجوب الاستظهار بيوم واحد؛ فإنّ الاستظهار بالأقلّ هو القدر المتيقّن الثابت بجميع الروايات، فلا

بدّ من الأخذ به

______________________________

(1) تقدّم تخريجها في الصفحة 200 201.

(2) تقدّم في الصفحة 198.

(3) يأتي في الصفحة 207.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 206

و حمل سائر المراتب على التخيير أو الاستحباب.

مدفوع بما دلّ على الاقتصار على اليوم الأوّل في الموضوع الذي دلّت الروايات فيه على الاستظهار، كصحيحة زرارة و موثّقة عبد الرحمن بن أعين و غيرهما و معها لا بدّ من رفع اليد عن ظهور الروايات في الوجوب لو سلّم ظهورها.

مع أنّه غير مسلّم أوّلًا: لما مرّ من ورودها في مورد حكم العقل، و في مثله لا يسلّم الظهور في التعبّد.

و ثانياً: مع هذا الاختلاف الفاحش فيها، لا يبقى ظهور لها في الوجوب، فضلًا عن التعييني، فضلًا عنه في اليوم الواحد.

لا يقال: لا يمكن رفع اليد عن الأوامر الكثيرة الواردة في الاستظهار و الاحتياط. و لو سلّم عدم بقاء ظهورها في الوجوب، فلا محيص عن الحكم بالرجحان، لا رجحان نفس الاستظهار و الاحتياط، بل يفهم منها ترجيح الشارع جانب الحرمة علىٰ جانب الوجوب، فالرجحان بهذا المعنىٰ ممّا لا مناص عنه.

فإنّه يقال: هذا صحيح لو كانت أخبار الاستظهار خالية عن المعارض، لكنّ الأمر ليس كذلك؛ فإنّه في كلّ مورد من اليوم الأوّل إلى العاشر ممّا وردت رواية أو روايات في الأمر بالاستظهار وردت رواية أو روايات أُخر في الأمر بالاغتسال و الصلاة و عمل الاستحاضة:

ففي اليوم الأوّل أي بعد مضيّ أيّام العادة كما وردت روايات بالاستظهار، وردت روايات بالاغتسال و الصلاة و عمل المستحاضة، كما مرّ.

و في اليوم الثاني أيضاً وردت روايات بالاستظهار، مثل ما دلّ عليه بيوم أو يومين، و وردت روايات علىٰ أنّها مستحاضة، و هي روايات الاقتصار، و

الروايات التي دلّت علىٰ لزوم الاستظهار بيوم واحد، ثمّ الحكم بأنّها مستحاضة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 207

و في اليوم الثالث دلّت الطوائف الثلاث علىٰ كونها مستحاضة، و طائفة اخرىٰ علىٰ لزوم الاستظهار .. و هكذا.

ففي كلّ مورد تعارضت الروايات، فلا يبقى مجال للحمل على الرجحان في جانب منها.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 207

رجحان الحمل على الإرشاد العقلي علىٰ ما ذكره المحقّقون

و لا يخفىٰ على المتأمّل في جميع الروايات مع التوجّه إلىٰ حكم العقل، و تخالف الروايات هذا التخالف الفاحش أنّ ما ذكرنا أولىٰ ممّا ذكره المحقِّقون:

كالحمل على الوجوب التخييري «1» فإنّه مع الإشكال في أصل التخيير كذلك، يرد عليه: أنّ الروايات كما عرفت متعارضة في كلّ يوم يوم، فكما ورد الأمر بالاستظهار يوماً أو يومين أو ثلاثة إلىٰ عشرة كذلك وردت الروايات الآمرة بعمل الاستحاضة في كلّ يوم إلى العاشر فلا بدّ من حمل هذه الطائفة أيضاً على الوجوب التخييري، فتتخيّر بعد العادة بين الاستظهار بيوم أو يومين إلى العاشر؛ بمقتضىٰ أدلّة الاستظهار علىٰ ما تقدّم و تتخيّر في عمل الاستحاضة بين يوم أو يومين إلى العاشر، و هل هذا إلّا حكم العقل بالتخيير؟! نعم، لو قلنا: بأنّ حكم العقل بالتخيير إنّما هو تساوي الاحتمالين، و أمّا مع كون أحد احتمالي الحيض و الاستحاضة أقوى، يتعيّن الأخذ بالأقوىٰ، و قلنا بإطلاق الروايات بالنسبة إلىٰ قوّة الاحتمال و عدمها، كان لحمل الروايات على التخيير إلى اليوم العاشر وجه، و عليه كان التخيير شرعياً لا عقلياً.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3:

199، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 230/ السطر 22، أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 41.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 208

و توهّم عدم جواز التخيير بين فعل الواجب و تركه لا إلىٰ بدل «1»، فاسد لأنّ العبادات في أيّام الحيض حرام ذاتي، فيكون التخيير بين الحرام و الواجب، و من قبيل الدوران بين المحذورين؛ و إن كان الموضوع في الأخبار أعمّ من الموضوع العقلي.

و كالحمل على الاستحباب «2» و هو أسوأ من الأوّل؛ لعدم رجحان في حمل أخبار الاستظهار على الاستحباب، دون الأخبار الآمرة بالاغتسال و عمل الاستحاضة.

و أبعد منهما ما صنعه صاحب «الجواهر» و الشيخ الأعظم من حمل الروايات على التنويع:

تارة: بحمل ما دلّ على استظهار يوم علىٰ من كانت عادتها تسعة أيّام، و ما دلّ علىٰ يومين علىٰ من كانت عادتها ثمانية .. و هكذا.

و أُخرى: بحمل ما دلّ علىٰ يوم علىٰ من تظهر حالها بيوم، و ما دلّ علىٰ يومين علىٰ من تظهر حالها بعد يومين .. و هكذا «3».

و لعمري، إنّ الطرح أولىٰ من مثل هذا الحمل الغريب البعيد عن الأذهان، المستحيل ورود مثله من متكلّم يريد إفهام الحكم! و أغرب منه ما أيّد به صاحب «الجواهر»: «من أنّ كلام المعصومين ككلام واحد من متكلّم واحد» «4» و هو كما ترى لا يمكن الالتزام به، و لا معنىٰ له. مع أنّه مستلزم لمفاسد يختلّ بها الفقه. علىٰ أنّه لا يصلح الحمل المذكور أيضاً.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 200.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 278، جامع المقاصد 1: 332، رياض المسائل 1: 372.

(3) جواهر الكلام 3: 199 200، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 230/ السطر 16.

(4) جواهر الكلام 3: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)،

ج 1، ص: 209

كما أنّ الاستدلال بالاستصحاب و قاعدة الإمكان و ما دلّ علىٰ أنّ ما رأت المرأة قبل عشرة أيّام من الحيضة الأُولىٰ «1»، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ الاستصحاب قد انقطع بالروايات، و كذا قاعدة الإمكان، و الروايات الأخيرة لا بدّ و أن يكون موضوعها غير موضوع هذه الروايات، و إلّا فمع فرض الاستصحاب و القاعدة و الروايات المذكورة، لا يبقى مجال للاحتياط و الاستظهار، كما هو واضح.

ثمّ إنّ موضوع الاستظهار كما قلنا هو المرأة المتحيّرة لأجل الشكّ في قطع الدم على العشرة و عدمه «2»، فمع فرض العلم أو الاطمئنان بأحد الطرفين، تخرج عن موضوع الاستظهار.

و هذا لا ينافي ما تقدّم منّا آنفاً من الإشكال علىٰ ما صنعه المحقّقان صاحب «الجواهر» و الشيخ الأعظم.

و بما ذكرنا ظهر ما هو الحقّ في الجهة الثالثة؛ و هي مقدار الاستظهار، و هو تابع لبقاء موضوعه.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 198، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 230/ السطر 30.

(2) تقدّم في الصفحة 198.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 210

تتميم في حكم انقطاع الدم على العشرة و تجاوزه
اشارة

لو انقطع الدم على العشرة، فهل المجموع حيض، أو أيّام العادة، أو هي مع أيّام الاستظهار دون ما بعدها؟

و هذه المسألة غير ما سبقت من الرؤية ثلاثة أيّام مثلًا و انقطاع الدم، ثمّ الرؤية ثانياً و الانقطاع قبل عشرة أيّام؛ و إن اشتركتا في بعض الأدلّة.

حيضية جميع الأيّام فيما لو انقطع على العشرة

و كيف كان: فالأقوىٰ كون الجميع حيضاً، كما هو المشهور علىٰ ما في طهارة شيخنا الأعظم «1»، بل نسب إلى الأصحاب «2»، بل ادعي الإجماع عليه، كما عن «الخلاف» «3» و «المعتبر» «4» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» و «النهاية» «5».

و يدلّ عليه بعد ذلك ما دلّ علىٰ حيضية الجميع في المسألة المتقدّمة المشار إليها آنفاً،

كروايتي محمّد بن مسلم: أنّ مارأت المرأة .. قبل عشرة أيّام

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 231/ السطر 2.

(2) الحدائق الناضرة 3: 223، مفتاح الكرامة 1: 382/ السطر 17.

(3) الخلاف 1: 243.

(4) المعتبر 1: 203.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 294، منتهى المطلب 1: 106/ السطر 15 و 18، نهاية الإحكام 1: 134.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 211

فهو من الحيضة الأُولى «1»

علىٰ تأمّل فيه، و قاعدة الإمكان، في خصوص مثل المسألة. مضافاً إلى الاستصحاب تأمّل و أخبار الاستبراء الدالّة علىٰ أنّ القطنة إذا خرجت ملوّثة، لم تطهر «2».

و ليس في مقابلها إلّا توهّم دلالة أدلّة الاستظهار علىٰ أنّ ما بعد أيّامه استحاضة «3».

و هو كما ترى؛ ضرورة أنّ هذه الروايات «4» بنفسها، تدلّ علىٰ أنّ الحكم بالاستحاضة ظاهري لا واقعي؛ فإنّ جملة منها تدلّ علىٰ أنّها في اليوم الثاني بعد الاستظهار مستحاضة و جملة منها تدلّ علىٰ أنّها في اليوم الثاني مستظهِرة و كذا في اليوم الثالث تدلّ جملة علىٰ أنّها مستحاضة و جملة

على الترخيص في الاستظهار و معه كيف يمكن القول بالاستحاضة الواقعية؟! إلّا أن يقال بالتنويع و قد مرّ تضعيفه «5».

هذا مضافاً إلىٰ ما ورد من أنّها تعمل كما تعمل المستحاضة، كموثّقة سماعة «6» و رواية يعقوب الأحمر عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في النفساء «7».

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 95 96.

(2) وسائل الشيعة 2: 308، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17.

(3) الحدائق الناضرة 3: 223 224.

(4) وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

(5) تقدّم في الصفحة 208.

(6) الكافي 3: 77/ 2، تهذيب الأحكام 1: 158 159/ 453، وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1.

(7) تهذيب الأحكام 1: 403/ 1262، وسائل الشيعة 2: 389، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 212

و أوضح منهما

رواية حُمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السّلام) ففيها: قلت: فما حدّ النفساء؟

قال تقعد أيّامها التي كانت تطمث فيهنّ أيّام قرئها، فإن هي طهرت، و إلّا استظهرت بيومين أو ثلاثة أيّام، ثمّ اغتسلت و احتشت، فإن كان انقطع الدم فقد طهرت، و إن لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة «1».

فيحمل ما دلّت علىٰ أنّها مستحاضة، علىٰ أنّها بمنزلة المستحاضة و تصنع كما تصنع المستحاضة، و كذا يحمل علىٰ ذلك ما دلّت علىٰ أنّ الصفرة بعد أيّام الحيض بيومين، ليس من الحيض، كما سبقت الإشارة إليه «2».

حيضية خصوص أيّام العادة مع تجاوز الدم عن العشرة

و كيف كان: فلا إشكال في هذه المسألة، و لأجل ذلك يرفع الشكّ عن مسألة أُخرى: و هي كون أيّام العادة حيضاً دون غيرها إذا تجاوز الدم عن العشرة؛ ضرورة أنّه لو كان جميع

العشرة حيضاً سواء انقطع الدم عليها، أو تجاوز عنها لم يبقَ للمرأة شكّ في حيضية ما بعد العادة، و وقع جميع أخبار الاستظهار و الاحتياط بلا مورد، و لزم منه الحكم بالعبادة و عمل الاستحاضة في زمان الحيض المعلوم، و هو واضح الفساد، و سيأتي في الاستحاضة تحقيق المقام «3».

______________________________

(1) منتقى الجمان 1: 235، وسائل الشيعة 2: 386، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 11.

(2) تقدّم في الصفحة 195 196.

(3) يأتي في الصفحة 403، 406، 407.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 213

لزوم قضاء الصوم مع انقطاع الدم على العشرة

ثمّ إنّه إذا انقطع على العشرة، هل يجب قضاء ما صامت بعد أيّام العادة؛ لتبيّن فساده، أو الأمر بالصيام موجب للإجزاء لو قلنا: بأنّ التخييرَ شرعي، و الحكمَ بالاستحاضة و عملَ ما تعمله المستحاضة تعبّدي ظاهري؛ فإنّ الأمر الظاهري بالصيام، موجب للإجزاء و إلغاء اعتبار الطهارة من الحيض في الصيام؟

و لو لا كون العبادة في أيّام الحيض محرّمة ذاتية عليها، لم يكن الحكم بالإجزاء بعيداً، كما رجّحنا في أمثال المقام «1» لكن مع كونها محرّمة ذاتية، و كون الأمر بالاستحاضة لأجل الدوران بين ترك الواجب و فعل الحرام كالدوران بين المحذورين عقلًا، لا مجال للإجزاء، ففي مثله لا يستفاد من الأمر بالصيام إلغاء اعتبار الطهور أو إلغاء مانعية الحيض.

هذا مضافاً إلى الإشكال في أصل المبنىٰ؛ أي كون التخيير شرعياً، فعليها قضاء ما فعلته، كما ادعي عدم الخلاف «2» بل الإجماع عليه «3».

صحّة صيام ما بعد العادة مع تجاوز العشرة

و أمّا مع تجاوز الدم و كشف كون جميع ما بعد العادة استحاضة، فلا إشكال في صحّة ما فعلت بعد أيّام الاستظهار، و كذا قضاء ما تركت في أيّامه.

و دعوىٰ عدم وجوب القضاء؛ لعدم وجوب الأداء، و كون القضاء تابعاً له،

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 317 322، الاجتهاد و التقليد، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 138 143.

(2) مفتاح الكرامة 1: 382/ السطر 17، جواهر الكلام 3: 202.

(3) انظر تذكرة الفقهاء 1: 305، رياض المسائل 1: 375، جواهر الكلام 3: 202.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 214

بل كون الأداء حراماً علىٰ فرض وجوب الاستظهار، كما ترى؛ ضرورة أنّ المستفاد من الأخبار أنّ الاستظهار و الاحتياط بترك العبادة كعمل المستحاضة حكم ظاهري، كحكم العقل بالتخيير في الدوران بين المحذورين، فيكون الحكم الواقعي محفوظاً،

فيجب قضاء ما تركت لدى انكشاف الخلاف.

كما أنّ دعوى استفادة عدم القضاء من الأخبار الكثيرة الساكتة عنه، في غير محلّها؛ ضرورة أنّ الأخبار تكون في مقام بيان حكم آخر، كدعوىٰ فهم إلحاق أيّام الاستظهار بالحيض حكماً في جميع الآثار.

و كيف كان: فلا إشكال في الحكم، كما هو المشهور نقلًا و تحصيلًا، بل لعلّه لا خلاف فيه سوىٰ ما عسىٰ أن يظهر من المنقول عن العلّامة «1» كما في «الجواهر» «2».

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 123.

(2) جواهر الكلام 3: 204.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 215

المطلب الرابع في بعض مهمّات أحكام الحيض و الحائض

اشارة

و لمّا كان كثير من أحكامهما واضح المأخذ، اقتصرنا على المهمّ منها. و هو أُمور:

الأمر الأوّل: حرمة الوطء
اشارة

لا إشكال في حرمة وطئها في القبل حتّى تطهر كتاباً «1» و سنّة «2» و إجماعاً «3» بل في «المدارك»: «أجمع علماء الإسلام علىٰ تحريم وطء الحائض قبلًا. بل صرّح جمع من الأصحاب «4» بكفر مستحلّه ما لم يدّعِ شبهة محتملة لإنكاره ما

______________________________

(1) لقوله تعالىٰ وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ .. البقرة (2): 222.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 317 323، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 24 و 25.

(3) المعتبر 1: 224، تذكرة الفقهاء 1: 264، مجمع الفائدة و البرهان 1: 151، جواهر الكلام 3: 225.

(4) جامع المقاصد 1: 320، روض الجنان: 76/ السطر 29، مجمع الفائدة و البرهان 1: 151 152.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 216

علم من الدين ضرورة. و لا ريب في فسق الواطئ بذلك، و وجوب تعزيره بما يراه الحاكم مع علمه بالحيض و حكمه» «1» انتهى.

أقول: أمّا كون حرمة الوطء من ضروريات الإسلام، ففي محلّ المنع؛ فإنّ معنىٰ كون الشي ء ضرورياً في الإسلام: أن يكون واضحاً لدى قاطبة المسلمين، كما أنّ كون الشي ء ضرورياً عقلًا: أنّه واضح لا يحتاج إلى الدليل لدى العقول، ككون الواحد نصف الاثنين، و كون الكلّ أعظم من جزئه.

و أمّا كون شي ء ضرورياً واضحاً لقيام الأدلّة الواضحة عليه لدى طائفة خاصّة دون اخرىٰ فلا يوجب ضروريته؛ لا في الأُمور العقلية، و لا في الأُمور الشرعية؛ فإنّ كثيراً من الأحكام الشرعية ضرورية واضحة لدى الفقهاء، أو صارت ضرورية لدى المتعبّدين، أو في بلدة غلب فيها العلماء، مع

أنّها ليست ضرورية واضحة عند جميع المسلمين، كمطهّرية المطر و الشمس، و ما نحن فيه من هذا القبيل.

ثمّ إنّ إنكار الضروري لا يكون بنفسه موجباً للكفر، بل إنّما يوجبه إذا كان مستلزماً لإنكار الأُلوهية أو التوحيد أو النبوّة، كما حقّق في محلّه «2».

و أمّا فسق الواطئ، فمبتنٍ علىٰ أن يكون الفسق عبارة عن مطلق الخروج عن طاعة اللّٰه. و أمّا لو قلنا: بأنّه عبارة عن ارتكاب الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة فلا؛ لعدم ثبوت كون الوطء حال الحيض كبيرة، و تحقيق المسألة موكول إلى محلّه.

ثمّ لا إشكال في الحرمة ظاهراً مع قيام أمارة على الحيضية، ككون الدم في أيّام العادة، أو متّصفاً بالصفات في مورد أماريتها.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 1: 350.

(2) يأتي في الجزء الثالث: 442.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 217

كما أنّه لو تمّت قاعدة الإمكان وجب ترتيب أحكام الحيضية؛ للتعبّد بوجود الحيض مع إمكان كون الدم حيضاً إن قلنا: بأنّ التعبّد بحيضية الدم، مستلزم عرفاً للتعبّد بحائضية المرأة.

كما أنّ الظاهر أنّ ما اختارت المتحيّرة من أيّام الشهر للحيض، يترتّب عليه أحكام الحيض، لا لكون اختيارها طريقاً تعبّدياً شرعاً للحيضية؛ ضرورة أنّه ليست لاختيارها طريقية عقلائيّة أمضاها الشارع، و لا دلّ دليل علىٰ طريقيته التعبّدية.

بل لظهور قوله

في المرسلة تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّٰه سبعة أيّام .. «1»

في أنّ اختيارها موجب للزوم ترتّب جميع أحكام الحيض على المختار، فتجب معاملة الحيضية مع ما اختارته، فمعنى «التحيّض»: جعل نفسها حائضاً في سبعة أيّام، و مع جعلها تصير حائضاً تعبّداً بحسب الأحكام.

اللهمّ إلّا أن يقال: معنىٰ تحيّضي تكلّفي أعمال الحائض، كما فسّره به أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و حينئذٍ لا

يدلّ على الحيضية التعبّدية. نعم، لا يبعد استفادتها من قوله

فوقتها سبع، و طهرها ثلاث و عشرون

، فإنّ الوقت المقابل للطهر هو الحيض. و في قوله

فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون

إشعار بها. هذا مضافاً إلىٰ أنّ مقتضى العلم الإجمالي بحيضها في الشهر أيّاماً مع عدم العلم بالتعيين، لزوم الاحتياط في جميع الشهر للزوج، لكن بعد اختيارها السبع للحيض و الثلاث و العشرين للطهر، رخّص الشارع في وطئها أيّام اختيارها الطهر؛ لقوله

طهرها ثلاث و عشرون

و

لقوله في بعض الروايات كلّ شي ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها «2».

______________________________

(1) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

(2) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 218

في لحوق أيّام الاستظهار بالحيض في جميع أحكامه
مقتضى الأصل العملي في المقام

و أمّا أيّام الاستظهار، فهل تلحق بالحيض و يترتّب عليها جميع أحكامه فلا يجوز للزوج وطؤها؟

فيه إشكال ينشأ من: أنّ مقتضى استصحاب بقاء الدم إلىٰ [ما] بعد عشرة أيّام، هو كون أيّام ما بعد العادة استحاضة؛ فإنّ كون أيّام العادة حيضاً و ما بعدها استحاضة، من الأحكام الشرعية المترتّبة علىٰ من استمرّ بها الدم، و باستصحاب بقاء الدم و استمراره بها يثبت الموضوع و يترتّب عليه الأحكام، فيكون حاكماً على استصحاب الحرمة الثابتة في أيّام الحيض.

كما أنّه حاكم على استصحاب بقاء الحيض أيضاً؛ لأنّ الشكّ في بقاء الحيضية و كون ما بعد الأيّام حيضاً، ناشئ عن الشكّ في استمرار الدم و بقائه إلىٰ [ما] بعد العشرة، و باستصحاب بقائه إلىٰ ما بعدها، يرفع هذا الشكّ بالدليل الاجتهادي المنقَّح موضوعه بالاستصحاب، علىٰ ما حقّقنا في محلّه من سرّ تقدّم الأصل السببي على المسبّبي «1».

هذا إذا

لم نقل بعدم كون الاستصحاب في المقام معوّلًا عليه، و إلّا فإن قلنا: بأنّ الإرجاع إلى الاستظهار و الاحتياط، دليل علىٰ عدم كون الأصل مرجعاً

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 246.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 219

في المقام، فمقتضىٰ أصل البراءة مع الشكّ في انقطاع الدم على العشرة و عدمه، هو جواز الوطء. هذا حال الأصل.

مقتضىٰ أدلّة الاستظهار
اشارة

و أمّا حال أدلّة الاستظهار «1»، فلا يفهم منها علىٰ كثرتها أنّ أيّام الاستظهار حيض، أو يترتّب عليها جميع أحكام الحيض حتّى بالنسبة إلى الزوج؛ ضرورة أنّ مفادها الاحتياط و الاستظهار.

و لو قلنا بوجوب الاستظهار، لم يفهم منها إلّا وجوب الاحتياط على المرأة، و أمّا على الزوج فلا يفهم من مجرّد الأمرِ بالاستظهار و وجوبِ الاحتياط على المرأة، وجوبُه عليه؛ لاختصاص الأدلّة بها، و للفرق بينهما؛ فإنّ المرأة تعلم إجمالًا إمّا بحرمة الصلاة عليها، أو وجوبها، فيكون المورد من دوران الأمر بين المحذورين- بعد القول بالحرمة الذاتية، كما هو الأظهر فرجّح الشارع جانب الحرمة، و أمّا الزوج فمقتضى الأُصول جواز الوطء له، فلا يقاس حاله بحالها.

الروايات التي يمكن استفادة الحرمة منها و جوابها

نعم، هنا روايات يمكن استفادة الحرمة منها، لكن بناءً علىٰ وجوب الاحتياط و الاستظهار دون استحبابه:

منها:

رواية الفضيل و زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) و لا يبعد كونها موثّقة؛

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 220

للكلام المتقدّم في الزبيري «1»، و لتوثيق جمعٍ محمّد بن عبد اللّٰه بن زرارة «2» قال المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها، و تحتاط بيوم أو اثنين، ثمّ تغتسل كلّ يوم و ليلة ثلاث مرّات، و تحتشي لصلاة الغداة، و تغتسل و تجمع بين الظهر و العصر بغسل، و تجمع بين المغرب و العشاء بغسل، فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها «3».

فإنّها تدلّ علىٰ أنّ حلّية الغشيان، ملازمة لحلّية الصلاة أو مترتّبة عليها؛ فإن وجب عليها الاستظهار كانت الحلّية بعده، و أمّا مع الاستحباب فيكون الحلّ بعد أيّام الأقراء.

و مجرّد اختيار الاستظهار لا يوجب حرمة الصلاة عليها؛ لعدم الدليل

علىٰ صيرورتها حائضاً أو بحكم الحائض بالاختيار، ففي اليوم الأوّل لها الاحتياط بترك العبادات، و لها إتيانها، و بالاختيار لا تصير حراماً عليها.

و يمكن أن تكون الرواية ناظرة إلىٰ ترتّب جواز الوطء على الحلّية الفعلية التي هي أعمّ من الذاتية و التشريعية، و يكون المراد ترتّب الحلّية على الغسل، أو عليه مع سائر أعمال المستحاضة، فتكون خارجة عمّا نحن فيه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 72 و 79.

(2) نقل النجاشي: أنّه رجل فاضل ديّن و أنّه أصدق لهجة من أحمد بن الحسن بن فضّال مع كونه ثقة. و قال الوحيد البهبهاني في تعليقته: «و في الوجيزة أنّه ثقة، و قال جدي: وثّقه بعض أصحابنا المعاصرين».

انظر رجال النجاشي: 35 36/ 72، تعليقة الوحيد البهبهاني: 302، منتهى المقال 6: 97/ 2713، تنقيح المقال 3: 143/ السطر 24 (أبواب الميم).

(3) تهذيب الأحكام 1: 401/ 1253، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 221

نعم، بناءً علىٰ حرمة الصلاة ظاهراً و وجوب الاحتياط عليها، تستفاد حرمة الوطء منها.

و فيها احتمال آخر: و هو كونها مربوطة بالمستحاضة المستمرّة الدم؛ أي في غير الدورة الأُولىٰ، فالحكم فيها وجوب الاستظهار بعد أيّام العادة يوماً أو يومين.

لكن بعد تقييدها بموثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «1» حيث فصّلت بين كون قرئها

مستقيماً فلتأخذ به

و بين كونه غير مستقيم

فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين

و قد قلنا سابقاً: إنّه لا بأس بالعمل بتلك الموثّقة «2».

و منها:

صحيحة محمّد بن مسلم المروية عن كتاب «المشيخة» للحسن بن محبوب عن أبي جعفر (عليه السّلام): في الحائض إذا رأت دماً بعد أيّامها التي كانت ترى الدم

فيها، فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين، ثمّ تمسك قطنة، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل، و يصيب منها زوجها إن أحبّ، و حلّت لها الصلاة «3».

هذه الرواية راجعة إلى الدورة الأُولىٰ، لكن دلالتها علىٰ حرمة الوطء في أيّام الاستظهار و علىٰ وجوب الاستظهار، أضعف من الاولىٰ.

و منها:

رواية مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، يغشاها

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

(2) تقدّم في الصفحة 201.

(3) المعتبر 1: 215، وسائل الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 222

زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال نعم، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها، ثمّ تستظهر بيوم، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها؛ يأمرها فتغتسل، ثمّ يغشاها إن أحبّ «1».

و هي تدلّ على ثبوت البأس قبل الاستظهار بيوم، و هو أعمّ من الحرمة. مع أنّها ظاهرة في لزوم الاستظهار، و قد فرغنا عن عدم لزومه «2».

و الإنصاف: أنّه لا دليل علىٰ حرمة الوطء في أيّام الاستظهار لو قلنا بعدم وجوبه.

و أمّا توقّف الحلّية على الغسل، فمسألة أُخرى سيأتي إن شاء اللّٰه التعرّض لها «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 176/ 505، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 4.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 205 206.

(3) يأتي في الصفحة 245.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 223

الأمر الثاني فيما يجوز الاستمتاع به من الحائض
اشارة

لا إشكال في جواز استمتاع الزوج من زوجته الحائض بما فوق السرّة و دون الركبة، بل الظاهر أنّ

الحكم مسلّم بين الفريقين «1» فما في بعض الروايات من عدم جواز مطلق الاستمتاع «2»، شاذّ مطروح أو مأوّل.

و أمّا الاستمتاع بما بينهما، ففيه خلاف بين الفريقين:

فعن الحنفية و الشافعية حرمة الاستمتاع بما بين السرّة و الركبة بغير حائل، و جوازه بحائل. و أمّا الوطء فغير جائز مطلقاً و لو بحائل «3».

و عن المالكية عدم جواز التمتّع بما بينهما بوطء، و أمّا الاستمتاع بغيره ففيه قولان، و المشهور بينهم عدم الجواز و لو بحائل. و عن بعضهم الجواز بغير حائل «4».

و عن الحنابلة «5» حرمة الوطء فقط، و أمّا الاستمتاع بما بينهما بغير حائل فجائز عندهم.

______________________________

(1) الخلاف 1: 226، تذكرة الفقهاء 1: 264، المجموع 2: 364 365، الشرح الكبير، ذيل المغني 1: 316.

(2) تهذيب الأحكام 1: 155/ 444، وسائل الشيعة 2: 320، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 24، الحديث 12.

(3) الخلاف 1: 226، الام 1: 59، بداية المجتهد 1: 58، المجموع 2: 362 و 365، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 134.

(4) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 134.

(5) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 134، الشرح الكبير، ذيل المغني 1: 316.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 224

و المشهور بين أصحابنا «1» بل ادعى الشيخ في «الخلاف» الإجماع عليه جواز الاستمتاع بما بينهما مطلقاً؛ حتّى الوطء في الدبر «2»، و عن ظاهر «التبيان» و «المجمع» أيضاً الإجماع عليه «3». خلافاً لما نقل عن السيّد في «شرح الرسالة» من تحريم الوطء في الدبر، بل مطلق الاستمتاع بما بين السرّة و الركبة «4»، و عن الأردبيلي الميل إليه «5».

عدم دلالة آية المحيض إلّا على حرمة الوطء في الفرج

و الأولى بيان ما يستفاد من الآية الكريمة، ثمّ النظر في الأخبار.

قال تعالىٰ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ

هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّٰهُ «6».

لا إشكال بين المسلمين في جواز معاشرة النساء بغير الاستمتاعات في أيّام الحيض، فلا يمكن الأخذ بالمعنى اللغوي «للاعتزال» و «القرب» فلا بدّ من أن تكون الجملتان كناية.

و لا يمكن جعلهما كناية عن مطلق الاستمتاعات و لو بمثل القبلة و لمس ما فوق السرّة و الأخذ بالساق؛ لإجماع الفريقين علىٰ جوازه، فلا بدّ من جعلهما كناية عن أحد أُمور

______________________________

(1) المعتبر 1: 224، تذكرة الفقهاء 1: 264، روض الجنان: 81 82.

(2) الخلاف 1: 226 227.

(3) التبيان في تفسير القرآن 2: 220، مجمع البيان 2: 563.

(4) انظر المعتبر 1: 224، مفتاح الكرامة 1: 376/ السطر 29.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 153 154.

(6) البقرة (2): 222.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 225

إمّا الإدخال في القبل.

و إمّا الأعمّ منه و من الدبر.

و إمّا هما مع الاستمتاع بما بين السرّة و الركبة.

و الأرجح هو الأوّل؛ لأنّ التكنية عنه مناسبة لقوله قُلْ هُوَ أَذىً و معلوم أنّ «الأذىٰ» علىٰ ما هو المتفاهم العرفي هو القذارة التي ابتلي بها الفرج خاصّة في زمان الحيض، و لقوله حَتّٰى يَطْهُرْنَ فإنّ «الطهر» علىٰ ما مرّ سابقاً «1» هو النقاء من الدم، فمناسبة الحكم و الموضوع قرينة على المعنى المكني عنه.

و أمّا التكنية عن حدّ خاصّ، مثل الاستمتاع بما بين السرّة و الركبة بلا حائل، كما قال المخالفون أو عن الوطء في الدبر و القبل أو عنهما و عن التفخيذ مثلًا من غير قيام شاهد و قرينة و تناسب تدلّ عليها فغير صحيح، و بعيد عن الكلام المتعارف، فضلًا عن القرآن

الكريم.

و بالجملة: بعد رفع اليد عن المعنى اللغوي و الحقيقي و عن الكناية عن مطلق الاستمتاع المتعارف بين الرجال و النساء، لا يمكن التكنية عن غير إتيان الفرج و القبل؛ لعدم التناسب و عدم القرينة، و أمّا هو فموافق للفهم العرفي، و مناسب لكون المحيض أذى و لسائر الجمل التي في الآية صدراً و ذيلًا؛ لو لم نقل: إنّ الاعتزال عن النساء و عدم القرب بنفسهما، كناية عرفاً عن الدخول المتعارف و لم نقل: إنّ «المحيض» عبارة عن مكان الحيض، كما قال الشيخ الطوسي (رحمه اللّٰه) «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 90، 122 124.

(2) الخلاف 1: 227.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 226

دلالة الأخبار علىٰ جواز الاستمتاع بغير الفرج

و تدلّ على المقصود روايات:

منها:

حسنة عبد الملك بن عمرو قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال كلّ شي ء ما عدا القبل منها بعينه «1».

و منها:

مرسلة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم «2».

و منها:

موثّقة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج و هي حائض، قال لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع «3».

و لا إشكال في أنّ المراد ب «ذلك الموضع هو موضع الدم. و بها تفسّر ما في رواية عبد اللّٰه بن سِنان «4» و موثّقة معاوية بن عمّار «5» ممّا دلّت علىٰ حلّية ما دون الفرج لو سلّم أعمّيته عرفاً من الدبر. مع أنّه في موضع المنع أيضاً. و يرفع الإجمال المتوهّم في قوله

ما دون الفرج

باحتمال كون المراد منه ما دون،

______________________________

(1) الكافي 5: 538/ 1، تهذيب الأحكام 1: 154/

437، وسائل الشيعة 2: 321، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 154/ 436، وسائل الشيعة 2: 322، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 154/ 438، وسائل الشيعة 2: 322، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 6.

(4) الكافي 5: 539/ 3، وسائل الشيعة 2: 321، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 3.

(5) الكافي 5: 538/ 2، وسائل الشيعة 2: 321، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 227

مقابل ما فوق؛ و إن كان فيه ما فيه.

و منها:

رواية أُخرى لعبد الملك بن عمرو قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما يحلّ للرجل من المرأة و هي حائض؟ قال كلّ شي ء غير الفرج قال: ثمّ قال إنّما المرأة لعبة الرجل «1».

و لا يبعد أن تكون إحدى الروايتين نقلًا بالمعنى عن الأُخرىٰ؛ لبعد سؤاله من أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) هذه المسألة مرّتين، فحينئذٍ تدلّ تلك الرواية علىٰ أنّ الفرج هو القبل و لو انصرافاً في تلك الأزمنة أيضاً. فدلالة تلك الروايات المتقدّمة على المقصود واضحة.

الروايات التي قد يتوهّم معارضتها لما سبق و بيان وجه الجمع بينهما

و لا يعارضها ما دلّ علىٰ أنّ الاستمتاع مقصور علىٰ ما بين الفخذين أو بين الألْيين، كرواية عمر بن حنظلة و صحيحة عمر بن يزيد

ففي الأُولىٰ: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما للرجل من الحائض؟ قال ما بين الفخذين «2».

و

في الثانية: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما للرجل من الحائض؟ قال ما بين ألْيتيها، و لا يوقب «3».

و كذا ما دلّ علىٰ لزوم الاتزار،

كصحيحة الحلبي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) الكافي 5: 539/ 4،

وسائل الشيعة 2: 322، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 155/ 442، وسائل الشيعة 2: 322، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 155/ 443، وسائل الشيعة 2: 322، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 228

عن الحائض: ما يحلّ لزوجها منها؟ قال تتزر بإزار إلى الركبتين، و تُخرج سُرّتها، ثمّ له ما فوق الإزار «1».

و قريب منها غيرها «2».

من وجوه:

منها: الجمع العقلائي بينها؛ لصراحة الأخبار المتقدّمة بعدم البأس بما عدا القبل بعينه، و ظهور هذه في الحرمة، و الجمع بينهما بحملها على الكراهة.

و منها: موافقة مضمونها خصوصاً صحيحة الحلبي و نحوها لمذهب أبي حنيفة و الشافعي.

و منها: مخالفتها للمشهور بين الأصحاب و لإطلاق الكتاب و لهذا يُشكل القول بالكراهة بواسطة تلك الروايات. لكن لا يبعد القول بها؛ لغيرها ممّا يحكي فعل النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «3» مع أنّ كراهة الإتيان في الدبر كراهة شديدة ثابتة، فالمسألة بلا إشكال، و الاحتياط حسن علىٰ كلّ حال.

______________________________

(1) الفقيه 1: 54/ 204، تهذيب الأحكام 1: 154/ 439، وسائل الشيعة 2: 323، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 26، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 154/ 440، وسائل الشيعة 2: 323، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 26، الحديث 2.

(3) الفقيه 1: 54/ 205، وسائل الشيعة 2: 323، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 26، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 229

الأمر الثالث في كفّارة وطء الحائض
اشارة

إن وطأها الزوج قبلًا في أيّام الحيض، وجبت عليه الكفّارة دونها و إن كانت مطاوعة، كما هو خيرة قدماء أصحابنا «1» بل هو

المجمع عليه، كما في «الانتصار» و «الخلاف» و «الغنية» «2» و عن «السرائر»: «أنّه الأظهر في المذهب» «3» و عن «الدروس» و «كشف اللثام»: «أنّه المشهور» «4».

و عن «التذكرة» و «الذكرى» و «جامع المقاصد» و «شرح الجعفرية»: «أنّه مذهب الأكثر» «5».

و في «مفتاح الكرامة»: «أنّ اتفاق قدماء الأصحاب عليه» «6».

و قيل: «لا تجب» و هو مذهب أكثر المتأخّرين كما عن «شرح المفاتيح» «7» و هو خيرة «النهاية» و محكي «المبسوط» و «المعتبر» و «النافع» «8» و خيرة

______________________________

(1) المقنع: 51، المقنعة: 55، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 58.

(2) الانتصار: 33، الخلاف 1: 225، غنية النزوع 1: 39.

(3) السرائر 1: 144.

(4) الدروس الشرعيّة 1: 101، كشف اللثام 2: 107 108.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 373/ السطر الأخير، تذكرة الفقهاء 1: 266، ذكرى الشيعة 1: 271، جامع المقاصد 1: 321.

(6) مفتاح الكرامة 1: 374/ السطر 4 و 5.

(7) مصابيح الظلام 1: 44/ السطر 4 (مخطوط).

(8) النهاية: 26، المبسوط 4: 242، المعتبر 1: 231، المختصر النافع: 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 230

«الشرائع» «1» بناءً علىٰ أنّ مراده من «الأحوط» هو الاستحباب، كما عن تلميذه «2» و فيه إشكال.

الروايات الدالّة على مختار القدماء من أصحابنا

و تدلّ على الأوّل

رواية داود بن فرقد التي فيها إرسال و ضعف «3»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في كفّارة الطمث أنّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار، و في وسطه نصف دينار، و في آخره ربع دينار.

قلت: فإن لم يكن عنده ما يكفّر؟ قال فليتصدّق علىٰ مسكين واحد، و إلّا استغفر اللّٰه و لا يعود؛ فإنّ الاستغفار توبة و كفّارة لكلّ من لم يجد السبيل إلىٰ شي ء من الكفّارة «4».

و عن «الفقه الرضوي»

و متىٰ ما جامعتها و هي حائض فعليك أن تتصدّق بدينار، و إن جامعت أمتك و هي حائض فعليك أن تتصدّق بثلاثة أمداد من الطعام. و إن جامعت امرأتك في أوّل الحيض تصدّقت بدينار، و إن كان في

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 23.

(2) كشف الرموز 1: 82.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن الطيالسي، عن أحمد بن محمّد، عن داود بن فرقد.

و الرواية مع إرسالها ضعيفة بمحمّد بن خالد الطيالسي؛ لأنّه مهمل في كتب الرجال و ضعّفه المحقّق في المعتبر.

رجال النجاشي: 340/ 910، رجال الطوسي: 343/ 26 و 438/ 11 و 441/ 54، الفهرست: 149/ 634، المعتبر 1: 230.

(4) تهذيب الأحكام 1: 164/ 471، وسائل الشيعة 2: 327، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 231

وسطه فنصف دينار، و إن كان في آخره فربع دينار «1».

و

في «المقنع»: و روى إن جامعها في أوّل الحيض فعليه أن يتصدّق بدينار ..

إلىٰ آخر التفصيل «2».

و عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل أتى المرأة و هي حائض، قال يجب عليه في استقبال الحيض دينار، و في وسطه «3» نصف دينار «4».

و هذه الروايات تدلّ علىٰ ما هو المشهور بين القدماء.

نعم، ربّما يحتمل في رواية داود بن فرقد كونها بصدد بيان مقدار الكفّارة بعد فرض ثبوتها، فلا تدلّ على الوجوب. لكنّه ضعيف؛ لعدم مسبوقيتها بالسؤال، بل الظاهر منها أنّ البيان ابتدائي، و هو ظاهر في الوجوب، خصوصاً قوله في ذيلها

فليتصدّق علىٰ مسكين

ممّا هو ظاهر في الوجوب بلا إشكال، و يرفع الاحتمال المتقدّم علىٰ ضعفه؛ ضرورة

أنّ وجوب البدل دليل علىٰ وجوب المبدل منه.

الروايات المنافية للطائفة السابقة و بيان إعراض الأصحاب عنها

نعم، بإزاء هذه الروايات روايات أُخر إمّا دالّة علىٰ وجوب الكفّارة، لكن لا يمكن جمعها معها، أو معارضة معها في وجوبها:

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 236.

(2) المقنع: 51.

(3) في المصدر: في استدباره بدل «في وسطه» و المتن مطابق لبعض الكتب الفقهية، جواهر الكلام 3: 231، مصباح الفقيه، الطهارة: 288/ السطر 15.

(4) الكافي 7: 243/ 20، وسائل الشيعة 28: 377، كتاب الحدود، أبواب بقيّة الحدود، الباب 13، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 232

فمن الأُولىٰ:

رواية محمّد بن مسلم التي لا يبعد أن تكون صحيحة «1»، قال: سألته عمّن أتى امرأته و هي طامث، قال يتصدّق بدينار و يستغفر اللّٰه «2».

و

موثّقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال من أتى حائضاً فعليه نصف دينار، يتصدّق به «3».

و

في موثّقة الحلبي التصدّق على مسكين بقدر شبعه «4».

و

في مرسلة عليّ بن إبراهيم التصدّق بدينار في أوّل الحيض، و بنصف دينار في آخره «5».

و من الثانية:

صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل واقع امرأته و هي طامث، قال لا يلتمس فعل ذلك و قد نهى اللّٰه أن يقربها.

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي، عن الشيخ- و هو المفيد عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن حفص، عن محمّد بن مسلم. و حفص مشترك بين حفص الأعور المجهول و حفص بن البختري الثقة، و لكن لا يبعد أن يكون المراد بحفص في هذا السند بقرينة الراوي و المروي عنه

هو حفص بن البختري، و علىٰ هذا تكون الرواية صحيحة.

رجال النجاشي: 134/ 344، رجال الطوسي: 196/ 329، تنقيح المقال 1: 352/ السطر 3 و 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 163/ 467، وسائل الشيعة 2: 327، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 163/ 468، الإستبصار 1: 133/ 456، وسائل الشيعة 2: 327، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 1: 163/ 469، وسائل الشيعة 2: 328، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 5.

(5) تفسير القمّي 1: 73، وسائل الشيعة 2: 328، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 233

قلت: فإن فعل أ عليه كفّارة؟ قال لا أعلم فيه شيئاً «1».

و

في موثّقة زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الحائض يأتيها زوجها، قال ليس عليه شي ء، يستغفر اللّٰه، و لا يعود «2».

و

في رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن وقوع الرجل على امرأته و هي طامث خطأ، قال ليس عليه شي ء، و قد عصىٰ ربّه «3»

بناءً علىٰ كون المراد من «الخطأ» هو العصيان.

و هذه الروايات كما ترى لا يمكن الجمع بينها؛ لا بين الروايات الدالّة علىٰ مقدار الكفّارة؛ ضرورة أنّ حمل الدينار بقول مطلق في رواية محمّد بن مسلم و نصف دينار كذلك في رواية أبي بصير و التصدّق علىٰ مسكين كذلك في رواية الحلبي على التفصيل في رواية داود، ليس جمعاً عقلائياً مقبولًا، و لهذا قد يقال: إنّ هذه الاختلافات في نفس تلك الروايات، شاهدة علىٰ أنّ الحكم ليس بإلزاميّ، بل حكم استحبابي و لو مع الغضّ عن الروايات المعارضة لها.

و

لا بين الطائفة الأخيرة مع الروايات الدالّة علىٰ لزم الكفّارة؛ ضرورة معارضة قوله

لا أعلم فيه شيئاً

في جواب قوله: أ عليه كفّارة؟ مع قوله

عليه أن يتصدّق

و قوله

يجب عليه في استقبال الحيض دينار.

و لو حاول أحد الجمع بينهما بحمل

لا أعلم فيه شيئاً

علىٰ عدم العلم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 164/ 472، وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 29، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 165/ 474، وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 29، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 165/ 473، وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 29، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 234

بثبوت شي ء علىٰ نحو الوجوب و قوله

عليه

كذا، أو

يجب عليه

علىٰ ثبوته استحباباً، لما بقي مورد للتعارض بين الأخبار. مع أنّ ميزان الجمع و عدم التعارض هو نظر العرف، و لا إشكال في معارضة هذه الأخبار بنظر العرف؛ إذ ليس بينها جمع مقبول عقلائي.

و لو لا الجهات الخارجية لكان المتعيّن إعمال باب التعارض و العلاج، لكنّ الظاهر عدم وصول النوبة إلىٰ ذلك؛ ضرورة أنّ إعراضَ قدماء أصحابنا عن مثل صحيحة عيص و موثّقة زرارة ممّا هي معتبرة الإسناد صريحة الدلالة، و العملَ بمثل رواية داود بن فرقد ممّا هي مرسلة ضعيفة «1» غير صريحة في المفاد، يوجب الوثوق بثبوت الحكم يداً بيد و جيلًا من جيل إلىٰ عصر المعصوم (عليه السّلام) خصوصاً بالنظر إلىٰ أنّ العامل بها أو بمضمونها و المدعي للإجماع «2» أو الأظهرية في المذهب «3»، من تكون طريقته العمل بالقطعيات «4».

و إن شئت قلت: إنّ الدليل على العمل بخبر الواحد ليس إلّا طريقة العقلاء، و

ما ورد من الشارع في هذا الباب ليس إلّا الإنفاذ لما عليه العقلاء، و لا تأسيس و لا تعبّد للشارع في العمل به، و ليس بناء العقلاء على العمل بمثل تلك الروايات، التي خرجت عن تحت نظر كبراء الأصحاب و فقهاء المذاهب مع تماميّة السند و الدلالة، و لم يعملوا بها مع كونها موافقة للأصل و القاعدة، و إنّما عملوا علىٰ رواية مرسلة ضعيفة.

و الإنصاف: أنّ الإعراض و الجبر لو كان لهما محلّ، فهذا هو محلّهما.

______________________________

(1) تقدّم وجه ضعفها في الصفحة 230، الهامش 3.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 229.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 229.

(4) الذريعة إلى أُصول الشريعة 2: 528 531، غنية النزوع 2: 356، السرائر 1: 50.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 235

و أضعف شي ء في المقام هو حمل الروايات الأخيرة علىٰ نفي الوجوب، و الأوّلة على الاستحباب مع أنّ التعارض و عدم الجمع العقلائي بينهما كالنار على المنار، فلا بدّ لهم من طرح تلك الروايات المعمول بها، و العمل بما هي معرض عنها بين الأصحاب، و إلّا فلا مجال للجمع.

و لكن مع ذلك إنّ المسألة مشكلة، فلا بدّ من أخذ طريق الاحتياط فيها.

تكرّر الكفّارة بتكرّر الوطء

ثمّ إنّه لا إشكال في تكرّر الكفّارة مع تكرّر الوطء منه في أوّل الحيض و وسطه و آخره؛ بمعنى كون التكرار مع اختلاف الزمان. و أمّا إذا تكرّر في وقت واحد كالثلث الأوّل، فهل تتكرّر مطلقاً «1»، أو لا كذلك «2»، أو يفصّل بين ما إذا تخلّل التكفير فتتكرّر، و ما لم يتخلّل فلا «3»؟ وجوه.

مقتضى مقام الثبوت و التصوّر
1 بيان حال السبب للكفّارة

و قبل النظر في مقام الإثبات، لا بأس بذكر ما يتصوَّر ثبوتاً و لوازمه:

فنقول: يمكن أن يكون السبب للكفّارة صِرف وجود الوطء، و معناه: هو أخذ الطبيعة بقيود لا تنطبق إلّا علىٰ أوّل الوجود، و لازم ذلك عدم تكرّر السبب بتكرّر أفراد الطبيعة؛ لأنّ تكرّرها لا يوجب تكرّره، فوجود الثاني وجود للطبيعة

______________________________

(1) البيان: 63، جامع المقاصد 1: 324.

(2) السرائر 1: 144، شرائع الإسلام 1: 23.

(3) قواعد الأحكام 1: 15/ السطر 22، مدارك الأحكام 1: 356، جواهر الكلام 3: 236.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 236

و فرد لها، لا لما أُخذ سبباً؛ لعدم انطباق السبب إلّا علىٰ أوّل الوجودات، و مع عدم تكرّر السبب لا وجه لتكرّر الكفّارة.

و يمكن أن يكون السبب أفراد الطبيعة؛ سواء كانت الأفراد هي الأفراد الذاتية بنفسها، أو مع الخصوصيات الفردية المقارنة أو المتحدة معها خارجاً. و الفرق بينهما: أنّ المأخوذ سبباً في الأوّل هو نفس ما ينطبق عليه العنوان ذاتاً، و تكون الخصوصيات اللاحقة للأفراد في الخارج، غيرَ دخيلة في موضوع الحكم.

مثلًا إذا قال: «أكرم كلّ عالم» فتارة: يكون الموضوع للحكم بوجوب الإكرام، هو ما ينطبق عليه عنوان «العالم» بالذات، و هو الفرد بما أنّه عالم، فتكون حيثية العدالة و الرومية و الزنجية و أمثالها، خارجةً عن الموضوع، فيكون تمام

الموضوع هو العالم بما أنّه عالم.

و تارة: يكون الموضوع هو الهوية الخارجية مع جميع خصوصياتها و متحداتها، فيكون الفرد بجميع خصوصياته موضوعاً للحكم، و حيثيّةُ العالم جزءَ موضوعٍ له.

و لازم أخذ الموضوع أفرادَ الطبيعة بكلتا الصورتين، هو استقلال كلّ فرد بالسببية؛ وجد قبله مصداق آخر أو لا، لكن تكرّر المسبّب يحتاج إلىٰ جهات أُخر، كإمكان تكرّره، و عدم التداخل في الامتثال، و غير ذلك ممّا تأتي الإشارة إليه «1».

و يمكن أن يكون السبب هو نفس الطبيعة بلا نظر إلىٰ أفرادها، و لا أخذها مع قيد لا تنطبق معه إلّا علىٰ أوّل الوجودات، فهل لازم ذلك تكرّر السبب بتكرّر وجود الطبيعة أو لا؟

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 237 241.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 237

قولان مبنيان علىٰ أنّ الطبيعة في الخارج متكثّرة، أو واحدة، و إنّما التكثّر لأفرادها لا لنفسها، فعلى الأوّل يتكرّر السبب بتكرّر المصاديق، دون الثاني.

و التحقيق هو الأوّل:

أمّا عقلًا: فواضح لدى أهله.

و أمّا عرفاً: فلأنّ العرف أيضاً يرىٰ أنّ كلّ فرد من أفراد الإنسان إنسان، و كذا سائر الطبائع، و يرى تكرّر الإنسان و سائر الطبائع بتكرّر الأفراد، فزيد عند العرف إنسان، و عمرو إنسان آخر، و بكر كذلك.

فإذا كان الموضوع لحكم كالحلّية طبيعة البيع، فكلّ فرد وجد في الخارج يحكم العرف بحلّيته؛ لكونه بيعاً. و ليس معنىٰ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1»: أحلّ اللّٰه أفراد البيع؛ لما حقّق في محلّه من أنّ الطبائع لا يمكن أن تكون مرآة لخصوصيات الأفراد «2»، بل المتفاهم العرفي من قوله أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ هو كون البيع بنفسه موضوعاً، فإذا وجد في الخارج مصداق وجد به طبيعة البيع التي هي الموضوع، و بمصداق آخر أيضاً

توجد الطبيعة، فتصير محكومة بالحلّية .. و هكذا.

فإذا كانت طبيعة المجامعة موضوعة لحكم التكفير و سبباً له، فكلّ مجامعة في الخارج عين الطبيعة، و تتكرّر الطبيعة بتكرّره، فيقال: «وُجدت مجامعات كثيرة».

و الشيخ الأعظم قد أصاب الحقّ في أوّل كلامه «3» و حقٌّ له أن يصيب،

______________________________

(1) البقرة (2): 275.

(2) مناهج الوصول 2: 229 230، تهذيب الأُصول 1: 459 460.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 236/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 238

لكنّه رجع في آخر كلامه «1» إلىٰ غير ما هو التحقيق، و تبعه المحقّق صاحب «المصباح» في ذلك:

فقال: «إنّ تعليق الجزاء علىٰ طبيعة الشرط، لا يقتضي إلّا سببية ماهية الشرط من حيث هي بلحاظ تحقّقها في الخارج مطلقاً في الجزاء من دون أن يكون لأفرادها من حيث خصوصياتها الشخصية، مدخلية في الحكم، و من المعلوم أنّ الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرار، و إنّما المتكرّر أفرادها التي لا مدخلية لخصوصياتها في ثبوت الجزاء، فيكون تحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الثاني من الأفراد المتعاقبة، بمنزلة تحقّقها في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى، فكما أنّه لا أثر لتحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى عند استدامته إلى الزمان الثاني، كذا لا أثر لتحقّقها في ضمن الفرد الثاني بعد كونه مسبوقاً بتحقّقها في ضمن الفرد الأوّل ..».

إلىٰ أن قال: «و الإنصاف: أنّ هذا الكلام قوي جدّاً» «2».

أقول: بل الإنصاف أنّ هذا الكلام بمكان من الضعف، و لا يساعد عليه العقل و لا العرف؛ فإنّ تكرّر الطبائع بتكرّر الأفراد من المرتكزات العرفية التي تساعد عليها العقول؛ أ لا ترى أنّ علامة التثنية و الجمع الداخلة على الطبائع، إنّما هي لتكثير مدخولها، و

ليس في نظر العرف العامّ و أهل اللغات في مثلها مسامحة و تجوّز! و ليس ذلك إلّا لما ارتكز في أذهانهم من قبول الطبائع الكثرة.

و ما قرع الأسماع: «من أنّ الماهية من حيث هي ليست إلّا هي» «3» أمر غير

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 236/ السطر 15.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 290/ السطر 14.

(3) الشفاء، قسم الإلهيات: 195 207، الحكمة المتعالية 2: 2 8، شرح المنظومة، قسم الحكمة: 93.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 239

مربوط بالمقام، و ليس المراد منه أنّها لا تقبل الكثرة، كما أشار إليه في صدر كلامه بقوله: «إنّ الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرار» و لهذا قال بعض أئمّة الفنّ: «إنّ الماهية لمّا لم تكن كثيرة و لا واحدة، كثيرة و واحدة» «1» و ما أفاد و فصّل هذا المحقّق الهمداني هو ما ذهب إليه الرجل الهمداني الذي صادف الشيخ أبا عليّ بمدينة همدان «2» و نحن لسنا بصدد إثبات المطلوب بالوجوه العقلية البعيدة عن هذا المضمار، لكنّ المدعىٰ أنّ العرف أيضاً مساعد علىٰ ما عليه العقل في هذا المقام.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ في إثبات استقلال كلّ مصداق للطبيعة بالسببية، لا نحتاج إلىٰ إثبات جعل السببية للأفراد، بل جعل السببية لنفس الطبيعة بلا قيد يثبت المطلوب، فما في تقريرات بعض أعاظم فنّ الأُصول من إتعاب النفس لإرجاع القضايا الشرطية إلى القضايا الحقيقية، و إثبات أنّ كلّ فرد سبب مستقلّ «3»، غير محتاج إليه. مع أنّ أصل الدعوىٰ غير تامّ، كما حقّق في محلّه «4». هذا كلّه حال السبب.

2 بيان حال المسبّب

و أمّا المسبّب في المقام فتارة: يكون حكماً تكليفياً، مثل قوله

يجب عليه في استقبال الحيض دينار

أو قوله

يتصدّق

بدينار

أو

عليه أن يتصدّق

ممّا هو بمنزلة إيجاب التصدّق.

______________________________

(1) الشفاء، قسم الإلهيات: 195 207.

(2) رسالة الشيخ الرئيس إلى علماء مدينة السلام، ضمن الرسائل: 466، الحكمة المتعالية 1: 273 274.

(3) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 494.

(4) مناهج الوصول 2: 211، تهذيب الأُصول 1: 449.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 240

و أُخرى: يكون حكماً وضعياً،

كقوله في رواية أبي بصير من أتى حائضاً فعليه نصف دينار، و يتصدّق به.

فإن كان الجزاء على النحو الثاني ممّا هو ظاهر في الوضع، و يستفاد منه العهدة و الضمان لنفس الدينار يقع التعارض بين إطلاق الجزاء و إطلاق الشرط، و لازم إطلاق الشرط هو سببية الطبيعة مطلقاً للضمان، و لازم إطلاق الجزاء هو كون الجزاء نفس الطبيعة، و ليس الضمان لنفس طبيعة الدينار متكثِّراً، إلّا بعلّة توجب العهدة للطبيعة بوجود آخر، فلا بدّ من تقييد «الدينار» ب «دينار آخر» و إلّا فالدينار لا يمكن أن يقع في العهدة مرّتين إلّا بتبع وجود آخر، و هو ينافي الإطلاق. و ما ذكرنا هاهنا لا ينافي ما تقدّم منّا آنفاً من كون الطبيعة قابلة للتكرار، تأمّل تعرف.

و أمّا إذا كان الجزاء من قبيل الحكم التكليفي أي إيجاب التصدّق فلأحد أن يقول: أن لا معارضة بين الجزاء و الشرط؛ لأنّ كلّ فرد من الطبيعة علّة لإيجاب نفس الدينار، و تصير النتيجة التأكيد في الحكم. و لا يكون التأكيد خلاف الظاهر؛ لأنّ الهيئة تستعمل في باب التأكيد في معناها المستعمل فيه أوّلًا؛ أي معناها الحقيقي، و هو البعث الصادر عن الإرادة الأكيدة، و ليس معنى التأكيد استعمال الهيئة في هذا المعنى الاسميّ، بل هو أمر انتزاعي من استعمال الهيئة مرّة ثانية فيما

استعملت أوّلًا فيه متعلّقةً بما تعلّقت به في الأوّل.

فلا يكون خلاف ظاهر إلّا لما قيل: «من أنّ التأسيس أولىٰ من التأكيد» و هذا علىٰ فرض كونه ظهوراً سياقياً، لا يقاوم ظهور الإطلاق.

هذا، لكنّ الإنصاف: أنّ العرف بمساعدة الأُمور المرتكزة في ذهنه إذا رأى دلالة الصدر علىٰ سببية الطبيعة لجميع مصاديقها، لا ينقدح في ذهنه أنّ في تكرّر المسبّب خلاف ظاهر؛ من غير فرق بين كون المسبّب أمراً وضعياً أو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 241

تكليفياً، و لا يحمل الأمر على التأكيد، و يكون الصدر عند العرف قرينة على الذيل. و لعلّ سرّه: هو الارتكاز الذي حصل في ذهنه من العلل الطبيعية، كما احتملناه في الأُصول و حقّقنا المسألة بجميع شؤونها فيه «1».

هذا حال مقام الثبوت.

مقتضىٰ مقام الإثبات و الدلالة

و أمّا حال الدلالة و مقام الإثبات، فالظاهر أنّ مستند المشهور في أصل الحكم هو رواية داود بن فرقد «2» كما تمسّك بها شيخ الطائفة «3». و لا يبعد أن تكون مرسلة «المقنع» «4» أيضاً إشارة إليها و إن كان يحتمل كونها مرسلة أُخرى مستقلّة.

و كيف كان: فالظاهر المتفاهم عرفاً منها أنّ الإتيان في حال الطمث، موضوع لحكم الكفّارة، و تكون الرواية من هذه الجهة في مقام البيان. و لا يضرّ عدم ذكر اسم كان بالمقصود بعد القطع بأنّ اسمه «الجماع» أو «الإتيان» أو نحو ذلك.

كما أنّ لمرسلة «المقنع» إطلاقاً في مقام البيان، و مفاده أنّ المجامعة تمام الموضوع لوجوب الكفّارة، كإطلاق معاقد الإجماعات.

فدعوى صاحب «الجواهر»: «أنّها في مقام الإهمال» «5» في غير محلّها. مع أنّه علىٰ فرض الإهمال لا وجه للفرق بين تخلّل الكفّارة و عدمه، و تشبّثه

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 204 211،

تهذيب الأُصول 1: 435 449.

(2) تقدّم في الصفحة 230.

(3) الخلاف 1: 223 224.

(4) تقدّم في الصفحة 231.

(5) جواهر الكلام 3: 236.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 242

بوجود المقتضي و عدم المانع ممّا لا مجال له؛ لعدم ثبوت المقتضي بعد فرض إهمال الأدلّة و كون مفادها أنّ الوطء في الجملة سبب.

و الإنصاف: أنّه لا إهمال في الروايات.

نعم، لو قيل بعدم ثبوت كون مستند المشهور هو رواية داود أو مرسلة «المقنع» و القدر المتيقّن من الإجماع هو ثبوت السببية في الجملة، لكان للقول بعدم التكرّر مطلقاً حتّى مع التخلّل مجال. لكنّ الاحتمال ضعيف؛ لحصول الوثوق بكون مستندهم هو رواية داود، أو هي مع مرسلة «المقنع» و «فقه الرضا» «1» خصوصاً بعد تمسّك الشيخ بها.

و مع إطلاقها لا يبعد إلحاق الزنا و الشبهة في وجوب الكفّارة. و دعوى الانصراف «2» في غير محلّها بعد تعليق الحكم على الطمث. و لا ينافي أن يكون للوقاع في حال الطمث كفّارة، و للزنا حدّ من غير كفّارة، و مع اجتماع العنوانين في محلّ يرتّب الحكمان عليه، فلا تكون الكفّارة للزنا حتّى يقال: إنّ الزنا أعظم من ذلك. كما أنّ دعوى الأولوية «3» في غير محلّها.

و الإنصاف: أنّ الوسوسة في الإطلاق أو تخيّل الانصراف، غير وجيهين.

المراد ب «الدينار» في المقام

ثمّ إنّ «الدينار» هو الشرعي المسكوك المتداول في عصر صدور الروايات، لكن لمّا كان الرائج في تلك الأعصار هو الدرهم و الدينار، و كانا ثمنين متداولين

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 231230.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 237/ السطر 4.

(3) جامع المقاصد 1: 321 322، روض الجنان: 78/ السطر 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 243

بين الناس، لا يفهم من الأدلّة

خصوصية لعين الدينار، فيجوز قيمته بالأثمان لا بالعروض، و كذا في كلّ مورد حكم بالدينار.

نعم، لو كان عصر الصدور كعصرنا في كونِ الدينار أي الذهب المسكوك غير رائج في المعاملات، و كونِ حكمه حكم العروض، لكان لاحتمال الخصوصية وجه، لكن من المعلوم خلافه، فلا ينبغي الإشكال في كفاية الثمن الرائج.

كما لا ينبغي الإشكال في اعتبار القيمة يوم الأداء؛ لأنّ التكليف متعلّق بالتصدّق بدينار، فيجب التصدّق بدينار وقت الأداء.

تحديد أوّل الحيض و وسطه و آخره

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ لكلّ حيض أوّلًا و وسطاً و آخراً، و لو لا تسلّم الحكم بين الأصحاب «1» و ادعاء السيّد في «الغنية» الإجماع علىٰ أنّ في الثلث الأوّل ديناراً و في الثلث الوسط نصفاً و في الثلث الآخر ربعاً «2»، لكان للإشكال في تعيينها مجال؛ فإنّ أوّل الحيض و وسطه و آخره كأوّل الشهر و وسطه و آخره، فكما أنّ المتفاهم من الثاني اليوم الأوّل و الوسط و الآخر، فكذا في الأوّل.

و لو قيل: إنّ الحيض أمر ممتدّ إلىٰ ستّة أيّام مثلًا، لكان الأوّل منه و الوسط و الآخر، غيرَ الثلث الأوّل و الوسط و الآخر عرفاً، خصوصاً علىٰ نسخة «الوسائل» حيث نقل فيها مرسلة «المقنع» مكان «الوسط» «النصف» «3» و لكنّ

______________________________

(1) المقنعة: 55 56، النهاية: 26، المعتبر 1: 231 232، تذكرة الفقهاء 1: 267.

(2) غنية النزوع 1: 39.

(3) وسائل الشيعة 2: 328، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 244

الظاهر خطأ النسخة؛ لأنّ ما في «المقنع» هو «الوسط» «1» كما في سائر الروايات «2».

لكن بعد تسلّم كون ما بين اليوم الأوّل و الوسط و كذا ما بين الوسط و الآخر غيرَ

خالٍ عن الكفّارة، لا يبعد دعوى فهم العرف التثليث.

و أمّا احتمال كون الوسط بين اليوم الأوّل و الآخر أيَّ مقدار كان، فضعيف؛ لأنّ «الوسط» نسب إلى «الحيض» لا إلى «الأوّل» و «الآخر».

نعم، لو كان اللفظ «الأوّل و الآخر و ما بينهما» لكان ظاهراً في ذلك، لكن أوّل الحيض و وسطه و آخره ظاهر في الاحتمال الأوّل، و بعد ثبوت الكفّارة في جميع أيّامه لا محيص من التثليث.

عدم إلحاق وطء النفساء بالحائض في ثبوت الكفّارة

ثمّ إنّ إلحاق النفاس بالحيض في ذلك ممّا لا دليل عليه، و دعوى الإجماع المتكرّرة علىٰ أنّ النفاس في جميع الأحكام كالحيض «3» بعد استثناء موارد كثيرة و اختلافهما في الأحكام العديدة «4» لا يمكن الاتكال عليها. مع إمكان أن يكون الاشتراك المدعىٰ في التكليفيات.

______________________________

(1) المقنع: 51.

(2) تقدّم بعض الروايات في الصفحة 230 231.

(3) غنية النزوع 1: 40، السرائر 1: 154، منتهى المطلب 1: 126/ السطر 31.

(4) راجع ما يأتي في الصفحة 521، 524 527، 559.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 245

الأمر الرابع في جواز وطء الزوجة قبلًا بعد نقائها و قبل الغسل
اشارة

إذا طهرت الحائض جاز لزوجها وطؤها قبلًا قبل الغسل، و لا يجب عليها الغسل للوطء، كما هو المشهور نقلًا عن «التذكرة» و «المختلف» و «المنتهىٰ» و «جامع المقاصد» «1».

و عن «الخلاف» و «الانتصار» و «الغنية» و ظاهر «التبيان» و «المجمع» و «السرائر» و «الروض» و «أحكام الراوندي» دعوى الإجماع عليه «2».

و عن الصدوق عدم الجواز قبل اغتسالها، لكنّه قال في آخر كلامه:

«إنّه إن كان زوجها شَبِقاً أو مستعجلًا، و أراد وطأها قبل الغسل، أمرها أن تغسل فرجها، ثمّ يجامعها» «3».

و هذا كما ترى، خصوصاً بملاحظة عطف «الاستعجال» على «الشبق» يدلّ علىٰ أنّ مراده الكراهة الشديدة، لا الحرمة.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 265، مختلف الشيعة 1: 189، منتهى المطلب 1: 117/ السطر 12، جامع المقاصد 1: 333.

(2) الخلاف 1: 228 229، الانتصار: 34، غنية النزوع 1: 39، التبيان في تفسير القرآن 2: 221، مجمع البيان 2: 563، السرائر 1: 151، روض الجنان: 80/ السطر 11، فقه القرآن 1: 55.

(3) الفقيه 1: 53.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 246

دلالة آية المحيض على الجواز
اشارة

و كيف كان: فيدلّ على المشهور الآية الشريفة، و هي قوله عزّ و علا يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «1» سواء في ذلك قراءة التخفيف و التضعيف:

1 تقريب دلالة الآية بناءً علىٰ قراءة التخفيف

أمّا الأُولىٰ فظاهر؛ ضرورة أنّ صدر الآية يدلّ علىٰ أنّ وجوب الاعتزال، متفرّع على الأذىٰ، و أنّ المحيض بما أنّه أذى صار سبباً لإيجابه.

و قوله وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ ظاهر في كونه بياناً لقوله فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ لا لأمر آخر غير مربوط بالحيض و الأذىٰ، فكأنّه قال: «إنّ المحيض لمّا كان أذى فاعتزلوهنّ و لا تقربوهنّ حتّى يرتفع الأذىٰ و يطهرن من الطمث».

و قوله فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ تفريع علىٰ ذلك، و ليس مطلباً مستأنفاً مستقلا؛ بشهادة فاء التفريع و الفهم العرفي، فيكون معناه «إذا صرن طاهرات» علىٰ أحد معاني باب «التفعّل». و الحمل على الاغتسال أو الوضوء أو غسل الفرج يدفعه السياق و التفريع، و ينافي صدر الآية الذي هو ظاهر في علّية نفس المحيض الذي هو أذى في وجوب الاعتزال و حرمة القرب.

و ما قيل «2»: «من أنّ التطهّر فعل اختياري، و يشهد به ذيل الآية؛ لأنّ تعلّق

______________________________

(1) البقرة (2): 222.

(2) روض الجنان: 79/ السطر 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 247

الحبّ إنّما هو بفعل اختياري» في غير محلّه إن أُريد ظهوره في ذلك؛ ضرورة أنّ لصيغة «التفعّل» معاني و موارد للاستعمال: بعضها مشهور، و بعضها غير مشهور، كالمجي ء للصيرورة، نحو «تأيّمت المرأة» أي صارت أيّماً أو للانتساب، نحو «تبدّىٰ» أي انتسب إلى البادية. و الظاهر في المقام بمناسبة التفريع علىٰ

ما سبق، و بما أنّ الظاهر من الآية أنّ المحيض هو تمام الموضوع للحكم بالاعتزال و عدم القرب هو كونه بمعنى الصيرورة.

و دعوىٰ عدم تعلّق الحبّ إلّا بالفعل الاختياري غير وجيهة،

كما ورد إنّ اللّٰه جميل يحبّ الجمال «1»

و لا إشكال في تعلّق الحبّ بأُمور غير اختيارية إلىٰ ما شاء اللّٰه.

و أغرب من ذلك دعوى كون «الطهر» حقيقة شرعية في الطهارات الثلاث «2»!! ضرورة أنّ استعمال «الطهر» في المقابل للطمث شائع لغة «3» و عرفاً، و في الأخبار المتظافرة «4»، فاختصاصه بها علىٰ فرض تسليم الحقيقة الشرعية ممنوع. كما أنّ حصول الحقيقة الشرعيّة عند نزول الآية ممنوع. و تقدّم الحقيقة الشرعية على العرفية و اللغوية «5»، لا يخلو من منع.

و بالجملة: من تأمّل الآية الكريمة و خصوصياتها صدراً و ذيلًا، لا يشكّ في أنّ المراد من «الطهر» و «التطهّر» هو زوال الأذى الذي هو المحيض.

______________________________

(1) تفسير العيّاشي 2: 14/ 29، وسائل الشيعة 4: 455، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 54، الحديث 6.

(2) روض الجنان: 79/ السطر 16.

(3) المفردات في غريب القرآن: 307، القاموس المحيط 2: 82، مجمع البحرين 3: 379.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6.

(5) روض الجنان: 79/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 248

2 تقريب دلالة الآية بناءً علىٰ قراءة التضعيف

و ممّا ذكرنا يظهر تقريب الدلالة علىٰ قراءة التضعيف؛ فإنّ صدر الآية- كما عرفت ظاهر في أنّ المحيض الذي هو أذى موجب لوجوب الاعتزال، و معه تكون الغاية لرفعه هو ارتفاع الأذىٰ، فيصير ذلك قرينة علىٰ تعيين أحد المعاني لباب «التفعّل» و هو الصيرورة، و ليس في هذا ارتكاب خلاف ظاهر بوجه.

و لا يمكن العكس بحمل «التطهّر» على الاغتسال،

و رفع اليد عن ظهور الصدر؛ لأنّ حمله عليه بلا قرينة- بل مع القرينة علىٰ ضدّه غير جائز. و يلزم منه حمل صدر الآية علىٰ خلاف ظاهره؛ ضرورة أنّه مع كون غاية الحرمة هي الاغتسال، لا يكون المحيض الذي هو أذى سبباً لوجوب الاعتزال، بل لا بدّ و أن يكون حدث الحيض ممّا هو باقٍ بعد رفعه سبباً له. مع أنّه خلافُ ظاهرٍ بارد بلا قرينة و شاهد.

و بالجملة: دار الأمر بين حفظ ظهور الصدر و قرينيته لتعيين أحد المعاني للفظ المشترك، و بين حملِ اللفظ المشترك علىٰ بعض معانيه بلا قرينة، و رفعِ اليد عن ظاهر آخر بلا وجه.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ ما عليه أصحابنا هو الظاهر من الآية الشريفة؛ بعد ملاحظة الصدر و الذيل و قرينية بعض الكلام المبارك علىٰ بعض، و عليه فلا مجال للدعاوي التي في الباب، خصوصاً ما فصّل شيخنا الشهيد في «الروض» من الوجوه الكثيرة، و تبعه في بعضها الشيخ الأعظم «1» مع إضافات غير وجيهة.

______________________________

(1) روض الجنان: 78 80، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 237/ السطر 19.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 249

ترجيح قراءة التخفيف و إبطال القراءات السبع أو العشر

هذا مع أنّ ترجيح قراءة التخفيف على التضعيف، كالنار على المنار عند أُولي الأبصار؛ ضرورة أنّ ما هو الآن بين أيدينا من الكتاب العزيز، متواتر فوق حدّ التواتر بالالوف و الآلاف؛ فإنّ كلّ طبقة من المسلمين و غيرهم ممّن يبلغ الملايين، أخذوا هذا القرآن بهذه المادّة و الهيئة عن طبقة سابقة مثلهم في العدد .. و هكذا إلىٰ صدر الإسلام، و قلّما يكون شي ء في العالم كذلك.

و هذه القراءات السبع أو العشر لم تمسّ كرامة القرآن رأساً، و لم يعتنِ المسلمون بها و

بقرّائها، فسورة الحمد هذه ممّا يقرأها الملايين من المسلمين في الصلوات آناء الليل و أطراف النهار، و قرأها كلّ جيل علىٰ جيل، و أخذ كلّ طائفة قراءةً و سماعاً من طائفة قبلها إلىٰ زمان الوحي، ترى أنّ القرّاء تلاعبوا بها بما شاؤوا، و مع ذلك بقيت علىٰ سيطرتها، و لم يمسّ كرامتها هذا التلاعب الفضيح، و هذا الدسّ القبيح؟! و هو أدلّ دليل علىٰ عدم الأساس لتواتر القراءات «1» إن كان المراد تواترها عن النبيّ الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مؤيّداً بحديث وضعه بعض أهل الضلال و الجهل «2»، و قد كذّبه أولياء العصمة و أهل بيت الوحي

بقولهم إنّ القرآن واحد من عند واحد «3».

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 9: 291.

(2)

عن ابيّ بن كعب قال: «لقي رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) جبرئيل، فقال: يا جبرئيل إنّي بعثت إلى امّة أُمّيين منهم العجوز و الشيخ الكبير .. إلىٰ أن قال: يا محمّد إنّ القرآن انزل علىٰ سبعة أحرف».

سنن الترمذي 4: 263/ 4013.

(3) الكافي 2: 630/ 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 250

هذا مع أنّ كلّاً من القرّاء علىٰ ما حكي عنهم استبدّ برأيه بترجيحات أدبية «1»، و كُلَّمٰا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهٰا «2» و ظنّي أنّ سوق القراءة لمّا كان رائجاً في تلك الأعصار، فتح كلٌّ دكّةً لترويج متاعه، و اللّٰه تعالىٰ بري ء من المشركين و رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

نعم، ما هو المتواتر هو القرآن الكريم الموجود بين أيدي المسلمين و غيرهم، و أمّا غيره من القراءات و الدعاوي فخرافات فوق خرافات ظُلُمٰاتٌ بَعْضُهٰا فَوْقَ بَعْضٍ «3» و هو تعالىٰ نزّل الذكر و

حفظه أيَّ حفظ، فإنّك لو ترى القرآن في أقصى بلاد الكفر، لرأيته كما تراه في مركز الإسلام و أيدي المسلمين، و أيُّ حفظ أعظم من ذلك!

بيان وجه الجمع العقلائي بين قراءتي التخفيف و التضعيف

ثمّ إنّه لو فرضنا تواتر القراءات و الإجماع علىٰ وجوب العمل بكلّ قراءة، وقع التعارض ظاهراً بين القراءتين.

و لكنّ التأمّل فيما أسلفناه، يقضي بالجمع العقلائي بينهما بحمل «التطهّر» على الطهر بعد الحيض؛ فإنّ رفعَ اليد عن ظهور «التطهّر» في الفعل الاختياري- علىٰ فرض تسليمه و حفظَ ظهور الصدر الدالّ علىٰ أنّ المحيض بما هو أذى علّة أو موضوع لحرمة الوطء و وجوب الاعتزال، أهون من رفع اليد عن الظهور السياقي «للطهر» في كونه مقابل الحيض، و عن الظهور القوي للصدر المشعر

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 9: 296، الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 6: 356 و ما بعدها.

(2) الأعراف (7): 38.

(3) النور (24): 40.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 251

بالعلّية أو الظاهر فيها؛ فإنّ الغاية إذا كانت هي الاغتسال، فلا بدّ أن تكون العلّةُ أو الموضوعُ حدثَ الحيض، لا الحيض الذي أُخذ في الآية موضوعاً.

بل لا بدّ و أن يحمل «الأذىٰ» على التعبّدي، لا العرفي المعلوم للعقلاء، و كلّ ذلك خلاف الظاهر، و ارتكابه بعيد، و أمّا حمل «التطهّر» علىٰ صيرورتها طاهرة، فغير بعيد بعد قضاء مناسبة الحكم و الموضوع له، فترجيح الشيخ الأعظم «1» كأنّه وقع في غير محلّه.

دلالة عموم الكتاب و السنّة علىٰ جواز الوطء قبل الغسل

ثمّ مع الغضّ عن دلالة الآية الشريفة، فمقتضىٰ عموم الكتاب و السنّة أو إطلاقهما هو جواز إتيان النساء في كلّ زمان، خرج منه أيّام المحيض، و بقي الباقي تحت العموم أو الإطلاق. و لا مجال للتمسّك باستصحاب حكم المخصّص، كما حقّق في محلّه «2» خصوصاً إذا قلنا: إنّ قوله تعالىٰ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ «3» بمعنى: متى شئتم.

و أمّا الإشكال في أصل جريان الاستصحاب بدعوى: «أنّ الحرمة منوطة بأيّام الحيض أو بالحائض،

و قد ارتفع المناط علىٰ كلّ تقدير بعد الطهر من الحيض» «4» فغير وجيه:

أمّا أوّلًا: فلأنّ الموضوع لوجوب الاعتزال و حرمة القرب هو النساء بعلّية الحيض، و مع الشكّ في كون العلّة واسطة في الثبوت أو العروض، لا إشكال في

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 237/ السطر 28.

(2) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 188 197.

(3) البقرة (2): 223.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 237/ السطر 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 252

جريان الاستصحاب. و دعوىٰ دلالة الآية علىٰ قطع الحرمة عند رفع الحيض، خروج عن محلّ البحث الذي هو التمسّك بالأصل عند فقدان الدليل الاجتهادي.

و أمّا ثانياً: فلأنّه لو فرضنا أنّ الحكم تعلّق بعنوان «الحائض» لكن بعد انطباق العنوان على الخارج، تكون المرأة الحائض موضوعاً له، و بعد ارتفاع صفتها بقي موضوع الاستصحاب و إن لم يبقَ موضوع الدليل، فمناقشة الشيخ الأعظم في الاستصحاب و تمسّكه بأصل الإباحة، كأنّها علىٰ خلاف مبناه في الأُصول «1». هذا كلّه مع قطع النظر عن الأخبار.

دلالة الأخبار الخاصّة على الجواز من غير فرق بين الشبق و غيره

و أمّا بالنظر إليها فالحكم أوضح؛ لدلالة روايات ابن بكير و ابن يقطين و ابن المغيرة على الجواز صراحة:

ففي الأُولىٰ: التي لا يبعد كونها موثّقة «2»

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء «3».

و في الثانية: التي سندها كذلك «4»

عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن

______________________________

(1) فرائد الأُصول 2: 690.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن عليّ بن الحسن بن فضال، عن محمّد و أحمد ابني الحسن، عن أبيهما، عن عبد اللّٰه بن بكير.

و لا يخفى أنّ في طريق الشيخ إلىٰ عليّ بن الحسن، عليّ بن محمّد بن الزبير القرشي، و لم يرد

فيه توثيق و لكن الأرجح عند المصنّف (قدّس سرّه) قبول رواياته.

راجع ما تقدّم في الصفحة 72 و 79.

(3) تهذيب الأحكام 1: 166/ 476، وسائل الشيعة 2: 325، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 3.

(4) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن عليّ بن الحسن الفضال، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي حمزة، عن عليّ بن يقطين.

قد تقدّم وجه عدم بُعد كونها موثّقة في الصفحة 252، الهامش 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 253

الحائض ترى الطهر، أ يقع بها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال لا بأس، و بعد الغسل أحبّ إليّ «1».

و في الثالثة: التي فيها إرسال

عن العبد الصالح: في المرأة إذا طهرت من الحيض و لم تمسّ الماء، فلا يقع عليها زوجها حتّى تغتسل، و إن فعل فلا بأس به و قال تمسّ الماء أحبّ إليّ «2».

و لا تعارضها

رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر، أ يقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال لا، حتّى تغتسل.

قال: و سألته عن امرأة حاضت في السفر، ثمّ طهرت فلم تجد ماءً يوماً و اثنين، أ يحلّ لزوجها أن يجامعها قبل أن تغتسل؟ قال لا يصلح حتّى تغتسل «3».

و

رواية سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: المرأة تحرم عليها الصلاة، ثمّ تطهر، فتوضّأ من غير أن تغتسل، أ فلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال لا، حتّى تغتسل «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 167/ 481، وسائل الشيعة 2: 325، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 167/ 480، وسائل الشيعة 2: 325، كتاب

الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 166/ 478، وسائل الشيعة 2: 326، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 6.

(4) تهذيب الأحكام 1: 167/ 479، وسائل الشيعة 2: 326، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 254

و

صحيحة أبي عبيدة على الأصحّ «1» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) .. إلىٰ أن قال: «فيأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال نعم؛ إذا غسلت فرجها و تيمّمت فلا بأس «2».

و

موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة حاضت، ثمّ طهرت في سفر، فلم تجد الماء يومين أو ثلاثاً، هل لزوجها أن يقع عليها؟ قال لا يصلح لزوجها أن يقع عليها حتّى تغتسل «3».

من وجوه:

أقربها وجود الجمع العقلائي المقبول بينها. بل في روايات المنع إشعار أو دلالة على الكراهة. هذا مع موافقتها للعامّة «4» و مخالفتها للكتاب «5» و الشهرة «6»، فلا إشكال في الحكم من هذه الجهة.

و أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام): في المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيض في آخر أيّامها، قال إذا أصاب زوجها شَبق فليأمرها فلتغسل فرجها، ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل «7».

______________________________

(1) سيأتي وجهه في الصفحة 258 259.

(2) الكافي 3: 82/ 3، تهذيب الأحكام 1: 400/ 1250، وسائل الشيعة 2: 312، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 21، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 399/ 1244، وسائل الشيعة 2: 313، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 21، الحديث 3.

(4) المجموع 2: 370، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 110 و 134.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب

الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 254

(5) راجع ما تقدّم في الصفحة 246.

(6) راجع ما تقدّم في الصفحة 245.

(7) الكافي 5: 539/ 1، تهذيب الأحكام 1: 166/ 475، وسائل الشيعة 2: 324، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 255

فغير صالحة للشهادة بالجمع بين الأخبار و التفصيل بين الشبِق و غيره، كما عن الصدوق «1» ضرورة أنّ نفس تلك الصحيحة بتعليق الحكم على الشبق دالّة علىٰ أنّ الحكم علىٰ سبيل الكراهة لا الحرمة، و إلّا فلم يكن يعلّقه علىٰ شدّة الميل و الشبق.

اعتبار وقوع الانقطاع في آخر أيّام الحيض لا بعد أيّامه

ثمّ إنّ ظاهر الصحيحة هو كون الانقطاع في آخر أيّام الحيض، لا بعد أيّامه، كما هو ظاهر «آخر أيّامها» بل يشعر به قوله: «ينقطع عنها الدم» فما في «الروض»: «من أنّ الدليل و الفتوىٰ شاملان للانقطاع قبل انقطاع العادة» «2» وجيه؛ لما ذكرنا، و لإطلاق بعض الأدلّة «3» فما ربّما يستشكل من جهة احتمال معاودة الدم؛ لأنّ عوده في العادة من الأُمور الجِبِلّية، بخلافه بعدها «4»، في غير محلّه.

نعم، لو كانت عادتها الرجوع بعد الانقطاع و لو بالعادة الشرعية، لكان الإشكال في محلّه. بل الظاهر خروج مثله عن موضوع أدلّة الجواز، و دخوله في أيّام العادة، كما مرّ الكلام فيه «5».

______________________________

(1) الفقيه 1: 53/ 199، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 50/ السطر 8.

(2) روض الجنان: 81/ السطر 12.

(3) كموثّقة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء.

راجع ما تقدّم في

الصفحة 252.

(4) انظر روض الجنان: 81/ السطر 13.

(5) تقدّم في الصفحة 189 190.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 256

جواز الوطء قبل غسل الفرج

ثمّ إنّ ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم «1» وجوب غسل الفرج شرطاً لجواز إتيان الزوج، كما عن ظاهر الأكثر «2» و صريح «الغنية» «3».

و في «المجمع» «4» و عن ظاهر «التبيان» «5» و «أحكام الراوندي» «6» توقفه علىٰ أحد الأمرين: غسل الفرج، أو الوضوء، و لم يتضح دليل الثاني.

و عن الحلّي و المحقّق في «المعتبر» و الشهيد الندب «7»، و هو الأقوىٰ؛ لقوّة ظهور الآية الشريفة في عدم دخل شي ء غير ارتفاع الحيض و حصول الطهر من وجوه:

كالتعليل المستفاد من تفريع الاعتزال على الأذى الذي هو المحيض.

و من جعل الغاية لحرمة القرب الطهر منه.

و من تفريع التطهّر عليه، و قد مرّ ترجيح حمله علىٰ حصول الطهر «8».

و من ظهور الآية في علّية التطهّر الذي هو حصول الطهر لجواز الإتيان.

و لعموم آية حرثية النساء أو إطلاقها، و إطلاقات الروايات التي في مقام البيان.

______________________________

(1) الكافي 5: 539/ 1، تهذيب الأحكام 1: 166/ 475، وسائل الشيعة 2: 324، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 1. و قد تقدّم في الصفحة 254.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 238/ السطر 9.

(3) غنية النزوع 1: 39.

(4) مجمع البيان 2: 563.

(5) التبيان في تفسير القرآن 2: 221.

(6) فقه القرآن 1: 57.

(7) السرائر 1: 151، المعتبر 1: 236، ذكرى الشيعة 1: 272.

(8) تقدّم في الصفحة 246 247.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 257

و من جعل غسل الفرج قريناً للتيمّم في صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة «1»، و لا إشكال في عدم شرطية التيمّم وجوباً؛ لأنّه بدل الغسل الذي

قد عرفت عدم شرطيته للجواز، فنفس هذا الاقتران يشعر بل يدلّ علىٰ كون الغسل من قبيل التيمّم. كما أنّ جعل الجزاء عدم البأس، مشعر أو دالّ على الكراهة مع فقدانهما أو فقدان أحدهما.

و من جميع ذلك يعلم تعيّن حمل صحيحة ابن مسلم على الرجحان، أو رفع الكراهة، فيستفاد من مجموع الروايات كون الكراهة ذات مراتب، يرفع جميعها بالغسل، و بعضها بالتيمّم و غسل الفرج، ثمّ بالتيمّم فقط، أو غسل الفرج فقط.

و أمّا الوضوء و إن لم نعثر علىٰ دليله، لكن لا بأس باستحبابه بعد ظهور فتوى الشيخ في «التبيان» و «أحكام الراوندي» علىٰ ما حكي و بعد نسبة الطبرسي ذلك إلىٰ مذهبنا، و الأولى الإتيان به رجاءً.

ارتفاع المنع أو المرجوحية مع تيمّم المرأة

ثمّ إنّ الظاهر من أدلّة بدلية التيمّم للغسل «2» و التراب للماء «3» و كونه أحد الطهورين «4» و ربّه و ربّ الماء واحد «5» هو قيامه مقامه في زوال المنع على

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 254.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 1، و الباب 24، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 13 و 15 و 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 258

القول به و في زوال الكراهة على المشهور لولا بعض الأخبار الدالّة علىٰ بقاء الكراهة بمرتبة.

و ما يقال: «من أنّ بدليته له إنّما هي فيما يشترط بالطهر، دون مطلق الأغسال» «1».

ففيه: أنّ ما نحن فيه أيضاً كذلك؛ لأنّ الظاهر من الأدلّة هو اشتراط الجواز- علىٰ

فرضه و زوال الكراهة بالطهور الذي هو شرط الصلاة.

و قد يقال: إنّ أثر التيمّم يزول بالجماع، و معه لا معنىٰ له «2».

و فيه علىٰ ما سيأتي في محلّه «3» منع زوال أثره؛ أي رفع حدث الحيض عن موضوع الفاقد كسائر الأحداث، و أنّ التيمّم رافع لا مبيح.

هذا مع أنّ صحيحة أبي عبيدة «4» و رواية الساباطي «5» تدلّان على المقصود.

و المناقشة في سند الاولىٰ «6» في غير محلّها؛ فإنّ سهل بن زياد و إن

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 238/ السطر 15.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 282/ السطر 19.

(3) يأتي في الجزء الثاني: 220.

(4) الكافي 3: 82/ 3، تهذيب الأحكام 1: 400/ 1250، وسائل الشيعة 2: 312، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 21، الحديث 1. و قد تقدّم أيضاً في الصفحة 254.

(5)

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن المرأة إذا تيمّمت من الحيض، هل تحلّ لزوجها؟

قال: نعم.

تهذيب الأحكام 1: 405/ 1268، وسائل الشيعة 2: 313، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 21، الحديث 2.

(6) جواهر الكلام 3: 208.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 259

ضُعّف «1» لكنّ المتتبّع في رواياته يطمئنّ بوثاقته من كثرة رواياته و إتقانها و اعتناء المشايخ بها فوق ما يطمئنّ من توثيق أصحاب الرجال، كما رجّحنا بذلك وثاقة إبراهيم بن هاشم القمّي و محمّد بن إسماعيل النيسابوري راوية الفضل بن شاذان و غيرهما «2». و لا أستبعد كون الزبيري أيضاً من هذا القبيل.

______________________________

(1) قال النجاشي في شأنه: «كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد فيه، و كان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ و الكذب و أخرجه من قم إلى الري».

رجال النجاشي: 185/ 490، تنقيح المقال 2: 75/

السطر 19 (أبواب السين).

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 77 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 260

الأمر الخامس عدم إجزاء غسل الحيض عن الوضوء
في الوجوب الشرطي لغسل الحيض

إذا طهرت وجب عليها الغسل للغايات المشروطة بالطهارة وجوباً شرطياً. و هو غير الوجوب المقدّمي؛ لما قد ذكرنا في محلّه من عدم وجوب المقدّمة شرعاً، بل أثبتنا عدم تعقّل وجوبها الشرعي «1».

و أمّا الوجوب الشرطي للطهور سواء كان بمعنى نفس الأغسال و الوضوء، أو أمراً حاصلًا منها فلا مانع منه؛ لكونه إرشاداً إلى الحكم الوضعي. لا بمعنى استعمال الهيئات الموضوعة للبعث و الإغراء في المعنى الوضعي، بل بمعنى استعمالها في معانيها لغرض إفهام التوقّف و الحكم الوضعي، فقوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. «2» إلىٰ آخره، بعث و إغراء إلى الغسل و المسح، لكن لغرض إفهام اشتراط الصلاة بهما، أو بما يحصل منهما، و بهذا المعنىٰ يقال للوضوء: «أنّه فريضة» و كذا للغسل.

و يمكن أن يقال: إنّ المراد ب «الفريضة» المستعملة في الروايات على الوضوء «3» و الغسل «4» هو الفريضة في الصلاة؛ أي ما هو لازم للصلاة، كما يشهد

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 410 415، تهذيب الأُصول 1: 278 279.

(2) المائدة (5): 6.

(3) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 1 و 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 261

بذلك

صحيحة زرارة في باب الوضوء، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الفرض في الصلاة، فقال الوقت، و الطهور، و القبلة، و التوجّه، و الركوع، و السجود، و الدعاء «1».

فمقارنة الوقت بسائر المذكورات، دليل علىٰ أنّ الفرض فيها كالفرض فيه، و

معلوم أنّ المراد بكون الوقت فرضاً في الصلاة، ليس إلّا كون الوقت شرطاً فيها، أو كون الصلاة المقيّدة به واجبة، لا أنّ الوقت واجب نفسي أو غيري. و حال سائر المذكورات كحاله، فلا يكون الوضوء و الغسل فريضة نفسية أو غيرية، بل هما مستحبّان عباديان، و جُعلا شرطاً للصلاة بما هما كذلك، و لهذا لا يقعان بلا قصد التقرّب.

و لا يمكن أن يكون ذلك لأجل الأمر الغيري المقدّمي لو فرض إمكان هذا الأمر و تحقّقه ضرورة أنّ الأمر الغيري لا يتعلّق إلّا بما هو موقوف عليه، و به يتوصّل إلىٰ ذي المقدّمة، فلو توقّفت الصلاة على الغسل مطلقاً لم يدعُ الأمر إلّا إليه، و لازمه صحّته و لو بلا قصد التقرّب، كسائر الشرائط. و لو توقّفت على الغسل العبادي، فلا بدّ من تقدّم عباديته على الأمر الغيري، و لا يعقل أن يكون الأمر الغيري مصحّحاً لعباديته، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «2».

و كيف كان: فالتحقيق عدم وقوع الطهارات إلّا مستحبّة نفسية، و لا تخرج بواسطة وقوعها مقدّمة للواجب عمّا هي عليه، كما لا يوجب تعلّق النذر و العهد بها انقلابَها عمّا هي عليه؛ ضرورة أنّ متعلّق وجوب النذر هو عنوان «الوفاء» لا عنوان «الوضوء» و «الغسل» و إن اتحد العنوانان في الخارج، و الاتحاد في ظرف

______________________________

(1) الكافي 3: 272/ 5، تهذيب الأحكام 2: 241/ 955، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 3.

(2) مناهج الوصول 1: 383 386، تهذيب الأُصول 1: 251 256.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 262

العين لا يمكن أن يكون موجباً لسراية الوجوب من عنوان إلىٰ آخر.

فالواجب المقدّمي الغيري علىٰ فرض التسليم ليس

إلّا حيثية ما يتوصّل به إلىٰ ذي المقدّمة، لا ذات المقدّمة؛ علىٰ ما هو التحقيق من وجوب المقدّمة الموصلة بما أنّها موصلة علىٰ فرض وجوبها «1»، و هي متحدة في الخارج مع ذات المقدّمة، و لا يسري الوجوب من موضوعه إلىٰ موضوع آخر و لو اتحد العنوانان في الخارج، كما حقّق في محلّه «2»، فلا يكون الغسل واجباً غيرياً.

كما لا يكون واجباً نفسياً، و لا يمكن استفادة الوجوب النفسي من الأوامر المتعلّقة به؛ ضرورة ظهورها في الإرشاد بالمعنى المتقدّم في أمثال المقام، فما عن «المدارك» من تقوية الوجوب لذاته «3» في غير محلّه.

عدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء عدا غسل الجنابة
اشارة

ثمّ إنّ المشهور عدم إجزاء الغسل غير الجنابة عن الوضوء للصلاة و غيرها ممّا هي مشروطة بالطهور «4».

بل عن الصدوق: «أنّ لزوم الوضوء معه من دين الإمامية» «5» و لم ينقل الخلاف عن المتقدّمين إلّا عن السيّد و أبي عليّ «6».

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 387 401، تهذيب الأُصول 1: 256 270.

(2) مناهج الوصول 2: 77 و 132.

(3) مدارك الأحكام 1: 357.

(4) مدارك الأحكام 1: 358، مفتاح الكرامة 1: 377/ السطر 24، جواهر الكلام 3: 240.

(5) أمالي الصدوق: 515.

(6) جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 24، انظر مختلف الشيعة 1: 178.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 263

و الأقوى ما هو المشهور حتّى مع قطع النظر عن الشهرة التي هي في مثل تلك المسألة حجّة برأسها؛ للعمومات الدالّة علىٰ لزوم الوضوء عند عروض أسبابه «1»، و لا يمكن تخلّفه فيما نحن فيه حتّى نحتاج إلىٰ عدم القول بالفصل، مع عدم تمامية أدلّة الخصم. فلا بدّ من بيان حال الروايات حتّى يتضح الحال:

حول الأخبار الواردة في المقام
اشارة

فنقول: إنّ الأخبار علىٰ طوائف:

منها: ما يدلّ علىٰ أنّ الغسل يجزي عن الوضوء من غير قيد،

كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الغسل يجزي عن الوضوء، و أيّ وضوء أطهر من الغسل؟! «2».

و

مرسلة الكليني قال: روي أيُّ وضوء أطهر من الغسل؟! «3».

و

صحيحة حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن غسل الجنابة .. إلىٰ أن قال قلت: إنّ الناس يقولون يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحك و قال و أيُّ وضوء أنقىٰ من الغسل و أبلغ؟! «4»

بناءً علىٰ كون الذيل بصدد بيان الماهية، لا غسل الجنابة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 245،

كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1 و 2 و 3 و 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 139/ 390، وسائل الشيعة 2: 244، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 45/ 13، وسائل الشيعة 2: 245، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 8.

(4) تهذيب الأحكام 1: 139/ 392، وسائل الشيعة 2: 247، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 264

و منها: ما دلّ علىٰ أنّ الوضوء معه بدعة،

كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الوضوء بعد الغسل بدعة «1».

و

رواية عبد اللّٰه بن سليمان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول الوضوء بعد الغسل بدعة «2».

و

مرسلة محمّد بن أحمد بن يحيىٰ أنّ الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة «3».

و منها:

ما ورد في خصوص غسل الجنابة، كصحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) ذكر فيها كيفية غسل الجنابة فقال ليس قبله و لا بعده وضوء «4».

و

رواية محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّ أهل الكوفة يروون عن علي (عليه السّلام) أنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة، قال كذبوا علىٰ عليٍّ (عليه السّلام) ما وجدوا ذلك في كتاب علي (عليه السّلام) قال اللّٰه تعالىٰ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «5» «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 140/ 396، وسائل الشيعة 2: 245، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 9.

(2) الكافي 3: 45/ 12، تهذيب الأحكام 1: 140/ 395، وسائل الشيعة 2: 245، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 140/ 394، وسائل الشيعة 2: 245، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة،

الباب 33، الحديث 5.

(4) تهذيب الأحكام 1: 148/ 422، وسائل الشيعة 2: 230، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 26، الحديث 5.

(5) المائدة (5): 6.

(6) تهذيب الأحكام 1: 139/ 389، الإستبصار 1: 125/ 426، وسائل الشيعة 2: 247، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 265

و

صحيحة البزنطي، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال بعد ذكر كيفية غسل الجنابة و آدابه و لا وضوء فيه «1».

و منها: ما فصّل بين غسل الجنابة و غيره،

كمرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة «2».

و

روايته الأُخرى الصحيحة إليه، عن حمّاد بن عثمان أو غيره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة «3».

وجه الجمع بين الطوائف السابقة

و هذه الروايات كما ترى قابلة للجمع العقلائي؛ بحمل الروايات المطلقة علىٰ غسل الجنابة بشهادة الطوائف الأُخر.

و لا يبعد هذا الجمع بعد كون غسل الجنابة هو الغسل المتداول الأكثري المحتاج إليه جميع طوائف المكلّفين، بخلاف سائر الأغسال كالحيض و النفاس ممّا يحتاج إليهما طائفة منهم في بعض أوقاتها، و كغسل الاستحاضة الذي يكون الاحتياج إليه نادراً لبعض المكلّفين، و كغسل الجمعة و غيره ممّا لا يكون إلّا في بعض الأحيان و لبعض المكلّفين، فلا يكون الحمل المذكور موجباً لحمل المطلق على الفرد النادر البشيع.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 131/ 363، وسائل الشيعة 2: 247، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 45/ 13، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 143/ 403، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة،

الباب 35، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 266

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من

صحيحة حكم بن حكيم حيث قال فيها: «إنّ الناس يقولون: يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ..» إلىٰ آخره، و رواية محمّد بن مسلم حيث قال فيها: «إنّ أهل الكوفة يروون عن عليّ (عليه السّلام) ..» إلىٰ آخره

أنّ كون الوضوء قبل غسل الجنابة، كان مورداً للبحث بين الناس، حتّى كذبوا علىٰ عليّ (عليه السّلام) بأنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة، و هو يوجب قرب الحمل المذكور، و قرب احتمال أن يكون تلك الروايات القائلة ب

«أنّ الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة

و أنّ

الغسل يجزي عن الوضوء

و أنّ

أيّ وضوء أطهر من الغسل؟!

ناظرةً إلى الكذب المذكور و الخلاف المعهود.

مع أنّ أحد قولي الشافعي أيضاً وجوب الوضوء قبل الغسل من الجنابة أو بعده «1». و كيف كان فلا أرىٰ بأساً بهذا الجمع بعد التنبّه إلىٰ ما ذكرنا.

الروايات المتعرّضة لإجزاء غسل الجمعة أو العيد عن الوضوء
اشارة

نعم، هنا طائفة أُخرى من الروايات متعرّضة للأغسال الأُخرىٰ إمّا ضعيفةٌ سنداً و إن كانت تامّة الدلالة، أو معتبرةٌ سنداً ضعيفةٌ دلالةً لا بدّ من التعرّض لها:

فمن الأُولىٰ:

رواية إبراهيم بن محمّد: أنّ محمّد بن عبد الرحمن الهمداني كتب إلىٰ أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة، فكتب لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة و غيره «2».

______________________________

(1) المغني، ابن قدامة 1: 217 218.

(2) تهذيب الأحكام 1: 141/ 397، وسائل الشيعة 2: 244، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 267

و هذه الرواية و إن كانت صريحة الدلالة، إلّا أنّ ضعف سندها «1» مانع عن

العمل بها،

كمرسلة حمّاد بن عثمان الضعيفة «2» زائداً على الإرسال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك، أ يجزيه من الوضوء؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أيُّ وضوء أطهر من الغسل «3».

و من الثانية:

موثّقة عمّار الساباطي قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل إذا اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال لا، ليس عليه قبلُ و لا بعدُ، قد أجزأه الغسل، و المرأة مثل ذلك؛ إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبلُ و لا بعدُ، قد أجزأها الغسل «4».

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن الحسن بن عليّ بن إبراهيم، عن جدّه إبراهيم بن محمّد.

و الرواية ضعيفة بالحسن بن عليّ بن إبراهيم الهمداني فإنّه مهمل.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد، عن موسى بن جعفر و الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن حمّاد بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام).

و الرواية ضعيفة بموسى بن جعفر بن وهب البغدادي و الحسن بن الحسين اللؤلؤي، ف إنّ الأوّل مهمل لم يرد في شأنه شي ء من الجرح أو التعديل. و الثاني اختلف في وثاقته فوثّقه النجاشي في ترجمته و استثناه ابن الوليد من رجال محمّد بن أحمد بن يحيىٰ، و لهذا ضعّفه المصنّف (قدّس سرّه) في الجزء الثاني: 377.

رجال النجاشي: 40/ 83، و: 348/ 939، و: 406/ 1076، الفهرست: 162/ 707.

(3) تهذيب الأحكام 1: 141/ 399، وسائل الشيعة 2: 245، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 1:

141/ 398، وسائل الشيعة 2: 244، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 268

و هذه الرواية و إن كانت معتبرة سنداً، لكن في دلالتها ضعف و مناقشة؛ لقرب احتمال كون المراد منها أنّ الأغسال جنابة كانت أو جمعة أو غيرها لا يشترط فيها الوضوء؛ لا قبلُ و لا بعدُ، فليست الرواية بصدد بيان حكم الصلاة، بل بصدد بيان حكم الغسل؛ و أنّ الغسل هل يتمّ بلا وضوء، و يجزي غسل الجنابة عن رفع الحدث، و كذا غسل الحيض، و يجزي غسل الجمعة عن الوظيفة المستحبّة، أو يحتاج إلىٰ ضمّ وضوء قبله أو بعده؟

و الشاهد علىٰ قرب هذا الاحتمال ذكر قبل و بعد ممّا يشعر بارتباط بين الوضوء و الغسل، و إلّا فوضوء الصلاة غير مرتبط بالغسل، فكان على السائل أن يسأل: «أنّ الغسل مجزٍ عن الوضوء للصلاة؟» كما في مكاتبة الهمداني.

عدم كون الروايات في مقام بيان إجزاء الغسل عن الوضوء

و عليه يمكن حمل الروايات الواردة في أنّ الوضوء قبل الغسل أو بعده بدعة علىٰ هذا المعنىٰ؛ أي علىٰ أنّ الوضوء لأجل تتميم الغسل قبله أو بعده بدعة، و هو كذلك في جميع الأغسال من غير فرق بين غسل الجنابة و غيره، و هو غير مربوط بإجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة.

و يشهد لما ذكرنا ملاحظة سائر الروايات الواردة في هذا المضمار،

كصحيحة يعقوب بن يقطين، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن غسل الجنابة، فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل؟ قال الجنب يغتسل؛ يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين قبل أن يغمسهما في الماء، ثمّ يغسل ما أصابه من أذى ثمّ يصبّ علىٰ رأسه و علىٰ وجهه و علىٰ جسده كلّه، ثمّ قد

قضى الغسل، و لا وضوء عليه «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 142/ 402، وسائل الشيعة 2: 246، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 269

حيث إنّ الظاهر من سؤاله أنّ غسل الجنابة فيه وضوء أم لا؟ و أنّ جبرئيل كيف بيّن ماهية غسل الجنابة و شرح كيفيته؟ أنّ ما نزل به جبرئيل هل هو مع الوضوء بحيث يكون الوضوء شرطاً له أم لا؟

و يشهد لذلك كيفية الجواب؛ حيث شرع في بيان كيفية الغسل، و قال بعد تمام الكيفية ثمّ قد قضى الغسل، و لا وضوء عليه أي تمّ الغسل من غير مدخل للوضوء في تحقّقه و تماميته، و هو أمر آخر غير إجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة، و لو كان السؤال عنه لما كان بهذه العبارة، كما أنّ الجواب لا يناسب ذلك.

و مثلها

صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن غسل الجنابة، فقال تبدأ فتغسل كفّيك، ثمّ تفرغ بيمينك علىٰ شمالك فتغسل فرجك و مرافقك ثمّ تمضمض و استنشق، ثّم تغسل جسدك من لدن قرنك إلىٰ قدميك، ليس قبله و لا بعده وضوء، و كلّ شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته، و لو أنّ رجلًا جنباً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة، أجزأه ذلك و إن لم يدلك جسده «1».

فإنّ زرارة سأله عن كيفية غسل الجنابة، و هو (عليه السّلام) بصدد بيانها، و ذكر عدم الوضوء قبله و بعده، خصوصاً في خلال بيان الكيفية، و بالأخصّ مع تعقيبه بقوله

و كلّ شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته

ممّا يوجب الظهور في أنّ المراد عدم دخل الوضوء في كيفية الغسل و تحقّقه و رفع الجنابة، و هو أمر

غير احتياج الصلاة إلى الوضوء و عدمه بعد رفع الجنابة.

و مثلهما بل أوضح منهما

صحيحة حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن غسل الجنابة، قال أفِضْ علىٰ كفّك اليمنىٰ من الماء

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 148/ 422، وسائل الشيعة 2: 230، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 26، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 270

فاغسلها ..

و ذكر كيفية الغسل إلىٰ أن

قال قلت: إنّ الناس يقولون يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحك و قال و أيُّ وضوءٍ أنقىٰ من الغسل و أبلغ؟! «1».

حيث إنّ السائل سأل عن الكيفية، و بعد ما رأى عدم ذكر الوضوء في كيفية الغسل قال: «إنّ الناس يقولون ..» إلىٰ آخره، و مراده ظاهراً أنّ الناس يزعمون في كيفية الغسل: أنّ للغسل وضوءً كوضوء الصلاة، فكما أنّ الصلاة لا تصحّ بلا وضوء كذلك الغسل، و هذا كالصريح فيما ذكرنا من عدم كون السائل و المجيب في مقام بيان إجزاء الغسل عن الوضوء، بل بصدد السؤال و الجواب عن دخله في تحقّق الغسل و صحّته.

و يؤيّده قوله

أيُّ وضوءٍ أنقىٰ من الغسل و أبلغ؟!

أي لا دخل له في النقاء، و الغسل أبلغ في حصول الطهارة و الرافعية من الوضوء.

و ممّا ذكرنا يظهر حال سائر الروايات؛ حتّى أنّ

رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السّلام) التي تخالف تلك الروايات تشهد بما ذكرنا، قال: سألته قلت: كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال اغسل كفّك و فرجك، و توضّأ وضوء الصلاة، ثمّ اغتسل «2».

لأنّ الظاهر منها أنّ هذا الأمر، كان معهوداً في تلك الأعصار؛ و أنّ اشتراط تحقّق الغسل بالوضوء كان مورد البحث و الكلام، فورود تلك

الروايات لرفع الشبهة المذكورة.

و حينئذٍ لا يبعد أن تكون

مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) كلّ

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 139/ 392، وسائل الشيعة 2: 247، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 140/ 393، وسائل الشيعة 2: 247، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 271

غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة «1»

و

مرسلته الأُخرىٰ أو صحيحته، عنه «2» قال في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة «3»

أيضاً من هذا الوادي، و لا تكون ناظرة إلىٰ إجزائه عنه للصلاة.

فتبقىٰ

صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الغسل يجزي عن الوضوء، و أيُّ وضوءٍ أطهر من الغسل؟! «4»

بلا معارض.

إلّا أن يقال: إنّه بعد كون جميع الروايات إلّا رواية واحدة هي مكاتبة الهمداني مربوطة بتلك المسألة؛ أي بدخل الوضوء في تحقّق الغسل، و أنّ تلك المسألة كانت مطرحاً في ذلك العصر، لم يبقَ ظهور للصحيحة في إجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة، بل من المحتمل قوياً كونها بصدد بيان ما تكون سائر الروايات بصدده؛ من إجزاء كلّ غسل و كفايته عن الوضوء في رفع الجنابة أو حدث الحيض أو حصول وظيفة الجمعة و العيد، خصوصاً مع ورود نظير قوله

أيُّ وضوءٍ أطهر من الغسل؟!

في صحيحة حكم بن حكيم التي عرفت ظهورها في عدم شرطية الوضوء للغسل.

فحينئذٍ يبقىٰ إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء للصلاة بلا دليل إلّا قوله

______________________________

(1) الكافي 3: 45/ 13، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 1.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن

ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان أو غيره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): فإنّ الطريق إلى ابن أبي عمير صحيح كما تقدّم في الصفحة 265، و لكنّ الراوي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مردّد بين حمّاد بن عثمان و راوٍ آخر غير معلوم، فالرواية أمّا صحيحة أو مرسلة.

(3) تهذيب الأحكام 1: 143/ 403، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 2.

(4) تقدّم في الصفحة 263.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 272

تعالىٰ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «1» علىٰ تأمّل في دلالته. لكنّ الحكم واضح لا يحتاج إلىٰ إقامة دليل.

و أمّا سائر الأغسال:

فمقتضى القاعدة و العمومات عدم كفايتها للصلاة مع الابتلاء بالحدث الأصغر، و في غير مورده يتمّ بعدم القول بالفصل.

و يدلّ على المقصود في خصوص ما نحن فيه بل في أعمّ منه و من غسل الاستحاضة بعضُ الروايات،

كمرسلة يونس الطويلة، و فيها في السنّة الاولىٰ من السنن الثلاث و سئل عن المستحاضة فقال: إنّما هو عِرق غابر أو رَكْضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ثمّ تغتسل، و تتوضّأ لكلّ صلاة.

قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل الشِّعْب «2».

فإنّ الظاهر أنّ الغسل هو غسل الحيض و قد أمرها بالوضوء لكلّ صلاة، تأمّل.

و قد يستدلّ لعدم الاحتياج إلى الوضوء بإطلاق الأوامر الواردة في الأغسال من غير ذكر وضوء «3». و هو محلّ المنع.

نعم، وردت روايات في باب الاستحاضة لا يبعد إطلاقها، و سيأتي الكلام فيها إن شاء اللّٰه «4».

هذا كلّه مع قطع النظر عن اشتهار الحكم بين الأصحاب؛ ممّا يُشرف المنصف بالنظر إليه على القطع بكون الحكم معروفاً من الصدر الأوّل،

______________________________

(1) المائدة (5):

6.

(2) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 129، مدارك الأحكام 1: 361.

(4) يأتي في الصفحة 458 460.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 273

و مأخوذاً من الطبقات المعاصرة لزمن المعصومين (عليهم السّلام). و خلاف ابن الجنيد «1» غير معتدّ به، و خلاف السيّد «2» لا يضرّ بعد عدم موافق له من المتقدّمين، كخلاف الأردبيلي و أتباعه «3» ممّن لا يعتنون بالشهرات و الإجماعات.

حول وجوب تقديم الوضوء على الغسل وجوباً شرطياً

و ممّا ذكرنا يظهر الحال في خلاف آخر: و هو وجوب تقديم الوضوء على الغسل وجوباً شرطياً في خصوص الأغسال الواجبة، أو فيها و في المستحبّة «4» أو وجوب التقديم شرعياً لا شرطياً، كما عن المولى البهبهاني «5».

و وجه اللزوم شرطياً: هو الاستظهار من مرسلتي ابن أبي عمير و حمل المطلق على المقيّد؛ أي إحدى المرسلتين على الأُخرىٰ، فمع دعوى اختصاصهما بالواجبات تكونان مبنى الأوّل.

و مع التعميم مؤيّداً برواية

علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام) قال إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ و اغتسل «6»

تكونان مبنى الثاني.

و مع إنكار الظهور في الشرطية مبنى الثالث.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 262.

(2) تقدّم في الصفحة 262.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 126 132، مدارك الأحكام 1: 361، ذخيرة المعاد: 49/ السطر 7.

(4) انظر جواهر الكلام 3: 246.

(5) مصابيح الظلام 1: 239/ السطر 3 (مخطوط).

(6) تهذيب الأحكام 1: 142/ 401، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 274

لكن قد عرفت كون جميع روايات الباب تقريباً من وادٍ واحد؛ هو إثبات الشرطية و نفيها، فحينئذٍ يقع التعارض بين ما تقدّم و بين موثّقة

عمّار الساباطي حيث صرّح فيها بعدم الوضوء قبل غسل الجنابة و الجمعة و العيد و الحيض و بعدها «1»، فلا بدّ من حمل المرسلتين و رواية ابن يقطين على الاستحباب جمعاً، و إن كان القول بالاستحباب أيضاً لا يخلو من مناقشة؛ لما دلّ علىٰ أنّ الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة، و لعدم ذكر الوضوء في شي ء من الروايات الواردة في باب الأغسال الواجبة و المستحبّة، مع كثرتها جدّاً، و كون كثير منها في مقام بيان الآداب، و بعد عدم التنبيه علىٰ هذا الأدب الذي لو كان مستحبّاً لكان أهمّ من سائر الآداب، و إنّما ذكر ذلك في رواية واحدة هي رواية ابن يقطين و مرسلةٍ يمكن أن تكون عين تلك الرواية، مع ظهورها في الشرطية التي قد عرفت حالها.

و كيف كان: فممّا يوجب الجزم بعدم شرطية الوضوء للأغسال الواجبة و المستحبّة، هو تلك الروايات الكثيرة الواردة في مقام بيان كيفية الغسل، كروايات غسل الميّت «2» و غسل المسّ «3» و ما ورد في الأغسال المستحبّة علىٰ كثرتها «4» فإنّ عدم ذكره فيها دليل قطعي علىٰ عدم اشتراطها به، و عدم وجوبه قبلها.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 267.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 479، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 2.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 289، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 303 340، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، أحاديث الأبواب.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 275

في كيفية رفع غسل الحيض و الوضوء الحدثين

بقي الكلام في شي ء تعرّض له صاحب «الجواهر»: «و هو أنّ الغسل و الوضوء هل هما مشتركان في رفع الحدثين، أو هما رافعان على التوزيع؛ فالغسل للأكبر، و الوضوء للأصغر؟» «5».

و

تفصيل الكلام بحسب مقام التصوّر: أنّه قد يقع الكلام فيما إذا وجد سبب الأصغر و الأكبر، و تقدّم أحدهما على الآخر أو تأخّر أو تقارنا.

و قد يقع فيما إذا وجد سبب الأكبر فقط.

فعلى الأوّل: يمكن أن يكون الحدثان ماهيتين متباينتين؛ فيؤثّر الأصغر في ماهية، و الأكبر في ماهية مباينة لها.

و يمكن أن يؤثّر كلٌّ في ماهية متخالفة مع الأُخرىٰ؛ قابلة للانطباق علىٰ وجود خارجي في القدر المشترك، فيكون «الحدث الأصغر» عنواناً منطبقاً علىٰ مرتبة من الحدث الأكبر، و يكون الأكبر ذا مراتب: مرتبة غير منطبق عليها عنوان «الأصغر»، و مرتبة منطبق عليها عنوانه.

و يمكن أن يكون المقدار المشترك وجوداً شخصياً؛ إن قدّم سبب الأصغر في إيجاده، يكون سبب الأكبر مؤثّراً في مرتبة اخرىٰ، و إن قدّم سبب الأكبر لا يؤثّر الأصغر، فيكون السببان بالنسبة إلى المرتبة المشتركة كالأسباب المتعاقبة للحدث الأصغر.

ثمّ إنّ مقتضى الاحتمال الأوّل و الثاني؛ هو فعلية سببية كلّ موجِبٍ في

______________________________

(5) جواهر الكلام 3: 247.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 276

مسبَّبه الخاصّ، و رافعية الوضوء للحدث الأصغر و الغسل للأكبر، فمع الغسل ترفع الماهية الآتية من سبب الأكبر، و تبقى الماهية الآتية من سبب الأصغر. و أمّا احتمال اشتراكهما في رفع المجموع فضعيف جدّاً.

و لازم الثالث هو رفع الغسل ما يأتي من قِبل سبب الأكبر، و عدم الاحتياج إلى الوضوء إن كان الغسل رافعاً لتمام ما يجي ء من سبب الأكبر، و بمقدار الاختصاص لو قلنا: بأنّ ما يجي ء من سبب الأكبر لا يرتفع تمامه به، فيكون الرافع للبقية هو الوضوء.

و أمّا احتمال كونهما مشتركين في أصل الرفع بمعنى عدم تأثير الغسل مطلقاً إلّا بضمّ الوضوء فقد دفعناه في

المسألة السابقة. كما أنّ احتمال كون الغسل رافعاً لتمام ما يأتي من سبب الأكبر في الفرض الثالث ممّا يلزم منه عدم الاحتياج إلى الوضوء تدفعه الشهرة السابقة مع عمومات أسباب الوضوء كما مرّ «1». فاحتمال الاشتراك بهذا المعنىٰ ضعيف مدفوع بما سلف، و أمّا علىٰ سائر الاحتمالات، فلا يكون الاشتراك إلّا بوجه لا ينافي الاختصاص.

فحينئذٍ يكون الوضوء علىٰ جميع الاحتمالات المعتبرة رافعاً لما يأتي من سبب الأصغر، و الغسل لما يأتي من سبب الأكبر علىٰ بعض الاحتمالات المتقدّمة، و علىٰ بعض الاحتمالات يكون الوضوء رافعاً لبعض ما يأتي من سبب الأكبر، و الغسل لبعض آخر، فيكون كلٌّ منهما رافعاً، فما عن «السرائر»: من كون الوضوء غير رافع، بل مبيح تقدّم أو تأخّر، و الغسل رافع كذلك «2»، غير وجيه.

هذا كلّه مع تحقّق السببين.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 272 273.

(2) السرائر 1: 151.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 277

في الالتزام بالتوزيع مع تحقّق سبب الأكبر دون الأصغر

و أمّا مع تحقّق سبب الأكبر دون الأصغر، فمع القول بلزوم الوضوء للصلاة، لا بدّ و أن يكون سبب الأكبر موجباً لشي ء لا يرتفع بالغسل، فحينئذٍ إن قام الدليل علىٰ جواز دخول المرأة في المسجدين و اللبث في المساجد مثلًا مع الغسل فقط، يكون هو مع ما دلّ علىٰ لزوم الوضوء للصلاة، دالّين بالاقتضاء على التوزيع في التأثير، فيكون الوضوء رافعاً لمرتبة ممّا يأتي بسبب الحيض، و الغسل لمرتبة اخرىٰ. و أمّا احتمال كون الوضوء مبيحاً غير رافع فضعيف.

و كيف كان: فالقول بالتوزيع هو الأقوىٰ، مع كون الحكم موافقاً لارتكاز المتشرِّعة، و الظاهر استفادته من مجموع الأدلّة، فتدبّر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 278

الأمر السادس في حكم الحيض بعد دخول وقت الصلاة
اشارة

إذا دخل وقت الصلاة فحاضت فتارة: تدرك طاهرة من الوقت بمقدار أداء الصلاة، و فعل الطهارة، و تحصيل سائر الشرائط بحسب حالها و تكليفها الفعلي؛ من القصر و الإتمام و الوضوء و الغسل و التيمّم و غيرها من الشرائط؛ مطلقة كانت أو غيرها.

و أُخرى: لا تكون سعة الوقت بهذا المقدار؛ سواء كانت بمقدار أداء الصلاة فقط، أو أدائها مع الطهارة المائية أو الترابية فقط، دون سائر الشرائط.

و ثالثة: لا تكون السعة حتّى بمقدار صلاة المضطرّ.

و الأولى البحث أوّلًا عن مقتضى القواعد الأوّلية؛ أي أدلّة القضاء و أدلّة عدم القضاء على الحائض، ثمّ النظر في الأدلّة الخاصّة.

مقتضىٰ أدلّة القضاء و عدمه على الحائض
اشارة

فنقول: إنّ أدلّة القضاء علىٰ طائفتين:

إحداهما: ما يظهر منها أنّ القضاء تابع لعنوان الفوت

كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة: صلاة فاتتك، فمتىٰ ذكرتها أدّيتها .. «1»

الحديث، و غيرها ممّا هي قريبة منها.

______________________________

(1) الكافي 3: 288/ 3، الفقيه 1: 278/ 1265، وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 279

و هذه الطائفة و إن كانت في الغالب بصدد بيان حكم آخر، لكن يستفاد منها مفروغية لزوم قضاء ما فات من الصلاة. و هذا ممّا لا إشكال فيه.

لكنّ الإشكال في أنّ «الفوت» عبارة عن نفس عدم الإتيان مطلقاً و لو مع عدم مجعولية الصلاة في حقّ المكلّف، بل مع حرمتها عليه، كصلاة الحائض، أو هو عنوان أخصّ منه؟

الظاهر هو الثاني؛ ضرورة أنّ المتفاهم عرفاً من هذا العنوان؛ هو ذهاب شي ء مرغوب فيه من يد المكلّف و لو من قبيل طاعة المولى أو الوالدين؛ ممّا هو مستحسن

عقلًا؛ سواء كان لازماً أو راجحاً، فإذا نام عن صلاة الليل يقال: «فاتته» إمّا لأجل فوت المثوبة المترتّبة عليها، أو لأجل ترك نفس أمر المولى الراجح عقلًا، و أمّا إذا كان الفعل ذا مفسدة أو غير راجح عقلًا و شرعاً فتركه العبد، فلا يقال «فاته ذلك».

فعنوان «الفوت» ليس نفس ترك الفعل و لو لم يكن فيه رجحان أو في تركه منقصة. و هذا واضح عند مراجعة موارد استعمال اللفظ عرفاً و في الأخبار الواردة فيها هذه اللفظة.

فدعوى كونه عبارة عن عدم إتيان الصلاة في وقتها و لو كانت غير مطلوبة و لا راجحة بل و لو كانت محرّمة «1» غير وجيهة.

و لا يرد النقض «2» علىٰ ذلك بمثل ترك النائم و الساهي، و لا بمثل من اكره علىٰ ترك الصلاة؛ بحيث صار اللازم على المكلّف تركها؛ ضرورة أنّ النائم

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 283/ السطر 16.

(2) نفس المصدر: 283/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 280

و الساهي، فاتتهما الصلاة [لا] لأجل ذهاب مثوبتها و مصلحتها من يدهما، بل لأجل ترك أمر المولى بلا اختيار؛ علىٰ ما حقّقنا في محلّه: من أنّ الأوامر فعلية بالنسبة إليهما و إن كانا معذورين في تركها «1».

و أمّا المكرَه فهو أيضاً كذلك، و لا تصير الصلاة بالإكراه على الترك حراماً بعنوانها، بل ما هو المحرّم إيقاع المكلّف نفسه في التهلكة و نحوها، و هو لا يوجب حرمة الصلاة بعنوانها و إن اتحد العنوانان في الخارج.

و دعوىٰ صدق «الفوت» بمجرّد الشأنية أو بملاحظة نوع المكلّفين «2»، غير وجيهة؛ فإنّ ميزان وجوب القضاء هو الفوت من كلّ مكلّف بحسب حال نفسه، و هو لا يصدق بالنسبة إلى

الشخص الذي لم تجعل الصلاة له، أو حرّمت عليه كالحائض، و الشأنية لا محصّل لها إلّا معنىً تعليقي لا يوجب صدق «الفوت» فعلًا.

و أعجب من ذلك ما قد يقال: «إنّ المستفاد من الأمر بالقضاء أنّ الأوامر المتعلّقة بالصلاة، من قبيل تعدّد المطلوب، فكونها في الوقت مطلوب، لكن بفوات الوقت لا تفوت المطلوبية مطلقاً» «3» فإنّ ذلك علىٰ فرض تسليمه كما لا يبعد أدلّ دليل علىٰ خلاف مطلوبه؛ لأنّ استفادة تعدّد المطلوب فرع وجود الطلب و المطلوب في الوقت، و مع حرمة الصلاة على الحائض في الوقت، أين الطلب و المطلوب حتّى يستفاد منه تعدّده؟! فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ القاعدة في باب القضاء علىٰ فرض أخذ عنوان

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 26 28، أنوار الهداية 2: 222 و 338.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 283/ السطر 20.

(3) نفس المصدر: 283/ السطر 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 281

«الفوت» في موضوعه هو وجوب القضاء في كلّ مورد يكون الأداء مطلوباً أو راجحاً ذاتاً؛ و لو فرض سقوط الطلب لأجل بعض المحاذير، علىٰ فرض صحّة ذلك المبنىٰ، و أمّا مع عدم الرجحان و المطلوبية الذاتية فلا، فضلًا عن الحرمة الذاتية.

فالحائض إذا أدركت من الوقت بمقدار تعلّق الطلب، يجب عليها القضاء مع تركها، و مع عدم توجّه الطلب أو توجّه النهي إليها، لا يجب عليها القضاء بحسب القاعدة.

بل الظاهر أنّ الأمر كذلك لو تمكّنت من الصلاة الاضطرارية، فلو قلنا: بأنّها لو علمت مفاجاة الطمث لها بعد مقدار من الزمان تتمكّن فيه من إتيان صلاة مع الطهارة الترابية و فقدان بعض الشرائط الاختياريّة تجب عليها الصلاة كذلك، فالقاعدة تقتضي القضاء مع تركها لأجل الجهل بالواقعة؛ لتوجّه أمر الصلاة

إليها و فوتها منها.

بل الأمر كذلك لو تمسّكنا في وجوب القضاء بالطائفة الثانية من أخبار القضاء؛ و هي ما لم يؤخذ فيها عنوان «الفوت» لأنّ مساقها فيما إذا ترك المكلّف الصلاة التي كانت مكتوبة عليه في الوقت،

كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام): أنّه سئل عن رجل صلّىٰ بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلّها، أو نام عنها، قال يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها «1» ..

إلىٰ غير ذلك من الروايات و ليس فيها ما يدلّ علىٰ وجوب القضاء علىٰ من ترك الصلاة التي هي غير مشروعة له، فضلًا عمّا كانت محرّمة عليه.

______________________________

(1) الكافي 3: 292/ 3، تهذيب الأحكام 2: 266/ 1059، وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 282

بل الظاهر أنّ نفس عنوان «القضاء» أيضاً يدلّ على المطلوب؛ لأنّه- بحسب المتفاهم العرفي عبارة عن جبران ما شرع في الوقت إيجاباً أو استحباباً خارج الوقت، و أمّا إذا لم يشرع في الوقت أو كان حراماً عليه، فلا يصدق علىٰ إتيانه خارج الوقت عنوان «القضاء» فتبعية القضاء للأداء علىٰ ما ذكرنا موافقة للقاعدة.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ كلّ مورد لو اطلع المكلّف على الواقعة؛ و كان واجباً عليه إتيان الصلاة و لو بنحو الاضطرار، يجب عليه القضاء لو تركها؛ لصدق «الفوت» فإذا وسع الوقت بحسب الواقع بمقدار صلاة اضطرارية بل بمقدار نفس الصلاة فقط فطمثت، وجب عليها بمقتضىٰ أدلّة القضاء إتيانها بعد الطهر قضاءً.

و ما يتوهّم من عدم الأمر بالمقدّمات قبل الوقت، قد فرغنا عن ضعفه «1»، و ذكرنا في محلّه: أنّ مناط عبادية الطهارات ليس هو الأوامر الغيرية،

بل الأمر النفسي المتعلّق بها «2»، و ذكرنا في محلّه حال التيمّم أيضاً «3».

تعارض أدلّة عدم القضاء مع الأدلّة السابقة

هذا، و لكن في مقابل أدلّة القضاء ما دلّ علىٰ أنّ الحائض لا تقضي الصلاة،

ففي صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن قضاء الحائض الصلاة، ثمّ تقضي الصيام، قال ليس عليها أن تقضي الصلاة، و عليها أن تقضي صوم شهر

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 356 358، تهذيب الأُصول 1: 228 230.

(2) مناهج الوصول 1: 383 387، تهذيب الأُصول 1: 251 256.

(3) يأتي في الجزء الثاني: 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 283

رمضان ثمّ أقبل عليّ فقال إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان يأمر بذلك فاطمة، و كانت تأمر بذلك المؤمنات «1».

و

رواية الحسن بن راشد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الحائض تقضي الصلاة؟ قال لا.

قلت: تقضي الصوم؟ قال نعم.

قلت: من أين جاء هذا؟ قال أوّل من قاس إبليس .. «2» الحديث ..

إلىٰ غير ذلك.

و يقع الكلام فيها بعد القطع بلزوم استناد الترك في عدم وجوب القضاء إلى الحيض في الجملة في أنّه هل المتفاهم منها أنّ الصلاة إذا كان تركها مستنداً إلى الحيض في الجملة و لو في بعض الوقت لا تقضي؛ حتّى يكون لازمه عدم القضاء و لو حاضت قبل تمام الوقت بمقدار يسع الصلاة؛ لأنّ تركها و إن كان غير مستند إلى الحيض فقط، لكنّه مستند إليه في الجملة؟

أو أنّ المراد هو الاستناد إليه فقط، فإذا تركتها في بعض الوقت بتخيّل سعته فأدركها الطمث، وجب عليها القضاء؛ لعدم كون الترك مستنداً إلى الحيض فقط، بل كان الاستناد في بعض الوقت إلىٰ غيره؟

الظاهر هو الثاني؛ لظهور الأدلّة في

أنّ ترك الطبيعة إذا كان مستنداً إلى الحيض، لا يجب القضاء، و هو لا يصدق إلّا على الوجه الثاني بحسب نظر العرف

______________________________

(1) الكافي 3: 104/ 3، تهذيب الأحكام 1: 160/ 459، وسائل الشيعة 2: 347، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 104/ 2، تهذيب الأحكام 1: 160/ 458، وسائل الشيعة 2: 347، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 284

المتبع في مثل المقام. و هذا ظاهر.

لكنّ الإشكال في أنّ الظاهر من الأدلّة، هل هو ترك الصلاة المتعارفة لها مع قطع النظر عن عروض الحيض؛ أي إذا استند ترك صلاتها إليه بحسب حالها المتعارف- من القصر و الإتمام و الطول و القصر و الاشتمال على المستحبّات المتداولة لا يجب عليها القضاء؟

أو إذا كان مستنداً إليه مع أقلّ الواجب؟

أو إذا كان مستنداً إليه حتّى بمصداقها الاضطراري من الطهور و غيره؛ حتّى مثل ترك بعض الواجبات كالسورة مثلًا؟

و بعبارة اخرىٰ: ترك الصلاة التي لو علمت بالواقعة وجب عليها إتيانها إذا كان مستنداً إلى الحيض، لا يجب عليها قضاؤها، فيجب عليها القضاء إذا وسع الوقت لنفس الصلاة بمصداقها الاضطراري، مع فقد جميع المستحبّات و بعض الواجبات؛ إذا قلنا بسقوطه عند الاضطرار و الضيق؟

الأقوىٰ هو الأوّل؛ لا بمعنى ملاحظة حالها الشخصي و لو كان غير متعارف، كقراءة السور الطوال و الأذكار الكثيرة الغير المتداولة، بل بمعنى المصداق المتعارف عند نوع المكلّفين؛ أي المشتمل على الواجبات و المستحبّات المتداولة، و الواجد للشرائط بحسب تكليفها الفعلي؛ من القصر و الإتمام، و وجدان الماء و فقدانه، و واجديتها للمقدّمات و عدمها .. إلىٰ غير ذلك؛ ضرورة أنّ العرف

لا ينقدح في ذهنه عند سماع تلك الروايات و عرضها عليه إلّا ذلك، و غيره يحتاج إلىٰ تقدير الحائض علىٰ غير ما هي عليه، و هو خلاف الارتكاز العرفي و المتفاهم العقلائي من الروايات.

فهل ترى من نفسك أنّ المرأة إذا سمعت فقيهاً يقول: «إذا تركتِ صلاتك

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 285

لأجل عروض الحيض فليس عليك قضاء» فاشتغلت في أوّل الوقت بالطهور و الصلاة، فعرض لها الطمث في الركعة الثالثة، تشكّ في كونها مشمولة للفتوىٰ؛ باحتمال لزوم تقدير نفسها في مقام المضطرّ الفاقد للماء المضيّق عليها الوقت؟! أم لا ينقدح في ذهنها إلّا صلاتها المتعارفة بحسب حالها مع قطع النظر عن عروض الحيض! و لعمري، إنّ هذا التنزيل و التقدير ممّا لا ينقدح إلّا في ذهن الأوحدي من الناس؛ أي أهل العلم فقط، لا نوع العقلاء و العرف ممّن يكون فهمهم معياراً لتعيين مفاهيم الأخبار.

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو بالنسبة إلى الشرائط التي يتعارف تحصيلها في الوقت، كالوضوء و الغسل مثلًا، علىٰ تأمّل في الثاني.

و أمّا الشرائط الحاصلة لنوع المكلّفين قبل الوقت كالستر و العلم بالقبلة فلا يلاحظ مقدار تحصيلها لو اتفق عدم حصولها، فالفاقدة للساتر و الجاهلة بالقبلة إذا كانتا بصدد تحصيلهما، و طال الوقت حتّى عرض لهما الطمث، يجب عليهما قضاء صلاتهما؛ لإطلاق أدلّة الفوت و عدم وجود مقيّد لها؛ لخروج هذه الفروض النادرة عن مثل قوله الحائض لا تقضي الصلاة لأنّ ترك الصلاة بحسب المتعارف غير مستند إلى الحيض فقط.

و كذا من كان تكليفها التيمّم، لكن أخّرت الصلاة إلىٰ آخر الوقت فطمثت، يجب عليها القضاء؛ لعدم الاستناد بحسب المتعارف إلى الحيض.

و بالجملة: لا بدّ من لحاظ

حال المرأة و حال الشرائط و تعارفها، و تكليف المرأة بالفعل و حالاتها الاختيارية، إلّا أن يكون الاضطرار من غير جهة الحيض. هذا كلّه بحسب القواعد الأوّلية.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 286

مقتضى الأخبار الخاصّة في المقام

و أمّا الأخبار الخاصّة،

ففي موثّقة يونس بن يعقوب بناءً علىٰ وثاقة الزبيري «1» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): قال في امرأة دخل عليها وقت الصلاة و هي طاهرة، فأخّرت الصلاة حتّى حاضت، قال تقضي إذا طهرت «2».

و ليست هذه مخالفة للقاعدة المتقدّمة؛ لظهورها في سعة الوقت و تأخيرها حتّى طمثت.

نعم، يخالفها إطلاق

رواية عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس و لم تصلّ الظهر، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال نعم «3».

و إطلاقها يشمل ما إذا ضاق الوقت عن إدراك الصلاة. و ليس لها ظهور في سعة الوقت للصلاة؛ لو لم نقل: إنّ السؤال منحصر بما إذا زالت الشمس و طمثت، و لم يُمهلها أن تصلّي، فكأنّه قال: «لو طمثت بعد زوال الشمس بلا مهلة و قبل صلاتها، هل عليها القضاء، أو لا بدّ من مضيّ زمان تدرك الصلاة؟» و لو لم يسلّم ذلك فلا أقلّ من الإطلاق.

و دعوىٰ: أنّ الظاهر أنّ السلب بسلب المحمول لا الموضوع، كأنّها في غير موقعها.

______________________________

(1) تقدّم الكلام فيه في الصفحة 72 و 79.

(2) تهذيب الأحكام 1: 392/ 1211، وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 394/ 1221، وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 287

و لو لا ضعف سندها بشاذان بن الخليل، أو

عدم ثبوت اعتبارها لأجل عدم ثبوت وثاقته «1»، و مخالفتها لفتاوى الأصحاب، لكان العمل بها متعيّناً، و لا تنافيها الأخبار المتقدّمة، لكنّهما مانعان عن العمل بها.

و أمّا

موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين، ثمّ إنّها طمثت و هي جالسة، فقال تقوم عن مكانها، و لا تقضي الركعتين «2».

فلا بدّ من حملها على النهي عن إتيان بقيّة الصلاة؛ لو لم نقل بظهورها فيه بملاحظة قوله

تقوم عن مكانها

فكأنّه قال: «تقوم عن مكانها، و لا تأتي بالركعتين الأخيرتين» و حمل «القضاء» على المعنى اللغوي غير بعيد، كحمل الركعتين على الأخيرتين، و إلّا فلا بدّ من ردّ علمها إلىٰ أهله؛ فإنّ الحمل علىٰ أوّل الوقت حمل على النادر.

و الظاهر منها عدم قضاء الركعتين الأُوليين لو حمل «القضاء» على الاصطلاحي منه، و في مقام التحديد و البيان يفهم منها عدم لزوم قضاء الأُوليين و لزوم قضاء البقية، و هو كما ترى لا يمكن الالتزام به، فمصيرها حينئذٍ مصير

ضعيفة أبي الورد «3» قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر و قد صلّت

______________________________

(1) راجع تنقيح المقال 2: 80/ السطر 3 (أبواب الشين).

(2) تهذيب الأحكام 1: 394/ 1220، وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 6.

(3) توصيف الرواية بالضعف لوقوع أبي الورد في السند؛ فإنّه مهمل لم يرد في شأنه شي ء من الجرح أو التعديل.

انظر رجال الطوسي: 150/ 1، رجال البرقي: 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 288

ركعتين، ثمّ ترى الدم، قال تقوم من مسجدها، و لا تقضي الركعتين، و إن كانت رأت الدم و هي في صلاة

المغرب و قد صلّت ركعتين، فلتقم من مسجدها، فإذا تطهّرت فلتقضِ الركعة التي فاتتها من المغرب «1».

فلا بدّ من توجيهها كما وجّهها العلّامة في «المختلف» «2» أو ردّ علمها إلىٰ أهله.

كما أنّ موثّقة الفضل بن يونس «3» ممّا هي دالّة علىٰ خروج وقت الظهر بعد أربعة أقدام في سلك الروايات الواردة في تحديد الوقت علىٰ خلاف الإجماع، بل الضرورة و الروايات الكثيرة المعمول بها، فهي أيضاً مطروحة أو مأوّلة.

______________________________

(1) الكافي 3: 103/ 5، تهذيب الأحكام 1: 392/ 1210، وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 3.

(2) مختلف الشيعة 1: 208.

(3) الكافي 3: 102/ 1، تهذيب الأحكام 1: 389/ 1199، وسائل الشيعة 2: 359، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 289

الأمر السابع في حكم صلاة الحائض إن طهرت آخر الوقت
اشارة

إن طهرت الحائض في آخر الوقت، فإن أدركت جميع الصلاة بشرائطها الاختيارية، فلا إشكال في وجوبها عليها و مع تركها في وجوب القضاء، بحسب القواعد و النصوص الخاصّة «1» و عليه الفتوىٰ «2».

حكم إدراك ركعة من العصر و العشاء و الصبح مع الشرائط الاختيارية

و كذا لو أدركت ركعة من وقت العصر و العشاء و الصبح مع جميع الشرائط الاختيارية؛ بلا وجدان خلاف كما في «الجواهر» «3» و عن «المنتهي» نفي الخلاف بين أهل العلم «4»، و في «الخلاف» و «المدارك» الإجماع عليه «5».

و يدلّ عليه

النبوي المشهور من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 361، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49.

(2) النهاية: 27، المعتبر 1: 237 240، تحرير الأحكام 1: 15/ السطر 19.

(3) جواهر الكلام 3: 212.

(4) منتهى المطلب 1: 209/ السطر 29.

(5) الخلاف 1: 271 272، مدارك الأحكام 1: 342.

(6) ذكرى الشيعة 2: 352، وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4، صحيح البخاري 1: 298/ 547، صحيح مسلم 2: 70/ 161.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 290

و

العلوي من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر «1».

و

رواية أصبغ بن نُباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة «2».

و ضعف إسنادها منجبر بالعمل بها قديماً و حديثاً، فقد تمسّك بها الشيخ في «الخلاف» و ادعىٰ إجماع الأُمّة علىٰ ذلك. و قال في الصبي و المجنون و الحائض و النفساء و الكافر:

«إنّه لا خلاف بين أهل العلم في أنّ واحداً من هؤلاء الذين ذكرناهم إذا أدرك قبل غروب الشمس بركعة، أنّه يلزمه العصر، و كذلك إذا

أدرك قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة، أنّه يلزمه العشاء، و قبل طلوع الشمس بركعة يلزمه الصبح؛ لما

روي عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، و من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر «3»

و كذلك روي عن أئمّتنا» «4».

و في «المدارك» بعد ذكر الروايات: «و هذه الروايات و إن ضعف سندها إلّا أنّ عمل الطائفة عليها، و لا معارض لها، فيتعيّن العمل بها» «5».

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3: 213، وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 2: 38/ 119، وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 2.

(3) صحيح البخاري 1: 298/ 546، صحيح مسلم 2: 71/ 163، سنن ابن ماجة 1: 229/ 700.

(4) الخلاف 1: 271 272.

(5) مدارك الأحكام 3: 93.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 291

و الإنصاف: أنّ فتوى الأصحاب علىٰ طبقها و تمسّك أرباب الاستدلال بها في مثل تلك المسألة المخالفة للقواعد موجب لانجبار سندها، فلا إشكال من هذه الحيثية.

و إنّما الإشكال في دلالتها و حدود مفادها، فقد يستشكل في النبوي الذي هو أوسع دلالة: باحتمال أنّ إدراك ركعة مع الإمام بمنزلة إدراك جميع الصلاة «1».

و فيه: مع أنّه مخالف لظاهره؛ فإنّ الظاهر إدراك نفس الصلاة، لا إدراك الجماعة أو فضيلتها، و هو لا ينطبق إلّا علىٰ إدراك الوقت أنّ ورود سائر الروايات في الغداة و العصر بهذا المضمون، يوجب الاطمئنان بأنّ النبوي و سائر ما يشابهه مضموناً و عبارةً من وادٍ واحد، فيرفع الاحتمال أو

الإجمال منه علىٰ فرضه بغيره. مع أنّ فهم الأصحاب بل سائر العلماء قديماً و حديثاً يوجب الوثوق بمفاده، فلا إشكال من هذه الجهة أيضاً.

و قد يستشكل فيها: بأنّ مفادها هو مضيّ الركعة خارجاً، لا جواز الدخول في الصلاة من أوّل الأمر لمن علم إدراك ركعة من الوقت، فمعنىٰ

من أدرك ركعة ..

: من دخل في الصلاة غافلًا أو باعتقاد سعة الوقت، ثمّ أدرك ركعة منها، فقد أدرك الوقت. و هذا نظير إدراك أوّل الوقت إذا دخل في الصلاة قبل الوقت، فوقع بعضها فيه «2».

و فيه: أنّ المتفاهم من هذه العبارة هو توسعة الوقت للمدرك ركعة، فكأنّه قال: «إدراك ركعة من الوقت إدراك لجميع الوقت».

و بعبارة اخرىٰ: لا يفهم العرف خصوصية للدخول في الصلاة، بل ما يفهم منه أنّ لإدراك بعض الوقت خصوصيّةً. و قياس آخر الوقت بأوّله في غير محلّه

______________________________

(1) الصلاة، المحقّق الحائري: 17، مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 101.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 292

بعد كون لسان الدليلين مختلفين. و الشاهد علىٰ هذا الفهم العرفي فهم علماء الفريقين، و ليس شي ء في الباب غير تلك الروايات.

مع عدم بُعد استفادة المعنى الاستقبالي منه، فقوله

من أدرك ركعة ..

معناه: من يدرك، فحينئذٍ لا قصور في دلالة اللفظ أيضاً.

عدم شمول النبوي و العلويين للإدراك مع المصداق الاضطراري

ثمّ إنّ المتفاهم منها أنّ المدرك لركعة من الصلاة التي هي تكليفها فعلًا- بشرائطها الاختيارية من الطهور و غيره بمنزلة مدرك الوقت، فلا تعمّ ما إذا أدركها بمصداقها الاضطراري، فإدراك ركعة مع الطهارة الترابية لمن كان تكليفها الطهارة المائية، غير مشمول لها، كإدراكها مع فقد سائر الشرائط.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الظاهر منها أنّ الصلاة المكتوبة على الشخص الذي تكون وظيفته الإتيان بها،

إذا أدرك ركعة منها في الوقت، فقد أدرك الوقت.

نعم، لا إشكال في خروج الآداب و المستحبّات، فمن أدركها بواجباتها و شرائطها فقد أدرك و إن كان الوقت مضيّقاً عن إتيان المستحبّات.

هذا كلّه في إدراك العشاء و العصر و الصبح ممّا لا مزاحم لها.

حكم إدراك ركعة من الظهر و المغرب مع الشرائط الاختيارية

و أمّا بالنسبة إلىٰ صلاة المغرب و الظهر فهو أيضاً كذلك، كما هو المشهور نقلًا و تحصيلًا، علىٰ ما في «الجواهر» «1» و ادّعىٰ في «الخلاف» عدم الخلاف فيه «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 212.

(2) الخلاف 1: 273.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 293

و عن طهارة «المبسوط» و عن بعض آخر الاستحباب «1».

و عن بعضٍ استحباب فعل الظهرين بإدراك خمس قبل الغروب، و العشاءين بإدراك أربع قبل الفجر «2».

و عن «الفقيه»: «إن بقي من النهار بمقدار ستّ ركعات بدأ بالظهر» «3».

و يدلّ علىٰ ما ذكرنا النبوي المتقدّم.

و قد يقال: إنّ

من أدرك ..

لا يقتضي مزاحمة الظهر مثلًا للوقت الاختياري من العصر، و إنّ مقتضىٰ أدلّة الاختصاص عدم وقوع الظهر في الوقت الاختصاصي. بل الظاهر قصور دليل

من أدرك ..

عن تجويز تأخير العصر اختياراً إلىٰ إدراك ركعة منه، كما لا يستفاد منه جواز تأخير الصلاة في سعة الوقت إلىٰ زمان إدراك الركعة «4».

و فيه: أنّه إن كان المانع من التمسّك به هو أدلّة الاختصاص، فلا تكون مزاحمة له؛ فإنّ مفادها هو لزوم العصر إذا بقي من الوقت أربع ركعات،

ففي صحيحة إسماعيل بن همام- على الأصحّ «5» عن أبي الحسن (عليه السّلام): أنّه قال في

______________________________

(1) المبسوط 1: 45، المهذّب 1: 36.

(2) إصباح الشيعة، ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة 2: 431.

(3) الفقيه 1: 232/ ذيل الحديث 46.

(4) الصلاة، المحقّق الحائري: 17 18، نهاية

التقرير 1: 43.

(5) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن العباس، عن إسماعيل بن همّام.

لا إشكال في السند إلّا في طريق الشيخ إلى محمّد بن عليّ بن محبوب، فإنّ فيه أحمد بن محمّد بن يحيى العطار- حيث قال في مشيخته: و ما ذكرته في هذا الكتاب عن محمّد بن عليّ بن محبوب فقد أخبرني به الحسين بن عبيد اللّٰه، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار، عن أبيه محمّد بن يحيى، عن محمّد بن علي المحبوب و هو محلّ كلام إلّا أنّه وثّقه العلّامة و المجلسي و لا إشكال في وثاقته بلحاظ رواياته الكثيرة في أبواب الفقه، كما قال المصنّف (قدّس سرّه) في بعض تقريراته الأُصولية في تصحيح حديث الرفع.

تنقيح المقال 1: 95/ السطر 24، تنقيح الأُصول 3: 217.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 294

الرجل يؤخّر الظهر حتّى يدخل وقت العصر إنّه يبدأ بالعصر، ثمّ يصلّي الظهر «1».

و

في صحيحة الحلبي قال: سألته عن رجل نسي .. الأُولىٰ و العصر جميعاً، ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس، فقال إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر، ثمّ يصلّي العصر، و إن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر، و لا يؤخّرها فتفوته، فيكون قد فاتتاه جميعاً، و لكن يصلّي العصر فيما قد بقي من وقتها، ثمّ ليصلِّ الاولىٰ بعد ذلك علىٰ أثرها «2» ..

إلىٰ غير ذلك.

و ظاهر الاولى هو أنّه إذا دخل وقت العصر أي الوقت الاختصاصي يجب البدء به، و هو الظاهر من الثانية أيضاً، و حينئذٍ تكون تلك الروايات مُشعرة بأنّ الظهر لا يزاحم العصر في جميع وقتها، لا في بعضه، و إلّا كان

الحقّ أن يقول: «إذا بقي من الوقت سبع ركعات يصلّي العصر» فهذه إن لم تكن مؤيّدة لانطباق حديث

من أدرك ..

على الظهر، لم تكن مخالفة له أيضاً.

و إن كان المانع هو الأدلّة العامة لجعل الأوقات «3»، فلا إشكال في حكومته عليها.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 271/ 1080، وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 17.

(2) تهذيب الأحكام 2: 269/ 1074، وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 18.

(3) راجع وسائل الشيعة 4: 156، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 295

و إن كان المانع هو عدم انطباقه على العصر الذي يمكن إدراكه بجميع وقته، فلا يجوز تأخير العصر اختياراً إلىٰ ضيق الوقت بمقدار إدراك ركعة، ففيه: أنّ انطباقه على الظهر موجب لحصول الموضوع للعصر؛ ضرورة أنّ ترك العصر حينئذٍ ليس باختيار المكلّف، بل بحكم الشارع.

و بعبارة اخرىٰ: أنّه لا إشكال علىٰ فرض اختصاص الوقت بالعصر في أنّه إن بقي من الوقت خمس ركعات، يكون الظهر مشمولًا للنبوي و مع شموله له يجب بحكمه إتيان الظهر المدرك لوقته التنزيلي، و مع لزوم إتيانه يبقىٰ للعصر ركعة، فيشمله النبوي. و ليس هذا تأخير العصر اختياراً حتّى يقال: لا يجوز التأخير إلىٰ زمان إدراك الركعة، بل هو تأخير بحكم الشرع.

هذا كلّه حال إدراك ركعة جامعة للشرائط.

حكم إدراك أقلّ من ركعة مع الشرائط الاختيارية

و أمّا لو لم تدرك ركعة، بل أُدركت أقلّ منها، فمقتضى القواعد الأوّلية و الثانوية فوتها:

أمّا الأوّلية فواضح.

و أمّا الثانوية فكذلك أيضاً؛ لأنّ الظاهر منها أنّ إدراك الركعة غاية ما يمكن الإدراك معه، و لو كانت تدرك الصلاة بأقلّ منها لما جاز التحديد بالركعة. نعم هنا روايات

سيأتي التكلّم عليها.

حكم إدراك تمام الصلاة مع التيمّم مثلًا

ثمّ لو أمكن لها إدراك تمام الصلاة في الوقت، لكن لا الاختياري منها، بل الاضطراري، كالصلاة مع التيمّم، أو بلا ستر، أو مع نجاسة البدن، أو غير ذلك،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 296

فهل القواعد مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة تقتضي لزوم الإتيان، و علىٰ فرض الترك القضاء؟

مقتضى القواعد في المقام

قد يقال: «إنّ الأصل في كلّ شرط انتفاء المشروط بانتفائه، مع الشكّ في شمول ما دلّ علىٰ سقوطه عند الاضطرار لمثل المقام الذي هو ابتداء التكليف» «1».

لكن الإنصاف: أنّ ملاحظة الموارد الكثيرة التي رجّح الشارع فيها جانب الوقت علىٰ سائر الشرائط كترجيحه على الطهارة المائية «2» و على الستر «3» و طهارة البدن «4»، بل ترجيحه على الركوع و السجود الاختياريين .. إلىٰ غير ذلك من الموارد «5» توجب القطع بأنّ للوقت خصوصيّة ليست لسائر الشرائط، و أنّ المكلّف إذا أمكنه إتيان الصلاة بأيّ نحو في الوقت، يلزم عليه الإتيان.

و يدلّ عليه

قوله: «إنّ الصلاة لا تترك بحال» «6»

فمع النظر إلى هذا و إلى

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 215.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 341، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 1، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 52، الحديث 1.

(4) راجع وسائل الشيعة 1: 297، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 19.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 439، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الخوف و المطاردة، الباب 3 و 4 و 5 و 6.

(6) لم نعثر على هذا الحديث بهذا اللفظ في الكتب الروائية، نعم

في صحيحة زرارة الواردة في أبواب الاستحاضة «لا تدع الصلاة على حال».

وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5، و

راجع ما يأتي في الجزء الثاني: 361.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 297

تلك الموارد الكثيرة، يشرف الفقيه على القطع بأنّ المكلّف إذا أمكنه إدراك الصلاة في الوقت و لو بفردها الاضطراري، يجب عليه الإتيان، و مع الترك يجب القضاء للفوت؛ من غير فرق بين التكليف الابتدائي و غيره.

هذا كلّه بحسب القواعد.

مقتضى الروايات الخاصّة

و أمّا الروايات الخاصّة، فهي علىٰ طوائف:

منها: ما دلّت علىٰ أنّها إن طهرت قبل غروب الشمس أو قبل الفجر صلّت،

كرواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء، و إن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر و العصر «1»

و مثلها موثّقة ابن سنان «2» و رواية الدجاجي «3» و رواية عمر بن حنظلة «4».

و الظاهر أنّها مستند المحقّق في إيجابه الصلاة عليها مع تمكّنها من الطهارة و الشروع في الصلاة، كما هو المحكي عن «المعتبر» «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 390/ 1203، وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 390/ 1204، وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 10.

(3) تهذيب الأحكام 1: 390/ 1205، وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 11.

(4) تهذيب الأحكام 1: 391/ 1206، وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 12.

(5) المعتبر 1: 240.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 298

لكنّ الظاهر منها مع قطع النظر عن سائر الروايات هو حصول الطهر قبل خروج الوقت بمقدار يمكنها إدراك الصلاة أداءً؛ فإنّها ظاهرة في كون الصلاة أداءً لا قضاءً، فهي متعرّضة لوجوب

الصلاة عليها إذا طهرت قبل غروب الشمس، و أدركت ما هو تكليفها الفعلي.

و علىٰ فرض الأخذ بإطلاقها و الجمود عليه، يكون مفادها بالإطلاق أوسع ممّا ذكره المحقّق، فلا يلزم في وجوبها عليها إدراك الطهور و بعض الصلاة في الوقت؛ ضرورة صدق «الطهر قبل أن يطلع الفجر» على الطهر قبله بهنيئة لا يمكنها فيها التطهّر و إدراك بعض الصلاة، مع أنّه لا يلتزم به، و بعده لا وجه لما ذكره، بل الوجه هو إدراك الصلاة أداءً علىٰ ما هو وظيفتها.

نعم، لا فرق ظاهراً بين إدراكها مع الطهارة المائية أو الترابية، أو مع إدراك سائر الشرائط الاختيارية و عدمه، فلا تنافي تلك الروايات القاعدة المؤسّسة المتقدّمة بل تعاضدها، فتجب عليها الصلاة إذا أدركت ثماني ركعات مع الطهارة الترابية و فقد الشرائط الاختيارية، كما يجب عليها مع إدراك ركعة بشرائطها الاختيارية، حسبما فصّلناه آنفاً.

و منها: ما فصّلت بين حصول الطهر قبل العصر و غيره،

كرواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر و العصر، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر «1».

و الظاهر أنّ المراد ب

«قبل العصر

قبل الوقت المختصّ، و ب

آخر الوقت

هو المختصّ، و هي شارحة لمفاد الروايات المتقدّمة، أو مقيّدة لها علىٰ فرض إطلاقها. لكنّ المستفاد منها أنّها إن طهرت في آخر وقت العصر أي الوقت

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 390/ 1202، وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 299

المختصّ به تجب عليها الصلاة، و معلوم أنّ نوع النساء لا يمكنهنّ إدراك الطهارة المائية إذا طهرن آخر وقت العصر، فإيجاب الصلاة

عليهنّ لا يكون إلّا مع الطهارة الترابية. و حملها علىٰ آخر الوقت الإضافي أي أواخر الوقت؛ بحيث يمكنهنّ الطهارة و إدراك الصلاة و لو ركعة في غاية البعد، خصوصاً مع السبق بالجملة المتقدّمة.

و أمّا

صحيحة إسماعيل بن همّام، عن أبي الحسن (عليه السّلام): في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر تصلّي العصر، ثمّ تصلّي الظهر «1»

فقد حملها الشيخ علىٰ أنّها طهرت وقت الظهر، و أخّرت الغسل حتّى ضاق الوقت «2». و لا بأس به جمعاً بينها و بين سائر الروايات. مع أنّ التعبير ب «اغتسلت في وقت العصر» دون «طهرت» لا يخلو من إشعار بذلك.

و منها: ما تعرّضت للقضاء، و استدلّوا بها للزوم سعة الوقت في الأداء و القضاء بمقدار الطهارة المائية و عدم كفاية الترابية،

كصحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قال أيّما امرأة رأت الطهر و هي قادرة علىٰ أن تغتسل في وقت الصلاة، ففرّطت فيها حتّى يدخل وقت صلاة اخرىٰ، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها، و إن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك، فجاز وقت الصلاة، و دخل وقت صلاة أُخرى، فليس عليها قضاء، و تصلّي الصلاة التي دخل وقتها «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 398/ 1241، وسائل الشيعة 2: 365، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 14.

(2) تهذيب الأحكام 1: 398/ ذيل الحديث 1241، الاستبصار 1: 143/ ذيل الحديث 488.

(3) الكافي 3: 103/ 4، تهذيب الأحكام 1: 392/ 1209، وسائل الشيعة 2: 361، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 300

و

موثّقة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة

تقوم في وقت الصلاة، فلا تقضي طهرها حتّى تفوتها الصلاة، و يخرج الوقت، أ تقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال إن كانت تَوانَتْ قضتها، و إن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي «1».

و

موثّقة محمّد بن مسلم، عن أحدهما قال قلت: المرأة ترى الطهر عند الظهر، فتشتغل في شأنها حتّى يدخل وقت العصر، قال تُصلّي العصر وحدها، فإن ضيّعت فعليها صلاتان «2».

و ادعى الأعلام استفادة اشتراط سعة الوقت للطهارة المائية منها. و في «الجواهر»: «أنّه مجمع عليه هنا بحسب الظاهر» «3» و كلمات الأصحاب و إن كانت مقصورة علىٰ ذكر الطهارة بلا قيد «المائية» «4» لكنّ الظاهر أنّ مرادهم المائية؛ لأنّ الترابية ليست عندهم طهارة، بل مبيحة على المشهور نقلًا و تحصيلًا، بل كاد أن يكون إجماعاً، كما في «الجواهر» «5».

و لو لا اشتهار الحكم بين الأصحاب على الظاهر، لكان للخدشة فيه مجال؛ فإنّ الروايات كلّها بصدد بيان حكم القضاء، و أنّ المرأة إذا طهرت ففرّطت يجب عليها القضاء، و إن طهرت فقامت في تهيئة الغسل و العمل بالوظيفة، فجاز الوقت، ليس عليها القضاء، و لا يبعد أن يكون المتفاهم منها و لو بحسب القرائن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 391/ 1207، وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 8.

(2) تهذيب الأحكام 1: 389/ 1200، الإستبصار 1: 142/ 486، وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 5.

(3) جواهر الكلام 3: 215.

(4) المعتبر 1: 237، تذكرة الفقهاء 1: 274، جامع المقاصد 1: 336.

(5) جواهر الكلام 5: 167.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 301

الخارجية أنّ المرأة إذا طهرت فقامت لإتيان الغسل و تهيئة أسبابه، فجاز الوقت فجأة،

مع غفلتها عن أنّ الاشتغال بشأنها يوجب فوت الوقت، ليس عليها قضاء، و هذا لا يدلّ علىٰ عدم وجوب الأداء عليها مع الطهارة الترابية لو علمت بضيق الوقت.

و بالجملة: إنّ الروايات متعرّضة لحكم آخر؛ و هو حكم القضاء علىٰ فرض عدم تقصيرها و تفريطها، و أمّا تكليفها في الوقت ماذا، و أنّه مع ضيق الوقت عن الطهارة المائية، ليس عليها الأداء، أو عليها ذلك؟ فليست ناظرة إليها، فرفع اليد عن إطلاق ما دلّت علىٰ وجوب الصلاة عليها لو طهرت قبل الغروب أو آخر وقت العصر مشكل.

هذا إذا كان المراد منها ما إذا اشتغلت المرأة بشأنها حتّى جاز الوقت فجأة، كما لا يبعد من سوق الروايات.

و أمّا إذا كان لها إطلاق من حيث العمد و عدمه؛ و أنّها مع الالتفات إلىٰ ضيق الوقت و عدم الفرصة لتحصيل الطهارة المائية، اشتغلت بتهيئة الغسل حتّى جاز الوقت، فالظاهر دلالتها علىٰ مقصودهم؛ بملاحظة استفادة ذلك من الدلالة علىٰ عدم تفريطها و العمل بوظيفتها، و بملاحظة أنّ القضاء تابع للأداء، و الحكم بعدم القضاء عليها يكشف عن عدم الأداء عليها.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 301

و الإنصاف: أنّ الإطلاق و إن كان مشكلًا أو ممنوعاً في بعض الروايات، لكنّ الظاهر إطلاق بعضٍ منها، فالوجه ما عليه الأصحاب و اشتهر بينهم، و ادعي الإجماع عليه، فلا بدّ من تقييد المطلقات.

و أمّا رواية منصور بن حازم المتقدّمة، ففيها ضعف بمحمّد بن الربيع المجهول. بل المطلقات المتقدّمة أيضاً ضعيفة:

أمّا رواية أبي الصباح فلاشتراك محمّد بن

الفضيل بين الثقة و غيره.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 302

و رواية عمر بن حنظلة بأبي جميلة مفضّل بن صالح الضعيف.

نعم، رواية عبد اللّٰه بن سنان لا يبعد أن تكون موثّقة و إن كان في سندها الزبيري «1». لكن يمكن إنكار الإطلاق فيها بدعوىٰ: أنّه بعد عدم إمكان الأخذ بهذا الظاهر أي مجرّد الطهر قبل الفجر و الغروب فلا محالة يكون المراد منها وقتاً تدرك فيه الصلاة، و لم يعلم مقدار هذا الوقت، و لعلّ المقدار المقدّر هو بمقدار الطهارة المائية، فليتأمّل.

ثمّ إنّ هاهنا فروعاً اخرىٰ تنقيح بعضها مربوط بغير هذا المقام، و بعضها واضح مدركاً و قولًا تركناه مخافة التطويل، و نتعرّض لبعضها في المقصد الثاني إنشاء اللّٰه تعالىٰ.

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً.

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن عليّ بن الحسن بن الفضّال، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد اللّٰه بن سنان. و لا يخفى أنّ في طريق الشيخ إلىٰ عليّ بن الحسن، عليَّ بن محمّد بن الزبير القرشي.

راجع ما تقدّم من الكلام في الزبيري في الصفحة 72 و 79.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 303

المقصد الثاني في الاستحاضة

اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 305

القول في حقيقة الاستحاضة

في ذكر معنى الاستحاضة لغة

و قد اختلفت كلمات اللغويين فيها؛ ففي «الصحاح»: «استُحيضت المرأة: أي استمرّ بها الدم بعد أيّامها، فهي مستحاضة» «1» و قريب منه عن «نهاية ابن الأثير» «2» و يشعر ذلك بعدم الاستعمال المعلوم فيها، مع استعمالها معلومة مراراً في مرسلة يونس الطويلة «3».

و في «القاموس»: «و المستحاضة من يسيل دمها لا من الحيض، بل من عرق العاذل» «4» و قال أيضاً: «العاذل: عِرق يخرج منه دم الاستحاضة» «5».

و به قال الجوهري أيضاً، و نقل عن ابن عبّاس أنّه قال حين سئل عن

______________________________

(1) الصحاح 3: 1073.

(2) النهاية، ابن الأثير 1: 469.

(3) يأتي في الصفحة 349.

(4) القاموس المحيط 2: 341.

(5) نفس المصدر 4: 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 306

دم الاستحاضة: «ذاك العاذل» «1».

و عن «المغرب»: «استُحيضت بضمّ التاء استمرّ بها الدم» «2».

و في «المجمع»: «إذا سال الدم من غير عِرق الحيض فهي مستحاضة» «3».

و لم يذكر في «المنجد» الاستحاضة، و لا عِرق العاذل.

و عن الزمخشري: «الاستحاضة تخرج من عِرق يقال له: العاذل». و عن «الفائق»: «كأنّ تسمية ذلك العِرق بالعاذل لأنّه سبب لعذل المرأة؛ أي ملامتها عند زوجها» «4».

و المظنون أنّ اللغة في المقام لا تخلو من شوب بما عن الشرع. و لعلّ قول ابن عبّاس أو بعض الروايات كبعض فقرأت مرسلة يونس علىٰ بعض النسخ صار منشأً لذلك.

و عدم ذكر «المنجد» ما ذكره غيره غير خالٍ عن التأييد لما ذكرنا، و إلّا فمن المستبعد جدّاً بل كاد أن يكون ممتنعاً، أن تكون الاستحاضة بتلك الحدود التي لها في الشرع، أو أفتىٰ بها الفقهاء منطبقة علىٰ ما ذكره الجماعة: من

خروجها من عرق العاذل، و كون مجراها غير مجرى الحيض، فيكون الدم إلىٰ آخر دقائق اليوم العاشر مثلًا، خارجاً من عرق الحيض، و بعد ذلك ينسدّ ذلك العرق، و ينفتح عرق العاذل لدفع الاستحاضة.

و الناظر في مثل المرسلة، لا ينبغي أن يشكّ في أنّ التعبيرات التي فيها، تعبّدية خارجة عن فهم العرف و أهل اللغة، كقوله إنّما هو عزف بالزاي

______________________________

(1) الصحاح 5: 1762.

(2) المغرب في ترتيب المعرب 1: 145.

(3) مجمع البحرين 4: 201.

(4) الفائق، الزمخشري 2: 408.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 307

المعجمة و الفاء علىٰ ما في أكثر النسخ، كما قال المجلسي «1» أو قوله عزف عامر أو ركضة من الشيطان.

قال في «الوافي» بعد نقله عن «نهاية ابن الأثير»: «أنّ العزف: بمعنى اللعب بالمعازف أي الدفوف و غيرها» «2»: «أقول: كأنّ المراد أنّه لعب الشيطان بها في عبادتها، كما يدلّ عليه قول الباقر (عليه السّلام) عزف عامر فإنّ «عامر» اسم الشيطان» «3» انتهىٰ.

نعم، في بعض النسخ بدل عزف إنّما هو عِرق و بدل قوله عزف عامر عرق غابر «4» و عن بعض روايات العامّة: «عرق عاند» «5».

و كيف كان: فلا يمكن لنا استفادة موضوع الاستحاضة من اللغة؛ بحيث يخرج عن الإبهام.

و ما ذكره الجوهري «6» مع إمكان أخذه من الروايات، و مخالفته لمقتضى الاشتقاق لا يمكن الركون إليه و الوثوق به.

و الأخبار الواردة في الاستحاضة و إن وردت غالباً فيمن استمرّ بها الدم بعد العادة «7»، إلّا أنّها ليست علىٰ وجه يستفاد منها انحصار الاستحاضة بالدم المستمرّ بعد العادة؛ و إن كان بعضها لا يخلو من إشعار بذلك. و سيأتي دلالة

______________________________

(1) مرآة العقول 13: 217.

(2) النهاية، ابن الأثير

3: 230.

(3) الوافي 6: 459 460.

(4) الكافي 3: 84/ 1، جامع أحاديث الشيعة 2: 589، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 5، الحديث 2947.

(5) انظر مرآة العقول 13: 218، الفائق، الزمخشري 2: 407، النهاية، ابن الأثير 3: 308.

(6) تقدّم في الصفحة 305.

(7) راجع وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 308

بعضها علىٰ كونها أعمّ من ذلك «1».

و ليس للاستحاضة معنى عرفي لدى العرف العامّ يمكن تطبيقه على الحدود التي وردت لها في الشرع بل لا يرى العرف الاستحاضة و الحيض دمين. بل قد يرىٰ دم الحيض قليلًا محدوداً، و قد يراه كثيراً مستمرّاً و يقال: «صارت فلانة دائمة الحيض» كما هو ظاهر الاشتقاق علىٰ وجه.

و

في مرسلة يونس أنّ حمنة بنت جحش قالت لرسول الهّٰض (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّي استحضت حيضة شديدة.

و فيها أيضاً أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالت: إنّي أُستحاض فلا أطهر، فقال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ليس ذلك بحيض، إنّما هو عزف.

فأرادت بقولها

إنّي أُستحاض فلا أطهر

صرت حائضاً حيضاً دائماً، و لذا نفىٰ حيضيّته و قال

إنّه عزف

أي لعب الشيطان، كما مرّ.

التحقيق في بيان موضوع الاستحاضة

نعم، هنا كلام قد مرّ في أوّل بحث الحيض «2»، و مجمله: أنّ الحيض هو الدم الطبيعي المقذوف من أرحام النساء، و لمّا كانت الأرحام السليمة من الآفات و الصحيحة من الأمراض، لا تقذف بحسب النوع أقلّ من ثلاثة أيّام، و لا أكثر من عشرة أيّام، و قذف الأقلّ و الأكثر منهما بحسب الطبع نادر جدّاً، و كذا الحال بالنسبة إلىٰ ما

قبل البلوغ و بعد اليأس، حدّد الشارع لدم الحيض حدوداً: فجعل أقلّ الحيض ثلاثة، و أكثره عشرة، و علّق أحكاماً على الدم المقذوف من الثلاثة

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 315 322.

(2) تقدّم في الصفحة 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 309

إلى العشرة بحيث لو علمنا أنّ الأقلّ أو الأكثر هو الدم المعهود المقذوف، و كذا لو قذفت قبل البلوغ و بعد اليأس و علمنا أنّه هو المعهود المقذوف بحسب طبيعتها الشخصية، لم نحكم بحيضيته، و لم نرتّب عليه أحكامها؛ لتحديد الشارع موضوع حكمه.

فلا يكون الدم الطبيعي مطلقاً موضوعاً لحكمه، بل ألغى النادر عن الحساب، و حكم عليه بغير حكم الحيض، فالأقلّ من الثلاثة ليس من الحيض، كالأكثر من العشرة، و كالمرئي في حال الصغر و اليأس .. و غير ذلك ممّا حدّده الشارع.

ثمّ إذا اختلّت الرحم و خرجت عن السلامة و الصحّة و الاعتدال التي لنوع الأرحام، قذفت الأقلّ أو الأكثر، فاستمرار الدم لعارض، و عدم الرؤية علىٰ طبق عادات النوع أيضاً لعارض و خلل، و لذا يحتاج كلّ ذلك إلى العلاج و استرجاع الصحّة و السلامة.

و لمّا كانت الأرحام في غير أحوالها الطبيعية و في حال اختلالها و خروجها عن الاعتدال، لا تقذف نوعاً الدم الصالح الطبيعي، بل يكون غالباً فاسداً كدراً له فتور ممّا هي لازمة لضعف المزاج و خروجه عن الاعتدال جعل الشارع المقدّس الصفات الغالبية أمارة على الاستحاضة؛ أي الدم المقذوف حال خروج المزاج و الرحم عن الاعتدال نوعاً، فالصفات أمارات غالبية يرجع إليها لدى الشكّ، إلّا إذا قام الدليل علىٰ خلافها.

إذا عرفت ذلك فالكلام يقع في مقامات:
اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 310

المقام الأوّل في الأوصاف التي جعلت بحسب الروايات أمارة
اشارة

و هي كثيرة مستفادة منها؛ إمّا لذكرها فيها، أو لذكر مقابلها للحيض مع الدوران بينهما؛ ففي صحيحة معاوية بن عمّار «1» ذكر البرودة صفة للاستحاضة مقابل الحرارة للحيض.

و في موثّقة إسحاق بن جرير «2» جعل الفساد و البرودة صفة الاستحاضة، و الحرقة و الحرارة صفة الحيض.

و

في صحيحة حفص بن البَخْتَري إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد «3»

و منها يستفاد أنّ لدم الاستحاضة كدرةً و فتوراً، أو فساداً و فتوراً؛ فإنّ «العبيط» هو الطري الصالح.

و في مرسلة يونس «4» جعل إقبال الدم علامةَ الحيض و إدباره علامةَ الاستحاضة، و «الإدبار» هو الضعف و الفتور و القلّة مقابل الكثرة و الدفع و القوّة.

______________________________

(1) الكافي 3: 91/ 2، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1، و يأتي أيضاً في الصفحة 315.

(2) الكافي 3: 91/ 3، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 91/ 1، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

(4) يأتي في الصفحة 349.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 311

و فيها أيضاً وصف دم الحيض ب «البحراني

و قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّما سمّاه أبي بحرانياً لكثرته و لونه

و مقابله القلّة و ضعف اللون؛ و هو الاصفرار، كما في غيرها.

و في صحيحة أبي المغراء «1» في باب اجتماع الحيض و الحمل جعل القلّة موضوعاً لوجوب الغسل عند كلّ صلاتين.

و في موثّقة إسحاق بن عمّار «2» جعل الصفرة موضوعاً.

و في رواية محمّد بن مسلم

«3» جعل القلّة و الصفرة موضوعاً لوجوب الوضوء، كصحيحته الأُخرىٰ «4» و روايتي علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) «5».

و في صحيحة علي بن يقطين «6» ذكر الرقّة صفة للاستحاضة.

و

عن «دعائم الإسلام»: روينا عنهم (عليهم السّلام) أنّ دم الحيض كدر غليظ منتن، و دم الاستحاضة دم رقيق «7».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1191، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 96/ 2، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 16.

(4) الكافي 3: 78/ 1، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1230، وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 1.

(5) تأتي الروايتان في الصفحة 320.

(6) تهذيب الأحكام 1: 174/ 497، وسائل الشيعة 2: 387، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 16.

(7) دعائم الإسلام 1: 127، مستدرك الوسائل 2: 7، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 312

و عن «فقه الرضا» أنّ دمها يكون رقيقاً تعلوه صفرة «1».

و

في مرسلة يونس تكون الصفرة و الكدرة فما فوقها في أيّام الحيض إذا عرفت حيضاً كلّه

و يعلم منها كون الكدرة من صفات الاستحاضة .. إلىٰ غير ذلك.

لكنّ الفقهاء لم يذكروا غالباً في صفة الاستحاضة غير الصفرة و البرودة و الرقّة و الفتور؛ على اختلاف منهم في ذكر الأربعة «2»، أو الاقتصار علىٰ بعضها «3».

و عن «المقنعة»: «أنّه دم رقيق بارد صاف» «4» فذكر الصفاء و ترك الصفرة و الفتور.

و لا يبعد أن يكون بعض تلك الصفات

ملازماً لبعض، و يرجع أُصولها إلىٰ أربع أو أقلّ منها. و به يجمع بين الكلمات بل الأخبار، لا بأن تكون خاصّة مركّبة كما مرّ في باب الحيض دفع القول به «5»، بل كلّ صفة من الأُصول مستقلّة في الأمارية، لكن بعضها لا ينفكّ عن بعض الصفات. و لا يبعد أن تكون الصفرة غير منفكّة عن الفتور و الرقّة غالباً، و الكدرة عن الفساد، و البرودة عن الفتور، و قد مرّ في باب الحيض ما يفيد في المقام «6»، فراجع.

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 192، مستدرك الوسائل 2: 7، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 3.

(2) راجع شرائع الإسلام 1: 23، قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 9.

(3) المبسوط 1: 45، تذكرة الفقهاء 1: 279.

(4) المقنعة: 56.

(5) تقدّم في الصفحة 27.

(6) تقدّم في الصفحة 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 313

عدم حصول التمييز بالغلظة و النتن و نحوهما

ثمّ إنّه لا إشكال في حصول التمييز بالأوصاف المنصوصة في الحيض و الاستحاضة.

و أمّا غيرها كالغلظة و النتن و غيرهما فالأقرب عدم الاعتداد بها؛ لعدم دليل معتبر عليها. نعم ورد في «الدعائم» كما تقدّم الكدِر و الغليظ و المنتن، و في دم الاستحاضة الرقيق، لكنّ الاعتماد علىٰ مثل تلك المرسلة غير جائز.

و ما يقال: «من أنّ المستفاد من الأدلّة كقوله في المرسلة الطويلة

إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي ..

إلىٰ آخره، و قوله

دم الحيض أسود يعرف

و قوله

دم الحيض ليس به خفاء

أنّ العبرة بمطلق الأمارات المختصّة بالحيض غالباً الكاشفة عنه ظنّاً؛ فإنّ الظاهر من إيكاله إلى الوضوح مع أنّه لا يتضح عند العرف إلّا بالقوّة و الضعف مطلقاً، لا خصوص ما نصّ عليه هو ما

ذكرنا» «1».

ففيه ما لا يخفى؛ فإنّ قوله

إذا أقبلت الحيضة ..

يراد به الكثرة و الدفع الواردان في الأمارات، و لا يفهم منه اعتبار مطلق الظنّ الحاصل بكلّ وصف.

و قوله

أسود يعرف

أو

ليس به خفاء

لا تسلّم دلالتهما علىٰ ما ذكر بعد عدم إرادة حصول العلم من الأوصاف، كما يدلّ عليه تأخير ذكرها عن العادة.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 211/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 314

بل لا يبعد أن يكون المراد منهما أنّ له أمارات شرعية ليس به لأجلها خفاء؛ ضرورة أنّ هذه الأوصاف ليست أمارة و لو ظنّية عند العقلاء فيمن استمرّ بها الدم؛ فإنّ الدم المستمرّ عندهم ليس طبائع مختلفة، كما مرّ مراراً «1».

نعم، قد يكون بعض الأمارات و القرائن في غير من استمرّ بها الدم موجباً لحصول العلم أو الاطمئنان، و قلّما يتفق ذلك في مستمرّة الدم التي هي موضوع البحث هاهنا، فالتجاوز عن الأوصاف المنصوصة ممّا لا يمكن الالتزام به.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9 10، 88، 308 309.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 315

المقام الثاني في بيان حدود دلالة الروايات الدالّة علىٰ أمارية الصفات على الاستحاضة

و أنّه هل يكون فيها ما يدلّ علىٰ كون الصفات أمارة مطلقاً؛ حتّى بالنسبة إلىٰ ما قبل البلوغ و بعد اليأس، و بالنسبة إلى الأقلّ من الثلاثة؟

و بالجملة: هل تدلّ علىٰ ثبوت الكلّية المذكورة في كلام المحقّق «1» و من بعده «2» و هي: «أنّ كلّ دم تراه المرأة و لم يكن حيضاً و لا دم قرح و لا جرح، فهو استحاضة، و كذا ما يزيد عن العادة و يتجاوز العشرة، أو يزيد عن أيّام النفاس، و ما تراه بعد اليأس، أو قبل البلوغ، أو مع الحمل» بناءً علىٰ عدم

اجتماع الحمل و الحيض.

و بعبارة اخرىٰ: هل يمكن إثبات أنّ كلّ دم ليس بحيض و لا نفاس، و لم يعلم كونه استحاضة أو قرحاً أو جرحاً، فهو استحاضة مع الاتصاف بصفاتها؟

فلا بدّ من ذكر ما يمكن أن يستدلّ به للمطلوب أو بعضه و حدود دلالته؛ حتّى يتضح الحال، فنقول و على اللّٰه الاتكال:

منها:

صحيحة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّ دم

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 24، المعتبر 1: 242.

(2) نهاية الإحكام 1: 126، ذكرى الشيعة 1: 241، جامع المقاصد 1: 338، جواهر الكلام 3: 260.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 316

الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد؛ إنّ دم الاستحاضة بارد، و إنّ دم الحيض حارّ «1».

و هي لا تدلّ إلّا علىٰ أنّ الفرق بينهما ذلك، و في دوران الأمر بينهما يمتاز أحدهما عن الآخر بما ذكر، و أمّا أنّ كلّ بارد استحاضة أو كلّ حارّ حيض فلا يستفاد منها.

نعم، إذا كان الاحتمال ثلاثياً أو أكثر و كان الدم بارداً، يحكم بعدم الحيضية، و إن كان حارّاً يحكم بعدم كونه استحاضة؛ لظهورها في أنّ ما كان بارداً ليس بحيض، فإنّ صفته هي الحرارة، و ما كان حارّاً ليس باستحاضة.

و كذا إذا كان الدوران بين الاستحاضة و الجرح مثلًا و كان الدم حارّاً، يحكم بعدم كونه استحاضة. و لا يبعد إثبات مقابلها بلازمه.

و منها:

صحيحة حفص بن البَخْتَري قال: دخلتْ علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) امرأة، فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدم؛ فلا تدري أ حيض هو أو غيره، قال: فقال لها إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد ..

إلىٰ آخره «2»

. تقريب الاستدلال بها علىٰ جعل الأمارة مطلقاً سواء كان الاحتمال ثنائياً أو أكثر-: أنّها سألت عمّن استمرّ بها الدم مطلقاً، فلا يختصّ سؤالها بذات العادة أو غيرها، فيشمل جميع النسوة.

______________________________

(1) الكافي 3: 91/ 2، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 91/ 1، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 317

و أيضاً: فرضت استمرار الدم من غير سبقه بالحيض، فلا يكون مفروضها استمرار الدم بعد الحيض.

و أيضاً قالت: «فلا تدري أ حيض هو أو غيره» و لم تقل: «أو استحاضة» و مع ذلك أجاب الإمام (عليه السّلام) بما أجاب بلا اعتناء بسائر الاحتمالات، فكأنّ احتمال كون الدم من قرح أو جرح أو مبدأ آخر غير ذلك، غير معتنى به، فتكون الأوصاف الاولىٰ أمارة أو أمارات على الحيضية، و الأُخرى علىٰ كونه استحاضة.

و إن شئت قلت: إنّ الحرارة مثلًا أمارة الحيض مطلقاً؛ احتمل معه الاستحاضة أو القرح و الجرح أو غيرها، و كذا البرودة أمارة الاستحاضة مطلقاً.

بل بمناسبة الإرجاع إلى الصفات بعد كون الرجوع إليها متأخّراً عن الرجوع إلى العادة يعلم أنّ المرأة التي كانت غير ذات عادة، تكليفها الرجوع إلىٰ صفة الحيض و صفة الاستحاضة، فيعلم منها أنّ الاستحاضة لا تنحصر بما يخرج بعد العادة، كما زعم صاحب «الصحاح» «1» و نقل عن «النهاية» «2» بل الدم المستمرّ و لو من غير ذات العادة مبتدئةً كانت أو مضطربةً إذا كان بصفة الاستحاضة استحاضة.

فما في بعض كلمات أهل التحقيق «3»: من أنّ «الاستحاضة» لم تستعمل في الأخبار إلّا فيما استمرّ الدم و

تجاوز عن أيّام الحيض كما قال الجوهري ليس علىٰ ما ينبغي. و ستعرف استعمالها في غيره في بعض الروايات الأُخر. مع أنّ فيما ذكر كفاية.

______________________________

(1) الصحاح 3: 1073.

(2) النهاية، ابن الأثير 1: 469.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 296/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 318

هذا، و لكن يمكن أن يقال: مضافاً إلىٰ قصور الرواية عن إثبات عموم المدعىٰ؛ أي الكلّية المتقدّمة إنّ معهودية دم النساء في الدمين أو الدماء الثلاثة و كون احتمال القرح و الجرح ممّا لا ينقدح في الذهن غالباً؛ لندرتهما توجب أن تكون الرواية سؤالًا و جواباً، منصرفةً عن سائر الدماء غير الدمين، فكأنّ السؤال عن الدم المعهود بينهنّ الدائر أمره بين الحيض و الاستحاضة. و قولها: «أو غيره» ليس المراد منه إبداء احتمال غير الاستحاضة و الحيض، فكأنّها قالت: «حيض أو لا» و لهذا أجاب (عليه السّلام) عن الحيض و الاستحاضة فقط، فحينئذٍ لا يستفاد منها أمارية الصفات في غير مورد الدوران.

نعم، يستفاد منها أنّ الاستحاضة لا تنحصر بالدم المستمرّ بعد أيّام العادة. كما أنّه مستفاد من مرسلة يونس فإنّ تقسيمَ حالات المستحاضة إلى الأقسام الثلاثة، و جعلَ السنّة الثالثة للمستحاضة

التي لم تر الدم قطّ، و رأت أوّل ما أدركت .. و استحاضت أوّل ما رأت

و غيرها من التعبيرات، دليل علىٰ عدم الانحصار بما ذكره الجوهري و ابن الأثير.

نعم، لا تدلّ هي و لا الصحيحة على إطلاقها علىٰ غير استمرار الدم، و لا على الاستمرار مطلقاً، كالاستمرار قبل البلوغ و بعد اليأس.

و منها:

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها، فقال لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، و

إن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت «1».

و الظاهر من «رؤية الصفرة في غير أيّامها» حدوثها في غير أيّامها؛ سواء كان قبلها أو بعدها.

______________________________

(1) الكافي 3: 78/ 1، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1230، وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 319

و أمّا احتمال كون المراد استمرار الصفرة إلىٰ ما بعد أيّامها ففاسد.

كما أنّ قوله

توضّأت و صلّت

ظاهر في أنّ الصفرة موجبة للوضوء، لا أنّ ذكر الوضوء إنّما هو لكونه شرطاً للصلاة؛ ضرورة أنّ ظاهر الشرطية دخل الشرط في ترتّب الجزاء. مع أنّ تخصيص الوضوء بالذكر من بين سائر الشرائط، يبقىٰ بلا وجه.

و كيف كان: فلا إشكال في ظهورها في أنّ الصفرة مطلقاً في غير أيّام العادة موجبة للوضوء، و تكون حدثاً بصِرف وجودها استمرّت أو لا، يخرج منها المستمرّة إلىٰ ثلاثة أيّام مع عدم التجاوز عن العشرة؛ للإجماعات المتقدّمة «1» و يبقى الباقي.

و لعلّ ذكر الوضوء دون الغسل مع أنّ المتوسّطة و الكثيرة توجبانه لكون الصفرة غالباً غير منفكّة عن القلّة، كما تشهد له بل تدلّ عليه

صحيحة يونس في أبواب النفاس، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة ولدت، فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى، قال فلتقعد أيّام قُرئها التي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام، فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة، و إن رأت صفرة فلتتوضّأ ثمّ لتصلّ «2».

حيث جعل الصفرة في مقابل الصبيب؛ أي المنحدر الكثير. مع أنّه إطلاق قابل للتقييد.

ثمّ إنّ دلالتها علىٰ أنّ الصفرة في غير أيّامها أمارة الاستحاضة، لا ينبغي أن تنكر؛ لأنّ ما يوجب الوضوء من الدماء

ليس إلّا الاستحاضة، فيكشف الأمر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 64 67.

(2) تهذيب الأحكام 1: 175/ 502، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 320

بالوضوء عن كونها استحاضة.

و احتمالُ كون الأمر بالوضوء للزوم عمل الاستحاضة عليها، و لا يلزم أن تكون مستحاضة و الدم استحاضة، بعيدٌ عن فهم العرف و الصواب.

و الإنصاف: أنّ العرف بعد ما يرىٰ أنّ الصفرة جعلت علامة للاستحاضة في الجملة، و يرى أنّ حكم الاستحاضة الوضوء دون سائر الدماء، ثمّ يسمع هذا الحديث، لا تنقدح في ذهنه هذه الوساوس، و يفهم من الرواية أنّ الصفرة أمارة الاستحاضة.

نعم، لو ثبت كون «الاستحاضة» لغةً و عرفاً هي ما قال الجوهري لم يكن بدّ من الالتزام بلزوم ترتيب أحكامها؛ من غير أن يكون الدم استحاضة و المرأة مستحاضة. بل مع احتمال ذلك أيضاً يشكل الحكم بهما. لكن معهودية انحصار دم النساء بالثلاثة توجب الكشف المشار إليه آنفاً.

و منها:

رواية «قرب الإسناد» عن عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن المرأة ترى الصفرة أيّام طمثها، كيف تصنع؟

قال تترك لذلك الصلاة بعدد أيّامها التي كانت تقعد في طمثها، ثمّ تغتسل و تصلّي، فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها؛ يجزيها الوضوء عند كلّ صلاة و تصلّي «1».

و دلالتها واضحة؛ لأنّ الوضوء عند كلّ صلاة حكم الاستحاضة.

و منها:

روايته الأُخرىٰ عنه، عن أخيه (عليه السّلام)، قال: سألته عن المرأة ترى الدم في غير أيّام طمثها، فتراها اليومَ و اليومين، و الساعةَ و الساعتين، و يذهب مثل

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 210/ 454، قرب الإسناد: 225/ 879، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة،

أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 321

ذلك، كيف تصنع؟ قال تترك الصلاة إذا كانت تلك حالها ما دام الدم، و تغتسل كلّما انقطع عنها.

قلت: كيف تصنع؟ قال ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة و تصلّي، و لا غسل عليها من صفرة تراها إلّا في أيّام طمثها .. إلىٰ آخره «1».

و الظاهر سقوط شي ء أو تقديم و تأخير في الرواية، و لعلّ الصحيح: قلت: كيف تصنع إذا رأت صفرة؟ قال ..» إلىٰ آخره، أو: قلت: كيف تصنع ما دامت ترى الصفرة؟ قال فلتتوضّأ من الصفرة.

و كيف كان: فهي ناصّة علىٰ أنّ الوضوء من الصفرة، و أنّها حدث. و يدفع به الاحتمال عن صحيحة محمّد بن مسلم علىٰ فرضه، و تقريب الدلالة كما تقدّم. و لا بدّ من توجيه صدرها، و لعلّه حكم ظاهري عند رؤية الدم و الطهر.

و منها:

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و فيها و إن لم تر شيئاً

أي بعد الاستبراء

فلتغتسل، و إن رأت بعد ذلك صفرة فلتوضّأ و لتصلّ «2».

و منها: روايات في باب اجتماع الحيض و الحمل،

كصحيحة أبي المغراء، و فيها إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ، و إن كان قليلًا فلتغتسل عند كلّ صلاتين «3».

و

كموثّقة إسحاق بن عمّار: عن المرأة الحبلىٰ ترى الدم اليوم و اليومين،

______________________________

(1) قرب الإسناد: 225/ 880، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 8.

(2) الكافي 3: 80/ 2، وسائل الشيعة 2: 308، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1191، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 5.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 322

قال إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين، و إن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين «1»

بعد توجيه صدرها.

و

كرواية محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي، و إن كان قليلًا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء «2».

و غاية ما يستفاد من مجموع الروايات:

أمارية الصفات للاستحاضة فيما دار الأمر بينها و بين الحيض و لو في غير مستمرّة الدم، أو في الأعمّ منه و ممّا احتمل فيه شي ء آخر من قرح أو جرح بشرط عدم تحقّق مبدئهما، علىٰ تأمّل فيه كما مرّ «3». و أمّا استفادة حكم دم الصغيرة و اليائسة فلا؛ لعدم عموم أو إطلاق يرجع إليهما، و لعدم إمكان تنقيح المناط و إلغاء الخصوصية عرفاً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

(2) الكافي 3: 96/ 2، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 16.

(3) تقدّم في الصفحة 20 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 323

المقام الثالث حول قاعدة «كلّ ما امتنع أن يكون حيضاً فهو استحاضة»
اشارة

و منه يظهر الكلام في المقام الثالث؛ أي أنّ كلّ ما يمتنع أن يكون حيضاً فهو استحاضة و لو لم يتصف بصفاتها؛ حيث إنّ الروايات التي استدلّ بها أو يمكن أن يستدلّ بها لذلك مثل ما دلّت علىٰ أنّها مستحاضة بعد الاستظهار «1» و مثل

صحيحة صفوان بن يحيىٰ عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: قلت له: إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم، ثمّ طهرت، فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، أ تُمسك عن الصلاة؟ قال لا، هذه مستحاضة؛ تغتسل و

تستدخل قطنة .. «2»

و كصحيحة الصحّاف الواردة في الحامل «3» لا يمكن استفادة تلك الكلّية منها.

كلام بعض الأعلام و ردّه

نعم، قد يقال: «إنّ المستفاد من موارد الدماء الممتنع كونها حيضاً التي تعرّض لها الشارع ابتداءً، و في جواب السؤال، و حكم بكونها استحاضة حقيقية أو حكمية، أو كون صاحبتها مستحاضة، مع احتمال وجود دم آخر في الجوف

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 301 303، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 3 و 4 و 6 و 10.

(2) الكافي 3: 90/ 6، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 95/ 1، تهذيب الأحكام 1: 168/ 482، وسائل الشيعة 2: 330، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 324

غير الحيض و الاستحاضة عدمُ الاعتناء بهذا الاحتمال في كلّ ما امتنع كونه حيضاً و إن لم يتعرّض له في الأخبار، فيحصل حدس قطعي للفقيه بأنّه لو تعرّض الإمام (عليه السّلام) للدم الخارج من اليائسة الفاقد لصفات الاستحاضة، لحكم بكونه استحاضة.

مع إمكان أن يقال: إنّه إذا حكم على الصفرة مطلقاً بكونها حدثاً كما تقدّم استفادة ذلك من بعض الأخبار تكون الحمرة الممتنع كونها حيضاً، كذلك بطريق أولىٰ، فتأمّل» «1». انتهىٰ.

و فيه: مع ممنوعية الحدس القطعي، و كون العهدة علىٰ مدعية أنّه علىٰ فرض تسليمه غير مفيد.

بل القطعُ بكون ما تقذفه بعد اليأس أو قبل البلوغ هو الدم الطبيعي الذي تقذفه الرحم في أيّام إمكان الحيض، بل القطعُ بكونه استحاضةً، غيرُ مفيد ما لم يدلّ دليل علىٰ أنّ كلّ استحاضة أو مستحاضة، محكومة بتلك الأحكام، و إلّا فقد أوضحنا سابقاً «2» أنّ الدم المقذوف من الرحم

يعدّه العرف مع قطع النظر عن حكم الشارع حيضاً؛ كان مستمرّاً بعد العادة أو لا، كان أقلّ من ثلاثة أيّام أو لا، أكثر من عشرة أيّام أو لا، بعد اليأس أو قبله، لكنّ الشارع جعل لقسم منه أحكاماً، و لقسم آخر أحكاماً اخرىٰ، و سمّى الثاني استحاضة فما جعله الشارع موضوعاً لحكمه الأوّل، ليس ماهيّة مباينة لما جعله موضوعاً لحكمه الثاني، فحينئذٍ بعد العلم بكون الدم حيضاً أو استحاضة، لا بدّ من التماس الدليل علىٰ موضوعيّته للحكم. فالدم المقذوف قبل البلوغ أو بعد اليأس، ليسا حيضاً حكماً بلا إشكال و كلام.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 244/ السطر 27.

(2) تقدّم في الصفحة 9 10، 308 309.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 325

و إن ثبت كونهما حيضاً موضوعاً أي ثبت كونهما الدم المعهود المقذوف بحسب العادة الطبيعية فلا بدّ في ثبوت حكم الاستحاضة لهما من قيام دليل علىٰ أنّ كلّ دم لم يكن حيضاً و لو حكماً، فهو استحاضة حكماً، أو إثبات الحكم لكلّ مستحاضة. و الأخبار الواردة في أبواب الحيض و الاستحاضة، ليس فيها ما يدلّ علىٰ ذلك غير

موثّقة سَماعة قال قال المستحاضة إذا ثقب الدمُ الكُرْسُفَ اغتسلت لكلّ صلاتين «1»

ثمّ ذكر فيها أقسام الاستحاضة و أحكامها.

لكن استفادة الإطلاق منها مشكلة؛ حيث إنّها في مقام بيان أقسام الاستحاضة و المستحاضة، فكأنّه قال: «المستحاضة علىٰ أنواع: منها كذا، و منها كذا ..» فاستفادة ثبوت الأحكام لكلّ مستحاضة حتّى في حال الصغر ممنوعة؛ لعدم كون الأحكام للصغيرة، و كذلك بعد الكبر.

و غير

رواية «العيون» عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون و المستحاضة تغتسل و تحتشي و تصلّي، و الحائض تترك الصلاة و

لا تقضي، و تترك الصوم و تقضي «2».

و هي أيضاً في مقام بيان حكم آخر؛ فإنّ جعل المستحاضة في مقابل الحائض و أنّها كذا و هي كذا يمنع عن الإطلاق.

و أمّا سائر الأخبار فكلّها على الظاهر واردة في التي تحيض، كأخبار الاستحاضة، و أخبار النفاس، و أخبار الاستظهار.

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ 4، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 6.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 124، وسائل الشيعة 2: 350، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 326

توجيه الحكم باستحاضة اليائسة و الصغيرة

لكن يمكن أن يقال: إنّ الشكّ في ثبوت أحكام المستحاضة لما بعد اليأس و قبل البلوغ، إمّا لأجل احتمال كون الدم بعد اليأس و قبل البلوغ، ماهية غير ماهية دم الحيض و الاستحاضة، و يكون مجراه غير مجراهما، و لا تكون حقيقته هي الدم الطبيعي المقذوف من الأرحام كسائر الدماء المقذوفة منها.

فهو مقطوع الفساد، و مخالف للوجدان في بعض مصاديقها، كما لو استمرّ دم المرأة ممّا قبل يأسها إلىٰ ما بعده، فهل يحتمل كونه إلىٰ آن ما قبل اليأس من مجرى مستقلٍّ، مقذوفاً من الرحم، معهوداً من النساء، فلمّا انقضىٰ ذلك الآن تغيّر المجرىٰ؛ و خرج من مجرى آخر غير السابق، و لا يكون الدمَ المقذوف المعهود؟! و كذا الحال فيما قبل البلوغ، فإذا فرض رؤية الدم على النهج المألوف في سنة قبل بلوغها، و استمرّ في شهر قبل البلوغ حتّى بلغت، فهل يجوز احتمال اختلاف طبيعته و مجراه ساعة ما قبل البلوغ و ما بعده؟! و الإنصاف: أنّ الشكّ من جهة الموضوع في مثل ما ذكر في غاية الوهن، و يعدّ

من الوسوسة و مخالفاً للعرف و اللغة.

و بعد رفع الشكّ من هذه الجهة يبقى الشكّ من جهة أُخرى: و هي احتمال أن يكون الدم المحكوم بكونه استحاضة شرعاً، هو ما ترى في زمان البلوغ إلىٰ حدّ اليأس. و هذا الشكّ مدفوع:

أمّا بالنسبة إلى اليائسة، فبإطلاق الأدلّة في بعض الموارد، كما إذا رأت دماً عشرة أيّام مثلًا، و طهراً ثلاثة أيّام، و تكون هذه الأيّام قبل اليأس، ثمّ رأت دماً بعده، فهذا مشمول لإطلاق صحيحة صفوان بن يحيى المتقدّمة.

و كون ما ذكر فرداً نادراً لا يوجب الانصراف و عدم الإطلاق، فهل ترى عدم

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 327

إطلاقها بالنسبة إلىٰ ما قبل اليأس بشهر مثلًا، مع عدم الفرق بينه و بين ما ذكرنا في ذلك؟! و كذا يشمل بعض الفروض إطلاق مرسلة يونس الطويلة، كما إذا استمرّ دم ذات العادة إلىٰ ما بعد اليأس، و يكون آخر عادتها متّصلًا بيأسها، فتكون مشمولة

لقوله فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة

و كذا يشمل بعض فقرأتها بعض الفروض الأُخرىٰ.

فحينئذٍ تثبت لليائسة أحكام الاستحاضة في بعض الفروض بالأدلّة، و في بعضها بالاستصحاب أيضاً، و يتمّ فيما عداها بالقطع بعدم الفرق و بعدم القول بالفصل قطعاً.

بل لا يبعد إطلاق مثل موثّقة سَماعة و رواية «العيون» و المناقشة المتقدّمة لعلّها في غير محلّها بعد فرض تحقّق الموضوع عرفاً و لغةً.

بل يمكن أن يقال: إنّ الأحكام المترتّبة على المستحاضة، مترتّبة ظاهراً علىٰ نفس الطبيعة؛ و إن كان مورد كثير منها ذات العادة أو من تحيض، لكن لا يفهم منها الخصوصية. بل كثير منها يشمل بعض الفروض المتقدّمة.

هذا كلّه حال اليائسة.

و أمّا الصغيرة، فبعد

فرض تحقّق الموضوع أي كون الدم المستمرّ منها استحاضة يمكن استفادة حكمها من بعض الأدلّة في الجملة؛ فإنّ الظاهر من مثل

قوله و إذا رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت «1»

و

قوله ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة «2»

أنّ لها سببية للوضوء؛ و أنّ دم الاستحاضة حدث يوجب الوضوء وضعاً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 318.

(2) تقدّم في الصفحة 321.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 328

فيكون المقام نظير ما ورد في سببية النوم و البول للوضوء؛ ممّا يعلم منه كونهما سببين من غير فرق بين صدورهما من الصغير و الكبير و المجنون و غيرهم.

فقوله

فلتتوضّأ من الصفرة

ظاهر في سببيّة طبيعتها للوضوء، و يكون إيجاب الوضوء إرشاداً إلى السببية، فيفهم العرف أنّ نفس الطبيعة سبب وضعاً للوضوء؛ و إن كان التكليف لا يتعلّق بالصغيرة في حال صغرها. و الإنصاف أنّ الحكم ثابت بعد تحقّق الموضوع.

نعم، مع الشكّ في تحقّقه كما لو رأت الصغيرة الدم في أوائل سِني ولادتها لا يمكن إثبات الحكم. و الظاهر أنّ مثلها خارج عن نظر الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 329

فرع في اجتماع الحمل و الحيض
اشارة

كان مقتضى الترتيب ذكر جواز اجتماع الحمل و الحيض في باب الحيض، لكن لمّا كان بحثنا علىٰ ترتيب «الشرائع» وقع في بعض المباحث خلاف الترتيب، و الأمر سهل.

الأقوال في المقام
اشارة

و قد اختلفت كلمات الأصحاب اختلافاً كثيراً في هذا الفرع:

فقيل باجتماعهما مطلقاً، كما عن «المبسوط» في العدد، و «الفقيه» و «المقنع» و «الناصريات» «1» و عن كثير من كتب العلّامة «2» و عن الشهيد و المحقِّق الثاني و غيرهم «3». و عن «المدارك»: «أنّه مذهب الأكثر» «4». و عن «جامع المقاصد»: «أنّه مذهب المشهور» «5». بل عن «الناصريات» الإجماع عليه «6». و في

______________________________

(1) المبسوط 5: 240، الفقيه 1: 51، المقنع: 50، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهية: 227.

(2) مختلف الشيعة 1: 195، منتهى المطلب 1: 96/ السطر 18، نهاية الإحكام 1: 117.

(3) الدروس الشرعيّة 1: 97، جامع المقاصد 1: 287، مسالك الأفهام 1: 67.

(4) مدارك الأحكام 2: 9.

(5) جامع المقاصد 1: 286.

(6) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 227.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 330

«الجواهر»: «أنّه المشهور نقلًا و تحصيلًا» «1».

و قيل بعدمه مطلقاً، كما عن الكاتب و المفيد و الحلّي و (العجلي) «2» و هو مختار «الشرائع» «3» و عن «النافع»: «أنّه أشهر الروايات» «4» و عن «شرح المفاتيح»: «و ادعي تواتر الأخبار في ذلك» «5».

و لعلّ المراد ب «أشهر الروايات أو الروايات المتواترة» الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة، كما وردت في استبراء الجواري و السبايا «6» و ما وردت في جواز طلاق الحامل علىٰ كلّ حال «7» و غيرها ممّا سيأتي الكلام فيها «8».

و قيل بالتفصيل بين استبانة الحمل و عدمها، فلا تحيض في الأوّل، كما عن «الخلاف» و «السرائر» «9» و عن الأوّل

دعوى الإجماع عليه، و جعل الخلاف فيما قبل الاستبانة.

و قيل: «أنّ المتأخّر عن عادتها عشرين يوماً استحاضة»، كما عن

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 262.

(2) انظر مختلف الشيعة 1: 195، أحكام النساء، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 9: 24، السرائر 1: 150.

(3) شرائع الإسلام 1: 24.

(4) المختصر النافع: 9.

(5) أنظر مفتاح الكرامة 1: 340/ السطر الأخير، مصابيح الظلام 1: 44/ السطر 17 (مخطوط).

(6) وسائل الشيعة 21: 83 و 84، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 3، الحديث 1 و 4.

(7) وسائل الشيعة 22: 55، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه، الباب 25، الحديث 3 و 5.

(8) يأتي في الصفحة 333 338.

(9) الخلاف 1: 247، السرائر 1: 150.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 331

«النهاية» و «التهذيب» و «الاستبصار» «1» و عن المحقّق في «المعتبر» الميل إليه «2»، و عن «المدارك» تقويته «3».

و قيل: «إنّه إن رأت في أيّام عادتها و استمرّ ثلاثة أيّام فهو حيض» «4».

و قيل بحيضية ما ترى في العادة و ما تقدّمها و ما ترى جامعاً للصفات، و بعدم الحيضية في غيرهما «5» .. إلىٰ غير ذلك «6».

فالمسألة ليست من المسائل التي يمكن فيها التمسّك بالشهرة و الإجماع، فلا بدّ من النظر في أدلّة القوم:

أدلّة الاجتماع مطلقاً

فتدلّ على الأوّل؛ أي الاجتماع مطلقاً بعد الأصل في بعض الفروض و العمومات الدالّة علىٰ أنّ ما رأت في أيّام العادة حيض، و أدلّة الصفات الأخبار المستفيضة المعتبرة الإسناد و الواضحة الدلالة، مثل

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سئل عن الحبلىٰ ترى الدم، أ تترك الصلاة؟ فقال نعم؛ إنّ الحبلىٰ ربّما قذفت بالدم «7».

______________________________

(1) النهاية: 25،

تهذيب الأحكام 1: 388/ ذيل الحديث 1196، الاستبصار 1: 140/ ذيل الحديث 481.

(2) المعتبر 1: 201.

(3) مدارك الأحكام 2: 12.

(4) الجامع للشرائع: 44.

(5) جواهر الكلام 3: 265.

(6) مثل ما قاله الصدوق (رحمه اللّٰه) في الفقيه 1: 51.

(7) الكافي 3: 97/ 5، تهذيب الأحكام 1: 386/ 1187، وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 332

و

صحيحة صفوان قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن الحبلىٰ ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام، تصلّي؟

قال تمسك عن الصلاة «1».

و

صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الحبلىٰ، ترى الدم كما كانت ترى أيّام حيضها مستقيماً في كلّ شهر؟

قال تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها، فإذا طهرت صلّت «2».

و

صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الحبلىٰ ترى الدم؟

قال نعم؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم و هي حبلىٰ «3».

و

صحيحة سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): جعلت فداك، الحبلىٰ ربّما طمثت؟

قال نعم؛ و ذلك أنّ الولد في بطن امّه غذاؤه الدم، فربّما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة «4» ..

إلى غير ذلك ممّا لا شبهة في دلالتها.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1193، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1194، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 386/ 1188، الإستبصار 1: 139/ 475، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 10.

(4) الكافي 3:

97/ 6، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 333

أدلّة الاجتماع في الجملة

و تدلّ على الاجتماع في الجملة جملة كثيرة من الروايات الأُخر، كصحيحة ابن الحجّاج «1» و الحسين بن نعيم الصحّاف «2» و أبي المغراء حُمَيد بن المثنّىٰ «3» و موثّقة إسحاق بن عمّار «4» ممّا صرّحت بالجمع مع قيود سيأتي الكلام فيها «5».

أدلّة عدم الاجتماع مطلقاً

و استدلّ على النفي مطلقاً بطوائف من الروايات:

منها: ما في هذا الباب، و عمدتها قويّة

السكوني عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) أنّه قال قال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ما كان اللّٰه ليجعل حيضاً مع حَبَلٍ؛ يعني إذا رأت الدم و هي حامل لا تدع الصلاة، إلّا أن ترى علىٰ رأس الولد، إذا ضربها الطلْق و رأت الدم تركت الصلاة» «6».

و لا يعلم أنّ التفسير لأبي جعفر (عليه السّلام) أو لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أو للسكوني، و مع الاحتمال و عدم الدليل علىٰ كونه للإمام (عليه السّلام) لا يمكن التمسّك بالتفسير. و مع قطع

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 339.

(2) يأتي في الصفحة 341.

(3) تقدّم في الصفحة 321.

(4) تقدّم في الصفحة 321.

(5) يأتي في الصفحة 341.

(6) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1196، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 334

النظر عنه يمكن الخدشة فيما نقل عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم):

أمّا أوّلًا: فلأنّ هذا التعبير ممّا يستشمّ منه الطفرة عن بيان الحكم؛ فإنّ لمثل هذا التعبير مقاماً خاصّاً، و لا يناسب عدم اجتماع الحمل و الحيض، فإنّ قوله: «ما كان اللّٰه ليفعل كذا ..» يناسب مورداً يكون صدور الفعل خلاف شأن الفاعل أو المفعول به، كقوله تعالىٰ وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ

وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ «1».

و قوله مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلىٰ مٰا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّٰى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشٰاءُ «2».

و قوله وَ مٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً «3» إلىٰ غير ذلك ممّا هو علىٰ هذا الأُسلوب.

و معلوم أنّ اجتماع الحيض و الحمل ليس كذلك؛ لا تكويناً و لا تشريعاً. و الظاهر أنّ الرواية بصدد بيان التشريع، و إلّا فلا شبهة بحسب التكوين في اجتماع الدم المعهود قذفه من طبيعة الأرحام في بعض الأوقات مع الحمل، كما أشار إليه بعض الروايات المتقدّمة فحينئذٍ أيّ محذور في جعل الحكم على الدم المقذوف في حال الحمل حتّى يستحقّ هذا التعبير؟! تأمّل.

و أمّا ثانياً: فلإمكان أن يقال: إنّ المراد من قوله هذا هو نفي التلازم بين حيض و حمل،

فقوله ما كان اللّٰه ليجعل حيضاً مع حَبَل

أي ما كان اللّٰه ليجعل المعيّة و الملازمة بينهما، بل قد يفترقان و قد يجتمعان. و هذا التوجيه و إن كان

______________________________

(1) الأنفال (8): 33.

(2) آل عمران (3): 179.

(3) التوبة (9): 122.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 335

مخالفاً لفهم العرف بدءاً، لكن في مقام الجمع بينها و بين ما صرّح بالقذف في بعض الأحيان، لا يكون بذلك البعد.

و إن أبيت عنه فلا محيص من ردّ علمها إلىٰ أهله؛ بعد عدم مقاومتها سنداً و دلالةً لما تقدّم و بعد كونها موافقة لأشهر فتاوى العامّة «1» و كون الراوي عامّياً «2». و سيأتي بعض الكلام في الرواية في باب النفاس «3»، فراجع.

و أمّا

صحيحة حُمَيد بن المثنّىٰ قال: سألت

أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) عن الحبلىٰ ترى الدفقة و الدفقتين من الدم في الأيّام و في الشهر و الشهرين، فقال تلك الهِراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة «4»

فلا ربط لها بالمقام؛ فإنّ عدم الإمساك عنها لأجل عدم حصول شرط الحيض، فغير الحبلىٰ أيضاً كذلك، لكنّ السائل لمّا سأل عن الحبلىٰ أجاب عنها، و لو سأله عن غيرها أيضاً كان الحكم عدم الإمساك.

و كذا

رواية مُقَرِّن الفتياني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال سأل سلمان عليّاً (عليه السّلام) عن رزق الولد في بطن امّه، فقال: إنّ اللّٰه تبارك و تعالى حبس عليه الحيضة، فجعلها رزقه في بطن امّه «5»

، فإنّها لا تدلّ علىٰ عدم الاجتماع، بل هو إخبار عن الواقع، و يكفي في صحّته احتباسها نوعاً أو احتباس مقدار منها، كما في بعض ما تقدّم.

______________________________

(1) المغني، ابن قدامة 1: 313، المجموع 2: 386، الشرح الكبير، ذيل المغني 1: 313.

(2) عدّة الأُصول 1: 149، تنقيح المقال 1: 127/ السطر 9.

(3) يأتي في الصفحة 517.

(4) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1195، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 8.

(5) علل الشرائع: 291/ 1، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 336

و أمّا التمسّك «1» بروايات صحّة طلاق الحبلىٰ «2» مع الإجماع علىٰ عدم صحّة طلاق الحائض، ففيه: أنّ الإجماع في الحامل ممنوع، فلا تدلّ تلك الروايات علىٰ عدم الاجتماع. كما أنّ في تلك الروايات صحّة طلاق الغائب و غير المدخول بها فتكون تلك الروايات مخصّصة لأدلّة اعتبار الطهر في الطلاق «3»، بل حاكمة عليها.

و أمّا روايات الاستبراء بحيضة «4»

فهي أيضاً غير دالّة علىٰ عدم الاجتماع مطلقاً؛ فإنّ الاجتماع إنّما يكون في بعض الأحيان، كما أشار إليه بعض الروايات المتقدّمة بقوله

ربّما قذفت بالدم

أو

فربّما فضل عنه

أي عن غذاء الطفل

فدفقته ..

إلىٰ غير ذلك، فحينئذٍ يكون الاستبراء بحيضة أمارةً علىٰ عدم الحمل؛ لنُدرة الاجتماع. بل جَعْلُ العدّة لأجل استبراء الأرحام ثلاث حِيَض أو حيضتين «5» دليلٌ علىٰ جواز الاجتماع.

نعم، هناك روايات أُخر ربّما تشعر بعدم الاجتماع:

منها:

رواية محمّد بن حكيم المنقولة في أبواب العدد، عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال: قلت له: المرأة الشابّة التي تحيض مثلها، يطلّقها زوجها،

______________________________

(1) السرائر 1: 150.

(2) وسائل الشيعة 22: 54، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه، الباب 25، و: 59، الباب 27.

(3) وسائل الشيعة 22: 23، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه، الباب 9.

(4) وسائل الشيعة 21: 84، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 3، الحديث 4، و: 93، الباب 8، الحديث 5، و: 96، الباب 10، الحديث 2، و: 104، الباب 17، الحديث 1.

(5) راجع وسائل الشيعة 22: 198 211، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 12 و 13 و 14 و 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 337

فيرتفع طَمْثها، ما عدّتها؟ قال ثلاثة أشهر.

قلت: فإنّها تزوّجت بعد ثلاثة أشهر، فتبيّن بها بعد ما دخلت علىٰ زوجها أنّها حامل، قال هيهات من ذلك يا بن حكيم! رفع الطمث ضربان: إمّا فساد من حيضة، فقد حلّ لها الأزواج، و ليس بحامل، و إمّا حامل، فهو يستبين في ثلاثة أشهر «1».

و منها:

روايته الأُخرى عن أبي عبد اللّٰه أو أبي الحسن (عليهما السّلام) قال: قلت له: رجل طلّق امرأته، فلمّا مضت ثلاثة أشهر ادعت

حبلًا .. إلىٰ أن قال هيهات! هيهات! إنّما يرتفع الطمث من ضربين: إمّا حبل بيّن، و إمّا فساد من الطمث «2».

و

في رواية رِفاعة المنقولة في أبواب نكاح العبيد و الإماء، قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) .. إلىٰ أن قال فقال إنّ الطمث تحبسه الريح من غير حبل «3».

و

في رواية عبد اللّٰه بن محمّد قال: دخلت علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقلت له: اشتريت جارية .. إلىٰ أن قال: ثمّ أقبل عليَّ فقال إنّ الرجل يأتي جاريته فتعلق منه، ثمّ ترى الدم و هي حبلىٰ، فترى أنّ ذلك طمث فيبيعها، فما أُحبّ للرجل المسلم أن يأتي الجارية حبلىٰ «4» ..

إلىٰ غير ذلك.

______________________________

(1) الكافي 6: 102/ 4، وسائل الشيعة 22: 224، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 25، الحديث 4.

(2) الكافي 6: 102/ 5، وسائل الشيعة 22: 224، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 25، الحديث 5.

(3) الكافي 5: 475/ 2، تهذيب الأحكام 8: 177/ 622، وسائل الشيعة 21: 86، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 4، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 8: 178/ 623، وسائل الشيعة 21: 87، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 5، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 338

وجه الجمع بين ما دلّت على الاجتماع و ما دلّت علىٰ عدمه مع قطع النظر عن صحيحة الصحّاف

و هذه الروايات و إن كانت تشعر أو يدلّ بعضها علىٰ عدم الاجتماع، لكنّ الجمع بينها و بين الروايات المتقدّمة الصريحة في اجتماعهما، يقتضي حمل هذه علىٰ رفع الحيض بالحمل نوعاً؛ و أنّ وقوعه في أيّام الحيض نادر، فيصحّ أن يقال: «يرتفع طمثها، و أنّ ارتفاعه قد يكون بالحمل ..» إلى غير ذلك من التعبيرات، فلا ينافي ذلك قذف الرحم في بعض الأحيان،

كما في الروايات المتقدّمة من أنّه

ربّما قذفت

أو

ربّما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته

و هذا جمع عقلائي بين الطائفتين، و لا إشكال فيه.

ثمّ إنّه بعد ما قلنا بالجمع في الجملة، فالأرجح في الجمع بين روايات الباب- مع قطع النظر عن صحيحة الصحّاف «1» هو الحكم بالتحيّض إذا رأت في أيّام العادة؛ دماً كان أو صفرة أو كدرة، و التحيّض بالصفات في غيرها، و الحكم بالاستحاضة مع الاتصاف بصفاتها؛ و ذلك لأنّ الروايات علىٰ طوائف:

منها: ما دلّت علىٰ وجوب ترك الحبلى الصلاة إذا رأت الدم، كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان و صحيحة صفوان «2» و مرسلة حريز «3» و صحيحتي أبي بصير

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 341.

(2) تقدّمتا في الصفحة 331 332.

(3) تهذيب الأحكام 1: 386/ 1186، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 339

و سليمان بن خالد «1» و رواية رُزَيق بن الزبير «2».

و غالب هذه الروايات ليس في مقام بيان أنّ الدم في زمان الحبل حيض، بل لها إهمال من هذه الجهة، و إنّما هي بصدد بيان أنّ الحبل يجتمع مع الحيض، و لمّا كان القول بامتناع الاجتماع معروفاً و موافقاً لفتوىٰ أكثر فقهاء العامّة و أشهر مذاهبهم علىٰ ما حكي «3» كانت الأسئلة و الأجوبة في مقام التعرّض لهم و الردّ عليهم و بيان نكتة قذف الحبلى الدم، كقوله

ربّما كثر ففضل عنه

أي عن غذاء الولد

فدفقته.

و

كقوله في صحيحة أبي بصير قال: سألته عن الحبلىٰ ترى الدم، قال نعم؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم و هي حبلىٰ

فلا يمكن مع ذلك استفادة الإطلاق من غيرها أيضاً كصحيحة صفوان ممّا

يوهم الإطلاق.

و لو فرض إطلاق فيها أو في بعض آخر فلا إشكال في عدم الإطلاق في غالبها. و الإطلاق في البعض علىٰ فرض التسليم ضعيف يرفع اليد عنه بما دلّت على الرجوع إلى الصفات، فيقيّد إطلاقها بما دلّ علىٰ أنّه

إن كان دماً كثيراً فلا تصلّي، و إن كان قليلًا فلتغتسل عند كلّ صلاتين.

و قوله

إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي، و إن كان قليلًا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء

و هذه هي الطائفة الثانية المقيّدة للأُولىٰ علىٰ فرض إطلاقها.

و الطائفة الثالثة: ما تعرّضت لأيّام العادة،

كصحيحة عبد الرحمن بن

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 332.

(2) الأمالي، الطوسي: 699/ 34، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 17، و يأتي متنها في الصفحة 507.

(3) وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، ذيل الحديث 12، الحدائق الناضرة 3: 179.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 340

الحجّاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الحبلىٰ ترى الدم و هي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كلّ شهر، هل تترك الصلاة؟ قال تترك الصلاة إذا دام «1».

و الظاهر منها هو السؤال عن ذات العادة؛ و إن كان لاحتمال الأعمّ أيضاً وجه. و قوله

تترك الصلاة إذا دام

ليس المراد منه إلّا الدوام إلىٰ زمان حضور الصلاة في مقابل الدفقة و الدفقتين، لا الدوام إلىٰ ثلاثة أيّام، كما قد يتوهّم.

و

كصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الحبلىٰ ترى الدم كما كانت ترى أيّام حيضها مستقيماً في كلّ شهر، قال تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها، فإذا طهرت صلّت.

و هي تدلّ علىٰ أنّ الحبلىٰ و غيرها

سواء؛ إذا رأت الدم في أيّام حيضها فسبيلها سبيل غيرها، و غاية ترك الصلاة هي الطهر.

و

موثّقة سَماعة قال: سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل، قال تقعد أيّامها التي كانت تحيض، فإذا زاد الدم على الأيّام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام، ثمّ هي مستحاضة «2».

و

رواية الصحّاف الآتية و فيها و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر، فإنّه من الحيضة، فلتمسك عن الصلاة.

و الظاهر منها عدم التفصيل في التحيّض في العادة بين كون الدم موصوفاً

______________________________

(1) الكافي 3: 97/ 4، تهذيب الأحكام 1: 386/ 1189، وسائل الشيعة 2: 330، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 386/ 1190، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 341

بصفات الحيض أو غيرها. و إطلاق أدلّة الصفات و إن اقتضى التفصيل، لكن قوّة ظهور صحيحة محمّد بن مسلم في عدم الافتراق بين الحامل و غيرها فيما إذا رأت في أيّام الحيض، المؤيّدة بما دلّت علىٰ أنّ الصفرة و الكدرة في أيّام الحيض حيض «1»، و ما دلّت علىٰ تقديم العادة على الأوصاف «2» و قوّة الظنّ الحاصل من العادات، توجب تقديمَ تلك الأخبار علىٰ أخبار الأوصاف، و حملَ أخبارها علىٰ غير ذات العادة و الرؤية في غير العادة.

فتحصّل من جميع ما ذكر بعد ردِّ المطلقات إلى المقيّدات و تقديمِ ما حقّه التقديم: أنّ الحبلىٰ إذا رأت في أيّام عادتها تتحيّض مطلقاً، و إذا رأت في غيرها- إمّا لأجل عدم كونها ذات عادة، أو لأجل رؤيتها في غيرها

يجب عليها التحيّض مع اتصاف الدم بصفة الحيض؛ من الحمرة، أو الكثرة التي تلازم الدفع، أو غيرها من الأوصاف، و إذا رأت بصفة الاستحاضة تجعله استحاضة، و تعمل عملها.

قوّة العمل بصحيحة الصحّاف

بقي الكلام

في صحيحة الحسين بن نعيم الصحّاف قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ أُمّ ولد لي ترى الدم و هي حامل، كيف تصنع بالصلاة؟

قال: فقال لي إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فإنّ ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث، فلتتوضّأ و تحتشي بالكُرسُف و تصلّي. و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 342

الشهر، فإنّه من الحيضة، فلتمسك عن الصلاة عدد أيّامها التي كانت تقعد في حيضها .. «1» الحديث.

و هي تدلّ علىٰ ثبوت التحيّض برؤية الدم في أيّام العادة و قبلها بقليل، و علىٰ عدم حيضية ما رأت بعد عشرين يوماً.

و عن الشيخ في «النهاية» و «التهذيب» الفتوىٰ بمضمونها «2». و عن المحقّق في «المعتبر» الميل إليه «3».

و في «المدارك»: «أنّه يتعيّن العمل بها» «4».

و هو لا يخلو من قوّة؛ لصحّة سندها، و وضوح دلالتها، و حكومتها علىٰ أدلّة الصفات الواردة في الحبلىٰ؛ فإنّ مدلول أدلّة الصفات أنّ الحبلىٰ إذا رأت دماً كثيراً أو دماً أحمر كثيراً أو دماً عبيطاً فلا تصلّي «5»، فهي تدلّ علىٰ ثبوت الحكم، و الصحيحة تدلّ علىٰ نفي الموضوع بقوله

فإنّ ذلك ليس من الرحم، و لا

من الطمث

و هذا لسان الحكومة، و يقدّم عرفاً علىٰ ما كان لسانه ثبوت الحكم.

نعم، بين الصحيحة و أدلّة الأوصاف من غير الباب كصحيحة معاوية بن عمّار و حفص بن البَخْتَري و ما يحذو حذوهما «6» معارضة العموم من وجه.

______________________________

(1) الكافي 3: 95/ 1، تهذيب الأحكام 1: 168/ 482، وسائل الشيعة 2: 330، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 3.

(2) النهاية: 25، تهذيب الأحكام 1: 388/ ذيل الحديث 1196.

(3) المعتبر 1: 201.

(4) مدارك الأحكام 2: 12.

(5) وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 5 و 6 و 16.

(6) راجع وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 343

لكن قوّة ظهور الصحيحة في مضمونها، و بُعد حملها على الدم الفاقد للصفات مع أنّ الفاقد غير محكوم بالحيضية؛ كان قبل عشرين أو بعدها، و لا وجه لتخصيص هذا المصداق القليل الوجود بالذكر يوجب تقديمها علىٰ أدلّة الأوصاف.

و أنت إذا راجعت وجدانك، و نظرت في الصحيحة و روايات الأوصاف، و عرضتهما على الفهم العرفي الخالي من الدقائق العقلية، ترى أنّ ذهن العرف لا يتوجّه إلىٰ كون نسبة الصحيحة مع مقابلاتها عموماً من وجه، و لا ينقدح في ذهنك التعارض، بل ترى أنّ الصحيحة مقيّدة عرفاً لأدلّة الصفات. و هذا هو الميزان لتقديم دليل علىٰ غيره؛ كان بينهما عموم من وجه أو لا، و لهذا يقدّم الحاكم على المحكوم و لا يلاحظ النسبة؛ لحكومة العرف بذلك، فميزان تشخيص التعارض و التقديم و الجمع هو فهم العرف العامّ، لا الدقّة العقلية.

و أمّا ردّ الصحيحة بدعوىٰ إعراض معظم الأصحاب عنها، و عدم إمكان

التأويل في الروايات الكثيرة، مع قبولها للتوجيه القريب «1». فلا يبعد أن يكون في غير محلّه:

أمّا الإعراض غير ثابت؛ لأنّ المحتمل قريباً بل الظاهر من بعض الكلمات «2»، أنّ الأصحاب إنّما كانوا بصدد بيان اجتماع الحمل و الحيض في الجملة في مقابل أكثر العامّة القائلين بعدم الاجتماع مطلقاً «3» من غير تعرّض لهذه المسألة التي هي من فروع الاجتماع، و المتأخّرون لم يردّوها لشذوذها

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 299/ السطر 25.

(2) انظر جواهر الكلام 3: 265.

(3) تقدّم تخريجه في الصفحة 335.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 344

و عدم العمل بها، بل جمعوا بينها و بين غيرها، و رجّحوا غيرها «1»، و بعضهم عملوا بها «2».

نعم، بعض المتأخّرين رماها بالوحدة و عدم اشتهار القول بها بل و إعراض الأصحاب عنها و هو غير ظاهر من المتقدّمين الذين إعراضهم مناط الوهن.

و أمّا عدم إمكان التأويل في الروايات الكثيرة، فقد مرّ عدم إطلاق أكثر الروايات «3»، و ما هو مطلق قليل ضعيف الإطلاق، و ما هو متعرّض للصفات و إن كان مطلقاً، لكن رواية محمّد بن مسلم مرسلة، و رواية إسحاق بن عمّار مطروحة؛ لعدم العمل بها، فلا يبقى إلّا صحيحة أبي المغراء، و لا مانع من التصرّف فيها، خصوصاً بعد ما عرفت من الحكومة.

و أمّا القبول للتوجيه فقد عرفت ما فيه، بعد ما ظهر من مساعدة العرف على الجمع المتقدّم.

لكن مع ذلك كلّه لا تخلو المسألة من إشكال منشأُه احتمال الإعراض، مع شهادة مثل السيّد في «الرياض» و صاحب «الجواهر» و غيرهما «4» على تأمّل في استفادة الإعراض من كلام الأوّل، فلا بدّ من الاحتياط إلىٰ ما بعد الفحص الكامل حتّى يتضح الحال.

ثمّ إنّ هاهنا مطالب:

اشارة

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 286، الحدائق الناضرة 3: 179 181، جواهر الكلام 3: 264 265.

(2) مدارك الأحكام 2: 12.

(3) تقدّم في الصفحة 339.

(4) رياض المسائل 1: 338، جواهر الكلام 3: 265، مجمع الفائدة و البرهان 1: 159.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 345

المطلب الأوّل في حكم تجاوز الدم عن أكثر الحيض
اشارة

إذا تجاوز الدم عن أكثر الحيض ممّن تحيض، فلا يخلو إمّا أن تكون المرأة ممّن لم تَرَ الدم قبل ذلك أو لا.

و الثانية: إمّا ذات عادة مستقرّة أو لا. و الأولى منهما: إمّا أن تكون ذاكرة لعادتها أو لا.

فالأُولىٰ من الأقسام هي المبتدئة، و قد تطلق على الثالثة؛ أي من لم تستقرّ لها عادة، و قد تطلق عليها «المضطربة» كما تطلق على الناسية، ف «المبتدئة» ك «المضطربة» لها إطلاقان: عامّ، و خاصّ، و الأمر سهل. و المتبع في الأحكام هو الدليل.

فلا بدّ في بيان الأقسام و أحكامها من ذكر مسائل

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 346

المسألة الاولىٰ في اعتبار التمييز في المبتدئة
اشارة

المبتدئة بالمعنى الأعمّ أي من لم تستقرّ لها عادة؛ إمّا لعدم سبق الدم، أو لعدم استقرار العادة لها ترجع أوّلًا إلى التمييز، فتجعل ما شابه دم الحيض حيضاً، و ما شابه الاستحاضة استحاضة.

و هو «مذهب فقهاء أهل البيت» كما عن «المعتبر» «1» و «مذهب علمائنا» كما عن «المنتهىٰ» «2».

و عن «الخلاف» و «التذكرة» الإجماع في المبتدئة «3»، و عن «المدارك» فيها: «أنّ هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب» «4».

و عن «المعتبر» «5»: «أنّ جماعة من الأصحاب لم يتعرّضوا للتمييز فيما

______________________________

(1) المعتبر 1: 204.

(2) منتهى المطلب 1: 104/ السطر 24.

(3) الخلاف 1: 229 230، تذكرة الفقهاء 1: 294.

(4) مدارك الأحكام 2: 14.

(5) و الموجود في مفتاح الكرامة هكذا: «و في المدارك: في المبتدئة هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، قاله في المعتبر: و ليعلم أنّ جماعة ..».

مفتاح الكرامة 1: 348/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 347

أجد، كالصدوقين و المفيد و أبي المكارم و سلّار. و أمّا أبو الصلاح

فقد قال: إنّ المضطربة ترجع إلىٰ نسائها، و إن فقدت فإلى التمييز، و اقتصر للمبتدئة على الرجوع إلىٰ نسائها إلىٰ أن يستقرّ لها عادة «1». و نصّ في «الغنية» «2» علىٰ أنّ عمل المبتدئة و المضطربة علىٰ أصل أقلّ الطهر و أكثر الحيض ..» إلىٰ آخره، و عن «المبسوط» ما يلوح منه عدم اعتبار التمييز «3».

و كيف كان: فتدلّ على اعتبار التمييز في المبتدئة بالمعنى الأعمّ إطلاقات أدلّة التمييز،

كصحيحة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّ دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد؛ إنّ دم الاستحاضة بارد، و إنّ دم الحيض حارٌّ «4».

و ظاهرها أنّ الصفة لماهية الدمين، و أنّ التمييز حاصل بهما عند الاشتباه و الاختلاط بينهما مطلقاً؛ من غير فرق بين أقسام الاستحاضة و المستحاضة.

و

صحيحة حفص بن البَخْتَري و فيها إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة «5».

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 128 129.

(2) غنية النزوع 1: 38.

(3) المبسوط 1: 43.

(4) الكافي 3: 91/ 2، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1.

(5) الكافي 3: 91/ 1، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 348

و إطلاق هذه الرواية قوي جدّاً، و السؤال إنّما هو عن مستمرّة الدم مطلقاً، و الجواب بيان الأمارات لماهية الدمين؛ استمرّ الدم أو لا، كانت المرأة مبتدئة أو غيرها. و عدمُ الاكتفاء بذكر الأمارات فقط و تعقيبه بقوله

فإذا كان للدم حرارة ..

إلىٰ آخره تحكيمٌ للإطلاق.

و الإطلاق

في الصحيحتين و غيرهما متبع لا يرفع اليد عنه إلّا بدليل و مقيّد، كما ورد في ذات العادة،

ففي موثّقة إسحاق بن جرير:

قال: سألتني امرأة منّا أن أُدخلها علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فاستأذنتُ لها، فأذن لها فدخلت .. إلىٰ أن قال:

فقالت له: ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها؟

قال إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد، ثمّ هي مستحاضة.

قالت: فإنّ الدم يستمرّ بها الشهر و الشهرين و الثلاثة، كيف تصنع بالصلاة؟

قال تجلس أيّام حيضها، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين.

قالت له: إنّ أيّام حيضها تختلف عليها؛ و كان يتقدّم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة، و يتأخّر مثل ذلك، فما علمها به؟

قال دم الحيض ليس به خفاء؛ هو دم حارّ تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد «1».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 348

فأرجعها إلى الصفات بعد اختلاف العادة، كما سيأتي الكلام فيه «2»، و إطلاقها لما نحن بصدده لا يقصر عن المتقدّمين.

______________________________

(1) الكافي 3: 91/ 3، تهذيب الأحكام 1: 151/ 431، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 3.

(2) يأتي في الصفحة 358 359، 403.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 349

الروايات التي زعم صاحب «الحدائق» دلالتها على عدم اعتبار التمييز
اشارة

نعم، هنا روايات أُخر تمسّك بها صاحب «الحدائق» ردّاً على الأصحاب، زاعماً أنّ الحكم في المبتدئة و سنّتها عدم الرجوع إلى التمييز مطلقاً «1»:

1 مرسلة يونس الطويلة
اشارة

منها: مرسلة يونس الطويلة، و لمّا كان فيها أحكام كثيرة تدور عليها سنن الاستحاضة و المستحاضة، فلا بدّ من التيمّن بنقلها علىٰ طولها و بيان بعض فقرأتها:

نقل متن المرسلة

روى الشيخ الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى العبيدي- و هو ثقة على الأصحّ «2» عن يونس بن عبد الرحمن، عن غير واحد سألوا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الحيض و السنّة في وقته، فقال إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سنّ في الحيض ثلاث سنن، بيّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها؛ حتّى لم يدعْ لأحد مقالًا فيه بالرأي:

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 193 194.

(2) قد وقع الخلاف بين أصحابنا في العبيدي على قولين: أحدهما: أنّه ضعيف و هو الذي صرّح به جمع، منهم الشيخ الطوسي (رحمه اللّٰه). ثانيهما: أنّه ثقة و هو الذي صرّح به النجاشي و الكشي.

رجال النجاشي: 332/ 896، اختيار معرفة الرجال: 507/ 980، رجال الطوسي: 391/ 10، تنقيح المقال 3: 167/ السطر 26 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 350

أمّا إحدى السنن: فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، ثمّ استحاضت و استمرّ بها الدم، و هي في ذلك تعرف أيّامها و مبلغ عددها، فإنّ امرأة يقال لها: فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت، فأتت أُمَّ سلمة، فسألت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن ذلك فقال: تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها، و قال: إنّما هو عَزْف و أمرها أن تغتسل و تَسْتثفِر بثوب و تصلّي.

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) هذه سنّة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في التي

تعرف أيّام أقرائها لم تختلط عليها؛ أ لا ترى أنّه لم يسألها: كم يوم هي! و لم يقل: إذا زادت علىٰ كذا يوماً فأنت مستحاضة! و إنّما سنَّ لها أيّاماً معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها.

و كذلك أفتىٰ أبي (عليه السّلام) و سئل عن المستحاضة فقال: إنّما ذلك عَزف عامر أو ركضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضَّأ لكلّ صلاة. قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المَثْعَب.

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) هذا تفسير حديث رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و هو موافق له، فهذه سنّة التي تعرف أيّام أقرائها لا وقت لها إلّا أيّامها؛ قلّت أو كثرت.

و أمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم؛ فزادت و نقصت حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر: فإنّ سنّتها غير ذلك؛ و ذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالت: إنّي أُستحاض فلا أطهر، فقال لها النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ليس ذلك بحيض، إنّما هو عزف، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي عنك الدم و صلّى، و كانت تغتسل في كلّ صلاة، و كانت تجلس في مِرْكَن لأُختها، و كانت صفرة الدم تعلو الماء.

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) أما تسمع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمر هذه بغير ما أمر به تلك! أ لا تراه لم يقل لها: دعي الصلاة أيّام أقرائك، و لكن قال لها: إذا أقبلت

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1،

ص: 351

الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغتسلي و صلّى! فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها؛ لم تعرف عددها و لا وقتها؛ أ لا تسمعها تقول: إنّي أُستحاض فلا أطهر! و كان أبي يقول: إنّها استحيضت سبع سنين، ففي أقلّ من هذا تكون الريبة و الاختلاط، فلهذا احتاجت إلىٰ أن تعرف إقبال الدم من إدباره، و تغيّرَ لونه من السواد إلىٰ غيره؛ و ذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف، و لو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلىٰ معرفة لون الدم؛ لأنّ السنّة في الحيض أن يكون الصفرة و الكدرة فما فوقها في أيّام الحيض إذا عرفت حيضاً كلّه؛ إن كان الدم أسود أو غير ذلك.

فهذا يبيّن لك أنّ قليل الدم و كثيره أيّام الحيض، حيض كلّه إذا كانت الأيّام معلومة، فإذا جهلت الأيّام و عددها احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلىٰ إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه، ثمّ تدع الصلاة علىٰ قدر ذلك. و لا أرى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال لها: اجلسي كذا و كذا يوماً، فما زادت فأنت مستحاضة، كما لم يأمر الاولىٰ بذلك.

و كذلك أبي أفتىٰ في مثل هذا؛ و ذلك أنّ امرأة من أهلنا استحاضت، فسألت أبي عن ذلك، فقال: إذا رأيت الدم البَحْراني فدعي الصلاة، و إذا رأيت الطهر- و لو ساعة من نهار فاغتسلي و صلّى.

و أرى جواب أبي هاهنا غير جوابه في المستحاضة الأُولىٰ: أ لا ترى أنّه قال: تدع الصلاة أيّام أقرائها! لأنّه نظر إلى عدد الأيّام، و قال هاهنا: إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة، و أمرها هاهنا أن تنظر إلى الدم إذا أقبل و أدبر و تغيّر.

و

قوله: البحراني شبه قول النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ دم الحيض أسود يعرف. و إنّما سمّاه أبي: بحرانيّاً لكثرته و لونه.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 352

فهذه سنّة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في التي اختلط عليها أيّامها حتّى لا تعرفها، و إنّما تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيّام و كثيره.

قال و أمّا السنّة الثالثة: ففي التي ليس لها أيّام متقدّمة، و لم تَرَ الدم قطّ، و رأت أوّل ما أدركت، و استمرّ بها، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الأُولىٰ و الثانية؛ و ذلك أنّ امرأة يقال لها: حَمَنة بنت جحش أتت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالت: إنّي استحضت حيضة شديدة، فقال: احتشي كُرْسفاً.

فقالت: إنّه أشدّ من ذلك؛ إنّي أثجّه ثجّاً! فقال: تلجّمي و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّٰه ستّة أيّام أو سبعة، ثمّ اغتسلي غسلًا، و صومي ثلاثة و عشرين يوماً أو أربعة و عشرين، و اغتسلي للفجر غسلًا، و أخّري الظهر، و عجّلي العصر، و اغتسلي غسلًا، و أخّري المغرب، و عجّلي العشاء، و اغتسلي غسلًا.

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) فأراه قد سنّ في هذه غير ما سنّ في الأُولىٰ و الثانية؛ و ذلك لأنّ أمرها مخالف لأمر تينك؛ أ لا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع؛ و كانت خمساً أو أقلّ من ذلك، ما قال لها: تحيّضي سبعاً، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيّاماً و هي مستحاضة غير حائض! و كذلك لو كان حيضها أكثر من سبع؛ و كان أيّامها عشرة أو أكثر، لم يأمرها بالصلاة و هي حائض! ثمّ

ممّا يزيد هذا بياناً قوله (عليه السّلام) لها: تحيّضي، و ليس يكون التحيّض إلّا للمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض؛ إلا تراه لم يقل لها أيّاماً معلومة: تحيّضي أيّام حيضك! و ممّا يبيّن هذا قوله لها: في علم اللّٰه؛ لأنّه قد كان لها و إن كانت الأشياء كلّها في علم اللّٰه، فهذا بيّن واضح أنّ هذه لم تكن لها أيّام قبل ذلك قطّ. و هذه سنّة التي استمرّ بها الدم أوّل ما تراه؛ أقصى وقتها سبع، و أقصى طهرها ثلاث

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 353

و عشرون، حتّى تصير لها أيّام معلومة، فتنتقل إليها.

فجميع حالات المستحاضة تدور علىٰ هذه السنن الثلاث؛ لا تكاد أبداً تخلو من واحدة منهنّ:

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير، فهي علىٰ أيّامها و خلقها الذي جرت عليه؛ ليس فيه عدد معلوم موقّت غير أيّامها.

و إن اختلطت الأيّام عليها و تقدّمت و تأخّرت و تغيّر عليها الدم ألواناً، فسنّتها إقبال الدم و إدباره و تغيّر حالاته.

و إن لم تكن لها أيّام قبل ذلك و استحاضت أوّل ما رأت، فوقتها سبع، و طهرها ثلاث و عشرون. و إن استمرّ بها الدم أشهراً فعلت في كلّ شهر كما قال لها، فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع أو أكثر من سبع، فإنّها تغتسل ساعة ترى الطهر و تصلّي، فلا تزال كذلك حتّى تنظر إلى ما يكون في الشهر الثاني، فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواءً حتّى توالىٰ عليها حيضتان أو ثلاث، فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً و خلقاً معروفاً؛ تعمل عليه و تدع ما سواه، و تكون سنّتها فيما

يستقبل إن استحاضت، قد صارت سنّة إلىٰ أن تجلس أقراؤها.

و إنّما جعل الوقت إن توالىٰ عليها حيضتان أو ثلاث؛ لقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) للتي تعرف أيّامها: دعي الصلاة أيّام أقرائك، فعلمنا أنّه لم يجعل القرء الواحد سنّة لها، فيقول لها: دعي الصلاة أيّام قرئك، و لكن سَنّ لها الأقراء، و أدناه حيضتان فصاعداً.

و إن اختلط عليها أيّامها و زادت و نقصت حتّى لا تقف فيها علىٰ حدّ، و لا من الدم علىٰ لون عملت بإقبال الدم و إدباره ليس لها سنّة غير هذا؛ لقوله (عليه السّلام): إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغتسلي، و لقوله: إنّ دم الحيض أسود يعرف، كقول أبي: إذا رأيت الدم البحرانيّ.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 354

و إن لم يكن الأمر كذلك، و لكنّ الدم أطبق عليها، فلم تزل الاستحاضة دارّة، و كان الدم علىٰ لون واحد و حالة واحدة، فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة حين قالت: إنّي أثجّه ثجّاً «1»

انتهى الحديث المبارك.

بيان دلالة المرسلة

و قد استدلّ به صاحب «الحدائق» علىٰ أنّ المبتدئة ليس لها سنّة إلّا الرجوع إلى الأيّام، و إنّما التمييز سنّة المضطربة خاصّة «2». و ما ذكره و إن كان يوهمه بعض فقرأت المرسلة، لكنّ التأمّل الصادق في مجموعها يدفع ذلك، فلا بأس ببيان بعض فقرأت الحديث حتّى يتضح الحال:

فنقول أوّلًا علىٰ نحو الإجمال: إنّ الظاهر منها أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أجاب عن ثلاث وقائع شخصيّة: وردت اثنتان منها عليه لفاطمة بنت أبي حبيش؛ إن كانت الواقعتان لمرأة واحدة في حالتين مختلفتين و يحتمل أن

تكون فاطمة بنت أبي حبيش اثنتين، كما ربّما يشعر به بعض فقرأت المرسلة، كقوله

أما تسمع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمر هذه بغير ما أمر به تلك!

و قوله

فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها

و الواقعة الثالثة هي واقعة حمنة بنت جحش، لكنّ الصادق (عليه السّلام) قال:

إنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بيّن في هذه السنن كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها، و لم يدعْ

______________________________

(1) الكافي 3: 83/ 1، وسائل الشيعة 2: 276، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 4، و الباب 5، الحديث 1.

(2) الحدائق الناضرة 3: 194.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 355

لأحدٍ مقالًا فيه بالرأي و الاجتهادات الظنّية، الخارجة عن طريق فهم السنّة.

و هذا يبيّن أنّ فهم القواعد الكلّية من بعض القضايا الشخصية بإلغاء الخصوصيّات عرفاً ليس من الاجتهاد الممنوع و المقال بالرأي، كما أفاد أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) طريقه في هذه الرواية، و نبّه علىٰ طريق الاستفادة و استنباط الأحكام الكلّية من السنّة، كما هو الطريق المألوف.

ثمّ إنّ الظاهر من قول السائل لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الحيض و السنّة في وقته، هو أنّ السؤال إنّما كان عن السنّة في تعيين وقت الحيض، لا عن موضوعه، و لا عن حكمه، و إنّما يصحّ هذا السؤال فيما إذا اختلط الحيض بغيره؛ و لم يعلم أنّ الدم الخارج أيُّ مقدار منه حيض، و أيُّ الأيّام أيّامه و وقته، فأجاب بما هو مناسب لشبهته ببيان السنن الثلاث.

فهذه السنن كفيلة لرفع الشبهة الواقعة في وقت الحيض فيما إذا اختلط الحيض بالاستحاضة، فبمقتضىٰ سوق الرواية و الحصر في السنن الثلاث،

لا بدّ من دخولِ سنن جميع أقسام المستحاضة في الرواية الشريفة؛ و استفادةِ حكم جميع حالات المستحاضة منها.

ثمّ إنّ الظاهر منها في السنن الثلاث، أنّ إرجاع كلٍّ منهنّ إلىٰ سنّة ليس لأجل اختصاص السنّة بها، بل لأجل اختصاص مرجعها بها.

مثلًا: إنّ الرجوع إلى العادة ليس مختصّاً بذات العادة التي استمرّ بها الدم مع علمها بعادتها، بل ذات العادة الكذائية لا مرجع لها إلّا عادتها، كما نصّ عليه في الرواية، و كذا الحال في السنّتين الأُخرَيين، فلا يكون الرجوع إلى التمييز مختصّاً بالتي اختلط عليها أيّامها، بل التي اختلط عليها أيّامها و لا يكون دمها علىٰ لون واحد و حالة واحدة، لا مرجع لها إلّا الرجوع إلى التمييز. و كذا الحال في

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 356

المبتدئة التي سيأتي الكلام فيها في ذيل الحديث «1».

ثمّ لا إشكال في أنّ ذاتَ العادة مع إحصائها أيّام حيضها و عدم اختلاط فيها و علمها بها، مرجعُها إلىٰ عادتها، و يأتي الكلام فيها في محلّه «2».

و نحن الآن بصدد بيان السنّة الثانية و الثالثة، فقوله

و أمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم، فزادت و نقصت حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر ..

فيه احتمالان:

أحدهما: أنّ المراد ممّا ذكر هي الناسية؛ فإنّ طول زمان استمرار الدم، صار سبباً لغفلتها عن عددها و موضعها من الشهر بعد كون العدد و الموضع معلومين لها.

و يؤيّد ذلك إذا استظهر من الرواية كون فاطمة بنت أبي حبيش امرأة واحدة أنّها أتت مرّة أُمَّ سلمة في زمان كانت ذاكرة لعدد أيّامها و وقتها من الشهر، و أُخرى أتت النبيَّ (صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم) بعد طول مدّة الدم و نسيانها لهما، كما يشهد به قوله

و كان أبي يقول: إنّها استحيضت سبع سنين.

و ثانيهما: أنّ المراد منه هي التي كانت لها أوّلًا أيّام مضبوطة، و كانت ذات عادة مستقرّة عدداً و وقتاً، ثمّ اختلطت الأيّام؛ و تقدّمت و تأخّرت، و زادت و نقصت، ثمّ استمرّ عليها الدم.

و يشهد لهذا الاحتمال بعد منع كون فاطمة امرأة واحدة طرأت عليها الحالتان؛ لما تقدّم من ظهور الرواية في كون ما ذكرت فيها مرأتين مسمّيتين ب «فاطمة» و أنّ أباهما كان مكنّى ب «أبي حبيش» قوله

زادت و نقصت

فإنّ

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 359.

(2) يأتي في الصفحة 403.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 357

الظاهر منه أنّ الزيادة و النقص إنّما عرضتا للأيّام المتقدّمة، فكانت الأيّام أوّلًا مضبوطة غير مختلفة، ثمّ صارت مختلفة؛ ناقصة تارة، و زائدة اخرىٰ، و هذا المعنى لا يتصوّر في مستمرّة الدم.

و يؤيّده قوله فيما بعد

و إن اختلطت الأيّام عليها، و تقدّمت و تأخّرت

فإنّ التقدُّم و التأخّر المنسوبين إلى الأيّام لا يتصوّران إلّا قبل استمرار الدم.

و يشهد بذلك قوله

أغفلت

بصيغة «أفعال» فإنّ معنىٰ «أغفل الشي ء» أهمله و تركه، علىٰ ما في «المنجد» «1» و في «الصحاح»: «أغفلتَ الشي ء: إذا تركتَه علىٰ ذِكر منك» «2» فالعدول عن «غَفَلت عن عددها» إلىٰ

أَغفلت عددها

لأجل أنّ أيّامها كانت مضبوطة، و كانت آخذة بعددها و موضعها من الشهر، ثمّ اختلطت؛ فزادت و نقصت، و تقدّمت و تأخّرت، حتّى تركت الأيّام المضبوطة و أهملتها، فحينئذٍ تكون الرواية متعرّضة لقسم من المضطربة.

و لا ينافي ما ذكرناه بعض فقرأتها، كقوله

إنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها؛ لم

تعرف عددها و لا وقتها

لأنّ مختلطة الأيّام بما ذكرنا أيضاً لا تعرف عددَها؛ لأنّ أيّامها زادت و نقصت، و لا وقتها؛ لتقدّمها و تأخّرها.

و لا يبعد أن يكون أرجح الاحتمالين هو الثاني، كما استظهر المحقّق الخونساري ظاهراً «3» و إن ضعّفه شيخنا الأعظم قائلًا: «إنّ عدّة مواضع من الرواية تأبىٰ عن ذلك» «4» و لم تتضح موارد الإباء.

نعم، ربّما يأباه قوله

ثمّ اختلط عليها من طول الدم

فإنّ الظاهر منه أنّ

______________________________

(1) المنجد: 555.

(2) الصحاح 5: 1783.

(3) الحواشي على شرح اللمعة الدمشقيّة، المحقّق الخوانساري: 61/ السطر 5.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 204/ السطر 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 358

طول الدم و استمراره صار سبباً للاختلاط، و هو لا ينطبق إلّا على النسيان.

و يمكن أن يقال: إنّ المراد من

طول الدم

ليس طول استمراره، بل المراد أنّ طول سنيّ رؤيته أوجب الاختلاط؛ لأنّ في أوائل الأمر لمّا كانت الرحم معتدلة سليمة، كانت تقذف مضبوطاً عدداً و وقتاً، ثمّ بعد طول الزمان صارت ضعيفة، فخرج قذفها عن الاعتدال و الانضباط.

و هذا التوجيه و إن كان لا يخلو من خلاف ظاهر، لكنّه أهون من رفعِ اليد عن قوله

زادت و نقصت و تقدّمت و تأخّرت

أو توجيهِه بوجه بعيد. بل لا يبعد أن يكون التعبير ب

«طول الدم

دون «استمراره» لإفادة ذلك.

و كيف كان: فيظهر من التأمّل في فقرأت الرواية، أنّ أبا عبد اللّٰه الصادق (عليه السّلام) استشهد علىٰ حكمِ من كان لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلطت عليها، كما هو مفروض كلامه بالسنّة التي سنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في واقعة فاطمة؛ باعتبار عدم إرجاعِها إلى العادة، و إرجاعِها إلى التمييز، فاستفاد من

ذلك أنّ هذه امرأة اختلط عليها أيّامها؛ لم تعرف عددها و لا وقتها؛ ممّا هي معتبرة في الرجوع إلى العادة، فعدم الإرجاع إليها شاهد على اختلاط الأيّام و عدم معرفتها بها؛ و إن لم يكن شاهداً علىٰ كون الاختلاط بعد ما كانت لها أيّام مضبوطة متقدّمة أوّلًا.

ففتوى الصادق (عليه السّلام) في الامرأة التي كانت لها أيّام متقدّمة ثمّ اختلطت، لم تكن لأجل معلومية أنّ فاطمة بنت أبي حبيش كانت كذلك، بل لأجل معلوميةِ اختلاط أيّامها، و عدمِ معرفتها بها، و كونِ دمها ذا تميّز؛ و إن لم يعلم أنّها كانت ذات عادة منضبطة، ثمّ اختلطت أيّامها، كما يظهر من قوله

فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط ..

إلىٰ آخره، فمن أجل ذلك يستفاد أنّ تمام الموضوع للرجوع إلى الصفات، هو الاختلاط و عدم المعرفة مع كون الدم ذا تميّز.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 359

بل يظهر من التعبيرات المختلفة في الرواية تارة: ب

«التي كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها.

و أُخرى: بأنّ

هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها

من غير ذكر للأيّام المتقدّمة، و ثالثة بقوله

إذا جهلت الأيّام و عددها احتاجت ..

إلىٰ آخره .. إلى غير ذلك أنّه لا يعتبر في الرجوع إلى التمييز إلّا عدم إمكان الرجوع إلى العادة؛ سواء كان لفقدانها، أو اختلاطها، أو نسيانها، أو غير ذلك.

و ممّا يبيّن ذلك التأمّل الصادق في قوله

فلهذا احتاجت إلىٰ أن تعرف ..

إلىٰ قوله

و لو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت ..

إلىٰ آخره، فإنّ المتفاهم عرفاً منه: أنّ الاحتياج إلىٰ معرفة لون الدم، إنّما هو فيما قصرت يدها عن الأمارة التي هي أقوى منها عرفاً و شرعاً، و أنّ الرجوع

إلى التمييز لأجل أنّ دم الحيض أسود يعرف، فأمارية الصفات أوجبت الإرجاع إليها عند فقد الأمارة المتقدّمة عليها قوّة و كشفاً؛ من غير دخل لتقدّم الأيّام و عدمه أو اختلاطها و عدمه في ذلك، فموضوع الإرجاع عرفاً هو وجدان هذه الأمارة و فقدان ما هي أقوى منها.

و لو فرض كون المرأة مبتدئة ذات تمييز، يفهم من التأمّل في الفقرات أنّ تكليفها الرجوع إلى التمييز، و عند فقدانه يكون تكليفها غير ذلك.

و أمّا السنّة الثالثة: فإنّه و إن كان يوهم بعض فقرأت الرواية كونها للمبتدئة؛ كانت ذات تمييز أو لا، لكنّ التأمّل في جميع فقرأتها يدفع هذا الوهم؛ فإنّ الظاهر منها- كما تقدّم أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سنّ في ثلاث وقائع شخصية ثلاث سنن، يفهم منها جميع حالات المستحاضة، فجميع حالات المستحاضة تدور علىٰ هذه السنن، لا أنّ المستحاضة تنحصر في الموارد الثلاثة التي وردت على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و بيّن أحكامها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 360

نعم، وردت السنّة الثالثة بحسب الواقعة الشخصية فيمن لم تَرَ الدم، و رأت أوّل ما أدركت، و استمرّ بها، و كانت كثيرة الدم، و كان دمها ذا دفع و شدّة، و علىٰ لون واحد و حالة واحدة، كما يستفاد من قولها

أثجّه ثجّاً

و قد صرِّح به في آخر الرواية.

فالمستفاد من جميع المرسلة: أنّ السنّة الثالثة و إن وردت فيمن رأت الدم أوّل ما أدركت، و استمرّ بها علىٰ لون واحد؛ بحسب الواقعة الشخصية و القضية الخارجية، لكنّها سنّة لكلّ من لم تكن لها عادة و لا تمييز، كما ينادي به قوله في آخر الرواية

و

إن لم يكن الأمر كذلك، و لكنّ الدم أطبق عليها؛ فلم تزل الاستحاضة دارّة، و كان الدم علىٰ لون واحد و حالة واحدة، فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة حين قالت: أثجّه ثجّاً.

فيستفاد منه: أنّ كلّ من كانت قصّتها كقصّة حمنة من هذه الحيثية أي إطباق الدم؛ و كونه علىٰ لون واحد و حالة واحدة المستفادة من قولها

أثجّه ثجّاً

تكون سنّتها كسنّتها، و لا تكون السنّة التي وردت لها، مختصّة بها و بمن رأت الدم أوّل ما أدركت، بل الميزان في قصّتها هو الاستمرار و عدم تغيّره.

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ المستحاضة لا تخلو إمّا أن تكون ذات عادة معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، أو لا:

فالأُولىٰ: مرجعها إلى العادة لا غيرها.

و الثانية: إمّا أن تكون ذات تميّز و تغيّر في لون الدم و حالاته، أو لا:

فالأُولى: مرجعها إلى التمييز.

و الثانية: إلى السبع و الثلاث و العشرين.

و لا تخلو مستحاضة من تلك الحالات، و يستفاد جميع سنن المستحاضة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 361

و حالاتها من السنن الثلاث بعد التأمّل التامّ و التدبّر الصادق في فقرأتها، كما قال في أوّل الرواية

بيّن كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها

ثمّ أفاد (عليه السّلام) طريق الاستفادة من قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و لا يخفىٰ: أنّ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّما أرشد السائلين إلىٰ طريق الاستفادة من كلام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أبي جعفر (عليه السّلام) لفتح باب الاجتهاد عليهم، لا أنّ طريق علمه بالأحكام هو هذا النحو من الاجتهادات الظنّية و الاستظهارات العرفية، كما هو مقتضىٰ أُصول

المذهب.

2 رواية سماعة و موثّقة ابن بكير

و ممّا تمسّك به صاحب «الحدائق» لمذهبه «1»

رواية سَماعة قال: سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها، فدام دمها ثلاثة أشهر، و هي لا تعرف أيّام أقرائها، فقال أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام، و أقلّه ثلاثة أيّام «2».

و

موثّقة عبد اللّٰه بن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال المرأة إذا رأت الدم أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك، تركت الصلاة عشرة أيّام، ثمّ تصلّي عشرين يوماً، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام، و صلّت سبعة و عشرين يوماً «3».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 194.

(2) الكافي 3: 79/ 3، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1181، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 381/ 1182، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 362

و فيه: أنّ لأدلّة الأوصاف نحو حكومة عليهما:

أمّا على الاولىٰ فظاهر؛ لأنّ السؤال عمّن لا تعرف أيّام أقرائها و لسان روايات الأوصاف مثل قوله

إنّ دم الحيض أسود يعرف

و قوله

إنّ دم الحيض ليس به خفاء

هو أنّه مع الأوصاف تخرج المرأة عن موضوع عدم المعرفة.

و أمّا على الثانية: فلأنّ الظاهر منها أنّ ترك الصلاة عشرة أيّام في الدورة الاولىٰ و ثلاثة أيّام فيما بعدها، ليس لأجل كونها حيضاً، بل هو حكم تعبّدي لدى التحيّر في معرفة أيّامها.

و يشهد له قول ابن بكير في روايته الأُخرىٰ التي لا يبعد أن تكون عين الاولىٰ، و يكون الاختلاف في النقل، فتارة: نقلها بجميع ألفاظها، و تارة: اقتصر علىٰ جوهر القضيّة

حيث قال فإذا مضى

ذلك و هو عشرة أيّام فعلت ما تفعله المستحاضة.

و قال في ذيلها و جعلت وقت طهرِها أكثرَ ما يكون من الطهر، و تركِها للصلاة أقلَّ ما يكون من الحيض «1».

و معلوم: أنّ ظاهر هذه الفقرات، هو أنّ الحيض و الاستحاضة لمّا لم يكونا معلومين و كانا مختلطين، وجب عليها التحيّض في أيّام و الصلاة في أُخرى.

و هذا نظير قوله في

مرسلة يونس المتقدّمة تحيّضي في علم اللّٰه ..

فلسان الروايتين لسان الأصل، و لسان أدلّة الأوصاف لسان الأمارة، فتكون حاكمة عليهما.

و ينبغي التنبيه علىٰ أُمور:
اشارة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 400/ 1251، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 363

الأمر الأوّل في شرائط الرجوع إلى التمييز
اشارة

يشترط في الرجوع إلى التمييز أُمور:

منها: أن لا ينقص ما شابه دم الحيض عن ثلاثة أيّام.

و منها: أن لا يزيد علىٰ عشرة أيّام.

و منها: عدم نقصان ما شابه الاستحاضة عن عشرة أيّام.

و هذه الشروط أي عدم جواز جعل ما شابه الحيض حيضاً؛ إذا نقص عن ثلاثة أيّام أو زاد عن عشرة، و عدم جواز جعل الطهر بين الحيضتين أقلّ من عشرة أيّام ممّا لا ينبغي الإشكال فيه؛ لما دلّ من المستفيضة علىٰ أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام، و لا أكثرَ من عشرة أيّام «1»، و ما دلّ علىٰ أنّ الطهر لا يكون أقلَّ من عشرة أيّام «2».

مختار صاحب «الحدائق» في المقام و نقده

و هذه الأدلّة حاكمة علىٰ أدلّة الأوصاف؛ لأنّ جعل الأمارة إنّما هو بعد الفراغ عن إمكان الحيض الواقعيّ و احتمال وجوده، و هذه الأدلّة تحديد لواقع الحيض، و ليست الأمارة إلّا كاشفة عمّا يمكن أن يكون حيضاً و يحتمل تحقّقه،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 364

و هذه الروايات ترفع الموضوع و تخرجه عمّا يمكن فيه ذلك، فهي بلسانها مقدّمة على لسان الأمارات عرفاً.

فما ذهب إليه صاحب «الحدائق» «1» من أنّها تتحيّض بالأقلّ و الأكثر؛ زاعماً أنّ ذلك مقتضىٰ إطلاق الروايات، بل مقتضىٰ قوله

في مرسلة يونس ما كان من قليل الأيّام و كثيره «2».

مردود؛ ضرورة أنّ أدلّة التحديد الحاكمة علىٰ أدلّة الصفات، توجب تحديد القليل و الكثير بأيّام إمكان الحيض.

و ممّا ذكرنا ظهر حال ما تمسّك به لردّ الشرط الثالث، و هو بلوغ الدم الضعيف وحده أو مع النقاء

عشرة أيّام، قائلًا:

«إنّ ذلك لا دليل عليه، بل ظاهر الأخبار يردُّه،

كموثّقة أبي بصير قال: سألت الصادق (عليه السّلام) عن المرأة ترى الدم خمسة أيّام، و الطهرَ خمسةَ أيّام، و ترى الدم أربعة أيّام، و ترى الطهرَ ستّةَ أيّام، فقال إن رأت الدم لم تصلِّ، و إن رأت الطهر صلّت ما بينها و بين ثلاثين يوماً، فإذا مضت ثلاثون يوماً .. «3»

إلىٰ آخره، و قريب منها موثّقة يونس بن يعقوب «4»» «5».

و الروايتان صحيحتان، و توصيفهما ب «الموثّقة» كأنّه في غير محلّه.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 195.

(2) تقدّم في الصفحة 352.

(3) تهذيب الأحكام 1: 380/ 1180، وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 3.

(4) الكافي 3: 79/ 2، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1179، وسائل الشيعة 2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 2.

(5) الحدائق الناضرة 3: 195.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 365

و كيف كان: فأمّا قوله: «لا دليل عليه» فقد مرّ الدليل عليه «1».

و أمّا تمسّكه بالروايتين، ففيه أوّلًا: أنّ مفادهما غير ما نحن فيه؛ لظهورهما في حصول النقاء، لا في استمرار الدم و اختلاف الألوان.

و ثانياً: قد مرّ في محلّه ما هو مفادهما «2»، و قد حملهما الشيخ علىٰ محمل صحيح «3»، و بيّن المحقّق ما هو المحمل فيهما «4»، فلا نعيد.

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 116 126.

(2) تقدّم في الصفحة 123 124.

(3) الاستبصار 1: 132/ ذيل الحديث 453.

(4) المعتبر 1: 207.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 366

الأمر الثاني في حكم ما تراه بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام
اشارة

إذا فقد الشرط الأوّل أي كان ما رأت بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام فهل هي فاقدة التمييز، و لا بدّ لها

من الرجوع إلى الأقارب أو الروايات؛ لو قلنا برجوع الفاقدة إليهما مطلقاً، أو هي واجدة له في الجملة؟

قد يقال بالأوّل: «لأنّ أمارة الحيض في اليومين مثلًا التي يلزم منها كون الثالث حيضاً لما دلّ علىٰ عدم كون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام معارضة لأمارة الاستحاضة في اليوم الثالث التي يلزم منها كون اليومين أيضاً استحاضة، فتتساقط الأمارتان، فهي فاقدة التمييز» «1».

و قد يجاب عنه: «بأنّ سوق الأخبار يشهد بورودها لتمييز الحيض عمّا ليس بحيض الذي هو الاستحاضة، و إنّما ذكر أوصاف الاستحاضة استطراداً لبيان أنّه ليس بحيض، فإذا تبيّن كون بعض ما رأته بصفة الاستحاضة حيضاً باعتبار كونه مكمّلًا لما علم حيضيّته بالأوصاف التي اعتبرها الشارع فلا تنافيه هذه الأدلّة» «2» انتهىٰ.

و فيه: أنّه لم يتضح معنى «الاستطراد» فإن كان المراد أنّ ذكر أوصاف الاستحاضة وقع بعد أوصاف الحيض تبعاً له، فهو مع عدم تماميته في جميع الروايات؛ فإنّ في صحيحة معاوية بن عمّار قدّم ذكر الاستحاضة و صفتها على

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 271.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 303/ السطر 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 367

الحيض و صفته «1» لا يوجب عدم كون الصفات أمارة، أو رفع اليد عن أماريتها لدى التعارض.

و إن كان المراد أنّ الإمام (عليه السّلام) ليس بصدد بيان أمارية أوصاف الاستحاضة، بل يكون بصدد أمارية الحيض فقط، و ذكر الأوصاف المقابلة ليس لأجل أماريتها، بل لبيان فقد أمارة الحيض، كما يظهر من القائل في خلال كلامه، فهو غير وجيه؛ ضرورة ظهور الأدلّة في أمارية كلٍّ من الطائفتين، و لا يمكن الالتزام بذلك، خصوصاً في صحيحة معاوية. بل كأنّه أشرنا سابقاً إلىٰ أولوية أمارية صفات الاستحاضة من

صفات الحيض «2».

و كيف كان: فلا وجه لرفع اليد عن ظهور الروايات في أمارية صفاتهما.

و يمكن أن يقال في جواب الإشكال المتقدّم: أنّ إمارة الاستحاضة فيما نحن فيه، لا يمكن أن تعارض أمارة الحيض؛ للعلم بكذب مفادها، فإنّ المفروض أنّ غير اليومين من أيّام الدم يكون بصفة الاستحاضة، فالأخذ بدليل صفات الاستحاضة- اللازم منه جعل اليومين أيضاً استحاضة ممّا لا يمكن؛ للعلم بكون بعض الأيّام حيضاً، ضرورة اتفاق النصّ «3» و الفتوى «4» علىٰ حيضية بعض الدم المستمرّ، فحينئذٍ تكون الأمارة الدالّة علىٰ كون الجميع استحاضةً، مخالفةً للواقع، فلا يمكن الأخذ بها، فتبقىٰ أمارة الحيض في اليومين بلا معارض، و لازمها تتميم ما نقص.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 347.

(2) تقدّم في الصفحة 166.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 349.

(4) النهاية: 24، المعتبر 1: 207، تحرير الأحكام 1: 14/ السطر 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 368

الكلام في كيفية التتميم

نعم، يبقى الكلام في كيفية التتميم، فقد يقال «بالرجوع إلىٰ عادات النساء أو الروايات؛ فإنّه لم يعرف من أخبار التمييز إلّا كون اليومين مثلًا حيضاً في الجملة، و هذا المقدار من المعرفة، لا يوجب خروجها من موضوع ما دلّ على الرجوع إلىٰ عادات النساء أو الأخبار. و علىٰ تقدير انصراف الأخبار يفهم حكمه منها عرفاً؛ لأنّ هذه الأخبار ليست تعبّدية محضة، بل مناطها أُمور مغروسة في الأذهان «1».

و فيه: أنّ إطلاق أدلّة التمييز يحكم بأنّ اليومين حيض، و لو لم يكن دليل تحديد الحيض بثلاثة أيّام، لقلنا بمفادها بمقتضىٰ إطلاقها. و دعوىٰ عدم الإطلاق في الروايات و خروج الفرض و أمثاله منها، في غاية السقوط؛ ضرورة أنّ الروايات في مقام البيان بلا إشكال، و إطلاقها محكّم،

و إنّما يخرج منه بقدر ما ورد من التقييد.

و لا تنافيها أدلّة تحديد الحيض بثلاثة أيّام؛ لعدم المنافاة بين كون اليومين حيضاً، مع كون اليوم الثالث أيضاً حيضاً؛ لأنّ وجدان الصفة أمارة على الحيضية، و أمّا فقدانها فليس أمارة علىٰ شي ء. نعم وجدان صفات الاستحاضة أمارة عليها، و لازمها عدم الحيضيّة. لكن قد عرفت عدم إمكان الأخذ بها.

فحينئذٍ يؤخذ بأمارة الحيض في اليومين، و تترك أمارة الاستحاضة بمقدار تتميم أقلّ الحيض؛ لما دلّ علىٰ عدم كون الحيض أقلّ من ثلاثة، و تبقىٰ أمارية صفات الاستحاضة في اليوم الرابع و ما زاد بلا معارض، فيؤخذ بها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 304/ السطر 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 369

و مع قيام الأمارة على الاستحاضة في الأيّام الزائدة، و قيام الأمارة أيضاً علىٰ حيضية ثلاثة أيّام، لا وجه للرجوع إلىٰ عادات النساء ممّا ثبت نصّاً و فتوى تأخّر أماريتها عن أمارية التمييز. و أوضح منه عدم الرجوع إلى الروايات الذي هو تكليف فاقدة التمييز و الأمارة.

فرفع اليد عن أدلّة التمييز إمّا لدعوىٰ قصور أدلّتها عن شمول هذه الفروض، فهي مدفوعة بما تقدّم من إطلاق الأدلّة. و يظهر إطلاقها من الرجوع إليها و التأمّل في مفادها. و لَعَمْري، إنّ الناظر فيها لا يشكّ في شمولها لجميع الفروض؛ مع قطع النظر عن روايات التحديد.

و إمّا لدعوىٰ دخول الفروض في أدلّة الرجوع إلى النساء و الأخبار، ففيها: أنّه مع شمول إطلاقات أدلّة التمييز لها لا معنى للرجوع إليهما؛ لحكومة أدلّة التمييز عليهما علىٰ فرض شمولهما لها. فالتتميم بالرجوع إلى العادات و الأخبار ممّا لا أرىٰ له وجهاً وجيهاً.

ثمّ إنّه علىٰ فرض خروج هذه الفروض عن مفاد الأدلّة

و انصرافها عنها، لا وجه لفهم أحكامها بالرجوع إلى العرف بدعوى ارتكازية المناط.

اللهمّ إلّا أن يدعىٰ: أنّ الارتكاز و المغروسية في أذهان العرف، يوجب عدمَ الانصراف، بل إلغاءَ الخصوصيات عرفاً، فله وجه، لكنّه يرجع إلىٰ دلالة الأدلّة، لا إلىٰ حكم العرف؛ فإنّه لا معنىٰ للرجوع إليه إلّا في فهم مفادها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 370

الأمر الثالث في حكم ما تراه بصفة الحيض أكثر من عشرة أيّام

إذا فقد الشرط الثاني بأن ترى زائداً على العشرة بصفة الحيض فهل هي فاقدة التمييز مطلقاً أو لا؟

و على الثاني: هل يجب عليها التحيّض من أوّل الرؤية إلىٰ عشرة أيّام، أو التحيّض من أوّل الرؤية و تتميمه بمقدار عادات النساء أو الأخبار، أو يجب عليها الرجوع إلىٰ عادات النساء أو الأخبار في أيّام رؤية الدم بصفة الحيض مخيّرة بينهما، أو يفصّل بين ما إذا كانت للأمارات جهة مشتركة أو لا، كما تأتي الإشارة إليه؟

وجوه، مقتضى القواعد هو التفصيل الأخير.

و أمّا القول بكونها فاقدة التمييز مطلقاً «1» فضعيف؛ لأنّ رفع اليد عن أمارة الاستحاضة في أيّام رأته بصفتها، ممّا لا وجه له بعد ما عرفت من إطلاق الأدلّة.

كما أنّ لازم الأمارات المتعارضة في صورة التعارض بينها، هو عدم حيضية الضعيف في الجملة، فأمارات الحيضية المتعارضة لأجل أدلّة تحديد الحيض بالعشرة متفقة في عدم حيضية الضعيف و إن تعارضت في محلّ الحيض من الأيّام، و لازمُ الأمارات المتعارضة مع اتفاقها فيه حجّةٌ، فلا إشكال

______________________________

(1) المعتبر 1: 206، جواهر الكلام 3: 272.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 371

في التمييز في الجملة؛ لا لفهم العرف بعد انصراف الأدلّة، كما قيل «1» بل لما ذكرنا من إطلاقِ أدلّة أمارات الاستحاضة، و لازمِ أمارات الحيض في

فرض التعارض.

و أمّا التحيّض في أوّل الرؤية بعشرة أيّام، كما عن شيخ الطائفة «2» أو بالتتميم بالعادات أو الأخبار «3» فغير تامّ؛ لعدم الترجيح بين الأيّام في بعض الصور، بل الترجيح لغير الأوّل في بعضها، كما يأتي. و التمسّك بقاعدة الإمكان «4» مع ما تقدّم من عدم الدليل عليها «5» لا وجه له هاهنا و لو فرض الدليل عليها؛ لعدم الرجحان بين الأيّام بعد قيام الأمارة علىٰ جميعها و تساوي جريان القاعدة فيها.

و دعوىٰ ظهور الأدلّة في التحيّض أوّل ما رأت،

كقوله في صحيحة حفص بن البَخْتَري فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة «6».

و قوله

في مرسلة يونس إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة «7».

غير وجيهة؛ لأنّ الأدلّة إنّما هي بصدد بيان أمارية الأوصاف مطلقاً، لا في أوّل الحدوث، فمعنىٰ قوله

إذا كان للدم حرارة ..

إلىٰ آخره: أنّه كلّما كان للدم حرارة كان حيضاً، و لهذا لو لم تكن أدلّة التحديد لقلنا بحيضية جميع الأيّام،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 303/ السطر 27.

(2) المبسوط 1: 46.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 304/ السطر 23.

(4) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 209/ السطر 16.

(5) راجع ما تقدّم في الصفحة 67 68.

(6) تقدّم في الصفحة 347.

(7) تقدّم في الصفحة 350.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 372

و مع تلك الأدلّة يقع التعارض في الأيّام بين الأمارات من غير ترجيح. و الترجيح بتقدّم الزمان بدعوىٰ خروج الزمان المتأخّر عن إمكان الحيضية بعد انطباق الأدلّة بلا مانع على الأيّام الاولىٰ ممّا لا وجه له؛ لأنّ التقدّم الزماني لا يوجب الترجيح. و التطبيق على الاولىٰ و رفع اليد عن الأدلّة في الأيّام الأُخرىٰ من غير مرجّح، لا وجه له.

و الأقوى بحسب

القواعد هو التفصيل بين ما إذا كانت للأمارة جهة مشتركة، كما إذا رأت خمسة عشر يوماً، فإنّ اليوم السادس إلى العاشر مورد اتفاق الأمارات علىٰ حيضيتها؛ بعد الأخذِ بإطلاق أدلّتها، و تحديدِ الحيض بما دلّ علىٰ أنّه لا يزيد علىٰ عشرة أيّام، فحينئذٍ يقع التعارض بين الأمارات من أوّل رؤية الدم بصفة الحيض إلى الخامس، و من اليوم الحادي عشر إلى الخامس عشر، و تتفق في المفاد من اليوم السادس إلى العاشر، فتكون المرأة ذات تمييز وقتاً و عدداً، فلا ترجع إلىٰ عادات نسائها و الأخبار مطلقاً؛ لتقدّم التمييز عليهما.

و أمّا إذا وقع التعارض بينها من غير اتفاق كما لو رأت عشرين يوماً بصفة الحيض فتتعارض الأمارات في جميع الأيّام، فتكون من جهة الوقت ذات تمييز في الجملة، و من جهة العدد غير ذات تمييز، فترجع إلى التمييز في الوقت في الجملة؛ بمعنى أنّه لو كانت عادة النساء في آخر الشهر خمسة أيّام، و رأت متصفاً بصفات الحيض من أوّل الشهر إلى العشرين، تحيّضت في أيّام التمييز، فتقدّم أدلّة التمييز علىٰ أدلّة عادات النساء بالنسبة إلى الوقت، و أمّا بالنسبة إلى العدد، فلا مزاحم لإطلاق أدلّة الرجوع إلى عادات النساء؛ لأنّ رفع اليد عنها بعد إطلاقها إنّما هو لفهم تقدّم أدلّة التمييز عليها؛ و كونِ التمييز

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 373

أمارة أقوى من أمارة العادات، كما تشهد به رواية سَماعة «1» بل يمكن الاستدلال عليه بمرسلة يونس و مع التعارض بين أمارات التمييز تصير فاقده بالنسبة إلى العدد.

هذا مع إمكان أن يقال: إنّ التعارض بين الأمارات إنّما وقع في محلّ التحيّض، لا في عدد الأيّام، فهي ذات أمارة و

تمييز بالنسبة إلى العشرة، و غير ذات تمييز بالنسبة إلى المحلّ الخاصّ، فتتخيّر في جعل العشرة في أيّ محلّ من اليوم الأوّل إلى العشرين، إلّا إذا عيّنت عادات النساء وقت حيضها، كما لو فرض كون العادات من أوّل الشهر إلىٰ خمسة أيّام، فيجب عليها الأخذ بالعشرة من أوّل الشهر؛ لأنّها بالنسبة إلى الوقت غير ذات تمييز، فلا بدّ من رجوعها إلى الأمارة المتأخّرة عن التمييز.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من لزوم الأخذ بعشرة أيّام، جارٍ في الفرع المتقدّم أي ما إذا كانت للأمارات جهة مشتركة؛ لعدم ما يدفع لزوم الأخذ بعشرة أيّام، فإنّ عادات نسائها أمارة متأخّرة عن أمارة التمييز علىٰ عشرة أيّام، فتدبّر.

و لو فقدت النساء، و قلنا بأنّها غير ذات تمييز بالنسبة إلى العدد، فلا يبعد الرجوع إلى الأخبار بدعوىٰ فهم ذلك من رواية يونس؛

حيث قال في ذيلها عند بيان القاعدة الكلّية بعد بيان السنّتين الأُوليين- فإن لم يكن الأمر كذلك، و لكنّ الدم أطبق عليها؛ فلم تزل الاستحاضة دارّة، و كان الدم علىٰ لون واحد ..

إلىٰ آخره؛ بأن يقال:

إنّ قوله

فإن لم يكن الأمر كذلك

له مصاديق، و يكون جميع مصاديقها موضوعاً للحكم المترتّب عليه؛ أي السبع و الثلاث و العشرين، و إنّما ذكر بعض

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 361.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 374

مصاديقه الواضحة من غير أن يكون الحكم منحصراً في هذا المصداق، فمع فقدان التمييز الذي يمكن الرجوع إليه، يكون تكليفها الرجوع إلى الروايات؛ لصدق قوله

لم يكن الأمر كذلك.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الإرجاع إلى التمييز في السنّة الثانية، إنّما يكون فيما يمكن الإرجاع إليه؛ و هو كون التمييز بلا مزاحم، فموضوع الحكم في التمييز هو

التمييز القابل للإرجاع إليه. و في مقابله المعبّر عنه بقوله

فإن لم يكن الأمر كذلك

هو مطلق ما لا يكون التمييز مرجعاً لها؛ سواء فقد التمييز و هو المصداق الواضح المذكور في المرسلة أو كان تمييز، لكن لم يمكن الرجوع إليه، كما فيما نحن فيه، فتدبّر جيّداً.

لكن قد عرفت: أنّها بالنسبة إلى العدد ذات تمييز، فلا يجوز لها الرجوع إلىٰ عادات النساء في العدد، فضلًا عن الرجوع إلى الروايات.

نعم، لو كانت بالنسبة إلى الوقت غير ذات تمييز كما لو رأت عشرين يوماً رجعت إلى عادات النساء في تعيين الوقت، و إلّا فتتخيَّر.

و أمّا لو كانت ذات تمييز بالنسبة إليه أيضاً كما لو رأت خمسة عشر يوماً كانت بالنسبة إلى اليوم السادس إلى العاشر ذات تمييز وقتاً، فتأخذ به. لكن لو كانت عادة النساء في أوّل الشهر مثلًا لا يبعد تقدّم الأخذ بالعشرة من أوّل الشهر إلى العاشر على الأخذ من السادس إلى العاشر، و في العكس تقدُّم العكس.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 375

الأمر الرابع في حكم ما إذا رأت ذات التمييز صفرة بين الدمين
اشارة

إذا فقد الشرط الثالث؛ بأن ترى بين الدمين المتصفين بصفة الحيض الصالح كلٌّ منهما في نفسه أن يكون حيضاً دماً بصفة الاستحاضة أقلّ من عشرة أيّام، فتارة: يكون مجموع الطرفين و الوسط عشرة أيّام أو أقلّ.

و أُخرى: يكون متجاوزاً عنها.

و حينئذٍ تارة: يكون بعض الدم الثالث متمّماً للعشرة.

و أُخرى: يكون الدم المتوسّط متمّماً لها.

فعلى الأوّل: هل يحكم بكون الطرفين حيضاً، و يتبعهما الوسط؛ إمّا بدعوىٰ أولوية جعل الدم المتوسّط حيضاً من جعل النقاء حيضاً، كما مرّ سابقاً «1»؟

أو بدعوىٰ: أنّ أوصاف الاستحاضة ليست أمارات لها، بل الأمارية مختصّة بأوصاف الحيض، و إنّما ذكر أوصافها استطراداً و لبيان فقدان

أوصاف الحيض، لا لوجدان أوصاف الاستحاضة، فحينئذٍ تكون الأمارة القائمة علىٰ حيضية الطرفين بلا مانع، فتأخذ بها، و تجعل الوسط حيضاً تبعاً؛ لكون أقلّ الطهر عشرة أيّام؟

و لا يخفىٰ ما في الدعويين؛ لما مرّ من ظهور الأدلّة في أمارية الوصفين «2»، و لا دليل علىٰ كون صفة الاستحاضة مذكورة استطراداً، فحينئذٍ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 146.

(2) تقدّم في الصفحة 166 167، 367.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 376

لا يكون جعل الدم الموصوف بصفات الاستحاضة حيضاً، أولىٰ من جعل النقاء كذلك؛ لقيام الأمارة هاهنا على الاستحاضة و عدم الحيضية، بخلاف ما هناك.

فقدان المرأة للتمييز بناءً علىٰ أمارية أوصاف الاستحاضة

ثمّ علىٰ فرض أمارية أوصاف الاستحاضة كما هو التحقيق، فهل تصير المرأة فاقدة التمييز، أو يحكم بكون الدم المتقدّم حيضاً، و المتوسّط استحاضة، و يتبعها المتأخّر، أو يعكس الأمر؛ فيحكم بكون الدم المتقدّم و المتوسّط استحاضة، دون المتأخّر؟

وجوه أوجهها الأوّل؛ لمعارضة الأمارات في الأطراف، فالأخذ بأمارة الطرفين تعارضه أمارة الوسط، و الأخذ بالوسط و اتباع الأوّل أو الثاني تعارضه أمارة الحيضية، و مع عدم رجحان شي ء منها لا يمكن الأخذ بواحدة منها، فتصير فاقدة التمييز من هذه الجهة و إن كانت واجدة من بعض الجهات؛ فإنّ أمارة الحيض في الطرفين، توجب انحصار الحيض في أحدهما، كما أنّ إمارة الاستحاضة فيما بعد الأيّام تدفع حيضيته.

و قد يقال: إنّ المتجه في هذه الصورة الحكم بكونِ الوسط استحاضة، و كونِ الأسود اللاحق تابعاً له؛ لإطلاق أدلّة الأوصاف المقيّدة بالإمكان، فحينئذٍ يكون الأصفر موجوداً في زمان إمكان الاستحاضة، بخلاف الأسود اللاحق، فإنّه وجد في زمان امتناع الحيضية إلّا علىٰ فرض كون الأصفر حيضاً، و حيث إنّ الأصفر طهر- بمقتضى إطلاق الأدلّة فالأسود اللاحق ليس

بحيض. و ببيان آخر: اعتبار وصف الدم اللاحق موقوف علىٰ عدم اعتبار صفة الدم السابق، فلو كان عدم اعتبار صفة السابق موقوفاً على اعتبار صفة اللاحق، لزم الدور «1».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 304/ السطر الأخير.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 377

و فيه: أنّ ترجيح أمارية صفة السابق علىٰ صفة اللاحق، إن كان لتقدّمها الزماني فلا وجه له؛ ضرورة أنّ مجرّد القبلية في التحقّق، لا يوجب الترجيح عقلًا و لا نقلًا.

و إن كان لأجل امتناع الأخذ بالثاني؛ لكونه موجوداً في زمان يمتنع أن يكون حيضاً، ففيه: أنّه مستلزم للدور؛ لأنّ الامتناع يتوقّف على الترجيح، و لو كان الترجيح متوقّفاً على الامتناع لزم الدور.

و أمّا الدور المدعىٰ ففيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّه لا توقّف لأحد الطرفين على الآخر، و لا تقدّم و لا تأخّر لأحدهما حتّى يتحقّق التوقّف. مع أنّه يمكن المعارضة: بأنّ اعتبار وصف الدم السابق موقوف علىٰ عدم اعتبار صفة اللاحق، و لو كان عدم اعتبار صفة اللاحق موقوفاً على اعتبار صفة السابق، لزم الدور.

و الحقّ: أنّه لا توقّف و لا دور، و لا وجه لترجيح إحدى الأمارات على الأُخرىٰ.

و منه يظهر الحال في الصورتين الأخيرتين، فإنّ التحقيق فيهما أيضاً كونها فاقدة التمييز؛ لتعارض الأمارات و عدم رجحان شي ء منها.

ثمّ إنّه مع إمكان التمييز من بعض الجهات دون بعض، يجب عليها تقديم التمييز فيما يمكن، و الأخذ بعادة النساء أو الأخبار فيما لا يمكن، و يظهر الحال ممّا مرّ.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 378

الأمر الخامس في حكم المبتدئة الفاقدة للتمييز
اشارة

إن فقدت المبتدئة التمييز؛ بأن ترى علىٰ لون واحد و حالة واحدة، أو كان التمييز بحيث لا يجوز الرجوع إليه، كما

في تعارض الأمارات فيما لا يجوز الاتكال عليها مطلقاً، فالمشهور كما عن جماعة الرجوع إلىٰ عادة نسائها «1»، بل عن جماعة دعوى الإجماع و الاتفاق عليه «2». و هذا على الإجمال ممّا لا إشكال فيه.

لكنّ الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولىٰ: في كيفية الجمع بين الروايات

منها: بيان كيفية الجمع بين روايات التمييز و روايات العدد و روايات الرجوع إلىٰ عادة النساء.

فنقول: إنّ الظاهر من روايات التمييز أنّ أماريّة ألوان الدم و حالاته قويّة كاملة؛ بحيث تستحقّ أن يطلق عليها

إنّ دم الحيض ليس به خفاء

و أنّه

أسود يعرف «3»

و إن كانت أماريته متأخّرة عن العادة نصّاً و فتوى.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 15 16، مفاتيح الشرائع 1: 15، كشف اللثام 2: 76.

(2) الخلاف 1: 234، تذكرة الفقهاء 1: 295، التنقيح الرائع 1: 104.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 379

و أمّا لسان روايات الرجوع إلى العدد و الأخبار فلسان أصل عملي، كما يظهر بالنظر في

مرسلة يونس حيث قال فيها: تحيّضي في علم اللّٰه .. «1»

و فسّره الإمام (عليه السّلام) بتكلّف عمل الحائض.

و كذا الحال

في رواية عبد اللّٰه بن بكير حيث قال فيها: جعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر، و تركها للصلاة أقلّ ما يكون من الحيض «2».

فالظاهر من روايات العدد، هو كون مفادها تكليف من لا طريق لها إلىٰ حيضها؛ و تكون متحيّرة فيه، و لهذا أرجعها في مضمرة سَماعة إلى العدد بعد اختلاف عادات النساء، فلا إشكال في تأخّر الرجوع إلى العدد عن الرجوع إلىٰ عادات النساء و التمييز.

و أمّا حال التمييز مع عادات النساء:

فالظاهر من أدلّتهما تقدّم التمييز على العادات؛ لأنّ ما

وردت في الرجوع إلى العادات منها: موثّقة سماعة علىٰ رواية الشيخ «3» و قد حكم فيها بالرجوع إلى عادة النساء فيمن لم تعرف أيّام أقرائها.

و منها:

رواية أبي بصير و فيها و إن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 352.

(2) تهذيب الأحكام 1: 400/ 1251، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 5.

(3) رواها الشيخ بإسناده، عن زرعة، عن سماعة، و رواها الكليني مرفوعةً عن زرعة، عن سماعة.

الاستبصار 1: 138/ 471، الكافي 3: 79/ 3، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 380

جلست بمثل أيّام أُمّها أو أُختها أو خالتها .. إلىٰ آخره «1»؛

بناءً علىٰ كون النفاس بحكم الحيض علىٰ ما قيل «2» و إن كان للإشكال فيه مجال.

و كيف كان: فأدلّة التمييز حاكمة عليهما؛ لأنّ لسان تلك الأدلّة هو معروفية الحيض بالأمارات، و هما حكما بالرجوع إلى النساء مع عدم المعرفة.

و أمّا

رواية زرارة و محمّد بن مسلم- الموثّقة على الأقرب «3» عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها، فتقتدي بأقرائها، ثمّ تستظهر علىٰ ذلك بيوم «4»

، فهي و إن لم تكن مثلهما، لكنّ الظاهر حكومة مثل قوله

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير، فهي علىٰ أيّامها و خلقها الذي جرت عليه؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها

و قوله في ذات التمييز

إنّما تعرفها

أي تعرف أيّامها

بالدم

و قوله

و ذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف ..

إلىٰ غير ذلك علىٰ مثل قوله

يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها.

فإنّه لا معنىٰ للاقتداء بالغير مع معلومية

العدد و الأيّام، و إنّما الاقتداء بالنساء و الأقارب لأجل الكشف الظنّي عن أيّامها، و مع كون الطريق لنفسها و في

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 403/ 1262، وسائل الشيعة 2: 389، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 20.

(2) غنية النزوع 1: 40، منتهى المطلب 1: 126/ السطر 31.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن عليّ بن الحسن يعني ابن فضال، عن الحسن بن عليّ بن بنت إلياس، عن جميل بن درّاج و محمّد بن جمران، جميعاً عن زرارة و محمّد بن مسلم، و ليس في السند من يتأمّل فيه إلّا ابن الزبير الواقع في طريق الشيخ إلى ابن فضال، و قد تقدّم الكلام فيه في الصفحة 78 79.

(4) تهذيب الأحكام 1: 401/ 1252، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 381

دمها لا مجال للرجوع إلى عادة الغير. و هذا بوجه نظير ظنّ المأموم مع اعتباره إذا عارض ظنّ الإمام؛ حيث إنّ الظاهر تقدّم ظنّه علىٰ ظنّ الإمام، بل ما نحن فيه أولىٰ منه بوجوه.

و بالجملة: بعد النظر في الروايات، لا يبقى شكّ في تقدّم أدلّة التمييز على الرجوع إلى عادات النساء، كتقدّم عادتهنّ على العدد و الأخبار.

هذا مع أنّ في موثّقة محمّد بن مسلم وجوهاً من الخدشة توهن متنها؛ بحيث توجب الإشكال في الاتكال عليها:

كورود التخصيص الكثير المستهجن عليها، فإنّ إطلاقها يشمل جميع أقسام المستحاضة؛ ذات عادة كانت أو مميّزة أو مبتدئة أو غيرها، و لا فرق في الاستهجان بين التقييد و التخصيص الاصطلاحيّين.

و دعوى الانصراف «1» في غاية الوهن؛ أ لا ترى أنّه لو لم يكن عندنا إلّا هي، لما

توقّفنا و لا توقّف أحد في كون حكم المستحاضة الاقتداء ببعض نسائها؛ كانت الاستحاضة ما كانت، و المستحاضة من كانت، و ميزان الانصراف هو النظر في نفس الرواية دون معارضاتها و مقيّداتها، فلا إشكال في إطلاقها.

مع أنّ ذاتَ العادة سواء كانت حافظة لعادتها أو ناسية لها، و ذاتَ التمييز سواء كانت مبتدئة أو غيرها، خارجتان منها نصّاً و فتوى و إجماعاً في بعضها «2»، فلا تبقىٰ فيها إلّا المبتدئةُ بلا تمييز، و غيرُ مستقرّة العادة مع عدم التمييز؛ علىٰ إشكال في الثانية، و لا إشكال في نُدرة غير ذات العادة و التمييز، فذكر هذا المطلق في مقام البيان لإفادة حكم أفراد قليلة غير صحيح، فيوهن ذلك جواز التمسّك بها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 306/ السطر 22.

(2) تقدّم البحث عنه في الصفحة 346 فراجع.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 382

و كالإرجاع إلىٰ بعض نسائها، و هو مخالف للنصّ و الفتوىٰ. و العذرُ بأنّ عادة بعض نسائها أمارة علىٰ عادة سائرهنّ «1»، غيرُ موجّه:

أمّا أوّلًا: فلعدم أمارية عادة فرد واحد من طائفة علىٰ عادة جميعها؛ لا عقلًا و لا عرفاً، و لا يحصل منها الظنّ بها بلا شبهة و ريب.

و أمّا ثانياً: فلأنّ ظاهرها أنّ الاقتداء ببعض النسوة هو تكليفها الأوّلي، لا لأجل كشف عادتها عن عادات الطائفة، و لا إشكال في أنّ العرف يرى التعارض بينها و بين موثّقة سماعة التي تلقّاها الأصحاب بالقبول.

و كالأمر بالاستظهار الذي لم يعهد القول به. فالظاهر إعراض الأصحاب عن مضمونها، فلا يمكن الاتكال عليها، كعدم إمكان الاتكال علىٰ موثّقة أبي بصير التي هي كالنصّ في تخييرها بين الرجوع إلىٰ أُمّها أو أُختها أو خالتها مع فرض اختلافهنّ

في العادة.

الجهة الثانية: في رجوع غير مستقرّة العادة إلىٰ عادة نسائها

و منها: أنّه لا إشكال نصّاً و فتوى في رجوع المبتدئة بالمعنى الأخصّ إلىٰ عادة نسائها، فهل هو مختصّ بها، أو يعمّ من لم تستقرّ لها عادة و لو رأت مراراً؟

يمكن أن يقال بالتعميم؛ بدعوى استفادة حكمها من مضمرة سماعة فإنّ الحكم بكون الأقراء أقراء نسائها و إن كان في مورد الجارية التي حاضت أوّل حيضها، و استمرّ بها الدم، و هي لا تعرف أيّام أقرائها، لكنّ العرف لا يرى لابتداء الدم خصوصية؛ لأنّ الإرجاع إلى الأقارب حكم موافق لارتكاز العقلاء، لارتكازية كون عادات نساء طائفة إذا كانت متوافقةً، كاشفةً عن حال

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 306/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 383

المجهولة، و لحوقِ مجهولة الحال بهنّ، و لا ريب في أنّ أمارية عادتهنّ إنّما هي لقرب أمزجتهنّ، و عادة النساء أمارة لمن لم تكن لها أمارة من نفسها، كعادتها الشخصية، أو تميّز دمها، فإذا لم تعرف عادتها بالأمارات التي عندها، تكون عادات الطائفة و الأرحام نحو طريق إلىٰ عادتها.

و هذا أمر ارتكازي عقلائي و إن لم يصل إلىٰ حدّ يعتني به العقلاء بترتيب الآثار، لكن إذا ورد من الشارع علىٰ هذا الموضوع حكم الاقتداء بنسائها و أنّ أقراءها أقراؤهنّ، لا ينقدح في ذهن العقلاء إلّا ما هو المغروس في أذهانهم من كون عادات الطائفة متشابهة، و ما هو المغروس في الأذهان ليس إلّا ذلك من غير دخل لابتدائية الدم و عدمها، فإذا ضُمّ هذا الارتكاز إلىٰ موثّقة سماعة، تُلغىٰ خصوصية كون الجارية في أوّل ما حاضت، و يرى العقلاء أنّ تمام الموضوع للإرجاع هو عدمُ معرفتها بأيّامها و لو بالطرق الخاصّة التي عندها و كونُ

عادات الطائفة متشابهة.

هذا غاية التقريب لاستفادة حكم غير مستقرّة العادة من موثّقة سَماعة.

و فيه: أنّ ذلك إنّما يتمّ لو لم تكن للمبتدئة خصوصية لدى العرف، و لا لغير مستقرّة الدم خصوصية مخالفة لخصوصية المبتدئة؛ بحيث تكون تلك الخصوصية، موجبةً لقرب احتمال الافتراق بينهما في الحكم، لكن فرق بين المبتدئة و غير مستقرّة الدم؛ فإنّ الثانية مخالفة في رؤية الدم لنسائها، فإنّها ترى في كلّ شهر بعددٍ و وقت مغايرين لما ترى في الشهر الآخر، في حين تكون عادة نسائها على الفرض منتظمة متوافقة في العدد، أو مع الوقت أيضاً، فلا يمكن مع هذا الاختلاف بينها و بين الطائفة، أن تكون عادة الطائفة لدى استمرار دمها كاشفةً و لو ظنّاً عن عادتها، بل الظنّ حاصل ببقاء الاختلاف، و هذا بخلاف المبتدئة التي لم تَرَ الدم قطّ، و لم تخالف نساءها في العادة بعدُ، فتكون

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 384

عاداتهنّ كاشفة ظنّاً عند العقلاء عن عادتها.

فهذا الفرق لا يدع مجالًا لإلغاء الخصوصية المأخوذة في موضوع الحكم؛ و لو كانت في سؤال السائل.

و العجب من صاحب «الجواهر» حيث قال في الردّ علىٰ أنّ ثبوت اختلافها مع نسائها، يمنع من الرجوع إلى عادتهنّ عند الاشتباه-: «إنّ ذلك مجرّد اعتبار لا يصلح مدركاً للأحكام الشرعية» «1» فإنّ هذا الاعتبار و الاحتمال يمنع عن إثبات الحكم الشرعي لها بإلغاء الخصوصية، لا أنّ مجرّده مدرك للحكم الشرعي، و بينهما فرق واضح.

نعم، مع التقريب المتقدّم، لا يبعد إلحاق من رأت مرّة واحدة كعادة نسائها ثمّ استمرّ بها الدم بها، و هذا لا يوجب إلحاق المخالفة لهنّ بهنّ. كما يمكن دعوى إلحاق بعض ناسيات العادة بالمبتدئة، و هي

من تكون ناسية لعادتها و لم تعلم إجمالًا مخالفتها لعادات نسائها. لكنّ المحكي عدم التزامهم بذلك «2».

و قد يتمسّك «3» لإثبات الحكم في غير المستقرّة بموثّقة محمّد بن مسلم المتقدّمة. و قد مرّ أنّها بما لها من الظاهر غير معمول بها «4».

بل بما قيل في تأويلها- من كون الرجوع إلىٰ بعض النساء أمارة علىٰ عادة الكلّ «5» أيضاً غير معمول بها. بل قد عرفت وهن إطلاقها؛ لورود التقييد الكثير

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 281.

(2) نفس المصدر 3: 299 و 308.

(3) جواهر الكلام 3: 279 280، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 212/ السطر 32، مصباح الفقيه، الطهارة: 306/ السطر 20.

(4) تقدّم في الصفحة 381.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 306/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 385

عليه «1»، فيكشف ذلك عن خلل فيها، و لعلّه كان فيها قيد لم يصل إلينا. مع أنّ فيها حكمين غير معمول بهما لا غير.

و لا يمكن أن يقال: إنّ المراد ب «بعض النساء» هي التي تكون معتدّاً بها بمقدار تُكشف من عادتها عادةُ سائر النساء، أو المراد الحدّ الذي يكون غيره بالنسبة إليه نادراً بحكم العدم، فإنّ مثل ذلك التصرُّف غير مرضي عند العقلاء.

و الإنصاف: أنّ تلك الرواية موهونة المتن، مغشوشة الظاهر، و لهذا خصّ الشيخ علىٰ ما حكي عنه «2» رواية سماعة بكونها متلقّاة بالقبول بين الأصحاب «3».

الجهة الثالثة: في بيان الخصوصيات المعتبرة عند الرجوع إلىٰ عادة النساء
اشارة

و منها: أنّ المعتبر في الرجوع إلى الأقارب، هل هو اتفاق جميع نسائها و أقاربها من الأبوين أو أحدهما؛ حيّاً و ميّتاً و قريباً و بعيداً كائنة من كانت، أو يكفي اتفاق الغالب مع الجهل بحال البقيّة، أو مع العلم بالمخالفة أيضاً؛ أو يكفي الغالب إذا كانت المخالفة معهنّ كالمعدومة،

أو إذا لم يعلم حال النادر كذلك، أو يكفي موافقة بعضهنّ مع الجهل بحال البقيّة؟

و هل يعتبر التساوي أو التقارب في السنّ معهنّ؟

أو يعتبر اتحاد البلد أو قربه من حيث الآفاق أو لا؟

احتمالات و وجوه

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 381.

(2) مدارك الأحكام 2: 17.

(3) الخلاف 1: 234.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 386

لا يبعد القول: بأنّ المتفاهم عرفاً من موثّقة سماعة و لو بضميمة ارتكاز العقلاء علىٰ أنّ الإرجاع إليهنّ، ليس لمحض التعبّد الصرف، بل لأجل أمارية خلق الطائفة علىٰ خلقها؛ لتشابه أفراد الطائفة في الأمزجة و غيرها أنّ اتفاق النوع بمثابة تكون من تخالف معهنّ نادرةً، يكفي في الأمارية؛ لأنّ مثل تلك المخالفة لا يصدق عليها قوله

فإن كانت نساؤها مختلفات

و لا «أنّهنّ غير متفقات» بل تكون عادة تلك المرأة النادرة المخالفة لنوع الطائفة عند العقلاء، معلولة بعلّة، فيقال: «إنّ الطائفة متفقة، و إنّما تخلّفت عنها تلك النادرة» و هذا لا يعدّ اختلاف الطائفة، و لا يضرّ بأمارية حال النوع علىٰ مجهولة الحال ارتكازاً.

و بالجملة: بعد ارتكازية الحكم يفهم العرف من رواية سماعة أنّ الشارع جعل موافقة أمزجة الطائفة، كاشفةً عن عادة المبتدئة المستمرّة الدم؛ علىٰ وزان الارتكاز العقلائي؛ و هو عدم إضرار التخلّف النادر بها. و أولى بذلك ما إذا جهل حال بعضهنّ إذا كانت البقيّة بحيث يقال: «إنّ الطائفة خلقها كذا».

ثمّ إنّ ما هو المتفاهم من الموثّقة بضميمة الارتكاز المشار إليه؛ أنّ عدد النساء لو كان قليلًا جدّاً كالاثنتين و الثلاث مثلًا لا يجوز الاقتداء بعادتهنّ إلّا إذا علم حال الأموات منهنّ؛ بحيث يصدق على اتفاقهنّ «أنّ نساء الطائفة كانت عادتهنّ كذلك». و بالجملة الميزان في

الرجوع إلىٰ نسائها هو ما ذكرنا.

و من هنا يظهر: أنّ الإرجاع إلىٰ عادة النساء من الفروض النادرة التحقّق؛ بحيث لا ينافي الحصر المستفاد من المرسلة، فإنّ السكوت عنه فيها كالسكوت عن مصداق غير مبتلىٰ به، و أمّا التعرّض له في المرسلة فلا مانع منه؛ لأنّ التعرّض بالخصوص لفرد نادر غير عزيز.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 387

حول إجراء أصالة العدم الأزلي لإحراز موضوع الرجوع

ثمّ إنّ الظاهر من الموثّقة، هو كون موضوع الإرجاع إلى النساء متقيّداً بأمر وجودي؛ و هو كون النساء متماثلة الأقراء، و أمّا الإرجاع إلى العدد فلا يتوقّف إلّا علىٰ فقد هذا المرجع.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الاختلاف المفروض ليس موضوعاً للحكم بالرجوع إلى العدد، بل عدم الموافقة موضوع له.

فحينئذٍ لو قلنا بجريان أصالة عدم الموافقة علىٰ نحو أصل العدم الأزلي، يحرز موضوع الرجوع إلى الروايات مع الشكّ في الموافقة و المخالفة، و هذا بخلاف ما لو كانت المخالفة أيضاً مأخوذة في موضوع العدد؛ لكونها أمراً وجودياً غير مسبوق بالعلم.

لكن في أصل جريان تلك الأُصول العدمية إشكال و منع، و قد فرغنا عن عدم جريانها في محلّه «1» فلا يبقى لذلك النزاع ثمرة.

كفاية الاتفاق في خصوص العدد أو خصوص الوقت

ثمّ إنّ نساءها قد يتفقن في العدد و الوقت، و قد يتفقن في واحد منهما دون الآخر، فهل المستفاد من الموثّقة هو كون النساء مرجعاً لها عند اتفاقهنّ فيهما، و مع الاختلاف و لو في واحد منهما لا ترجع إليهنّ، بل ترجع إلى العدد؟

و بعبارة اخرىٰ: هل يكون الاختلاف أو عدم الاتفاق في الجملة، موضوعاً

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 95 107، مناهج الوصول 2: 266 269، تهذيب الأُصول 1: 491، و 2: 217 221.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 388

للرجوع إلى العدد، أو يكون الاتفاق في الجملة موضوعاً للرجوع إلى النساء، و عدم الاتفاق مطلقاً و الاختلاف فيهما موضوعاً للرجوع إلى العدد؟

قد يقال: «إنّ ظاهر ذيل الموثّقة حيث تعرّض للعدد هو الإرجاع إليهنّ مع اتفاقهنّ في العدد، و لا تعرّض لها للوقت. مع أنّه لو توقّف الرجوع إلى النساء على اتفاقهنّ عدداً و وقتاً، لزم منه أن يكون

الرجوع إليهنّ فرضاً في غاية القلّة» «1».

و فيه: أنّ التعرّض للعدد في الذيل، لا يدلّ علىٰ كون فرض الصدر كذلك؛ لإمكان أن يكون الاتفاق عدداً و وقتاً أمارة علىٰ عادتها، و مع الاختلاف في الجملة تكون فاقدة الأمارة، و حكمها الرجوع إلى العدد و التخيير في الوقت.

مع إمكان أن يقال: إنّ الرواية لا تكون بصدد التعرّض للعدد و الإرجاع إليه، بل تكون بصدد بيان أنّه مع اختلافهنّ، تكون غاية جلوسها من طرف الزيادة هي العشر، و من طرف النقيصة هي الثلاث؛ مخيّرةً بين الحدّين، فتكون في العدد و الوقت مخيّرة، و سيأتي بيان ذيل الرواية عن قريب.

و أمّا صيرورة الفرد نادراً فلا محذور فيه، بل هي مؤيّدة لحصر رواية يونس، و موجبة لتوافق الروايات.

لكنّ التحقيق شمول الموثّقة لاتفاقهنّ عدداً فقط، و وقتاً كذلك؛ فإنّ الظاهر من صدرها حيث جعل أقراءها أقراء نسائها أنّه إذا كان للنساء أقراء يكون أقراؤها مثلها، و مع اتفاق النساء في العدد لا شبهة في صدق «كونهنّ ذوات الأقراء» بل و كذلك إذا اتفقن في الوقت يصدق «أنّ لهنّ أقراءً» فيجب عليها بحسب إطلاق الرواية الرجوع إليهنّ في أقرائهنّ.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 307/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 389

و أمّا ذيل الرواية أي قوله

فإن كانت نساؤها مختلفات

فقد عرفت أنّ الاختلاف ليس موضوعاً للحكم، بل ما يتفاهم عرفاً من الرواية؛ أنّ الذيل في مقام بيان مقابل ما يفهم من الصدر، فكأنّه قال: «إذا لم يكن لهنّ أقراء ..» و عدم الأقراء عرفاً بعدم جميع المصاديق، كما أنّ تحقّقها بتحقّق فردٍ ما.

هذا مع موافقة الارتكاز العرفي لذلك، و قد عرفت أنّ الظاهر أنّ الرواية وردت موافقة

له، لا تعبّداً محضاً. مع أنّه لو قلنا: بأنّ الرواية تعرّضت للعدد فقط، وجب أن يلتزم بأنّه إذا اتفقن في العدد و الوقت، جاز لها أن تخالفهنّ في الوقت دون العدد، مع أنّه مخالف لفهم العرف من الرواية، كما لا يخفى.

الجهة الرابعة: في عدم الرجوع إلىٰ عادة أقرانها عند فقد نسائها

و منها: أنّه نسب إلى المشهور تارة: أنّها ترجع إلىٰ عادة أقرانها مع فقد نسائها أو اختلافهنّ، و أُخرى: إلىٰ مذهب الأكثر و ثالثة: إلىٰ ظاهر كلام المتأخّرين «1».

و استظهر بعضهم «2» دعوى الإجماع عليه من عبارة «السرائر» «3» و هو في محلّ المنع، كما يظهر وجهه من الرجوع إليها. مع ضعف دعواه بعد أنّ القول بعدم اعتبار الرجوع إليهنّ محكيّ عن جمع من الأصحاب، كالصدوق و المرتضىٰ و الشيخ في «الخلاف» و «النهاية» و المحقّق و العلّامة و غيرهم، فلا تكون المسألة إجماعية، و لا مشهورة بحيث يمكن الاتكال عليها.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 353/ السطر 12.

(2) نفس المصدر.

(3) السرائر 1: 146.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 390

و لا دليل عليها إلّا بعض وجوه ضعيفة:

كحصول الظنّ من موافقة الأقران. و هو علىٰ فرض حصوله لا يعتمد عليه، و لا دليل على اعتباره.

و كالتشبّث بمرسلة يونس القصيرة؛ حيث اعتبرت فيها مراتب السنين في القلّة و الكثرة في الحيض. و فيه: أنّها مع ضعفها سنداً، و وهنها متناً، كما تقدّم «1» لا تدلّ على المقصود، غاية الأمر أنّ فيها إشعاراً لا يصل إلى حدّ الدلالة.

و كدعوىٰ شمول نسائها لأقرانها، خصوصاً إذا كنّ في بلدها. و فيه: مع منع ذلك أنّ لازمه اشتراك الأقرباء و الأقران في جواز الرجوع إليهنّ، و هو ليس بمراد قطعاً، و لم يقل به أحد. و الاتكال

في الترتيب بينهما علىٰ فهم العرف في غير محلّه؛ لمنع ذلك.

فالأقوىٰ هو عدم اعتبار الأقران، و معه لا داعي إلىٰ تعيين الموضوع.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 92.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 391

الأمر السادس في حكم من لا يمكنها الرجوع إلىٰ نسائها
اشارة

إذا لم يمكن لها الرجوع إلىٰ نسائها إمّا لأجل اختلافهنّ، أو فقدان عدّة يمكن الرجوع إليهنّ؛ بناءً علىٰ ما تقدّم: من أنّ الميزان في الرجوع إمكان كشف حال النوع منهنّ؛ بأن تكون عدّتهن بمقدار يقال عند اتفاقهنّ: «إنّ الطائفة عادتها ذلك» «1» فأقوال الأصحاب فيه مختلفة جدّاً «2»، فلا يمكن الاتكال علىٰ دعوى الشهرة «3» أو الاتفاق فيه «4»، فلا بدّ من النظر في روايات الباب ليتضح الحال:

فنقول: إنّ الروايات مختلفة؛ بحيث لا يكون بينها جمع عقلائي مقبول يمكن الاتكال عليه، و ما قيل في وجه الجمع بينها غير مرضي، ففي موثّقة سَماعة بطريق الشيخ-

فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام، و أقلّه ثلاثة أيّام «5».

و

في رواية الخزّاز التي لا يبعد أن تكون موثّقة «6» عن أبي الحسن (عليه السّلام)

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 385 386.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 354/ السطر 16.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 15.

(4) الخلاف 1: 234.

(5) الإستبصار 1: 138/ 471، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 2.

(6) رواها الشيخ، عن أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزبير، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن الحسن بن عليّ بن زياد الخزّاز، و ليس في السند من يتأمّل فيه إلّا ابن الزبير القرشي، و قد تقدّم الكلام فيه في الصفحة 78 79.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 392

قال: سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت

الدم، و إذا رأت الصفرة، و كم تدع الصلاة؟ فقال أقلّ الحيض ثلاثة، و أكثره عشرة، و تجمع بين الصلاتين «1».

وجه للجمع بين أخبار المقام و بيان ما فيه

و قد يجمع «2» بينهما و بين سائر الروايات كموثّقتي ابن بكير «3» و مرسلة يونس الطويلة «4» بحملهما على التخيير بين الثلاثة إلىٰ عشرة أيّام، و حمل رواية يونس و ابن بكير علىٰ مراتب الفضل.

و فيه أوّلًا: أنّ موثّقة سماعة لا تدلّ على التخيير بين الثلاثة إلى العشرة، بل يحتمل أن يكون المراد التخيير بين خصوص الحدّين، تأمّل. و الأظهر أنّها ليست في مقام بيان كيفية جلوس عشرة أيّام و ثلاثة، بل من هذه الجهة مهملة أو مجملة، ترفع إجمالها رواية ابن بكير الظاهرة في أنّ العشرة إنّما تكون في الدورة الاولىٰ، و الثلاثة في بقيّة الدورات، فالجمع بينهما عقلائي.

و أمّا حمل روايتي ابن بكير علىٰ أحد طرفي التخيير لأجل كونه أفضل الأفراد فهو فرع كون دلالة موثّقة سماعة على التخيير، أقوى من دلالتهما

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 156/ 449، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 4.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 309/ السطر 22.

(3) وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 5 و 6، و قد تقدّمتا أيضاً في الصفحة 361 و 362.

(4) تقدّم في الصفحة 349.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 393

على التعيين، و هو في محلّ المنع. بل التصرّف في موثّقة سماعة بقرينية الموثّقتين أهون، لو لم نقل: بأنّه ليس تصرّفاً فيها، بل من قبيل تفصيل ما أُجمل فيها و توضيح ما أُبهم، كما لا يخفى وجهه على الناظر فيهما.

و منه يظهر الحال في رواية الخزّاز حرفاً بحرف، مع

الغضّ عن الوهن الذي في متنها:

من حيث ورود التقييد الكثير عليها؛ فإنّ موضوعها المستحاضة، مع أنّ الحكم لقليل من أفرادها. إلّا أن يقال: إنّ المراد بقوله

إذا رأت الدم ..

و

إذا رأت الصفرة ..

هو رؤية الدم محضاً بلا تغيّر حال، أو رؤية الصفرة كذلك، فلا إشكال من هذه الجهة.

و من حيث إنّ ظاهرها أنّ مقدار تركها الصلاة، أقلّ الحيض و أكثره؛ أي مجموعهما.

و من حيث إنّ قوله

و تجمع بين الصلاتين

وقع في غير محلّه، فلا يخلو متنها من التشويش و الاضطراب.

و ثانياً: أنّ فقرأت مرسلة يونس آبية عن هذا الجمع:

كالانحصار المستفاد منها. و كقوله: «إنّ التحيُّض بالستّة أو السبعة إنّما هو في علم اللّٰه». و كقوله

أقصى وقتها سبع، و أقصى طهرها ثلاث و عشرون.

و كقوله

فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون

ممّا هي آبية عن الحمل على الأفضليّة، و لا يكون الجمع المذكور بينها و بين تلك الروايات مقبولًا عقلائيّاً.

ترجيح العمل بمرسلة يونس علىٰ ما ينافيها
اشارة

و الذي يمكن أن يقال في المقام: أنّ الجمع بين موثّقتي ابن بكير و موثّقة سماعة بما تقدّم جمع عقلائي، فتحمل الموثّقة على الموثّقتين حملًا للمجمل

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 394

على المفصّل و المبيّن، فيقع التعارض بينها و بين مرسلة يونس من غير إمكان الجمع بينهما.

لكن لا إشكال في أنّ المشهور اتكلوا على المرسلة، و لا ريب في أنّ مبنىٰ أحد طرفي التخيير سواء كان سبعة، أو كانت مخيَّرة بين السبعة و الستّة إنّما هو المرسلة.

و أمّا الطرف الآخر للتخيير بالمعنى الذي ادعي الشهرة و الاتفاق عليه و هو ثلاثة من شهر، و عشرة من شهر، كما نسب إلىٰ أشهر الروايات تارة «1»، و إلى المشهور اخرىٰ «2»، أو

الثلاثة في الأوّل، و العشرة في الثاني، كما ادعي الإجماع عليه «3»، أو أنّ المضطربة مخيّرة بين الستّة و السبعة في شهر، و الثلاثة و العشرة في شهر آخر، كما قيل: «إنّ هذا الحكم هو المعروف بين الأصحاب» «4» فلا يمكن أن تكون الروايات الواردة في الباب مستنداً له؛ ضرورة عدم دلالة شي ء منها عليه؛ لا فرداً و لا جمعاً؛ فإنّ الموثّقتين ظاهرتان ظهوراً قويّاً في التفصيل بين الدور الأوّل فثلاثة، و سائر الأدوار فعشرة.

و لو نوقش في دلالتهما على التفصيل المذكور، فلا شبهة في عدم شائبة دلالة لهما علىٰ فتوى المشهور، خصوصاً إذا قيل بتقدّم الثلاثة على العشرة، فإنّه علىٰ عكس مفاد الروايتين.

كما أنّ موثّقة سماعة أيضاً لا يمكن أن تكون مستنداً لفتوى المشهور؛ سواءً قلنا بظهورها في التخيير بين الثلاثة إلى العشرة، أو في التخيير بين

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 1: 98.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 15.

(3) الخلاف 1: 234.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 354/ السطر 31، مسالك الأفهام 1: 73، مدارك الأحكام 2: 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 395

خصوص الحدّين، أو قلنا بإجمالها من هذه الجهة. و الجمع بينهما أيضاً لا يقتضي ذلك. و توهّم غفلة المشهور عن ظاهر الموثّقتين، أو عدم دلالة موثّقة سماعة «1»، في غاية السقوط.

فهذه الروايات ممّا لا يمكن الاتكال عليها؛ بعد شذوذها و عدم نقل العمل بها إلّا عن الإسكافي «2» و بعض متأخّري المتأخّرين «3»، و لا يجوز رفع اليد عن ظهور مرسلة يونس التي لا إشكال في كونها مورد اعتماد الأصحاب بمثل تلك الروايات. و ليست الشهرة في المسألة الفرعية بحيث يمكن الاتكال عليها و يثبت الحكم بها؛ بعد كون المسألة ذات

أقوال كثيرة.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الأصحاب على اختلافهم في الفتوىٰ متفقون تقريباً على العمل بمرسلة يونس و علىٰ ترك العمل بالموثّقات، و معه لا يبقى مجال للعمل بها، و لكن لا يوجب ذلك جواز الاتكال علىٰ نقل الشهرة في المسألة الفرعية؛ لعدم قيام الشهرة المعتبرة بحيث يمكن كشف دليل معتبر، فتبقىٰ مرسلة يونس بلا معارض.

تعارض فقرأت المرسلة و قوّة الأخذ بالسبعة

نعم، تختلف فقرأت المرسلة في التخيير بين الستّة و السبعة المستفاد من

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تحيّضي في علم اللّٰه ستّة أيّام أو سبعة أيّام

و تعيينِ خصوص السبعة المستفاد من جملة من فقرأتها، كقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أ لا

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 309/ السطر 6.

(2) انظر رياض المسائل 1: 358، مختلف الشيعة 1: 202.

(3) انظر جواهر الكلام 3: 285، مدارك الأحكام 2: 20 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 396

ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع و كانت خمساً أو أقلّ من ذلك، ما قال لها: تحيّضي سبعاً!.

و قوله

لو كان حيضها أكثر من سبع ..

إلىٰ آخره.

و قوله

أقصى وقتها سبع، و أقصى طهرها ثلاث و عشرون.

و قوله

فوقتها سبع، و طهرها ثلاث و عشرون.

و قوله

فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون.

و الجمع بينهما بحمل ما عدا الفقرة الأُولى على الإجمال في البيان؛ و الإشارة إلىٰ تكليفها التخييري الذي سبق الكلام فيه، و حمل قوله

أقصى طهرها ..

إلىٰ آخره على الأقصىٰ مع الأخذ بالسبع، في غاية البعد، خصوصاً الحمل الأخير؛ ضرورة أنّ الأخذ بالسبع لا يوجب صيرورة الثلاث و العشرين أقلّ الطهر.

و ما قيل: «إنّ الثلاث و العشرين أقصاه علىٰ تقدير اختيار السبع؛ حيث إنّه ربّما يكون علىٰ هذا التقدير

طهرها أقلّ من ذلك إذا كان الشهر ناقصاً» «1» مبنيّ علىٰ كون المراد ب

«الشهر

هو الشهر الهلاليّ، و سيأتي الإشكال فيه «2». أو أنّ المقصود فيما إذا اتفق سيلان الدم في أوّل الشهر الهلالي، و قلنا في مثل الفرض: بأنّ الميزان هو الشهر الهلالي و لو كان ناقصاً، فيكون الأقصىٰ إضافياً في بعض الفروض النادرة، فهو كما ترى مخالف للفهم العرفي.

فلا إشكال في تعارض الفقرات؛ فإنّ قوله

وقتها السبع

أو

سنّتها السبع

أو

أقصى طهرها ثلاث و عشرون

لا يجتمع مع التخيير.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 308/ السطر 24.

(2) يأتي في الصفحة 399.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 397

كما أنّ القول بسهو الراوي «1» مخالف للأصل، بل بعيد جدّاً في المقام، خصوصاً مع تكرار الترديد بقوله

صومي ثلاثة و عشرين يوماً أو أربعة و عشرين

و خصوصاً مع الجزم في سائر الفقرات.

لكن مع ذلك لزوم الأخذ بالسبعة لا يخلو من قوّة؛ إمّا لأجل الدوران بين التعيين و التخيير و لزوم الأخذ بالتعيين، و إمّا لأنّ أصالة عدم الخطأ أصل عقلائي، يشكل جريانها في مثل المقام الذي كانت الفقرات المتأخّرة كلّها شاهدة عليه، و ليس الكلام ظاهراً في التخيير، بل وقوع التعارض إنّما هو لأجل جريان الأصل العقلائي، و هو محلّ إشكال، فالأخذ بالسبعة لو لم يكن أقوى فهو أحوط.

عدم اختصاص المرسلة بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ بخلاف الموثّقات

ثمّ إنّ الظاهر عدم اختصاص لزوم الأخذ بالسبعة بعد ما رجّحنا العمل بالمرسلة بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ؛ لما تقدّم من استفادة حكم من لم تستقرّ لها عادة من ذيل المرسلة «2».

نعم، لا إشكال في اختصاص الموثّقات بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ، فلو رجّحناها على المرسلة أو قلنا بالتخيير بين المضمونين، لما جاز إسراء الحكم إلىٰ غيرها.

و القول: «بأنّ اختصاص مورد

تلك الموثّقات بالمبتدئة، مثل اختصاص مورد المرسلة بها، و المناط في الجميع سواء» «3» كما ترى؛ فإنّ مورد ما سئل

______________________________

(1) رياض المسائل 1: 357.

(2) تقدّم في الصفحة 360.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 397

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 309/ السطر 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 398

عنه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في المرسلة و إن كان المبتدئة، لكنّ الذيل ظاهر في أعمّية الحكم، مضافاً إلىٰ حصر السنن، و لو لا ذلك لما تعدّينا عن مفاد الصدر، و هذا بخلاف الموثّقات، فإنّها واردة في المبتدئة من غير دليل على التعدّي، و دعوىٰ وحدة المناط في غير محلّها.

كما أنّ دعوى استفادة ذلك من قوله في ذيل المرسلة عند بيان من لم تستقرّ لها عادة- إنّ سنّتها السبع و الثلاث و العشرون؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة بعد أن مثّل للمبتدئة بالمعنى الأخصّ بحمنة، و علم من سائر الروايات أنّ لها الخيار «1»، في غير محلّها؛ لأنّ كون قصّتها قصّة حمنة في الأخذ بالسبعة، لا يوجب أن يكون حكمها حكم حمنة مطلقاً.

و بعبارة اخرىٰ: يستفاد من التعليل أنّ من كانت قصّتها قصّة حمنة تكون سنّتها السبعة و الثلاثة و العشرين، لا أنّ كلّ ما لحمنة يكون لها، فالتخيير المستفاد من الجمع بين الروايتين علىٰ فرض صحّته أو من الفتوىٰ بالتخيير- علىٰ فرضه لا يشمل غير المبتدئة بالمعنى الأخصّ.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 309/ السطر الأخير.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص:

399

تنبيه في أنّ المبتدئة يتعيّن عليها جعل ما تختاره من العدد أوّل الرؤية

هل تتخيّر في وضع العدد فيما تشاء من الشهر، أو يتعيّن عليها جعله في أوّل الشهر الهلالي، أو يتعيّن جعله في أوّل رؤية الدم؟

نسب صاحب «الحدائق» إلى الأصحاب تخيّرها «1»، و عن «المعتبر» و «المنتهي» و «جامع المقاصد» و «المسالك» و «المدارك» و غيرها اختيارها «2»، و كذا عن ظاهر «المبسوط» «3».

و عن «التذكرة» و «كشف اللثام»: «أنّه يتعيّن عليها وضع ما تختاره من العدد أوّل ما ترى الدم» «4» و هو الأقوىٰ؛ لظهور

مرسلة يونس فيه؛ حيث قال فيها تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّٰه ستّة أيّام أو سبعة أيّام، ثمّ اغتسلي غسلًا و صومي ثلاثة و عشرين يوماً أو أربعة و عشرين، و اغتسلي للفجر غسلًا .. «5» إلىٰ آخره.

و «الشهر» في غير المورد و إن كان ظاهراً في الهلالي، لكن حمله في المورد على الهلالي في غاية البعد، بل فاسد؛ لأنّ لازمه عدم التعرّض لحكمها من حين الرؤية إلىٰ أوّل الشهر الهلالي، أو عدم حكم لها إذا رأت الدم فيما بين

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 207.

(2) المعتبر 1: 209، منتهى المطلب 1: 102/ السطر 2، جامع المقاصد 1: 299، مسالك الأفهام 1: 69، مدارك الأحكام 2: 21، تحرير الأحكام 1: 14/ السطر 10 و 22.

(3) انظر مفتاح الكرامة 1: 356/ السطر 22، المبسوط 1: 47.

(4) تذكرة الفقهاء 1: 300، كشف اللثام 2: 85.

(5) تقدّم في الصفحة 352.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 400

الشهر، و كلاهما فاسدان.

مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من المرسلة أنّ السبعة و كذا الثلاثة و العشرون يجب أن تكون متصلة لا متفرّقة، و مع حساب الشهر من أوّل الهلالي، يلزم إمّا زيادة الطهر

على الثلاثة و العشرين، أو التفرّق بين أجزائها، و هما خلاف المتفاهم من الرواية.

و بالجملة: الظاهر منها أنّه من حين رؤية الدم يحسب الشهر، و لا تكون بقيّة الشهر من حين الرؤية ساقطةً عن الحكم، فحينئذٍ يكون ظاهرها أنّه من حين الرؤية تجعل الستّة أو السبعة حيضاً، ثمّ تجعل ثلاثة و عشرين أو أربعة و عشرين طهراً، و لا إشكال في أنّ الظاهر منها مع العطف ب «ثمّ هو تقديم الحيض على الطهر، و بعد كون الظاهر منها أنّ الحساب من حين الرؤية، و أنّ أيّام الحيض و الطهر لا بدّ و أن تكون متصلة لا متفرّقة كما هو المتفاهم من المرسلة لا يبقى ريب فيما تقدّم ذكره.

و توهّم عدم كون المرسلة في مقام البيان، فاسد جدّاً؛ فإنّ عدم البيان المدعىٰ إن كان في نقل أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قصّة حمنة، فظاهر المرسلة أنّه (عليه السّلام) ذكر جميع الخصوصيات؛ حتّى ما لا تكون دخيلة في الحكم.

و إن كان في بيان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو مع فساده عقلًا؛ لأنّ حمنة سألته عن تكليفها الفعلي، فلا يعقل الإهمال في الجواب خلاف ظاهر الرواية؛ بعد بيان خصوصيات تكليفها: من الغسل، و تأخير الظهر و المغرب، و تقديم العصر و العشاء .. إلىٰ غير ذلك.

فلا إشكال في كونه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في مقام البيان، و كون أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في مقام نقل خصوصيات القضيّة، فلا بدّ من الأخذ بجميع الخصوصيات التي يستفاد منها الحكم، و منها تخلّل ثمّ المستفاد منه تأخّر ثلاثة و عشرين عن السبعة. و عدم

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1،

ص: 401

الأخذ ببعض مفاد القضية لخلل، لا يوجب عدم الأخذ بالخصوصية التي لا خلل فيها، فإذا ضمّ إليه ما قلنا من كون مبدأ الشهر أوّل الرؤية، يستفاد المقصود منها.

و أمّا موثّقة ابن بكير فقد عرفت أنّها ليست مستنداً للحكم «1». كما أنّ التشبّث «2» بمرسلة يونس القصيرة «3» غير محتاج إليه. مع أنّ موردها غير ما نحن فيه. مضافاً إلىٰ ورود الإشكالات المتقدّمة عليها «4».

و أمّا تقريب كون المعيار من أوّل الرؤية: «بأنّه ربّما يمتنع جعل الابتداء من أوّل الشهر الهلالي، كما لو كان ابتداء رؤيتها في أواخر الشهر؛ بحيث لا يتخلّل بين أقلّ الحيض منه و بين أوّل الشهر الثاني أقلُّ الطهر؛ فإنّ الأظهر بل المعلوم أنّه يجب عليها في أوّل الرؤية أن تتحيّض إلى العاشر، كما يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع و قاعدة الإمكان النصوص الكثيرة التي منها موثّقتا ابن بكير، و مع التجاوز عن العشرة و عدم التصادف للعادة و التمييز، فلا مقتضي لرفع اليد عمّا ثبت عليها بمقتضىٰ تكليفها الظاهري، و لا دليل علىٰ عدم كونه حيضاً» «5».

فغير وجيه؛ فإنّ لزوم التحيّض في أوّل الرؤية لا يوجب كونه حيضاً، نعم لو انقطع على العاشر أو قبله يكون المجموع حيضاً، و هو القدر المتيقّن من الإجماع المدعى علىٰ قاعدة الإمكان، كما تقدّم «6» و أمّا مع التجاوز فلا إشكال في

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 394 395.

(2) كشف اللثام 2: 85، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 215/ السطر 12.

(3) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 299، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 12، الحديث 2.

(4) تقدّمت في الصفحة 92.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 310/ السطر 4.

(6) تقدّم في الصفحة 64.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط -

الحديثة)، ج 1، ص: 402

عدم الدليل على الحيضية، فضلًا عن قيام النصوص الكثيرة.

و موثّقتا ابن بكير ظاهرتان في أنّ تكليف مستمرّة الدم هو العدد، لكن في الدورة الاولىٰ يكون عددها عشرة، و في سائر الدورات ثلاثة، و لا دلالة فيهما و لا في غيرهما علىٰ أنّ العشرة الأُولىٰ حيض واقعاً؛ حتّى يمتنع جعل أوّل الهلالي المفروض حيضاً.

و منه يظهر: أنّ القول: «بأنّ الأخذ بالعدد مطلقاً إنّما هو بعد العشرة الأُولىٰ، و أمّا قبل تمامها فليست مستحاضة» «1». غير تامّ؛ لأنّ ظاهر المرسلة و الموثّقات، هو أنّ تكليف مستمرّة الدم مطلقاً هو الأخذ بالعدد، و عدم علمها بكونها مستمرّة الدم لا يوجب عدم محكوميتها بحكمها.

و كيف كان: فالمعوّل عليه في المقام هو المرسلة، و قد عرفت ظهورها في لزوم التحيّض من حين رؤيتها في كلّ شهر سبعةً، و بعده محلّ طهرها.

ثمّ الظاهر: أنّه لو صادف أوّل الرؤية أوّل الشهر الهلالي، وجب عليها في السبع الأوّل منه التحيّض، و في بقيّة الشهر الصلاة و إن كان ناقصاً. و ذكر الثلاثة و العشرين إنّما هو لأجل كون الوقوع في أوّل الهلالي نادراً، خصوصاً في صورة نقصان الشهر، و الغالب وقوعه بين الهلالين، فيجب عليها التلفيق و الأخذ بالثلاثة و العشرين.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 310/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 403

المسألة الثانية في تقديم ذات العادة لعادتها على التمييز

لا إشكال في أنّ ذات العادة تجعل عادتها حيضاً مع استمرار دمها و تجاوزه عن العشرة و ما سواها استحاضة مع عدم معارضتها للتمييز. و أمّا مع اجتماع العادة و التمييز و التعارض بينهما؛ كأن لا يفصل بينهما أقلّ الطهر من الدم غير المتميّز، فهل تعمل على العادة، كما عن المشهور «1»،

أو على التمييز، كما عن ظاهر «الخلاف» و «المبسوط» «2» أو تتخيّر بينهما كما عن «الوسيلة» «3»؟

لا ريب في أنّ العادة مقدّمة؛ لما يظهر من مرسلة يونس «4» و موثّقة إسحاق بن جرير «5» أنّ ذات العادة لا وقت لها إلّا أيّامها المعلومة، و أنّ الرجوع إلى التمييز متأخّر عن الرجوع إلى العادة التي هي أقوى الأمارات، و أنّ الصفرة و الكدرة في أيّام العادة حيض، فلا إشكال في المسألة.

بل الظاهر أنّ ذات العادة الوقتية فقط، ترجع في وقتها إلىٰ عادتها، و ترجع إلىٰ غيرها من التمييز و غيره في عددها. و كذا ذات العددية ترجع في العدد إلى العادة، و في الوقت إلىٰ غيرها، كما يظهر ذلك كلّه من المرسلة، و تقدّم بعض الكلام فيها.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 357/ السطر 4، ذكرى الشيعة 1: 239.

(2) الخلاف 1: 241، المبسوط 1: 48 49.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 60.

(4) تقدّم في الصفحة 349.

(5) تقدّم في الصفحة 348.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 404

المسألة الثالثة في أقسام الناسية و أحكامها و فيها جهات من البحث:
الجهة الاولىٰ: في أقسام الناسية

الناسية إمّا ناسية للعادة وقتاً و عدداً، أو وقتاً فقط مع ذكر عددها، أو عدداً مع ذكر وقتها.

و أيضاً: قد تكون ناسية للوقت و العدد مطلقاً، و قد تكون ذاكرة في الجملة لهما، و ناسية كذلك، كما إذا علمت أنّها في أوّل الشهر كانت حائضاً، و لم تعلم أنّ أوّل الشهر أوّل حيضها أو آخره أو وسطه. هذا بالنسبة إلى الوقت.

و أمّا العدد، فكما إذا علمت أنّه لم يكن أقلّ من خمسة أيّام، و نسيت الزيادة أنّها يوم واحد أو أكثر.

و قد تكون ذاكرة في الجملة لأحدهما، و ناسية للآخر مطلقاً.

و أيضاً: قد تكون ذاكرة لكون حيضها في

النصف الأوّل من الشهر مثلًا، و ناسية لمحلّه من النصف، و حينئذٍ قد يكون تمييزها في هذا النصف من الشهر، و قد يكون في النصف الآخر.

و أيضاً: قد تعلم أنّ عادتها في كلّ شهر مرّة واحدة، و قد تنسىٰ ذلك.

و أيضاً: قد يكون تمييزها بمقدار عددها، و قد يكون أقلّ، و قد يكون أكثر.

و الحاصل: أنّ الناسية قد تكون غير ذاكرة بقول مطلق؛ فلا تكون لها جهة ذُكر مطلقاً، و قد تكون ذاكرة لجهة من الجهات. و علىٰ أيّ تقدير قد تكون ذات تمييز، و قد لا تكون كذلك.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 405

الجهة الثانية في دلالة المرسلة على رجوع الناسية إلى العادة أوّلًا ثمّ إلى التمييز

لا ينبغي الإشكال في رجوع الناسية ذات التمييز إلى التمييز في الجملة، و ذلك لا لكونها القدر المتيقّن من مرسلة يونس، كما قيل «1» لما تقدّم «2» من أنّ فيها احتمالين، و أرجحهما أنّ المراد من «مختلطة الأيّام» هي التي كانت لها أيّام منضبطة، ثمّ اختلطت بالنقص و الزيادة و التقدّم و التأخّر حتّى أهملت و تركت أيّامها.

بل لاستفادة حكمها من المرسلة بعد التأمّل في مفادها؛ حيث إنّ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و إن بيّن أوّلًا في السنّة الثانية سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلطت عليها، لكن تمسّك في ذيلها

بقول النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و قال و ذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش .. إلىٰ أن قال أما تسمع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمر هذه بغير ما أمر به تلك! أ لا ترى أنّه لم يقل لها: دعي الصلاة أيّام أقرائك، و لكن قال لها: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة!.

فطريق استفادة حكم

مختلطة الأيّام بالمعنى المتقدّم؛ بناءً علىٰ إرشاد أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) هو أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم يأمرها بترك الصلاة أيّام الأقراء، و أمرها بتركها إذا أقبلت الحيضة، فدلّ ذلك علىٰ أنّ هذه امرأة لم تكن عارفة بوقتها، و لم تكن أيّامها معلومة قد أحصتها، كما في السنّة الأُولىٰ، فمنه تعلم قاعدة كلّية هي «أنّ كلّ امرأة لم تعلم عددها و لا وقتها، لا بدّ لها من الرجوع إلى

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 217/ السطر 11.

(2) تقدّم في الصفحة 356 357.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 406

التمييز» و يستفاد من تلك القاعدة حال مختلطة الأيّام بالمعنى المتقدّم التي هي إحدى المصاديق لمطلق الجاهلة بالأيّام، و التي لم تعرف أيّامها.

فقوله (عليه السّلام)

فهذا يبيِّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها؛ لم تعرف عددها و لا وقتها

ليس المراد منه المختلطة بالمعنى المتقدّم؛ ضرورة أنّ مجرّد إرجاع النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إيّاها إلى التمييز و عدمِ إرجاعها إلى العادة، لا يبيّن ذلك، بل يبيّن الاختلاط بمعنى أعمّ منه، فيكون المراد من «الاختلاط» في هذه الفقرة هو عدم المعرفة بالعدد و الوقت مطلقاً، و لهذا جعل عدم معرفتهما موضّحاً للاختلاط.

و ممّا يبيّن ذلك قوله (عليه السّلام)

فهذا يبيّن لك أنّ قليلَ الدم و كثيره أيّام الحيض، حيضٌ كلّه إذا كانت الأيّام معلومة، فإذا جهلت الأيّام و عددها احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلىٰ إقبال الدم و إدباره

حيث جعل الجهل بالأيّام مطلقاً مقابل العلم بها موضوعاً لاحتياجها إلى التمييز.

و بالجملة: أنّ التأمّل في فقرأت الرواية، يدفع الريب في دلالتها علىٰ حكم الناسية. و هذا في الجملة ممّا

لا إشكال فيه.

كما أنّ الأظهر اعتبار العادة و تقدّمها على التمييز؛ إذا أمكن التشخيص بها و لو في الجملة، فإذا ذكرت عادتها من حيث الوقت في الجملة و نسيت العدد، وجب عليها التحيّض في الوقت علىٰ حسب ذُكرها، و في العدد الرجوع إلى المرتبة المتأخّرة.

و كذا مع ذكر العدد و نسيان الوقت، لا بدّ لها من أخذ العدد حسب عادتها، و العمل بالتمييز لتشخيص وقتها بمقدار الإمكان؛ حتّى أنّه لا يبعد ذلك لو كانت عالمة إجمالًا: بأنّ وقتها لا يكون خارجاً عن النصف الأوّل، فلا يبعد تقديم العادة في هذه الصورة على التمييز الحاصل في النصف الآخر، و مع عدم التمييز في الأوّل ترجع إلى المرتبة المتأخّرة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 407

كما أنّه لا يبعد عدم الاعتبار بالتمييز؛ إذا كان في الشهر أزيد من مرّة واحدة، مع علمها بعدم زيادة عادتها في كلّ شهر علىٰ مرّة واحدة.

و بالجملة: لا يبعد أن يكون المتفاهم من الرواية و الحصر المصرّح به و غير ذلك من الفقرات: أنّ الدم في العادة لمّا كان أمارة قويّة على الحيض، تكون تلك الأمارة مقدّمة على التمييز الذي هو أيضاً أمارة بعدها، و كلّما يمكن كشف الحيض بالأمارة القويّة، لا تصل النوبة إلى الأمارة المتأخّرة؛ سواء كانت كاشفة عن الوقت و العدد مطلقاً، أو عن واحد منهما، أو عنهما في الجملة، فيجب عليها الرجوع إلى العادة حتّى الإمكان، و مع عدمه ترجع إلى التمييز، كما يشعر به بل يدلّ عليه في الجملة قوله

حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر

فعلّق الحكم بالرجوع إلى التمييز علىٰ إغفال العدد و الموضع من الشهر، فيستفاد منه أنّه مع عدم إغفال

أحدهما، لا يجوز الرجوع إلى التمييز في مورده، فيعلم من ذلك حال جميع الصور المتقدّمة في الجهة الأُولىٰ و غيرها.

ثمّ إنّ المتحيّرة التي كان تكليفها الرجوع إلى التمييز، يجب عليها التحيّض عند وجود التمييز، و لا تنتظر استقرار حيضها بمضيّ ثلاثة أيّام مثلًا؛ لأدلّة التمييز، كصحيحة معاوية بن عمّار و مرسلة يونس و غيرهما «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1 و 4 و 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 408

الجهة الثالثة في حكم الناسية إذا فقدت التمييز
اشارة

إذا فقدت الناسية التمييز؛ بأن استمرّ عليها الدم علىٰ نهج واحد، أو اختلف، لكن لا علىٰ وجه يمكن الرجوع إليه، فإمّا أن تكون ذاكرة العدد ناسية الوقت، أو العكس، أو ناسيتهما، فيقع الكلام في ثلاثة مواضع:

الموضع الأوّل: في ناسية الوقت دون العدد
القول بوجوب الاحتياط في المقام

لو ذكرت العدد دون الوقت؛ بأن تكون ناسية للوقت مطلقاً؛ بحيث لا تذكر منه شيئاً لا تفصيلًا و لا إجمالًا بأن كان العدد المحفوظ في ضمن عدد، لا يزيد عن نصف ما وقع الضلال فيه، كالخمسة أو الأربعة في العشرة، لا كالستّة فيها فعن «المبسوط» وجوب الاحتياط عليها «1»؛ بأن تعمل في الزمان الذي وقع الضلال فيه عمل المستحاضة، و تترك ما يحرم على الحائض، و تغتسل للحيض في كلّ وقت تحتمل انقطاع دم الحيض فيه، و تقضي صوم عادتها؛ قضاءً للعلم الإجمالي.

و نوقش فيه: «بأنّ الاحتياط مستلزم للحرج و الضرر المنفيين في الشريعة» «2».

______________________________

(1) المبسوط 1: 51.

(2) انظر مستند الشيعة 2: 454 455، جواهر الكلام 3: 303، مصباح الفقيه، الطهارة: 313/ السطر 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 409

و فيه: أنّ دليل نفي الحرج ظاهر في أنّ اللّٰه تعالىٰ لم يجعل في الدين الحرج، كالغسل و الوضوء الحرجيين بواسطة شدّة البرد و المرض و غيرهما، و فيما نحن فيه لا يكون المجعول الشرعي أو موضوعه حرجيّا، و إنّما الحرج من قبل الجمع بين المحتملات اللازم عقلًا، و هو أمر غير مجعول؛ لعدم كون الاحتياط واجباً شرعياً حتّى يرفع بدليل الحرج، و لا دليل علىٰ أنّ كلّ تكليف يستلزم الحرج مطلقاً مرفوع، و ما ورد من الآيات و الأخبار في هذا المضمار، إنّما يدلّ علىٰ عدم جعل الشارع العسر و الحرج في الدين.

إلّا أن يقال:

إنّ قوله تعالىٰ يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «1» دالّ علىٰ أنّ الجمع بين المحتملات اللازم منه العسر، خلاف إرادة اللّٰه و رضاه.

لكنّ الظاهر من سياق الآية و هي قوله وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ .. إلىٰ آخره أنّ أحكام اللّٰه تعالىٰ لا تكون حرجية، و لا يريد في أحكامه الحرج على العبيد. و هو نظير قوله في ذيل آية الوضوء مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ «2».

هذا، و لكنّ الظاهر منهم عدم الفرق بين الحرج الذي في أصل التكليف أو موضوعه، و الذي يلزم منه و لو بواسطة جهات خارجية. و المسألة تحتاج إلى زيادة تأمّل.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الحرج إنّما ينفي مثل الغسل و الوضوء على الفرض بعد تسليم حصول الحرج بمثل هذا الاحتياط، دون مثل حرمة اللبث في المسجد و مسّ الكتاب و قراءة العزائم و أمثالها. مع أنّ الموارد مختلفة،

______________________________

(1) البقرة (2): 185.

(2) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 410

و الأشخاص متفاوتون، فلا يفي دليل الحرج بجميع الموارد.

و قد يُردّ دليل الاحتياط: بعدم تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات «1». و هو ضعيف؛ لما حقّق في محلّه من عدم الفرق بين الدفعيات و التدريجيات في تنجيز العلم «2». لكنّ التنجيز في المقام إنّما هو إذا قلنا في العبادات بالحرمة التشريعية، و هو خلاف ظاهر الأدلّة، و أمّا إذا قلنا بالحرمة الذاتية فمحلّ إشكال، كما سبقت الإشارة إليه «3»: من أنّ أمر العبادات حينئذٍ دائر بين المحذورين، فلا يكون العلم في مورد الدوران منجّزاً، و مع عدم التنجيز

في أحد الأطراف، تبقىٰ بقيّة الأطراف بلا منجّز، فالقاعدة تقتضي جواز ترك الصلاة و ارتكاب محرّمات الحائض، إلّا أنّه قام الإجماع علىٰ عدم جواز ترك الصلاة في جميع الأيّام.

التمسّك بمثل مرسلة يونس على التحيّض و نفي الاحتياط

هذا، و لكنّ الذي يسهّل الخطب أنّ استفادة حكم الواقعة من الأدلّة- كمرسلة يونس لا يدع مجالًا للعلم الإجمالي و الاحتياط؛ فإنّ الظاهر منها أنّ ذات العادة لا وقت لها إلّا عادتها، و قد مرّ «4» أنّ المتفاهم منها بعد التأمّل في فقرأتها؛ أنّ الدم في العادة أمارة قويّة لا تصل النوبة معها إلى التمييز الذي هو أيضاً أمارة عليه، فضلًا عمّا إذا لم يكن لها تمييز،

ففي المرسلة في ضمن بيان

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 218/ السطر 10، مصباح الفقيه، الطهارة: 313/ السطر 13.

(2) تهذيب الأُصول 2: 271.

(3) تقدّم في الصفحة 197 198.

(4) تقدّم في الصفحة 406 407.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 411

السنّة الثالثة قال أ لا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع، و كانت خمساً أو أقلّ من ذلك، ما قال لها تحيّضي سبعاً، فيكون قد أمرها بترك الصلاة و هي مستحاضة غير حائض! و كذا لو كان حيضها أكثر من سبع، و كانت أيّامها عشراً أو أكثر، لم يأمرها بالصلاة و هي حائض!.

و هذا صريح في أنّ ذات العادة أيّامها حيض، و الزائد عليها استحاضة، و مع كون أيّامها عدداً معيّناً يكون هذا العدد بخصوصه حيضها، و لا يجوز لها التحيّض زائداً عنه و لا ناقصاً.

و يدلّ على المقصود أيضاً قوله

ممّا يزيد هذا بياناً قوله لها: تحيّضي، و ليس يكون التحيّض إلّا للمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض، إلا تراه لم يقل لها أيّاماً معلومة:

تحيّضي أيّام حيضك!.

فإنّ الظاهر منه أنّ من كانت لها أيّام معلومة، تكون أيّامها أيّام الحيض، لا أنّ عليها التحيّض و التكلّف، و إنّما يقال: «تحيّضي و تكلّفي عمل الحائض» لمن لم تكن لها أيّام.

و يدلّ عليه أيضاً قوله

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير، فهي علىٰ أيّامها و خلقها ..

إلىٰ غير ذلك من فقرأتها.

في كيفيّة تحيّض الناسية

ثمّ إنّ تلك الناسية هل هي مختارة في جعل عددها في الشهر حيث شاءت، أو يتعيّن عليها جعله فيما يظنّ كونه وقتاً لحيضها، أو يتعيّن جعله في أوّل الدورة إذا علمت أوّلها، و في سائر الدورات علىٰ هذا النسق، فلو كان مبدأ دورتها أوّل الشهر وجب عليها التحيّض في أوّل كلّ شهر، أو يتعيّن جعله في أوّل الدورة الاولىٰ، و تختار في سائر الدورات، أو يجب عليها التحيّض في الوقت

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 412

المظنون كونه وقتاً لها في غير الدورة الأُولىٰ؟

قد يقال: «بوجوب جعله في أوّل الدورة؛ فإنّ الأخبار و إن كانت منصرفة عن الناسية، لكن لمّا كان المتعيّن عليها التحيّض في ابتداء رؤية الدم إلى العشرة، يتعيّن عليها جعل حيضها في جملة العشرة؛ إذ لا دليل علىٰ جواز تحيّضها ثانياً بعد انكشاف أمرها و صيرورتها مستحاضة، بل الأدلّة قاضية بخلافه، كما أشرنا إليه في المبتدئة. و إذا تعيّن عليها ذلك في الدور الأوّل يتبعه سائر الأدوار؛ لما يستفاد من جملة من الأخبار من وجوب جعل المستحاضة حيضها قبل طهرها» «1» انتهىٰ.

و فيه: أنّه بعد فرض الانصراف لا وجه لذلك؛ لعدم الدليل علىٰ وجوب تحيّضها في ابتداء رؤية الدم مطلقاً؛ لعدم تمامية قاعدة الإمكان، خصوصاً في مثل ناسية الوقت. و ليس

في المقام إجماع أو نصّ، فإنّ موثّقتي ابن بكير «2» مع ما تقدّم من الإشكال فيهما «3» مختصّتان بالمبتدئة.

نعم، لو رأت بصفة الحيض أوّل ما رأت وجب عليها العمل بالأمارة، لكن بعد بقاء الدم علىٰ صفة واحدة إلىٰ تجاوزه عن العشرة، تتعارض الأمارتان، و يكشف ذلك عن خطئها.

و القول: «بأنّ المتعيّن هو الأخذ بالأمارة المتقدّمة زماناً؛ لإمكان كون الدم حيضاً في الزمان الأوّل، و تحقّق موضوع الأمارة، و بعد ذلك يخرج الدم في الزمان المتأخّر عن الإمكان، فلا تكون الأمارة حجّة». قد سبق الإشكال فيه: بأنّ

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 314/ السطر 27.

(2) تقدّمتا في الصفحة 361 و 362.

(3) تقدّم في الصفحة 394.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 413

التقدّم الزماني ليس مناطاً لتقدّم الأمارة «1»، فراجع.

مع أنّه لو سلّم الأمر في الدورة الاولىٰ، فلا دليل علىٰ تبعية سائر الدورات لها. و ما دلّ علىٰ أنّ المستحاضة تجعل حيضها قبل طهرها علىٰ فرض ارتباطه بالمقام إنّما يدلّ على التقديم في الدورة الاولىٰ من غير تعرّض له لسائر الدورات، كما يأتي الكلام فيه.

و أمّا الاستدلال علىٰ وجوب الجعل في أوّل الدورة الاولىٰ و علىٰ نسقه في سائر الدورات بدوران الأمر بين التعيين و التخيير، و الأصل فيه الاشتغال «2».

ففيه: أنّه علىٰ فرض الدوران بينهما، فالاشتغال في مثل هذا الدوران غير مسلّم، بل المسلّم في الاشتغال هو في مورد يعلم بتعلّق تكليف بمعيّن، و يشكّ في أنّ له طرفاً يسقط التكليف بإتيانه أو لا، و أمّا إذا كان الدوران من أوّل الأمر بينهما فلا.

و المسألة تحتاج إلىٰ زيادة بحث و تحقيق لا يسعها المجال.

و قد يقال بلزوم التحيّض في أوّل الدورة؛ لظهور بعض الأخبار

في وجوب عمل المستحاضة بعد التحيّض بمقدار العادة و الاستظهار.

و في مقابله احتمال إطلاق بعض الأدلّة لأخذ المستحاضة مقدار عادتها، و مقتضى الإطلاق تخييرها في وضعه حيث شاءت، و كما أنّها بإطلاقها تنفي تعيّن التحيّض في أوّل الدورة الاولىٰ، و علىٰ نسقه في سائر الدورات، كذلك تنفي تعيّن جعل العدد في الوقت المظنون؛ فإنّ تعيّنه إنّما يكون فيما إذا كان الحاكم بالتخيير العقل بأن يقال: إنّما يحكم العقل بالتخيير مع تساوي الأزمنة، و أمّا

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 377.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 314/ السطر الأوّل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 414

مع ترجيح بعضها و لو ظنّاً فيرتفع موضوع حكمه و أمّا إذا استفيد حكم التخيير من إطلاق الدليل، فلا يبقى للترجيح بالظنّ مجال.

و لا بأس بذكر بعض الروايات التي يمكن دعوى إطلاقها أو دلالتها على [التخيير]؛ حتّى يتضح الحال:

الروايات التي قد تتوهّم دلالتها على التخيير

فمنها:

رواية محمّد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الطامث و قدر جلوسها، فقال تنتظر عدّة ما كانت تحيض، ثمّ تستظهر بثلاثة أيّام، ثمّ هي مستحاضة «1».

بدعوىٰ: أنّ المراد من «الطامث» و «قدر جلوسها» هي من استمرّ بها الدم و لو بقرينة الجواب و إطلاقها يقتضي كونها مخيّرة في وضع عدّة أيّام حيضها حيث شاءت.

و فيه: أنّها بصدد بيان مقدار الجلوس سؤالًا و جواباً، فلا إطلاق فيها من جهة محلّ الجلوس؛ لو لم نقل بانصرافها إلى الجلوس في أوّل الرؤية.

نعم، هي تدلّ بإطلاقها علىٰ أنّ مقدار جلوس ذاكرة العدد و لو كانت ناسية للوقت هو عدّة أيّام العادة.

و منها:

رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): امرأة رأت الدم في حيضها

حتّى تجاوز وقتها، متى ينبغي لها أن تصلّي؟ قال تنتظر عدّتها التي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام .. إلىٰ آخره «2».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 172/ 491، الإستبصار 1: 149/ 516، وسائل الشيعة 2: 303، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 10.

(2) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1259، وسائل الشيعة 2: 303، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 415

بدعوىٰ إطلاق الجواب و إن كان السؤال عن ذاكرة الوقت.

و فيه ما لا يخفى.

و منها:

رواية عبد اللّٰه بن المغيرة عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة التي ترى الدم، فقال إن كان قُرؤها دون العشرة انتظرت العشرة، و إن كانت أيّامها عشرة لم تستظهر «1».

و هي أيضاً لا إطلاق فيها؛ لكونها في مقام بيان حكم الاستظهار.

الروايات التي يمكن الاستدلال بها على لزوم التحيّض في أوّل الرؤية

و أمّا ما يمكن أن يستدلّ به علىٰ لزوم التحيّض في أوّل الرؤية:

فمنها: رواية عبد اللّٰه بن المغيرة المتقدّمة بدعوىٰ: أنّ المنصرف منها أنّها تنتظر من أوّل الرؤية إلى العشرة. و لا يبعد ذلك لولا ضعف سندها «2». و قد يحتمل هذا الانصراف في رواية محمّد بن عمرو المتقدّمة، لكنّه بعيد، بل ممنوع.

و منها:

صحيحة زرارة قال: قلت له: النفساء متى تصلّي؟ فقال تقعد بقدر حيضها، و تستظهر بيومين، فإن انقطع الدم و إلّا اغتسلت .. إلىٰ أن قال

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 172/ 493، وسائل الشيعة 2: 303، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 11.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن موسى بن الحسن، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن رجل.

و الرواية ضعيفة بأحمد

بن هلال العبرتائي، فإنّه رُمي بالغلوّ و متهم في دينه.

رجال النجاشي: 83/ 199، الفهرست: 36/ 97، اختيار معرفة الرجال: 353/ 1020.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 416

قلت: و الحائض؟ قال مثل ذلك سواء «1».

بدعوىٰ: أنّه لا إشكال في أنّ الواجب على النفساء الجلوس أوّل ما رأت الدم، فعموم التسوية بينها و بين الحائض يدلّ على المطلوب؛ و هو تحيّضها في أوّل الدورة.

لكنّه لا يخلو من إشكال؛ لاحتمال انصراف التسوية إلىٰ مقدار التحيّض و الاستظهار و سائر الأحكام المذكورة، دون مبدأ التحيّض.

ثمّ لو سلّم دلالة الأدلّة علىٰ لزوم التحيّض في أوّل الدورة الاولىٰ، فلا دليل علىٰ تبعية سائر الدورات لها إلّا بعض أُمور اعتبارية لا يصلح للاستناد إليه، و إن كان الأحوط ذلك.

و لو قلنا بدلالة الأدلّة علىٰ تعيّن التحيّض في مبدأ الدورة الاولىٰ؛ و أنّ المتفاهم منها النظم علىٰ نهج واحد، فلا وجه لتقدّم العمل بالظنّ عليها، بل المتعيّن تقدّم العمل بها على الظنّ، كما هو واضح.

الموضع الثاني: في ناسية العدد دون الوقت
اشارة

لو ذكرت الوقت في الجملة و نسيت العدد، فأمّا ذاكرة لأوّل حيضها، أو لآخره، أو لوسطه الحقيقي، أو لوسطه غير الحقيقي، أو ذاكرة لكون اليوم الكذائي بين أيّام الحيض؛ أي بين المبدأ و المنتهىٰ، أو عالمة بكون اليوم الفلاني من أيّام الحيض في الجملة.

و هاهنا صور كثيرة يعلم حكمها من ذكر حكم بعضها. و علىٰ أيّ حالٍ قد تعلم أنّ عددها كان مخالفاً لما في الروايات، و قد لا تعلم ذلك.

______________________________

(1) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 417

حكم ما إذا لم يزد على العشرة

فإن كانت ذاكرة لأوّل حيضها، و لم تعلم مخالفة عددها للروايات، فلا إشكال في لزوم إكماله ثلاثة أيّام؛ إذا لم تعلم زيادة عددها عليها، و إلّا فبمقدار العلم بالزيادة؛ لما دلّ علىٰ أنّ الصفرة و الكدرة و ما فوقها في أيّام الحيض حيض، و أنّ قليل الدم و كثيره أيّام الحيض حيضٌ كلّه إذا كانت الأيّام معلومة «1». و التقييد بالعلم بالأيّام ليس إلّا لطريقيته إلى الواقع، لا لتقييد واقع الحيض به، فمع العلم بكون اليوم الفلاني أوّل حيضها، يكون الدم فيه دم الحيض بمقتضىٰ إطلاق الأدلّة، و أقلّ الحيض و هو ثلاثة أيّام متيقّن الحيضية، فيجب عليها إكماله بالثلاثة، أو بما فوقها ممّا تعلم عدم نقصان حيضها عنه. و هذا لا إشكال فيه.

حكم ما إذا زاد على العشرة مع احتمال كونه من عادتها

إنّما الإشكال فيما زاد على العشرة ممّا تحتمل كونه من عادتها، فقد يقال: «إنّ مقتضى العلم الإجمالي، هو الجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة و غسل الحيض في وقت تحتمل انقطاعه و قضاء صوم عشرة أيّام» و هو الذي اختاره المحقّق (رحمه اللّٰه) «2».

و فيه أوّلًا: ما مرّ مراراً «3» من عدم منجّزية هذا العلم الإجمالي؛ بناءً على

______________________________

(1) و هي مرسلة يونس الطويلة التي تقدّمت في الصفحة 349.

(2) شرائع الإسلام 1: 26.

(3) تقدّم في الصفحة 186، 197 198، 410.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 418

الحرمة الذاتية في العبادات، كما هي ظاهر الأدلّة.

و ثانياً: علىٰ فرض منجّزيته ينحلّ بالاستصحاب، و لا إشكال في جريان استصحاب الحيضية. و ما أفاد الشيخ الأعظم في المقام: «من عدم جريانه في الأُمور التدريجية، بل يجري استصحاب عدم الحيضية بالنسبة إلى الأيّام المشكوك فيها، فيجب عليها أن تعمل عمل المستحاضة بعد

ثلاثة أيّام» «1» فغير وجيه؛ لما حقّق في محلّه من جريانه فيها «2»، فلا يبقى مجال للاحتياط و الاشتغال، و لا للزوم عمل المستحاضة.

هذا، لكنّ التحقيق استفادة حكم المسألة من مرسلة يونس فإنّ المتأمّل في جميع فقرأتها، لا يكاد يشكّ في أنّ التي ليس مرجعها العادة و لا التمييز، مرجعها السبعة و الثلاثة و العشرون، خصوصاً فقرأتها الأخيرة من قوله

فجميع حالات المستحاضة ..

إلىٰ آخر الرواية، فقوله

و إن اختلط عليها أيّامها و زادت و نقصت حتّى لا يقف منها علىٰ حدّ، و لا من الدم علىٰ لون عملت بإقبال الدم.

شامل لذاكرة الوقت في الجملة، فحينئذٍ قوله

و إن لم يكن الأمر كذلك ..

إلىٰ آخره، دالٌّ على المقصود.

و الإنصاف: أنّ المتأمّل في المرسلة و الحصر المستفاد منها و القواعد المستنبطة من السنن الثلاث الواردة عن رسول اللّٰه (صلّى الهّٰا عليه و آله و سلّم) في ثلاث قضايا شخصية، لا ينبغي أن يرتاب في أنّ السنن المذكورة مرجع المستحاضة على الترتيب الذي فيها، و لا تكاد تكون امرأة خارجة عنها؛ و أنّها مع الإمكان ترجع إلى العادة و لو في الجملة، و مع التمييز و عدم إمكان الرجوع إلى العادة، ترجع إليه و لو في الجملة، و مع فقدانهما ترجع إلى العدد، و مع إمكان الرجوع إلىٰ

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 220/ السطر 27.

(2) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 112 120.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 419

إحدى المتقدّمتين لا ترجع إلى الأخيرة. و أمّا الرجوع إلى الأقارب فقد عرفت أنّه لشدّة ندرته لا يكون مضرّاً بالحصر «1».

و ممّا ذكرنا يظهر حال سائر الصور، فلا تحتاج إلى التطويل.

و قد مرّ: أنّ الرجوع إلىٰ

خصوص السبعة من بين الروايات لو لم يكن أقوى فهو أحوط «2». نعم لو بنينا على العمل بالأصل و أغمضنا عن الروايات، يكون حال الأصل بالنسبة إلى الصور المتقدّمة مختلفاً، كما هو واضح.

و أمّا الموضع الثالث

و هو ما إذا نسيت الوقت و العدد جميعاً؛ و لم تحفظ شيئاً منهما، فقد ظهر ممّا مرّ أنّ سنّتها السبعة و الثلاثة و العشرون على الأحوط، بل الأقرب؛ لما مرّ «3» من المناقشة في سائر الروايات و في الستّة الواردة في المرسلة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 386.

(2) تقدّم في الصفحة 395 397.

(3) تقدّم في الصفحة 395 397.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 421

المطلب الثاني في أقسام الاستحاضة
اشارة

المشهور بين الأصحاب نقلًا و تحصيلًا، شهرةً كادت أن تكون إجماعاً، كما في «الجواهر» «1» أنّ للاستحاضة أقساماً ثلاثة: القليلة، و الكثيرة، و المتوسّطة. خلافاً للمحكيّ عن ابن أبي عقيل فأنكر القسم الأوّل «2». و عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل أيضاً «3» و الفاضلين في «المعتبر» «4» و «المنتهي» «5» إدخال الثانية في الثالثة، فأوجبوا الأغسال الثلاثة فيها.

و المحقّق الخراساني فصّل بين الدم و الصفرة، و قسّم الدم إلى قسمين؛ الأوّل: أن يثقب الكرسف، فأوجب فيه الأغسال الثلاثة، و الثاني: أن لا يثقب، فأوجب الغسلَ في كلّ يوم مرّةً واحدة، و الوضوءَ لكلّ صلاة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 310.

(2) انظر مختلف الشيعة 1: 209.

(3) نفس المصدر: 209 210.

(4) المعتبر 1: 244 245.

(5) منتهى المطلب 1: 120/ السطر 19.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 422

و قسّم الصفرة أيضاً إلى قسمين: القليلة، فأوجب فيها الوضوء لكلّ صلاة، و لم يوجب الغسل، و الكثيرة، فأوجب فيها الأغسال الثلاثة، و ادعىٰ أنّ ذلك مقتضى الجمع بين الأخبار؛ بحمل مطلقها علىٰ مقيّدها و تقديم نصّها علىٰ ظاهرها «1».

التمسّك بالروايات لإثبات ثلاثية الأقسام و بيان وجه الجمع

و الحقّ: هو القول المشهور، لا لصريح «الفقه الرضوي» «2» الموافق لفتوى الصدوق «3» و إن لم يخل من وجه؛ لتطابق الفتاوىٰ علىٰ وفقه بعد كون الاختلاف بينهما في اللفظ دون المعنىٰ بل لأنّ تثليث الأقسام في الجملة مقتضى الجمع بين الروايات،

ففي رواية معاوية بن عمّار الصحيحة على الأصحّ «4»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فإذا جازت أيّامها و رأت الدم يثقب الكُرسُف، اغتسلت للظهر و العصر ..

إلىٰ أن قال

و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت، و دخلت المسجد، و صلّت كلّ صلاة بوضوء

«5».

فأوجب الأغسال الثلاثة للثاقب الأعمّ من السائل و غيره، و المتجاوز عن الكرسف و غيره، و لغير الثاقب لم يوجب إلّا الوضوء.

و

في صحيحة زرارة في النفساء فإن انقطع الدم، و إلّا اغتسلت و احتشت

______________________________

(1) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 84 86.

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 193.

(3) الفقيه 1: 50، المقنع: 48، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 50/ السطر 5.

(4) تقدّم وجهه في الصفحة 22، الهامش 3.

(5) الكافي 3: 88/ 2، وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 423

و استثفرت و صلّت، و إن جاز الدم الكرسف تعصّبت و اغتسلت، ثمّ صلّت الغداة بغسل، و الظهر و العصر بغسل، و المغرب و العشاء بغسل، و إن لم يجز الدمُ الكرسف صلّت بغسل واحد.

قلت: و الحائض؟ قال مثل ذلك سواء «1».

و الجمع بينها و بين الصحيحة المتقدّمة بتثليث الأقسام؛ فإنّ إطلاق صدر صحيحة معاوية يقيّد بقوله في

صحيحة زرارة و إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد

فإنّ «الثاقب» أعمّ من المتجاوز، و «التجاوز» عرفاً عبارة عن عبور الدم عن القطنة إلىٰ غيرها، و هو موافق للسيلان، و الجمع العرفي بين الفقرتين يقتضي حمل «الثقب» على الثقب المتجاوز. و لا يبعد أن يكون الثاقب نوعاً متجاوزاً و سائلًا، فلا يكون تقييده تقييداً بعيداً.

و تقيد الفقرة الثانية من صحيحة زرارة و هي قوله

و إن لم يجز الدم الكرسف

بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية؛ و هي قوله

و إن كان الدم لا يثقب الكرسف ..

فإنّ غير المتجاوز أعمّ من الثاقب و غيره، و غير الثاقب أخصّ منه مطلقاً.

فإن شئت قلت: إنّه بعد تقييد الفقرة

الثانية من صحيحة زرارة بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية، تصير أخصّ مطلقاً من الفقرة الاولىٰ من صحيحة زرارة، و نتيجة التقييدين تثليث الأقسام.

و إن شئت قلت: إنّ الجمع العقلائي بين فقرأت الصحيحتين هو تثليث الأقسام؛ و إن كان بين بعض الفقرات عموم من وجه.

و تشهد لما ذكرنا من حمل «الثاقب» في صحيحة معاوية على الثاقب

______________________________

(1) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 424

المتجاوز المنطبق على الكثير

موثّقة سماعة قال قال المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين، و للفجر غسلًا، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة «1».

حيث قابل فيها بين الثقب و عدم التجاوز، فيعلم أنّ مراده ب «الثقب» هو التجاوز. كما أنّه يقيّد قوله

و إن لم يَجُز الدمُ الكُرْسفَ ..

بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية.

و أمّا قوله في الموثّقة

و إن كان صفرة فعليها الوضوء

فمحمول على القليلة؛ لنوعية كون الصفرة قليلة، كما قيل «2».

بل ربّما يشهد له قوله

في رواية محمّد بن مسلم في باب اجتماع الحيض و الحمل- إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي، و إن كان قليلًا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء «3».

و تشهد لتثليث الأقسام

صحيحة عبد الرحمن قال فيها و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين و لتغتسل، و لتستدخل كرسفاً، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفاً آخر ثمّ تصلّي، فإذا كان سائلًا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ 4، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة،

الباب 1، الحديث 6.

(2) مصابيح الظلام 1: 47/ السطر الأخير (مخطوط).

(3) الكافي 3: 96/ 2، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 16.

(4) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 425

فإنّها متعرّضة للمتوسّطة و الكثيرة، فأوجبت الغسلَ الواحد إن ظهر على الكرسف، و الأغسالَ الثلاثة إن سال الدم، فهي بضميمة روايات أُخر تفيد الأقسام الثلاثة،

كموثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) ففيها: ثمّ هي مستحاضة؛ فلتغتسل و تستوثق من نفسها، و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلّت «1».

و عليها تحمل

صحيحة الصحّاف حيث يظهر منها التثليث. لكن قد يتراءىٰ منها خلاف ما تقدّم في الجملة؛ حيث قال فيها بعد الاستظهار بيوم أو يومين فلتغتسل، ثمّ تحتشي و تستذفر و تصلّي الظهر و العصر، ثمّ لتنظر؛ فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف، فلتتوضّأ و لتصلِّ عند وقت كلّ صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها، فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم، وجب عليها الغسل، و إن طرحت الكرسف و لم يسل فلتتوضّأ و لتصلّ، و لا غسل عليها.

قال و إن كان الدم إذا أمسكت الكرسف، يسيل من خلف الكرسف صبيباً لا يرقأ، فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم و ليلة ثلاث مرّات «2».

فإنّها أيضاً بعد تقييد قوله

لا يسيل ..

إلىٰ آخره، ببعض الروايات المتقدّمة، و حملِ قوله

فسال الدم وجب عليها الغسل

علىٰ سيلانه بلا مانع؛ بحيث إن وضعت الكرسف ثقبه و لم يسل منه؛ بقرينة قوله

و إن كان

الدم إذا أمسكت الكرسف ..

إلىٰ آخره تفيد الأقسام الثلاثة؛ فإنّ قوله

فإن طرحت

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 169/ 483، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 9.

(2) الكافي 3: 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 426

الكرسف ..

إلىٰ آخره، صريح في ثلاثة أقسام:

أحدها: عدم السيلان بعد طرح الكرسف، و هو لا ينطبق إلّا على القليلة.

ثانيها: سيلانه بعد طرحه، فإنّه بملاحظة مقابلته مع الثالث أي ما إذا أمسكت الكرسف سال من خلفه لا ينطبق إلّا على المتوسّطة؛ فإنّ الدم إذا كان سائلًا مع طرح الكرسف، و ليس سيلانه بحيث إذا أمسكت الكرسف سال من خلفه، لا محالة يكون ثاقباً و نافذاً.

ثالثها: ما أفاد بقوله

إذا أمسكت الكرسف يسيل ...

فلا إشكال في إفادتها الأقسام الثلاثة موافقاً للمشهور.

فتحصّل؛ أنّ تثليث الأقسام مضافاً إلىٰ كونه مشهوراً شهرة كادت أن تكون إجماعاً كما مرّ «1» هو مقتضى الجمع بين الروايات و حمل بعضها علىٰ بعض، و مقتضى ظهور بعض الروايات أيضاً.

ثمّ إنّ الدم في مثل صحيحة الصحّاف، لا ينصرف إلى الحمرة مقابل الصفرة لو قلنا بانصرافه في بعض الروايات؛ فإنّ الصفرة في دم الاستحاضة لعلّها غالبة نوعية، و لهذا جعلت علامة لها و أمارة عليها. بل الانصراف مطلقاً محلّ منع.

نعم، إذا ذكرت «الصفرة» مقابل «الدم» يكون ذلك قرينة على إرادة الحمرة من «الدم» المقابل لها، و هذا نظير ما إذا قيل: «الماء لا ينفعل، و إذا كان قليلًا ينفعل» حيث يفهم من المقابلة أنّ «الماء» في الصدر هو الكثير، و هذا لا يوجب الانصراف إذا لم يكن مقابلًا له.

فحينئذٍ يستفاد من

الصحيحة و غيرها أنّ الدم مطلقاً ثلاثي الأقسام، و يحمل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 421.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 427

عليها ما ورد من أنّ في الصفرة الوضوء خاصّةً، كموثّقة سَماعة «1» و روايتي «قرب الإسناد» «2» و صحيحة يونس بن يعقوب «3» و ما ورد من أنّ فيها الغسل عند كلّ صلاة مطلقاً «4»، فتحمل الروايات الاولىٰ على القليلة، بل في بعضها إشعار بقلّة الدم و الثانية على الكثيرة.

فتثليث الأقسام مطلقاً كما عليه المشهور ممّا لا إشكال فيه.

ضابطة الاستحاضة الكثيرة و المتوسطة و القليلة

ثمّ إنّ عبارات الأصحاب مختلفة في ضابطة الأقسام؛ فعن جملة منهم التعبير ب «غير الثاقب» في القليلة، و ب «الثاقب غير السائل» في المتوسّطة، و ب «السائل» في الكثيرة «5».

و عن جملة التعبير ب «غير الراشح» و «الراشح غير السائل» و «السائل» «6». و عن بعضهم ب «غير الظاهر على الكرسف» و «الظاهر عليه غير السائل» و «السائل» «7».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 424.

(2) قرب الإسناد: 225/ 879 و 880، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 7 و 8، و قد تقدّم متنهما في الصفحة 320.

(3) تهذيب الأحكام 1: 175/ 502، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 3، و قد تقدّم متنها في الصفحة 319.

(4) كرواية إسحاق بن عمّار، راجع وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

(5) السرائر 1: 152 153، شرائع الإسلام 1: 26، الحدائق الناضرة 3: 277.

(6) المقنعة: 56، المراسم: 44، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 61.

(7) انظر مفتاح الكرامة 1: 388/ السطر 14، جواهر الكلام 3: 311، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 246/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 1، ص: 428

و عن جملة من كتب العلّامة التعبير عنها ب «عدم غمس القطنة» و «غمسها من غير سيل» و «مع السيل» «1» و بعضهم حمل سائر العبارات علىٰ ما يوافق عبارات العلّامة «2». و بعضهم عكس الأمر «3».

و الحقّ: أنّه لا وجه لإرجاع عبارات القوم إلىٰ فتوى العلّامة، و لا يمكن إرجاع بعض عباراته مثل ما في «القواعد» إلىٰ عبارات القوم؛ فإنّ قوله فيه: «إن ظهر على القطنة و لم يغمسها وجب عليها تجديد الوضوء ..» «4» إلىٰ آخره، ظاهر- لو لم يكن نصّاً في أنّ الثقب و الظهور على الكرسف، لا يخرج الدم عن القلّة ما لم يغمس القطنة.

و كيف كان: فالمتّبع هو الأدلّة، و قد وردت فيها عناوين ك «الثقب» و «النفوذ» و «الظهور على القطنة» و «الثقب» و إن كان أعمّ ظاهراً من «النفوذ» لكن لا إشكال في كون المراد من العناوين شيئاً واحداً: هو الثاقب النافذ و الظاهر على القطنة؛ سواء غمسها أو لا، فلو نفذ من القطنة و لم يغمسها كانت الاستحاضة متوسّطة.

و ما قيل: «من أنّ الدم بنفسه لا يكون بمقتضى العادة ثاقباً إلّا بعد إحاطته بأطراف القطنة الملاصقة للباطن فينفذ فيها شيئاً فشيئاً إلىٰ أن ترتوي القطنة، فيظهر الدم على الجانب الآخر الملاصق للخرقة، فيكون الثقب ملازماً للغمس» «5».

______________________________

(1) تحرير الأحكام 1: 16/ السطر 10، تذكرة الفقهاء 1: 279، مختلف الشيعة 1: 209.

(2) جامع المقاصد 1: 340، مسالك الأفهام 1: 74.

(3) كفاية الأحكام: 5/ السطر 25 26، جواهر الكلام 3: 311 312.

(4) قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 11.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 316/ السطر 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 429

فيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّ القطنة الموضوعة على المحلّ، تكون نقطتها المحاذية لمخرج الدم، أسرعَ انفعالًا من سائر أطرافها، و يكون الدم بمقتضىٰ طبعه- خصوصاً في المحلّ ممّا تكون فيه حرارة الدم محفوظة نافذاً في وسط القطنة، و ثاقباً لقطرها قبل غمسها و ارتوائها.

و توصيف دم الاستحاضة بالبرودة، إنّما هو في مقابل الحرقة و الحرارة القوية في دم الحيض، و إلّا فلا شبهة في عدم كونه كالماء البارد؛ حتّى لا يكون نافذاً في مثل القطنة.

و كيف كان: فملاك القلّة عدمُ الثقب النافذ، و التوسّطِ الثقبُ النافذ غير السائل، و الكثرةِ الثاقبُ السائل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 431

المطلب الثالث في بيان أحكام الأقسام الثلاثة
حكم الاستحاضة القليلة
اشارة

أمّا القسم الأوّل أي القليلة، فحكمه تغيير القطنة، و تجديد الوضوء عند كلّ صلاة.

1 تغيير القطنة

أمّا الأوّل: فإجماعاً كما عن ظاهر «الناصريات» و «الغنية» و «جامع المقاصد» «1» و هو مذهب علمائنا، كما عن «التذكرة» «2» و لا خلاف فيه عندنا، كما عن «المنتهىٰ» «3» و هو المشهور، كما عن «كاشف الالتباس» و «الكفاية» و ظاهر

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 18، غنية النزوع 1: 39 40، جامع المقاصد 1: 339.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 388/ السطر الأخير، تذكرة الفقهاء 1: 279.

(3) منتهى المطلب 1: 120/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 432

«الذكرى» «1» و به قطع أكثر الأصحاب، كما عن «كشف اللثام» «2».

و عن «الكفاية» التأمّل في الإجماع «3»، و عن «كشف اللثام»: «أنّه لم يذكره الصدوقان و لا القاضي» «4».

و في «الجواهر»: «لزوم التغيير مشهور نقلًا و تحصيلًا، و نقل عن «مجمع البرهان» «5»: «أنّ لزومه كأنّه إجماعي» «6».

و العمدة في المقام هي هذه الشهرة المسلّمة، مع كون الأدلّة بظاهرها أو إطلاقها تدلّ علىٰ عدم لزوم التغيير، و هما بمثابة لا يمكن أن يقال: إنّ الشهرة لعلّها لتخلّل الاجتهاد، أو لتحكيم إجماع «الغنية» و نفي خلاف «السرائر» المحكيين على إلحاق دم الاستحاضة بالحيض في عدم العفو «7» علىٰ هذه الأدلّة، أو تحكيم ما دلّ في الكثيرة و المتوسّطة علىٰ لزوم التغيير «8»، مع عدم تعقّل الفرق، أو عدم القائل به، أو تحكيم الإجماع المركّب كما عن «الرياض» «9» علىٰ هذه الأدلّة؛ فإنّ تلك الأدلّة ظاهرة الدلالة في عدم لزوم

______________________________

(1) كشف الالتباس: 126/ السطر 11 (مخطوط)، كفاية الأحكام: 5/ السطر 27، ذكرى الشيعة 1: 241.

(2) كشف اللثام

2: 148.

(3) كفاية الأحكام: 5/ السطر 28.

(4) كشف اللثام 2: 148.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 155.

(6) جواهر الكلام 3: 313.

(7) غنية النزوع 1: 41، السرائر 1: 176.

(8) راجع وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3 و 8.

(9) رياض المسائل 2: 111.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 433

التبديل،

ففي صحيحة الحلبي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سئل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن المرأة تستحاض، فأمرها أن تمكث أيّام حيضها؛ لا تصلّي فيها، ثمّ تغتسل و تستدخل قطنة و تستثفر بثوب، ثمّ تصلّي حتّى يخرج الدم من وراء الثوب «1».

و

في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) فإن انقطع الدم، و إلّا اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلّت، فإن جاز الدم الكُرْسُف تعصّبت و اغتسلت «2».

و في صحيحة الصحّاف عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و إن لم ينقطع الدم عنها إلّا بعد ما تمضي الأيّام التي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل، ثمّ تحتشي و تستذفر، و تصلّي الظهر و العصر، ثمّ لتنظر فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف، فلتتوضّأ و لتصلِّ عند وقت كلّ صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها «3».

و

في موثّقة عبد الرحمن عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل و لتستدخل كرسفاً، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفاً آخر «4».

و

في موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) ثمّ هي مستحاضة؛ فلتغتسل

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ 3، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة،

الباب 1، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

(3) الكافي 3: 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 7.

(4) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 434

و تستوثق من نفسها، و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم «1».

و

في رواية الجُعْفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إن لم تر طهراً اغتسلت و احتشت، و لا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف .. «2».

إلىٰ غير ذلك من الروايات التي لا مجال للشبهة فيها و في دلالتها؛ حتّى يتوهّم تخلّل الاجتهاد فيها.

كما أنّه لا وجه لتخيّل تحكيم إجماع «الغنية» أو التحكيم المذكور بعده علىٰ تلك الأدلّة؛ ضرورة أنّ إجماع «الغنية» علىٰ فرض صحّته لا إطلاق فيه بالنسبة إلى البواطن، بل العفو عنها ممّا لا إشكال فيه.

كما أنّ دعوى عدم تعقّل الفرق بين القليلة و غيرها، في محلّ المنع بعد اختلاف أحكام الثلاثة، و عدم طريق للعقول إلى الواقع في التعبّديات. مع أنّ في دلالة الخبرين في موردهما إشكالًا.

و كيف كان: فلا يمكن رفع اليد عن الشهرة الثابتة و الإجماع المحكي؛ لأجل تلك الأدلّة المعرض عنها مع كونها بمنظر منهم، فالأحوط لو لم يكن أقوى لزوم تغيير الكرسف.

و أمّا الخرقة: فمع تلوّثها يجب تبديلها مطلقاً؛ إن قلنا بعدم العفو في دم الاستحاضة، و إلّا ففي المقدار المعفو عنه. مع إمكان أن يقال: إنّ الشهرة

علىٰ وجوب التبديل في القطنة، تدلّ علىٰ مانعية دم الاستحاضة و لو كان قليلًا،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 169/ 483، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 9.

(2) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 435

و منه يظهر مانعيته إذا كان في الخرقة، بل مانعيّته فيها أولىٰ.

و كذا الحال في ظاهر الفرج، و هو علىٰ ما قالوا «ما يبدو منه عند الجلوس على القدمين» «1» و هو الأحوط.

2 تجديد الوضوء

و أمّا الثاني: أي تجديد الوضوء لكلّ صلاة: فهو إجماعي في الجملة، كما عن «الخلاف» و «جامع المقاصد» و ظاهر «الناصريات» و «الغنية» «2» و عن «التذكرة»: «أنّه مذهب علمائنا» «3» و هو المشهور، كما عن جملة من الأعلام «4»، و هو مذهب الخمسة و أتباعهم، كما عن «المعتبر» «5».

خلافاً للمحكي عن ابن عقيل فلم يوجب في القليلة غسلًا و لا وضوءً «6»، و للمحكي عن ابن الجنيد فأوجب فيها غسلًا واحداً في كلّ يوم و ليلة «7». و قد تقدّم نقل ذهاب المحقّق الخراساني أيضاً إلىٰ إيجاب الغسلِ الواحد عليها، و الوضوء لكلّ صلاة «8».

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 74، روض الجنان: 83/ السطر 17، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 248/ السطر 12.

(2) الخلاف 1: 249 250، جامع المقاصد 1: 340، الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 18، غنية النزوع 1: 39 40.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 279.

(4) مختلف الشيعة 1: 209، كفاية الأحكام: 5/ السطر 26، مفتاح الكرامة 1: 389/ 2.

(5) انظر جواهر الكلام 3: 315، المعتبر 1: 242.

(6) انظر المعتبر 1: 242.

(7) المعتبر 1: 244.

(8) تقدّم

في الصفحة 421.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 436

و الأقوى ما عليه المشهور، و يدلّ عليه مضافاً إلىٰ ما تقدّم من عدم نقل خلاف إلّا ممّن تقدّم

صحيحة معاوية عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد، و صلّت كلّ صلاة بوضوء «1».

و هو في مقابل الصدر حيث أوجب الغسل عليها إذا ثقبه كالصريح في عدم وجوب الغسل عليها.

و أوضح منها

موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها، كيف تصنع؟ قال تستظهر بيوم أو يومين، ثمّ هي مستحاضة؛ فلتغتسل و تستوثق من نفسها، و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلّت.

و لا إشكال في ظهورهما في المقصود، و معهما لا مجال للتمسّك بإطلاق بعض الأدلّة، أو عدم ذكر الوضوء في آخر، مثل

صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السّلام) و فيها قال لا، هذه مستحاضة؛ تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة، و تجمع بين صلاتين بغسل «2».

و

صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها فإن انقطع الدم، و إلّا اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلّت، فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت و اغتسلت «3».

و صحيحة الصحّاف «4» حيث أمر فيها بالاحتشاء و صلاة الظهر و العصر، و مع عدم السيلان بالوضوء عند وقت كلّ صلاة، فأوجب الوضوء للصلاتين لا لكلّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 422.

(2) الكافي 3: 90/ 6، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3.

(3) تقدّمت في الصفحة 433.

(4) تقدّمت في الصفحة 433.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)،

ج 1، ص: 437

صلاة؛ بمناسبة ذكر الوقت فيها .. إلىٰ غير ذلك ممّا يكون الجمع العرفي بينها و بين الروايتين بتقييد إطلاقها؛ لأنّ السكوت في مقام البيان، لا يقاوم ما هو ظاهر في وجوب الوضوء لكلّ صلاة.

بل يدلّ على المقصود إطلاق

موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها غسل الاستحاضة واجب؛ إذا احتشت بالكرسف و جاز الدم الكرسف، فعليها الغسل لكلّ صلاتين، و للفجر غسل، و إن لم يجز الدم الكرسف، فعليها الغسل كلّ يوم مرّة و الوضوء لكلّ صلاة «1».

و عدم تجاوز الدم أعمّ من كونه ثاقباً و غيره، فيقيّد إطلاق وجوب الغسل بما دلّ علىٰ عدم وجوبه لغير الثاقب، و يبقى إطلاق وجوب الوضوء لكلّ صلاة للثاقب و غيره. و كون الغسل على المستحاضة الوسطىٰ دون الصغرىٰ، لا يوجب أن يكون قوله

لم يجز الدم

مختصّاً بالوسطى حتّى في الوضوء؛ فإنّ تقييد الإطلاق بالنسبة إلىٰ حكم بدليل، لا يوجب تقييده بالنسبة إلىٰ حكم آخر لم يقم دليل علىٰ تقييده.

و أولى من ذلك الاستدلال عليه

بمرسلة يونس الطويلة قال فيها و سئل عن المستحاضة فقال: إنّما ذلك عزف عامر أو ركضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة.

قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المَثْعَب «2».

فإنّ إطلاقها يقتضي وجوب الوضوء لكلّ صلاة؛ سال الدم أو لا، كان سيلانه كثيراً مثل المَثْعَب أو لا.

______________________________

(1) الكافي 3: 40/ 2، تهذيب الأحكام 1: 104/ 270، وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 3.

(2) تقدّم في الصفحة 350.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 438

بل لا يبعد التمسّك

بموثّقة سماعة المضمرة، و

فيها و إن لم يجز الدم الكرسف، فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة و الوضوء لكلّ صلاة، و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل. هذا إذا كان دمها عبيطاً، و إن كان صفرة فعليها الوضوء «1».

إمّا بإطلاق قوله

و إن لم يجز ..

بالتقريب المتقدّم.

و إمّا بحمل «الصفرة» على القليلة، و الوضوء على المعهود في الصدر؛ أي يكون عليها الوضوء المذكور لزومه لكلّ صلاة، و ليس عليها الغسل. بل لا منافاة بين التمسّكين، كما يظهر بالتأمّل.

و علىٰ تلك الروايات يحمل ما ورد في صحيح الصحّاف من إيجاب الوضوء عند وقت كلّ صلاة، خصوصاً مع تعارف التفريق بين الصلوات في تلك الأزمنة؛ بحيث كانت الأوقات الخمسة معروفة بين المسلمين. و أمّا قوله

تحتشي و تصلّي الظهر و العصر، ثمّ لتنظر

فلا يقاوم ظهور تلك الأدلّة، خصوصاً مع تذييله بقوله

فلتتوضّأ و لتصلِّ عند وقت كلّ صلاة

بالتقريب المذكور.

و بالجملة: مقتضى الجمع بين الأدلّة وجوب الوضوء لكلّ صلاة في القليلة و عدم الغسل.

عدم الفرق بين الفريضة و النافلة في الحكم

ثمّ إنّ مقتضىٰ عموم تلك الأدلّة و إطلاقها، عدم الفرق بين الفريضة و النافلة؛ كانت النافلة من الرواتب أو لا، خصوصاً مع تعارف الإتيان بالنوافل في الصدر الأوّل، بل تعارف إتيان صلاة التحيّة و نحوها، فحينئذٍ لا وجه

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ 4، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 439

لدعوى «1» انصراف الأدلّة إلى الفرائض.

و أمّا قضيّة حرجية ذلك و بناء الشريعة السهلة على التسامح و التساهل، فهي غير جارية في النوافل التي لا إلزام في إتيانها، فإن أرادت الوصول إلى الثواب الجزيل، تأتي بها مع ما فيها من المشقّة، فتنال فضيلة

أحمز الأعمال.

بل يمكن الاستدلال على المطلوب: بأنّ المتفاهم من الأدلّة حدثية دم الاستحاضة في الجملة، فحينئذٍ نقول:

إمّا أن يكون حدثاً و لو اقتضاءً بأوّل حدوثه دون استمراره. أو يكون بوجوده المستمرّ إلىٰ آخره حدثاً؛ بحيث لا تتحقّق الحدثية إلّا بعد تمام الاستمرار. أو يكون حدثاً بحدوثه و استمراره أي يكون كلّ قطعة و قطرة منه حدثاً.

لا سبيل إلى الأوّلين؛ ضرورة مخالفتهما لما دلّ علىٰ لزوم الوضوء لكلّ صلاة، كما يظهر بأدنى تأمّل، فلا محالة يكون حدثاً على النحو الثالث، فحينئذٍ لا محيص عن القول: بأنّ ما دلّ على العفو أو سلب الحدثية، إنّما هو بالنسبة إلى القطرات التي تخرج بعد الوضوء، أو بينه إلىٰ آخر الصلاة التي صلّت به، و لم يثبت العفو عن غيرها، و كذا سلب الحدثية. و بما ذكرنا يدفع ما قيل: «من عدم ثبوت حدثيته، و منع كون طبيعته حدثاً» «2» فتدبّر.

هذا مضافاً إلىٰ بُعد الالتزام بأنّ الدم الخارج بعد الفريضة حدث دون غيره لو لم نقل: بأنّه مقطوع الخلاف. إلّا أن يلتزم الخصم بأنّ الفريضة سبب للحدث! و هو كما ترى. و أمّا التفصيل بين الرواتب و غيرها «3» فغير وجيه، كما لا يخفى.

و أمّا القسم الثاني أي المتوسّطة:

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 318/ السطر 29.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 247/ السطر 30، مصباح الفقيه، الطهارة: 318/ السطر 27.

(3) جواهر الكلام 3: 318.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 440

حكم الاستحاضة المتوسطة
1- وجوب تبديل القطنة

فيجب فيه تبديل القطنة «بلا خلاف صريح أجده فيه» كما في «الجواهر» «1» و عن «شرح الإرشاد» لفخر الإسلام إجماع المسلمين عليه «2».

و تدلّ عليه الشهرة القطعية الكاشفة عن معروفية الحكم من لدن زمن الأئمّة (عليهم السّلام) في الاستحاضة

القليلة، و فهم الحكم منها عرفاً بالأولوية القطعية في المتوسّطة و الكثيرة؛ ضرورة أنّ العرف و العقلاء إذا سمعوا «أنّ من الأحكام تبديل الكُرْسُف إذا تلوّث بدم الاستحاضة في الجملة، و لا تصحّ صلاة المستحاضة القليلة بلا تبديله» يفهمون منه أنّ دم الاستحاضة قليلة و كثيره مانع عن الصلاة، و يجب على المرأة تبديل الكرسف مطلقاً؛ بلا التماس دليل بالنسبة إلى المتوسّطة و الكثيرة.

فالخدشة في دلالة الأخبار علىٰ جميع المقصود «3» في غير محلّها. و علىٰ فرض الصحّة لا توجب الخدشة في أصل الحكم.

كما أنّ الخدشة في الشهرة أو الإجماع في المقام لاحتمال تخلّل الاجتهاد و فهم الأصحاب الحكم من الأخبار الواردة فيها لا توجب الخدشة في الحكم؛ لما عرفت «4» من أنّ الشهرة في المسألة السابقة، من الشهرات التي

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 319.

(2) انظر كشف اللثام 2: 151، جواهر الكلام 3: 319.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 316/ السطر 31، و: 319/ السطر 8.

(4) تقدّم في الصفحة 432.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 441

انسدّ فيها باب الاجتهاد، مع ورود أخبار دالّة على الخلاف، فهي حجّة فيها، و منها يتضح الحكم في القسمين الآخرين أيضاً.

هذا، مع إمكان الاستدلال علىٰ لزوم التبديل

بموثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال فيها و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل و لتستدخل كرسفاً، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفاً آخر، ثمّ تصلّي، فإذا كان الدم سائلًا .. «1» إلىٰ آخره.

و لا إشكال في ظهوره في تبديل الكرسف؛ فإنّ القطنة التي ظهر الدم عليها تخرج حين الغسل، فإذا قيل بعد فرض إخراجها

تضع كرسفاً آخر

يفهم منه تبديلها، و لا يحتمل

وضع كرسف علىٰ كرسفها، فحينئذٍ لا إشكال في ظهوره في مانعية الدم الذي ظهر على الكرسُف عن الصلاة.

و لا وجه لحمل ذلك على الجري مجرى العادة «2». لأنّ العناية بوضع كرسف آخر في مقام التعبّد و بيان التكليف دليل علىٰ دخله في الحكم، فلا حجّة علىٰ رفع اليد عن الظهور باحتمال الجري مجرى العادة.

و بعد فهم المانعية عن الصلاة، لا ينقدح في الذهن أنّ المانعية منحصرة في صلاةٍ، فاحتمال كون التبديل مختصّاً بما بعد الغسل فقط، مخالف لفهم العرف من قوله

تضع كرسفاً آخر، ثمّ تصلّي

إنّ الكرسف الكذائي مانع عن طبيعة الصلاة، لا عن مصداق منها.

و منه يظهر وجه الاستدلال عليه برواية الجُعْفي «3» فإنّ قوله

فإذا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 319/ السطر 14.

(3) تقدّم في الصفحة 434.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 442

ظهر أعادت الغسل، و أعادت الكرسف

ظاهر في التبديل، لا إعادة الكرسف المتلوّث.

و أمّا

قوله في رواية ابن أبي يعفور فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها «1»

فيحتمل فيه إرادة زيادة كرسف علىٰ كرسفها، و يحتمل إرادة وضع كرسف زائد حجماً على الكرسف الأوّل على المحلّ؛ أي تبديل كرسفها بكرسف آخر زائد عليه، و لا ترجيح لأحدهما، فيرفع هذا الإجمال بالروايتين السابقتين.

مع أنّ الظهور على الكرسف موجب للغسل بحسب دلالة الروايتين، و حين الغسل لا يمكن إبقاء الكرسف، فحينئذٍ يمكن ترجيح الاحتمال الثاني. و كيف كان فلا إشكال في المسألة.

كما لا إشكال في لزوم تبديل الخرقة علىٰ فرض التلوّث؛ لاستفادة مانعية الدم و لو كان قليلًا من الشهرة في المسألة السابقة علىٰ ما مرّ

«2». هذا إذا قلنا بالعفو عن دم الاستحاضة، و إلّا فالأمر أوضح.

2 وجوب الوضوء

و كذا يجب عليها الوضوء لكلّ صلاة حتّى صلاة الغداة التي اغتسلت قبلها؛ لعدم الخلاف في غير الغداة، كما احتمله في «الجواهر» «3» بل قد يدعي «4» تناول

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1258، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 13.

(2) تقدّم في الصفحة 434.

(3) جواهر الكلام 3: 320.

(4) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 443

إجماع «الناصريات» و «الغنية» «1» لغيرها، بل احتمل في «الجواهر» كون المسألة مطلقاً غير خلافية؛ لحمل غير بعيد لعبارات بعض الأصحاب ممّا احتمل الخلاف منهم «2».

و تدلّ على المطلوب موثّقتا سماعة الصريحتان في وجوب الوضوء لكلّ صلاة «3»، و

مرسلة يونس حيث قال فيها و سئل عن المستحاضة فقال: إنّما ذلك عزف عامر، أو ركضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة. قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المَثْعَب «4».

حيث دلّت علىٰ وجوب الوضوء لكلّ صلاة؛ سال الدم أو لم يسل، كان سيلانه قليلًا أو كثيراً.

و

رواية ابن أبي يعفور، و فيها و تنظر؛ فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها، و توضّأت و صلّت.

فهي ظاهرة في أنّ الظهور على الكرسف موجب للوضوء، فبضميمة ما دلّت علىٰ أنّ الظهور عليه موجب للغسل و إعادة الكرسف، تدلّ على المدعىٰ.

و بعبارة اخرىٰ: الظاهر من رواية ابن أبي يعفور و رواية الجُعفي و موثّقة عبد الرحمن أنّ الظهور على الكرسف سبب لأُمور ثلاثة: الاغتسال، و التبديل، و الوضوء، فيفهم منها أنّ الغسل لا يجزي عن الوضوء. و تدلّ على المطلوب أيضاً صحيحة الصحّاف.

______________________________

(1) تقدّم

في الصفحة 435.

(2) جواهر الكلام 3: 320.

(3) وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 3، و: 374، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 6.

(4) تقدّم في الصفحة 350.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 444

و ليس في مقابلها إلّا توهّم إطلاق بعض الروايات، و السكوت عنه في مقام البيان في بعضها، و لا يخفىٰ ما فيهما:

أمّا الإطلاق فيجب تقييده.

و أمّا السكوت، فعلى فرض كونه في مقام البيان، لا يقاوم الأدلّة المصرّحة. مع إمكان أن يقال: إنّ غالب الأدلّة ليس في مقام البيان، كصحيحة زرارة في النفساء «1»؛ لإمكان كونها بصدد بيان مورد لزوم الغسل الواحد و المتعدّد، لا في مقام بيان جميع الأحكام، و لهذا لم يذكر فيها الوضوء للقليلة أيضاً. و مثلها موثّقة عبد الرحمن، فالمسألة خالية من الإشكال بحمد اللّٰه.

3 وجوب الغسل
اشارة

و كذا يجب عليها الغسل، و هو في الجملة ممّا لا إشكال فيه نصّاً و فتوى، و عن «الناصريات» و «الخلاف» و ظاهر «الغنية» الإجماع عليه «2».

و إنّما الإشكال و الخلاف في أنّه هل يجب عليها مضافاً إلى غسل للغداة غسلان آخران للظهرين و العشاءين أو لا؟

فعن المشهور عدم وجوب غير ما للغداة عليها «3»، و في «الجواهر»: «ظاهر الجميع بل صريحهم عدم وجوب غيره» «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 188/ السطر 15 و 18، الخلاف 1: 249 250، غنية النزوع 1: 39 40.

(3) كفاية الأحكام: 5/ السطر 28، مفتاح الكرامة 1: 390/ السطر 28.

(4) جواهر الكلام 3: 321.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1،

ص: 445

و عن ابني عقيل و الجنيد «1» و المحقّق في «المعتبر» «2» و العلّامة في «المنتهىٰ» «3» و بعض متأخّري المتأخّرين «4» إدخال هذا القسم في الثالثة، فأوجبوا الأغسال الثلاثة عليها.

و ظاهر بعض المحقّقين لزوم الغسل عليها كلّما ظهر الدم على الكرسف، و إذا كان سائلًا يتعذّر عليها أو يتعسّر استمساكه بالكرسف لكونه صبيباً لا يرقأ فعليها الأغسال الثلاثة «5». و لازمه وجوب خمسة أغسال عليها في اليوم و الليلة في بعض الأحيان، فتكون أسوأ حالًا من الكثيرة.

منشأ الاختلاف في عدد الغسل

و منشأ الاختلاف اختلاف أنظارهم في الجمع بين شتات الروايات، و قد تقدّم بعض الكلام في استفادة الأقسام الثلاثة من الروايات في أوّل البحث «6».

و محصّله: أنّ التحقيق في الجمع بين الروايات هو تثليث الأقسام؛ و عدم وجوب الغسل على الصغرىٰ، و وجوب غسل واحد على الوسطىٰ، و ثلاثة أغسال على الكبرى.

ففي موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و غسل الاستحاضة واجب؛ إذا احتشت بالكرسف و جاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ صلاتين، و للفجر

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 209 و 210.

(2) المعتبر 1: 245.

(3) منتهى المطلب 1: 120/ السطر 19 24.

(4) مدارك الأحكام 2: 31 32.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 322/ السطر 33.

(6) تقدّم في الصفحة 422.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 446

غسل، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة، و الوضوء لكلّ صلاة «1».

و قريب منها

موثّقته الأُخرىٰ قال: قال المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين، و للفجر غسلًا، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة، و الوضوء لكلّ صلاة، و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل.

هذا

إذا كان دمها عبيطاً، و إن كان صفرة فعليها الوضوء «2».

و المراد بثقب الدم في هذه هو التجاوز؛ بقرينة تقابله بعدم التجاوز، و بقرينة موثّقته السابقة، و بقرينة أنّ الثقب ملازم للتجاوز بحسب الغالب، و لا إشكال في أنّ معنى «التجاوز» عرفاً و لغةً غير الثقب و الظهور على الكرسف و النفوذ، بل هو عبارة عن العبور من الكرسف و السراية إلىٰ شي ء آخر، و هو عبارة أُخرى عن «السيلان» الذي في الروايات الأُخر.

و

في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت و اغتسلت، ثمّ صلّت الغداة بغسل، و الظهر و العصر بغسل، و المغرب و العشاء بغسل، و إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد.

قلت: و الحائض؟ قال مثل ذلك سواء «3».

______________________________

(1) الكافي 3: 40/ 2، وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 89/ 4، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 447

و لا إشكال في أنّ ظاهرها أنّ الدم المتجاوز، يوجب الأغسال الثلاثة، و غير المتجاوز لا يوجب إلّا غسلًا واحداً. نعم غير المتجاوز بإطلاقه شامل للثاقب و غيره، لكن يتقيّد

بموثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها، كيف تصنع؟ قال تستظهر بيوم أو يومين، ثمّ هي مستحاضة، فلتغتسل و تستوثق من نفسها، و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلّت «1».

و

مقتضى الجمع بينها و بين ما تقدّم هو تثليث الأقسام بلا إشكال.

و ممّا ذكرنا ظهر حال

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال المستحاضة تنظر أيّامها؛ فلا تصلّي فيها، و لا يقربها بعلها، فإذا جازت أيّامها و رأت الدم يثقب الكرسف، اغتسلت للظهر و العصر؛ تؤخّر هذه، و تعجّل هذه، و للمغرب و العشاء غسلًا؛ تؤخّر هذه، و تعجّل هذه، و تغتسل للصبح، و تحتشي و تستثفر و تحشّي، و تضمُّ فخذيها في المسجد و سائر جسدها خارج، و لا يأتيها بعلها أيّام قرئها، و إن كان الدم لا يثقب الكرسف، توضّأت و دخلت المسجد، و صلّت كلّ صلاة بوضوء، و هذه يأتيها بعلها إلّا في أيّام حيضها «2».

فإنّ صدرها إمّا مطلق يجب تقييده بمثل قوله

إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد

أو يكون ظاهراً في الكثيرة بمقتضىٰ قوله

و تحتشي و تستثفر و تحشّي و تضمّ فخذيها في المسجد

الوارد للتحفّظ عن السيلان و تلويث أثوابها.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 169/ 483، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 9.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 447

(2) الكافي 3: 88/ 2، وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 448

قال صاحب «الوافي»

تحشّي

مضبوط في بعض النسخ المعتمد عليها بالحاء المهملة و الشين المعجمة، و فسّر بربط خرقة محشوّة بالقطن يقال لها: «المحْشى» علىٰ عجيزتها للتحفّظ من تعدّي

الدم حال القعود.

و في «الصحاح»: «المحْشى: العِظامة تعظّم بها المرأة عجيزتها» «1».

و في بعض النسخ

تحتبي

بالتاء المثنّاة من فوق و الباء الموحّدة من الاحتباء، و هو جمع الساقين و الفخذين إلى الظهر بعمامة و نحوها؛ ليكون ذلك موجباً لزيادة تحفّظها من تعدّي الدم» «2» انتهىٰ.

و على النسختين، يكون الاحتشاء و الاستثفار و الربط بالخرقة المحشوّة أو الاحتباء؛ لكثرة التحفّظ، و معلوم أنّ هذه المبالغة إنّما هي في الكثيرة لا غيرها.

نعم، بناءً عليه يكون عدم الثقب المقابل له مساوقاً لغير المتجاوز، فيكون أعمّ من المتوسّطة و القليلة، فيقيّد بما دلّ علىٰ عدم الغسل مع عدم النفوذ و الثقب، فتصير النتيجة تثليث الأقسام.

و تدلّ علىٰ تثليثها صحيحة الصحّاف «3» أيضاً؛ فإنّ الظاهر منها بعد ردّ الصدرِ على الذيل، و الإجمالِ فيه على التفصيل في ذيلها-: أنّ الدم إمّا أن يكون غير سائل مطلقاً؛ وُضع الكرسف أو لا، أو سائلًا مطلقاً؛ وضع الكرسف أو لا، أو سائلًا بلا وضعه، و غير سائل معه.

ففي الأوّل ليس عليها إلّا الوضوء.

و في الثاني عليها ثلاثة أغسال.

______________________________

(1) الصحاح 6: 2314.

(2) الوافي 6: 469 470.

(3) تقدّم في الصفحة 433.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 449

و في الثالث عليها طبيعة الغسل، لا أغسال ثلاثة.

و معلوم: أنّ الدم إذا لم يكن سائلًا حتّى مع عدم الكرسف، لا يكون إلّا قليلًا، و إذا كان سائلًا مع الكرسف يكون كثيراً، و المتوسّط بينهما أي السائل بلا مانع لا ينطبق إلّا على المتوسّطة.

و ما احتمله فيها الشيخ الأعظم «1» خلاف المتفاهم منها عرفاً. فحينئذٍ لا مخالفة بينها و بين الجمع المتقدّم في سائر الروايات. بل هي شاهدة للجمع المذكور.

بقيت روايات

منها:

موثّقة عبد الرحمن و فيها

و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل و لتستدخل كرسفاً، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفاً آخر، ثمّ تصلّي، فإذا كان دماً سائلًا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد «2».

و الظاهر المتفاهم منها عرفاً بعد ارتكازية كون الدم الكثير أسوأ حالًا من المتوسّط أنّ الغسل في مقابل ثلاثة أغسال، هو نفس الطبيعة التي يسقط الأمر بها بأوّل الوجود. و لو سلّم كون الظهور الأوّلي منه هو سببية الظهور بجميع وجوداته للغسل فيجب عليها كلّما ظهر على الكرسف يجب رفع اليد عنه بما صرّح: بأنّ الدم الغير المتجاوز لا يكون سبباً إلّا لغسل واحد في كلّ يوم، و لا إشكال في أظهرية ذلك من الموثّقة؛ علىٰ فرض تسليم الظهور المتقدّم.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 248/ السطر 31.

(2) تقدّم في الصفحة 441.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 450

و به يظهر الكلام

في رواية إسماعيل بن جابر قال و إن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت و احتشت، و لا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف «1».

فإنّ الظاهر منها أنّ الغسل الأوّل فيها غسل الحيض، و ظاهرها أنّ غسل الحيض يكفيها، و لا يلزم عليها غسل إلّا عند الظهور، فإذا ظهر أعادت الغسل، و لا تكتفي بغسل الحيض، و هذا لا يدلّ علىٰ لزوم الغسل عند كلّ ظهور. و لو سلّم ظهورها يرفع اليد عنه بنصّ موثّقتي سماعة. مع أنّها ضعيفة السند بالقاسم بن محمّد الجوهري.

و الإنصاف: أنّ الناظر في مجموع الروايات بعد ردّ ظاهرِها علىٰ نصّها، و مطلقِها علىٰ مقيّدها، و مجملِها علىٰ مفصّلها لا ينبغي

أن يرتاب في تثليث الأقسام علىٰ ما هو المشهور بين الأصحاب.

و أمّا ما يقال: من أنّ تقييد الموثّقتين أي قوله

إن لم يجز الدمُ الكرسف

بالثقب الغير المتجاوز تقييدٌ بالفرد النادر. بل ارتكاب التقييد في الموثّقة المضمرة «2» و لو مع قطع النظر عن ذلك متعذّر؛ لما في صدرها من التنصيص علىٰ أنّ المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف، اغتسلت لكلّ صلاتين، و للفجر غسلًا، و عدم التجاوز نقيض ما في الصدر، فيكون المراد منه عدم الثقب. و التعبير ب

لم يجُز

للجري مجرى الغالب.

و ادعاء العكس لا يجدي؛ و إن أمكن أن يكون المراد من قوله

إذا ثقب

إذا جاز اعتماداً على الغلبة، لكنّ التعبير به عنواناً للموضوع و لو بملاحظة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 10.

(2) و هي موثّقته الأُخرى و قد تقدّمت كلتا الموثقتين في الصفحة 446.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 451

الغلبة مانع عن أن يكون المقصود من قوله

إن لم يجز

خصوص الثاقب الغير المتجاوز، خصوصاً مع ما في ذيلها من تأكيد مضمون الجملة ببيان مورد الحكم؛ حيث قال

هذا إذا كان دماً عبيطاً.

فالإنصاف: أنّ الأخذ بظاهر هذه الروايات غير ممكن؛ لمخالفته للنصوص و الفتاوى «1». انتهىٰ ملخّصاً.

ففيه ما لا يخفى: أمّا لزوم التقييد بالفرد النادر.

ففيه: أنّ المضمرة تعرّضت للأقسام الثلاثة، فأراد ب «الثاقب» المتجاوز؛ لملازمة الثقبِ التجاوزَ نوعاً.

و يؤيّده موثّقته الأُخرىٰ؛ حيث قابل فيها بين المتجاوز و غير المتجاوز، و صحيحة معاوية حيث عبّر فيها ب «الثقب» و ذكر بعده أُموراً كانت قرينة علىٰ كثرة الدم و كونها من الكثيرة، و الظاهر إرادة القليلة من «الصفرة» لكونها نوعاً

قليلة غير نافذة، فيبقىٰ غير المتجاوز المقابل لهما، و هو لا ينطبق إلّا على المتوسّطة.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الندرة لو سلّمت، فإنّما هي مقابلة الثاقب المتجاوز، لا مقابلة عدم الثاقب، و مع التعرّض للثاقب المتجاوز بقرينة ما ذكرنا لا يبقى مجال لاحتمال كون التقييد بشيعاً.

و بما ذكرنا ينحلّ الإشكال الثاني؛ لما عرفت من لزوم حمل «الثاقب» على المتجاوز؛ للقرائن المتقدّمة.

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ الجمع بين شتات الروايات، لا يمكن إلّا بما ذهب إليه المشهور، و لا يلزم منه شي ء مخالف لارتكاز العقلاء في الجمع بينها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 321/ السطر 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 452

وجوب الغسل بنحو الوجوب الشرطي المتقدّم لجميع الصلوات

ثمّ إنّه بحسب الاحتمال العقلي يحتمل أن يكون الغسل واجباً نفسياً.

و يحتمل أن يكون واجباً شرطياً لصلاة الغداة، فلو صارت متوسّطة بعد صلاة الفجر، لم يجب عليها الغسل لسائر الصلوات و إن وجب لصلاة الغداة المستقبلة.

و يحتمل أن يكون شرطاً للصلوات إذا حصل الدم وقت صلاة الغداة؛ بمعنى أنّ ظهور الدم في ذلك الوقت، حدث أكبر و لو حدث بعد صلاة الغداة.

و يحتمل أن يكون واجباً شرطياً لجميع الصلوات، لكن لا بمعنى وجوب إيجاده قبلها، بل بمعنى وجوب إيجاده في اليوم و الليلة مرّة، فيكون شرطاً متقدّماً للصلاة المتأخّرة، و متأخّراً للصلاة المتقدّمة.

و يحتمل أن يكون شرطاً متقدّماً لجميع الصلوات؛ بمعنى أنّه إذا حدث الدم قبل صلاة الفجر يجب الغسل قبلها، و يكون شرطاً لسائر الصلوات أيضاً، فلو تركته بطل جميع صلواتها، و لو حدث بعد صلاة الغداة يجب عليها الغسل لسائر الصلوات .. إلىٰ غير ذلك من الاحتمالات.

لا إشكال في أنّ الظاهر من الأدلّة هو الاحتمال الأخير؛ فإنّ

قوله في صحيحة زرارة

فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت و اغتسلت، ثمّ صلّت الغداة بغسل، و الظهر و العصر بغسل، و المغرب و العشاء بغسل، و إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد

ظاهر في الوجوب الشرطي؛ و أنّ تلك الصلوات التي تصلّيها المستحاضة الكبرى بالأغسال الثلاثة و تكون الأغسال شرطاً لها، تصلّيها الوسطىٰ بغسل واحد، و يكون هو شرطاً لها، فقوله صلّت أي صلّت الصبح و الظهرين و العشاءين، و لا معنىٰ لاختصاصه بالغداة. و لا وجه لاحتمال كون الحدث إذا وجد في وقت الصبح كان أكبر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 453

و بالجملة: لا شبهة في فهم العرف من مقابلة قوله

صلّت بغسل واحد

بقوله

صلّت الغداة بغسل ..

إلىٰ آخره أنّها تصلّي تلك الصلوات بغسل واحد، و يكون الغسل الواحد من الصلوات بمنزلة الأغسال الثلاثة منها.

و احتمال أن يكون شرطاً لمجموعها من حيث المجموع؛ بحيث لو حدث الدم بعد الغداة لم يكن حدثاً، و لا الغسل شرطاً، بعيد جدّاً، بل مقطوع الخلاف بعد كون كلّ صلاة مستقلّة في الوجوب و الشرائط و الموانع.

و من ذلك يظهر الكلام في

موثّقتي سماعة فإنّ قوله المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين، و للفجر غسلًا، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة، و الوضوء لكلّ صلاة

ظاهر في أنّ الغسل الواحد للوسطىٰ كالأغسال الثلاثة إنّما يكون بملاحظة الصلوات و شرطاً فيها، و قوله

لكلّ يوم

في مقابل الأغسال ظاهر في أنّ الغسل الواحد في كلّ يوم مرّة إنّما هو للصلوات اليومية، لا لنفس اليوم، و لا إشكال في فهم العرف منهما و من صحيحة زرارة، الشرطَ المتقدّم لكلّ صلاة؛ لأنّ الشرط المتأخّر مع كونه

خلاف ارتكاز العقلاء مخالف للمتفاهم من مثل قوله

صلّت بغسل واحد.

و علىٰ أيّ حال: لا إشكال في فهم العرف من تلك الروايات، اشتراطَ جميع الصلوات اليومية بالغسل. و أمّا مخالفة ذلك لفتاوى الأصحاب كما قيل فلقد أجاب عنها الشيخ الأعظم «1» و أجاد. و لو فرض عدم الوثوق بمراد القوم ممّا أفاده (رحمه اللّٰه) فلا أقلّ من احتماله احتمالًا معتدّاً به، و معه لا يجوز رفع اليد عن ظواهر الأدلّة.

و أمّا القسم الثالث أي الكثيرة

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 250/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 454

حكم الاستحاضة الكثيرة
1 وجوب تبديل القطنة و نحوها

فيجب فيه تبديل القطنة و الخرقة و كلّ ما تلوّث بالدم بلا إشكال؛ لما ذكرنا في المتوسّطة: من فهم العرف من ثبوت الحكم للقليلة ثبوتَه لها، و كذا الحال في الكثيرة؛ ضرورة أنّ وجوب تبديل القطنة التي تلوّث شي ء منها، دليل علىٰ مانعية هذا الدم عن الصلاة و لو كان قليلًا و في الباطن، فضلًا عمّا كان كثيراً و في الظاهر. و منه يعلم لزوم تبديل الخرقة و كلّ ما تلوّث بالدم؛ كلّ ذلك لفهم العرف من حكم القليلة مانعيةَ هذا الدم مطلقاً.

هذا مضافاً إلى الأدلّة الدالّة علىٰ لزوم تبديل الكرسف إذا ظهر الدم عليه «1»؛ فإنّ الظاهر منها أنّ ظهوره عليه مانع عن الصلاة، و يصدق في الكثيرة أنّ الدم ظهر على الكرسف. و لو فرض اختصاص الأدلّة بالمتوسّطة، فلا إشكال في فهم العرف منها حكم الكثيرة أيضاً بإلغاء الخصوصية، كما يفهم منها مانعيته مطلقاً؛ سواء كان في الكرسف أو في غيره.

2 وجوب الغسل و الوضوء

و أمّا الوضوء فهل يجب لكلّ صلاة، كما عن «الخلاف» دعوى الإجماع عليه «2»، و عن «المختلف» دعوى الشهرة «3»، و هو المنقول عن «السرائر»

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8 و 10.

(2) الخلاف 1: 249 250.

(3) مختلف الشيعة 1: 209.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 455

و «النافع» «1» و كتب العلّامة «2» و الشهيدين «3» و المحقّق الثاني «4» و هو مختار «الشرائع» «5» و عن «المدارك»: «أنّ عليه عامّة المتأخّرين» «6» و عن «الكفاية»: «عليه جمهور المتأخّرين» «7»؟

أو لا يجب مطلقاً و تكفي الأغسال عنه، كما عن ظاهر الصدوقين و عن السيّد في «الناصريات» و الشيخ و ابني زهرة

و حمزة و الحلبي و القاضي و سلّار «8»؟

أو يجب مع كلّ غسل، كما عن «المقنعة» و «الجمل» و «المعتبر» و ابن طاوس و شارح «المفاتيح» و السيّد في «الرياض» «9»؟

و عن «المعتبر» دعوى عدم ذهاب أحد من طائفتنا إلىٰ وجوب الوضوء لكلّ

______________________________

(1) السرائر 1: 153، المختصر النافع: 11.

(2) نهاية الإحكام 1: 126، منتهى المطلب 1: 120/ السطر 36، قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 13، تبصرة المتعلّمين: 10.

(3) الدروس الشرعيّة 1: 99، ذكرى الشيعة 1: 241، روض الجنان: 84/ السطر 1510، الروضة البهيّة 1: 392.

(4) جامع المقاصد 1: 341 342.

(5) شرائع الإسلام 1: 26.

(6) مدارك الأحكام 2: 34.

(7) كفاية الأحكام: 5/ السطر 32.

(8) المقنع: 48، الفقيه 1: 50، الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 15، النهاية: 28 29، غنية النزوع 1: 40، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 61، الكافي في الفقه: 129، المهذّب 1: 37 38، المراسم: 44.

(9) المقنعة: 56 57، جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضىٰ 3: 27، المعتبر 1: 247، انظر ذكرى الشيعة 1: 244، مصابيح الظلام 1: 50/ السطر 27، (مخطوط)، رياض المسائل 2: 123.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 456

صلاة، و نسبة من ذهب إلىٰ ذلك إلى الغلط «1». و هذا منه غريب بعد ذهاب من عرفت إليه، و قد اختاره في «الشرائع» و محكي «النافع».

و إلى القول الأخير ذهب شيخنا الأعظم قائلًا: «إنّه لا دليل علىٰ وجوبه لكلّ صلاة» «2»، و قد حقّق في محلّه عدم إجزاء غسل عن الوضوء إلّا غسل الجنابة «3».

و وجه عدم وجوبه مطلقاً: دعوى ورود الأدلّة الكثيرة المطلقة في مقام البيان مع السكوت عن الوضوء. و الأخذ بها أولىٰ

من الأخذ بظاهر مثل رواية يونس «4» علىٰ فرض تسليم ظهورها، و قد أنكر الشيخ الأعظم ظهورها بدعوىٰ:

«أنّ قوله فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة. قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المَثْعَب

ممّا يتوهّم كونه بملاحظة ذيله، نصّاً في أنّ الوضوء لكلّ صلاة حتّى في الكثيرة لا يدلّ على الوجوب؛ لأنّ الغسل فيه هو غسل الاستحاضة، و إلّا لزم إهمال ما هو الأهمّ، و يكون الظرف متعلّقاً بمجموع الجملتين، فحينئذٍ لا محيص عن الحمل على الاستحباب؛ لعدم وجوب الغسل لكلّ صلاة إجماعاً» «5».

و لا يخفىٰ ما فيه؛ فإنّ الظاهر أنّ الغسل الوارد في تلك الرواية كسائر الروايات هو غسل الحيض، و أنت إذا تفحّصت الروايات الواردة في باب المستحاضة، لا يبقى لك ريب في أنّ الاغتسال الوارد في المرسلة، هو

______________________________

(1) المعتبر 1: 247.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 251/ السطر 6.

(3) تقدّم في الصفحة 262.

(4) تقدّم في الصفحة 349.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 251/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 457

الاغتسال من الحيض، و ترك بيان غسل الحيض ليس بأهون من ترك بيان غسل الاستحاضة.

ثمّ إنّ تعلّق الظرف بالجملتين محلّ إشكال، و دعوى الظهور في محلّ المنع، بل المتيقّن لو لم نقل: إنّه الظاهر تعلّقه بالجملة الأخيرة. و لو سلّم ظهور تعلّقه بهما، فقيام الدليل الخارجي علىٰ عدم وجوب الغسل لكلّ صلاة، لا يوجب عدم ظهور ذلك في لزوم الوضوء لكلّ صلاة.

هذا كلّه مع أنّه لو سلّم جميع ما أفاد، فلا يصير مدعاه ثابتاً إلّا بتقديم ما دلّ على عدم إجزاء غير غسل الجنابة عن الوضوء، على الإطلاقات الواردة في مقام البيان، و هو محلّ تأمّل.

و

قد اختار بعض أهل التحقيق عدم الوضوء عليها مطلقاً، و أجاب عن المرسلة: «بأنّ المراد من الأمر بالغسل فيها هو غسل الحيض، و المراد من تعميم الحكم إنّما هو في أنّها تصلّي في مقابل أيّام قرئها، لا أنّها تصلّي بعد غسل الحيض بالوضوء مطلقاً، و ليس الكلام في هذا المقام لبيان تكليف المستحاضة إلّا في الجملة، فلا ينافيه الإهمال» «1».

و أنت خبير: بأنّ ظاهر المرسلة هو رجوع التعميم إلى الوضوء لكلّ صلاة؛ فإنّ وجوب أصل الصلاة ليس مورد العناية في الكلام، بل ما هو مورد البيان و العناية هو الاغتسال و الوضوء لكلّ صلاة، و إنّما يفهم لزوم الصلاة عليها بالتبع، و رجوع التعميم إلىٰ ما هو مورد البيان أولىٰ، أو متعيّن.

نعم، لو كان الاستبعاد بالنسبة إلى الوضوء لكلّ صلاة في غير محلّه، و إلى أصل الصلاة في محلّه، لم يكن بدّ من رفع اليد عن الظهور. لكنّ استبعاد

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 323/ السطر 34، و: 324/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 458

الوضوء في صورة سيلان الدم الذي هو حدث في محلّه. بل أولىٰ من استبعاد أصل الصلاة؛ فإنّ الوضوء بحسب الأدلّة و ارتكاز المتشرّعة إنّما هو لرفع الحدث، و بعد كون الحدث سائلًا دائماً، يكون إيجاد الرافع في نظر السائل أمراً غريباً مستبعداً، فسأل عنه و أجاب: بأنّها

تتوضّأ .. و إن سال مثل المثعب.

و الإنصاف: أنّ ظهور المرسلة في وجوب الوضوء لكلّ صلاة، ممّا لا ينبغي إنكاره.

نعم، يبقى الكلام في أنّ حمل هذا الظاهر على الاستحباب أولىٰ، أو تقييد الإطلاقات الواردة في مقام البيان.

و قد يدعىٰ ورود الأخبار المستفيضة التي كادت أن تكون متواترة في مقام

بيان تكليف المستحاضة ساكتةً عن الوضوء، و الالتزام بإهمال هذه الروايات من هذه الجهة في غاية الإشكال، و رفع اليد عن ظهور المرسلة متعيّن «1».

أقول: أمّا كون الالتزام بإهمال الروايات بأسرها في غاية الإشكال فحقّ، لكن لا يلزم من ذلك كون جميع الروايات التي يدعي استفاضتها في مقام البيان؛ حتّى نستوحش من ورود الروايات المستفيضة في مقام البيان، مع عدم ذكر الوضوء لكلّ صلاة.

بل الناظر في الروايات و المتأمِّل فيها، لا يرى فيها ما هي في مقام البيان من هذه الجهة إلّا موثّقة سماعة «2» السالمة عن المناقشة؛ حيث ذكر فيها الغسل الواحد و الوضوء لكلّ صلاة في المتوسّطة، و الوضوء فقط للصفرة المحمولة على القليلة، و في مقابلهما ذكر الكثيرة؛ و أوجب فيها الغسل لكلّ

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 323/ السطر 34.

(2) تقدّم في الصفحة 446.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 459

صلاتين و للفجر، و لو كانت من جهة الوضوء في مقام الإهمال لما ذكره في المتوسّطة.

و الإنصاف: أنّ إنكار كونها مطلقة في مقام البيان في غير محلّه. و قريب منها موثّقته الأُخرىٰ. و أمّا سائر الروايات فلا تخلو من مناقشة في سندها أو إطلاقها. و رفع اليد عن إطلاق رواية أو روايتين بظهور رواية أُخرى ليس بعزيز، بل مبنىٰ فقه الإسلام علىٰ تقييد الإطلاقات و تخصيص العمومات.

و ليعلم: أنّ المطلقات علىٰ ضربين:

أحدهما: المطلقات الملقاة علىٰ أصحاب الكتب و الأُصول، و هي كثيرة و عليها مدار الفقه.

و ثانيهما: ما يلقىٰ علىٰ غيرهم ممّن كان محتاجاً في مقام العمل.

و لا إشكال في أنّ رفع اليد عن الضرب الثاني بورود أمر أو نهي أو مثلهما غير ممكن؛ للزوم تأخير البيان عن وقت

الحاجة، بخلاف الضرب الأوّل؛ فإنّ إلقاء الإطلاقات و العمومات علىٰ أصحاب الكتب و الأُصول إلىٰ ما شاء اللّٰه، مع بيان مقيّداتها و مخصّصاتها منفصلةً ببيان مستقلّ لأغراض و مصالح، منها فتح باب الاجتهاد و الدراسة، و فيهما من البركات و تشييد أركان الدين إلى ما شاء اللّٰه، ففيها يكون تقييد المطلق و تخصيص العامّ رائجاً هيّناً عليه بناء فقه الإسلام، و رفع اليد عنه مستلزم لتأسيس فقه جديد، كما لا يخفى على المتتبّع.

بل لا نستبعد فيها تقييد مطلقات كثيرة بمقيّد واحد.

و هاهنا كلام آخر في باب المطلقات الكثيرة، نطوي عنه كشحاً حذراً من التطويل.

نعم، لو كان ذيل

مرسلة يونس أي قوله و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّٰه ستّة أيّام أو سبعة .. إلىٰ أن قال و اغتسلي للفجر غسلًا ..

إلىٰ

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 460

آخره مطلقاً في مقام البيان لكان رفع اليد عنه مشكلًا، بل كان حمل الأمر على الاستحباب متعيّناً.

لكنّ الشأن في إطلاقه؛ فإنّ الظاهر من صدر المرسلة إلىٰ ذيلها، أنّ عناية أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في نقل كلام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أبي جعفر (عليه السّلام) إنّما هي للاستشهاد بهما للسنن الثلاث؛ و أنّ ذات الأقراء سنّتها الرجوع إلىٰ أقرائها، و ذات التمييز إلى التمييز، و غيرهما إلى السبعة و الثلاثة و العشرين؛ من غير أن يكون نظره إلىٰ بيان تكليف المستحاضة، و إنّما ذكر بعض تكاليفها ضمناً و استطراداً. كما أنّ نقل مقالة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في القضايا الثلاث، إنّما هو بداعي الاستشهاد للمقصود المتقدّم.

فلم يكن أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

بحسب سياق الرواية في مقام بيان جميع خصوصيات قصّتي فاطمة و حمنة إلّا ما له دخل في مقصوده، فذكر الأغسال الثلاثة لا يدلّ علىٰ كونه بصدد بيان جميع الخصوصيات، فحينئذٍ يمكن أنّ حمنة كانت عالمة بتكليف الوضوء للاستحاضة الكثيرة، و إنّما راجعت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لبيان حالها من شدّة الاستحاضة، كما يظهر من قصّتها.

و بالجملة: لم يظهر من المرسلة كون أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في مقام بيان القصّة بخصوصياتها، و لا كون رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في مقام بيان جميع تكاليفها؛ فإنّها قضيّة شخصية يمكن أن يكون رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عالماً بحال حمنة و بعلمها بلزوم الوضوء، خصوصاً بالنظر إلىٰ كونها أُخت زينب بنت جحش زوجته (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

فتحصَّل من جميع ذلك لزوم الوضوء عليها مع كلّ صلاة. لكن ينبغي مراعاة الاحتياط بإتيان الوضوء في خلال الإقامة.

و ينبغي التنبيه علىٰ أُمور:
اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 461

الأمر الأوّل في أنّ نفس الدم الكثير بذاته موجب للغسل
محتملات ما يوجب الأغسال الثلاثة بحسب التصوّر
اشارة

1 يحتمل بحسب التصوّر أن يكون صِرف وجود الدم الكثير مطلقاً، أو في وقت صلاة موجباً للأغسال الثلاثة؛ و لو فرض حدوثه في أوّل الفجر و انقطاعه، أو قبل الزوال كذلك.

2 و في مقابل هذا الاحتمال احتمال كون الموجب لها، هو الدم المستمرّ في الأوقات الثلاثة؛ بحيث لو انقطع في وقت العشاء، كشف عن عدم لزوم الغسل للصبح و الظهرين.

3 و يحتمل أن تكون كلّ قطعة من الدم المستمرّ إلى الأوقات الثلاثة في وقت كلّ فريضة سبباً؛ بحيث تكون القطعة الموجودة في الصبح من الدم المستمرّ إلى العشاء، سبباً لوجوب الغسل للصبح، و القطعة الموجودة في الظهر منه سبباً للغسل للظهرين، و هكذا في العشاءين.

4 و يحتمل أن يكون الدم المستمرّ إلىٰ كلّ وقت سبباً للغسل لفريضته، لا الحادث و لو في الوقت.

5 و يحتمل أن يكون الدم الحادث في كلّ وقت أو المستمرّ إلىٰ كلّ وقت،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 462

سبباً للغسل لفريضة ذلك الوقت، فإن حدث في الصبح كان سبباً للغسل لفريضته، و كذا إن حدث في الزوال أو استمرّ إليه، و كذا في المغرب، فلو حدث قبل الزوال و انقطع، و لم يحدث في الزوال و لم يستمرّ إليه، لم يكن سبباً، و كذا قبل الغروب للعشاءين.

6 و يحتمل أن يكون صِرف وجوده سبباً كلّما وجد لصِرف وجود الغسل، فإذا اغتسلت ارتفع حكمه، فلو حدث قبل الزوال و انقطع وجب عليها الغسل للظهرين، و لو اغتسلت ارتفع حكمه، و لم يجب للعشاءين إلّا إذا حدث بعد الظهرين أو استمرّ إلىٰ ما بعدهما. و سيأتي الكلام في

الحدوث بين الغسل أو بعده، و قبل الفريضة أو بينها «1».

ثمّ إنّ لكلٍّ من الاحتمالات المتقدّمة وجهاً، و لبعضٍ منها قائلًا يزعم استفادة ما ذهب إليه من أخبار الباب.

وجه الاحتمال الأوّل و ردّه

و ربما يقال: إنّ مقتضىٰ إطلاق الأدلّة هو الوجه الأوّل، بل مال إليه في «الجواهر» لولا مخافة مخالفة الإجماع «2». و قال الشيخ الأعظم: «إنّ هذا القول لا يرجع إلىٰ محصّل» «3».

و يمكن أن يستدلّ عليه

بصحيحة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): امرأة رأت الدم في حيضها حتّى تجاوز وقتها، متى ينبغي لها

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 467.

(2) جواهر الكلام 3: 330.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 251/ السطر 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 463

أن تصلّي؟ قال تنتظر عدّتها التي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام، فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة «1».

حيث دلّت بإطلاقها علىٰ أنّ مجرّد رؤية الدم الصبيب، موجب للأغسال، فلو رأت دماً صبيباً قبل الفجر، وجب عليها الاغتسال في وقت الصلوات بدعوىٰ: أنّ سائر الروايات لا ينافيها؛ فإنّ كون موردها الدم الجاري في الأوقات، لا يوجب تقييدها.

و فيه: أنّ ما ذكر علىٰ فرض الإطلاق، كما لا يبعد إنّما هو في غير

صحيحة الصحّاف و أمّا هي فمقيّدة لها، ففيها و إن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيباً لا يرقأ، فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم و ليلة ثلاث مرّات، و تحتشي و تصلّي و تغتسل للفجر، و تغتسل للظهر و العصر، و تغتسل للمغرب و العشاء الآخرة. قال و كذلك تفعل المستحاضة؛ فإنّها إذا فعلت ذلك أذهب اللّٰه بالدم عنها «2».

فالتقييد بعدم السكون و الانقطاع الذي يراد

منه الاستمرار في الأوقات، كما يظهر من الرواية إلىٰ آخرها دليل علىٰ أنّ موضوع الحكم ليس مجرّد كونه صبيباً، بل الصبيب الذي لا يرقأ و لا يسكن.

كما تشعر أو تدلّ عليه

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل .. «3»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1259، الإستبصار 1: 149/ 516، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 11.

(2) الكافي 3: 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 7.

(3) المعتبر 1: 215، وسائل الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 464

هذا مع أنّ الالتزام بلوازم هذا الاحتمال مشكل، بل ممتنع؛ لأنّ صِرف وجود الدم إذا كان حدثاً موجباً للأغسال الثلاثة، فلا بدّ إمّا من الالتزام بكون الغسل للصبح مثلًا رافعاً للحدث، و أنّ الغسلين الآخرين واجب تعبّدي نفسي لا يرفع حدثاً، أو كون نفس الغسل بلا رافعيته للحدث شرطاً للصلاة، و هو بشقّيه فاسد لا أظنّ أن يلتزم به فقيه.

و إمّا من الالتزام بكون الحدث ذا مراتب ترفع كلّ مرتبة منه بغسل، فتكون مانعية الحدث مختلفة بالنسبة إلى الصلوات: فمرتبة منه مانعة من صلاة الفجر مثلًا، و ترتفع بغسلها، و مرتبة اخرىٰ لصلاة الظهرين، و ترتفع بغسلهما .. و هكذا، و هو أيضاً فاسد مخالف للأدلّة و مذاق الشرع و المتشرّعة.

مناقشة الاحتمالين الثاني و الثالث

و أمّا الاحتمال الثاني و الثالث اللّذان يلزم منهما كون الحدث المتأخّر، سبباً أو شرطاً للسبب بالنسبة إلى الغسل المتقدّم، فهما أردأ من الاحتمال الأوّل، و مخالفان

للمتفاهم العرفي من الروايات. و لو سلّم إمكان سببية الأمر المتأخّر للمتقدّم أو شرطيته له، فهو تصوير عقلي لا يذهب إليه إلّا بورود نصّ غير ممكن التأويل، و لا تحمل الأدلّة عليه إلّا بعد ضيق الخناق.

مناقشة الاحتمال الرابع

و أمّا احتمال كون الدم المستمرّ إلىٰ كلّ وقت سبباً للغسل لفريضته، لا الحادث في الوقت، و لا غير المستمرّ إليه، ففيه: أنّ لازمه إمّا التفكيك بين الصلوات في مانعية الدم، و في الأغسال في سببيته لها؛ بأن يقال: إنّ السبب أو المانع بالنسبة إلى الصلاة الاولىٰ، هو الدم الحادث حدوثاً أوّلياً، و أمّا بالنسبة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 465

إلىٰ سائر الصلوات فهو استمرار الدم لا الحدوث؛ فإنّ الحدوث الثانوي أي الحدوث بعد الحدوث ليس سبباً و لا مانعاً.

و إمّا الالتزام بأنّ السبب هو الدم المستمرّ من وقت إلىٰ وقت آخر، أو من قبل الوقت إلى الوقت، و أمّا الحادث في الوقت حتّى بالنسبة إلى الصلاة الأُولىٰ أيضاً فليس مانعاً و لا سبباً للغسل، فإذا رأت الكثرة في وقت فريضة الصبح، لا يجب عليها الغسل؛ لعدم كونه دماً مستمرّاً إلىٰ وقتها.

و هو كما ترى بكلا شقّيه مخالف للأدلّة و مذاق الفقه.

مناقشة الاحتمال الخامس و ترجيح السادس

فبقي الاحتمالان الأخيران، و قد ذهب إلىٰ كلٍّ عدّة من المحقّقين، و اختار ثاني الاحتمالين الشيخ الأعظم و نسبه إلى العلّامة «1» و الشهيدين «2» و «جامع المقاصد» «3» و جماعة اخرىٰ من متأخّري المتأخّرين «4». و نسب أوّلهما إلىٰ صريح «الدروس» و ظاهر «الذكرى» و إلى المنقول عن «الموجز» و «كشف الالتباس» و «حاشية الروضة» لجمال الدين «5» و ادعىٰ ظهور الروايات فيما اختاره «6».

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 129، تذكرة الفقهاء 1: 292.

(2) البيان: 66، الروضة البهيّة 1: 393.

(3) جامع المقاصد 1: 342 343.

(4) مدارك الأحكام 2: 36، كفاية الأحكام: 5/ السطر 34، الحدائق الناضرة 3: 289.

(5) الدروس الشرعيّة 1: 99، ذكرى الشيعة 1: 243، الموجز، ضمن

الرسائل العشرة: 47، كشف الالتباس: 129/ السطر 11 (مخطوط)، الحواشي علىٰ شرح اللمعة الدمشقيّة، المحقّق الخوانساري: 71/ السطر 9 و 18.

(6) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 251/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 466

و قد تمسّك صاحب «الجواهر» له بإطلاق النصّ و الفتوىٰ، و قال: «و ما يقال: من أنّ ظاهر الأخبار الاستمرار، قد يُمنع إن أراد به الاشتراط. نعم قد يشعر به ما في بعضها، لكن لا ظهور فيها بالاشتراط أي اشتراط وجوب الأغسال بالاستمرار المتقدّم حتّى تصلح لتقييد غيرها، سيّما مفهوم

قوله (عليه السّلام) في خبر الصحّاف فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف، فلتوضّأ و لتصلِّ عند وقت كلّ صلاة «1»

انتهىٰ.

أقول: أمّا إطلاق الأدلّة فعلى فرضه كما لا يبعد في بعضها مقيّد بذيل صحيحة الصحّاف الدالّ علىٰ أنّ الدم إذا كان صبيباً لا يرقأ يوجب الأغسال، و يفهم من قوله لا يرقأ و من ذيلها، أنّ المراد هو عدم الانقطاع في الأوقات الثلاثة، و إنّما ترفع اليد عنه بالنسبة إلى الحادث في الأوقات بما تقدّم، فتصير نتيجة ردّ المطلق إلى المقيّد مع الوجه المتقدّم في إلحاق الحادث في كلّ زمان بالمستمرّ إليه هو أوّل الاحتمالين.

و أمّا مفهوم صدر الصحيحة، فعلى فرضه مطلق قابل للتقييد. مع أنّ الظاهر عدم إرادة المفهوم منه بعد تعرّض المتكلّم فيها لأقسام الدم و المستحاضة.

و أمّا استبعاد عدم كون الدم قبل الوقت حدثاً، و مخالفة هذا الدم لسائر الأحداث التي يكون وجودها مطلقاً سبباً، فلعلّه في غير محلّه بعد اقتضاء الدليل. مع منع الاستبعاد بعد عدم ترتّب الأثر؛ عفواً أو رفعاً للسببية عن هذا الدم إذا سال في أثناء

الغسل، أو بينه و بين الصلاة، أو في أثناء الصلاة، فأيّ مانع من العفو أو الرفع بالنسبة إلىٰ غير أوقات الصلاة؟! و القياس بسائر الأحداث كما ترى.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 330.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 467

و بالجملة: لا دليل علىٰ حدثية مطلق هذا الدم؛ لو لم نقل بقيام الدليل على الخلاف، كما عرفت.

و من ذلك يظهر النظر فيما قيل: «من أنّ العفو في الدم الحاصل بين الغسل و الصلاة، إنّما هو بالنسبة إلىٰ تلك الصلاة و الغسل، لا الصلوات الأُخر» «1» لأنّ ذلك فرع الإطلاق المفقود في المقام. و علىٰ فرض الإطلاق في بعض الروايات كما هو ليس ببعيد يكون مقيّداً بصحيحة الصحّاف و ابن مسلم.

هذا، لكنّ الأقوىٰ في النظر: هو كون نفس الدم الكثير بذاته موجباً للغسل، و أنّ المستفاد من الروايات: أنّ دم الاستحاضة المتوسّطة و الكثيرة لا يفترقان إلّا بسببية الأوّل لغسل واحد، و الثاني للأغسال، و أنّ الحكم في المتوسّطة كما هو مرتّب علىٰ ظهور الدم على الكرسف، كذلك الحكم في الكثيرة مرتّب على التجاوز و السيلان.

و الالتزام بالفرق بين أقسام الاستحاضة في أصل السببية بأنّ الكثيرة لا تكون بنفسها سبباً مشكل مخالف لارتكاز المتشرّعة. مع أنّ العكس أولىٰ. بل الالتزام بأنّ لدلوك الشمس، أو ذهاب الحمرة، أو تبيّن الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الفجر، دخلًا في حدثية الدم؛ و أنّ الدم المتقيّد بتلك العناوين أو في تلك الظروف، حدث في خصوص الكثيرة، و تفرّد هذا الدم من بين جميع الأحداث بهذه الخصوصية، مشكل، بل مخالف لارتكاز عرف المتشرّعة.

مع أنّ لازم الجمود علىٰ مفاد الروايات، هو عدم حدثية الدم المستمرّ إلى الوقت، أو الحادث فيه

في الجملة، بل الحدث هو الدم المستمرّ في جميع الوقت، أو في زمان الاشتغال بالصلاة؛ لأنّ سياقها هو فرض ابتلائها بالكثرة في

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 251/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 468

حال اشتغالها بها، و لهذا أمرها بتعجيل العصر و تأخير الظهر، و كذا في العشاءين، و بالاحتشاء و إمساك الكرسف.

و لهذا كلّه لا يبقى وثوق بل ظهور لكون المراد من كونه

صبيباً لا يرقأ

في صحيحة الصحّاف، هو الاستمرار في الأوقات الثلاثة؛ بحيث يكون للوقت دخل و موضوعية، فيؤخذ بإطلاق بعض الأدلّة، كصحيحة يونس بن يعقوب. و بعد رفع اليد عن إطلاقها في سببية الدم في الجملة للأغسال الثلاثة بالإجماع المدعىٰ أو بالوجوه المتقدّمة يكون موافقاً لمختار الأعاظم، كالشيخ الأعظم و غيره.

سببية الدم الفعلي للأغسال

ثمّ إنّ ظاهر الأدلّة هو سببية الدم الفعلي للأغسال، لا الأعمّ منه و ما هو بالقوّة، فلو رأت الدم السائل، و اغتسلت منه بعد انقطاعه، و علمت بعوده، فلا يوجب ذلك غسلًا عند حضور وقت الصلاة. هذا على المختار.

و كذا على القول بلزوم الاستمرار في الوقت، لو رأت مستمرّاً إلىٰ ما قبل الوقت و انقطع و علمت بعوده، لم يوجب ذلك غسلًا عند وقت الصلاة ما لم تَرَ الدم الفعلي الكثير؛ و ذلك لتعليق وجوب الغسل علىٰ تجاوز الدم و سيلانه، و كونه صبيباً؛ ممّا هو ظاهر فيما ذكرنا.

و ما يقال: «من أنّ الحكم مترتّب على المرأة الدميّة في صحيحة الحلبي «1» و على المستحاضة في صحيحة صفوان و عبد اللّٰه بن سنان

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 469

و غيرهما «1» و لا إشكال في صدق المرأة الدمِية و المستحاضة على التي انقطع دمها انقطاع فترة و عود» «2». منظور فيه:

أمّا أوّلًا: فلأنّ ظاهر تلك الروايات، هو ابتلاء المرأة بالدم و سيلانه في أوقات الصلاة؛ فإنّ الأمر باستدخال قطنة بعد قطنة و الجمع بين الصلاتين كما فيها و في غيرها ليس تعبّدياً، بل لحفظ الدم و تقليل الابتلاء قدر الإمكان. هذا مع الغضّ عن الإشكال بل الإشكالات الواردة علىٰ صحيحة الحلبي؛ ممّا تقدّمت الإشارة إلىٰ بعضها «3».

و أمّا ثانياً: فلأنّها علىٰ فرض الإطلاق فيها، تتقيّد بما دلّ علىٰ تعليق الحكم علىٰ سيلان الدم و تجاوزه.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ تعليق الحكم علىٰ عنوانين بينهما تقدّم و تأخّر و سببية و مسبّبية، يوجب الظهور في أن يكون الحكم للمتقدّم بحسب العقل، بل العرف، و لمّا كان حصول الدم مقدّماً علىٰ حصول عنوان «المستحاضة» و قد علّق الحكم عليهما، يكون التعليق الثاني عرفاً و عقلًا فرعاً على الأوّل، لا مستقلا في السببية، فما يكون سبباً هو الدم، لا عنوان «المستحاضة» المسبّب منه.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3 و 4 و 6.

(2) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 252/ السطر 31.

(3) تقدّم في الصفحة 433 434.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 470

الأمر الثاني في حكم انقطاع دم الاستحاضة لبرء و فترة
اشارة

إذا انقطع دم الاستحاضة، فإمّا أن يكون لبُرء، أو لفترة، أو لا تعلم بأحدهما.

و إن كان لفترة، فإمّا أن تعلم بسعتها للطهارة و الصلاة، أو لإحداهما، أو تعلم عدمها أو لا تعلم.

و علىٰ أيّ حال: فإمّا أن يكون الانقطاع بعد الصلاة، أو في أثنائها، أو بينها و بين فعل الطهارة، أو في أثناء فعل الطهارة،

أو قبله.

و علىٰ أيّ تقدير: قد يلاحظ حال الانقطاع بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة، و قد تلاحظ بالنسبة إلى الماضية أو الحاضرة. و نحن نتعرّض لمهمّاتها حتّى يتضح حال البقيّة.

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال المستقبلة

فنقول: إن انقطع للبرء أو الفترة، فالتكليف بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة يتفرّع على المسألة السابقة؛ فإن قلنا: بأنّ نفس طبيعة الدم الفعلي حدث و سبب للغسل أو الوضوء، كما قوّيناه أخيراً، و أنّ خروجه في أثناء الصلاة و الطهارة معفوّ عنه، فلا إشكال في لزوم الغسل و الوضوء بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة؛ و لو خرج الدم في أثناء الأعمال؛ لتحقّق السبب و عدم الدليل على العفو.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 471

و إن قلنا: بأنّ استمرار الدم إلىٰ أوقات الصلوات فعلًا أو حدوثه فيها، سبب لهما، فلا يجب الغسل و الوضوء لو انقطع قبل تحقّق الوقت؛ و لو كان مستمرّاً إلىٰ ما قبل الأوقات.

و إن قلنا: بأنّ الاستمرار الأعمّ من الفعلي سبب، فلا بدّ من التفصيل بين الانقطاع للبرء و الانقطاع للعود.

و يمكن أن يفصّل بين الوضوء و الغسل، و يلتزم بعدم وجوب الغسل دون الوضوء؛ تمسّكاً في وجوب الوضوء بإطلاق

مرسلة يونس، و فيها و سئل عن المستحاضة، فقال: إنّما هو عزف عامر، أو ركضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة.

قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المَثْعَب.

حيث أمر بالوضوء لكلّ صلاة؛ سال الدم أو لم يسل، و مقتضى إطلاقه وجوب الوضوء بمجرّد تحقّق الدم، و بمقتضى المناسبات المرتكزة في أذهان المتشرّعة و العرف، يعلم أنّ دم الاستحاضة حدث يوجب الوضوء، و لو تحقّق السبب لزم المسبّب، و لا يرتفع بانقطاع الدم.

و أمّا

عدم وجوب الغسل، فبما تقدّم من إنكار الإطلاق، أو لزوم التقييد علىٰ فرضه، فلا يكون دليل علىٰ سببية الدم للغسل إلّا إذا كان مستمرّاً، كما تقدّم الكلام فيه «1».

فحينئذٍ يكون للتفصيل وجه، و إنكار الشيخ الأعظم الفرق بين الوضوء و الغسل، و مطالبته بالدليل على التفرقة «2»، مبني علىٰ ما تقدّم منه من إنكار

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 461.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 472

دلالة مرسلة يونس، و قد مرّ الجواب عنه «1»، فالوجه للتفصيل هو ما ذكرنا؛ و إن كان الأوجه وجوب الغسل و الوضوء؛ لما تقدّم «2» من تقوية سببية صِرف وجود الدم لهما.

ثمّ لا يخفى: أنّ في تعبير بعضهم: «بأنّ انقطاع الدم موجب للوضوء أو الغسل» أو «غير موجب» مسامحة؛ لما مرّت الإشارة إلىٰ أنّ مبنى الخلاف هو الخلاف في كون السبب ماذا؟ فوجوب الغسل و الوضوء على القول به إنّما هو لسببية الدم، لا لسببية الانقطاع، و عدم وجوب الغسل و وجوب الوضوء، أيضاً للالتزام بسببية نفس الطبيعة للوضوء، و عدم سببيتها للغسل إلّا إذا كان مستمرّاً، و الأمر سهل. هذا كلّه بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة.

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال الماضية

و أمّا بالنسبة إلى الأعمال الماضية، فإن انقطع بعد الصلاة فلا ينبغي الإشكال في عدم لزوم الإعادة و صحّة صلاتها؛ لإطلاق الأدلّة؛ سواء احتملت الانقطاع حين العمل أو قبله، أو كانت قاطعة بعدم الانقطاع، أو ظانّة به، بل و لو كانت ظانّة بالانقطاع. و دعوى الانصراف عمّا إذا انقطع في الوقت مطلقاً أو إذا كانت ظانّة «3» في غير محلّها، خصوصاً في غير الظانّة.

نعم، لو كانت قاطعة بالانقطاع للبرء أو الفترة الواسعة، فالظاهر لزوم الانتظار

و عدم جواز البدار؛ لقصور الأدلّة عن إثبات جواز البدار، و عدم إطلاقها من هذه الجهة، بل تكون منصرفة عن الفرض.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 457.

(2) تقدّم في الصفحة 461 و ما بعدها.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 325/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 473

و أمّا إذا انقطع في الأثناء، فالظاهر لزوم الإعادة إذا كان الانقطاع لبرء أو فترة واسعة، و في غير الواسعة تأمّل؛ أمّا الإعادة فيهما فلما مرّ من استفادة سببية مطلق الدم، و لم يثبت العفو في غير ما هو مستمرّ إلىٰ آخر العمل، فيبقىٰ مقتضى السببية علىٰ حاله، و لا إطلاق على الظاهر للأدلّة بالنسبة إلىٰ هذه الصورة؛ حتّى يقال لأجله بالعفو و صحّة الأعمال. هذا بحسب الثبوت و الواقع.

و أمّا تكليفها في الظاهر، فقد يتشبّث له باستصحاب بقاء الفترة إلىٰ زمان يسع العمل بشرائطه؛ إذا كانت شاكّة في كون الانقطاع للبرء، أو الفترة مع الشكّ في سعتها، أو كانت عالمة بالثانية، و شاكّة في سعتها «1».

و فيه: أنّ هذا الاستصحاب مع كونه مثبتاً لا أصل له؛ لعدم كون المستصحب موضوعاً لأثر شرعي، بل بعد العلم بوجوب الصلاة و اشتراطها بالطهور، و كونِ الدم سبباً بذاته، و عدمِ إطلاق في الأدلّة، يحكم العقل بلزوم التأخير إلىٰ زمان الفترة الواسعة، و لا تكون الفترة الواسعة موضوعاً لحكم شرعي.

كما أنّ التشبّث باستصحاب الصحّة أو الطهارة و أمثالهما «2»، في غير محلّه بعد ثبوت حدثية الدم، و عدم الدليل على العفو، و اشتراط الصلاة بالطهور، فيكون الاستصحاب محكوماً بتلك الأدلّة علىٰ فرض الجريان.

نعم، لو أنكرنا سببية مطلق الدم للغسل كان له مجال، و مع عدمه تكفي أصالة البراءة. لكن ما

مرّ هو الأقوىٰ.

و ممّا ذكرنا يظهر حال بقيّة الصور، فتدبّر.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3: 335.

(2) جواهر الكلام 3: 335، مصباح الفقيه، الطهارة: 325/ السطر 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 474

الأمر الثالث في جواز تفريق المستحاضة لصلواتها و الغسل لكلّ صلاة
اشارة

الظاهر جواز تفريق الصلوات و الغسل لكلّ صلاة؛ لعدم استفادة كون الجمع بين كلّ صلاتين، عزيمة بعد ظهور كون ذلك لمراعاة حال النساء. و قد حكي عن المحقّق الثاني و صاحب «المدارك» دعوى القطع بالجواز «1»، و تبعهما كثير من متأخّري المتأخّرين «2».

و يمكن أن يستدلّ عليه بجملة من الروايات،

كصحيحة يونس بن يعقوب و فيها فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة «3»

لأنّ وقت الصلاة في تلك الأزمنة كان هو الأوقات المعهودة التي كان المسلمون يجتمعون فيها لإقامة الصلوات؛ حتّى اشتهرت الأوقات الخمسة و صارت معهودة؛ بحيث ينصرف إليها اللفظ. بل يمكن استفادة الاستحباب من مثلها؛ بعد كون الظاهر أنّ الأمر بالجمع و تعجيل العصر و العشاء و تأخير الظهر و المغرب؛ لمحض الترخيص و ملاحظة حالهنّ.

و يمكن أن يستدلّ عليه بوجه آخر: و هو أنّها لو فرّقت بين الصلاتين عمداً أو نسياناً؛ فصلّت الظهر بغسل، و تركت العصر، فلا يخلو

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 342، مدارك الأحكام 2: 35.

(2) الحدائق الناضرة 3: 287، جواهر الكلام 3: 342، الحواشي علىٰ شرح اللّمعة الدمشقيّة، المحقّق الخوانساري: 70/ السطر 36.

(3) تقدّم في الصفحة 462.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 475

إمّا أن يجب عليها إعادة الظهر و الجمع بينهما بغسل.

أو لا يجب عليها العصر أيضاً.

أو يجب عليها العصر بلا غسل، و يجوز لها الاكتفاء بغسلها للظهر.

أو يجب عليها الغسل للعصر.

لا سبيل إلىٰ شي ء من الاحتمالات إلّا الأخير

منها؛ ضرورة أنّه لا وجه لإعادة الظهر؛ لعدم مغايرة تكليفها في صلاة الظهر لسائر المكلّفين تأمّل و بداهة وجوب العصر عليها، و عدم سقوطها عنها، و الاكتفاءُ بالغسل المتقدّم مخالف لظواهر الأدلّة، و لما مرّ من كون الدم بذاته حدثاً، مع عدم ثبوت العفو مع التفريق، فيبقى الاحتمال الأخير، و لا ريب في عدم كون الجمع واجباً تعبّديّاً نفسياً غير ملحوظ فيه حال الصلاة و اشتراطها بالطهور، و لا التفريق حراماً كذلك.

فتلخّص بعد بطلان جميع المحتملات عقلًا و شرعاً أنّ التفريق جائز، و معه يجب الغسل؛ لأنّ الدم الحاصل بعد الصلاة إلىٰ زمان إتيان الصلاة الأُخرىٰ، حدث موجب للغسل، فلا بدّ منه. هذا كلّه مع تفريق الصلوات.

في جواز إيقاع غسلين مع الجمع بين الصلاتين

و هل يجوز لها بعد صلاة الظهر و المغرب بلا فصل، الاغتسال للعصر و العشاء، بأن يقال بمثل ما قيل في الفرض المتقدّم: من عدم استفادة العزيمة من الأدلّة؛ لورودها في مقام توهّم وجوب الأغسال الخمسة؟

فيه تأمّل و إشكال؛ لأنّ عدم دلالة الأدلّة على العزيمة، لا يوجب دلالتها علىٰ جواز الغسل، و بعد عدم دليل علىٰ مشروعيته فلأحدٍ أن يقول: إنّ مقتضى الأدلّة حدثية ذات الدم و ناقضيته للغسل و الوضوء، خرج منها عفواً أو إسقاطاً للسببية الدم السائل في حال الاشتغال بالغسل للصلاتين إلىٰ آخر الصلاة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 476

الثانية، مع عدم الفصل بينهما بمقدار غير متعارف، و عدم الفصل بأجنبي، و بقي الباقي، فعليه لا دليل على العفو في الدم السائل بين الغسل الثاني أو بعده، بل و بين صلاة العصر، مع التفريق بالأجنبي، و لا يمكن أن يكون الغسل الثاني رافعاً لما حصل بينه أو بعده، فلا بدّ

حينئذٍ من غسل آخر لصلاة العصر بعد حصول هذا التفريق بالأجنبي بالبيان المتقدّم.

فالأحوط لو لم نقل: الأقوىٰ هو الجمع بين الصلاتين بغسل واحد؛ و إن جاز لها التفريق و الأغسال الخمسة. بل الأولىٰ و الأحوط الجمع و عدم التفريق.

الأمر الرابع في عدم جواز الفصل بين الصلاة و بين الغسل و الوضوء
بيان حال الغسل

الظاهر وجوب معاقبة الصلاة للغسل، و في «الجواهر»: «لم أعرف مخالفاً فيه» «1» و في طهارة شيخنا الأعظم: «المشهور بين الأصحاب وجوبها، بل قد يظهر نفي الخلاف فيه» «2».

و عن كاشف اللثام و العلّامة الطباطبائي (رحمه اللّٰه) جواز الفصل «3»، و اختاره الشيخ الأعظم تمسّكاً بالإطلاقات الواردة في مقام البيان، و استظهاراً ممّا دلّ علىٰ وجوب الغسل عند كلّ صلاة، إضافته إلى الوقت؛ أي زمان حضور وقت كلّ صلاة، لا حضور فعلها، و استشهاداً بقوله

في رواية ابن سنان ثمّ تغتسل عند

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 342.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 255/ السطر 11.

(3) كشف اللثام 2: 161، المصابيح في الفقه: 148 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 477

المغرب، فتصلّي المغرب و العشاء، ثمّ تغتسل عند الصبح، فتصلّي الفجر «1» «2».

و فيه: مضافاً إلىٰ عدم إطلاق يمكن الاتكال عليه و الوثوق به في المقام، فضلًا عن إطلاقات واردة في مقام البيان، كما ادعاها؛ فإنّ الروايات في مقام بيان وجوب ثلاثة أغسال في مقابل غسل واحد، كصحيحتي زرارة و الصحّاف «3» أنّ الإطلاقات علىٰ فرضها مقيّده بما دلّ علىٰ لزوم إيقاعها عند الصلاة، و الاحتمال الذي أبداه خلاف الظاهر حتّى في رواية ابن سنان؛ فإنّ قوله؛

المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر، و تصلّي الظهر و العصر

ظاهر- بلا تأمّل في كونه عند نفس صلاة الظهر لا وقتها، فحينئذٍ يكون قوله بعده

ثمّ تغتسل عند المغرب

ظاهراً في صلاته؛

بعد شيوع إطلاق «المغرب» علىٰ صلاته في الروايات «4»، و بعد القطع بعدم كون المراد قبل وقت المغرب.

مع أنّ لازم إضافة الظرف إلى الوقت، كون وقت إيقاع الغسل قبل وقت الصلاة؛ لظهور لفظة عند في ذلك.

و يؤيّد ما ذكرنا الأمر بالجمع بين الصلاتين، و بُعد الالتزام بالتفرقة بين صلاة الظهر و العصر؛ بجواز الفصل بين الغسل و الصلاتين، و عدم جواز التفرقة بين صلاة الظهر و العصر.

و الإنصاف: أنّ الناظر في الروايات، لا يكاد يشكّ في أنّ الأمر بالجمع

______________________________

(1) الكافي 3: 90/ 5، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 4.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 255/ السطر 16.

(3) الكافي 3: 99/ 4، و 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5 و 7.

(4) راجع وسائل الشيعة 4: 156، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10 و 16 و 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 478

و التقديم و التأخير، إنّما هو بملاحظة حال الصلاة و عدم الابتلاء بالدم قدر الإمكان، و معه لا مجال لاحتمال جواز الفصل.

هذا كلّه مع أنّ المختار كما تقدّم «1» هو ناقضية الدم؛ و كونه حدثاً بذاته موجباً للغسل إلّا ما عفي عنه، و بعد قصور الإطلاقات لا دليل على العفو مع الفصل.

بيان حال الوضوء

و بهذا يظهر الحال في الوضوء في الأقسام الثلاثة. مع إمكان الاستدلال له بقوله

في رواية «قرب الإسناد» فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها، يجزيها الوضوء عند كلّ صلاة و تصلّي «2»

و بها يقيّد الإطلاق علىٰ فرض وجوده.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الأمر بالوضوء لكلّ صلاة، دليل علىٰ أنّ الدم السائل بين الوضوء و الصلاة

أو بعدهما و لو بلا فصل حدث أصغر غير معفوّ عنه، فلا مجال للارتياب في لزوم معاقبة الصلاة للوضوء.

نعم، لا إشكال في أنّ المبادرة إلى الصلاة بعد الغسل و الوضوء، ليست على النحو الدقيق العقلي، بل العرفي، مع الإتيان بما تحتاج إليه للصلاة عادة، كالتستّر و لبس الثوب، و ما هو المتعارف بحسب حالها، لا غير المتعارف، كشراء الستر، و يجوز لها الأذان و الإقامة للصلاتين، بل و التعقيب بالمقدار المتعارف، و انتظار الجماعة كذلك؛ و إن كان الأحوط في بعضها خلافه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 467.

(2) قرب الإسناد: 225/ 879، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 479

و أمّا الاستدلال «1» لجواز تأخير الصلاة عن الوضوء إمّا مطلقاً، أو بمقدار غير معتدّ به بقوله في

صحيحة معاوية و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد، و صلّت كلّ صلاة بوضوء «2».

ففيه أوّلًا: أنّ الوضوء لعلّه لدخول المسجد، و يشهد له تصريحه بعده: بأنّها

صلّت كلّ صلاة بوضوء.

و ثانياً: أنّ قوله

و دخلت المسجد

يمكن أن يكون بياناً لجواز دخولها المسجد؛ أي يجوز لها الدخول في المسجد، و يجوز لبعلها إتيانها، كما في ذيل الصحيحة، فحينئذٍ لا يكون قوله

دخلت المسجد

لبيان إيقاع الصلاة فيه.

الأمر الخامس في لزوم النظر لتعيّن أنّها من أيّ أقسام المستحاضة
اشارة

هل يجب عليها الفحص و الاختبار لتشخيص كونها من أيّ الثلاثة مطلقاً، أو لا مطلقاً، أو يفصّل بين ما إذا كان متعذّراً و غيره، أو بين ما إذا كان كثير المئونة و المقدّمات و غيره؟

قد يقال بوجوبه مطلقاً: إمّا لأنّه من الموضوعات التي لا يمكن معرفتها غالباً إلّا بالاختبار، فلو رجعت إلى الأصل لزم منه الوقوع

في محذور مخالفة التكليف غالباً، كما لو رجع الشاكّ في الاستطاعة و النصاب و الدين

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 325/ السطر ما قبل الأخير.

(2) الكافي 3: 88/ 2، وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 480

إلى الأصل قبل الفحص «1».

و فيه: مع منع الصغرىٰ؛ أي لزوم الوقوع في المخالفة غالباً أنّه لا محذور فيه بعد إطلاق أدلّة الأُصول. و دعوىٰ انصرافها في محلّ المنع.

و إمّا للعلم الإجمالي بوجوب الوضوء أو الغسل عليها «2».

و فيه: أنّ الاستصحاب الموضوعي أو الحكمي الجاري في جميع الموارد أو غالبها، يوجب عدم تأثير العلم و انحلاله. مضافاً إلىٰ ما تقدّم من وجوب الوضوء لكلّ صلاة في الأقسام الثلاثة «3»، فيكون من قبيل الأقلّ و الأكثر.

و إمّا لإطلاق بعض الأخبار الدالّة علىٰ وجوب الاختبار،

كموثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل و لتستدخل كرسفاً، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفاً آخر، ثمّ تصلّي، فإذا كان دماً سائلًا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة «4».

بدعوىٰ ظهورها في أنّ استدخال الكرسف؛ لأجل اختبار أنّه هل يظهر على الكرسف أو يسيل من ورائه أو لا؟

و فيه: منع الظهور في ذلك، بل الظاهر أنّ المراد منها أنّها تغتسل بعد الاستظهار بيوم أو يومين، و تستدخل كرسفاً، و تصلّي بلا غسل و تغيير قطنة؛ حتّى يظهر الدم على الكرسف، فعند ذلك تعيد الغسل، و تعيد الكرسف.

و هذه نظيرة

رواية الجُعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها و إن لم تَرَ طهراً

______________________________

(1) انظر مصباح

الفقيه، الطهارة: 326/ السطر 2.

(2) نفس المصدر: 326/ السطر 11.

(3) تقدّم في الصفحة 435، 442، 454 458.

(4) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 481

اغتسلت و احتشت، و لا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف «1».

و قريب منها صحيحة الصحّاف و موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) «2».

و منه يظهر الحال

في صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة عن مشيخة ابن محبوب، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها ثمّ تمسك قطنة، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع، فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل «3».

فإنّ الظاهر أنّ المراد منها هو ما في الروايات السابقة؛ أي فلتمسك قطنة فتصلّي، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع و صار كثيراً، فلتجمع بين الصلاتين بغسل. و لا أقلّ من الاحتمال المساوي لاحتمال كون الإمساك للاختبار، و يرجّح ما ذكرنا بقرينة سائر الروايات.

و يمكن الاستدلال للاختبار

برواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه قال المستحاضة إذا مضت أيّام قرئها اغتسلت و احتشت كرسفها، و تنظر فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها، و توضّأت و صلّت «4».

بدعوىٰ: أنّ قوله تنظر ظاهر في وجوب النظر لتشخيص الحال.

و فيه منع الظهور في ذلك، بل الظاهر أنّها تمكث و تمهل حتّى يظهر الدم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 10.

(2) الكافي 3: 95/ 1، تهذيب الأحكام 1: 196/ 483، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 7 و 9.

(3) وسائل

الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 14.

(4) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1258، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 482

على الكرسف، خصوصاً بملاحظة قوله

زادت كرسفها

بل يحتمل أن يكون

تنظر

من باب الإفعال. و علىٰ أيّ تقدير تكون هذه الرواية أيضاً؛ موافقة لسائر الروايات.

و الإنصاف: أنّ التمسّك بمثل تلك الروايات لذلك، في غير محلّه، كما يظهر بالتأمّل فيها.

التفصيل بين سهولة الاختبار و غيره

نعم، يمكن أن يقال: إنّ الاختبار لو كان سهلًا لا يحتاج إلّا إلىٰ وضع القطنة و إخراجها، كان واجباً؛ لانصراف أدلّة الأُصول استصحاباً أو غيره عمّا إذا كان العلم بالموضوع لا يحتاج إلى الفحص و التفتيش، بل يحتاج إلىٰ مجرّد النظر و الاختبار.

إلّا أن يقال: إنّ عدم وجوب ذلك و جريان الأصل في مثله، يستفاد من

مضمرة زرارة الدالّة علىٰ حجّية الاستصحاب، و فيها قلت: فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شي ء أن أنظر فيه؟ قال لا، و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك .. «1»

إلىٰ آخره.

و لكن لم يظهر منها أنّ ذلك للاتكال على الاستصحاب؛ حتّى نقول بجريانه في أمثاله من غير خصوصية في الموضوع، فمن المحتمل أنّ في باب النجاسات مساهلات ليست في غيره، كما يظهر من بعض روايات أُخر «2» فالتفصيل بين ما

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 483

كان التشخيص محتاجاً إلىٰ فحص و مقدّمات و بين غيره، لا

يخلو من وجه.

و من ذلك يظهر: أنّ التشخيص إن كان متعذّراً أو متعسّراً، تعمل على الأُصول الموضوعية لو كانت أو الحكمية.

ثمّ لا إشكال في أنّ وجوب الاختبار علىٰ فرض ثبوته ليس نفسياً و لا شرطياً، فلو لم تختبر و صلّت مع حصول قصد القربة و مطابقة الواقع، أو احتاطت بالأخذ بأسوإ الأحوال، فلا ريب في صحّة عباداتها و عدم كونها عاصية. نعم تكون في بعض الصور متجرّية. و لو صلّت و خالفت الواقع و قلنا بوجوب الاختبار، استحقّت العقوبة؛ لمخالفة الواقع، لا لترك الفحص.

الأمر السادس لزوم منع خروج الدم قدر الإمكان
اشارة

يجب على المستحاضة الاستظهار في منع خروج الدم قدر الإمكان؛ إذا لم تتضرّر بحبسه، و في «الجواهر»: «لم أجد فيه خلافاً، بل لعلّه ممّا يقضي به بعض الإجماعات» «1» و هذا في الجملة ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

و يدلّ عليه مضافاً إلىٰ ذلك، و إلى اشتراط طهارة البدن و اللباس من الدم و وجوب تقليله على الظاهر، و إلى حدثية دم الاستحاضة كما مرّ «2» و لزوم الاقتصار على القدر المتيقّن في العفو أو إلغاء السببية، و أنّه لو خرج مع التقصير يكون حدثاً غير معفوّ عنه، و يجب عليها إعادة الوضوء أو الغسل على الأحوط لو

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 348.

(2) تقدّم في الصفحة 471.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 484

لم يكن أقوى؛ مع التسامح في الاحتشاء و الاستثفار و نحوهما، أو مع الصلاة لو صلّت بعد الخروج كذلك الأخبارُ المتظافرة الآمرة بالاستظهار «1».

عدم وجوب الاستظهار قبل الوضوء أو الغسل و لا بعدهما

إنّما الكلام في أنّه قبل الوضوء أو الغسل، أو بعدهما، أو قبل الوضوء و بعد الغسل، الأقوىٰ عدم وجوب كونه قبلهما و لا بعدهما:

أمّا الوضوء، فلإطلاق ما دلّ على التوضّؤ لكلّ صلاة «2»؛ من غير إشعار فيها بتقديم الاستظهار عليه أو تأخيره، و به يرفع اليد عمّا دلّ علىٰ حدثيته. مع إمكان إنكارها في مثل المقام.

و أمّا الغسل، فلأنّ الأخبار و إن كانت ظاهرة في تقديم الغسل على الاستظهار إمّا لأجل العطف ب «ثمّ في بعضها «3» و إمّا بدعوىٰ كون مساقها و المتفاهم ممّا عطف فيها بالواو «4» أيضاً هو ما يتعارف عادةً من تقديم الغسل على الاحتشاء، و هو على الاستثفار لكن لا إشكال في عدم فهم شرطية ذلك في صحّة الصلاة أو الغسل؛

بحيث لو أمكن لها الغسل مع الاستثفار، وقع غسلها و صلاتها باطلين؛ ضرورة عدم فهم التعبّد من مثلها، بل الظاهر منها أنّ ذلك لأجل

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 371 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1 و 3 و 7 و 8.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1 و 6.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 374 و 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 7 و 8.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 371 و 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1 و 2 و 3 و 5 و 9 و 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 485

العادة و التعارف و عدم تيسّر الاستثفار نوعاً ما بين الغسل، فلا ينبغي الإشكال في جواز الاستثفار و الاحتشاء قبل الغسل. بل أولوية التقديم مع الإمكان.

نعم، الظاهر أنّه مع إمكانه لا يجب، و لا يكون التحفّظ بذلك الحدّ من الضيق، و إلّا لتعرّض له في تلك الأخبار الكثيرة.

و الإنصاف: أنّ دعوى القطع بعدم شرطية التأخير و عدم وجوبه التعبّدي- و كذا دعوى القطع بعدم لزومه مع الإمكان في محلّهما.

و ممّا ذكرنا من عدم تعبّدية الاحتشاء و الاستثفار، و كونهما لأجل التحفّظ عن الدم يعلم أنّه لا كيفية خاصّة لهما، فلو أمكنها التحفّظ بكيفية أُخرى مثلها، فلا إشكال في كفايتها، فلا داعي إلىٰ تحصيل معنى «الاستثفار، و الاستذفار، و التحشّي، و الاحتشاء».

كما أنّ «الاستذفار» إن كان بمعنى التطيّب و الاستجمار بالدخنة و غير ذلك، لا يكون واجباً بلا إشكال، بل لا يبعد أن يكون «الاستذفار» بمعنى الاستثفار، و يكون التفسير ب «التدخين» من الشيخ الكليني

«1» كما احتمله في «الوافي» «2».

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ ذيل الحديث 3.

(2) الوافي 6: 471/ 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 486

الأمر السابع في كون المستحاضة بعد أفعالها بحكم الطاهر
اشارة

قال المحقّق: «و إذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر» «1».

و قال العلّامة في «القواعد»: «و مع الأفعال تصير بحكم الطاهر» «2» و في «مفتاح الكرامة»: «إجماعاً كما في «الغنية» و «المعتبر» و «التذكرة» و «مجمع البرهان» و «شرح الجعفرية» و «كشف الالتباس» و في «المنتهىٰ»: «أنّه مذهب علمائنا» و في «المدارك»: «لا خلاف فيه بين العلماء» «3» انتهىٰ.

بيان منطوق قولهم: «إذا فعلت ذلك تصير بحكم الطاهر»

و منطوق هذه القضيّة على إجماله كأنّه ممّا لا إشكال فيه، لكن يحتمل أن يكون المراد منه أنّها بحكم الطاهر، لا أنّها طاهرة، فلا يجري عليها حكم الطاهر الحقيقي، بل التنزيلي بمقدار دلالة دليل التنزيل، فحينئذٍ يكون المقصود: أنّه لا يترتّب عليها جميع أحكام الطاهر، مثل مسّ الكتاب و غيره.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 27.

(2) قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 14.

(3) غنية النزوع 1: 40، المعتبر 1: 248، تذكرة الفقهاء 1: 290 291، مجمع الفائدة و البرهان 1: 163 164، كشف الالتباس: 130/ السطر 2 (مخطوط)، منتهى المطلب 1: 121/ السطر 20، مدارك الأحكام 2: 37، مفتاح الكرامة 1: 394/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 487

لكنّ الظاهر: أنّ هذا الاحتمال كاحتمال كون المقصود تبيين ما تقدّم من الأحكام غير وجيه، و لهذا استثنى الشيخ و ابن حمزة دخول الكعبة منه «1»؛ لمرسلة يونس «2»، و قد عدّوا الشيخ مخالفاً لهذا الحكم «3».

و يحتمل أن يكون المراد أنّها بحكم الطاهر إلى الإتيان بما فعلت لأجله، فيكون إيجاد الغاية التي اغتسلت لأجلها نهايةً للحكم؛ بمعنى أنّ العفو لا يكون إلّا إلى تمام العمل الذي اغتسلت له.

و يحتمل أن يكون بحكمه إلىٰ خروج الوقت، أو إلىٰ دخول وقت خطاب آخر، أو إلىٰ زمان الاشتغال بغسل

آخر.

أو تكون بحكمه في جميع الآثار، فلها مسّ الكتاب و غيره.

أو أنّها بحكم الطاهر فيما تضطرّ إلىٰ إتيانه، كالطواف الواجب و ركعتيه، لا كمسّ الكتاب و الإتيان بالصلوات المستحبّة.

ثمّ إنّه بعد قيام الدليل علىٰ كون الدم حدثاً، و كون الخروج إنّما هو في بعض الأحيان عفواً أو إسقاطاً للسببية، لا بدّ من قيام الدليل عليهما، و القدر المتيقّن من الإجماع المدعىٰ أو عدم الخلاف هو أنّها بحكم الطاهر إلىٰ زمان إتيان ما فعلت لأجله، فلو اغتسلت لصلاة الصبح فما لم تأتِ بها تكون بحكم الطاهر، و أمّا بعد الإتيان بها فلا دليل على العفو و كونها بحكمه؛ و إن قال شيخنا الأعظم: «و يمكن دعوى الإجماع علىٰ كونها كذلك ما دام وقت الصلاة باقياً» «4» فلو ثبت

______________________________

(1) النهاية: 277، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 61 و 193.

(2) الكافي 4: 449/ 2، وسائل الشيعة 13: 462، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 91، الحديث 2.

(3) كشف اللثام 2: 156، رياض المسائل 2: 120، مصباح الفقيه، الطهارة: 327/ السطر 6.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 488

الإجماع، و إلّا فالتحقيق ما عرفت. و مراعاة الاحتياط طريق النجاة.

ثمّ إنّ الظاهر جواز الإتيان بالوضوء و الغسل للغايات الاضطرارية، كالطواف و صلاته إذا ضاق وقتهما، أو مطلقاً بدعوىٰ فهمه من الأدلّة بإلغاء الخصوصية، بعد كون الأمر بالوضوء و الغسل؛ لتحصيل مرتبة من الطهارة بحسب ارتكاز المتشرّعة و فهم العرف، و أمّا ما لا يجب عليها و لا تضطرّ إليه فلا دليل على العفو، و لا يمكن فهمه من الأدلّة.

نعم، دلّت رواية إسماعيل بن عبد الخالق علىٰ تقديم ركعتين قبل الغداة، ثمّ إتيان

الغداة بغسل واحد «1». لكنّها مع ضعف السند «2» لا تثبت إلّا نافلة الفجر، و لها خصوصية؛ لمكانِ أفضليتها من سائر الرواتب، و كونِ تمام الوظيفة ركعتين، فلا يمكن التعدّي إلىٰ غيرها. إلّا أن يتشبّث بالإجماع المنقول عن «الغنية» و «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «كشف الالتباس» و «شرح الجعفرية» علىٰ أنّها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة، كانت بحكم الطاهر، و هو لا يخلو من تأمّل و إن لم يخلُ من وجه. و الظاهر تسالمهم علىٰ جواز إتيان النوافل. هذا كلّه في منطوق القضيّة المتقدّمة.

بيان مفهوم قولهم السابق

و أمّا مفهومها، فلا يبعد أن يكون غير مراد، و لو كان مراداً فليس مفهومها إلّا أنّها مع عدم الإتيان بذلك، ليست بحكم الطاهر، و لا يفهم منه إلّا عدم كونها كذلك في الجملة، و أمّا كونها بحكم الحائض فلا؛ و إن كان يُشعر به بعض العبارات بل

______________________________

(1) قرب الإسناد: 127/ 447، وسائل الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 15.

(2) لوقوع الطيالسي في السند كما يأتي التصريح به من المصنّف (رحمه اللّٰه) في الصفحة 494.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 489

بعض معاقد الإجماعات، لكنّهما ليسا بنحو يمكن الاعتماد عليهما في الخروج عن مقتضى القواعد.

بل ظاهر العبارة المحكيّة عن «المعتبر» يرفع الإجمال عن سائر العبارات، و يبيّن المراد من المفهوم؛ حيث قال: «إنّ مذهب علمائنا أجمع إنّ الاستحاضة حدث تبطل الطهارة بوجوده، فمع الإتيان بما ذكر من الوضوء إن كان قليلًا، و الأغسال إن كان كثيراً تخرج عن حكم الحدث لا محالة، و تستبيح كلّ ما تستبيحه الطاهر: من الصلاة، و الطواف، و دخول المساجد، و حلّ وطؤها، و إن لم

تفعل كان حدثها باقياً، و لم يجز أن تستبيح شيئاً ممّا يشترط فيه الطهارة» «1» انتهىٰ. و عن «التذكرة» قريب منها «2».

و المستفاد منهما أنّها مع عدم الإتيان تكون محدثة، و هذا هو الذي دلّت عليه الأدلّة؛ ضرورة أنّ الأمر بالوضوء و الغسل لصلاتها لكون الدم حدثاً، و هما رافعان له حكماً.

فتحصّل: أنّ الظاهر من الأدلّة بل الإجماع هو عدم جواز ما يشترط فيه الطهارة إلّا بالإتيان بالوظائف، و أمّا ما لا يكون مشروطاً بها كدخول المسجدين، و المكث في سائر المساجد، و قراءة العزائم فلا يستفاد منها تحريمه عليها، و لا قام الإجماع أو الشهرة على التحريم بعد كون المسألة محلّ خلاف قديماً و حديثاً.

جواز وطء المستحاضة مع تركها لأفعالها

نعم، قد وردت في خصوص الوطء روايات لا بدّ من البحث عنها مستقلا.

فنقول: قد اختلفت الآراء في جواز وطء المستحاضة، فقيل بالإباحة

______________________________

(1) المعتبر 1: 248.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 290 291.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 490

مطلقاً من دون توقّفه علىٰ شي ء، كما عن «البيان» و «المدارك» و «الكفاية» و «التحرير» و «الموجز» و «مجمع البرهان» «1».

و قيل بالكراهة، كما عن «المعتبر» و «التذكرة» و «الدروس» و «الروض» و «كشف الالتباس» و «الذخيرة» و «جامع المقاصد» و «شرحي الجعفرية» «2».

و قيل بتوقّفه علىٰ جميع ما عليها من الأفعال كما نسب إلى ظاهر «المقنعة» و «الاقتصاد» و «الجمل و العقود» و «الكافي» و «الإصباح» و «السرائر» «3» بل عن «المعتبر» و «التذكرة» و «الذكرى» نسبته إلىٰ ظاهر الأصحاب «4».

و قيل بتوقّفه على الغسل و الوضوء، كما عن ظاهر «المبسوط» «5».

و قيل بتوقّفه على الغسل خاصّةً، كما عن الصدوقين «6» بل ربّما احتمل تنزيل كلمات كثير منهم

على هذا القول «7».

______________________________

(1) البيان: 66، مدارك الأحكام 2: 37، كفاية الأحكام: 6/ السطر 1، تحرير الأحكام 1: 16/ السطر 16، الموجز، ضمن الرسائل العشر: 47 48، مجمع الفائدة و البرهان 1: 164 166.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 394/ السطر 13، المعتبر 1: 248، تذكرة الفقهاء 1: 291، الدروس الشرعيّة 1: 99، روض الجنان: 86/ السطر 2، كشف الالتباس: 128/ السطر 10 (مخطوط)، ذخيرة المعاد: 76/ السطر 12 و 16 و 17، جامع المقاصد 1: 344.

(3) انظر كشف اللثام 2: 157، المقنعة: 57، الاقتصاد: 246، الجمل و العقود، ضمن الرسائل العشر: 164 165، الكافي في الفقه: 129، إصباح الشيعة، ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة 2: 14، السرائر 1: 153.

(4) المعتبر 1: 248، تذكرة الفقهاء 1: 291، ذكرى الشيعة 1: 250.

(5) المبسوط 1: 67.

(6) الفقيه 1: 50/ 195، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 50/ السطر 8.

(7) جامع المقاصد 1: 343.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 491

و استدلّ للجواز «1» بعد الأصل، و عمومات حلّ الأزواج، و خصوص قوله تعالىٰ حَتّٰى يَطْهُرْنَ فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ «2» بإطلاقات روايات:

منها:

صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: قلت له: إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم، ثمّ طهرت فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، أ تمسك عن الصلاة؟ قال لا؛ هذه مستحاضة، تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة، و تجمع بين صلاتين بغسل، و يأتيها زوجها إن أراد «3».

و الظاهر منها أنّ جواز الإتيان حكم فعلي من أحكام المستحاضة، كما أنّ الجمع بين الصلاتين بغسل و استدخال القطنة أيضاً من أحكامها، و إطلاقها يقتضي الجواز بلا شرط.

و مثلها

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر، و تصلّي الظهر و العصر .. إلىٰ أن قال و لا بأس بأن يأتيها بعلها إذا شاء إلّا أيّام حيضها «4».

و الظاهر منها بقرينة الاستثناء أنّ جواز الإتيان من أحكام المستحاضة، لا من أحكام التي فعلت الأفعال المذكورة؛ لبطلان الاستثناء لو أُريد ذلك. مع أنّ جواز الوطء لا يكون معلّقاً علىٰ جميع الأغسال الثلاثة بلا إشكال.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 1: 164، مدارك الأحكام 2: 37، مستند الشيعة 3: 31 32، مصباح الفقيه، الطهارة: 329/ السطر 22.

(2) البقرة (2): 222.

(3) الكافي 3: 90/ 6، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3.

(4) الكافي 3: 90/ 5، تهذيب الأحكام 1: 171/ 487، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 492

و منه يظهر الحال

في ذيل صحيحة معاوية و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد، و صلّت كلّ صلاة بوضوء، و هذه يأتيها بعلها إلّا في أيّام حيضها «1».

فإنّ الاستثناء قرينة علىٰ أنّ المشار إليها ب «هذه هي نفس المستحاضة القليلة، لا من توضّأت لكلّ صلاة، و بهذا التقريب يقوى الإطلاق. و احتمال كون الحكم حيثياً، بعيد عن ظاهر الرواية و مساقها.

و قريب منها صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة عن مشيخة ابن محبوب «2»، و موثّقة حفص بن غياث «3».

و يمكن أن يستدلّ له

بموثّقة فضيل و زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال المستحاضة تكفُّ عن الصلاة أيّام أقرائها .. إلىٰ أن قال و تجمع بين المغرب و العشاء بغسل، فإذا حلّت لها الصلاة

حلّ لزوجها أن يغشاها «4».

فإنّ المراد ب «حلّية الصلاة» هي المقابلة للحرمة الثابتة في أيّام أقرائها، فيكون المراد أنّ حلّية الوطء ملازمة لحلّية الصلاة، و لا إشكال في أنّه بعد أيّام الأقراء، تحلّ لها الصلاة فعلًا. و لا ينافي حلّيتها اشتراط تحقّقها بأُمور: فإنّ تلك الأُمور ليست من شرائط الحلّية، بل هي من شرائط تحقّق الصلاة، فالمرأة إذا

______________________________

(1) الكافي 3: 88/ 2، وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1.

(2) المعتبر 1: 215، وسائل الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 177/ 506، وسائل الشيعة 2: 388، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 17.

(4) تهذيب الأحكام 1: 401/ 1253، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 493

خرجت من أيّامها، صارت الصلاة واجبة عليها بالضرورة من غير توقّف علىٰ شي ء، و الصلاة الواجبة لا يمكن أن تكون محرّمة عليها، بل محلّلة و إن كانت مشروطة بالأغسال و الوضوءات و غير ذلك.

و منها: يظهر الحال

في موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه. و فيها فإذا كان دماً سائلًا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد، و كلّ شي ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها، و لتطف بالبيت «1».

فإنّ الظاهر منها أنّ كلّ ما يستحلّ به الصلاة أي نفس الطبيعة يستحلّ به الوطء، و لا إشكال في أنّ الأغسال غير دخيلة في استحلال الصلاة حتّى الاستحلال الفعلي للطبيعة، كما أنّ الستر و القبلة و غيرهما لا دخل لها فيه، بل هي شرائط لتحقّقها.

و لو أُنكر ظهورها فيما ذكر، فلا

أقلّ من الاحتمال المسقط لاستدلال الخصم.

و في قبال تلك الروايات روايات:

منها:

رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المستحاضة كيف تصنع؟ .. إلىٰ أن قال فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر، ثمّ تصلّي ركعتين قبل الغداة، ثمّ تصلّي الغداة.

قلت: يواقعها زوجها؟ قال إذا طال بها ذلك فلتغتسل و لتتوضّأ، ثمّ يواقعها إن أراد «2».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

(2) قرب الإسناد: 127/ 447، وسائل الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 494

و لعلّها مستند الشيخ في ظاهر «المبسوط» «1» لكنّها مع ضعف سندها بالطيالسي و وهن متنها من حيث انفرادها في أُمور؛ منها: الأمر بصلاة ركعتين قبل صلاة الغداة، و منها: تعليق جواز الوطء على طول المدّة ممّا لم يقل به أحد، و منها: الأمر بالتوضّؤ لا يمكن الاتكال عليها في تقييد المطلقات.

و منها:

رواية مالك بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المستحاضة، كيف يغشاها زوجها؟ قال تنظر الأيّام التي كانت تحيض فيها و حيضتها مستقيمة، فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام من ذلك الشهر، و يغشاها فيما سوىٰ ذلك من الأيّام، و لا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل، ثمّ يغشاها إن أراد «2».

و هي أيضاً مخدوشة السند بمالك. و تصحيح العلّامة و الشهيد «3» حديثاً «4» هو في سنده أعمّ من توثيق الرجل، و الروايات التي تدلّ علىٰ حسنه كلّها تنتهي إليه «5»، و كيف يمكن الوثوق بحال الرجل من قول نفسه و نقله؟! و توصيف الرواية بالصحّة- كما وقع من

بعض متأخّري المتأخّرين «6» غير وجيه و لو قلنا

______________________________

(1) المبسوط 1: 67.

(2) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1257، وسائل الشيعة 2: 379، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 3، الحديث 1.

(3) مختلف الشيعة 9: 74، الدروس الشرعيّة 2: 345.

(4) الكافي 7: 143/ 1، الفقيه 4: 245/ 788، تهذيب الأحكام 9: 368/ 1315، وسائل الشيعة 26: 18، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 2، الحديث 1.

(5) الكافي 2: 180/ 6، و 8: 146/ 122، كشف الغمّة 2: 353 و 408 و 414، انظر تنقيح المقال 2: 47/ السطر 29 (أبواب الميم).

(6) ذخيرة المعاد: 70/ السطر 8، و راجع أيضاً الطهارة، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 12، مصباح الفقيه، الطهارة: 330/ السطر 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 495

بوثاقة الجهني؛ لأنّ في سندها الزبيري، و هو لا يخلو من كلام؛ و إن كان الأصحّ وثاقته «1» و وثاقة علي بن الحسن بن فضّال.

فالرواية موثّقة مع الغضّ عن الجهني، و ضعيفة مع النظر إليه، و مخدوشة الدلالة باحتمال كون الغسل المأمور به هو غسل الحيض.

و ما يقال: «من أنّ حمل «الغسل» علىٰ غسل الحيض بعيد؛ لأنّ ظاهرها توقّف الوطء مطلقاً في غير تلك الأيّام على الغسل» «2».

غير تامّ؛ لمنع ظهورها في توقّف كلّ وطء على غسل، بل من المحتمل قريباً أن يكون مفادها أنّ الوطء مطلقاً فيما سوى الأيّام متوقّف علىٰ صِرف وجود الغسل، و هو غسل الحيض الذي يجب عليها بعد أيّامها.

و تؤيّد هذا الاحتمال

روايته الأُخرىٰ بعين هذا السند، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال نعم؛ إذا مضى لها منذ يوم

وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها، ثمّ تستظهر بيوم، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها؛ يأمرها فتغتسل، ثمّ يغشاها إن أحبّ «3»

و هي ظاهرة في غسل النفاس.

و وجه التأييد: أنّ من المحتمل قريباً كونهما رواية واحدة سأل عن المستحاضة و النفساء، و حينئذٍ يكون الجواب في النفساء رافعاً لإبهام الجواب عن المستحاضة علىٰ فرض إبهامه، تأمّل. و كيف كان فلا يمكن تقييد المطلقات بمثل هذه الرواية.

______________________________

(1) تقدّم بعض الكلام في وثاقته في الصفحة 79.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 330/ السطر 31.

(3) تهذيب الأحكام 1: 176/ 505، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 496

بقيت

موثّقة سماعة قال: قال المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف .. إلىٰ أن قال و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل «1».

و التمسّك بها إمّا بمفهوم الشرط، و لا مفهوم له في المقام علىٰ فرض تسليمه في غيره؛ لأنّ مفهومه: إن لم يرد زوجها .. و لا إشكال في عدم إثباته المطلوب.

و إمّا بمفهوم القيد؛ بأن يقال: إنّ جواز الإتيان حين الغسل، و في غير حينه لا يجوز، و هو كما ترى؛ حيث إنّ القيد لا مفهوم له أوّلًا، و لا يعلم أنّ المقدّر ماذا ثانياً؛ أي إن أراد أن يأتيها فحين تغتسل يأتيها؟ أو حين تغتسل لا بأس بأن يأتيها؟ و الظاهر و إن كان الأوّل، لكن لا يدلّ علىٰ حرمة الإتيان قبل الغسل؛ لأنّ الأمر بالإتيان حين تغتسل المستفاد من الجملة الخبرية يحتمل أن يكون للاستحباب، فيدلّ علىٰ نفيه عند انتفاء القيد.

و الإنصاف: أنّ رفع اليد عن الإطلاقات المتقدّمة بمثلها غير ممكن. بل لو قلنا بدلالة جميع

الروايات علىٰ ما يدعىٰ من اعتبار القيود المأخوذة فيها فكان قوله

كلّ شي ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها

دالّاً على التعليق علىٰ جميع الأعمال، و كذا قوله

إذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها

و رواية إسماعيل دالّةً على اعتبار الغسل و الوضوء، و رواية مالك و سماعة دالّتين على الغسل فقط، و رواية الرضوي على الغسل و تنظيف المحلّ «2» كان الأرجح هو حملها علىٰ مراتب الكراهة أو الاستحباب، لا التقييد بالأخصّ مضموناً؛ فإنّ الحمل الأوّل أوفق بنظر العرف و العقلاء، فتدبّر.

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ 4، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 6.

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 191، مستدرك الوسائل 1: 78، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 3، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 497

الأمر الثامن في حكم صوم المستحاضة إذا أخلّت بأغسالها
اشارة

قالوا: «إن أخلّت بالأغسال التي عليها لم يصحّ صومها» و في «الجواهر»: «من غير خلاف أجده فيه» «1» و عن «جامع المقاصد» و «الروض» الإجماع عليه «2»، و عن «المبسوط»: «هو الذي رواه أصحابنا» «3» و عن «المدارك» و «الذخيرة» و «شرح المفاتيح»: «هو مذهب الأصحاب» «4».

حول دليل المسألة

و الأصل فيه على الظاهر

صحيحة علي بن مَهْزِيار قال: كتبت إليه: امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان، ثمّ استحاضت، فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة؛ من الغسل لكلّ صلاتين، هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب تقضي صومها، و لا تقضي صلاتها؛ لأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك «5».

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 364.

(2) جامع المقاصد 1: 73، روض الجنان: 17/ السطر 9.

(3) المبسوط 1: 68.

(4) مدارك الأحكام 2: 38، ذخيرة المعاد: 76/ السطر 23، مصابيح الظلام 1: 53/ السطر 20 (مخطوط).

(5) الفقيه 2: 94/ 419، وسائل الشيعة 2: 349، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 498

و في رواية الكليني و الشيخ

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 498

كان يأمر فاطمة و المؤمنات .. «1».

و الإشكال فيها بالإضمار «2»، في غير محلّه بعد كون المكاتب مثل ابن مهزيار، كالإشكال «3» باشتمالها علىٰ رؤية الصديقة الطاهرة ما تراه النساء، مع أنّه مخالف للأخبار «4» لعدم

معلومية كونها الصديقة، و لعلّها فاطمة بنت أبي حبيش. و علىٰ فرض كونها الصديقة الطاهرة، فلعلّه كان يأمرها لتأمر النساء، كما في بعض روايات الحيض «5». مع أنّ رواية الصدوق لا تشتمل علىٰ ذلك.

و كالإشكال باشتمالها علىٰ ما هو خلاف مذهب الأصحاب؛ من عدم قضاء الصلاة «6».

و لهذا ربّما يقال: «لا ينبغي الارتياب في أنّ ما كتبه الإمام في الجواب؛ إنّما هو لبيان حكم الحائض، كما يدلّ عليه قوله

و لا تقضي الصلاة

و قوله

لأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان يأمر ..

إلىٰ آخره، فإنّه كان يأمر بذلك بالنسبة إلى الحيض، كما في أخباره. مع أنّه قضيّة فرضية؛ لا يبعد عدم تحقّقها في الخارج.

______________________________

(1) الكافي 4: 136/ 6، تهذيب الأحكام 4: 310/ 937.

(2) مدارك الأحكام 2: 39، مستند الشيعة 3: 38.

(3) الحدائق الناضرة 3: 296، مصباح الفقيه، الطهارة: 331/ السطر 30.

(4) راجع الكافي 1: 458/ 2، علل الشرائع: 179/ 4 و 181/ 1، الفقيه 1: 50/ 94، كشف الغمّة 2: 91 و 92، بحار الأنوار 78: 112، مستدرك الوسائل 2: 37، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 37، الحديث 3 و 4 و 16.

(5) وسائل الشيعة 2: 347، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 2.

(6) مجمع الفائدة و البرهان 1: 161، مدارك الأحكام 2: 39، مصباح الفقيه، الطهارة: 331/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 499

و الحمل على القضية التقديرية بعيد. و ما يقال: «من أنّ كون بعض فقرأت الرواية مطروحةً، لا يخرجها عن الحجّية فيما عداها» «1» جمود بحت في مثل المورد؛ إذ لا نقول بحجّية الأخبار من باب السببية المحضة تعبّداً من حيث السند

أو الدلالة؛ حتّى نلتزم بمثل هذه التفكيكات، و إنّما نلتزم بعدم خروج بعض الفقرات من الحجّية بخروج بعض آخر؛ إذا تطرّق احتمال خلل في الفقرة المطروحة يخصّها؛ من نحو السقط و التحريف و التقيّة، و أمّا مثل هذه الرواية التي يشهد سياقها و تعليلها و مخالفة مدلولها للعامّة؛ باشتراك الفقرتين في الاحتمالات المتطرّقة، و عدم اختصاص ثانيتهما باحتمال يعتدّ به فالتفكيك في غاية الإشكال» انتهىٰ «2».

و فيه: أنّ نفي الارتياب عن كون الجواب عن الحيض في مكاتبةٍ لا يكون المسئول عنه إلّا تكليف قضاء المستحاضة و النفساء صومَهما و صلاتَهما مع عدم الإتيان بالأغسال التي عليهما، في غاية الغرابة.

و أغرب منه الاستدلال عليه: «بأنّ هذا تكليف الحائض؛ و أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بحسب روايةٍ أمر المؤمنات الحائضات بذلك» فإنّ ما ذكر لا يدلّ علىٰ أنّ الإمام (عليه السّلام) أجاب عن الحيض في جواب السؤال عن الاستحاضة. بل كون الحكم بالنسبة إلى الصلاة خلافَ الواقع، دليلٌ علىٰ وجود خلل في الرواية.

و لا يبعد أن يكون الخلل زيادة لفظة «لا» قبل

تقضي صلاتها

و أن يكون الصواب «تقضي صومها، و تقضي صلاتها» و لمّا كان المعروف الوارد في روايات كثيرة: أنّ الحائض تقضي صومها و لا تقضي صلاتها، صار هذا الارتكاز و المعروفية سبباً للاشتباه، فزاد بعض الرواة أو بعض النسّاخ ذلك. و هذا الخلل

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 365، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 262/ السطر 26.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 331/ السطر 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 500

الجزئي في فقرة من الرواية، لا يوجب رفع اليد عن الفقرة الأُخرى المفتى بها، و لا ريب أنّ منشأ فتواهم هو

هذه الصحيحة.

و أمّا ما استشهد به لمدعاه: «من أنّه قضيّة فرضيّة؛ لا يبعد عدم تحقّقها في الخارج» فلم يظهر وجهه؛ فإنّ النسيان و الجهل بالحكم خصوصاً في النساء ليس أمراً حادثاً في الأزمنة المتأخّرة، و لا أمراً عزيزاً.

و أمّا ما ذكره أخيراً: «من أنّ التفكيك بين الفقرتين في مثل تلك الرواية، في غاية الإشكال» فلم يتضح وجهه. مع أنّ زيادة لفظة «لا» فيها خطأً و اشتباهاً غير بعيد مع الارتكاز المشار إليه آنفاً، و ما ذكره دليلًا علىٰ عدم إمكان التفكيك أوهن من أصل الدعوىٰ.

و الإنصاف: أنّ رفع اليد عن رواية صحيحة واضحة الدلالة في فقرة منها- لأجل خلل في فقرتها الأُخرىٰ مع اتكال الأصحاب عليها قديماً و حديثاً، غير ممكن.

و أمّا الاحتمالات التي ذكرت في الرواية ممّا ينبو عنها الطبع السليم، فلا ينبغي التعرّض لها. فالحكم على إجماله ممّا لا إشكال فيه نصّاً و فتوى.

توقّف صحّة صوم المستحاضة على الأغسال النهارية

و إنّما الكلام في أنّ صحّة صومها، هل تتوقّف علىٰ جميع الأغسال حتّى غسل الليلة المستقبلة، أو تتوقّف علىٰ غير غسل الليلة المستقبلة، أو على الأغسال النهارية فقط، أو علىٰ غسل الليلة الماضية فقط، أو علىٰ غسل من الأغسال في الجملة؟

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 501

احتمالات، و لبعضها وجه و قول و لا يظهر من النصّ «1» إلّا أنّ تركها للجميع موجب للقضاء، و أمّا أنّ السبب ترك المجموع أو الجميع أو غير ذلك، فلا يعلم منه.

كما أنّ ما في المتون مثل قوله في «الشرائع»: «و إن أخلّت بالأغسال لم يصحّ صومها» «2» و مثله ما في «القواعد» «3» لم يظهر منه أنّ الإخلال بالمجموع أو الجميع يوجب ذلك. و يحتمل أن يكون مرادهم

أنّ الإخلال بشي ء منها يوجبه؛ و إن يبعّده اختيار العلّامة علىٰ ما عن «التذكرة» و «المنتهىٰ» «4» و الشهيد كما عن «البيان» و «الذكرى» «5» و بعضٍ آخر «6» التوقّفَ على الأغسال النهارية، و التردّد في غسل الليلة الماضية، بعد الحكم بعدم التوقّف علىٰ غسل الليلة المستقبلة.

ثمّ إنّ ما ذكر بالنسبة إلى الليلة المستقبلة وجيه؛ لعدم انقداح مؤثّرية الأمر المتأخّر في المتقدّم في ذهن العرف من النصّ و معقد الإجماع المدعىٰ، فالنصّ و الفتوىٰ منصرفان عنه، و لو لا تسالمهم علىٰ توقّفه على النهارية، و ترديدهم في غسل الليلة الماضية حيث يظهر منهم أنّ القدر المتيقّن هو النهارية لكان للإشكال في النهارية مجال، و للذهاب إلى توقّفه على الغسل للعشاءين فقط وجه.

______________________________

(1) و هي صحيحة عليّ بن مهزيار، التي تقدّمت في الصفحة 497.

(2) شرائع الإسلام 1: 27.

(3) قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 15.

(4) تذكرة الفقهاء 2: 104 105، منتهى المطلب 2: 586/ السطر 4.

(5) البيان: 66، ذكرى الشيعة 1: 249.

(6) جامع المقاصد 1: 344، مسالك الأفهام 1: 75، روض الجنان: 87/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 502

لكنّ الأوجه هو التوقّف على النهارية؛ لكونها المتيقّنة ظاهراً. و يمكن أن يوجّه ذلك بأنّ المستفاد من النصّ و الفتوىٰ، حدثية الاستحاضة الكبرى و منافاتها للصوم إجمالًا، و احتمال التعبّد في غاية البُعد و خلافُ المتفاهم من النصّ، فحينئذٍ مع عدم الغسل يكون الخروج اختيارياً بلا عفو، و مع الغسل يكون معفوّاً عنه، فلا محيص عن الأغسال النهارية لصحّته. كما يمكن الاستدلال لغسل الليلة الماضية بذلك.

و كيف كان: فلو تركت غسل العشاءين فالأحوط غسل لصلاة الفجر قبله، أو للصوم قبله.

ثمّ إنّ ظاهر النصّ

اختصاص الحكم بالكثيرة، و لهذا نقل عن ظاهر كثير من الفقهاء اختصاصه بها «1»، فالمتوسّطة تحتاج إلى دليل. و يمكن التقريب المتقدّم فيها بعد البناء علىٰ كونها حدثاً أكبر؛ بدعوىٰ كون الحكم للحدث الأكبر؛ و إن لم يخلُ عن تأمّل و إشكال.

و الحمد للّٰه تعالىٰ

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 262/ السطر 31، شرائع الإسلام 1: 27، الجامع للشرائع: 157، قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 15، البيان: 35.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 503

المقصد الثالث في النفاس

اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 505

تمهيد فيما هو موضوع الأحكام الشرعيّة في المقام؟

و الظاهر أنّه لا ثمرة معتدّاً بها في تحصيل معناه اللغوي أو العرفي؛ لعدم تعليق حكم في النصوص علىٰ هذا العنوان بنحو الإطلاق؛ حتّى يكون العرف أو اللغة مرجعاً لتحصيله، بل الروايات الواردة في هذا الباب، ظاهرة في ترتّب الأحكام علىٰ دم الولادة لا علىٰ نفسها. مضافاً إلىٰ بُعد كون الولد بنفسه حدثاً، بل الظاهر من روايات الباب و ارتكاز المتشرّعة، أنّ الدم هو الحدث، كما في دم الحيض و الاستحاضة.

و بالجملة: لو سلّم كون «النفاس» صادقاً علىٰ نفس الولادة، فلا دليل علىٰ كون مطلق النفاس موضوعاً لحكم شرعي، فكما ذكرنا في باب الحيض: أنّ الشارع المقدّس جعل صنفاً خاصّاً من دم الحيض موضوعاً لحكمه، و حدّده بحدود لا يتجاوز عنها؛ و لو علمنا بأنّ الخارج عنها يكون حيضاً أيضاً «1»، فكذلك نقول في المقام: إنّ المستفاد من النصوص و الفتاوىٰ: أنّ دم الولادة موضوع

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 506

للأحكام الشرعية، فلو كان عنوان «النفاس» أعمّ منه، فلا محالة يكون حاله حال الحيض أو شبيهاً به.

كما أنّ الأمر كذلك في جانب الأكثر؛ فإنّ «دم النفاس» لو صدق على الأكثر من العشرة أو الثمانية عشر كما هو الظاهر فلا إشكال في أنّ الحكم مترتّب علىٰ حدّ خاصّ؛ هو العشرة أو الثمانية عشر؛ على اختلاف فيه، فالزائد عن الحدّ و إن صدق عليه عنوان «النفاس» و «دم الولادة» لكنّ الأحكام لا تترتّب إلّا على المحدود بالحدّ الشرعيّ.

و الحاصل: أنّه لا دليل علىٰ ثبوت حكم لمطلق عنوان «النفاس» حتّى يلزم الفحص و التحقيق لعنوانه لغةً و

عرفاً. و

قوله و غسل النفاس واجب «1»

لا إطلاق فيه كما لا يخفى. و احتمال إطلاقه من حيث التعرّض في غسل الاستحاضة لخصوصيات الكثيرة غير معتنىً به بعد كونه في جميع الفقرات بصدد بيان أصل الوجوب.

هذا مع أنّ تعليق الحكم في جميع الروايات علىٰ دم الولادة، يوجب رفع اليد عن الإطلاق في رواية واحدة؛ علىٰ فرض تسليمه.

و لكنّ الأشبه بنظر العرف: أنّ «النفاس» هو دم الولادة من «النفس» بمعنى الدم. و لو أُطلق علىٰ نفس الولادة كما أُطلق المنفوس في بعض الروايات على المولود «2» فلا يبعد أن يكون بضرب من التأوّل باعتبار خروج الدم معها، و كذا علىٰ تنفّس الرحم، و لهذا نقل عن المطرزي: «و أمّا اشتقاقه من تنفّس الرحم أو

______________________________

(1) الكافي 3: 40/ 2، وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 26: 302، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الخُنثىٰ، الباب 7، الحديث 1 و 2 و 3 و 5 و 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 507

خروج النفس بمعنى الولد، فليس بذاك» «1».

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّه لو خرج الطفل تامّاً و لم يخرج الدم، لم يكن لها نفاس، فما عن الشافعي في أحد قوليه و أحمد في إحدى الروايتين من ثبوت الحكم لها «2» ليس بشي ء.

نعم، ربما يتوهّم من بعض الروايات: أنّ الولادة موضوع الحكم،

كموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يوماً أو يومين، فترى الصفرة أو دماً، قال تصلّي ما لم تلد .. «3» إلىٰ آخره.

و مثلها موثّقته الأُخرىٰ «4» و الظاهر أنّهما واحدة.

وجه التوهّم: أنّ المفهوم منها

أنّها إذا ولدت لم تصلّ، فتكون الولادة تمام الموضوع لحرمة الصلاة.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ الظاهر منها أنّ رؤية الصفرة و الدم قبل الولادة، لا توجب حرمة الصلاة، دون ما بعدها، فحينئذٍ تدلّ الموثّقة علىٰ ما هو المشهور؛ من أنّ الدم موضوع الحكم لا الولادة.

و يشهد له

خبر زُرَيْق بن الزبير الخلقاني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّ رجلًا سأله عن امرأة حامل رأت الدم، فقال تدع الصلاة.

قال: فإنّها رأت الدم و قد أصابها الطلق، فرأته و هي تمخض، قال تصلّي

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 169، المغرب في ترتيب المعرب 2: 222.

(2) انظر الخلاف 1: 245، تذكرة الفقهاء 1: 326، المجموع 2: 150 و 523.

(3) الكافي 3: 100/ 3، تهذيب الأحكام 1: 403/ 1261، وسائل الشيعة 2: 392، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 4، الحديث 1.

(4) الفقيه 1: 56/ 211، وسائل الشيعة 2: 392، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 4، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 508

حتّى يخرج رأس الصبي، فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة ...

إلىٰ أن قال: ما الفرق بين دم الحامل و دم المخاض؟ قال إنّ الحامل قذفت بدم الحيض، و هذه قذفت بدم المخاض إلىٰ أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس، فيجب أن تدع في النفاس و الحيض، فأمّا ما لم يكن حيضاً أو نفاساً فإنّما ذلك من فتق الرحم «1».

حيث علّق الحكم على الدم الخارج مع خروج رأس الطفل، فيظهر منها أنّ الموضوع للحكم هو الدم، لا خروج رأس الولد، كما يتضح ذلك بالتأمّل فيها، فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة.

و كيف كان: فيتمّ المقصد بذكر مسائل:

المسألة الأُولىٰ في أحكام الدم الخارج قبل الولادة و بعدها و المقارن لها
1 حكم الدم المتقدّم على الولادة
اشارة

لو رأت دماً قبل الأخذ في الولادة

و ظهور شي ء من الولد، لم يكن نفاساً و إن كان بعد الطلق؛ بلا خلاف كما عن «الخلاف» و «كشف الرموز» و «التنقيح» و «جامع المقاصد» و «شرحي الجعفرية» و غيرها «2» بل عن «المختلف»

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 699/ 34، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 17.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 399/ السطر 16، الخلاف 1: 246، كشف الرموز 1: 84، التنقيح الرائع 1: 113، جامع المقاصد 1: 346، الحواشي علىٰ شرح اللّمعة الدمشقيّة، المحقّق الخوانساري: 73/ السطر 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 509

و «التذكرة» و «المدارك» و «حاشية الإرشاد» الإجماع عليه «1».

و تدلّ عليه أيضاً موثّقة عمّار بن موسى و رواية زُريق الخلقاني المتقدّمتان «2»، فلا إشكال في ذلك.

حول الحكم بحيضية الدم المتقدّم المستجمع لشرائط الحيض

إنّما الإشكال في أنّه علىٰ تقدير جامعيته لشرائط الحيض من غير تحقّق فصل أقلّ الطهر بينه و بين دم النفاس يحكم بحيضيته؛ بدعوىٰ عدم اعتبار أقلّ الطهر بينه و بين النفاس المتأخّر، أو لا باعتبار اشتراط ذلك؟

و مورد الكلام ما إذا لم يكن مانع من جعله حيضاً إلّا عدم فصل أقلّ الطهر؛ كأن رأت ثلاثة أيّام في أيّام العادة، أو جامعاً للصفات، أو في زمان إمكانه، و رأت الطهر تسعة أيّام، فرأت دم الولادة، فبعد قيام النصّ و الإجماع علىٰ كون دم الولادة نفاساً، دار الأمر بين حيضية الدم السابق و كونه استحاضة، بعد البناء على اجتماع الحيض و الحمل كما هو الأقوىٰ.

فدعوى وفاق «الخلاف» «3» المبتنية علىٰ عدم اجتماعهما، ليست وجيهة في ردّ ما نحن فيه.

و كيف كان: فلا بدّ في المقام من بسط الكلام في أمرين:

أحدهما: فيما يتشبّث به للزوم الفصل بأقلّ الطهر.

و

ثانيهما: بعد الفراغ فرضاً عن عدم الدليل على الاشتراط في أنّه

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 399/ السطر 15، مختلف الشيعة 1: 215، تذكرة الفقهاء 1: 325، مدارك الأحكام 2: 44.

(2) تقدّمتا في الصفحة 507.

(3) الخلاف 1: 246 247.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 510

هل يكفي ذلك في الحكم بالحيضية بواسطة قاعدة الإمكان لو تمّت، أو أمارات الحيض، أو لا بدّ فيه من إحراز عدم الاشتراط؟

ما يتشبّث به للزوم الفصل بأقلّ الطهر

فنقول: استدلّ على الاشتراط «1» بإطلاق مرسلة يونس القصيرة «2» و

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد، و أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلىٰ أن ترى الدم «3».

و فيهما إشكال:

أمّا المرسلة، ففيها: مضافاً إلى الإشكالات المتقدّمة في محلّها «4» عليها أنّ سياقها يشهد بأنّ الطهر الذي فيه، هو الذي يكون لاختزان الدم لأجل القذف في وقته؛ فإنّ قوله

أدنى الطهر عشرة أيّام

لا يناسب قوله

و ذلك أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم ..

إلىٰ آخره، إلّا باعتبار أنّ أدنىٰ ما يمكن اختزان الدم فيه بحسب النوع، و بحسب الأمزجة المتعارفة هو عشرة أيّام، ففي تلك العشرة يجتمع الدم في الرحم، فتقذفه عشرة أيّام في أوائل الأمر و كثرة الدم، و أقلّ منها كلّما كبرت إلىٰ ثلاثة أيّام.

و بالجملة: إنّما يكون أدنى الطهر عشرة أيّام؛ لأنّها أقلّ زمان يمكن فيه

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 264/ السطر 2، مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 434.

(2) الكافي 3: 76/ 5، تهذيب الأحكام 1: 157/ 452، وسائل الشيعة 2: 294، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 4.

(3) الكافي 3: 76/ 4،

تهذيب الأحكام 1: 157/ 451، وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 1.

(4) تقدّم في الصفحة 92 95.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 511

اختزان الدم للقذف عشرة أيّام أو أقلّ؛ بحسب اختلاف سني العمر، فلا يكون فيه إطلاق لمطلق الطهر؛ سواء كان بين الحيضين أو لا، بل و لا لمطلق الحيضتين أيضاً، إلّا ما يكون الطهر طهر الاختزان و الادخار.

و منه يظهر: أنّه لا إطلاق في قوله في ذيلها

و لا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام

ضرورة أنّه لا يزيد على ما في الصدر. مع أنّ كون المرسلة صدراً و ذيلًا في مقام بيان الحيض، يمنع عن استفادة الإطلاق، كما يظهر بالتأمّل فيها.

و أمّا صحيحة ابن مسلم، فلأنّ كون «القرء» بمعنى مطلق الطهر غير ثابت؛ و إن ورد في كتب اللغة: «أنّه من الأضداد؛ فيطلق على الطهر و الحيض» «1» فإنّ الظاهر أنّه لا إطلاق لكلام أهل اللغة حتّى يستفاد منه إطلاقه على مطلق الطهر، بل من المحتمل أن يكون إطلاق «القرء» على الطهر؛ لأجل اجتماع الدم و اختزانه في تلك الأيّام للقذف في وقته، و أمّا إذا كان الاختزان بسبب آخر ككونه لأجل رزق الولد فلا تدلّ عليه، و لا يستفاد حكمه منها.

و بالجملة: القدر المتيقّن من «القرء» هو الطهر الخاصّ لا مطلقاً، و لا دليل علىٰ إطلاقه علىٰ مطلق الطهر، فلا يمكن التشبّث بها لذلك.

و يُشعر بذلك قوله

لا يكون القرء في أقلّ من عشرة

بتخلّل لفظة في و لو كان «القرء» هو الطهر كان حقّ العبارة أن يقال: «لا يكون القرء أقلّ ..» بخلاف ما إذا كان بمعنى جمع الدم، فإنّ المناسب هو تخلّلها كما

لا يخفى، تأمّل.

و إن قيل: «إنّ الأدلّة قد دلّت علىٰ أنّ النفاس حيض محتبِس و أنّ النفساء كالحائض فيتحقّق موضوع ما دلّ علىٰ أنّ الطهر بين الحيضتين، لا يكون أقلّ من عشرة؛ لو سلّم اختصاصها بذلك» «2».

______________________________

(1) الصحاح 1: 64، لسان العرب 11: 80، القاموس المحيط 1: 25.

(2) جواهر الكلام 3: 369.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 512

يجاب عنه: بمنع الصغرىٰ أوّلًا؛ لعدم ما يدلّ علىٰ أنّه حيض محتبس.

نعم،

في رواية مُقرِّن عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): قال سأل سلمان (رحمه اللّٰه) علياً (عليه السّلام) عن رزق الولد في بطن امّه، فقال: إنّ اللّٰه تبارك و تعالى حبس عليه الحيضة، فجعلها رزقه في بطن امّه «1».

و

في صحيحة سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): جعلت فداك، الحبلىٰ ربّما طمثت؟ قال نعم؛ و ذلك أنّ الولد في بطن امّه غذاؤه الدم، فربّما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة «2».

و هما كما ترى لا تدلّان علىٰ أنّ النفاس حيض محتبِس، بل الاولىٰ تدلّ علىٰ أنّ الحيض محتبس لأجل رزق الولد من غير تعرّض للنفاس؛ و أنّه حيض محتبس، و لِمَ لا يجوز أن يكون النفاس دماً غير الحيض موضوعاً أو حكماً؛ و أنّ الرحم بابتلائها بالولد و خروجه عنها تقذف دماً غيره، كما هو الظاهر من مقابلته بدم الحيض في النصّ «3» و الفتوىٰ؟! و لا أقلّ من كون حكمه غير حكم الحيض. و مجرّد اشتراكهما في بعض الأحكام لا يوجب وحدتهما ذاتاً؛ لو لم نقل: بأنّ اختلافهما في بعض الأحكام، دليل على اختلافهما في الموضوع، كما أنّ الجنابة أيضاً مشتركة معه في كثير

من الأحكام.

و أوهن منها دلالة الرواية الثانية؛ فإنّ مفادها فضول دم الحيض عن غذاء الولد و قذفه في زمان الحمل، فلا ربط له بما نحن فيه.

______________________________

(1) علل الشرائع: 291/ 1، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 13.

(2) الكافي 3: 97/ 6، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 14.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 2 و 4 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 513

كما أنّ ما دلّ علىٰ لزوم قعود النساء بمقدار أيّام العادة «1»، لا تدلّ علىٰ كون دم النفاس عين دم الحيض؛ لو لم يدلّ علىٰ خلافه بأن يقال: إنّه لو كان دم الحيض كان عليها القعود أيّام العادة، لا بعد رؤية الدم بمقدارها كما هو مفاد الروايات، تأمّل.

و بمنع الكبرى ثانياً بدعوىٰ: أنّه بعد تسليم كون النفاس حيضاً محتبساً، لكن لا دليل علىٰ أنّ الطهر بين الحيضتين مطلقاً لا يكون أقلّ من عشرة أيّام، بل المتيقّن من الروايتين بالبيان المتقدّم أنّ الطهر الذي يكون منشأً لاختزان الدم و اجتماعه، لا يكون أقلّ، و عدم أقلّيته لأجل كون ذلك المقدار من الزمان صالحاً لجمعه و اختزانه، و أمّا إذا كان الاختزان بسبب آخر فلا، فتدبّر.

و أمّا قضيّة «أنّ النفساء كالحائض في جميع الأحكام» فإن استدلّ عليه

بصحيحة زرارة قال: قلت له: النفساء متى تصلّي؟ .. إلىٰ أن قال: قلت: و الحائض؟ قال مثل ذلك سواء، فإن انقطع عنها الدم و إلّا فهي مستحاضة؛ تصنع مثل النفساء سواء «2».

ففيه: أنّها بصدد بيان كون الحائض كالنفساء في الحكم المذكور فيها، لا في جميع الأحكام.

و

إن استدلّ عليه بالإجماع أو بعدم الخلاف، فنفس هذه المسألة خلافية، و قد مرّ حال دعوى «الخلاف» نفيَ الخلاف فيها «3». مضافاً إلى احتمال استفادة المجمعين من الأدلّة التسوية، و هي غير تامّة الدلالة عندنا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

(3) انظر ما تقدّم في الصفحة 509.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 514

و أمّا الاستدلال «1» على المسألة بإطلاق موثّقة عمّار و رواية رُزيق «2» ففيه ما لا يخفى؛ فإنّ في موثّقة عمّار الاولىٰ قد فرّع رؤية الصفرة أو الدم على الطلق

فقال فرأت صفرة أو دماً

و يظهر منه أنّ رؤيتهما من حصول الطلق.

بل يمكن أن يقال: إنّ رؤية الدم بعد الطلق أمارة عقلائية علىٰ كونها منه، لا من شي ء آخر، و لهذا قال في رواية الخلقاني بعد قوله: ما الفرق بين دم الحامل و دم المخاض؟

إنّ الحامل قذفت بدم الحيض، و هذه قذفت بدم المخاض

مع عدم دليل علىٰ كونه منه إلّا رؤيتها بعده، فالجزم بكونه منه دليل على الأمارية.

و منه يظهر حال موثّقة عمّار الثانية بل هما رواية واحدة نقلها الشيخان مع اختلاف يسير «3».

كما أنّ الاستدلال

بصحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام): في امرأة نفست، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً، ثمّ طهرت، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، قال تدع الصلاة؛ لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس «4»

بدعوىٰ إلغاء الخصوصية بين النفاس المتقدّم و المتأخّر، أو الإجماع علىٰ عدم الفصل، أو كون ذلك قرينة علىٰ إطلاق

مرسلة يونس و صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمتين.

غير وجيه؛ لأنّ الخصوصية بينهما غير ممكنة الإلغاء؛ للفرق بين المتقدّم

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 264/ السطر 2 و 26.

(2) تقدّمتا في الصفحة 507.

(3) تقدّم تخريجهما في الصفحة 507.

(4) الكافي 3: 100/ 1، تهذيب الأحكام 1: 402/ 1260، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 515

و المتأخّر؛ فإنّ في النفاس المتقدّم، يكون مرور الأيّام موجباً لاختزان الدم للقذف المتأخّر، بخلاف المتأخّر؛ فإنّ الاختزان بسبب الولد، و بعد انفتاحه يمكن خروج المختزن للولد، تأمّل. و لا إجماع علىٰ عدم الفصل بعد كون الفرق بينهما مفتى به. و لا قرينية لذلك على إطلاق الروايتين بعد ما مرّ من عدم إطلاقهما.

الرجوع إلى الأمارات لإثبات الحيضية

ثمّ إنّ ما مرّ من الأدلّة قاصر عن إثبات اشتراط الفصل، و أمّا عدم الاشتراط فليس في شي ء منها، فحينئذٍ يمكن أن يقال: كما لا دليل على الاشتراط لا دليل علىٰ نفيه، فتكون الشبهة حكمية، و لا يمكن التمسّك في رفعها بأدلّة أمارات الحيض، و لا بإطلاق أدلّة الأحكام:

أمّا الاولىٰ، فلأنّ سياق أدلّة الأمارات عادة كانت أو صفة إنّما هو في الشبهة الموضوعية، و لا تدفع بها الشبهة الحكمية.

و أمّا التمسّك بإطلاق أدلّة الأحكام، فهو تمسّك به في الشبهة المصداقية؛ للشكّ في كون الدم حيضاً.

نعم، يمكن أن تدفع الشبهة الحكمية بأصالة عدم الاشتراط المعلوم قبل جعل الشرع، و لا يلزم فيها الأثر بعد كونه حكماً شرعيّاً، فحينئذٍ تندفع الشبهة الحكمية، و تبقى الشبهة الموضوعية، فيرجع إلى الأمارات في إثبات الحيضية. و أمّا قاعدة الإمكان فقد مرّ ما فيها «1».

هذا كلّه في الدم المتقدّم على الولادة.

______________________________

(1) تقدّم

في الصفحة 67.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 516

2 حكم الدم المتأخّر عن الولادة

و أمّا الدم عقيب تمام الولادة، فلا إشكال في كونه نفاساً نصّاً «1» و فتوى «2».

3 حكم الدم المقارن للولادة
اشارة

إنّما الكلام في الدم المقارن لها، فعن المشهور كونه نفاساً، ففي «الجواهر»: «المشهور نقلًا و تحصيلًا أنّه كذلك» «3» و عن «الخلاف»: «أنّ ما يخرج مع الولد عندنا يكون نفاساً، و اختلف أصحاب الشافعي «4»» «5» و هو يشعر بعدم الخلاف في المسألة، و لهذا حملت «6» العبارات الموهمة للخلاف كما عن ظاهر السيّد و «جمل الشيخ» و «الغنية» و «الكافي» و «الوسيلة» و «الجامع» «7» علىٰ ما لا ينافي ذلك.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3.

(2) منتهى المطلب 1: 123/ السطر 11، نهاية الإحكام 1: 130، ذكرى الشيعة 1: 259، كشف اللثام 2: 169.

(3) جواهر الكلام 3: 371.

(4) راجع المجموع 2: 518.

(5) الخلاف 1: 246.

(6) كشف اللثام 2: 170 171، جواهر الكلام 3: 371.

(7) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 227، الجمل و العقود، ضمن الرسائل العشر: 165، غنية النزوع 1: 40، الكافي في الفقه: 129، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 61، الجامع للشرائع: 44.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 517

و تدلّ عليه

رواية الخلقاني قال فيها إنّ الحامل قذفت بدم الحيض، و هذه قذفت بدم المخاض إلىٰ أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس «1».

و

رواية السكوني عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال قال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ما كان اللّٰه ليجعل حيضاً مع حبل؛ يعني إذا رأت المرأة الدم و هي حامل لا تدع الصلاة، إلّا أن ترى علىٰ رأس الولد، إذا ضربها الطلق و رأت الدم تركت الصلاة «2».

و لا إشكال فيها

من حيث السند على الأصحّ «3». و احتمال كون التفسير من السكوني «4» بعيد، بل فاسد؛ فإنّ ما ذكر ليس تفسير العبارة المنقولة عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لأنّ الاستثناء فيه أمر زائد عليها، و لا يكون تفسيرها، فهو إمّا من اجتهاده، و هو- مع غاية بُعده مخالف لقوله يعني و إمّا من أبي عبد اللّٰه أو أبي جعفر (عليهما السّلام) و هو غير بعيد منهما؛ لاطلاعهما على الأحكام و علىٰ تفسير ما ورد عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) زائداً على الأفهام العامّة، كما ورد منهما نظائره.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 507.

(2) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1196، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 12.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيىٰ، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني.

لا إشكال في السند لأنّ النوفلي و إن لم يرد فيه توثيق، و السكوني و إن كان عاميا إلّا أنّ الأرجح عند المصنّف (قدّس سرّه) وثاقتهما، كما يظهر بالفحص و التدبّر في رواياتهما و عمل الأصحاب بها.

راجع ما يأتي في الجزء الثاني: 31.

(4) جواهر الكلام 3: 371.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 518

و يشهد لما ذكرنا ورود هذه الرواية بعينها مع اختلاف يسير في الألفاظ بدون كلمة يعني

في «الجعفريّات» عن عليّ (عليه السّلام) قال قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ما كان اللّٰه عزّ و جلّ ليجعل حيضها مع حمل، فإذا رأت المرأة الدم و هي حبلىٰ فلا تدع الصلاة، إلّا أن ترى الدم علىٰ رأس ولادتها، إذا ضربها الطلق و رأت

الدم تركت الصلاة «1».

و هي كما ترى عين تلك الرواية. و الظاهر أنّ قوله: «رأس ولادتها» من أغلاط النسخ، و الصحيح: «علىٰ رأس ولدها» أو «وليدتها» و هذه الرواية توجب الوثوق بأنّ التفسير في رواية السكوني ليس منه، فتصير حجّة معتبرة. مع احتمال اعتبار «الجعفريّات» في نفسها، و يطول الكلام بذكر سندها و البحث عن رجاله.

و أمّا مطروحية صدرهما فلا تضرّ بالعمل بذيلهما، خصوصاً مع كون الاستثناء الواقع في الذيل، زائداً علىٰ أصل الحكم، و يكون حكماً مستقلا.

هذا مع قوّة احتمال صدق «النفاس» على الدم المقارن للولادة. بل يمكن أن يقال بصدقه علىٰ ما حصل قبل الولادة إذا كان من مقدّماتها؛ لأنّ دم الولادة- علىٰ فرض كونه نفاساً لغةً يصدق علىٰ كلّ دم يرتبط بالولادة؛ سواء كان قبلها و من مقدّماتها، أو معها، أو بعدها، و إنّما خرجنا عمّا قبل الولادة لقيام الدليل، فلو نوقش في الدم المتقدّم فلا ينبغي المناقشة في المصاحب. بل لعلّ صدقه عليه أولىٰ منه على المتأخّر، تأمّل.

و كيف كان: فيظهر من مجموع ما ذكر أنّ الدم المصاحب نفاس، فيجب

______________________________

(1) الجعفريّات، ضمن قرب الإسناد: 25، مستدرك الوسائل 2: 25، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 519

التصرّف في موثّقة عمّار «1» و إن كان الظاهر منها أنّ الغاية لوجوب الصلاة عليها حصول الولادة؛ باعتبار تصدير المضارع بلفظة لم الموجب لنقل المعنى إلى المضيّ، لكنّ التصرّف فيها أهون من رفع اليد عن جميع ما تقدّم، كما لا يخفى على المنصف.

نفاسيّة الدم الخارج مع المضغة

ثمّ إنّ مقتضى الجمود علىٰ عبارة اللغويين و على الروايات في الباب، هو عدم الحكم بنفاسية الدم الخارج مع المضغة، فضلًا

عن الخارج مع العَلَقة أو النُّطفة المستقرّة؛ لعدم صدق «الولادة» إلّا مع صدق «الولد» على الخارج «فالولادة» و «الولد» و «المولود» من المتضايفات التي لا يصدق واحد منها علىٰ موضوعه إلّا مع صدق غيره علىٰ موضوعه.

لكنّه جمود غير وجيه لدى العرف؛ فإنّ الظاهر أنّ أهل اللغة من «كون النفاس دم الولادة» ليس إلىٰ ما ذكر؛ بحيث يكون دم النفاس دائراً مدار صدق عنوان «الولد» حتّى يكون الدم الخارج مع المضغة التي تصير متشكّلة بصورة آدمي بعد يومين غير دم النفاس، ثمّ يصير بعد اليومين دمه.

و الظاهر أنّ الروايات المشعرة بكون النفاس دم الولادة، أيضاً لا يستفاد منها اعتبار صدق «الولادة» بالمعنى المتقدّم، و لهذا ترى تسالم الفقهاء علىٰ نفاسية ما خرج عقيب ما كان منشأ آدمي، فعن «التذكرة» و «شرح الجعفرية» الإجماع علىٰ نفاسية الدم إذا ولدت علقة أو مضغة بعد شهادة القوابل بذلك أو العلم به «2»،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 507.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 400/ السطر 10، تذكرة الفقهاء 1: 326.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 520

و علّله في «التذكرة»: «بأنّه دم جاء عقيب حمل» و إنكار بعضهم ذلك معلّلًا بعدم العلم بكونه مبدأ نشوء آدمي «1»، يدلّ علىٰ أنّ الإنكار لأجل الشكّ في الموضوع.

و لهذا حكي عن «المنتهىٰ»: «لو وضعت شيئاً تبيّن فيه خلق الإنسان فرأت الدم، فهو نفاس إجماعاً» «2».

و الظاهر أنّ مراده من تبيّن خلق الإنسان فيه، أنّه علم كونه مبدأ خلقه، لا أنّه ظهر فيه خلقه بحصول الصورة الإنسانية فيه؛ بقرينة دعواه الإجماع على العلقة و المضغة، و لأنّه ليس الإنسان بعد تمامية خلقته موضوعاً للبحث و الجدال، فإنكار بعض المتأخّرين نفاسيّة ذلك «3» كأنّه

ليس في محلّه.

بل الظاهر نفاسية ما خرج مع النطفة إذا علم أنّها كانت مستقرّة في الرحم لنشوء آدمي؛ لعدم الفرق بينها و بين العلقة بل المضغة في الإبرام و الإنكار.

______________________________

(1) المعتبر 1: 252، جامع المقاصد 1: 346، روض الجنان: 88/ السطر 28.

(2) منتهى المطلب 1: 123/ السطر 11.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 169.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 521

المسألة الثانية في حدّ النفاس من طرف القلّة

لا حدّ لأقلّ النفاس؛ إجماعاً عن «الخلاف» و «الغنية» و «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «الذكرى» و «كشف الالتباس» «1» و عن «جامع المقاصد» و «شرحي الجعفريّة»: «لا خلاف فيه بين أحد من الأصحاب» «2» و عن «المدارك» و «شرح المفاتيح»: «هو مذهب علمائنا و أكثر العامّة» «3».

و يدلّ عليه بعد ذلك

خبر رزيق بن الزبير المتقدّم «4»؛ لإطلاق قوله فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة

الظاهر في أنّها إذا رأت الدم بعد خروج رأسه .. بمناسبة صدره و ذيله، و إطلاقه يقتضي عدم وجوبها عليها و لو رأت لحظة.

و لقوله

و هذه قذفت بدم المخاض إلىٰ أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس، فيجب أن تدع في النفاس و الحيض.

فإنّ قوله

يصير دم النفاس

ظاهر في أنّ الدم المرئي بعد ظهور الولد نفاس و هو بمنزلة الصغرىٰ لقوله

فيجب أن تدع في النفاس و الحيض

فعلّق الحكم علىٰ عنوان

النفاس

و عيّن الصغرىٰ بقوله

يصير دم النفاس

فيظهر منه أنّ دم النفاس مطلقاً موجب لعدم وجوب الصلاة عليها و هو المطلوب.

______________________________

(1) الخلاف 1: 245، غنية النزوع 1: 40، المعتبر 1: 252، منتهى المطلب 1: 123/ السطر 28، تذكرة الفقهاء 1: 326، ذكرى الشيعة 1: 259، كشف الالتباس: 132/ 12.

(2) انظر مفتاح

الكرامة 1: 401/ السطر 16، جامع المقاصد 1: 347.

(3) مدارك الأحكام 2: 44، مصابيح الظلام 1: 56/ السطر 17 (مخطوط).

(4) تقدّم في الصفحة 507.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 522

و ليس في الروايات ما علّق الحكم علىٰ «دم النفاس» إلّا ذلك، و هو و إن كان ضعيف السند «1»، لكن لا يبعد أن يكون مستند الأصحاب، فيجبر سنده و إن لم يخل من التأمّل.

و يدلّ عليه إطلاق قويّة السكوني، و قد تقدّم الكلام فيها «2»؛ و إن أمكن المناقشة في إطلاقها.

و أمّا الاستدلال

بموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يوماً أو يومين، فترى الصفرة أو دماً، قال تصلّي ما لم تلد .. «3»

إلىٰ آخره.

بدعوىٰ: أنّ جعل الغاية للصلاة عدم الولادة، يدلّ علىٰ أنّ الولادة مع رؤية الدم أو الصفرة مطلقاً، موضوع لقطع وجوب الصلاة.

أو بدعوىٰ: أنّ إطلاق المفهوم يقتضي ذلك.

ففيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّ الظاهر منها أنّه بصدد بيان المغيّا؛ و أنّه تجب عليها الصلاة قبل الولادة، و لا يكون في مقام بيان حكم المفهوم حتّى يؤخذ بإطلاقه، فتدلّ الرواية علىٰ ثبوت الصلاة مطلقاً ما لم تلد، لا على سقوطها مطلقاً لدى الولادة، و لعلّه مشروط بشرط آخر.

كما أنّ الاستدلال «4»

بصحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي، عن الحسين بن عبيد اللّٰه بن إبراهيم، عن هارون بن موسى التلعكبري، عن محمّد بن همام بن سهيل، عن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن خالد الطيالسي الخزّاز، عن زريق. و الرواية ضعيفة بالطيالسي و زريق فإنّهما مهملان.

رجال النجاشي: 340/ 910، و 168/ 442.

(2) تقدّم في الصفحة

517.

(3) تقدّم في الصفحة 507.

(4) مدارك الأحكام 2: 44، جواهر الكلام 3: 368.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 523

الماضي (عليه السّلام) عن النفساء؛ و كم يجب عليها ترك الصلاة؟ قال تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً .. «1»

إلىٰ آخره؛ بدعوىٰ تعليق الحكم علىٰ رؤية الدم العبيط، فإطلاقه يقتضي نفاسية الدم و لو لحظة.

في غير محلّه؛ ضرورة أنّ السؤال و الجواب إنّما هو عن جانب الأكثر، فهي بصدد بيان حدّه في ذاك الطرف، لا في طرف القلّة. مع وهنها بموافقة العامة «2» و مخالفة الشهرة «3».

و منها يظهر الحال في رواية ليث المرادي «4» مع ضعف سندها «5». فعمدة المستند الإجماع و رواية الخلقاني «6».

و قد يستدلّ عليه بإناطة الأحكام بالمسمّى الصادق على القليل و الكثير «7».

و فيه: أنّه ليس في الأخبار علىٰ كثرتها ما أُنيط فيه حكم بالمسمّى بنحو الإطلاق غير رواية الخلقاني المتقدّمة، و قد ذكرنا إهمال

قوله غسل النفساء واجب «8».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 174/ 497، وسائل الشيعة 2: 387، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 16.

(2) المجموع 2: 525.

(3) انظر مفتاح الكرامة 1: 401/ السطر 22، و راجع ما يأتي في الصفحة 524.

(4) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «سألته عن النفساء، كم حدّ نفاسها حتّى تجب عليها الصلاة؟ قال: ليس لها حدّ». تهذيب الأحكام 1: 180/ 516، وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 2، الحديث 1.

(5) يأتي وجه ضعفها في الصفحة 524.

(6) تقدّمت في الصفحة 507 و 517.

(7) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 256/ السطر 6، مصباح الفقيه، الطهارة: 332/ السطر 21.

(8) تقدّم في الصفحة 506.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 1، ص: 524

المسألة الثالثة في حدّ النفاس من طرف الكثرة
اشارة

لا إشكال في أنّ للنفاس في جانب الكثرة حدّا، فما في رواية المرادي «1» من نفي الحدّ له الظاهر في نفيه في الجانب الأكثر مع ضعف سندها بأبي جميلة الضعيف الذي قالوا فيه: «إنّه كذّاب يضع الحديث» «2» و بمجهولية أحمد بن عبدوس مطروح أو مأوّل، كمرسلة «المقنع» «3».

و قد وقع الخلاف في حدّ الأكثر، فعن المشهور: «أنّ أكثره عشرة» و قد حكيت الشهرة عن «التذكرة» و «الذكرى» و «كشف الالتباس» و «جامع المقاصد» و «فوائد الشرائع» و «شرح الجعفريّة» و «الروضة» «4» و عن «الجعفرية»: «أنّه الأشهر» «5»، و عن «المبسوط» و «كشف اللثام»: «أنّه مذهب الأكثر» «6» و عن موضع من «الذكرى»: «أنّه مذهب الأصحاب» «7»، و عن «كشف الرموز»: «أنّه

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 523، الهامش 4.

(2) رجال ابن داود: 280/ 511، رجال العلّامة الحلّي: 258/ 2، مجمع الرجال 6: 122.

(3)

روي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال: «إنّ نساءكم لسن كالنساء الأُول، إنّ نساءكم أكبر لحماً و أكثر دماً فلتقعد حتّى تطهر».

المقنع: 51.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 401/ السطر 22، تذكرة الفقهاء 1: 327 328، ذكرى الشيعة 1: 260، كشف الالتباس: 132/ السطر 15 (مخطوط)، جامع المقاصد 1: 347، الروضة البهية 1: 395.

(5) الرسالة الجعفريّة، ضمن رسائل المحقّق الكركي 1: 92.

(6) المبسوط 1: 69، كشف اللثام 2: 174.

(7) ذكرى الشيعة 1: 261.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 525

الأظهر بين الأصحاب» «1» و عن «الخلاف» و «الغنية» الإجماع عليه «2».

و لا يبعد أن لا يكون مراد المشهور كما عليه الأعلام «3» أنّ العشرة حدّ قعود النساء في النفاس مطلقاً، بل مرادهم

أنّه لا يتجاوز نفاس عن عشرة أيّام، كما أنّ قولهم في الحيض: «إنّ أكثره عشرة أيّام» هو ذلك. و لا ينافي ذلك وجوب رجوع بعض النفساوات إلىٰ غير العشرة، كذات العادة مع تجاوز دمها عنها، فإنّ الرجوع إلى العادة حكم ظاهري، و لا تكون أيّام العادة حدّا للنفاس. و لا يبعد أن يكون مرادهم من «أنّ الحدّ له عشرة أيّام» هو الحدّ للنفاس واقعاً، و اتكلوا في حكم ذات العادة علىٰ ما قالوا: «من أنّ حكم النفساء حكم الحائض مطلقاً إلّا ما استثني» «4».

و إطلاق كلام بعضهم: «أنّ النفساء تقعد عشرة أيّام إلّا أن تطهر قبل ذلك» «5» لا ينافي رجوع ذات العادة إلىٰ عادتها مع التجاوز؛ لإمكان كون المراد أنّها تقعد إلىٰ عشرة أيّام استظهاراً.

و بالجملة: كون الحدّ الواقعي عشرة أيّام، لا ينافي رجوع ذات العادة مع استمرار دمها و تجاوزه عن العشرة إلىٰ عادتها، فإنّه حكم ظاهري، لا حدّ واقعي.

فما عن الشهيد في «الذكرى»: «أنّ الأخبار الصحيحة المشهورة تشهد برجوعها إلىٰ عادتها في الحيض، و الأصحاب يفتون بالعشرة، و بينهما تنافٍ ظاهر» «6» ليس بوجيه.

______________________________

(1) كشف الرموز 1: 85.

(2) الخلاف 1: 243 244، غنية النزوع 1: 40.

(3) مستند الشيعة 3: 51، جواهر الكلام 3: 374.

(4) إرشاد الأذهان 1: 229، جامع المقاصد 1: 349، روض الجنان: 90/ السطر 14.

(5) المقنع: 50.

(6) ذكرى الشيعة 1: 261.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 526

و عن المحقّق في «المعتبر» اختيار عشرة أيّام مطلقاً حتّى في ذات العادة، قال: «لا ترجع النفساء مع تجاوز الدم إلىٰ عادتها في النفاس، و لا إلىٰ عادتها في الحيض، و لا إلىٰ عادة نسائها، بل تجعل عشرة نفاساً، و

ما زاد استحاضة حتّى تستوفي عشرة أيّام، و هي أقلّ الطهر» «1» انتهىٰ.

و لا يخفىٰ: أنّ قوله ليس مخالفاً للقوم في حدّ النفاس، بل مخالف لهم في رجوع ذات العادة إلىٰ عادتها.

و عن جملة من كتب الأصحاب ثمانية عشر مطلقاً ك «الفقيه» و «الانتصار» «2» قائلًا: «و ممّا انفردت به الإماميّة القول: بأنّ أكثر النفاس مع الاستظهار التامّ ثمانية عشر يوماً» و الظاهر أنّه ليس اختيار ثمانية عشر يوماً؛ لأنّ أيّام الاستظهار ليست أيّام النفاس بيقين، نعم يظهر منه إمكانه إلىٰ ثمانية عشر يوماً. و عن «المراسم» «3» و «المختلف» «4» و ظاهر «الهداية» «5» و عن أبي علي «6» و «الأمالي» «7» و «جمل السيّد» «8» و حكي تقريبُه إلى الصواب عن «المنتهي» «9»

______________________________

(1) المعتبر 1: 257.

(2) الفقيه 1: 55/ 19، الانتصار: 35.

(3) المراسم: 44.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 402/ السطر 2، مختلف الشيعة 1: 216.

(5) الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 50/ السطر 12.

(6) انظر المعتبر 1: 253، مختلف الشيعة 1: 216.

(7) أمالي الصدوق: 516.

(8) لم نعثر عليه في جمل العلم و العمل، انظر كشف اللثام 2: 175، مفتاح الكرامة 1: 402/ السطر 4.

(9) منتهى المطلب 1: 125/ السطر 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 527

و استحسانه عن «التنقيح» «1» و نفيُ البعد عنه عن «مجمع الفائدة و البرهان» «2».

و عن العلّامة في «المختلف» التفصيل بين ذات العادة و غيرها «و أنّها ترجع إلىٰ عادتها في الحيض إن كانت ذات عادة في الحيض، و إن كانت مبتدئة صبرت ثمانية عشر يوماً» «3». و الظاهر أنّ غير مستقرّة العادة حكمها عنده كالمبتدئة، كما يظهر بالتأمّل في عبارة «المختلف» و صرّح بالتسوية في

«القواعد» «4» و عن المقداد استحسانه «5»، و نقل ميل بعض متأخّري المتأخّرين إليه «6».

و يظهر ممّا مرّ آنفاً أنّ هذا ليس تفصيلًا في المسألة؛ فإنّ رجوع ذات العادة إلىٰ عادتها حكم ظاهري، و لا قولًا مخالفاً للمشهور، كما نفينا عنه البُعد.

و عن العماني: «أنّ أكثره أحد و عشرون يوماً» «7» و الظاهر منه أنّه حدّ إمكانه.

و عن المفيد: «أنّه أحد عشر يوماً» «8».

و

عن «الفقه الرضوي»: «النفساء تدع الصلاة؛ أكثره مثل أيّام حيضة، و هي عشرة أيّام، و تستظهر بثلاثة أيّام، ثمّ تغتسل، فإذا رأت الدم عملت كما تعمل

______________________________

(1) التنقيح الرائع 1: 114.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 169.

(3) مختلف الشيعة 1: 216.

(4) قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 9.

(5) التنقيح الرائع 1: 114.

(6) مدارك الأحكام 2: 48.

(7) انظر المعتبر 1: 253.

(8) لم نعثر عليه في المقنعة و أحكام النساء المطبوعة ضمن مصنّفات الشيخ المفيد و لكن نقل عنه في السرائر و المفتاح.

انظر السرائر 1: 52، مفتاح الكرامة 1: 402/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 528

المستحاضة. و قد روي ثمانية عشر يوماً، و روى ثلاثة و عشرين يوماً، و بأيّ هذه الأحاديث أُخذ من جهة التسليم جاز» «1»

انتهىٰ.

و أمثال هذه العبارة من «فقه الرضا» شاهدة علىٰ أنّ هذا الكتاب من تصنيف بعض العلماء، لا كتاب مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السّلام).

و كيف كان: فمنشأ اختلاف الآراء هو اختلاف الأخبار، و اختلاف أنظارهم في فهمها، و الجمع بين شتاتها؛ لأنّ الأخبار علىٰ طوائف:

حول الأخبار الواردة في أكثر النفاس
الطائفة الأُولى:

منها: ما وردت في ذات العادة، فأرجعتها إلىٰ عادتها و الاستظهار بعدها بيوم أو يومين أو زائداً، و هي أسدّ الروايات سنداً، و أوضحها دلالةً،

كصحيحة زرارة قال:

قلت له: النفساء متى تصلّي؟ فقال تقعد بقدر حيضها، و تستظهر بيومين، فإذا انقطع الدم، و إلّا اغتسلت و احتشت ...

إلىٰ أن قال قلت: و الحائض؟ قال مثل ذلك سواء، فإن انقطع عنها الدم، و إلّا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء .. «2»

إلىٰ آخره.

و هذه الصحيحة و إن لم يستفد منها أنّ النفساء كالحائض في جميع

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 191، مستدرك الوسائل 2: 47، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 1، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 529

الأحكام كما مرّ «1»، لكن يستفاد منها سوائيتهما في هذا الحكم المذكور فيها؛ من القعود بقدر أيّام الحيض و الاستظهار، ثمّ عمل المستحاضة. و قد تقدّم في الحيض عدم كونه أكثر من عشرة «2»، و إنّما الاستظهار إلى العشرة لأجل احتمال الانقطاع إليها و كون المجموع حيضاً، و التجاوز عنها و كون الزائد على أيّام العادة استحاضةً، و لمّا لم يكن الأمر معلوماً أُمرت بالاستظهار؛ تغليباً لجانب الحيض.

و كيف كان: فيتضح من الصحيحة سوائيّة الحائض و النفساء في الرجوع إلى العادة و الاستظهار و عمل الاستحاضة، و كما أنّ في الحيض يحكم بعدم تجاوزه عن العشرة، فكذلك في النفاس؛ لما ذكر، و لما يفهم من شدّة المناسبة بينهما من الصحيحة و غيرها ممّا يأتي.

و

كصحيحة اخرىٰ له، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي تمكث فيها، ثمّ تغتسل و تعمل كما تعمل المستحاضة «3».

و

صحيحة يونس بن يعقوب، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه

السّلام) عن امرأة ولدت، فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى؟ قال فلتقعد أيّام قرئها التي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام «4».

و المراد عشرة أيّام من يوم رأت الدم؛ أي إلىٰ عشرة من أوّل أيّام القعود؛

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 513.

(2) تقدّم في الصفحة 111.

(3) الكافي 3: 97/ 1، تهذيب الأحكام 1: 173/ 495، وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 175/ 502، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 530

بقرينة سائر الروايات، و ورود مثلها بعين السند في الحيض أيضاً «1». و الحمل علىٰ عشرة من بعد أيّام العادة في التي عادتها ثمانية «2» مع فساده في نفسه لا ينطبق علىٰ رأي من قال بكون النفاس ثمانية عشر يوماً؛ لأنّ الاستظهار ينافي الجزم بكون الدم نفاساً.

و المراد من القعود أيّام العادة، هو بقدر أيّام العادة من حين وضعت في الدورة الاولىٰ؛ بشهادة

حسنة مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال نعم، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها، ثمّ تستظهر بيوم، فلا بأس بعدُ أن يغشاها .. «3»

إلىٰ غير ذلك «4».

و هذه الطائفة المشتملة على الصحاح، ممّا استدلّ به لمذهب المشهور؛ بدعوى استفادة شدّة المناسبة بين النفاس و الحيض؛ بحيث يفهم منها أنّها بعد الاستظهار إلىٰ عشرة أيّام مستحاضة، كما قلنا في الحيض، فيستفاد منه أنّ أكثره- كأكثر الحيض عشرة أيّام «5».

و فيه: أنّ تلك الروايات كروايات الاستظهار في باب الحيض لا يستفاد منها إلّا الرجوع إلى

العادة و الاستظهار، ثمّ العمل بما تعمل المستحاضة؛ من غير

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1259، الإستبصار 1: 149/ 516، وسائل الشيعة 2: 303، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 12.

(2) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 265/ السطر 22.

(3) تهذيب الأحكام 1: 176/ 505، وسائل الشيعة 2: 395، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 7، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 2: 382 385، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 5 و 8 و 9 و 11.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 336/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 531

تعرّض فيها لحدّ الحيض أو النفاس بحسب الواقع.

بل المستفاد من تلك الروايات إمكان كون النفاس أكثر من عشرة أيّام؛ لأنّ إطلاق ما دلّ على الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام «1»، شامل لمن كانت عادتها عشرة أيّام أو تسعة أو ثمانية. و من كانت عادتها عشرة أيّام يكون حكمها الاستظهار بيوم إلىٰ ثلاثة أيّام، فيثبت به أنّ النفاس ممكن إلىٰ ثلاثة عشر يوماً.

و كذا إطلاق موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) الحاكمة بالاستظهار بمثل ثلثي أيّامها «2» شاهد علىٰ إمكانه إلىٰ سبعة عشر يوماً تقريباً. كما أنّ ظاهر صحيحة يونس بن يعقوب «3» الحاكمة بالاستظهار بعشرة أيّام، هو إمكانه إلىٰ عشرين يوماً.

و إنّما خرجنا عن إطلاق أدلّة الاستظهار في الحيض «4»؛ لأجل ورود نصوص مستفيضة مفتى بها بين الأصحاب بأنّ أكثر الحيض عشرة أيّام «5»، و لو لم ترد تلك النصوص فيه، لم تدلّ أدلّة الاستظهار علىٰ أنّ حدّه عشرة أيّام، بل مقتضىٰ إطلاقها و شمولها للمعتادة عشرة أيّام، إمكان استمرار الحيض إلىٰ ثلاثة عشر يوماً.

بل مقتضىٰ ظهور رواية يونس بن

يعقوب الواردة في الحيض بعين السند

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 4 و 2 و 11.

(2) تهذيب الأحكام 1: 403/ 1262، وسائل الشيعة 2: 389، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 20.

(3) تقدمت في الصفحة 529.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

(5) راجع وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 532

في النفاس الحاكمة بالاستظهار بعشرة أيّام إمكانه إلىٰ عشرين يوماً. و إنّما قلنا برفع الاستظهار بعد العشرة من أوّل العادة، و عدم الاستظهار فيمن كانت عادتها عشرة أيّام، و عدم الاستظهار بيومين فيمن كانت عادتها تسعة أيّام .. و هكذا؛ للأدلّة الدالّة علىٰ تحديد أكثر الحيض.

و الإنصاف: أنّه لو لم يكن في المقام دليل علىٰ تحديد النفاس، لكانت تلك الأدلّة الواردة في الاستظهار فيه، من أقوى الشواهد علىٰ عدم تحديده بعشرة أيّام، بل من الأدلّة الدالّة علىٰ ثمانية عشر، بعد تقييد ما دلّ على الزائد عليها بالإجماع علىٰ عدم الزيادة عليها، فلا بدّ من التماس دليل على التحديد حتّى نرفع اليد عن إطلاق تلك الأدلّة.

و من ذلك يعرف: أنّ استناد المشهور لإثبات التحديد بالعشرة لا يمكن أن يكون إلىٰ تلك الروايات، و أنّ قول المفيد أو الشيخ بمجي ء روايات معتمدة دالّة عليه «1»، لا يكون ناظراً إليها، إلّا أن نقول: بخطإ المفيد و غيره من الفقهاء، و هو كما ترى.

الطائفة الثانية:

و منها: ما وردت في قضيّة أسماء بنت عُمَيْس:

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم) حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف و الخرق و تهلّ بالحجّ، فلمّا قدموا مكّة و قد نسكوا المناسك و قد أتى لها ثمانية عشر يوماً، فأمرها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن تطوف بالبيت

______________________________

(1) المقنعة: 57، تهذيب الأحكام 1: 174.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 533

و تصلّي، و لم ينقطع عنها الدم، ففعلت ذلك «1».

و

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، كم تقعد؟ فقال إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن تغتسل لثمان عشرة، و لا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين «2».

و

مرسلة الصدوق قال: «إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر في حجّة الوداع، فأمرها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن تقعد ثمانية عشر يوماً» «3».

و هذه الطائفة لا تنافي الطائفة الاولىٰ، بل توافقها و تؤيّدها. بل صحيحة محمّد و المرسلة تدلّان علىٰ أنّ أكثر النفاس ثمانية عشر يوماً.

نعم، لا بدّ من رفع اليد عن الاستظهار بيومين في صحيحة ابن مسلم؛ لعدم الاستظهار بعد قعودها ثمانية عشر يوماً؛ لعدم احتمال النفاس بعدها إجماعاً.

و أمّا الاستظهار بيوم بعد ظهور الصحيحة بمقتضىٰ تذكير العدد في ثمان عشرة ليلة فلا بأس به إلّا في بعض الصور، فيرفع اليد عنه فيه.

و كذا لا تنافيها

مرفوعة إبراهيم بن هاشم قال: سألتْ امرأةٌ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقالت: إنّي كنت أقعد في نفاسي عشرين يوماً حتّى أفتوني بثمانية عشر يوماً.

فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و لِمَ أفتوك بثمانية عشر يوماً؟ فقال رجل

______________________________

(1)

الكافي 4: 449/ 1، تهذيب الأحكام 1: 179/ 513، وسائل الشيعة 2: 384، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 6.

(2) تهذيب الأحكام 1: 178/ 511، وسائل الشيعة 2: 387، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 15.

(3) الفقيه 1: 55/ 209، وسائل الشيعة 2: 389، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 534

للحديث الذي روي عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أنّه قال لأسماء بنت عميس حيث نفست بمحمّد بن أبي بكر، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّ أسماء سألت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و قد أتى لها ثمانية عشر يوماً، و لو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل و تفعل ما تفعل المستحاضة «1».

لأنّه (عليه السّلام) لم ينفِ كون حدّ النفاس ثمانية عشر يوماً، بل نفىٰ لزوم قعودها ثمانية عشر يوماً مستنداً إلىٰ قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و قال: «إنّها لو سألت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قبل ذلك لأمرها بما أمرها بعد ثمانية عشر» فيمكن أن يكون الحدّ الواقعي للنفاس ثمانية عشر يوماً، لكن يجب لذات العادة القعود أيّام العادة، ثمّ الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة، ثمّ عمل المستحاضة.

و ظاهر المرفوعة و إن كان عدم جواز القعود ثمانية عشر يوماً، كما هو ظاهر بعض الروايات الواردة في الاستظهار «2»، لكن مقتضى الصناعة رفع اليد عن هذا الظاهر بما دلّ علىٰ جواز القعود إلىٰ ثمانية عشر يوماً، كالروايات الآتية و بعض ما تقدّمت، و حمل المرفوعة على استحباب عمل المستحاضة قبل ثمانية

عشر يوماً، إلّا إذا كانت أيّامها قريبة من أيّام العادة، كاليوم و اليومين و ثلاثة أيّام، بل إلىٰ عشرة أيّام، فيستحبّ الاستظهار.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال

في رواية حُمْران بن أعين المنقولة عن «كتاب الأغسال» لأحمد بن محمّد بن عيّاش الجوهري و قوله فيها قلت: فما حدّ النفساء؟ قال تقعد أيّامها «3»

محمولٌ على الحكم، و معناه: فما تكليفها؟ بل

______________________________

(1) الكافي 3: 98/ 3، تهذيب الأحكام 1: 178/ 512، وسائل الشيعة 2: 384، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 2 و 3 و 5.

(3) منتقى الجمان 1: 235، وسائل الشيعة 2: 386، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 535

المتفاهم من العبارة هو السؤال عنه، لا عن حدّ النفاس، و إلّا لقال: «فما حدّ النفاس؟» و لهذا أجاب عن تكليفها في الظاهر بالقعود أيّام الطمث و الاستظهار، و هو لا يناسب السؤال عن الحدّ الواقعي للنفاس.

الطائفة الثالثة:

كما أنّه بما ذكرنا يظهر حال طائفة أُخرى من الروايات،

كصحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): كم تقعد النفساء حتّى تصلّي؟ قال ثمان عشرة؛ سبع عشرة، ثمّ تغتسل و تحتشي و تصلّي «1».

و

صحيحة ابن سنان بناءً علىٰ كونه عبد اللّٰه، كما هو الظاهر قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول تقعد النفساء سبع عشرة ليلة، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة «2».

و

رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون، قال و النفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً، فإن طهرت قبل

ذلك صلّت، و إن لم تطهر حتّى تجاوز ثمانية عشر يوماً، اغتسلت و صلّت و عملت بما تعمل المستحاضة «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 177/ 508، وسائل الشيعة 2: 386، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 12.

(2) تهذيب الأحكام 1: 177/ 510، وسائل الشيعة 2: 387، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 14.

(3) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 125/ 1، وسائل الشيعة 2: 390، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 536

كيفية الجمع بين الطوائف السابقة

فمقتضى الجمع بينها أنّ لذات العادة القعود إلىٰ ثمانية عشر يوماً؛ أيّام عادتها نفاساً، و الزائد استظهاراً، فتكون جميع الطوائف شاهدة علىٰ إمكان كون النفاس أكثر من عشرة أيّام، بل إلىٰ ثمانية عشر يوماً، فتكون مؤيّدة للطائفة الأُخرى المتعرّضة لحدّ النفاس بحسب الواقع، كمرسلة الصدوق و

رواية حنّان بن سدير قال قلت: لأيّ علّة أُعطيت النفساء ثمانية عشر يوماً؟ قال لأنّ أقلّ أيّام الحيض ثلاثة أيّام، و أكثرها عشرة أيّام، و أوسطها خمسة أيّام، فجعل اللّٰه عزّ و جلّ للنفساء أقلّ الحيض و أوسطه و أكثره «1».

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ مقتضى الجمع بين جميع الطوائف، هو كون حدّ النفاس واقعاً ثمانية عشر يوماً مطلقاً، و ذات العادة إنّما ترجع إلىٰ عادتها بحسب تكليفها الظاهري، و تستظهر جوازاً إلىٰ ثمانية عشر يوماً؛ و إن كان المستحبّ لها أن تعمل عمل المستحاضة بعد الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام، و يحمل اختلاف الروايات في الاستظهار على اختلاف مراتب الفضل، أو علىٰ ما ذكرنا في الحيض «2».

و يظهر ممّا مرّ: أنّ مستند فتوى المشهور و كذا الروايات التي ادعى المفيد أو الشيخ

ورودها، بعيد غايته أن تكون تلك الروايات الدالّة علىٰ خلاف مذهب المشهور؛ ممّا هي بين صريح فيه أو ظاهر. و عثور المفيد (رحمه اللّٰه) علىٰ بعض الروايات

______________________________

(1) علل الشرائع: 291/ 1، وسائل الشيعة 2: 390، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 23.

(2) تقدّم في الصفحة 205.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 537

أو الأُصول التي لم تصل إلينا، ليس كثير البُعد، كما لم تصل إلينا مرسلته المنقولة عن «السرائر» و هي:

أنّ المفيد سئل: كم قدر ما تقعد النفساء عن الصلاة، و كم مبلغ أيّام ذلك؟ فقد رأيت في كتاب «أحكام النساء» أحد عشر يوماً، و في رسالة «المقنعة» ثمانية عشر يوماً، و في كتاب «الإعلام» أحداً و عشرين، فعلى أيّها العمل دون صاحبه؟ فأجابه بأن قال: الواجب على النفساء أن تقعد عشرة أيّام، و إنّما ذكرت في كتبي ما روي من قعودها ثمانية عشر يوماً و ما روي في النوادر استظهاراً بأحد و عشرين يوماً، و عملي في ذلك علىٰ عشرة أيّام؛

لقول الصادق (عليه السّلام) لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض «1»

انتهىٰ.

فكما لم تصل إلينا تلك المرسلة الصريحة التي عمل مثل المفيد علىٰ طبقها، و ترك الروايات الصحيحة الصريحة في القعود ثمانية عشر، أو سبع عشرة؛ ثمان عشرة، كصحيحتي محمّد بن مسلم و ابن سنان مع كون الروايات بمنظر منه، كذلك يمكن وصول روايات أُخر مثل المرسلة.

كما لا يمكن أن يقال: إنّ اتكال المشهور في كون النفاس عشرة أيّام، علىٰ تلك الروايات التي بين صريح في زيادة الحدّ على العشرة و كونه ثمانية عشر يوماً، و ظاهر فيه. فحينئذٍ تكون تلك الشهرةُ المعرضةُ عن الروايات الصريحة الصحيحة

المخالفة للأُصول و القواعد لما عرفت سابقاً من جريان الأصل الموضوعي في التدريجيات و الحكمي في مثل المقام «2» معتمدةً معتبرةً كاشفةً عن مسلّمية الحكم من زمان الأئمّة (عليهم السّلام) إلىٰ زمان أصحاب الفتوىٰ.

كما أنّ قول المفيد بمجي ء أخبار معتمدة في أنّ أقصى مدّة النفاس مدّة

______________________________

(1) السرائر 1: 52 53.

(2) تقدّم في الصفحة 180 181.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 538

الحيض و هي عشرة أيّام حجّة معتبرة اخرىٰ؛ ضرورة أنّه مع وجود روايات صحيحة صريحة في زيادة الأيّام على العشرة، لا يمكن أن يكون مقصوده هو ما احتملوا؛ أي روايات الرجوع إلى العادة و الاستظهار.

مع أنّ الظاهر من تلك العبارة هو مجي ء الروايات بهذا العنوان و المضمون، و في روايات الرجوع إلى العادة ليست رواية كذلك. بل لو فرض دلالتها بنحو من اللزوم بل و الاجتهاد لم يكن لمثل المفيد أن يقول: «جاءت أخبار في أنّ أقصى مدّة النفاس كذا» الظاهر في ورود الرواية بهذا المضمون؛ فإنّ ذلك نحو تدليس في النقل و الرواية، و أصحابنا رضوان اللّٰه عليهم بريئون منه.

كما أنّ مرسلته الأُخرى المتقدّمة حجّة معتبرة أُخرى؛ فإنّ مثل المفيد لا يقول: «لقول الصادق (عليه السّلام)» بنحو الجزم إلّا مع كون الرواية معتمدة معتبرة، و لا يمكن منه تقديم رواية مرسلة علىٰ روايات صحاح إلّا مع كون الحكمِ قطعياً، و الروايةِ قطعيّةَ الصدور و الدلالة، و راجحةً علىٰ سائر الروايات، و كون البقيّة معلولةً؛ بحيث لا يمكن الاتكال عليها. فالمسألة خالية من الإشكال بحمد اللّٰه تعالىٰ؛ و إن كان الاحتياط حسناً علىٰ كلّ حال.

حول تفصيل العلّامة في أكثر النفاس

و بما ذكرنا يظهر النظر في التفصيل الذي تقدّم نقله عن العلّامة «1» لو كان

تفصيلًا في المسألة. و قد بالغ الشيخ الأعظم في تقريبه و تقويته؛ حتّى قال: «فالإنصاف أنّ هذا القول لا يقصر في القوّة عن القول المشهور» «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 527.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 268/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 539

و محصّل نظره هو الجمع بين الروايات؛ لاختصاص روايات الاستظهار بذات العادة، و منها يستفاد كون الحدّ عشرة أيّام، فتختصّ العشرة بذات العادة، و صرف رواية «العلل» و «العيون» إلىٰ غير ذات العادة، و تضعيف مرسلة المفيد، أو حملها على الأفراد الغالبة؛ و هي ذات العادة.

و أنت خبير بما فيه بعد التأمّل فيما تقدّم؛ لما عرفت من أنّ أخبار الاستظهار لا يستفاد منها كون الحدّ عشرة «1»، بل يستفاد منها كونه أكثر إلى ثمانية عشر يوماً، فمقتضى الجمع بينها و بين سائر الروايات هو كون الحدّ ثمانية عشر، فلا مجال للتفصيل بحسب الروايات. مع ورود بعض إشكالات اخرىٰ عليه تركناه مخافة التطويل.

و أمّا تضعيف مرسلة المفيد ففي غير محلّه؛ لما عرفت آنفاً. و حملها علىٰ ذات العادة بعيد جدّاً، بل المرسلة بحسب نحو مضمونها آبية عنه.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ الحدّ مطلقاً لذات العادة و غيرها عشرة أيّام، إلّا أنّ تكليف ذات العادة الرجوع إلىٰ عادتها، ثمّ الاستظهار إلىٰ عشرة أيّام، ثمّ عمل المستحاضة، و غير ذات العادة تقعد عشرة أيّام، و هي أقصى الأيّام.

إبطال الرجوع إلى الصفات أو عادات النساء في المقام

و أمّا الرجوع إلى الصفات أو عادات النساء «2»، فلا دليل عليه؛ لاختصاص أدلّة الصفات كما تقدّم بالدوران بين الحيض و الاستحاضة «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 530 532.

(2) البيان: 67، مصباح الفقيه، الطهارة: 341/ السطر 1.

(3) تقدّم في الصفحة 20 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 1، ص: 540

و أمّا موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) الدالّة علىٰ رجوعها إلىٰ أيّام أُمّها أو أُختها أو خالتها مع عدم معرفة أيّام نفاسها «1»، ففيها وجوه من الخلل لا يمكن لأجلها الاتكال عليها:

كالحكم بقعودها بقدر أيّام نفاسها، مع أنّ النصّ «2» و الفتوى «3» علىٰ خلافه.

و كالأمر بالاستظهار بمثل ثلثي أيّامها؛ ممّا لا يجوز إلّا في بعض الأفراد النادرة.

و كالحكم بتخييرها بين الرجوع إلى أُمّها أو أُختها أو خالتها الظاهر في التخيير مع اختلافهنّ، و هو أيضاً غير مفتى به.

نعم، لو ثبت الإجماع علىٰ كون النفساء كالحائض في جميع الأُمور و الأحكام إلّا ما استثني، لكان الوجه ما ذكر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 403/ 1262، وسائل الشيعة 2: 389، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 20.

(2) تقدّم في الصفحة 528 535.

(3) تقدّمت في الصفحة 525 528.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 541

المسألة الرابعة في نفاس ذات التوأمين
اشارة

لو كانت حاملًا باثنين، فإن ولدتهما معاً بحيث عدّت ولادة واحدة عرفاً، يكون لها نفاس واحد. و سيأتي حال مبدأ حساب العشرة «1».

و إن تأخّرت ولادة أحدهما عن الآخر مع رؤية الدم فيهما، فلا يخلو أن تكون الولادة الثانية قبل تمام عشرة أيّام من الأُولىٰ أو بعد تمامها بلا فصل أو معه.

و علىٰ أيّ حال: إمّا أن يكون الدم مستمرّاً إلى الولادة الثانية، أو نقت قبلها و رأت بعدها.

فهل يكون كلّ من الدمين بعد الولادتين نفاساً مستقلا أو هما نفاس واحد إذا استمرّ الدم و رأت الثاني قبل تجاوز العشرة، أو لا يكون الدم بعد الولادة الأُولىٰ نفاساً، أو لا يكون بعد الثانية نفاساً؟

الأقوىٰ هو الأوّل، و محصّل الكلام فيه

أنّه بحسب التصوّر: يحتمل أن يكون «النفاس» هو الدم المسبّب عن الولادة، بحيث تكون سببية الولادة للدم دخيلة في الموضوع، كما يظهر من صاحب «الجواهر» «2» ناسباً إلىٰ نصّ غير واحد من الأصحاب «3».

و لازمه لزوم إحراز سببيتها له في ترتيب الأحكام على النفساء؛ سواء في

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 546 547.

(2) جواهر الكلام 3: 367.

(3) جامع المقاصد 1: 346، مدارك الأحكام 2: 43، الحدائق الناضرة 3: 308.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 542

التوأمين و غيرهما، فلو سال الدم منها قبل الولادة، فخرجت علقة أو مضغة أو خرج طفل في غاية الصغر مع سيلانه بحيث يعلم أو يحتمل عدم استناد الدم إلىٰ خروج الحمل لم يحكم بنفاسيته، و لا بكون المرأة نفساء. و كذا لو خرج الطفل الأوّل في التوأمين و سال الدم و خرج الثاني مع الجزمِ بعدم سببيته، أو احتمالِ ذلك لم يحكم بها.

و يحتمل أن يكون الدم الخارج عقيب الولادة نفاساً كانت الولادة سبباً له أو لا، لكن لا مطلقاً، بل الدم الذي له نحو انتساب و ارتباط بالولادة؛ و إن لم يكن الارتباط بالسببية و المسبّبية. و لعلّ مراد القوم بل صاحب «الجواهر» ذلك و إن لم يناسب ظاهر كلامه. و مع استمرار الدم يكون منتسباً إلى الولادتين؛ لأنّ اختزانه كان لارتزاقهما.

بل يمكن أن يقال: إنّه مع استمراره يكون دم كلّ ولادة بحسب الواقع غير الآخر و إن لم يمكن امتيازهما خارجاً؛ لعدم استهلاك أحد المتماثلين في الآخر.

و لازم هذا الاحتمال كون الدم عقيب كلّ ولادة مع كونه الدم الطبيعي نفاساً و موضوعاً للحكم، و تكون «النفساء» هي التي ولدت و خرج الدم عقيب ولادتها أو معها،

فيكون الدم الخارج عقيب الولادة الثانية قبل تمام العشرة نفاسين مستقلّين، فيصدق عليه عنوانان؛ أحدهما: الدم الذي عقيب الولادة الأُولىٰ، و ثانيهما: الدم الذي عقيب الولادة الثانية، و لكلّ عنوانٍ حكمه مع الانفراد، و مع اجتماعهما تتداخل الأحكام.

و يحتمل أن يكون «النفاس» هو الحدث الحاصل من الدم المسبّب عن الولادة، أو الدم الذي عقيبها.

و لازمه عدم إمكان تكرّر الحدث الحادث برؤية الدم بعد الولادة الأُولىٰ؛

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 543

للزوم اجتماع المثلين، و هذا ظاهر المحقّق الخراساني «1» فيكون النفاس الواحد مستمرّاً بتعدّد سببه إلىٰ عشرين يوماً أو أكثر، و لا يكون للمرأة نفاسان.

و الأقوى هو ثاني الاحتمالات؛ لمساعدة العرف و اللغة علىٰ أنّ الدم عقيب الولادة نفاس، و لا يتوقّف أحد في أنّ الدم إذا خرج عقيب الولادة يكون نفاساً، و يقال للمرأة: «نفساء» مع أنّه لو كان «النفاس» عبارة عن الدم المسبّب عنها، لم يكن بدّ في ترتيب الأحكام من إحراز الموضوع، و مع الشكّ كان يرجع إلى الأُصول، و لم ينقل عن فقيه احتمال ذلك، أو العمل على الأُصول، و ليس ذلك إلّا لما ذكر، تأمّل.

قال السيّد في «الناصريّات»: «لا يختلف أهل اللغة في أنّ المرأة إذا ولدت و خرج الدم عقيب الولادة، فإنّه يقال: «قد تنفّست» و لا يعتبرون بقاء ولد في بطنها، و يسمّون الولد: «منفوساً» «2» انتهىٰ.

و هو و إن كان في مقام الردّ علىٰ من ذهب إلىٰ أنّ النفاس من مولد الثاني، لكن ظاهره اتفاق أهل اللغة علىٰ هذا العنوان؛ أي كون الدم عقيب الولادة نفاساً، و هو حجّة معتبرة.

بل نفس قول مثل السيّد البارع في اللغة و الأدب، حجّة معتبرة مثبتة للّغة.

و

يؤيّده قول شيخ الطائفة عند الاستدلال علىٰ أنّه إذا ولدت ولدين و رأت عقيبهما، اعتبرت النفاس من الأوّل، و آخره يكون من الثاني:- «دليلنا: أنّ كلّ واحد من الدمين يستحقّ الاسم بأنّه «نفاس» فينبغي أن يتناوله اللفظ» «3».

______________________________

(1) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 106/ السطر 14.

(2) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 227/ السطر 22.

(3) الخلاف 1: 247 248.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 544

بل ادعىٰ عدم الخلاف في أنّ ما يخرج بعد الولد يكون نفاساً «1»، و الظاهر أنّ المراد من الدم عقيب الولادة ما له نحو انتساب و ارتباط لها، لا مطلقاً.

الروايات الدالّة على استقلال كلّ من النفاسين

بل يمكن الاستيناس أو الاستدلال على استقلال كلٍّ من النفاسين ببعض الروايات،

كحسنة مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال نعم، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها، ثمّ تستظهر بيوم، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها .. «2».

حيث تدلّ علىٰ حرمة الغشيان قبل مضيّ مقدار أيّامها من يوم وضعت؛ من غير تفصيل بين الوضع الأوّل و الثاني؛ و إن أمكن الخدشة فيها تارة: بأنّها في مقام بيان حكم آخر، و أُخرى: بأنّ مفروض السائل كونها في نفاسها من الدم.

و

كصحيحة يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة ولدت، فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى، قال فلتقعد أيّام قرئها الذي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام «3».

حيث لم يفصّل بين الاولىٰ و الثانية، فمن ولدت و رأت الدم أكثر ممّا كانت ترى، تكون موضوعة للحكم بوجوب القعود، ففي الولادة الثانية إذا رأت الدم أكثر ممّا كانت ترى، يصدق «أنّها ولدت

و رأت الدم ..» إلىٰ آخره، فتكون الولادة

______________________________

(1) الخلاف 1: 246.

(2) تهذيب الأحكام 1: 176/ 505، وسائل الشيعة 2: 395، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 7، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 175/ 502، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 545

و رؤية الدم تمام الموضوع للحكم، تأمّل.

و

كرواية الخلقاني المتقدّمة؛ حيث قال فيها تصلّي حتّى يخرج رأس الصبيّ، فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة «1».

فإنّ الظاهر منها: أنّ السبب لوجوب تركها هو خروج رأس الصبيّ مطلقاً، نعم يقيّد ذلك بذيلها الدالّ علىٰ لزوم رؤية الدم عند خروج بعض الولد، فيكون الموضوع هو خروج بعض الولد مع رؤية الدم، أو رؤيته عند ظهور رأس الولد، فتدلّ علىٰ موضوعية كلّ دم عند كلّ ولادة لحرمة الصلاة، أو موضوعية كلّ ولادة مع رؤية الدم لها، و هذا معنى الاستقلال. و لو نوقش في دلالة الروايات، فلا مجال للمناقشة في الصدق العرفي.

و أمّا احتمال كون «النفاس» عبارة عن حدث معنوي، فإن كان المراد منه أنّ حدث النفاس كحدث الحيض و الجنابة، فالضرورة قاضية بمخالفته للنفاس؛ فإنّ المرأة بعد عشرة أيّام أو ثمانية عشر، ليست بنفساء بلا إشكال و إن كانت محدثة بحدث النفاس، فحدثه غير نفسه، كحدث الحيض فإنّه غير الحيض. و إن كان المراد أنّ هنا أمراً معنوياً آخر هو حدث النفاس، فلا دليل عليه، بل الأدلّة قاطبةً علىٰ خلافه.

و يظهر ممّا مرّ حال احتمال عدم نفاسية الأوّل، كما احتمله المحقّق في محكي «المعتبر» بدعوىٰ عدم اجتماع النفاس كالحيض مع الحمل «2».

و فيه منع عدم اجتماع الحيض معه كما تقدّم «3» و

علىٰ فرض تسليمه منع كون النفاس كالحيض في ذلك.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 507.

(2) المعتبر 1: 257.

(3) تقدّم في الصفحة 341.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 546

حكم ما إذا وضعت الولد الواحد قطعةً قطعةً

بقي شي ء: و هو أنّه لو وضعت الولد الواحد قطعةً قطعةً، فهل يكون لكلّ قطعة نفاس مستقلّ مطلقاً، أو لا يكون للجميع إلّا نفاس، أو يفصّل بين كون القطعة معتدّاً بها بحيث يكون خروجها بمنزلة ولادة و بين غيره، أو يفصّل بين وقوع الفصل بأقلّ الطهر بين خروج القطعة الأُولىٰ و الثانية و عدمه؟ وجوه.

و الأقرب في غير الفصل بأقلّ الطهر كونه نفاساً واحداً؛ لكون الولادة واحدةً عرفاً و لغةً و إن خرج المولود قطعةً قطعةً، و النفاس واحداً مع استمرار الدم. بل مع الفصل بالأقلّ من أقلّ الطهر إذا قلنا: بأنّه نفاس.

بل مع الفصل بأقلّ الطهر يمكن أن يقال أيضاً: إنّه نفاس واحد و إن فصل بين أجزائه طهر؛ فإنّ العرف كما يرى الولادة واحدةً و المولود واحداً، يرى الدم دم الولادة الواحدة و من تتمّة النفاس، لا نفاساً مستقلا، و لا مانع من الفصل بين أجزائه بأجنبي.

و لا ثمرة ظاهراً في خصوص الفرع إن قلنا: بأنّ النفاس من خروج الدم، و حساب العدد من وضع القطعة الأخيرة، كما يأتي الكلام فيه قريباً.

و كيف كان: ففي خروج القطعات هل يكون مبدأ النفاس من بعد وضع المجموع، كما احتمله صاحب «الجواهر» حيث قال:

«و يحتمل هنا توقّف النفاس علىٰ خروج المجموع؛ و إن اكتفينا ببروز الجزء مع الاتصال؛ للفرق بينه و بين الانفصال» «1» انتهىٰ.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 393.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 547

و لم يذكر وجه الفرق، فكأنّه دعوى قصور

الدليل عن شمول المنفصل.

و فيه ما لا يخفى؛ ضرورة صدق «دم الولادة» مع الخروج مقارناً للجزء كما مرّ «1» بل احتملنا أولوية الصدق من الدم بعد الولادة، و لا فرق بنظر العرف في دمها بين كون الرأس منفصلًا عن الجسد أو متصلًا به. كما لا ريب في شمول الأدلّة- كخبر الخلقاني للمنفصل أيضاً، و دعوى الانصراف غير مسموعة، فالفرق بينهما غير وجيه.

أو يكون مبدأ النفاس و الحساب من أوّل خروج القطعة الأُولىٰ؛ لمرسلة المفيد، بل لمرسلاته «2» و لظهور أدلّة الأمر بالقعود مقدار أيّام عادتها، في كون المبدإ أوّل ما صدق عليها «النفساء»؟

أو يكون مبدأ النفاس خروج الدم مع بروز أوّل الجزء، و مبدأ حساب أيّام القعود و حساب عشرة أيّام من زمان تمام الوضع؟

الأقوىٰ هو الأخير؛ لأنّ روايات الباب علىٰ طوائف:

منها: ما تدلّ علىٰ لزوم ترك الصلاة إذا رأت علىٰ رأس الولد دماً، كرواية الخلقاني و السكوني و «الجعفريات» المتقدّمات «3»، و هذه الطائفة لم تتعرّض لمقدار القعود و لا لمبدئه.

و منها: ما تدلّ علىٰ أنّ النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام، كمرسلات المفيد و مرسلة الشيخ عن ابن سنان «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 518.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 536.

(3) تقدّمت هذه الروايات في الصفحة 517 518.

(4) انظر السرائر 1: 52 53، تهذيب الأحكام 1: 178/ ذيل الحديث 510.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 548

و منها: ما تدلّ علىٰ أنّ النفساء تقعد بمقدار أيّام عادتها و تستظهر «1».

و هاتان الطائفتان ظاهرتان و لو بالإطلاق في كون المبدأ هو مبدأ تحقّق النفاس و إن لم تتعرّض لخصوص المبدأ.

لكن

حسنة مالك بن أعين المتقدّمة حاكمة على الروايات و مبيّنة لحدودها،

قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال نعم، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها، ثمّ تستظهر بيوم، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها «2».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 548

و هي كما ترى لا تنافي الروايات الدالّة علىٰ لزوم ترك الصلاة من أوّل بروز الدم، و هو ظاهر، و لا ما دلّت على القعود بمقدار أيّام العادة؛ لعدم تعرّضها لمبدإ القعود، و إنّما يفهم منها ذلك بالإطلاق و السكوت في مقام البيان، و هو لا يقاوم ما تعرّض لمبدإ الحساب؛ و أنّه منذ يوم وضعت.

بل هي حاكمة علىٰ مثل المرسلات؛ فإنّها تدلّ علىٰ عدم زيادة عددها على الحيض، و هي تدلّ علىٰ أنّ عدم الزيادة يحسب من أوّل يوم وضعت، فلها حكومة عليها عرفاً.

نعم، لأحد أن يقول: إنّ مقتضى الأدلّة هو التفصيل بين ذات العادة و غيرها؛ و الأخذ في غيرها بإطلاق ما دلّ علىٰ عدم الزيادة من حين الرؤية.

لكنّه تفصيل لم يلتزم به أحد ظاهراً، و لم أَرَ احتماله من أحد، بل الظاهر أنّ حدّ النفاس في جميع النسوة بحسب الواقع واحد؛ و لا يزيد علىٰ عشرة أيّام من يوم الوضع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 2 و 3 و 5.

(2) تقدّمت في الصفحة 530.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 549

حول ثمرة القول بتعدّد النفاسين

ثمّ إنّه حكي عن «الروض»: «أنّه تترتّب الثمرة علىٰ تعدّد النفاسين؛

ما لو ولدت فرأت الدم، و انقطع فولدت الثاني، فرأت قبل مضيّ عشرة أيّام من الولادة الأُولىٰ، فإنّه على التعدّد لا يحكم بنفاسية النقاء المتخلّل، و على الوحدة يحكم بها» «1».

و فيه: أنّ هذه الثمرة ليست من ثمرات القول بالتعدّد و الوحدة؛ لعدم إبطال الولادة الثانية نفاسية الاولىٰ، فيكون النقاء خلال نفاس واحد، فهو محكوم بالنفاسية؛ بناءً علىٰ ما يأتي من نفاسية النقاء المتخلّل أثناء النفاس الواحد «2». و كون الدم معنوناً بعنوان آخر و هو نفاس آخر، لا يوجب إبطال حكم النفاس الواحد. بل هي من ثمرات القول بلزوم الارتباط بنحو السببية أو غيرها بين الولادة و الدم الخارج عقيبها و عدمه:

فعلى الثاني: يكون الدم الخارج عقيب الثانية نفاسين، و باعتبار كونه من تتمّة النفاس الأوّل، يكون النقاء المتخلّل في أثنائه نفاساً.

و على الأوّل: لا يكون ما رأت عقيب الثانية مع النقاء بعد الولادة الأُولىٰ- خصوصاً إذا كان معتدّاً به نفاسين، بل هو نفاس واحد مربوط بالولادة الثانية، و قد تقدّم ترجيح ذلك «3»، فحينئذٍ لا يكون النقاء المتخلّل بحكم النفاس. لكنّ الاحتياط لا ينبغي تركه.

______________________________

(1) روض الجنان: 91/ السطر 14.

(2) يأتي في الصفحة 557.

(3) تقدّم في الصفحة 541 544.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 550

المسألة الخامسة في حكم تأخّر الدم عن الولادة
اشارة

لو لم تَرَ دماً أوّلًا ثمّ رأت، فإمّا أن يكون بعد عشرة أيّام من يوم الولادة، أو أثناء العشرة قبل مضي مقدار عادتها، كما لو كان مقدار عادتها ستّة و رأت في اليوم الرابع، أو بعد مضي مقدارها، كما لو رأت في الفرض في اليوم السابع أو العاشر.

و علىٰ أيّ تقدير فإمّا أن ينقطع إلىٰ عشرة من يوم الولادة، أو يتجاوز عنها.

فيقع الكلام في

الفروض تارة: في نفاسية الدم، و أُخرى: في مقدار قعودها، و ثالثة: في حال ذات العادة و غيرها.

الكلام في أصل نفاسية الدم

فنقول: قد يقال بانصراف الأدلّة عن صورة تخلّف الدم عن حال الولادة، خصوصاً إذا كان الفصل طويلًا، كتسعة أيّام أو عشرة، فيعمل في الدم على القواعد، فيحكم بنفاسيته؛ لصدق كونه نفاساً، و لقاعدة الإمكان مع الشكّ في الصدق «1».

و فيه: أنّه مع فرض الانصراف، لا دليل علىٰ ترتّب الأحكام حتّى مع العلم بكونه نفاساً و كون المرأة نفساء؛ لأنّ وجه الانصراف ندرة تخلّف الدم عن الولادة، فيكون هذا الوجه موجوداً في جميع أدلّة الباب.

و دعوى امتناع تخلّف الأحكام مع كون المرأة نفساء، مدفوعة بأنّ الأحكام

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 273/ السطر 22.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 551

يمكن أن تكون مترتّبة علىٰ قسم من النفاس و النفساء، كما ذكرنا في الحيض «1»؛ أ لا ترى أنّ «النفساء» صادقة علىٰ من ترى الدم إلى الحادي عشر بلا ريب؛ ضرورة أنّ الدم الجاري إلى الساعة الأخيرة من اليوم العاشر، نفاس في غير ذات العادة، و بعدها ليس بنفاس حكماً؟! و لا يمكن أن يقال: إنّ الدم بحسب التكوين إلىٰ هذه الساعة نفاس دون ما بعدها، أو بحسب العرف و العادة كذلك، فلا محالة يكون التصرّف في الموضوع من الشارع، فجعل دمَ النفاس في مقدار معيّن أو وقت معيّن موضوعَ حكمه دون غيره، مع كونه نفاساً واقعاً.

فحينئذٍ نقول: بعد قصور الأدلّة عن إثبات الحكم لمن لم ترَ دماً مع الولادة أو قريباً منها للانصراف حسب الفرض يكون مقتضى الأُصول و القواعد عدم محكومية المرأة بأحكام النفساء، فلا يجب التنفّس عليها إذا لم تَرَ الدم، ثمّ رأت

بعد فصل.

و أمّا قاعدة الإمكان فلا أصل لها في الحيض كما عرفت «2» فضلًا عن النفاس. بل لو قلنا: بأنّ دليل القاعدة هو الأصل العقلائي كما قيل في باب الحيض «3»، و ثبت بها كون الدم نفاساً و المرأة نفساء، لا يفيد في المقام مع عدم دليل علىٰ ترتّب الأحكام على النفساء مطلقاً، كما تقدّم.

لكنّ الإنصاف: أنّ دعوى الانصراف في الأدلّة مطلقاً سواء فيما دلّت علىٰ أنّ النفساء تقعد أيّامها أو قدر عادتها «4» أو ما دلّت علىٰ جواز الغشيان إذا مضى

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9 10.

(2) تقدّم في الصفحة 67 68.

(3) رياض المسائل 1: 345، مصباح الفقيه، الطهارة: 271/ السطر 17.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 382 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 1 و 2 و 3 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 552

لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها «1»، أو ما دلّت علىٰ أنّ دم النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام «2» غير وجيهة؛ فإنّ ندرة الوجود و إن كانت موجبة لعدم انتقال الذهن إلى الفرد النادر، لكن لا توجب الانصراف و خروج العنوان المأخوذ في الأدلّة عن كونه تمام الموضوع للحكم، خصوصاً في مثل المقام الذي كان موضوع الحكم النفساء، و تقتضي المناسبة بين الحكم و الموضوع، أن يكون الموضوع هو نفس العنوان؛ من غير دخل للأُمور الخارجة فيها، و لا يرى العرف للظرف و الوقت موضوعية للأحكام.

و هذا نظير

قوله الماء يطهِّر «3»

حيث يكون بعض مصاديقه نادر الوجود جدّاً؛ بحيث ينصرف الذهن عنه، لكنّ المناسبة بين الحكم و الموضوع توجب دفع الانصراف؛ لأنّ المطهّرية بنظر العرف لا تكون إلّا لنفس

طبيعة الماء؛ من غير دخل لشي ء آخر فيها. بل العرف قد يلغي بعض القيود لأجل بعض المناسبات. و كيف كان فلا مجال لدعوى الانصراف.

و أوهن منها دعوى «4» الانصراف في بعض الأدلّة كحسنة مالك بن أعين «5» دون بعض؛ ضرورة أنّه لا وجه للتفصيل بعد كون وجه الانصراف ما تقدّم، و لا يكون قوله

و هي في نفاسها من الدم

موجباً للانصراف إلّا للوجه المتقدّم.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 4.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 385، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 10.

(3) الكافي 3: 1/ 1، وسائل الشيعة 1: 134، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 6.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 342/ السطر 22.

(5) تقدّمت في الصفحة 530.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 553

مقدار قعود ذات العادة مع انقطاع دمها في العشرة

ثمّ إنّه بعد البناء علىٰ إنكار الانصراف في الأدلّة، لا بدّ من بيان مفادها و وجه الجمع بينها.

فنقول: مقتضىٰ إطلاق ما دلّت علىٰ أنّ النفساء تقعد قدر حيضها و تستظهر يوماً أو يومين إلى عشرة أيّام، أنّ كلّ من صدق عليها عنوان «النفساء» يجب عليها القعود قدر حيضها و الاستظهار بعده؛ كان الدم متصلًا بالوضع أو منفصلًا، قبل مضيّ مقدار العادة من يوم الوضع أو بعده، بل قبل عشرة أيّام أو بعدها، مع صدق «دم الولادة» و عنوان «النفساء» و لا منافاة بين هذه الطائفة و بين ما دلّت علىٰ أنّ دم النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام، كما هو واضح.

بقيت رواية مالك بن أعين، حيث دلّت علىٰ أنّ مقدار أيّام العادة إنّما هو من يوم وضعت، و إطلاقها يقتضي أن يكون حساب الأيّام من يوم الوضع؛

سواء رأت الدم من حال الوضع أو لا، و مقتضى تحكيمها علىٰ سائر الأدلّة: أنّ ذات العادة تقعد مع رؤية الدم مقدار أيّام عادتها من زمان الوضع، فيكون ظرف القعود مقدار أيّام العادة من أوّل الوضع، لكن مع رؤية الدم.

و أمّا مع عدم الرؤية رأساً فلا قعود لها؛ لما دلّ علىٰ أنّ النفاس هو دم الولادة. و لمثل قويّة السكوني و رواية «الجعفريات» و الخلقاني «1» حيث علّق الحكم فيها علىٰ الدم المرئي علىٰ رأس الطفل، فالقعود يتوقّف علىٰ رؤية الدم، و كونِ ظرف الرؤية أيّام العادة من يوم الوضع. فالمرأة التي لم تَرَ دماً أوّل الوضع ليست موضوعة للحكم؛ لفقدان قيد هو رؤية الدم.

______________________________

(1) تقدّمت هذه الروايات في الصفحة 517 518.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 554

و بعد مضيّ مقدار العادة من زمن الوضع، أيضاً لا تكون موضوعة له؛ لفقدان قيد آخر هو عدم المضي من يوم الوضع بمقدار العادة.

و مع رؤيتها في زمان العادة و لو بعضها تكون موضوعة له؛ لتحقّق جميع قيود الموضوع، فهي امرأة وضعت، و رأت الدم قبل مضي مقدار عادتها في الحيض منذ يوم وضعت.

فمحصّل مفاد الأدلّة بعد تحكيم بعضها علىٰ بعض و ردّ بعضها إلىٰ بعض: أنّ المرأة ذات العادة إذا رأت الدم من أوّل الوضع، يجب عليها القعود مقدار أيّام عادتها، و تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة إلىٰ عشرة أيّام من يوم الوضع، و لا يجب الاستظهار، كما مرّ في الحيض «1».

و إن رأت بعد عدم رؤيتها أوّل الوضع قبل مضي مقدار عادتها، يجب عليها التنفّس تتمّة مقدار العادة، و تستظهر بعدها إلى العشرة.

و إن رأت بعد مضي مقدار العادة، فلا يجب

عليها القعود و التنفّس، فهل لها الاستظهار إلى العشرة أو لا؟

لا تبعد مشروعيته؛ لأنّ الظاهر أنّ الاستظهار إنّما هو لطلب ظهور حالها في زمان يمكن تحقّق النفاس فيه، و بعد العادة إلى العشرة يمكن تحقّقه؛ لأنّ الدم المرئي بعد العادة إذا انقطع على العشرة فهو نفاس؛ للصدق العرفي، و مع التجاوز عنها لا يكون نفاساً؛ لخروج ما بعد العشرة من يوم الوضع، و عدم الدليل علىٰ نفاسيته بعد العادة مع التجاوز، تأمّل.

بل يمكن الاستدلال علىٰ عدم كونه نفاساً بأدلّة الاستظهار بعد أيّام العادة؛ فإنّ أيّام العادة أيّام النفاس ظاهراً بحسب تلك الأدلّة، و أيّام الاستظهار أيّام يمكن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 201.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 555

أن يكون الدم فيها نفاساً و غير نفاس، فيحتمل بدواً أن تكون النفاسية مع التجاوز، و عدمها مع عدمه، و بالعكس بأن تكون النفاسية مع عدم التجاوز، و عدمها معه. و لا ريب في تعيّن الثاني؛ بعد كون الاستظهار هاهنا كالاستظهار في الحيض.

و بالجملة: لا يكون الاستظهار ملازماً للقعود و من توابعه، بل هو حكم مستقلّ شرع لأجل الاستظهار و الاحتياط؛ قعدت و تنفّست أو لا.

و أمّا غير ذات العادة و ذات العادة عشرة أيّام، فتجعل ما رأت بين العشرة نفاساً، و ما بعدها استحاضة؛ لأنّ النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام من حين الوضع. هذا حال من انقطع دمها في العشرة.

مقدار قعود ذات العادة مع تجاوز دمها عن العشرة

و أمّا إن تجاوز عنها فإن رأت في بعض أيّام العادة و استمرّ و تجاوز كمن كانت عادتها سبعة، فرأت في الخامس مثلًا، و تجاوز عن العشرة فيحتمل شمول الأدلّة لها، فيجب عليها القعود بقيّة عادتها. و لها الاستظهار بيوم إلىٰ

تمام العشرة من يوم الوضع، و بعدها مستحاضة.

و يحتمل أن تكون بقيّة أيّام العادة أيّام نفاسها، ثمّ هي مستحاضة. و لا يبعد أقربية ذلك؛ لاستفادته من أدلّة الاستظهار، فإنّه لطلب ظهور الحال كما مرّ، و لا يكون ذلك إلّا على احتمال التجاوز و عدم نفاسية غير أيّام العادة، و عدم التجاوز و نفاسية الجميع، فإذا رأت في العادة و تجاوز، تكون بقيّة الأيّام أيّام نفاسها، و الزائد عليها استحاضة.

و إن رأت بعدها كمن كانت عادتها سبعة، فرأت في الثامن و تجاوز عن العاشر ففي شمول الروايات لها إشكال، بل منع؛ لعدم أيّام للقعود لها حتّى تؤمر به فيها، و ليس لها أيّام للاستظهار؛ لأنّ الاستظهار إنّما هو فيما إذا رأت الدم في

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 556

العادة و تجاوز عنها، فاحتملت الانقطاعَ على العشرة فيكون تمام الدم نفاساً و تجاوزَه عنها، فتكون أيّام عادتها فقط نفاساً، و مع هذه الشبهة و هذا الاحتمال، يتحقّق موضوع الاستظهار و طلب ظهور حالها، و أمّا إذا لم يكن تكليفها الرجوع إلىٰ أيّام عادتها مع التجاوز، فلا تكون مشتبهة في حالها موضوعاً، و لا مشمولة لأدلّة ذات العادة، فالأيّام التي بعد العادة إلى العشرة أمّا نفاس مطلقاً؛ تجاوز الدم عن العشرة أو لا، أو ليس بنفاس كذلك، فلا تكون موضوعة للاستظهار.

و الظاهر تسالمهم علىٰ أنّ النفساء قبل تمام عشرة أيّام إذا لم تكن مشمولة لأدلّة العادة موضوعة للأحكام، و يجب عليها التنفّس؛ و إن أمكن المناقشة في دلالة الأدلّة. و لا ينبغي ترك الاحتياط إلى العاشر بالجمع بين الوظيفتين، بل لا يترك.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 557

المسألة السادسة في تخلّل النقاء أثناء النفاس الواحد

لو

رأت في الأوّل و نقت، ثمّ رأت، فإمّا أن ترى الدم الثاني في بعض أيّام العادة أو لا. و علىٰ أيّ حال: فإمّا أن يتجاوز الدم عن العشرة أو لا.

فإن رأت في أيّام العادة فلا إشكال في كون الحاشيتين نفاساً، و الظاهر شمول أدلّة القعود أيّام العادة و الاستظهار لها. كما أنّ الظاهر أنّ الدمين نفاس مع الانقطاع على العشرة مطلقاً؛ للصدق العرفي، و موضوعية النفساء قبل تجاوز دمها عن عشرة أيّام للحكم. و مع التجاوز لا إشكال ظاهراً في ذات عادة عشرة أيّام و في غير ذات العادة في كون الحاشيتين نفاساً.

و أمّا ذات العادة إذا كانت عادتها أقلّ منها، فإن قلنا بشمول أدلّة الرجوع إلى العادة لها لأجل إمكان القعود في أيّام عادتها في الجملة فلا يكون الدم الثاني نفاساً. و إن قلنا بعدم شمولها لها فلا يبعد الحكم بنفاسية الطرفين؛ و لو قلنا بكون النقاء في البين في حكم النفاس.

و ما قيل: «من أنّ كون الدم الثاني نفاساً ممتنع؛ لأنّه يلزم من وجوده عدمه؛ حيث إنّ نفاسيته سبب لاندراج المرأة في موضوع الأخبار الدالّة علىٰ أنّها لا تقعد أزيد من أيّامها؛ و أنّ ما تراه استحاضة» «1».

مدفوع: بأنّ الظاهر من الأدلّة كون الدم من أيّام العادة مستمرّاً إلىٰ ما بعد العشرة، و شمولها لما الحِق به حكماً محلّ إشكال، بل منع.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 343/ السطر 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 558

و كيف كان: فيقع الكلام في أنّ الطهر المتخلّل بين النفاس الواحد نفاس أولا؟

الظاهر نفاسيته؛ لإطلاق

صحيحة محمّد بن مسلم لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام «1»

و خروج الطهر بين النفاسين من مفادها بالتقريب

المتقدّم «2» لا يلزم منه خروج الطهر بين النفاس الواحد؛ فإنّ القرء في النفاسين لا يكون للاختزان بل جمع الدم إنّما هو لأجل الولد، بخلاف المقام.

و بالجملة: لا مانع من الأخذ بإطلاق الصحيحة.

نعم، يشكل التمسّك بمرسلة يونس بما مرّ «3» و الظاهر أنّ الحكم متسالم عليه بينهم.

و أمّا الاستدلال على المطلوب بصدق «النفساء» على المرأة في أيّام النقاء؛ إذ لا يعتبر في مثل هذا المشتقّ تلبّس الذات بالمبدإ على الدوام، فيشمله حينئذٍ كلّ ما دلّ علىٰ أنّ النفساء تكفّ عن الصلاة أيّام قرئها، كما أفاد الشيخ الأعظم «4».

فغير تامّ؛ ضرورة أنّه لو سلّم الصدق في الفترات القليلة، لم يسلّم في مثل المفروض ممّا كان أيّام النقاء ثمانية مثلًا، و أيّام التلبّس يوماً أو يومين من الحاشيتين بعد فرض كون المبدأ هو الدم.

نعم، لو فرض أنّ المبدأ هو حال معنوي محفوظ أو استعداد لقذف الدم، كان حاصلًا و المشتقّ صادقاً. لكنّه ممنوع مخالف للأدلّة، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الكافي 3: 76/ 4، وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 1.

(2) تقدّم في الصفحة 548 549.

(3) تقدّم في الصفحة 92.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 274/ السطر 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 559

المسألة السابعة في اتحاد أحكام النفساء و الحائض

النفساء كالحائض في جميع الأحكام إلّا ما استثني و تقدّم بعضها «1» إجماعاً، كما عن «الغنية» و «شرح المفاتيح» «2» و هو قول الأصحاب، كما عن «المسالك» و «الكفاية» «3» و «لا نعرف فيه خلافاً بين أهل العلم» كما عن «المعتبر» و «المنتهي» و «التذكرة» «4» و هو الحجّة بعد ظهور التسالم بينهم.

و أمّا الاستدلال «5» عليه بأنّ النفاس هو الحيض المحتبس، فقد مرّ عدم الدليل عليه «6»،

و بعد الإجماع علىٰ مشاركتهما في الحكم، لا وقع لدعوى الإجماع علىٰ أنّه حيض محتبس؛ فإنّه يرجع إلىٰ مشاركتهما حكماً، و هو عين الإجماع المتقدّم. و أمّا وحدة الموضوع تكويناً، فالاتكال على الإجماع لإثباتها مشكل.

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً، و ظاهراً و باطناً. قد وقع الفراغ من هذه الوجيزة يوم السبت 22 من شهر ربيع الأوّل من سنة 1376 ه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 521، 524 527.

(2) غنية النزوع 1: 40، مصابيح الظلام 1: 59/ السطر 13 (مخطوط).

(3) مسالك الأفهام 1: 77، كفاية الأحكام: 6/ السطر 11.

(4) المعتبر 1: 257، منتهى المطلب 1: 126/ السطر 31 32، تذكرة الفقهاء 1: 332.

(5) الحدائق الناضرة 3: 325، مصباح الفقيه، الطهارة: 343/ السطر 22.

(6) تقدّم في الصفحة 511 512.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الجزء الثاني

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين، و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله الطاهرين، و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم أجمعين و بعد ..

فلمّا انجرّ بحثنا إلى الطهارة الترابية أحببت أن أُفرد فيها رسالة لذكر مهمّات أحكامها، و لمّا كان التيمّم ماهية ذات إضافة إلى المتيمّم، و إلى ما يتيمّم به، و لها أحكام، صارت المباحث فيها أربعة:

بحث في ماهيته.

و آخر في المتيمّم.

و ثالث فيما يتيمّم به.

و رابع في الأحكام.

و نحن نذكر المباحث علىٰ ترتيب «الشرائع» لكون بحثنا موافقاً له و إن كان الترتيب الطبيعي يقتضي غير ذلك.

و قبل الورود في المباحث لا بأس بذكر أُمور

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 7

[المقدمة و فيها أمور]

الأمر الأوّل حول كون التيمّم من ضروريات الدين

منها: أنّه لا إشكال في مشروعيّة التيمّم كتاباً «1» و سنّة «2» و إجماعاً «3»، و أمّا كونه من ضروريّات الدين «4» ففيه تأمّل و إن لا يبعد في الجملة.

كما أنّ كون منكر الضروري كافراً «5»، محلّ إشكال يأتي الكلام فيه في مباحث النجاسات «6» إن ساعدنا التوفيق إن شاء اللّٰه.

و الإشكال فيه ناشئ من أنّ إنكار الضروري، هل هو بنفسه موجب للكفر، أو إذا لزم منه إنكار اللّٰه أو توحيده أو رسالة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟ و الأظهر هو الثاني، و لا مجال لتفصيل ذلك.

______________________________

(1) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 341، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 1 5.

(3) مدارك الأحكام 2: 175 و 176، رياض المسائل 2: 289، مستند الشيعة 3: 346.

(4) جواهر الكلام 5: 73.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 355 356.

(6) يأتي في الجزء الثالث: 442.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 8

الأمر الثاني عدم اتصاف الطهارات بالوجوب مطلقاً

و منها: أنّ التحقيق عدم اتصاف الطهارات الثلاث بالوجوب؛ لا نفسيّاً، و لا غيريّاً، و لا بعنوان آخر، كالنذر و شبهه:

أمّا عدم الوجوب النفسي: فلقصور الأدلّة عن إثباته؛ لأنّ الظاهر من كلّ ما ورد فيها من الأوامر و غيرها هو الإرشاد إلى الشرطيّة؛ لأنّ الأوامر المتعلّقة بالأجزاء و غيرها من متعلّقات المركّبات، لا ظهور لها في المولويّة بحسب فهم العرف، فقوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. «1» إلىٰ آخره، لا يدلّ إلّا علىٰ أنّ تلك الماهيات أو أثرها شرط للصلاة، و الأوامر المتعلّقة بها للإرشاد إلى الشرطيّة.

لا أقول باستعمال الهيئة في غير ما وضعت له، فإنّ التحقيق أنّ هيئة الأمر الموضوعة لنفس البعث و الإغراء، استعملت

في مثل المقام فيما وُضعت له، لكنّ البعث لداعي إفادة الشرطية. كما أنّ النهي في مثل المقام

كقوله: «لا تصلِّ في وَبَر ما لا يُؤكل لحمه» «2»

استعمل في الزجر، لكن لإفادة مانعيته للصلاة.

بل الظاهر من

قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «الوضوء فريضة» «3»

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

(2) لم نعثر عليه بهذا اللفظ، و لكن ورد مضمونه في الروايات، انظر وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 346/ 1013، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 9

أيضاً كونه فريضة في الصلاة، و هو لا يفيد إلّا الشرطيّة. و الدليل عليه

صحيحته عن أبي جعفر (عليه السّلام) أيضاً بالسند المتقدّم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الفرض في الصلاة، فقال: «الوقت و الطهور و القبلة و التوجّه و الركوع و السجود و الدعاء» «1»

فعدّ الوقت من فرائض الصلاة في عَرْض الطهور، و لا إشكال في أنّ الوقت فرض فيها بالمعنى الذي ذكرنا.

و كيف كان: لا إشكال في عدم الوجوب النفسي في الطهارات، كما يدلّ عليه بعض الروايات، كرواية الكاهلي و غيرها «2».

كما أنّ التحقيق عدم الوجوب الغيري أيضاً؛ لما ذكرنا في محلّه من عدم وجوب المقدّمة شرعاً، بل عدم إمكان وجوبها «3». بل لو قلنا بوجوب المقدّمة أيضاً، لا يلزم منه وجوب تلك العناوين بما هي؛ لما حقّق من وجوب المقدّمة الموصلة «4»؛ أي عنوان «الموصل» بما هو موصل، فلا يسري الوجوب منه إلىٰ ما يتّحد معه وجوداً.

فلا تقع الطهارات الثلاث إلّا علىٰ وجه واحد هو الاستحباب، و إنّما جُعلت شرطاً

و مقدّمة للصلاة بما هي مستحبّات و عبادات، فما هو شرط لها هو الوضوء العباديّ و التيمّم العباديّ، فتكون عباديّتها قبل تعلّق الأمر الغيري بها، علىٰ فرض تصوير الأمر الغيري، فلا يمكن أن تكون عباديّتها لأجل الأمر الغيري المتعلّق بها؛

______________________________

(1) الكافي 3: 272/ 5، تهذيب الأحكام 2: 241/ 955، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 3.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 314، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 22، الحديث 1 و 2.

(3) مناهج الوصول 1: 410، تهذيب الأُصول 1: 278.

(4) مناهج الوصول 1: 401، تهذيب الأُصول 1: 264 و 267.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 10

لأنّ الأمر الغيري لا يتعلّق إلّا بما هو شرط للصلاة، فإن كان الشرط ذات تلك الأفعال بلا اعتبار قيد العباديّة و القربة، كان اللازم صحّتها و صحّة الصلاة مع إتيانها بلا قصد التقرّب، كما أنّ الأمر كذلك في الستر و التطهير من الخبث، و هو كما ترى.

و إن كان الشرط هي مع قيد العباديّة، فلازمه كون عباديّتها مقدّمة علىٰ شرطيّتها المتقدّمة على الأمر الغيري. و كون عباديّتها للأمر النفسي المتعلّق بالصلاة أسوأ حالًا منه، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «1».

فتحصّل ممّا ذُكر: أنّ التيمّم بما هو عبادة جعل شرطاً للصلاة، فلا بدّ و أن يكون مستحبّاً نفسيّاً مثل الوضوء، مع أنّ الأصحاب لم يلتزموا باستحبابه النفسي علىٰ حذو الوضوء.

و يحسم الإشكال: بإمكان أن يكون التيمّم مستحبّاً نفسيّاً في ظرف خاصّ؛ هو ظرف وجوب الإتيان بما هو مشروط به، أو إرادة ذلك، أو يكون مستحبّاً نفسيّاً بحسب ذاته مطلقاً، لكن عرض له عنوان مانع عن التعبّد به في غير الظرف الكذائي.

هذا، لكن التحقيق:

أنّ الوضوء أيضاً ليس مستحبّاً نفسيّاً إلّا باعتبار حصول الطهارة به، و أمّا نفس الأفعال بما هي فلا تستحبّ، و التيمّم مع تلك الغاية أيضاً مستحبّ، و سيأتي التفصيل في بعض المباحث الآتية «2».

و أمّا عدم وجوبها بسائر العناوين: فلأنّ النذر و شبهه إذا تعلّق بعنوان، لا يوجب إلّا وجوب الوفاء به، و هو لا يوجب سراية الوجوب من عنوان الوفاء به إلىٰ عنوان آخر، بل لا يعقل ذلك، و إن كان متّحداً معه في الوجود، فالواجب في النذر هو الوفاء به، لا الوضوء المنذور المتّحد معه وجوداً لا عنواناً.

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 383 387، تهذيب الأُصول 1: 251 256.

(2) يأتي في الصفحة 325.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 11

الأمر الثالث عدم جواز تحصيل العجز عن الطهارة المائية

اشارة

و منها: أنّه لا إشكال في أنّ التكليف إذا تعلّق بعنوانين متقابلين، مثلًا كالمسافر و الحاضر، و الواجد للماء و الفاقد، و كذا إذا كان التعلّق مشروطاً كما إذا قيل «إذا كنت في السفر فكذا، و إن كنت في الحضر فكذا» لا يجب على المكلّف حفظ العنوان في الفرض الأوّل، و حفظ الشرط في الثاني، فيجوز تبديل أحد العنوانين بالآخر و رفع الشرط؛ سواء كان قبل تحقّق التكليف و تنجّزه أو لا؛ لعدم اقتضاء التكليف حفظ موضوعه، و لا المشروط حفظ شرطه، فيجوز للحاضر السفر قبل الوقت و بعده، و للواجد إراقة الماء قبله و بعده.

كما لا ريب في أنّه إذا توجّه التكليف بنحو الإطلاق إلى المكلّف، لا يجوز تعجيز نفسه؛ لأنّ القدرة ليست من القيود و العناوين المأخوذة في المكلّف، و لا شرطاً للتكليف؛ لا شرعاً و لا عقلًا، لكنّ العاجز معذور في ترك التكليف المطلق الفعلي، فلو قال: «يجب

على الناس إنقاذ الغرقىٰ» لا يكون هذا التكليف المتعلّق بالعنوان الكلّي، مشروطاً بحال القدرة شرطاً شرعيّاً، و إلّا لكان للمكلّف تعجيز نفسه، و لما وجب عليه الاحتياط في الشكّ في القدرة، و ليس للعقل تقييد حكم الشرع، بل هو حاكم بمعذوريّة العبد عند مخالفة التكليف في صورة عجزه، و عدم معذوريّته مع قدرته.

و توهّم لزوم تعلّق التكليف و البعث بالعاجز، قد فرغنا من دفعه في الاصول «1».

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 28، تهذيب الأُصول 1: 308.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 12

كما أنّه لو فرض استفادة وجود اقتضاء التكليف من الأدلّة في صورة عروض عنوان على المكلّف يوجب تعلّق تكليف آخر به، يكون حكمه حكم العجز العقلي، كما لو فرض استفادة اقتضاء لزوميّ للطهارة المائية أو الصلاة معها حتّى في حال عروض فقدان الماء، فلا يجوز إراقته أو تحصيل العجز في هذه الصورة أيضاً. هذا كلّه ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الإشكال في أنّ حال الطهارة المائية و الترابية ماذا، و هل التكليف متعلّق بالواجد و بالفاقد كتعلّقه بالحاضر و المسافر، أو يكون التكليف بالطهارة المائية مطلقاً، و له اقتضاء حتّى في صورة فقدان الماء، و الطهارة الترابية مصداق اضطراريّ سوّغه العجز عن المائية مع بقاء الاقتضاء اللزومي، فلا يجوز تحصيل الاضطرار؟

أدلّة عدم جواز التعجيز
الأوّل: الكتاب

فاللازم صرف الكلام أوّلًا إلى الآية الشريفة، ثمّ إلىٰ مقتضى الروايات:

قال تعالىٰ في المائدة يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً

طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «2».

______________________________

(2) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 13

أمر تعالىٰ شأنه بالوضوء أوّلًا، و مع فرض الجنابة بالغسل؛ لظهور قوله فَاطَّهَّرُوا بعد قوله فَاغْسِلُوا و قبل فرض العجز عن الماء في التطهير بالماء، و إطلاقها يقتضي مطلوبيّتهما مطلقاً و اقتضاءهما كذلك حتّى في فرض العجز و الفقدان.

و ليس لأحد أن يقول: إنّ عدم ذكر قيد الوجدان لحصوله غالباً و نُدرة فقدانه، فإنّ نُدرة فقدانه في تلك الأزمان و الأسفار ممنوعة. و لو سُلِّم نُدرته لكنّ العجز المطلق المستفاد من الآية بذكر المرض و إلغاء الخصوصيّة بالنسبة إلىٰ سائر الأعذار، كما يأتي بيانه «1» ليس بنادر. كما أنّ كونها بصدد بيان كيفية الوضوء، لا ينافي الإطلاق من جهة أُخرى، فالآية الشريفة بصدد بيان تكليف صنوف المكلّفين من الواجد و الفاقد و الجنب و غيره.

و قوله تعالىٰ فَلَمْ تَجِدُوا لا يصلح لتقييد الصدر؛ بحيث صار معنوناً بعنوان «الواجد» فيكون العنوانان عِدْلين ك «الحاضر» و «المسافر»:

أمّا أوّلًا: فلأنّ العرف يفهم من عنوان «الفاقد» و «عدم الوجدان» و نظيرهما من العناوين الاضطراريّة أنّ الحكم المتعلّق به إنّما هو في فرض الاضطرار و العجز عن المطلوب الأصلي، و في مثله لا يكون التكليفان في عَرْض واحد علىٰ عنوانين.

و أمّا ثانياً: فلأنّ جعل المرضىٰ قرين المسافر، دليل علىٰ أنّ الحكم كما في المرضى اضطراري الجائي، كذلك في سائر الأصناف.

و أمّا ثالثاً: فلأنّ التذييل بقوله مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ الظاهر عرفاً في كونه مربوطاً بالتيمّم في حال المرض و السفر، و

أنّ الأمر

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 14

بالتيمّم لأجل التسهيل و رفع الحرج؛ فإنّ الأمرَ للمرضىٰ بالطهارة المائية و للمسافر بتحصيل الماء كيفما اتّفق حرجيٌّ، و ما يريد اللّٰه ذلك يدلّ علىٰ أنّ التيمّم سوّغ لأجل التسهيل، و رفع الوضوء و الغسل للحرج، و لا يكون ذلك إلّا مع تحقّق الاقتضاء، فيفهم منه أنّ التكليف الأوّلي الأصلي هو الطهارة المائية، و له اقتضاء حتّى في صورة العجز، فلا يجوز تحصيل العجز، و يجب عليه تحصيل المائية حتّى الإمكان مع عدم الوصول إلىٰ حدّ الحرج.

الثاني: السنّة
و تدلّ عليه أيضاً روايات:
منها: [صحيحة محمّد بن مسلم،]

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألت عن رجل أجنب في سفر، و لم يجد إلّا الثلج أو ماءً جامداً، فقال: «هو بمنزلة الضرورة، يتيمّم، و لا أرىٰ أن يعود إلىٰ هذه الأرض التي توبق دينه» «1».

و الظاهر أنّ المراد من عدم وجدان غير الثلج و الماء الجامد، عدم وجدان ما يتوضّأ به، لا ما يتيمّم به اختياراً كما زعمه صاحب «الوسائل» «2» فحينئذٍ تدلّ علىٰ أنّ التيمّم مصداق اضطراريّ سوّغ في حال الضرورة، و يدلّ ذيلها علىٰ عدم جواز تحصيل الاضطرار اختياراً، و أنّ الترابية ما وفت بما وفت المائية، و الذهاب إلىٰ تلك الأرض لأجل تفويت التكليف الأعلى من قبيل هلاك الدين و تفويت ما يجب تحصيله.

و منها: ما دلّت علىٰ وجوب شراء الماء علىٰ قدر جِدته

و لو بمائة ألف و كم

______________________________

(1) الكافي 3: 67/ 1، تهذيب الأحكام 1: 191/ 553، وسائل الشيعة 3: 355، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 3: 355، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، ذيل الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 15

بلغ،

قائلًا: «و ما يشتري بذلك مال كثير» «1»

، فإنّ المتفاهم منها وجوب حفظ الموضوع، و يرى العرف جواز إراقته بعد الشراء منافياً لها، خصوصاً مع قوله: «ما يشتري بذلك مال كثير» و الظاهر أنّ المراد ليس نفس الماء، بل ما يترتّب عليه من الخاصّية، و لو ترتّبت تلك الخاصّية بعينها على التراب لا يكون ذلك مالًا كثيراً مع كون وجوده و عدمه على السواء. و التعليل دليل علىٰ أنّ وجوب الشراء إنّما هو لتحصيل المصلحة الملزمة، لا لكونه واجداً للماء حتّى يتوهّم عدم المنافاة بين وجوب شرائه و جواز إراقته لتبديل

الموضوع.

و بالجملة: لا شبهة في أنّ المتفاهم منها لزوم تحصيل الماء و كون الصلاة مع المائية مطلوبة حتّى الإمكان، و أنّها الفرد الأعلى.

و منها: ما دلّت علىٰ وجوب الطلب

«2»، و من الغرائب بل الباطل لدى العرف وجوب تحصيل الماء بالطلب و جواز إراقته بعد الوجدان، و إن أمكن أن يقال: إنّ الطلب واجب لتحصيل العلم بتحقّق الموضوع، فلا ينافي رفع الموضوع اختياراً. لكنّه احتمال عقليّ لا يساعد عليه العرف بحسب ما يتفاهم من الروايات.

الروايات المنافية لما سبق

نعم، هنا روايات ظاهرها ينافي ما تقدّم،

كرواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل يكون مع أهله في السفر، فلا يجد الماء، يأتي أهله؟ فقال: «ما أُحبّ أن يفعل ذلك، إلّا أن يكون شَبِقاً، أو يخاف علىٰ نفسه» «3».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 341، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1269، وسائل الشيعة 3: 390، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 27، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 16

و عن «السرائر» نقلًا من كتاب محمّد بن علي بن محبوب مثله، و زاد: قلت: يطلب بذلك اللذّة؟ قال: «هو له حلال».

قلت: فإنّه رُوي عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّ أبا ذرّ سأله عن هذا، فقال: «ائت أهلك تؤجر ..» «1» إلىٰ آخره.

بدعوىٰ: أنّها بإلغاء الخصوصيّة عرفاً أو بالأولويّة، تدلّ علىٰ جواز نقض الوضوء أيضاً، فتدلّ علىٰ أنّ الترابية و المائية سواء.

و

رواية السكوني الموثّقة برواية المفيد مع نحو إشكال فيها؛ و هو احتمال الإرسال «2» عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن أبي ذرّ (رضى اللّٰه عنه): «أنّه أتى النبيَّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: يا رسول اللّٰه هلكتُ؛ جامعتُ علىٰ غير ماء! قال: فأمر النبي (صلّى اللّٰه عليه و

آله و سلّم) بمحمل، فاستترنا به، و بماء، فاغتسلتُ أنا و هي.

ثمّ قال: يا أبا ذرّ، يكفيك الصعيد عشر سنين» «3».

______________________________

(1) السرائر 3: 612، وسائل الشيعة 3: 390، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 27، الحديث 2.

(2) رواها الشيخ الطوسي عن الشيخ (و هو المفيد)، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العباس، عن السكوني. و العبّاس في مشايخ محمّد بن أحمد بن يحيىٰ منصرف إلى العبّاس بن معروف و لم نعثر علىٰ روايته عن السكوني إلّا في هذا المورد و أكثر ما يروي عن السكوني بتوسط أبي همام، عن محمّد بن سعيد بن غزوان كما في سنده الآخر برواية محمّد بن علي بن محبوب، عن العباس بن معروف، عن أبي همام، عن محمّد بن سعيد بن غزوان، عن السكوني فلا محالة في سند الرواية سقط أو إرسال.

(3) تهذيب الأحكام 1: 194/ 561 و 199/ 578، وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 17

و الظاهر من ذيلها دفع توحّش أبي ذر بأنّه هلك و عمل علىٰ خلاف التكليف و المتفاهم منه أنّ الصعيد لا ينقص عن الماء مطلقاً، و لا يختصّ الجواز بالجماع.

و

صحيحة حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل لا يجد الماء، أ يتيمّم لكلّ صلاة؟ فقال: «لا؛ هو بمنزلة الماء» «1».

و

صحيحة محمّد بن حُمران و جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: «إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «2».

إلىٰ غير ذلك،

كقوله: «إنّ اللّٰه عزّ

و جلّ جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «3».

و «إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد» «4».

و «إنّ التيمّم أحد الطهورين» «5».

و إنّ «التيمّم بالصعيد لمن لا يجد الماء كمن توضّأ من غدير ماء؛ أ ليس اللّٰه يقول فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً؟!» «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 200/ 581، وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 2.

(2) الفقيه 1: 60/ 223، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1264، وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1274، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

(4) تهذيب الأحكام 1: 197/ 571، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.

(5) تهذيب الأحكام 1: 200/ 580، وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(6) تفسير العيّاشي 1: 244/ 143، وسائل الشيعة 3: 378، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 18

بيان الوجه في تقديم الأخبار المانعة عن التعجيز

أقول: مضافاً إلىٰ ترجيح الروايات الأُولى الموافقة للكتاب و فتوى الأصحاب؛ علىٰ ما حُكي عن «الحدائق» «1» إنّ ما دلّت علىٰ جواز الجماع مخصوصة بموردها، و لا يتعدّىٰ منه، و دعوى الأولوية أو إلغاء الخصوصيّة في غير محلّها، مع وجود الخصوصيّة في الجماع الذي هو من سُنن المرسلين، و التضييق فيه ربّما يورث الوقوع في الحرام.

و لعلّ أبا ذرّ (رضى اللّٰه عنه) تخيّل عدم صحّة صلاته، فقال: «هلكت» و رفع النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هذا التوهّم بقوله: «يكفيك» فلا يدلّ ذلك علىٰ مساواة الترابية للمائية؛ لأنّ الكفاية و الإجزاء غير المساواة في المصلحة و المطلوبيّة.

و

قوله: «هو بمنزلة الماء» ليس بصدد بيان عموم المنزلة حتّى بالنسبة إلى المورد جزماً، بل الظاهر أنّه بمنزلته في عدم وجوب الإعادة، أو في الطهوريّة و الإجزاء. و كذا سائر الروايات ليست بصدد التسوية بينهما من جميع الجهات؛ ضرورة عدم التسوية التي تتوهّم من ظاهرها بينهما، و إلّا لكان التيمّم سائغاً مع وجدان الماء، فلا يستفاد منها إلّا التسوية في أصل الطهوريّة و إجزاء الصلاة.

و رواية العيّاشي «2» مع ضعفها بالإرسال «3» لا تدلّ إلّا علىٰ تسويتهما في تصحيح الصلاة بهما، و لهذا استدلّ فيها بالآية الشريفة الظاهرة في

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 5: 89، الحدائق الناضرة 4: 256.

(2) تقدّم في الصفحة 17، الهامش 6.

(3) رواها العيّاشي في تفسيره مرسلة عن أبي أيّوب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 19

صحّة الصلاة به مع كونه طهارة اضطراريّة.

فالأقوىٰ: عدم جواز إراقة الماء و تحصيلِ الاضطرار في غير المورد المنصوص فيه.

نعم، يبقىٰ إشكال: و هو أنّه لو كان الأمر كذلك لوجب الاكتفاء علىٰ قدر الضرورة و الاضطرار، مع عدم إمكان الالتزام به؛ لما سيأتي من جواز البدار، و جواز الاستئجار، و الاستباحة لسائر الغايات التي لا يضطرّ المكلّف إليها، و صحّة الاقتداء بالمتيمّم .. إلىٰ غير ذلك «3» ممّا لا يمكن الجمع بينها و بين القول بكون الطهارة الترابية اضطراريّة، و الغايات معها أنقصَ ممّا تحصل بالمائية بنحو يلزم مراعاته.

و لعلّه لذلك التزم المحقّق (رحمه اللّٰه) في محكيّ معتبره بجواز الإراقة «4»، و هو كما ترى مخالف لظاهر الأدلّة كتاباً و سُنّة و فتاوى الأصحاب. كما أنّ الالتزام بلزوم الاكتفاء بمقدار الضرورة غير ممكن مخالف للأدلّة الآتية، خصوصاً في

بعض الفروع.

و قد التزم بعض أهل التحقيق: بأنّ للطهارة المائية من حيث هي لدى الإتيان بشي ء من غاياتها الواجبة، مطلوبيّةً وراء مطلوبيّتها مقدّمة للواجبات المشروطة بالطهور. و وجوب حفظ الماء و حرمة تحصيل العجز لأجل ذلك، لا لكون الغايات لأجل المائية تصير واجدة لخصوصيّة واجبة المراعاة «1».

و هو كما ترى ليس جمعاً بين الأدلّة و تصحيحاً لها، بل هو طرح طائفة منها، كظاهر الآية الشريفة الدالّة علىٰ أنّ الطهارة بمصداقيها شرط للصلاة،

______________________________

(3) يأتي في الصفحة 328 و 386.

(4) المعتبر 1: 366.

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 453/ السطر 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 20

و لازمه كون الصلاة معهما مختلفة المرتبة، كما يتضح بالتأمّل في الآية، و لا يجوز رفع اليد عن هذا الظاهر بلا حجّة. مع أنّ هذه المطلوبيّة النفسيّة خلاف ارتكاز المتشرّعة و جميع الأدلّة.

و الذي يمكن أن يقال في رفع الإشكال: إنّ الصلاة مع المائية أكمل منها مع الترابيّة بمقدار يجب مراعاته، كما هو ظاهر الأدلّة المتقدّمة، و مع العجز تتحقّق مفسدة واقعيّة مانعة عن عدم تجويز البدار و عدم تجويز سائر الغايات .. و هكذا، فوجوب حفظ الماء لأجل وجوب تحصيل المصلحة اللزوميّة، و بعد فَقْد الماء و عروض العجز، تجويز الإتيان بسائر الغايات و تجويز البدار و غير ذلك؛ لأجل التخلّص من مفسدة واقعية لازمة المراعاة.

و هذا الوجه و إن كان صِرف احتمالٍ عقليّ، لكن يكفي ذلك في لزوم الأخذ بالظواهر و عدم جواز طرحها، كما لا يخفى.

و أمّا الالتزام بحصول جهة مقتضية في ظرف الفقدان توجب تسهيل الأمر على المكلّفين، فغير دافع للإشكال؛ لأنّ الجهة المقتضية إن كانت مصلحة جابرة، يجوز للمكلّف تحصيل العجز، و إلّا لا

يعقل تفويت المصلحة بلا وجه، تأمّل.

عدم جواز التعجيز قبل زمان التكليف و بعده

ثمّ إنّه لا فرق في وجوب حفظ الطهور و عدم جواز تحصيل العجز بين ما قبل حضور زمان التكليف و ما بعده.

و ما يتخيّل من الفرق: بأنّ التكليف غير متعلّق بذي المقدّمة قبل حضور الوقت، أو غير فعليّ، أو غير منجّز، و المقدّمة تابعة لذيها.

غير مسموع؛ لما قلنا بعدم وجوبها شرعاً، بل وجوب الإتيان بها عقليّ

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 21

محض «1». و علىٰ فرض وجوبها فحديث تبعيّتها لذيها لا أصل له. بل يمكن تعلّق الإرادة الغيريّة بها قبل تعلّق الإرادة بذيها؛ بناءً علىٰ كون الوقت شرطاً و عدم وجوب المشروط قبل شرطه؛ لأنّ مبادي تعلّق الإرادة الغيريّة غير مبادئ الإرادة النفسيّة، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «2»، و لعلّه يأتي من ذي قبل بعض الكلام فيه «3».

و كيف كان: لا بدّ من ملاحظة حكم العقل، و لا إشكال في أنّ العقل حاكم بعدم جواز تحصيل العجز عن تكليف يعلم بحضور وقته، و حصول جميع ما يوجب الفعلية و التنجيز فيه، فإنّه مع العلم بالغرض المطلق الاستقبالي، لا يجوز عقلًا تفويته بتعجيز نفسه، بل لا يجوز تفويت المقدّمة و لو مع احتمال حصول القدرة عند حضور وقت العمل.

و أولى بذلك ما إذا كان واجداً في الوقت و إن احتمل الوجدان فيه، فلا يجوز عقلًا إراقة الموجود بمجرّد احتمال تجدّده بعد ذلك؛ لحكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجّز، و احتمال التجدّد ليس عذراً عند العقلاء ولدي العقل.

و ما قيل: من جريان البراءة عن التكليف المتعلّق بهذه المقدّمة؛ بعد كون الشكّ في انحصارها، و الشكّ في توقّف ذي المقدّمة علىٰ هذا الماء بالخصوص،

و الشكّ في وجوب حفظه «4».

غير وجيه؛ لعدم وجوب المقدّمة، و عدم كون مخالفتها علىٰ فرض وجوبها موجبة لاستحقاق العقاب عليها، فلا مجرى للبراءة فيها.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 8.

(2) مناهج الوصول 1: 323 و ما بعدها، تهذيب الأُصول 1: 198.

(3) يأتي في الصفحة 320 و ما بعدها.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 454/ السطر 26 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 22

و أمّا ذو المقدّمة، فواجب مطلق منجّز فرضاً يجب عقلًا الخروج عن عهدته. و مجرّد احتمال تجدّد القدرة، لا يوجب التعذير العقلي لو فرض عدم التجدّد، و الشاهد حكم العقل في نظائره، فمن كان مكلّفاً بضيافة ضيف لمولاه، و كانت موجبات ضيافته و أسبابها حاصلة لديه، و احتمل عدم إمكان حصولها بعد ذلك احتمالًا عقلائياً، هل ترى من نفسك معذوريته في تفويت المقدّمات، و هل له الاعتذار باحتمال تجدّد القدرة، بل و ظنّه به؟! فما اختاره بعض أهل التحقيق؛ من جواز الإراقة حتّى في الوقت باحتمال الوجدان بعد ذلك؛ تمسّكاً بالبراءة «1» غيرُ سديد.

و ممّا ذكر تعلم حرمة إبطال الطهارة و نقض الوضوء مع العلم بعدم تمكّنه، أو الاحتمال العقلائي المعتدّ به؛ سواء في ذلك قبل حضور الوقت و بعده.

ثمّ اعلم: أنّ المراد بحرمة نقض الوضوء أو وجوب حفظ الطهارة، ليس إلّا عدم المعذوريّة بالنسبة إلىٰ ما يفوت منه لأجل الطهارة المائيّة من التكليف النفسي، و إلّا فترك التكليف الغيري علىٰ فرضه لا يوجب العقوبة، بل لا يكون حفظ المقدّمة واجباً شرعاً، و لا تفويتها حراماً كذلك، كما مرّ.

إذا عرفت ما ذكر فالمباحث [أربعة]

اشارة

كما تقدّم «2» أربعة

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 454/ السطر 26 36.

(2) تقدّم في الصفحة 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2،

ص: 23

المبحث الأوّل في مسوّغات التيمّم

اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 25

فيمن يشرع له التيمّم

و إن شئت قلت: فيما يصحّ معه التيمّم و هو أشخاص أو أُمور، يحويهم المعذور عقلًا أو شرعاً عن الطهارة المائية، أو يحويها العذر كذلك عنها.

و المراد من «العذر» هو ما بحسب الواقع لا الظاهر، كالقاطع بعدم الماء مع وجوده، فإنّه معذور عن الوضوء عقلًا، لكن لا يشرع له التيمّم واقعاً.

و لعلّ ما ذكرنا أولىٰ ممّا في «القواعد» حيث عدّ الشي ء الواحد الجامع للمسوّغات هو «العجز عن استعمال الماء» «1» فإنّ العجز إن كان عقليّاً يخرج منه كثير من المسوّغات.

و إن كان أعمّ من العقلي و الشرعي كما في «الجواهر» «2» يخرج منه أيضاً بعضها، كالخوف علىٰ مالٍ لا يجب حفظه، أو بعض مراتب النفس إن قلنا بعدم حرمته، و كباب المزاحمة مع الأهمّ، فإنّ فيها لا يعجز عقلًا و لا شرعاً؛ أمّا عقلًا فواضح، و أمّا شرعاً فلعدم الحرمة الشرعيّة فيها.

بل التحقيق عدم سقوط الأمر عن المهمّ، كما ذكرنا في باب التزاحم،

______________________________

(1) قواعد الأحكام 1: 22/ السطر 7.

(2) جواهر الكلام 5: 75.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 26

فحينئذٍ يكون التعبير عن الجامع «بأنّ المسوّغ سقوط وجوب الطهارة المائية» غير وجيه أيضاً؛ لعدم السقوط في موارد التزاحم و إن كان المكلّف معذوراً في تركه، كما حقّق في محلّه «1».

و أمّا عنوان «المعذور عقلًا أو شرعاً عن المائية» فالظاهر جمعه لجميع المسوّغات حتّى ضيق الوقت، فإنّ في بعضها يكون العذر عقليّاً، و في بعض شرعيّاً، و في بعضٍ شرعيّاً و عقليّاً. و لا يهمّ البحث عنه.

شمول آية التيمّم لجميع الأعذار

و الأولى صرف عنان الكلام إلىٰ مفاد الآية الكريمة «2»؛ ليعلم مقدار سعة دلالتها للأعذار.

فنقول: إنّ قوله وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ لا يتفاهم منه عرفاً أنّ

للمرض موضوعيّة و استقلالًا في تشريع التيمّم؛ بحيث يكون الحكم دائراً مدار عنوانه، بل الظاهر منه هو المرض الذي يكون عذراً عند العقلاء من استعمال الماء، و يكون الغسل و الوضوء منافياً له، و مضرّاً بحال المريض، دون ما لا يضرّه، فضلًا عمّا إذا كان نافعاً.

و يمكن أن يقال: إنّ العرف كما يقيّد المرض بذلك، كذلك يُلغي خصوصيّة عنوان «المريض» و يفهم منه أنّ الميزان هو العذر عن استعماله و لو لم يكن عذره المرض، كالذي يكون كسيراً أو به جرح و قرح يكون استعماله

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 29 و 30، تهذيب الأُصول 1: 312.

(2) تقدّم في الصفحة 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 27

مضرّاً بحاله، فالمفهوم من الآية تشريع التيمّم للمعذور عن استعمال الماء لمرض و شبهه.

و كذا لا يرى العرف خصوصيّة للسفر و موضوعيّة له، بل يرىٰ أنّ ذكره لأجل كون الابتلاء بالفقدان فيه غالباً، خصوصاً في الأسفار التي في تلك الأزمنة و الأمكنة.

فما عن أبي حنيفة: «من أنّ الفقدان في السفر يوجب التيمّم، لا في الحضر» «1» ليس بشي ء.

كما لا يرى خصوصيّة للمجي ء من الغائط أو لمس النساء، بل يرىٰ أنّ الميزان حصول الحدث الأصغر أو الأكبر.

كما أنّ المراد من عدم الوجدان الذي هو قيد لقوله عَلىٰ سَفَرٍ هو الوجدان بنحو يمكن معه الوضوء، فيشمل عدم الوصلة، ككونه في بئر أو محفظة لا يتيسّر الوصول إليه، و كذا يشمل ما إذا كان الماء قليلًا لا يفي بالاحتياج، فلا يكون وجدانه بعنوانه موضوعاً للحكم، بل هو عنوان طريقيّ إلىٰ تيسّر استعماله، أو كناية عنه، فلو وجد الماء، لكن لا يكون تحت سلطته بحيث جاز استعماله شرعاً و عقلًا

لا يُعدّ واجداً.

و قوله مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ بناءً علىٰ ما تقدّم «2» من كونه مربوطاً بقوله إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ و يكون بياناً لنكتة تشريع التيمّم، يدلّ علىٰ أنّه كلّما كان الوضوء و الغسل حرجيّا سواء كان الحرج في نفسهما، أو مقدّماتهما يتبدّلان بالتيمّم، فيكون المتفاهم من الآية صدراً و ذيلًا

______________________________

(1) المبسوط، السرخسي 1: 123، بداية المجتهد 1: 67، المغني، ابن قدامة 1: 234.

(2) تقدّم في الصفحة 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 28

بإلغاء الخصوصيّات عرفاً و مناسبات الحكم و الموضوع، أنّ التيمّم طهور اضطراريّ مشروع عند كلّ عذر شرعيّ أو عقليّ، و لو فرض عدم استفادة بعض الموارد منها، لكن بعد العلم بعدم سقوط الصلاة بحال، و أن

«لا صلاة إلّا بطهور» «1»

، و أنّ

«التيمّم أحد الطهورين» «2»،

لا يبقى إشكال في توسعة نطاق شرعه لكلّ الأعذار.

هذا مع أنّ الحكم مستفاد من التدبّر في مجموع روايات الباب، فراجع.

و كيف كان: لا بدّ من التعرّض لبعض أسباب العذر تفصيلًا، و هو أُمور:
اشارة

______________________________

(1) الفقيه 1: 22/ 1، تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

(2) تقدّم في الصفحة 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 29

السبب الأوّل عدم الماء
اشارة

و لا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2» في كونه من المسوّغات؛ من غير فرق عندنا بين السفر و الحضر، كان السفر طويلًا أو قصيراً. و ما عن السيّد «3» ليس خلافاً في هذه المسألة، بل في مسألة الإجزاء.

نعم، خالف في ذلك أبو حنيفة و أحمد في إحدى الروايتين و زُفر علىٰ ما حُكي عنه، فقالوا: «إنّ الحاضر العادم الماء لا يصلّي» «4» بل عن زُفر: «لا يصلّي قولًا واحداً» «5»، و لا اعتداد بخلافهم، و يردّهم ظاهر الآية «6»، كما عرفت «7».

______________________________

(1) كآية التيمّم، النساء (4): 43، المائدة (5): 6، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 1 و 3 و 4 و 7.

(2) المقنعة: 58، النهاية: 45، المعتبر 1: 363، تذكرة الفقهاء 2: 149.

(3) انظر المعتبر 1: 365.

(4) المبسوط، السرخسي 1: 123، المغني، ابن قدامة 1: 234، المجموع 2: 305.

(5) انظر منتهى المطلب 1: 132/ السطر 28، المحلّى بالآثار 1: 348.

(6) المائدة (5): 6.

(7) تقدّم في الصفحة 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 30

وجوب الفحص عن الماء

كما لا إشكال في وجوب الطلب و الفحص عن الماء في الجملة، و حُكِي الإجماع عليه عن «الخلاف» و «الغنية» و «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «جامع المقاصد» و «إرشاد الجعفرية» و «التنقيح» و «المدارك» و «المفاتيح» و ظاهر «المعتبر» «1» بل عن «السرائر» دعوى تواتر الأخبار به «2».

و يدلّ عليه إطلاق الآية الشريفة؛ لما عرفت «3» من أنّ الظاهر منها أنّ التكليف بالصلاة مع المائية، غير مقيّد بحال الاختيار، بل مطلق، و أنّ التعليق علىٰ عنوان اضطراريّ هو عدم وجدان الماء ظاهر عرفاً في أنّ الترابية طهارة اضطرارية سوّغها الاضطرار و

الإلجاء، مع بقاء المطلوبيّة المطلقة في المائية علىٰ حالها، و معه يجب عقلًا الفحص و الطلب في تحصيل المطلوب المطلق إلىٰ زمان اليأس، أو حصول عذر آخر. و ليس الشكّ في العذر عذراً عند العقلاء، نظير الشكّ في القدرة في الأعذار العقليّة.

بل الظاهر من الآية أنّ تعليق التيمّم علىٰ عدم الوجدان، ليس لأجل تحديد موضع المائية فقط، بل لمّا كان حكم العقل مع فقد الماء، هو سقوط الصلاة لعدم القدرة عليها مع المائية أفادت الآية الكريمة مطلوبيتها مع الترابية، و عدم سقوط أمرها بمجرّد العجز عن المائية، و أنّ الترابية مصداق اضطراري يجب عند فقدان الماء، فحينئذٍ يحكم العقل بوجوب

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 518/ السطر 24، الخلاف 1: 147، غنية النزوع 1: 64، منتهى المطلب 1: 138/ السطر 24، تذكرة الفقهاء 2: 149، جامع المقاصد 1: 465، التنقيح الرائع 1: 137، مدارك الأحكام 2: 178، مفاتيح الشرائع 1: 59، المعتبر 1: 392.

(2) السرائر 1: 135.

(3) تقدّم في الصفحة 13 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 31

الطلب إلىٰ حدّ اليأس و إحراز العذر.

بل يمكن استفادة لزوم الطلب من قوله تعالىٰ فَلَمْ تَجِدُوا فإنّ الظاهر منه عدم الوجدان بعد الفحص و الطلب، كما يظهر بالتأمل في صيغ الماضي و المضارع منه و من مرادفاته في الفارسية. و لا يلزم أن يكون المتفاهم من جميع الصيغ حتّى اسم الفاعل و المفعول كذلك، فلا ينتقض ب «الواجد» و «الموجود» فإنّه قد يدلّ بعض المشتقّات و لو انصرافاً علىٰ معنىً لا يفهم من الآخر، ك «الماء الجاري» حيث يدلّ على الجريان من مبدأ نابع، بخلاف «جري الماء» لصدقه علىٰ ما جرىٰ من الكوز.

و العمدة

في وجوب الطلب هو ما ذُكر، و أمّا

رواية السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليه السّلام) قال: «يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغَلْوة، و إن كانت سهولة فغَلْوتين، لا يطلب أكثر من ذلك» «1».

ففيها إشكال، لا لضعف سندها «2»؛ فإنّ الأرجح وثاقة النوفلي و السكوني، كما يظهر بالفحص و التدبّر في رواياتهما و عمل الأصحاب بها. و عن الشيخ «إجماع الشيعة على العمل بروايات السكوني» «3» و قلّما يتّفق عدم كون النوفلي في طريقها. و عن المحقّق في «المسائل العزّية» أنّه ذكر حديثاً عن السكوني في أنّ الماء يطهر، و أجاب عن الإشكال بأنّه عامّيّ: «بأنّه و إن كان كذلك فهو من ثقات الرواة» «4» و في طريقها النوفلي، و لم يستشكل فيه.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 202/ 586، الإستبصار 1: 165/ 571، وسائل الشيعة 3: 341، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 1، الحديث 2.

(2) رواها الشيخ بإسناده، عن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني.

(3) عدّة الأُصول 1: 149.

(4) تنقيح المقال 1: 128/ السطر 3 4، المسائل العزّية، ضمن الرسائل التسع: 64.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 32

و بالجملة: لا ضعف في سندها، و لو سلّم فهي مجبورة بعمل الأصحاب قديماً و حديثاً. بل لدلالتها، فإنّ الظاهر منها أنّها بصدد بيان مقدار الفحص بعد مفروضيّة أصله، و أمّا كونه واجباً أو مستحبّاً فلا تتعرّض له، فقوله: «يطلب في الحزونة كذا، و في السهولة كذا» يراد به أنّ مقدار الطلب المفروض كذا، و لا يطلب زائداً عن ذلك، و ذلك مثل أن يقال: «يغتسل للجمعة من طلوع الفجر إلى الزوال» فإنّ الظاهر منه بيان

زمان إتيان الغسل، لا وجوبه بين الحدّين.

و كيف كان: لا نحتاج في أصل الوجوب إلىٰ تلك الرواية بعد حكم العقل و دلالة الآية الكريمة.

و أمّا

رواية عليّ بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: أتيمّم .. إلىٰ أن قال: فقال له داود بن كثير الرّقي: فأطلب الماء يميناً و شمالًا؟ قال: «لا تطلب يميناً و لا شمالًا، و لا في بئر، إن وجدته على الطريق فتوضّأ، و إن لم تجده فامضِ» «1».

فبعد ضعف سندها بعليّ بن سالم المشترك بين المجهول «2» و البطائني الضعيف «3»، و قرب احتمال كونها عين الواقعة التي نقلها

داود قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أكون في السفر، فتحضر الصلاة و ليس معي ماء و يقال: إنّ الماء قريب منّا، أ فأطلب الماء و أنا في وقت يميناً و شمالًا؟ قال: «لا تطلب الماء، و لكن تيمّم؛ فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك، فتضلّ و يأكلك السبع» «4»

لبعد

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 202/ 587، الإستبصار 1: 165/ 572، وسائل الشيعة 3: 343، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 3.

(2) هو عليّ بن سالم الكوفي، رجال الطوسي: 247/ 346.

(3) هو عليّ بن أبي حمزة سالم البطائني، رجال النجاشي: 249/ 656.

(4) الكافي 3: 64/ 6، تهذيب الأحكام 1: 185/ 536، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 33

سؤاله عنه مرّتين، و لتشابه ألفاظهما و إن ترك بعض الخصوصيّات في كلٍّ منهما، محمولة على الخوف من اللصّ و السبع، و الإطلاق لأجل كون الأسفار في تلك الأزمنة و الأمكنة، مظنّةَ الخطر نوعاً، و لهذا نهىٰ

عن الطلب في رواية داود من غير فصل معلِّلًا بما ذكر.

بل في

رواية يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل لا يكون معه ماء، و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك، قال: «لا آمره أن يُغرّر بنفسه؛ فيعرض له لصّ أو سبع» «1».

فمع فرض وجود الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين قال: «لا آمره» لأجل تغرير النفس و تعرّض اللصّ و السبع، فيتّضح منه أنّ الطلب واجب لولا ذلك، و أنّه (عليه السّلام) مع الأمن من ذلك يأمره به، لكن لمّا كانت تلك الحوادث في تلك الأسفار كثيرة نوعاً قال ما قال.

و كيف كان: لا يمكن الاتّكال علىٰ رواية عليّ بن سالم. فتحصّل ممّا ذكر وجوب الطلب.

لزوم الفحص إلىٰ زمان اليأس أو ضيق الوقت
اشارة

و لا إشكال في أنّ حكم العقل بوجوبه بعد دلالة الآية على المطلوبيّة المطلقة للطهارة المائية هو الفحص إلىٰ زمان اليأس أو ضيق الوقت.

كما تدلّ عليه

صحيحة زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم

______________________________

(1) الكافي 3: 65/ 8، تهذيب الأحكام 1: 184/ 528، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 34

و ليصلّ في آخر الوقت، و إذا وجد الماء فلا قضاء عليه، و ليتوضّأ لما يستقبل» «1».

لكن موثّقة السكوني «2» حاكمة علىٰ حكم العقل، و شارحة لمفاد الآية الكريمة، و مبيّنة لمقدار الطلب، و نافية لوجوب الزيادة.

و أمّا صحيحة زرارة فكما أنّها معارضة لرواية السكوني، معارضة لطائفة من الروايات الآتية في محلّها «3» الدالّة علىٰ جواز البدار و صحّة

الصلاة في سعة الوقت مع التيمّم،

كصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): فإن أصاب الماء و قد صلّىٰ بتيمّم و هو في وقت؟ قال: «تمّت صلاته، و لا إعادة عليه» «4»،

و مثلها غيرها، و موافقة لطائفة أُخرى دالّة علىٰ عدم جواز البدار؛ سواء في ذلك «فليطلب» كما في رواية الكليني أو «فليمسك»، كما في رواية الشيخ بطريق آخر غير الكليني «5»، فإنّ وجوب الإمساك عن الصلاة إلىٰ ضيق الوقت، كما هو مخالف لما دلّ علىٰ جواز البدار، كذلك وجوب الطلب إليه مخالف له، و الجمع العقلائي بينها و بين مخالفاتها، هو حملها و حمل سائر ما أُمر فيها بالتأخير إلىٰ ضيق الوقت على الاستحباب، فيرتفع التعارض بين جميعها، و منها رواية السكوني الدالّة علىٰ أنّ مقدار الطلب غلوة سهم أو سهمين.

______________________________

(1) الكافي 3: 63/ 2، تهذيب الأحكام 1: 192/ 555، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.

(2) تقدّم في الصفحة 31.

(3) يأتي في الصفحة 332.

(4) تهذيب الأحكام 1: 194/ 562، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 9.

(5) تهذيب الأحكام 1: 194/ 560.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 35

و هذا الجمع أقرب بنظر العرف من الجمع الذي صنع بعض المحقّقين بحمل رواية السكوني علىٰ من أراد الصلاة في مكان مخصوص، كما لو نزل المسافر بعد الظهر منزلًا و أراد أن يصلّي فيه، و حمل صحيحة زرارة علىٰ من ضرب في الأرض، فله الضرب في جهة من الجهات و لو في الجهة الموصلة إلى المقصود؛ برجاء تحصيل الماء إلىٰ أن يتضيّق الوقت، فإنّ العود إلى المكان الأوّل ليس واجباً تعبّدياً، فحيثما طلب

الماء في جهة و لو في الجهة المؤدّية إلى المقصود بمقدار رمية سهم أو سهمين فله أن يصلّي في المكان الذي انتهىٰ إليه طلبه، لكن يجب عليه الفحص فيما حوله بالنسبة إلى المكان الذي انتهىٰ إليه، فله في هذا المكان كالمكان الأوّل أن يختار أوّلًا الضرب إلىٰ مقصده، و هكذا إلىٰ أن يتضيّق الوقت، فثمرة العود إلى المكان الأوّل، جواز الصلاة و لو مع عدم الضيق بعد الفحص في سائر الجهات، فتقيّد صحيحة زرارة بغير هذه الصورة «1»، انتهىٰ.

لأنّ الجمع المذكور، مضافاً إلىٰ كونه بهذا الوجه الدقيق مخالفاً للأنظار العرفيّة، مع أنّ الميزان في الجمع بين الأخبار هو فهم العرف العامّ و مقبوليّته عندهم، و مضافاً إلىٰ إباء العرف من تقييد

الصحيحة القائلة: بأنّه «فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم»،

بأنّه كلّما أراد الصلاة لا يجب الفحص إلىٰ ضيق الوقت، بل يكفي مقدار سهم أو سهمين، أنّ الصحيحة محمولة على الاستحباب علىٰ أيّ تقدير؛ لمعارضتها لروايات جواز البدار الآتية «2»، فلا تعارض رواية السكوني.

ثمّ إنّه يجب التنبيه على أُمور:
اشارة

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 449/ السطر 35.

(2) يأتي في الصفحة 332.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 36

الأمر الأوّل في مفاد خبر السكوني

قد عرفت أنّ خبر السكوني ليس بصدد إيجاب الطلب، بل بصدد بيان مقداره، فيكون إيجابه بحكم العقل و دلالة الآية، كما مرّ «3».

و قد مرّ أنّ حكم العقل بوجوبه لتحصيل المطلوب المطلق إنّما هو في جميع الوقت، و في كلّ جهة محتملة إلىٰ حدّ اليأس «1»، ففي كلّ جهة يحتمل وجود الماء، يحكم بالفحص إلى اليأس لولا الدليل علىٰ عدم لزومه. و قد دلّت رواية السكوني علىٰ تقدير الفحص بغَلْوة أو غَلْوتين لا أزيد، فالرواية في مقام تقدير ما وجب عقلًا، فالرواية مع حكم العقل دالّة علىٰ لزوم الفحص في الجهات إلى الحدّ المذكور فيها.

و المراد من الجهات الأربع ليس الخطوط المتقابلة، بل كلّ جهة هي ربع الدائرة، فلا بدّ من الفحص في جميع سطح الأرض في الجهات، فيكون محلّ المصلّي كالمركز الذي تحيط به دائرة قطرها غلوة أو غلوتان، و يجب الفحص في جميع تلك الدائرة؛ أي السطح المحاط بالخطّ الموهوم، و هذا هو المراد من النصّ و الفتوىٰ.

______________________________

(3) تقدّم في الصفحة 32.

(1) تقدّم في الصفحة 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 37

الأمر الثاني المراد من الحزونة و السهولة و الغَلْوة لغة
اشارة

«الحُزونة» و «السهولة» الواردتان في رواية السكوني، يحتمل أن تكونا بمعنى ما غلظ من الأرض و ضدّه؛ بأن يكون عنوان «الأرض» مأخوذاً في مفهومهما، كما يظهر من بعض تعبيرات اللغويّين، ففي «الصحاح»: «السهل: نقيض الجبل، و الحَزْن: ما غلظ من الأرض، و عن الأصمعي: الحُزَن: الجبال الغلاظ» «1».

و يحتمل أن تكونا بمعنى الغلظة و ضدّها من غير اعتبار الأرض فيهما، و إنّما نُسبتا إليها.

و قيل: السهل من الأرض، و الحَزْن منها، كما يظهر من بعض تعبيراتهم، ففي «الصحاح» بعد قوله: «و الحَزْن: ما غلظ من الأرض» قال:

«و فيها حُزونة» يظهر منه أنّ الحُزونة الغلظة، و يقال: «في الأرض حُزونة» أي غلظة.

و في «المنجد»: «حَزُن يحزُن حُزونةً المكانُ: صار حَزْناً؛ أي غليظاً» «2» و هو كالصريح في أنّ «الحَزْن» هو نفس الغِلْظة، لا ما غَلُظ من الأرض، و إن قال بعده: «الحَزْن ما غَلُظ من الأرض».

و لا يبعد أن يكون الاحتمال الثاني أرجح، فيقال: «أرض سهلة و حَزْنة» و «رجل سهل الخُلُق» و «نهر سَهْل» أي ذو سهولة، و «سهل الموضع» بل و «أسهل

______________________________

(1) الصحاح 5: 1733 و 2098.

(2) المنجد: 132.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 38

الدواء» بمعنى. و يفهم بالانتساب إلى المتعلّقات كيفية السهولة.

و كذا الحَزْن، فإذا قيل «1» للجبال الغلاظ: «الحُزَن» ك «صُرَد» و للشاة السيّئة الخُلُق: «الحَزون» و لقدْمة العرب على العجم في أوّل قدومهم الذي أسحقوا «2» فيه ما أسحقوا من الدور و الضياع: «الحُزانة» يكون بمعنى واحد. بل لا أستبعد أن يكون «الحُزْن» مقابل الفرح من هذا الأصل و إن اختلفت الهيئات.

ثمّ على الاحتمال الأوّل، يكون الميزان في الغلوة و الغلوتين سهولة الأرض و حزونتها ذاتاً؛ سواء كانتا في الخبر خبراً و الكون ناقصاً، أو فاعلًا و هو تامّاً؛ لأنّ المفروض مأخوذيّة عنوان «الأرض» فيهما، و لا ريب في أنّهما إذا كانتا صفة الأرض، تلاحظ غلظتها و سهولتها الذاتيّة، ككونها جبلًا و بسيطاً، فلا تنافي السهولة الأشجار فيها، فأراضي العراق سهلة مع ما فيها من الأشجار، فلا بدّ في إسراء الحكم إلىٰ غيرها كالأراضي المُشْجِرة من دعوى إلغاء الخصوصيّة، و العُهدة علىٰ مدّعيها.

و أمّا على الاحتمال الثاني الراجح، فإن كان الكون ناقصاً، و قدّرت «الأرض» اسماً له بقرينة المقام يكون الأمر كما

مرّ.

و إن كان تامّاً، و يكون المعنىٰ: «إن تحقّقت حُزونة فكذا» من غير انتساب إلى الأرض يمكن استفادة سائر الموانع كالشجر و الثلج الغليظ منهما.

و لو لم يمكن استظهار تماميّة الكون و الوثوق بترجيح ثاني الاحتمالين، فلا محيص عن الاحتياط؛ لما عرفت «3» من حكم العقل و دلالة الآية، و أنّ رواية السكوني لتقدير المقدار، فمع إجمالها يحتاط في موارد الاحتمال بالأخذ

______________________________

(1) القاموس المحيط 4: 215، تاج العروس 9: 174 175، لسان العرب 3: 158 159.

(2) و الموجود في كتب اللغة «اسحقّوا» بدل «أسحقوا».

(3) تقدّم في الصفحة 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 39

بأكثر الحدّين، و كذا في كلّ مورد مشكوك فيه.

و أمّا «الغَلْوة» بفتح المعجمة فالمرّة من «غلا» و هي رَمْية بأبعد المقدور، قال في «الصحاح»: «غَلَوتُ بالسهم غَلْواً: إذا رميتَ به أبعد ما تقدر عليه، و الغَلْوة: الغاية؛ رمية سهم».

و قال: «غلا يغلو غُلُوّاً: أي جاوز فيه الحدّ» «1» و يظهر منه مجيئها بمعنى رَمْية سهم أيضاً.

و في «القاموس»: «غلا في الأمر غُلُوّاً: جاوز حدّه، و بالسهم غَلْواً و غُلُوّاً: رفع يديه لأقصى الغاية ..» إلىٰ أن قال: «فهو رجل غلاء كسماء-: أي بعيد الغَلْو بالسهم، و السهم ارتفع في ذهابه و جاوز المدى: أي الغاية» «2».

و في «المنجد»: «غلا يغلو غَلْواً و غُلُوّاً السهم و بالسهم: رمىٰ به أقصى الغاية، غالىٰ غِلاء و مُغالاة السهمَ و بالسهم: رمىٰ به أقصى الغاية ..» إلىٰ أن قال: «الغَلْوة: المرّة من غلا، الغاية: و هي رمية سهم أبعد ما تقدر عليه. المِغْلى و المِغْلاة: سهم يُغلىٰ به؛ أي يُرمىٰ به أقصى الغاية» «3».

و الظاهر أنّ «الغَلَيان» و «الغُلُوّ» في باب

المبالغة و «الغلاء» في السعر، كلّها من هذا الباب، و هو التجاوز إلىٰ أقصى الغاية.

نعم، في «مجمع البحرين»: «و في الحديث ذكر الغَلْوة و هي بالفتح-: مقدار رَمْية سهم» «4» و الظاهر منه أنّها لُغةً كذلك، و قد عرفت ما في اللُّغة.

و لا يبعد أن يكون استعمالها في مطلق الرمية بنحو من التوسّع، و إلّا ففي

______________________________

(1) الصحاح 6: 2448.

(2) القاموس المحيط 4: 373.

(3) المنجد: 558.

(4) مجمع البحرين 1: 319.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 40

كلّ مورد استعملت تكون بالمعنى المعروف المتقدّم. بل لا يبعد أن تكون «الغالية» المركّبة من عدّة من الطيب أيضاً بلحاظ المعنى المتقدّم. هذا حال اللغة.

اختلاف الفقهاء في مقدار الطلب و بيان الحقّ

و أمّا الفقهاء فقد اختلفت كلماتهم، فمنهم من قدّر المقدار برمية سهم، كالشيخ في «نهايته» و عن «مبسوطه» «1» و عن المفيد و أبي الصلاح مثله «2»، و في «الوسيلة» و «الغنية» و «إشارة السبق» كذلك «3».

و منهم من قدّره بغلوة سهم أو غلوتين ك «المراسم» «4» و عن ابن إدريس: «و حدّه ما وردت به الروايات و تواتر به النقل في طلبه؛ إذا كانت الأرض سهلة غلوة سهمين، و إذا كانت حَزْنة فغلوة سهم» «5» و في الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد التعبير ب «الغَلْوة» و «الغَلْوتين» «6».

و عن «المعتبر»: «و التقدير بالغلوة و الغلوتين رواية السكوني، و هو ضعيف، غير أنّ الجماعة عملوا بها» «7» و منه يظهر عمل الجماعة بها بما لها من التعبير.

و الظاهر أنّ التفسير ب «الرمية» و «الرميتين» اجتهاد منهم؛ ضرورة أنّه

______________________________

(1) النهاية: 48، المبسوط 1: 31.

(2) المقنعة: 61، الكافي في الفقه: 136.

(3) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 69، غنية النزوع 1: 64،

إشارة السبق، ضمن الجوامع الفقهيّة: 119/ السطر 4.

(4) المراسم: 54.

(5) السرائر 1: 135.

(6) شرائع الإسلام 1: 38، المختصر النافع: 17، قواعد الأحكام 1: 22/ السطر 8، إرشاد الأذهان 1: 233.

(7) المعتبر 1: 393.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 41

لا يكون في الباب غير رواية السكوني و مرسلات الحلّي «1»، و فيها «الغلوة» و «الغلوتان» فلا يكون دليل على الرمية و الرميتين، و لهذا ترى أنّ بعضهم فسّر «الغلوة» ب «الرمية». قال في «كشف الغطاء»: «الغلوة: الرمية بالسهم المتوسّط في القوس المتوسّط من الرامي المتوسّط، مع الحالة المتوسّطة في الهواء المتوسّط، و الوضع المتوسّط و الجذب و الدفع المتوسّطين» «2».

و في «المسالك»: «الغلوة: مقدار الرمية من الرامي المعتدل بالآلة المعتدلة» «3». و مثلهما ما في بعض كتب من قارب عصرنا «4».

و قد عرفت أنّ هذا التفسير مخالف للّغة بل العرف، فالمعتبر في الرمي هو إلىٰ أقصى الغاية و أبعد ما يكون مقدوراً. نعم يعتبر في الرامي و الآلة و غيرهما المتوسّط المتعارف؛ لأنّه المتفاهم من التحديدات، كالشبر و الذراع .. و هكذا.

لكنّ الإشكال في المقام: هو عدم إمكان تعيين المقدار خارجاً؛ لعدم تداول الرمي في هذه الأعصار، و ما هو المعتبر هو الغلوة و الغلوتان من الرامي المتدرّب في الفنّ، كما كان في عصر صدور الرواية، و معلوم أنّ الرامي الذي فنّه ذلك يرمي بما لا يمكن لغيره، فحينئذٍ لا محيص عن الاحتياط و الأخذ بالمقدار المحتمل العقلائي؛ فإنّ الدليل على الوجوب ليس رواية السكوني؛ حتّى يقال بعدم الوجوب إلّا بمقدار متيقّن، فينفى الزائد بالأصل، بل يحكم العقل بالوجوب إلىٰ أن يحرز المعذّر. مضافاً إلىٰ أنّ شرع التيمّم معلّق علىٰ عدم الوجدان،

فلا بدّ من إحراز موضوعه لدى الشكّ.

______________________________

(1) السرائر 1: 135.

(2) كشف الغطاء: 165/ السطر 4.

(3) مسالك الأفهام 1: 109.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 451/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 42

الأمر الثالث حول المراد بعدم وجدان الماء

لا شبهة في أنّ المتفاهم عرفاً من الآية الكريمة «1» و لو بسبب مناسبة الحكم و الموضوع و ما هو مرتكز في الذهن أنّ المراد بعدم الوجدان هو عدم وجدان ما يمكن أن يستعمل في الوضوء و الغسل. بل هو الظاهر من قوله فَلَمْ تَجِدُوا بعد قوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا .. إلىٰ آخره وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا.

فعدم الوجدان أعمّ من عدم الوجود واقعاً، و من الوجود مع عدم العثور؛ و عدم التقصير في الفحص بالمقدار المأثور، فلا يكون الموضوع في تشريع التيمّم عدم الماء فقط، و لا يكون عنوان «عدم الوجدان» معتبراً فيه حتّى يقال: لازم الأوّل بطلان التيمّم لو كان الماء موجوداً واقعاً؛ مع عدم العثور عليه و لو بعد الفحص الكامل، و لازم الثاني عدم الصحّة حتّى مع العلم بعدم الماء، و حتّىٰ مع موافقته للواقع، بل لا بدّ له من الضرب في الأرض بالمقدار المأثور حتّى يصير الفقدان وجدانيّاً؛ للفرق بين العلم بالعدم و عدم الوجدان.

فإنّ الاحتمالين خلاف المتفاهم العرفي، فإنّ الطلب المتفاهم من قوله فَلَمْ تَجِدُوا لأجل تحقّق موضوع تشريع التيمّم؛ و هو عدم الماء الذي يمكن عقلًا و شرعاً استعماله في الطهارة، فإذا علم بعدم وجوده علم بتحقّقه، فلا وجه بعدُ للطلب، كما أنّه لو طلب الغلوة أو الغلوتين و لم يجد يتحقّق الموضوع؛ و هو

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 43

عدم الماء

الذي يمكن له استعماله خارجاً؛ للعجز عن استعمال ما لا يعثر عليه.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ عدم الماء الكذائي موضوع لشرع التيمّم، فإذا تفحّص قبل الوقت أو في الوقت، و علم بعدم الماء، يستصحب إلىٰ زمان قيام الأمارة علىٰ وجوده، و هو يحرز ما هو موضوع؛ من غير فرق بين قبل الوقت و بعده، بل و لا بين الارتحال من مكان الطلب و العود إليه و بين عدمه، و من غير فرق بين صلاة واحدة و صلوات عديدة. فما عن المحقّق في «المعتبر» و العلّامة و الشهيد من عدم الاعتداد بالطلب قبل الوقت، بل يجب إعادته، إلّا أن يعلم استمرار العدم الأوّل «1»، فغير وجيه و إن استدلّ عليه في «الجواهر» تارة: بظاهر ما دلّ علىٰ وجوبه من الإجماعات و غيرها، و هو لا يتحقّق إلّا بعد الوقت.

و أُخرى: بأنّ صدق «عدم الوجدان» يتوقّف عليه، سيّما بعد ظهور الآية الدالّة على اشتراطه في إرادة عدم الوجدان عند إرادة التيمّم للصلاة.

و ثالثة: بصحيحة زرارة المتقدّمة «2».

و رابعة: بأنّه لو اكتفىٰ به قبل الوقت لصحّ الاكتفاء به مرّة واحدة للأيّام المتعدّدة، و هو معلوم البطلان.

و خامسة: بأنّ المنساق إلى الذهن من الأدلّة، إرادة الطلب عند الحاجة إلى الماء.

ثمّ استشكل في الاستصحاب: بأنّه لا يعارض ما ذكرنا من ظهور الأدلّة في شرطيّة الطلب أن يكون بعد الوقت «3»، انتهىٰ ملخّصاً.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ الوجوب لا يكون شرعيّاً، بل يكون عقليّاً محضاً

______________________________

(1) المعتبر 1: 393، منتهى المطلب 1: 139/ السطر 30، ذكرى الشيعة 1: 182.

(2) تقدّمت في الصفحة 33.

(3) جواهر الكلام 5: 83 84.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 44

لأجل حفظ المطلوب المطلق،

و لا دليل غيره على الوجوب، فضلًا عن استفادة الوجوب الشرعي منه؛ لعدم ثبوت غير ما هو حكم العقل من الإجماعات؛ لعدم كشفها عن دليل آخر مع وجودِ حكم العقل، و احتمالِ استفادتهم الوجوب من الأدلّة اللفظيّة أيضاً.

و أمّا صحيحة زرارة فقد عرفت لزوم حملها على الاستحباب «1»، و عرفت حال رواية السكوني من عدم دلالتها على الوجوب «2».

و أمّا الآية فلا يدلّ ذيلها أي قوله فَلَمْ تَجِدُوا علىٰ وجوب الطلب، بل يدلّ علىٰ شرطيّة عدم الوجدان لشرع التيمّم. نعم هو ظاهر في عدم الوجدان في الوقت، و قد عرفت أنّ الموضوع عدم الماء في الوقت، و هو يحرز بالاستصحاب، و يكون الأصل حاكماً على الآية، و محقّقاً لموضوع وجوب التيمّم و مشروعيّته، فلا دليل علىٰ وجوب الطلب بنحو يقدّم على الاستصحاب و هو حاكم أو وارد علىٰ حكم العقل.

و أمّا النقض بلزوم الاكتفاء بالطلب مرّة لصلوات عديدة، و دعوىٰ معلوميّة بطلانه، فلا يتضح وجهها بعد جريان الاستصحاب و إحراز موضوع التيمّم.

فالأقوىٰ بحسب القواعد كفاية الطلب الواحد مطلقاً؛ سواء كان قبل الوقت أو بعده، و سواء كان تجدّد الماء محتملًا أو مظنوناً. نعم مع قيام الأمارة المعتبرة أو الوثوق بالتجدّد، يجب الطلب، و ينبغي الاحتياط مطلقاً.

و ممّا ذكرنا يظهر حال وجوب الطلب، فإنّه عقليّ محض غير مرتبط بالتيمّم، بل هو لأجل إحراز العذر عن ترك المطلوب المطلق؛ أي الصلاة مع المائية. و ليس في المقام دليل لفظيّ يدلّ على الوجوب حتّى يبحث عن كونه

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34.

(2) تقدّم في الصفحة 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 45

نفسياً أو شرطياً أو غيرياً، كما عرفت.

و لو سُلّم دلالة مثل رواية السكوني

علىٰ وجوبه أو عدم حمل صحيحة زرارة على الاستحباب، فلا شبهة في عدم دلالتهما على الوجوب النفسي؛ لظهور الأوامر في مثل المقام في الإرشاد إمّا إلى الشرطية أو إلىٰ حكم العقل، فاحتمال النفسيّة في غاية الضعف.

و احتمال الوجوب الشرطي أيضاً ضعيف؛ لأنّ الظاهر من

قوله في الصحيحة: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ ..» إلىٰ آخره

، أنّ وجوب الطلب إنّما هو لتحصيل الماء، لا لتحقّق موضوع التيمّم، و أنّ التيمّم مشروع عند خوف فوت الوقت، و شرطه ذلك، لا الطلب.

و قوله في رواية السكوني: «يطلب الماء في السفر» ظاهر في أنّ الطلب واجب لتحصيل الماء، لا لشرطيته للتيمّم، و قد مرّ تحقيق مدلول الآية «1».

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ الروايات بناءً علىٰ تسليم دلالتها على الوجوب إرشاد إلىٰ حكم العقل، أو تحديد لما يحكم به، كما مرّ «2» في رواية السكوني.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42.

(2) تقدّم في الصفحة 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 46

الأمر الرابع حكم الإخلال بالطلب

إذا أخلّ بالطلب و تيمّم و صلّى مع سعة الوقت، ففي «الجواهر» بطلانه قطعاً و إجماعاً منقولًا إن لم يكن محصّلًا؛ لما دلّ على اشتراط صحّته به، و لا فرق بين أن يصادف عدم الماء بعد الطلب و عدمه «1».

أقول: أمّا دعوى الإجماع في مثل هذه المسألة الفرعيّة الاجتهاديّة المتراكمة فيها الأدلّة العقليّة و النقليّة، فغير وجيهة. و أمّا أدلّة الاشتراط المدعاة، فقد تقدّم عدم دلالتها على اشتراط الطلب، بل الظاهر من الأدلّة أنّ عدم الماء الذي يمكن استعماله في الوضوء و الغسل إمّا لفقده، أو لعدم وجدانه موجب لانقلاب المائية بالترابية، من غير

دخالة للطلب موضوعاً، و لا لعنوان «عدم الوجدان» أي هذا الأمر الانتزاعي فيه، و لهذا لو علم بعدم الماء، لا يجب عليه الطلب و إن لم يصدق عدم الوجدان عليه؛ لأنّه عنوان منتزع من عدم العثور عليه بالقوى الجزئية كالبصر، و مع فرض عدم وجوب الطلب مع العلم بعدم الماء، لا محيص عن القول بأنّ عدم الماء واقعاً موضوع للانقلاب، و إلّا لزم موضوعية العلم و لو بنحو جزء الموضوع، و هو كما ترى خلاف ارتكاز العقلاء و المتفاهم من الأدلّة، فيكون عدم الماء واقعاً تمام الموضوع للانقلاب.

و إن جهل المكلّف، فلزوم الطلب عقلًا أو شرعاً لإحراز الواقعة، لا لتحقّق الموضوع، فلو كان الماء غير موجود في محلّ الطلب، أو كان بوجه لا يهتدي

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 85.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 47

إليه لو طلبه، صحّ تيمّمه و صلاته:

أمّا إذا كان بحيث لم يوجد إلىٰ آخر الوقت، فظاهر بما مرّ.

و أمّا إذا حدث بعد الصلاة فلإطلاق الآية؛ فإنّ الظاهر من صدرها أنّه إذا قام المكلّف إلى الصلاة، يجب عليه الوضوء أو الغسل و لو في سعة الوقت، و مقتضى عطف المرضىٰ و المسافر الفاقد عليه، جوازُ التيمّم في السعة، و بعد ما علم أنّ المراد بعدم الوجدان عدم الاهتداء إلىٰ ما يمكن استعماله، تمّت الدلالة علىٰ صحّة التيمّم و الصلاة؛ لتحقّق الموضوع، و ظهور الآية في الإجزاء.

و يمكن الاستدلال على المطلوب بما دلّ علىٰ عدم وجوب الإعادة لو وجد بعد الصلاة مع بقاء الوقت،

كصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): فإن أصاب الماء و قد صلّىٰ بتيمّم و هو في وقت؟ قال: «تمّت صلاته، و لا إعادة عليه»

«1»

و مثلها غيرها.

و هي و إن كانت في مقام بيان حكم آخر، لكن يستفاد منها أنّ من كان تكليفه التيمّم فصلّى بتيمّم، لا إعادة عليه و إن وجد الماء في الوقت.

و لو أخلّ بالطلب حتّى ضاق الوقت تيمّم و صلّى و لا قضاء عليه، و عن «المدارك»: «أنّه المشهور» «2» و عن «الروض» نسبته إلىٰ فتوى الأصحاب «3»، و في «الجواهر»: «أنّه الأظهر الأشهر» «4».

و يمكن استفادته من الآية بمناسبات مغروسة في الأذهان؛ بأن يقال: إنّ

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 194/ 562، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 9.

(2) مدارك الأحكام 2: 183.

(3) روض الجنان: 127/ السطر 25.

(4) جواهر الكلام 5: 86.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 48

المراد من «عدم وجدان الماء» عدم وجدان ما يمكن استعماله مع حفظ الوقت، و إلّا فلو لم تلاحظ مصلحة الوقت، أو كانت مصلحة المائية مقدّمة علىٰ مصلحته، لم يشرع التيمّم مع عدم الوجدان؛ ضرورة أنّ عدمه لم يستمرّ إلىٰ آخر العمر، فإيجاب التيمّم مع الفقد لأجل عدم فوت الصلاة و حفظ مصلحة الوقت، فالمراد ب «عدم الوجدان» عدم وجدان ما يغتسل و يتوضّأ به في الوقت، و مع الضيق يكون فاقداً للماء الكذائي و إن كان واجداً للطبيعة، و الظاهر من تعليق الحكم عليه أنّه تمام الموضوع للتبديل من غير دخالة شي ء آخر.

و دعوى الانصراف إلىٰ ما لا يكون سببه المكلّف عصياناً «1»، في غير محلّها؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الترابية مع فقد الماء طهور قائمة مقام المائية؛ من غير دخالة لأسباب الفقد فيه. بل المناسبات المغروسة في الذهن، توجب إلغاء بعض القيود لو كان في الكلام، و معه

لا معنىٰ لدعوى الانصراف.

و تدلّ عليه أيضاً

صحيحة زرارة المتقدّمة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ ..» «2» إلىٰ آخره.

فإنّ وجوب الطلب ما دام في الوقت علىٰ فرضه لأجل تحصيل الماء، لا لاشتراط التيمّم به. و قوله: «فإذا خاف ..» إلى آخره، ظاهر في أنّ خوف الفوت سبب و موضوع تامّ لوجوب التيمّم من أيّ سبب حصل، فلو أراق الماء، أو قصّر في الطلب، أو ترك الوضوء بالماء الموجود حتّى خاف الفوت، يجب عليه التيمّم، و تتمّ صلاته، و لا قضاء عليه؛ لظاهر الصحيحة. بل يستفاد ذلك من

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 452/ السطر 2.

(2) تقدّمت في الصفحة 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 49

مجموع الأدلّة، فإنّه يعلم منها أنّ للوقت منزلة لدى الشارع ليست لغيره، و أن

«الصلاة لا تُترك بحال».

و ما قيل: «إنّ التيمّم في هذه الحال يمكن أن يكون مبغوضاً، فضلًا عن أن يقع عبادة» «1» فاسد؛ فإنّ المبغوض هو ترك الصلاة مع المائية، لا إتيانها مع الترابية، و لا الطهارة الترابية؛ لعدم وجه لمبغوضيّتهما.

و ممّا ذكرنا يتّضح عدم وجوب الاحتياط؛ بدعوىٰ تردّد المكلّف به المعلوم بالإجمال «2»؛ لما عرفت من التكليف بالترابية و إجزائها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 452/ السطر 9.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 50

الأمر الخامس فيما يترتّب على موضوع انقلاب التكليف بالترابية

قد مرّ أنّ الموضوع لانقلاب التكليف بالترابية، هو عدم الاهتداء إلىٰ ما يمكنه الاستعمال «1».

و إن شئت قلت: كون الواقعة بحيث لا يهتدي المكلّف إلىٰ ماء يمكنه استعماله عقلًا و شرعاً.

أو قلت: عدم الوجدان الأعمّ من عدم

الوجود للماء الكذائي.

فحينئذٍ نقول: لو تفحّص عن الماء بما قرّره الشارع و لم يقصّر فيه، صحّ تيمّمه و صلاته و لو كان الماء موجوداً بحسب الواقع؛ لتحقّق موضوع الانقلاب.

و أمّا لو قطع بعدم الماء، أو عدم الاهتداء إليه، أو قامت البيّنة علىٰ عدمه، أو عدم الاهتداء إليه، بطلا لعدم تحقّق الموضوع؛ لعدم كون الواقعة بحيث لا يهتدي إلى الماء، فهو واجد للماء و إن كان قاطعاً بعدمه و غير معذور واقعاً؛ و إن كان معذوراً ظاهراً و غير معاقب علىٰ ترك الصلاة مع المائية، فيجب عليه الإعادة.

و كذا يجب الإعادة على الناسي لماء في رَحْله؛ سواء طلب في خارجه غلوة أو غلوتين أو لا؛ لأنّه واجد و إن كان غافلًا عنه. و عدم الوجدان في خارج الرحل مع كونه واجداً فيه، لا يوجب الانتقال.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 51

و يدلّ عليه

موثّقة أبي بصير أو صحيحته «1»، قال: سألته عن رجل كان في سفر، و كان معه ماء، فنسيه فتيمّم و صلّى، ثمّ ذكر أنّ معه ماء قبل أن يخرج الوقت، قال: «عليه أن يتوضّأ و يعيد الصلاة» «2»

و مقتضى إطلاقها لزوم الإعادة و لو طلب خارج رحله، و المفروض فيها عدم الطلب في رحله.

______________________________

(1) رواها الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير.

و الترديد في سند الرواية لوقوع عثمان بن عيسىٰ في السند و هو كان شيخ الواقفة و وجهها و من أصحاب الإجماع على قول، و لكن يظهر من ترجمته أنّه رجع عن الوقف.

رجال النجاشي: 300/ 817، اختيار معرفة الرجال: 556/ 1050، الفهرست:

120/ 534، تنقيح المقال 2: 247 249 (أبواب العين).

(2) الكافي 3: 65/ 10، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 52

الأمر السادس عدم الماء بمقدار الكفاية كعدمه المطلق

الظاهر من الآية الكريمة كما مرّ عدم وجدان ما يمكن معه الوضوء أو الغسل «1»، فعدم الماء بمقدار الكفاية كعدمه المطلق؛ لعدم تبعّض الطهارة و عدم تلفيقها من الماء و التراب.

فما يقال: «من استعمال ما وجد في بعض الأعضاء و التيمّم» «2» غير وجيه مخالف لظاهر الآية، و لما ورد من وجوب التيمّم على الجنب مع وجدان الماء بقدر الوضوء،

كصحيحة الحلبي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب و معه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة، أ يتوضّأ بالماء أو يتيمّم؟ قال: «لا بل يتيمّم؛ أ لا ترى أنّه إنّما جعل عليه نصف الوضوء؟!» «3».

و مثلها

رواية الحسين بن أبي العلاء، إلّا أنّ في آخرها بدل «نصف الوضوء»: «نصف الطهور» «4»

و

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام): في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضّأ به، قال: «يتيمّم و لا يتوضّأ» «5».

و من هنا يظهر: أنّ التمسّك بمثل قاعدة «الميسور ..» في غسل ما يمكن أن يُغسل ليس في محلّه، بعد تسليم جريانها في مثل المقام.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 93، نهاية الإحكام 1: 186، روض الجنان: 119/ السطر 20.

(3) الفقيه 1: 57/ 213، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 404/ 1266، وسائل الشيعة 3: 387، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 3.

(5) تهذيب الأحكام 1: 405/

1272، وسائل الشيعة 3: 387، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 53

الأمر السابع في وجوب تحصيل الماء و لو بالمعالجة

لو تمكّن من مزج الماء الذي لا يكفيه بما لا يسلبه الاسم فتحصّل به الكفاية، فهل يجب ذلك، كما عن جماعة من المتأخّرين منهم العلّامة «1»، أو لا كما عن الشيخ و أتباعه «2»؟

مقتضىٰ ما مرّ مراراً «3» من أنّ التيمّم مصداق اضطراري لدى العجز عن المصداق الاختياري، و أنّ التكليف بالصلاة مع المائية مطلق يحكم العقل بلزوم تحصيله و لو بحفر بئر، أو إذابة ثلج ما لم يكن حرجيّا، أو غير ذلك من أنحاء التوصّل إليه لزوم مثل هذا العلاج لتحصيل المطلوب المطلق. و المتفاهم من الأدلّة تعليق التيمّم على العجز عن الماء، و ليس المراد من «عدم الوجدان» هو ما يقتضي الجمود عليه، و لهذا يجب الوضوء و الغسل مع وجود ثلج أو ماء جامد مع إمكان إذابتهما أو دلكهما على الجسد بنحو يحصل مسمّاهما بواسطة الإذابة بحرارته،

ففي رواية محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلّا الثلج، قال: «يغتسل بالثلج أو ماء النهر» «4»

يعني هما سواء.

و

في رواية معاوية بن شريح قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال: يصيبنا

______________________________

(1) مختلف الشيعة 1: 73، البيان: 103، روض الجنان: 133/ السطر 26، مدارك الأحكام 1: 115.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 87/ السطر 3، المبسوط 1: 9 10.

(3) تقدّم في الصفحة 13 و 14 و 19 و 20 و 28.

(4) تهذيب الأحكام 1: 191/ 550، وسائل الشيعة 3: 356، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 2، ص: 54

الدَّمَقُ و الثلج، و نريد أن نتوضّأ، و لا نجد إلّا ماءً جامداً، فكيف أتوضّأ؛ أدلك به جلدي؟ قال: «نعم» «1».

فيظهر منهما و من غيرهما: أنّ الجمود علىٰ عدم الوجدان غير وجيه.

و يؤيّد ذلك

رواية الحسين بن أبي طلحة قال: سألت عبداً صالحاً عن قول اللّٰه عزّ و جلّ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2» ما حدُّ ذلك؟ قال: «فإن لم تجدوا بشراءٍ أو غير شراء» «3».

فلو كان عنده المادّتان اللتان يتركّب منهما الماء حسب التجربيات الحديثة و يمكنه مزجهما حتّى يحصل الماء، يجب عليه، و لا أظنّ التزامهم بعدم الوجوب و الانتقال إلى التيمّم.

و ما يقال: من عدم اعتناء العرف و العقلاء بهذا النحو من القدرة الحاصلة بالمعالجات غير المتعارفة، و قياسه بخلط الحنطة بالتراب «4»، غير وجيه، و القياس مع الفارق؛ فإنّ المدّعىٰ إمّا أنّ العرف لا يستفيد من الآية المطلوبية المطلقة للمائية، و هو كما ترى، بل لا يلتزم به القائل.

أو أنّ عدم الوجدان صادق، و لا يجب على المكلّف إيجاد الماء و انسلاك نفسه في الواجد، و هو أيضاً غير وجيه، و لا أظنّ التزامه به، و تردّه الروايات المتقدّمة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 191/ 552، وسائل الشيعة 3: 357، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 2.

(2) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(3) تفسير العياشي 1: 244/ 146، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26، الحديث 2.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 456/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 55

أو أنّ العقلاء يرون نفوسهم عاجزة، و لا يكون العلاج المذكور تحصيلًا للقدرة، أو لا يكون

تحصيلها كذلك واجباً؛ و أنّ التكليف بمثله قبيح، فهو أيضاً بجميع تقاديره ممنوع؛ لعدم العجز بحسب الواقع مع إمكان المزج، و عدم وجوبه إمّا ناشئ من عدم التكليف المطلق، أو من حصول شرط التيمّم، و هما ممنوعان. و أمّا غفلتهم عن إمكان تحصيل الماء بمثل ذلك فلا يضرّ بالمطلوب، و ليس ذلك إلّا كغفلتهم عن وجود الماء، و قد عرفت بطلان التيمّم معه «1».

و كيف كان: الأقوىٰ وجوب العلاج بأيّ نحو يمكنه بلا حرج و مشقّة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 50.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 56

السبب الثاني عدم الوصلة إلى الماء

و هو قد يكون للتعذّر العقلي أو العادي، كما لو كان في بئر لا يمكنه إخراجه و الوصول إليه بوجه، أو كان في محلّ لا يمكنه الوصول إليه لكبر و نحوه، و منه عدم الثمن لشرائه، و هذا ممّا لا إشكال في التبديل به؛ لما عرفت من استفادته من الآية بالبيان المتقدّم «1».

و قد يكون الوصول إليه حرجيّا، كما لو كان في بئر يمكنه الوصول إليه مع الحرج و العسر، و يدلّ على التبديل فيه أدلّة نفي الحرج.

و قد يقال: «إنّ الظاهر من نفي الحرج في الدين أنّ أحكام الدين سهلة غير حرجية، فإذا لزم من الوضوء أو الغسل أو نحوهما حرج يرفع بدليله، و أمّا إذا كان الحرج في المقدّمات فلا؛ لأنّ المقدّمات ليست من الدين، و وجوبها عقليّ لا شرعيّ، فما هو من الدين كالوضوء في المقام ليس حرجياً، و ما فيه الحرج ليس مجعولًا، و لا من الدين» «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 27.

(2) انظر جواهر الكلام 13: 25، مصباح الفقيه، الصلاة: 609/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص:

57

و فيه: أنّ المتفاهم من آية نفي الحرج بمناسبة كونه تعالىٰ في مقام الامتنان أنّه تعالىٰ لم يجعل تكليفاً ينشأ من قِبله الحرج؛ كان في نفس المكلّف به أو مقدّماته أو نتائجه.

و يؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه استشهاد أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في رواية عبد الأعلى الصحيحة على الأصحّ «1» بالآية الكريمة، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): عثرت فانقطع ظفري، فجعلت علىٰ إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: «يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه عزّ و جلّ؛ قال اللّٰه تعالىٰ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» امسح عليه» «3».

فإنّ الحرج ليس في مسح الإصبع برطوبة اليد، بل في مقدّماته من نزع الخرقة و رفع المرارة.

هذا مضافاً إلىٰ إمكان استفادته من ذيل آية التيمّم، قال تعالىٰ وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ .. فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً .. إلى أن قال مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ «4» فإنّ الظاهر ارتباط هذه الجملة بالمريض و المسافر، و لا وجه لاختصاصها بالأوّل، فتكون حرجية الوضوء بالنسبة إلى المسافر الفاقد في مقدّمات تحصيل الماء، كالتخلّف عن الرفقة و غيره، فيستفاد منها أعمّية

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن علي بن الحسن بن رباط، عن عبد الأعلىٰ مولى آل سام. و لا كلام في رجال السند إلّا عبد الأعلىٰ مولى آل سام.

تنقيح المقال 2: 132/ السطر 21 (أبواب العين).

(2) الحج (22): 78.

(3) الكافي 3: 33/ 4، تهذيب الأحكام 1: 363/ 1097، وسائل الشيعة 1: 464، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 5.

(4) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص:

58

الحرج من كونه في الطبيعة المأمور بها.

و أمّا روايات الركية،

كصحيحة الحلبي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يمرّ بالركية و ليس معه دلو، قال: «ليس عليه أن يدخل الركية؛ لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض، فليتيمّم» «1»

و مثلها صحيحة الحسين بن أبي العلاء «2» على الأصحّ «3».

و

صحيحة عبد اللّٰه بن أبي يعفور، عنه قال: «إذا أتيت البئر و أنت جنب، فلم تجد دلواً و لا شيئاً تغرف به، فتيمّم بالصعيد؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد، و لا تقع في البئر، و لا تفسد على القوم ماءَهم» «4».

ففي دلالتها على المطلوب إشكال:

أمّا الأُوليان، فلاحتمال أن يكون ذلك لخوف السقوط و العطب، أو للحرج، أو لإفساد الماء على القوم؛ لأجل سقوط الوحل و التراب من جدار البئر، و إن كان الأخير غير مناسب لقوله: «ليس عليه أن يدخل» بل المناسب له: «ليس له

______________________________

(1) الفقيه 1: 57/ 213، وسائل الشيعة 3: 343، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 64/ 7، وسائل الشيعة 3: 344، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، الحديث 4.

(3) الحسين بن أبي العلاء الخفّاف هو أبو عليّ الأعور و أخواه عليّ و عبد الحميد و كان الحسين أوجههم و لا ريب في كونه إماميّاً و لكن اختلفوا في وثاقته فمنهم من أثبتها و منهم من أنكرها و لكنّ المصنّف رجّح جانب الوثاقة.

رجال النجاشي: 52/ 117، اختيار معرفة الرجال: 44/ 94، الفهرست: 54/ 194، تنقيح المقال 1: 317/ السطر 11.

(4) الكافي 3: 65/ 9، تهذيب الأحكام 1: 149/ 426، و 185/ 535، وسائل الشيعة 3: 344، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 59

أن يدخل». و كيف كان: دلالتهما على التبديل في الجملة ظاهرة، لكن كونه للحرج غير ظاهر. إلّا أن يقال: بشمول إطلاقهما له، أو يقال: إنّ خوف الضرر موجب لحرجية التكليف.

و أمّا صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في الجنب، فليست مربوطة بالحرج، بل النهي عن الدخول إنّما هو لإفساد الماء المعدّ لشرب القوافل و المارّة، و تلك الآبار في الطرق إنّما حفرت لاستقاء المارّة للشرب و سائر الحاجات، و لا يجوز إفسادها و الدخول فيها؛ لعدم كونها كالمياه المباحة، و لا يجوز التصرّف فيها بغير ما جعلت له. و كيف كان لا ربط لها بالحرج الذي يكون الكلام فيه.

و من الحرج الشراء الموجب للشدّة و الضيق في المعيشة، أو للوهن في وجاهته و اعتباره؛ من غير فرق بين أن يكون أزيد من ثمن المثل أو لا، و لا في حصول الحرج في الحال أو في الاستقبال ممّا يعدّ بنظر العرف حرجاً. و ما دلّ علىٰ وجوب شرائه بمائة درهم بل بما بلغ لو سلّم إطلاقه بالنسبة إلىٰ مورد الحرج، و غضّ عن أنّ

قوله في صحيحة صفوان: «و هو واجد لها» «1»

ظاهر في أنّه ميسور له، كما هو ظاهر

ذيل خبر الحسين بن أبي طلحة، و هو قوله: «علىٰ قدر جِدَته» «2»

فمحكوم لدليل نفي الحرج، كما هو واضح.

و من الحرج الخوف من السبع و اللصّ و لو كان علىٰ أخذ ماله لا علىٰ نفسه؛ لأنّ لأخذ اللصّ ماله و التسلّط عليه مهانةً و ذلّةً و وهناً تأبىٰ عنها النفوس غالباً، و يكون تحمّلها حرجياً.

______________________________

(1) الكافي 3: 74/ 17، تهذيب الأحكام 1: 406/ 1276، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب

الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26، الحديث 1.

(2) تفسير العيّاشي 1: 244/ 146، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 60

و منه الخوف على العرض، فإنّ الوقوع في معرض هتك الأعراض من أوضح موارد الحرج.

و تدلّ علىٰ جواز التيمّم عند خوف السبع و اللصّ مضافاً إلىٰ دليل نفي الحرج

رواية داود بن كثير الرقّي، و لا يبعد صحّتها؛ لعدم بُعد وثاقة داود «1» قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أكون في السفر فتحضر الصلاة، و ليس معي ماء، و يقال: إنّ الماء قريب منّا، أ فأطلب الماء و أنا في وقت يميناً و شمالًا؟ قال: «لا تطلب الماء، و لكن تيمّم؛ فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك، فتضلّ و يأكلك السبع» «2».

و

رواية يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّٰه عن رجل لا يكون معه ماء، و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك، قال: «لا آمره أن يغرّر بنفسه؛ فيعرض له لصّ أو سبع» «3».

و هما مختصّتان بالخوف علىٰ نفسه، و لعلّ اللصوص في تلك الأزمنة و الأمكنة كانوا كثيرين، و التخلّف عن الرِّفقة كان تغريراً بالنفس نوعاً؛ لعدم إبائهم عن إراقة الدماء، و لهذا أجاب الإمام (عليه السّلام) بما أجاب، مع إطلاق السؤال. بل لا يبعد أن يكون السؤال قرينة على الخوف، و إلّا فمع الأمن و وجود الماء لا يحتمل سقوط الوضوء.

______________________________

(1) اختلف الأصحاب في وثاقه داود بن كثير الرقّي قال النجاشي: «ضعيف جدّاً و الغلاة تروي عنه»، و قال الشيخ: «داود بن كثير الرقّي مولى بني أسد ثقة».

رجال النجاشي: 156/ 410، رجال الطوسي:

336/ 1، تنقيح المقال 1: 414/ السطر 2.

(2) الكافي 3: 64/ 6، تهذيب الأحكام 1: 185/ 536، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 65/ 8، تهذيب الأحكام 1: 184/ 528، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 61

و قد يكون في الوصول إلى الماء ضرر ماليّ؛ من غير حصول عنوان آخر كالحرج، فقد استدلّ «1» علىٰ سقوط المائية به بدليل «لا ضرر و لا ضرار» «2» و بالإجماع المحكي عن «الغُنية» و «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «كشف اللثام» و «المدارك» «3» و بروايتي داود و يعقوب المتقدّمتين. و باستقراء أخبار التيمّم في سقوط المائية بأقلّ من ذلك.

و فيه ما ذكرناه في رسالة مستقلّة: من أنّ دليل الضرر ليس بصدد رفع الأحكام الضرريّة، كما أفادوا «4»، بل حكم سياسي سلطاني صدر من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بما هو سلطان على الناس، فراجع «5».

و الإجماع المحكيّ مع كونه موهوناً؛ لأجل احتمال استنادهم إلى الأدلّة، مثل دليلي الضرر و الحرج و غيرهما من الأخبار لا يبعد أن يكون معقده هو الخوف من اللصّ علىٰ ماله، و قد مرّ أنّه حرجي مرفوع بدليله، ففي «الغنية» ادّعى الإجماع على الجواز عند حصول خوف من عدوّ من غير ذكر المال «6».

و في «المنتهىٰ» ادّعىٰ عدم وجدان الخلاف في الخوف على المال من لصّ

______________________________

(1) انظر ذكرى الشيعة 1: 184، جامع المقاصد 1: 474، جواهر الكلام 5: 97.

(2) الكافي 5: 292/ 2، الفقيه 3: 147/ 18، تهذيب الأحكام 7: 146/ 651، وسائل الشيعة

25: 428، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 3.

(3) غنية النزوع 1: 64، المعتبر 1: 366، منتهى المطلب 1: 134/ السطر 22، تذكرة الفقهاء 2: 163، كشف اللثام 2: 439، مدارك الأحكام 2: 190.

(4) رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 114 و 116، كفاية الأُصول: 430 435، رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن منية الطالب 2: 208/ السطر 18.

(5) بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 113.

(6) غنية النزوع 1: 64.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 62

أو عدوّ أو حربي «1». و عن «المعتبر» و «كشف اللثام» مثله «2».

و في «المدارك»: «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب علىٰ ما نقله جماعة، بل قال في «المنتهىٰ»: إنّه لا يعرف فيه خلافاً بين أهل العلم» «3» انتهىٰ. و القيد الأخير ليس في النسخة الموجودة عندي.

و كيف كان: هذه العبارات كما ترى ظاهرة في دعوى الإجماع في مورد الخوف من اللصّ و مثله، و هو حرجي كما مرّ. و الروايتان موردهما الخوف من اللصّ و السبع أيضاً، بل ظاهرهما الخوف على النفس.

و التمسّك بالاستقراء «4» في غير محلّه؛ بعد ورود وجوب شراء ماء الوضوء بالغاً ما بلغ «5». بل يمكن استفادة وجوب صرف المال لتحصيل الماء للطهارة من

صحيحة صفوان في غير المورد المنصوص عليه، قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة، و هو لا يقدر على الماء، فوجد بقدر ما يتوضّأ به بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها، أ يشتري و يتوضّأ، أو يتيمّم؟ قال: «لا، بل يشتري، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت و توضّأت، و ما يشتري

بذلك مال كثير» «6».

حيث قال: «إنّ ماء الوضوء مال كثير» و هو بمنزلة التعليل، فيستفاد منه أنّ

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 134/ السطر 22.

(2) المعتبر 1: 366، كشف اللثام 2: 439.

(3) مدارك الأحكام 2: 190.

(4) جواهر الكلام 5: 103.

(5) وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26، الحديث 2.

(6) الكافي 3: 74/ 17، تهذيب الأحكام 1: 406/ 1276، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26، الحديث 1.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 63

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 63

صرف المال لتحصيل المال الكثير عقلائيّ، فإذا كان تحصيل ذلك المال الكثير لازماً، يجب صرف المال لأجله و لو بغير شرائه، كشراء الآلات و حفر البئر و إعطاء المال للإذن بالدخول في ملكه، و العبور عنه للوصول إليه، و استئجار الغير لتحصيله. بل و لو خاف من ضياع ماله في سبيل تحصيله ما لم يكن حرجياً، بل و شقّ الثوب النفيس إذا لم يكن فيه محذور شرعيّ، علىٰ تأمّل في الأخير لأجل احتمال انصرافِ الدليل عن مثله، و صدقِ عدم الوجدان و عدم القدرة عرفاً علىٰ تحصيله.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 64

السبب الثالث كون الاستعمال حرجيّا و لو لم يخف الضرر
اشارة

كالبرد الشديد الذي يكون التوضّي و الاغتسال معه ذا مشقّة، و يعدّ التكليف معه حرجياً، أو كان في استعمال الماء ضرر موجب للهلاك، أو عيب، أو حدوث مرض، أو شدّته، أو طول مدّته، أو صعوبة علاجه، أو عدم بُرئه، أو خاف علىٰ نفسه

ممّا ذكر و أمثاله من الأمراض المعتدّ بها؛ حتّى مثل الشَّين الذي يعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة ممّا يعتني به العقلاء، و لا عبرة باليسير غير المعتنىٰ به ممّا لا يعدّ ضرراً و لا حرجاً و لا مرضاً.

و تدلّ علىٰ ذلك كلّه الآية الكريمة وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ .. إلىٰ قوله تعالىٰ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ «1».

فإنّ عنوان «المرض» و إن كان صادقاً علىٰ مطلقه؛ حتّى ما لا يكون استعمال الماء منافياً له أو مضرّاً به، لكن المناسبة بين الحكم و الموضوع و ذكر المرض عقيب وجوب المائية، توجب الانصراف إلىٰ ما تكون المائية منافية

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 65

لمرضه و مضرّة به. كما يستفاد منه التبديل إذا أضرّته المائية و لو لم يندرج تحت عنوان «المرض» كما لو كان به قرح أو جرح، فإنّهما لا يعدّان مرضاً عرفاً، فإنّه عبارة عن اختلال مزاجي، كالحمّىٰ و السلّ و غيرهما. كما أنّ الظاهر أنّ الرمد و بعض الأوجاع أيضاً لا يعدّ مرضاً عرفاً.

و كيف كان: يستفاد حكم جميع ما ذُكر من ذكر المرض في ذيل الوضوء و الغسل؛ بمناسبة الحكم و الموضوع.

هذا مع قطع النظر عن قوله مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ .. إلىٰ آخره، و إلّا يكون الحكم أوضح، فتدلّ الآية صدراً و ذيلًا على التبديل في مطلق ما ينافيه المائية و مطلق الحرج و لو كان مأموناً من المرض، بل يكون في نفس الوضوء لأجل البرد حرج. و تدلّ عليه آية عدم جعل الحرج في الدين أيضاً.

نعم، تنصرف الأدلّة عن اليسير غير المعتنىٰ به، كما أشرنا إليه، و لعلّ مراد

المحقّق (رحمه اللّٰه) و غيره من المرض الشديد «1»، هو مقابل اليسير المذكور، و لا أظنّ أن يكون مرادهم اعتبار الشدّة احترازاً عن أوّل مراتب الحمّىٰ مثلًا و لو كان الغسل معه مضرّاً به.

سقوط المائية مع خوف حدوث الأمراض مثلًا

ثمّ إنّه يستفاد من ذيل الآية رفع المائية مع خوف المذكورات، فإنّ التكليف بها مع الخوف ضيق و حرج و تشديد على المكلّف، فيعدّ التكليف مع خوف الهلاك أو حدوث العيوب و الأمراض تضييقاً و تحريجاً عليه، و مخالفاً لقوله مٰا يُرِيدُ الهُٰث .. إلىٰ آخره.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 39، تحرير الأحكام 1: 21/ السطر 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 66

و تدلّ علىٰ ما ذكر مضافاً إلى الآية و الإجماع المتكرّر في ألسنتهم «1» روايات مستفيضة لو لم تكن متواترة،

ففي صحيحة محمّد بن سكين، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قيل له: إنّ فلاناً أصابته جنابة و هو مجدور، فغسّلوه فمات، قال: «قتلوه، ألا سألوا؟! ألا يمّموه؟! إنّ شفاء العيّ السؤال» «2».

و

في صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يُجنب، قال: «لا بأس بأن لا يغتسل؛ يتيمّم» «3».

و

في صحيحة ابن أبي نصر، عن الرضا (عليه السّلام): في الرجل تصيبه الجنابة، و به قروح أو جروح، أو يكون يخاف علىٰ نفسه من البرد، فقال: «لا يغتسل و يتيمّم» «4».

و نحوها صحيحة داود بن سِرحان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «5» .. إلىٰ غير ذلك.

و لا فرق فيما ذكر بين الحدث الأصغر و الأكبر، و لا بين حدوثه اختياراً أو لا، لكن وردت روايات منافية لذلك،

كصحيحة سليمان بن خالد و أبي بصير، عن أبي

عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سئل عن رجل كان في أرض باردة، فتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عَنَت من الغسل، كيف يصنع؟ قال: «يغتسل و إن أصابه ما أصابه».

______________________________

(1) راجع غنية النزوع 1: 64، تذكرة الفقهاء 1: 159، جواهر الكلام 5: 104.

(2) الكافي 3: 68/ 5، وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 68/ 1، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 5.

(4) تهذيب الأحكام 1: 196/ 566، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 7.

(5) تهذيب الأحكام 1: 185/ 531، وسائل الشيعة 3: 348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 67

قال: و ذكر أنّه كان وَجِعاً شديد الوجع، فأصابته جنابة و هو في مكان بارد، و كانت ليلة شديدة الريح باردة «فدعوتُ الغِلْمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنّا نخاف عليك، فقلت: ليس بدّ، فحملوني و وضعوني علىٰ خَشَبات، ثمّ صبّوا عليّ الماء فغسّلوني» «1».

و

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة و لا يجد الماء، و عسىٰ أن يكون الماء جامداً، فقال: «يغتسل علىٰ ما كان» حدّثه رجل: أنّه فعل ذلك فمرض شهراً من البرد، فقال: «اغتسل علىٰ ما كان؛ فإنّه لا بدّ من الغسل» و ذكر أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أنّه اضطرّ إليه و هو مريض، فأتوه به مسخّناً فاغتسل» و قال: «لا بدّ من الغسل» «2».

و قد يجمع «3» بينهما و بين ما تقدّم بحملهما على الجنابة الاختيارية، و حمل ما سبق

على الاحتلام؛ بشهادة

مرفوعة علي بن أحمد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن مجدور أصابته جنابة، قال: «إن كان أجنب هو فليغتسل، و إن كان احتلم فليتيمّم» «4».

و

مرفوعة إبراهيم بن هاشم قال: «إن أجنب فعليه أن يغتسل علىٰ ما كان منه، و إن احتلم فليتيمّم» «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 198/ 575، الإستبصار 1: 162/ 563، وسائل الشيعة 3: 373، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 17، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 198/ 576، الإستبصار 1: 163/ 564، وسائل الشيعة 3: 374، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 17، الحديث 4.

(3) راجع مستند الشيعة 3: 374 375.

(4) الكافي 3: 68/ 3، الفقيه 1: 59/ 219، تهذيب الأحكام 1: 198/ 574، وسائل الشيعة 3: 373، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 17، الحديث 1.

(5) الكافي 3: 67/ 2، وسائل الشيعة 3: 373، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 17، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 68

بل عن «الخلاف» دعوى إجماع الفرقة علىٰ وجوب الغسل علىٰ من أجنب اختياراً «3»، و عن المفيد و الصدوق اختياره «4».

و فيه: أنّ مرفوعة ابن هاشم لا يعلم كونها رواية، بل لا يبعد أن يكون ذلك فتواه جمعاً بين الروايات، و مرفوعةَ علي بن أحمد مع رفعها؛ و جهالة ابن أحمد «5»، و مخالفتها للروايات الكثيرة في المجدور «6» مع كونها آبية عن التقييد لا تصلح للشهادة على الجمع.

مع أنّ مثل هذا الجمع غير عقلائي و لا مقبول، و أنّ المذكور في صحيحة ابن مسلم: «تُصيبه الجنابة» و لا يبعد ظهوره في غير الاختيارية، و كذا الحال في صحيحتي البزنطي و ابن سرحان.

و ذكرُ أبي عبد اللّٰه

(عليه السّلام) لإصابته الجنابة مع كونه منزّهاً عن الاحتلام لا يصير شاهداً علىٰ كون السؤال عن حصولها باختياره، و التعبير عن جنابة نفسه ب «الإصابة» التي يجب صرفها إلى الاختيارية، لا يوجب ظهورها في نفسها في الاختيارية، بل لعلّه يوجب وهناً في الرواية. و كيف كان هذا الجمع ضعيف غير مقبول.

و أضعف منه الاتكال علىٰ دعوى إجماع «الخلاف» مع كون خلافه مظنّة الإجماع.

______________________________

(3) الخلاف 1: 157.

(4) المقنعة: 60، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 49/ السطر 20.

(5) هو عليّ بن أحمد بن أشيم قال الشيخ الطوسي (رحمه اللّٰه): «عليّ بن أحمد بن أشيم مجهول».

رجال الطوسي: 363/ 66.

(6) راجع وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 69

بل عن ظاهر «المنتهىٰ» الإجماع عليه، قال: «لو أجنب مختاراً و خشي البرد تيمّم عندنا» «1» و في «الجواهر»: «المشهور بين الأصحاب نقلًا و تحصيلًا عدم الفرق بين متعمّد الجنابة و غيره» «2».

هذا كلّه مع منافاة ما ذكر للكتاب «3» و السنّة «4»، و إباء أدلّة نفي الحرج «5» من التقييد، و مخالفته لسهولة الملّة و سماحتها، و مخالفة بعض مراتبه للعقل، كخوف تلف النفس، و لهذا خصّه بعضهم بما إذا لم يخف منه «6»، زاعماً كونه جمعاً بين الأخبار و بين مثل

صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة، فيخاف علىٰ نفسه التلف إن اغتسل، فقال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد» «7».

و يتلو الجمع المتقدّم في الضعف لو لم يكن أضعف منه حمل الصحيحتين على الاستحباب بدعوىٰ: «أنّ الغالب أنّ الخوف على النفس من

مرض شديد أو تلف من البرد عند صحّة المزاج كما هو منصرف السؤال إنّما ينشأ عن احتمال موهوم في الغاية لا يجب رعايته، و المظنون الغالب في مثل الفرض الأمن من الضرر لو فرض التحمّي و التحفّظ. بل ربّما يكون الخوف من

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 153/ السطر 4.

(2) جواهر الكلام 5: 108.

(3) كقوله تعالىٰ وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. البقرة (2): 195.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 12، و: 390، الباب 27، الحديث 1.

(5) كقوله تعالىٰ وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. الحجّ (22): 78.

(6) مستند الشيعة 3: 376.

(7) الفقيه 1: 60/ 224، وسائل الشيعة 3: 372، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 16، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 70

التلف و المرض من تسويلات النفس تنشأ من مشقّة الفعل، كما تشهد به صحيحة سليمان؛ حيث فرض إصابة العنت و هو المشقّة، فقول الإمام (عليه السّلام): «يغتسل و إن أصابه ما أصابه» يعني من العنت، و أمّا الخوف من التلف أو المرض الواجب التحرّز، فلا يكون غالباً إلّا على الاحتمال الموهوم، و لا مانع من حمل الصحيحتين علىٰ مثل الفرض و حملهما على الاستحباب.

و لا يعارضهما عمومات نفي الحرج و الصحاح المتقدّمة؛ إذ لا يفهم من العمومات إلّا الرخصة، و لا من النهي في الصحاح الوارد في مقام توهّم الوجوب إلّا جواز الترك» «1» انتهىٰ.

و ذلك لأنّ دعوى موهومية الاحتمال في المقام في غاية الضعف، و كيف يكون الاحتمال موهوماً في مورد الصحيحتين مع ذكر الإمام (عليه السّلام) في صحيحة سليمان الأمر بتغسيله في ليلة باردة شديدة الريح مع الوجع

الشديد؛ بحيث لم يتمكّن من الحركة و لا من الاغتسال بنفسه، فحملوه و غسّلوه، و لم يقل في جواب الغِلْمة حيث قالوا: «إنّا نخاف عليك»: «لا خوف عليّ» بل قال: «ليس بُدّ» أي و لو مع الخوف، و مع حديث الرجل في صحيحة ابن مسلم: أنّه فعل ذلك فمرض شهراً من البرد، فقال (عليه السّلام): «اغتسل علىٰ ما كان؛ فإنّه لا بدّ من الغسل» ممّا هو كالصريح في لابدّية الغسل و لو مع الخوف من المرض كائناً ما كان، بل و لو مع العلم بحدوثه، بل مع المرض الفعلي، كما حكىٰ عن غسله في مرضه؟! و يتلوه في الضعف دعواه انصراف السؤال إلىٰ صحيح المزاج و سليمه، فإنّه في نفسه و إن لا يبعد انصرافه إليه، لكنّ الجواب و حكاية أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 461/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 71

مرضه و وجعه الشديد، صريح في لابدّية الغسل و لو كان مريضاً و سقيماً، و في معرض الازدياد، بل التلف.

و قوله في صحيحة سليمان: «نتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عَنَت من الغسل» الذي استشهد به لمرامه من أنّ «العَنَت» عبارة عن المشقّة، و قوله (عليه السّلام): «يغتسل و إن أصابه ما أصابه» أي من العنت و المشقّة، غير صالح للاستشهاد؛ لأنّ «العنت» كما جاء بمعنى المشقّة، جاء بمعنى الهلاك و الفساد «1»، و ظاهر قوله: «نتخوّف أن يصيبه عنت» إصابة فساد أو هلاك، و إلّا فأصل المشقّة في الأرض الباردة معلومة، و لا يقال معها: «نتخوّف أن يصيبه».

و لو سلّم لكن لحن قوله: «و إن أصابه ما أصابه» لا يلائم الحمل على المشقّة فقط.

و لو سلّم لكن حكاية أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) اغتساله مع الوجع الشديد و الليلة الباردة و الريح الشديد و قول الغِلْمة و غير ذلك، مخالف لما ذُكر. و لو سلّم ذلك في صحيحة سليمان لا يأتي احتماله في صحيحة ابن مسلم.

و أضعف من جميع ذلك حملهما على الاستحباب مع إبائهما عنه، و كيف يحمل عليه قوله: «يغتسل و إن أصابه ما أصابه» و قوله (عليه السّلام) في جواب الغِلْمة مع الخوف علىٰ نفسه: «ليس بُدّ» و قوله: «يغتسل علىٰ ما كان» و قوله بعد قول الرجل: «فمرض شهراً من البرد»: «اغتسل علىٰ ما كان» و قوله بعد حكاية غسله في حال المرض: «لا بدّ من الغسل»؟! و لَعَمري إنّ طرح الرواية أولىٰ من هذا النحو من الجمع.

و كيف كان: لا محيص عن طرحهما و ردّ علمهما إلىٰ أهله؛ بعد وَهْنهما بظهورهما في إصابة الجنابة إيّاه (عليه السّلام) من غير اختيار، و هو منزّه عنها، و بغاية

______________________________

(1) لسان العرب 9: 415، مجمع البحرين 2: 211.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 72

بُعد الاختيارية منها في هذه الحال و في هذه الأرض الباردة المَخوفة على النفس، و لمخالفتهما للعقل و الكتاب و السنّة، و بإعراض المشهور عنهما علىٰ ما حكي «1»، و موافقتهما للمحكي عن أصحاب الرأي و أحمد في إحدى الروايتين «2».

حول سقوط المائية مع خوف الشيْن
اشارة

ثمّ قد مرّ أنّه لا فرق في خوف المرض و غيره بين الشديد و الضعيف، إلّا إذا كان يسيراً غير معتنى به «3».

و أمّا الشَّيْن الذي ادّعي عدم وجدان الخلاف في جواز التيمّم معه «4»، و عن «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «المدارك» و «الكفاية» جوازه عند علمائنا «5»،

و هو ظاهر في الإجماع، بل عن «جامع المقاصد» دعواه صريحاً «6»، فإن كان المراد منه بعض الأمراض الجلدية من قبيل الجرب و السوداء، فلا إشكال في صحّة التيمّم معه؛ لإطلاق الآية. بل يستفاد حكمه من أدلّة القرح و الجرح؛ إمّا بدعوى اندراجه فيها، أو بدعوىٰ إلغاء الخصوصيّة عرفاً. مضافاً إلىٰ أدلّة نفي الحرج.

و إن كان المراد منه هو الخشونة التي تعلو البَشَرة، و قد تنتهي إلى انشقاق

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 461/ السطر 13، مستمسك العروة الوثقىٰ 4: 340.

(2) انظر منتهى المطلب 1: 135/ السطر 31، المغني، ابن قدامة 1: 262 و 265، المجموع 2: 322.

(3) تقدّم في الصفحة 64.

(4) جواهر الكلام 5: 113.

(5) المعتبر 1: 365، منتهى المطلب 1: 136/ السطر 18، مدارك الأحكام 2: 195، كفاية الأحكام: 8/ السطر 8.

(6) جامع المقاصد 1: 473.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 73

الجلد، فمع خوف الانشقاق المعتدّ به ينسلك في الأدلّة و لو بإلغاء الخصوصيّة، و مع عدمه فلا دليل عليه إلّا أدلّة نفي الحرج، فلا بدّ من كونه بحدّ يصدق معه الحرج و المشقّة، و صار التوضّي مع خوفه مندرجاً في التضييق و التحريج.

المراد من «الحرج»

ثمّ اعلم: أنّ ظاهر بعضهم في المقام الذي هو من جزئيّات الحرج تقييده بما لا يتحمّل عادة «1»، و الظاهر منه أنّ «الحرج» عبارة عن المشقّة التي لا تتحمّل عادة. و يؤيّده قول بعض أهل اللغة علىٰ ما قيل-: «إنّ الحرج أضيق الضيق» «2».

و في «المجمع» مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ أي من ضيق؛ بأن يكلّفكم ما لا طاقة لكم به و ما تعجزون عنه، يقال: «حَرِجَ يَحْرَج من باب علم أي ضاق». و

في كلام الشيخ علي بن إبراهيم: «الحرج: الذي لا مدخل له، و الضيق: ما يكون له مدخل» «3» انتهىٰ.

و في «الصحاح»: «مكان حَرَجٌ و حَرِجٌ: أي ضيّقٌ كثير الشجر لا تصل إليه الراعية» «4» و نُقِل ذلك عن ابن عبّاس أيضاً «5».

هذا، لكنّ الظاهر من كثير من كتب اللغة تفسيره بالضيّق من غير تقييد بما لا يتحمّل أو غيره، ففي «الصحاح» و «القاموس»: «التحريج: التضييق» «6» و تقدّم

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 111، مجمع الفائدة و البرهان 1: 215، جواهر الكلام 5: 114.

(2) انظر لسان العرب 3: 107.

(3) مجمع البحرين 2: 288 289.

(4) الصحاح 1: 305.

(5) انظر لسان العرب 3: 107.

(6) الصحاح 1: 306، القاموس المحيط 1: 189.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 74

عن «المجمع»: «حَرِجَ من باب علم أي ضاق».

و في «المنجد»: «حَرِج الشي ء: ضاق، حَرّجه: ضيّقه» «1».

و عن «النهاية»: «الحَرَج في الأصل الضيق» «2».

و حكىٰ في «مجمع البيان» تفسيره بالضيق و العنت عن جميع المفسّرين «3». بل فسّره به

في صحيحة زرارة المتقدّمة «4» عن المشايخ الثلاثة، قال لأبي جعفر (عليه السّلام): أ لا تخبرني من أين علمت و قلت: «إنّ المسح ببعض الرأس»؟ .. و الحديث طويل متعرّض لتفسير الآية و النكات التي فيها، و قال في آخره: ثمّ قال: «مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ «5» و الحرج: الضيق» «6».

و

عن «قرب الإسناد» عن الصادق، عن أبيه، عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: «أعطى اللّٰه أُمّتي و فضّلهم به علىٰ سائر الأُمم ..» إلىٰ أن قال: «و إنّ اللّٰه تعالىٰ أعطىٰ أُمّتي ذلك حيث يقول وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ

حَرَجٍ «7» يقول: من ضيق» «8».

و

في موثّقة أبي بصير في أبواب المياه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّا نسافر، فربّما بُلينا بالغدير من المطر .. إلىٰ أن قال-: «افرج الماء بيدك ثمّ

______________________________

(1) المنجد: 125.

(2) النهاية، ابن الأثير 1: 361.

(3) مجمع البيان 3: 259.

(4) تقدّم في مبحث الوضوء. راجع الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 448.

(5) المائدة (5): 6.

(6) الكافي 3: 30/ 4، الفقيه 1: 56/ 212، تهذيب الأحكام 1: 61/ 168، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(7) الحجّ (22): 78.

(8) قرب الإسناد: 84/ 277.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 75

توضّأ؛ فإنّ الدين ليس بمضيّق، فإنّ اللّٰه يقول مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «10».

و يظهر أيضاً من بعض موارد تمسّكهم بدليل نفي الحرج، أوسعيّة الأمر ممّا قيل، كرواية عبد الأعلى «1»، فإنّ رفع المرارة ليس ممّا لا يتحمّل عادة، بل فيه مشقّة و كلفة.

و

في الرواية المحكيّة عن حمزة بن الطيّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و الحديث طويل قال فيه: «و كذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحداً في ضيق» «2».

و

عن «قرب الإسناد» عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: «لا غِلَظَ علىٰ مسلم في شي ء» «3».

مضافاً إلىٰ أنّ لسان الآيات الشريفة الواردة في مقام الامتنان، لسان عدم جعل مطلق الضيق، كقوله يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «4» و قوله رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا «5».

______________________________

(10) تهذيب الأحكام 1: 417/ 1316، وسائل الشيعة 1: 163، كتاب الطهارة، أبواب الماء

المطلق، الباب 9، الحديث 14.

(1) تقدّمت في الصفحة 57.

(2) الكافي 1: 164/ 4.

(3) قرب الإسناد: 134/ 469.

(4) البقرة (2): 185.

(5) البقرة (2): 286.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 76

السبب الرابع الخوف من العطش

في استعمال الماء علىٰ نفسه، أو أولاده و عائلته، أو صديقه، بل كلّ ما يتعلّق به من الإنسان و الحيوان؛ من تلف، أو حدوث مرض، أو علّة، أو عروض حرج، أو مشقّة من فقد الماء؛ لأدلّة نفي الحرج؛ ضرورة أنّه كما يكون التكليف بالوضوء مع خوف ما ذكر علىٰ نفسه تحريجاً و تضييقاً، كذلك إذا خاف علىٰ أطفاله و عياله، أو صديقه، بل غلمته.

بل حيوانه الذي يحتاج إليه في سفره. بل مطلقاً إذا كان في حفظه غرض عقلائيّ؛ سواء أُخذ للذبح لكن لا يكون في السفر محلّ ذبحه و يشقّ عليه حمله، أو لم يؤخذ لذلك.

نعم، لو أُخذ له، و لا يتعلّق الغرض ببقائه، و لا يكون في ذبحه أو حمله حرج، فلا يستفاد حكمه من دليل نفي الحرج و إن لا يبعد استفادته من سائر الأدلّة،

كموثّقة سَماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون معه الماء في السفر، فيخاف قلّته، قال: «يتيمّم بالصعيد، و يستبقي الماء؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1274، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 77

لصدق خوف القلّة علىٰ من كان في سفر مع عائلته و كلّ ما يتعلّق و يرتبط به؛ إنساناً أو حيواناً، ذمّيا أو مسلماً. بل لعلّه يشمل الخوف على الحربي المتعلّق به؛ و إن كان الأقرب

انصرافه عن مثل الحربي الذي يجب على الناس قتله بأيّة وسيلة ممكنة.

نعم، لو لم يكن مهدور الدم، لكن يكون مرتكباً لما يكون حدّه القتل كالقاتل و الزاني المحصن؛ ممّن يكون قتله بيد شخص خاصّ أو بنحو خاصّ فالظاهر شمول الرواية له.

بل لا يبعد شمولها للخوف علىٰ غير ما يتعلّق به؛ آدميّاً كان أو غيره ممّا له كبد حرّى؛ ضرورة أنّه مع رؤية الإنسان إنساناً أو حيواناً يتلظّىٰ عطشاً بمحضر منه، يكون التكليف بالوضوء عليه تحريجاً و تضييقاً؛ لأنّ النفوس الشريفة بل غير القاسية و الشقيّة تأبىٰ عن ذلك، فحينئذٍ مع خوف حصول ذلك يصدق خوف القلّة. بل تشمله أدلّة نفي الحرج.

و لا يبعد استفادته من

صحيحة ابن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه قال في رجل أصابته جنابة في السفر، و ليس معه إلّا ماء قليل، و يخاف إن هو اغتسل أن يعطش، قال: «إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة، و ليتيمّم بالصعيد؛ فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» «1».

فإنّ تغيير الجواب عمّا هو متعارف و تنكير «العطش» ممّا يُشعر أو يدلّ علىٰ توسعة الموضوع من عطش نفسه، و إلّا كان حقّ الجواب إمّا أن يقول: «فليتيمّم» أو يقول: «إن خاف أن يعطش» أو «خاف العطش» فتبديل الجواب بما هو غير

______________________________

(1) الكافي 3: 65/ 1، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1267، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 78

متعارف لا بدّ فيه من نكتة؛ و هي إفادة توسعة الحكم لخوف عطش علىٰ نفسه أو غيره آدميّ أو غيره.

ثمّ إنّ الظاهر من خوف العطش و القلّة أن يكونا مخوّفين، و لا

يطلق عرفاً ذلك إلّا علىٰ ما يكون في احتمالهما خطر هلاك أو مرض أو مشقّة، و أمّا إذا احتمل العطش المتعارف فلا يقال: «يخاف من العطش» أو «القلّة» فليس المراد احتمال حصول أوّل مراتب العطش.

و منه يظهر: أنّ احتمال قلّة الماء لمثل الطبخ و القهوة و (القليان) خارج من مصبّ الرواية؛ لأنّ القلّة لا تكون مخوفة معه عادة، ضرورة أنّ احتمال القلّة لكلّ حاجة لا يوجب الخوف، و لا يطلق عليه، فخوف القلّة ينحصر عرفاً بما يكون معرضاً لخطر أو حرج أو مشقّة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 79

السبب الخامس ما إذا لزم من استعمال الماء في الوضوء أو الغسل محذور شرعيّ
اشارة

من ترك واجب، كما لو لزم من الاشتغال بأحدهما و الصلاة تركُ إنقاذ غريق، دون التيمّم، أو تأخيرُ أداء الدين المطالَب به و نحوهما.

أو فعلِ محرّم، كاستعمال ماء مغصوب، أو العبور من طريق مغصوب، أو استعمال آنية الذهب و الفضة و نحوها.

أو تركِ شرط معتبر في الصلاة، كما لو لزم منه نجاسة مسجد الجبهة مع الانحصار و عدم إمكان التحرّز.

أو حصولِ مانع، كما لو لزم منه نجاسة الساتر. و منه ما لو كان الماء بقدر تطهير الثوب النجس أو الوضوء.

لا ريب في صحّة التيمّم بل لزومه في بعض تلك الموارد، فهل يكون في جميع الأعذار الشرعيّة كذلك، أو يكون من باب الأهمّ و المهمّ و لا بدّ من ملاحظة قاعدة باب التزاحم؟

قد يقال «1» باستفادة كون كلّ عذر شرعيّ أو عقليّ موجباً للتيمّم من الآية

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 448/ السطر 13، و 457/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 80

الكريمة «1»؛ بدعوىٰ: أنّ الظاهر من ذكر عدم الوجدان عقيب الأمر بالوضوء و الغسل، عدم وجدان

ما يستعمل في الطهور بلا محذور مطلقاً؛ أ لا ترى أنّه لو وجد أقلّ من الوضوء، أو كان الماء للغير، لا ينقدح في الذهن صدق وجدانه و عدم صحّة التيمّم معه، فيظهر منه أنّ الموضوع هو الوجدان من غير محذور.

و فيه: أنّه لا ريب في أنّ الظاهر من الآية و لو بمناسبة الحكم و الموضوع هو وجدان ما يمكن استعماله في الطهارة كما مرّ «2»، ففي صورة كون الماء غير وافٍ يتيمّم، كما أنّه لو كان الماء للغير يصدق عدم الوجدان عرفاً، فإنّه غير واجد لمال الغير، كما أنّه يستفاد حكم عدم إمكان التوصّل إليه من الآية كما مرّ «3»، لكن إلحاق كلّ محذور شرعيّ به غير ظاهر؛ فإنّ الوجدان صادق بلا شبهة مع وجوده في آنية الذهب و الفضّة، أو كان في التوصّل إليه و في طريقه محذور شرعيّ، فعدم الوجدان و إن عمّ ما تقدّم، لكنّه لا يعمّ لمثل المحذور الشرعي، و ليس في الآية الكريمة صدراً و ذيلًا ما يدلّ علىٰ ذلك و لو بالارتكاز العرفي و المناسبات. و بالجملة: إنّ عدم الوجدان هو العرفي منه، كما في جميع الموضوعات المتعلّقة للأحكام، و هو صادق مع ما تقدّم، دون مطلق المحذور الشرعي. و قياس سائر المحاذير بمثل التصرّف في مال الغير أي غصب مائه في غير محلّه؛ لصدق عدم الوجدان عرفاً مع كونه للغير، لا لأجل حكم الشارع بالحرمة، بل لحكم العقلاء بأنّ الإنسان لم يكن واجداً لمال غيره، و أمّا إذا كان الماء له و الآنية من الذهب أو من مال الغير، فلا شبهة في صدق الوجدان، و عدم إشعار في الآية بالإلحاق.

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

(2) تقدّم في الصفحة 42.

(3) تقدّم

في الصفحة 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 81

نعم، يمكن أن يُستدلّ على المطلوب ببعض الروايات:
منها: [صحيحة محمّد بن مسلم]

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألت عن رجل أجنب في سفر، و لم يجد إلّا الثلج أو ماءً جامداً، فقال: «هو بمنزلة الضرورة يتيمّم» «1».

حيث يظهر منها أنّ الضرورة أو ما هو بمنزلتها موضوع لصحّة التيمّم، و موردها و إن كان من الضرورات التكوينية، لكن لا يقيّد ما هو بمنزلة التعليل أو الكبرى بالمورد، و لا ريب في أنّ التخلّص عن ارتكاب المحرّم أو ترك الواجب أو شرطه أو إتيان مانعه، من الضرورات عرفاً و عقلًا، و لا يمكن أن يقال: إنّ المحذور الشرعي ليس محذوراً في نظر العرف مع كونه متعبّداً بحكم هذا الشرع، فأيّ ضرورة أعظم من التخلّص من مخالفة المولى؟! و دعوىٰ عدم الإطلاق في الرواية غير وجيهة، فإنّه لو كان موضوع التبديل عنواناً آخر لكان قوله: «هو بمنزلة الضرورة» في غير محلّه، خصوصاً مع كونه بمنزلة التعليل، فالظاهر أنّ كلّ ضرورة موجبة للانتقال.

و منها: [صحيحة أبي بصير]

صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كنتَ في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به؛ فإنّ اللّٰه أولىٰ بالعذر» «2».

حيث يظهر منها أنّ موضوع التبديل هو العذر من التيمّم بالتراب، و هي و إن كانت في مورد آخر، لكن يمكن الاستشهاد بها للمورد، تأمّل.

و منها: [صحيحة عبد اللّٰه بن أبي يعفور]

صحيحة عبد اللّٰه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا أتيت

______________________________

(1) الكافي 3: 67/ 1، وسائل الشيعة 3: 355، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 9.

(2) الكافي 3: 67/ 1، تهذيب الأحكام 1: 189/ 543، الإستبصار 1: 156/ 537، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 82

البئر و أنت جنب، فلم تجد دَلْواً و لا شيئاً تغرف به، فتيمّم بالصعيد؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد، و لا تقع في البئر، و لا تفسد على القوم ماءهم» «1».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر من قوله: «لا تفسد على القوم ماءهم» أنّ فساد الماء عليهم محذور يوجب الانتقال، و المحذور أمّا الحرمة الشرعيّة، فيفهم أنّه مع وقوع الحرام لا يجوز التوضّي و الغسل، و إمّا الغضاضة العرفيّة مع عدم محذور شرعيّ، فيدلّ على التبديل مع المحذور الشرعي قطعاً؛ لدلالتها علىٰ صحّة التيمّم بأدنى شي ء؛ و لو بمثل تنفّر الطباع عن الورود في الماء.

و منها: دعوى أنّ المتفاهم من مجموع الروايات

كقوله: «إنّه أحد الطهورين» «2»

و «إنّ ربّهما واحد» «3»

و «يكفي عشر سنين» «4»

و ما دلّ علىٰ عدم لزوم الفحص عن الماء أكثر من غلوة و غلوتين «5» مع احتمال وجوده، بل الظنّ به، و أخبار الركية «6»، و ما دلّ علىٰ جواز إجناب النفس مع عدم الماء «7»، و ما دلّ علىٰ جواز إتمام الصلاة مع التيمّم لو وجد الماء بعد الدخول في الركوع، بل بعد الدخول في الصلاة «8» على الأقرب، و ما دلّ علىٰ جواز البدار و جواز التيمّم مع

______________________________

(1) الكافي 3: 65/ 9، تهذيب الأحكام 1: 149/ 426، و: 185/ 535، وسائل الشيعة

3: 344، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 17.

(3) وسائل الشيعة 3: 343، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، جامع أحاديث الشيعة 3: 70، أبواب التيمّم، الباب 1، الحديث 4.

(4) تقدّم في الصفحة 16.

(5) تقدّم في الصفحة 31.

(6) تقدّم في الصفحة 58.

(7) وسائل الشيعة 3: 390، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 27.

(8) وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 83

خوف العطش و لو على الذمّي و الحيوان «10» أنّ الأمر في التبديل سهل يوجبه أدنىٰ عذر.

و الإنصاف: أنّ الخدشة لو أمكنت في كلّ واحد ممّا ذكر، لكن من مجموع ما ذكر تطمئنّ النفس بأنّ المحذور الشرعي مطلقاً يوجب التبديل.

و أمّا لو أُغمض عن ذلك، و رجعنا إلىٰ باب المزاحمة، فمع إحراز الأهمّية في طرف يؤخذ بالأهمّ، و كذا مع احتمالها؛ بناءً على التعيين في دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و مع التساوي بينهما يتخيّر.

و قد يقال: إنّ الوضوء لمّا كان له البدل، يتأخّر في الدوران عمّا لا يكون له البدل «11». لكن إن أُريد به دعوى إحراز الأهمّية فيما ليس له البدل بذلك، فهي كما ترى.

و إن أُريد أنّ الأخذ بالبدل جمع بين الغرضين في مرتبة، و العقل حاكم بلزومه، ففيه: أنّ المفروض أنّ احتمال الأهمّية في الغرض الأقصىٰ، مساوٍ لاحتمالها فيما ليس له البدل، فليس الأخذ به جمعاً بين الغرضين.

تقديم رفع الخبث على رفع الحدث

نعم، في خصوص دوران الأمر بين الوضوء و الغسل، و بين رفع النجاسة عن البدن و الثوب، ادّعي الإجماع علىٰ تقديم التطهير عن الخبث، كما عن «المعتبر» و «التذكرة» «1» و تشهد له

رواية أبي عبيدة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(10) راجع وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25.

(11) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 2: 327.

(1) المعتبر 1: 371، تذكرة الفقهاء 2: 171.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 84

عن المرأة الحائض ترى الطهر و هي في السفر، و ليس معها ماء يكفيها لغسلها، و قد حضرت الصلاة، قال: «إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله، ثمّ تتيمّم و تصلّي» «1».

فأمر بغسل البدن دون الوضوء، و قد مرّ وجوب الوضوء مع كلّ غسل إلّا الجنابة «2».

و يؤيّده الأدلّة الواردة في تتميم الصلاة مع التيمّم إذا دخل فيها أو ركع، فأصاب الماء

قائلًا: «إنّ التيمّم أحد الطهورين» «3»

و ما ورد في عروض النجاسة في الأثناء من وجوب غسلها أو انتزاع الثوب، و مع عدم الإمكان تبطل الصلاة «4»، فيستشعر من الطائفتين كون إزالة النجاسة أهمّ في نظر الشارع.

______________________________

(1) الكافي 3: 82/ 3، تهذيب الأحكام 1: 400/ 1250، وسائل الشيعة 2: 312، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 21، الحديث 1.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 262.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 44، الحديث 1، و 7: 238، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 1 و 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 85

السبب السادس ضيق الوقت
اشارة

فقد يلزم من الطهارة المائية فوت جميع الوقت، و قد يلزم فوت بعضه.

و على الثاني: قد تدرك ركعة من الوقت، و قد لا تدرك.

و علىٰ أيّ تقدير: قد يدرك مع التيمّم جميع الوقت، و

قد يدرك بعضه بمقدار ركعة أو أقلّ أو أكثر، لكن يكون الإدراك معه أكثر من الإدراك مع المائية.

حكم إدراك جميع الوقت مع الترابية و عدم إدراك شي ء منه مع المائية

و كيف كان: فعن «المعتبر» و «جامع المقاصد» و «كشف اللثام» و «المدارك» عدم مشروعية التيمّم لضيق الوقت؛ لاشتراط الصلاة بالطهارة المائية، و عدم ثبوت مسوّغية ضيق الوقت للتيمّم؛ لتعليقه علىٰ عدم الوجدان، و المكلّف واجد للماء متمكّن من استعماله، غاية الأمر أنّ الوقت لا يتسع له «1».

و عن «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «المختلف» و «الروضة» و غيرها مشروعيّته «2»،

______________________________

(1) المعتبر 1: 366، جامع المقاصد 1: 467، كشف اللثام 2: 436، مدارك الأحكام 2: 185.

(2) منتهى المطلب 1: 137/ السطر 29، تذكرة الفقهاء 2: 161 162، مختلف الشيعة 1: 285 286، الروضة البهيّة 1: 445، روض الجنان: 116/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 86

بل عن «الرياض»: «أنّه الأشهر» «1» و اختاره صاحب «الجواهر» و غيره ممّن تأخّر عنه من المحقّقين «2».

و هو الأقوىٰ؛ للآية الكريمة «3»، فإنّ الظاهر منها بعد تعليق الطلب المطلق في صدرها على الوضوء و الغسل، و تعليق الترابية علىٰ بعض العناوين العجزية؛ أي المرض و الفقدان أنّ التنزّل إلى المصداق الاضطراري و رفع اليد عن المطلوب المطلق، إنّما هو لإلجاء المكلّف إلىٰ إتيان الصلاة في الوقت، فيكون حفظ مصلحة الوقت، موجباً لإلجاء المكلّف إلىٰ إتيان الصلاة فيه كائنة ما كانت، و هذا الإلجاء و الاضطرار صار سبباً لعجز المكلّف عن المائية و تشريع الترابية له، فلولا حفظ الوقت لم يكن مضطرّاً، و لا معنىٰ لقبول الفرد الاضطراري و ترك المصلحة المطلقة، فحينئذٍ يستفيد العرف و العقلاء من الآية بلا إشكال أنّ مصلحة الترابية «4» المتروكة لحفظ الوقت

لا تدفع مصلحة الوقت، و لا تصير سبباً لترك الصلاة في وقتها المضروب لها.

و بالجملة: إذا صارت أهمّية الوقت موجبة لرفع اليد عن مصلحة المائية، كيف يمكن مصادمة المائية مع مصلحته؟! و لا مجال لتوهّم: أنّ فقدان الماء صار موجباً لحدوث مصلحة في الصلاة مع الترابية؛ لأنّ ذلك خلاف ظاهر الأدلّة آية و رواية، فإنّ الظاهر منها أنّ الترابية مرتبة ناقصة، كما عبّر عنها في الروايات ب «نصف الطهور»

ففي رواية

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 290.

(2) جواهر الكلام 5: 91 92، مصباح الفقيه، الطهارة: 451/ السطر 30، العروة الوثقىٰ 1: 480، المسألة 26.

(3) المائدة (5): 6.

(4) و الصحيح هو «المائية» كما هو الظاهر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 87

ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أ لا ترى أنّه إنّما جعل عليه نصف الطهور!» «1»

و مثلها رواية الحسين بن أبي العلاء «2»، و إن احتمل أن يكون المراد بهما نصف الوضوء، كما في صحيحة الحلبي «3» فيكون المقصود المسح علىٰ بعض الوجه و اليد، لكن لا ينافي ذلك فهم قصور الترابية عن المائية، بل قد عرفت سابقاً دلالة الآية عليه «4».

و بالجملة: لا قصور في دلالة الأدلّة علىٰ أنّ الوجدان المنافي لدرك الوقت، يعدّ من عدم الوجدان و من عدم مزاحمة المائية للوقت.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الفحص عن موارد الأعذار، و أنّ الشارع لم يرفع اليد عن الصلاة في وقتها لأجل عذر من الأعذار، و يكون التخلّف عنه في غاية القلّة، يوجب الاطمئنان بل العلم بأنّ للوقت أهمّية لا يزاحمها شي ء من الأعذار.

بل يشعر بذلك تسمية ترك الإتيان في الوقت ب «الفوت» دون فقدان غيره من الأجزاء و الشرائط، فالآتي

بها بعد الوقت جامعة لسائر ما يعتبر فيها فاتت منه، و الآتي بها فيه مع فقد جلّ الأجزاء و الشرائط لم تفت منه.

بل الناظر فيما ورد في تارك الصلاة، و «أنّ من تركها متعمّداً فهو كافر» أو «برئت منه ذمّة الإسلام» و «أنّ تركها أعظم من سائر الكبائر» «5» يرىٰ أنّ المراد من تركها عدم إتيانها في وقتها إلىٰ غير ذلك ممّا يستنبط منها أنّ الصلاة لا تترك بحال.

______________________________

(1) الكافي 3: 65/ 2، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 4.

(2) تقدّمت في الصفحة 52.

(3) تقدّمت في الصفحة 52.

(4) تقدّم في الصفحة 13.

(5) راجع وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 88

و تدلّ على المقصود أيضاً

صحيحة زرارة، عن أحدهما قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلِّ في آخر الوقت» «1».

فإنّ الظاهر منها أنّ وجوب الطلب أو استحبابه، لأجل التوصّل إلى المطلوب الأعلى، لا لأجل دخالته في موضوع الصلاة مع التيمّم، و أنّ الأمر بالتيمّم مخافة فوت الوقت، إنّما هو لتقديم الشارع حفظ الوقت على الطهارة المائية، و إلّا فلا وجه لرفع اليد عن المطلوب المطلق.

فلو علم المكلّف بوجود الماء بعد الوقت، فليس له تركها فيه و إتيانها مع المائية في خارجه، كلّ ذلك لأجل رعاية الوقت و أهمّيته، و مع ذلك كيف يحتمل أن يكون وجدان الماء المفوّت للوقت، موجباً لترك الصلاة فيه مع المائية و الترابية؟! فممّا ذكرنا يعلم: أنّ عدم الوجدان ليس قيداً للموضوع، بل مخافة الفوت تمام الموضوع لوجوب التيمّم و عدم

ترك الصلاة في الوقت.

و توهّم: أنّ التيمّم إنّما هو لمن سبق ذكره في الرواية، و هو من لم يجد ماء، فكأنه قال: «إذا كان الفاقد خائفاً فوت الوقت فليتيمّم» في غير محلّه؛ لما أشرنا إليه من أنّ الأمر بالتيمّم عند خوف الفوت، إنّما هو لرعاية الوقت و كونه أهمّ من المائية، و معه كيف يمكن مزاحمتها للوقت و إيجابها ترك الصلاة فيه مطلقاً؟! و لعمري، إنّ الحكم بعد التأمل فيما ذكرنا واضح.

هذا كلّه مع إدراك جميع الوقت مع الترابية، و عدم إدراك شي ء منه مع المائية.

______________________________

(1) الكافي 3: 63/ 2، تهذيب الأحكام 1: 192/ 555، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 89

حكم إدراك ركعة من الوقت مع المائية و مع الترابية جميعه
اشارة

و أمّا إذا أدرك مع المائية ركعة من الوقت، و مع الترابية جميعه، فقد يقال بتقديم المائية بدليل «من أدرك ..» «1».

و تفصيل الحال: أنّه بعد البناء علىٰ دلالة صحيحة زرارة المتقدّمة علىٰ أنّ خوف فوت الوقت تمام الموضوع لصحّة التيمّم، يقع الكلام في أنّ المراد من قوله: «إذا خاف أن يفوته الوقت» هو خوف فوت جميع الوقت؛ بحيث لو علم إدراك بعضه وجب أو استحبّ الطلب لإدراك المائية، فتكون غاية الطلب و لزوم التيمّم خوف فوت تمام الوقت، و عليه إذا كان الماء موجوداً و لم يخف فوت الوقت، لزم الوضوء من غير احتياج إلىٰ دليل «من أدرك ..» بل يكون مفادها أعمّ من دليل «من أدرك ..».

أو أنّ المراد منه خوف فوت الوقت المضروب للصلاة؛ أي خوف أن يفوته ما هو ظرف لطبيعة الصلاة، فمع خوف وقوع جزء منها خارج الوقت، فقد خاف أن يفوته الوقت

الذي هو ظرفها، فإنّ ظرفها هو مقدار من الوقت يسع جميع الصلاة، و مع ذهاب جزء منه لا يكون الوقت وقتاً لها و إن كان جزءً من النهار، فحينئذٍ تدلّ الرواية علىٰ أنّه مع خوف فوت الوقت و لو بجزء منه لا بدّ من التيمّم.

حكومة «من أدرك ..» علىٰ صحيحة زرارة في فرض واحد
اشارة

و يمكن أن يقال: إنّ دليل «من أدرك ..» حاكم على الصحيحة و موسّع لموضوعها؛ فإنّه يدلّ علىٰ أنّ إدراك ركعة من الوقت إدراك للوقت، و مع تنزيل الوقت الخارج منزلة الوقت، أو تنزيل إدراك ركعة منه منزلة إدراك جميعه، أو

______________________________

(1) انظر العروة الوثقىٰ 1: 480.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 90

تنزيل إدراك ركعة من الصلاة في الوقت منزلة إدراك الصلاة فيه، يتمّ المطلوب، و يرفع خوف فوت الوقت.

لكنّه غير وجيه: أمّا أوّلًا: فلأنّ

ما روي عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» «1»

و عن الوصيّ (عليه السّلام): «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» «2»

و

عنه (عليه السّلام): «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة» «3»

و

في لفظ آخر: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت»

علىٰ ما في «المنتهىٰ» و «المدارك» «4» روايات ضعاف؛ بعضها بالإرسال، و بعضها بضعف السند.

و دعوى الجبر بالاشتهار بين الأصحاب «5» مشكلة؛ لعدم ثبوت كون اتّكالهم في صحّة الصلاة مع إدراك ركعة من الوقت علىٰ تلك الروايات؛ لورود

موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «فإن صلّىٰ ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ، فقد جازت صلاته» «6»

و احتمال اتّكالهم عليها مع إلغاء الخصوصيّة.

______________________________

(1)

ذكرى الشيعة 2: 352، وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4. صحيح البخاري 1 2: 298/ 547، سنن ابن ماجة 1: 356/ 1122.

(2) انظر جواهر الكلام 3: 213، وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 2: 38/ 119، وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 2.

(4) منتهى المطلب 1: 209/ السطر 35، مدارك الأحكام 3: 93.

(5) جواهر الكلام 3: 213.

(6) تهذيب الأحكام 2: 38/ 120، و: 262/ 1044، وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 1 و 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 91

إلّا أن يقال: ليس بناء أصحابنا خصوصاً قدماءهم على التعدّي من مثل الموثّقة الواردة في الغداة إلىٰ غيرها، فلا محالة يكون مستندهم تلك الروايات.

و عن «المدارك» بعد أن نقل الروايات قال: «و هذه الأخبار و إن ضعف سندها، إلّا أنّ عمل الطائفة عليها، و لا معارض لها، فتعيّن العمل بها» «1».

و الإنصاف: أنّ المناقشة فيها من هذه الجهة غير وجيهة.

و أمّا ثانياً: فلأنّ قوله في النبوي: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» و كذا ما في العلوي، يحتمل في بادي الأمر أحد معانٍ:

إمّا توسعة الوقت حقيقة لمن أدرك الركعة، فيكون خارج الوقت وقتاً اضطراريّاً.

و إمّا تنزيل الصلاة الناقصة بحسب الوقت منزلة التامّة.

و إمّا تنزيل مقدار ركعة من الوقت منزلة تمام الوقت.

و إمّا تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت.

و إنّما يتمّ المطلوب و توجّه الحكومة أو الورود، لو كان المراد منها المعنى الأوّل، فإنّه مع توسعة الوقت حقيقة يرفع خوف الفوت وجداناً، فيصير دليله حاكماً على الصحيحة، و

نتيجتها الورود، و منفّياً لموضوعها تكويناً.

إلّا أن يقال: إنّ الموضوع في الصحيحة خوف فوت الاختياري من الوقت؛ أي الوقت المضروب بحسب الأدلّة الأوّلية المحدّدة للأوقات.

لكن مع ذلك الأوجه: أنّ التوسعة الحقيقية توجب رفع خوف فوت طبيعة الوقت المأخوذة في الصحيحة، و ليس موضوعها متقيّداً بالاختياري؛ و إن كان المنصرَف مع عدم الدليل، هو الوقت المضروب بحسب الأدلّة الأوّلية لكن بالنظر

______________________________

(1) مدارك الأحكام 3: 93.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 92

إلىٰ «من أدرك ..» و تحكيمه على الأدلّة، يكون مقتضاه ما ذكر. و لا ينافي ذلك عدم جواز تأخير الصلاة إلى الوقت الإدراكي الاضطراري، كما لا يخفى.

عدم تمامية الحكومة بالنسبة لسائر الفروض

و كيف كان: لو تمّت الحكومة فإنّما هي في هذا الفرض، و أمّا في سائر الفروض فلا يرفع الخوف الوجداني المأخوذ في الموضوع:

أمّا علىٰ فرض تنزيل الصلاة الناقصة منزلة التامّة فواضح.

و أمّا علىٰ فرض تنزيل الوقت سواء كان متوجّهاً إلى الوقت الناقص، أو إلىٰ خارج الوقت فلأنّ دليل التنزيل لا يوجب رفع خوف فوت الوقت؛ فإنّ وقتها حسب الفرض هو ما قرّره الشارع من دلوك الشمس إلىٰ غروبها، فمع احتمال ضيقه بمقدار لا يسع أربع ركعات، لا محالة يخاف فوت الوقت المقرّر، و التنزيل لا يرفع هذا الخوف.

كما أنّ استصحاب بقاء الوقت لا يرفعه، فلا يجوز الاتكال على الاستصحاب و إتيان الطهارة المائية؛ لعدم زوال الخوف الوجداني به، مع أنّه أولىٰ بذلك من دليل «من أدرك ..» لأنّ المستصحب هو الوقت المضروب، فيكون الاستصحاب حاكماً ببقاء الوقت، لكن مع ذلك لا يُرفع به موضوع دليل التيمّم.

فدليل تنزيل الوقت لا يرفع خوف فوته: لا وجداناً، و هو ظاهر، و لا تعبّداً؛ لعدم توجّه التنزيل إليه.

و تنزيل الوقت الخارج منزلة الداخل أو الوقت الناقص منزلة التامّ، غير تنزيل خوف الفوت منزلة عدمه.

هذا كلّه مع أنّ ما هو المشهور الذي يمكن دعوى جبره، هو النبوي الظاهر في تنزيل الصلاة الناقصة منزلة التامة؛ من غير تعرّض لتنزيل الوقت، فضلًا عن تنزيل خوف فوته منزلة العدم.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 93

ثمّ إنّ ظاهر قوله: «من أدرك ..» هو التنزيل فيما إذا فات الوقت و لم يبق إلّا ركعة، و هو لا يوجب جواز تفويته اختياراً، فحينئذٍ يقع التزاحم بين الوقت و الطهور، فلا بدّ من إثبات أهمّية الوقت حتّى في هذه الصورة؛ حتّى يحكم بوجوب التيمّم، و هو مشكل بعد ورود مثل «من أدرك ..» و الذي يسهّل الخطب عدم المجال للتزاحم بعد ما قدّمناه.

ثمّ إنّه يظهر الكلام ممّا تقدّم فيما إذا لم يدرك مع المائية ركعة، و أدرك جميع الوقت مع الترابية.

حكم ما إذا أدرك ركعة مع الترابية

و أمّا إذا أدرك ركعة مع الترابية ففي شمول «من أدرك ..» له نوع خفاء؛ لاحتمال أن يكون المراد إدراك ركعة حسب وظيفته مع قطع النظر عن الوقت؛ و إن كان الأقرب صحّة الترابية و لزومها بعد عدم ترك الصلاة بحال، و أنّ التراب أحد الطهورين، و أنّ الصلاة معه صلاة. و الظاهر أنّ هذا التنزيل بملاحظة أهمّية الوقت و عدم ترك الصلاة حتّى الإمكان، فلا يبعد التمسّك بإطلاق «من أدرك ..» فإنّه مع إدراك ركعة مع الترابية يصدق إدراك ركعة من الصلاة.

و إن شئت قلت: إنّ دليل تنزيل الترابية منزلة المائية، حاكم علىٰ دليل «من أدرك ..» و محقّق لموضوعه.

حكم إدراك ركعة مع المائية و أزيد منها مع الترابية

و إن أدرك مع المائية ركعة و مع الترابية أزيد منها، ففي تقديم الترابية؛ بدعوىٰ أهمّية الوقت و عدم سقوط الميسور بالمعسور.

أو تقديم المائية؛ لعدم شمول أدلّة الوقت مطلقاً للمقام؛ ضرورة فوت

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 94

الصلاة مع فوت بعض الوقت بحسبها، فيبقىٰ دليل «من أدرك ..» و ظاهره أنّ إدراك ركعة إدراك للصلاة تامّة، كما صرّح به في العلوي من طريقنا، فلا فرق بحسبه بين إدراك ركعة أو أزيد، فحينئذٍ لا وجه لرفع اليد عن الطهارة المائية.

وجهان، أقربهما الثاني، لكن الالتزام ببعض لوازمه في غاية الإشكال، كتجويز تأخير الصلاة مع إدراك ثلاث ركعات منها مثلًا إلىٰ بقاء الوقت بمقدار إدراك ركعة.

و ينبغي التنبيه علىٰ أُمور:
اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 95

الأمر الأوّل في المراد من الخوف المأخوذ في الأدلّة

هل «الخوف» المأخوذ في الأدلّة هو مطلق الخوف، أو ما يكون حاصلًا من منشأ مَخُوف عرفاً؟

فإنّ الخوف الوجداني قد يحصل من منشأ مخوف، كالخوف الحاصل من مفازة تكون في معرض السباع و اللصوص و لو باحتمال عقلائيّ، أو من قلّة الماء في مفازة قفر، و كخوف فوت الوقت الحاصل من ضيقه .. و هكذا، و قد يحصل من اعتقاد باطل، كما لو اعتقد كونه في مفازة كذائية مع كونه في محلّ أمن كثير الماء، أو اعتقد ضيق الوقت مع كونه في سعته .. و هكذا.

مقتضى الأدلّة هو الثاني:

أمّا غير دليل الحرج، فلأنّ ما في الباب من الأخبار ظاهرة فيه أو منصرفة إليه،

ففي صحيحة داود الرقّي بناءً علىٰ وثاقته «1»، كما لا يبعد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أكون في السفر فتحضر الصلاة، و ليس معي ماء، و يقال: إنّ الماء قريب منّا، أ فأطلب الماء و أنا في وقت يميناً و شمالًا؟ قال: «لا تطلب الماء، و لكن

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 60، الهامش 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 96

تيمّم؛ فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك، فتضلّ و يأكلك السبع» «1».

و

في رواية يعقوب، عنه (عليه السّلام) بعد فرض كون الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين قال: «لا آمره أن يغرّر بنفسه، فيعرض له لصّ أو سَبُع» «2».

و الظاهر منهما أنّ في المحلّ المخوف الذي يكون معرضاً للخطر و يخاف منه على النفس يتيمّم، و أمّا المحلّ الآمن الذي لا يكون معرضاً لذلك، لكن حصل الخوف لخطأ في الاعتقاد، فغير مشمول لهما، خصوصاً أنّ المارّة

في تلك الأزمنة و الأمكنة، كانوا يمرّون علىٰ مفاوز مخوفة للنفوس غالباً.

و

في صحيحتي ابن أبي نصر و ابن سِرحان عن الرضا و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام): في الرجل تصيبه الجنابة، و به جروح أو قروح، أو يخاف علىٰ نفسه من البرد، فقال: «لا يغتسل، و يتيمّم» «3».

و الظاهر منهما الخوف من البرد المحقّق، لا من تخيّله، فكأنه قال: «إذا كان الهواء بارداً فخاف علىٰ نفسه ..» و لا ريب في عدم شمولهما لمن خاف علىٰ نفسه من تخيّل البرد مع كون الهواء حارّاً.

و

في رواية زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: قلت: رجل دخل الأجَمة ليس فيها ماء، و فيها طين، ما يصنع؟ قال: «يتيمّم، فإنّه الصعيد».

قلت: فإنّه راكب لا يمكنه النزول من خوف، و ليس هو علىٰ وضوء؟ قال

______________________________

(1) الكافي 3: 64/ 6، تهذيب الأحكام 1: 185/ 536، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 65/ 8، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 185/ 531، و: 196/ 566، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 7 و 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 97

«إن خاف علىٰ نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت فليتيمّم؛ يضرب بيده على اللِّبْد أو البَرْذَعة، و يتيمّم و يصلّي» «1».

و هي أيضاً ظاهرة فيما ذكرناه، خصوصاً إذا كانت «الأجَمة» بمعنى محلّ الأسد، كما في «المنجد» «2» و علىٰ أيّ تقدير لا تشمل الخوف من اعتقاد باطل.

و كذا الكلام في روايات خوف العطش «3»، فإنّها أيضاً ظاهرة في أنّ المحلّ، كان بحيث

يخاف فيه من قلّة الماء أو من العطش.

و كذا

في صحيحة زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلِّ في آخر الوقت ..» «4» إلىٰ آخره؛

لأنّ الظاهر منها الخوف الحاصل من ضيق الوقت، كما هو واضح.

و أمّا دليل نفي الحرج «5»، فقد يمكن أن يقال بصدقه فيما إذا خاف علىٰ نفسه من أيّ منشأ كان، فيكون التكليف بالوضوء حرجياً على المكلّف المعتقد و لو خطأً معرضيّة المحلّ للخطر.

لكنّه أيضاً مشكل؛ لأنّ الظاهر الأوّلي من دليل نفي الحرج، عدم جعل الحرج في الدين؛ أي الأحكام المجعولة فيه، و غاية ما يمكن الاستفادة منه

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 190/ 547، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 5.

(2) المنجد: 4.

(3) تقدّم في الصفحة 76 77.

(4) الكافي 3: 63/ 2، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.

(5) المائدة (5): 6، الحجّ (22): 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 98

بالتقريب المتقدّم في ذيل آية التيمّم «3» أنّ ما يلزم منه الحرج و المشقّة سواء كان في مقدّماته، كتحصيل الماء للوضوء، أو ما يترتّب عليه، كأن لزم من التكليف به عطش في المستقبل فهو أيضاً غير مجعول، و أمّا الحرج الحاصل من تخيّل باطل أو تخيّل الحرج، كما لو تخيّل المرض مع عدمه، أو البرد في مكان حارّ، فليس مشمولًا للأدلّة؛ لعدم الحرج في الدين و لا من قبله واقعاً. و لا يمكن إلغاء الخصوصيّة بالنسبة إلىٰ ما يلزم من اعتقاد باطل.

و من هنا يمكن دعوى الفرق بين ما إذا شكّ

في ضيق الوقت و سعته، و بين ما إذا علم ضيقه و شكّ في كفايته لتحصيل المائية: بالبناء علىٰ بقاء الوقت في الأوّل للاستصحاب دون الثاني، لا لما قيل: «من صدق خوف الفوت في الثاني دون الأوّل» «4» ضرورة تحقّق خوفه في الصورتين؛ لأنّ احتمال الضيق موجب له وجداناً، بل لأنّ الموضوع في الدليل هو الخوف الناشئ من ضيق، و في الصورة الاولىٰ يكون الخوف من احتماله لا من نفسه، فيجري الاستصحاب بلا دليل حاكم عليه، بخلاف الثانية؛ للدليل الحاكم.

إلّا أن يقال: إنّ المتفاهم من صحيحة زرارة أنّ الأمر بالتيمّم عند خوف الفوت، إنّما هو لترجيح إدراك الوقت على الإدراك مع المائية، فأهمّية الوقت أوجبت الأمر بالتيمّم مع خوف فوته، و هو حاصل في الصورة الأُولىٰ أيضاً، فالشارع أسقط الاستصحاب في المقام لأجل أهمّية الوقت، و اعتنى بخوف فوته لذلك، فمع الدوران بين احتمال فوت الوقت و فوت الطهارة المائية، يلاحظ حال الأهمّ، فيحكم العقل بالتيمّم، و أسقط الشارع الأصل لذلك، فلا فرق حينئذٍ بين الفرعين في لزوم التيمّم.

______________________________

(3) تقدّم في الصفحة 27.

(4) العروة الوثقىٰ 1: 480، المسألة 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 99

الأمر الثاني هل «الخوف» المأخوذ في موضوع الأدلّة علىٰ نسقٍ واحد؟

بمعنى أنّ الموضوع لتشريع التيمّم في جميع الموارد هو الخوف، أو الموضوع في جميعها هو الواقع الذي خاف منه، فإذا تيمّم من خوف العطش و لو في محلّ مخوف، ثمّ تبيّن عدم حصول العطش علىٰ فرض استعمال الماء، بطل على الثاني، دون الأوّل، و كذا في سائر موارد الخوف، أو يفصّل بين المقامات؟

التحقيق هو التفصيل، فإنّ الظاهر من الأدلّة غير دليل ضيق الوقت أنّ صِرف معرضيته للخطر الموجبة للخوف، موضوع لتشريع التيمّم و رفع الوضوء،

فقوله في

صحيحة ابن سِنان: «إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة، و ليتيمّم بالصعيد؛ فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» «1»

ظاهر في أنّ مجرّد خوف العطش يوجب محبوبية الصعيد.

و قوله

في موثّقة سماعة بعد فرض خوف قلّة الماء-: «يتيمّم بالصعيد، و يستبقي الماء؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «2»

و

قوله في رواية ابن أبي يعفور بعد فرض انحصار الماء بمقدار شربه-: «يتيمّم أفضل؛ أ لا ترى أنّه إنّما جعل عليه نصف الطهور» «3»

ظاهران في مشروعية

______________________________

(1) الكافي 3: 65/ 1، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1267، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1274، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 65/ 2، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 100

التيمّم، و أنّه أحد الطهورين، و أنّ عليه نصف الطهور في هذا الحال، و كذا الحال في سائر الموارد.

و بالجملة: الظاهر من تلك الموارد أنّ الشارع لاحظ حال المكلّف؛ لئلّا يقع في معرض الخطر، و هذه المعرضية أوجبت رفع الوضوء و تشريع التيمّم. بل الظاهر أنّ في تلك الموارد، إنّما رفع الوضوء لنكتة رفع الحرج عن المكلّف، و لا شبهة في أنّ الإلزام بالإقدام علىٰ ما هو معرض الخطر حرج عليه، ففي تلك الموارد إذا تيمّم و صلّى صحّت صلاته، و لا إعادة عليه، و لو انكشف عدم اللص و عدم إضرار الماء .. و هكذا.

و أمّا صورة خوف فوت الوقت، فالظاهر أنّه ليس علىٰ مساق سائر الموارد، بل الشارع لاحظ فيه حفظ التكليف

الأهمّ لدى الدوران بينه و بين المهمّ، فأمر بالتيمّم لا لأجل صيرورة خوف الفوت موجباً لإسقاط المائية و محبوبية الترابية، بل لأجل الاعتناء باحتمال فوت الأهمّ في قبال المهمّ.

بل يمكن أن يقال بعدم تشريع التيمّم في هذا الحال،

فقوله: «إذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم» «1»

إرشاد إلىٰ أهمّية الوقت، و أنّه مع الدوران بين احتمال فوت الوقت و فوت الطهارة المائية، توجب أهمّية الوقت تقديمه؛ من غير تشريع للتيمّم في هذا الحال، و معه لا وجه للإجزاء، فلو صلّىٰ ثمّ تبيّن سعة الوقت لإعادتها مع المائية تجب الإعادة، و كذا لو تبيّن صلوح الوقت للمائية، و لو فات بواسطة الصلاة مع الترابية يجب عليه القضاء، كلّ ذلك لما تقدّم من عدم استفادة التشريع من الرواية.

بل لا معنىٰ للتشريع بعد حكومة العقل بتقديم الأهمّ؛ و تقديم احتمال فوت

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 97.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 101

الأهمّ على احتمال فوت المهمّ. بل يكفي في عدم الإجزاء احتمال ما ذكرناه؛ لأنّ الإجزاء متقوّم بالتشريع، و مع عدم إحرازه يحكم بالإعادة و القضاء؛ و إن كان في الحكم بالقضاء إشكال يحتاج إلىٰ بسط في المقال و تأمل في المسألة.

الأمر الثالث أنّ المستفاد من أدلّة الحرج سقوط المائية علىٰ نحو العزيمة
اشارة

قد اشتهر بينهم حتّى صار كالأُصول المسلّمة: «أنّ أدلّة الحرج لمكان ورودها في مقام الامتنان و بيان توسعة الدين، لا تدلّ إلّا علىٰ نفي الوجوب، و لا يستفاد منها عدم الجواز» «1» فالتيمّم فيما نحن فيه إذا ثبت تشريعه بدليل نفي الحرج، رخصة لا عزيمة، فلو تحمّل المكلّف المشقّة الرافعة للتكليف، و توضّأ و اغتسل، لم يرتكب محذوراً، و صحّت طهارته، و لا توجب حكومةُ أدلّة الحرج على الأدلّة الأوّلية و تخصيصُها بغير مورد

الحرج، بطلانَ العبادة و لو قلنا بعدم بقاء الجواز؛ لأنّ غاية ذلك عدم بقاء الحكم الشرعي علىٰ جواز المائية؛ لكن لا يقتضي ذلك رفع مقتضي الطلب و محبوبية الفعل، و هو يكفي في صحّة العبادة، كما قُرّر في مبحث الضدّ «2».

فهاهنا مقامان من البحث:

أحدهما: أنّ المستفاد من الأدلّة هل هو السقوط علىٰ نحو العزيمة، أو الرخصة؟

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 463/ السطر 7، العروة الوثقىٰ 1: 473، المسألة 18، مستمسك العروة الوثقىٰ 4: 331.

(2) مناهج الوصول 2: 21، تهذيب الأُصول 1: 300.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 102

و ثانيهما: أنّه لو خالف و أتى بما فيه الحرج بطلت عبادته أولا؟ و لا ملازمة بينهما، كما سيأتي في الأمر الرابع البحث عنه و عن المقام الثاني «1».

أمّا المقام الأوّل: فغاية ما يدّعىٰ عدم دلالة قوله مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» علىٰ كون الرفع علىٰ وجه العزيمة، و أمّا الدلالة علىٰ كونه علىٰ وجه الرخصة فلا، فلو دلّ دليل علىٰ كونه علىٰ وجه العزيمة لا يعارضه ذلك.

و يمكن استفادة العزيمة من قوله تعالىٰ: وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «3».

فإنّ اللّٰه تعالىٰ إذا أراد بنا اليُسر في أحكامه، لا يجوز علينا مخالفة إرادته بإيقاع العُسر علىٰ أنفسنا، فكما أنّه لو أراد منّا شيئاً لا يجوز لنا التخلّف عن إرادته تعالىٰ، كذلك لو أراد في حقّنا شيئاً لا يجوز التخلّف عنها، خصوصاً مع وقوعه في ذيل قوله وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ حيث يكون الصوم على المسافر بل المريض الذي يضرّ به الصوم حراماً، و

يكون السقوط عنهما علىٰ سبيل العزيمة.

فدلّت الآية علىٰ أنّ إرادته تعالى اليسر في سائر الموارد التي تشملها بالإطلاق، كإرادته في صيام المسافر و المريض، و التفكيك بينهما غير جائز إلّا مع قيام دليل في مورد؛ فإنّ قوله يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ كالتعليل لرفع الصوم عن المسافر و المريض، و لا يصحّ التعليل بشي ء ظاهر في عدم الإلزام علىٰ أمر إلزامي، فلا يمكن أن يقال: إلزامية الإرادة فيهما تفهم من الخارج.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 112.

(2) الحجّ (22): 78.

(3) البقرة (2): 185.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 103

فإن قلت: يستفاد عدم الجواز في المريض و المسافر من قوله فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ فأوجب تعالىٰ بمجرّد السفر و المرض عدّةً من غير أيّام شهر رمضان.

قلت: مضافاً إلىٰ أنّ مجرّد جعل عدّة أُخر، لا يدلّ علىٰ حرمة صوم شهر رمضان إنّه لو دلّ عليه يوجب تأكّد المطلوب بأنّ إرادة اليُسر إلزامية؛ و أنّها في سائر الموارد كإرادته في الموردين.

و تدلّ على العزيمة أيضاً

رواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر».

ثمّ قال: «إنّ رجلًا أتى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: يا رسول اللّٰه، أصوم شهر رمضان في السفر؟ فقال: لا، فقال: يا رسول اللّٰه، إنّه عليّ يسير، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ اللّٰه تصدّق علىٰ مرضىٰ أُمّتي و مسافريها بالإفطار في شهر رمضان، أ يحبّ أحدكم لو تصدّق بصدقة أن تردّ عليه صدقته؟!» «1».

لأنّ استشهاد أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فيها لقوله: «الصائم في السفر ..» إلىٰ آخره، بقول رسول اللّٰه

(صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دليل علىٰ أنّ ردّ صدقته تعالىٰ غير جائز، و إلّا لما صحّ الاستشهاد للقول بالحرمة بأمر لا يكون محرّماً، مع أن ردّ الصدقة مبغوض و ثقيل على النفوس الشريفة، فيكون قوله: «أ يحبّ أحدكم ..» إلىٰ آخره، تقريباً لمبغوضيته عند اللّٰه بما هو مبغوض عندهم.

و ليس المراد من قوله: «أ يحبّ أحدكم» رفع محبوبيته الأعمّ من المبغوضية، بل الظاهر من مثله حصول المبغوضية، كقوله تعالىٰ أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً «2».

______________________________

(1) الكافي 4: 127/ 3، الفقيه 2: 90/ 403، تهذيب الأحكام 4: 217/ 630، وسائل الشيعة 10: 175، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 5.

(2) الحجرات (49): 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 104

فتدلّ الرواية علىٰ أنّ ردّ صدقته تعالىٰ و هديّته مبغوض محرّم.

و لا شبهة في أنّ الرفع بدليل نفي الحرج، صدقة من اللّٰه تعالىٰ و تفضّل على الأُمّة و هدية منه تعالىٰ لهم، كما هو مقتضى الامتنان، و يدلّ عليه بعض الروايات،

ففي موثّقة السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليه السّلام) قال: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ اللّٰه عزّ و جلّ أهدىٰ إليّ و إلى أُمّتي هديّة لا يهديها إلىٰ أحد من الأُمم؛ كرامةً من اللّٰه لنا، فقالوا: ما ذاك يا رسول اللّٰه؟ قال: الإفطار في السفر، و التقصير في الصلاة، فمن لم يفعل فقد ردّ على اللّٰه عزّ و جلّ هديته» «1»

دلالة علىٰ أنّ وجه حرمة الصوم في السفر و إتمام الصلاة؛ هو كونه ردّ هدية اللّٰه تعالىٰ.

و يؤيّد المطلوب

ما عن «تفسير العيّاشي» عن عمرو بن مروان

الخزّاز قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): رُفعت عن أُمّتي أربع خصال: ما اضطُرّوا إليه، و ما نَسُوا، و ما اكرهوا عليه، و ما لم يُطيقوا، و ذلك في كتاب اللّٰه قوله رَبَّنٰا لٰا تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ «2» و قولُ اللّٰه إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «3»» «4».

حيث ذكر الآية المربوطة بالتقية في سياق حديث الرفع، مع أنّ التقية

______________________________

(1) الخصال: 12/ 43، وسائل الشيعة 8: 520، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 22، الحديث 11.

(2) البقرة (2): 286.

(3) النحل (16): 106.

(4) تفسير العيّاشي 1: 160/ 534، وسائل الشيعة 16: 218، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 105

واجبة ليس للمكلّف تركها، كما قرّرناه في رسالة مفردة في التقية «1»، فتشعر الرواية بأنّ الرفع عن الأُمّة في موارده علىٰ نحو العزيمة.

كما تشعر به ما عن الطبرسي في «الاحتجاج» عن الكاظم (عليه السّلام) «2» و الرواية طويلة جدّاً، و فيها عدُّ عدّة موارد رُفعت الآصار عن الأُمّة بدعاء رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و هو قوله رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا:

منها: رفع قرض أذى النجاسة من أجسادهم، و جعل الماء طهوراً للأُمّة.

و منها: رفع الصلوات المفروضة علىٰ سائر الأُمم في ظلم الليل و أنصاف النهار، و جعلها في أطراف الليل و النهار و في أوقات نشاطهم.

و منها: رفع

خمسين صلاة، و جعل الخمس في أوقات خمسة.

فيستشعر أنّ ما رفع عن الأُمّة من التكاليف مثل تلك الموارد، ليس لهم التكلّف بإتيانها.

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ ثبوت الترابية و سقوط المائية إنّما هو علىٰ وجه العزيمة، و ليس للعبد اختيار المائية؛ إمّا لأجل إرادة اللّٰه التوسيع على العباد، و إمّا لأجل انطباق عنوان ردّ الهدية على الإتيان بها، و إمّا لأجل حرمة الردّ، لا حرمة المائية، لكن لأجل اتحادهما في الخارج يتعيّن عليه الترابية. و سيأتي في الأمر الآتي الفارق بين الاحتمالات و ما هو الأظهر بينها «3».

ثمّ من المحتمل أن يكون رفع الحرج عن العباد و إرادة التوسيع عليهم، لا لصِرف الامتنان عليهم حتّى يقال: «إنّه لا يقتضي الإلزام، أو لا يناسبه» بل

______________________________

(1) التقيّة، ضمن الرسائل العشرة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 33.

(2) الاحتجاج 1: 497/ 127.

(3) يأتي في الصفحة 125 130.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 106

لأنّه تعالىٰ لا يرضى بوقوع عباده في المشقّة و الحرج، كالأب الشفيق الذي لا يرضى بوقوع ابنه المحبوب في الحرج و لو باختياره، فيمنعه إشفاقاً عليه.

و يحتمل أن يكون رفع الحرج في عباداته و من قبله؛ لعدم رضائه بوقوع العبيد في المشقّة من ناحيتها؛ لكونه مظنّة لانزجارهم عنها، فينتهي إلىٰ إدبار نفوسهم عن عبادة اللّٰه و دينه، و هو أمر مرغوب عنه،

ففي رواية عمرو بن جميع قال: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): يا عليّ، إنّ هذا الدين متين، فأوغل فيه بالرفق، و لا تبغّض إلىٰ نفسك عبادة ربّك؛ إنّ المُنبتَّ يعني المفرط لا ظهراً أبقى، و لا أرضاً قطع» «1».

و

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) بسند صحيح

قال: «لا تُكرهوا إلىٰ أنفسكم العبادة» «2».

و لا يبعد عدم جواز ذلك إذا كانت مخافة الوقوع في الانزجار من دين اللّٰه، و العياذ باللّٰه.

و أمّا ما ورد عن بعض الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) من إيقاع المشقّة علىٰ نفوسهم الشريفة «3»؛ فلأنّهم مأمونون من خطوات الشيطان و خطراته، و أمّا سائر الناس فأنّىٰ لهم بالعلم أو الاطمئنان بالأمن من كيده و وسوسته؟! بل لنفوسهم الشريفة مقامات من الحبّ لعبادة اللّٰه و الاشتياق إلىٰ لقاء اللّٰه، ربّما لا يكون ما هو شاقّ علىٰ سائر النفوس مشقّة عليهم، بل لهم لذّات في عباداتهم و رياضاتهم، كما

______________________________

(1) الكافي 2: 87/ 6، وسائل الشيعة 1: 110، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 26، الحديث 7.

(2) الكافي 2: 86/ 2، وسائل الشيعة 1: 108، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 26، الحديث 2.

(3) بحار الأنوار 41: 11 24، و 48: 100 101 و 107.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 107

هو معلوم، رزقنا اللّٰه تعالى الاقتداء بهم. و قد خرج الكلام من طرز البحث الفقهي إلىٰ وادٍ يتحيّر فيه العقول.

مع أنّ ما ورد من تحمّل المشاقّ منهم إنّما هو في المستحبّات دون الواجبات، و ما ورد في غسل أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في ليلة باردة «1» قد مرّ الكلام فيه «2»، و في المستحبّات كلام آخر، و لا يبعد عدم شمول أدلّة الحرج لها؛ لعدم حرجية الأمر الاستحبابي، تأمّل. هذا كلّه في مورد الحرج.

ميزان سقوط المائية علىٰ نحو العزيمة في غير مورد الحرج

و أمّا سائر الموارد، فالميزان في كون التيمّم متعيّناً و سقوطِ المائية علىٰ وجه العزيمة، هو لزوم محذور شرعيّ من الوضوء و الغسل و لو لم يلزم منه حرمتهما، كما لو كان

في التوصّل إلى الماء خوف التلف، كما إذا خاف من السبع أو السقوط في البئر فيتلف، أو خاف من استعمال الماء العطشَ المهلك، أو خاف الهلكة من البرد أو المرض أو غير ذلك، أو لزم منه ارتكاب محرّم، كالوضوء من آنية الذهب أو الفضّة، أو المرور من طريق مغصوب، أو ترك واجب، كإنقاذ نفس محترمة، أو لزم منه فوت الوقت .. إلىٰ غير ذلك.

و لا إشكال فيما إذا أُحرز المحذور الشرعي، نعم في بعض موارد الضرر على النفس كلزوم طول المرض، أو حدوث مرض غير مهلك، أو الضرر على الجرح و القرح، أو لزوم طول زمان البُرء، أو لزوم ضرر غير مهلك على النفس في طيّ الطريق إلى الماء، أو خوفه في الموارد التي قد يتردّد في قيام الدليل على الحرمة هل يمكن استفادة تعيّن التيمّم و كون سقوط المائية عزيمة من أدلّة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 66 67.

(2) تقدّم في الصفحة 67 71.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 108

الباب أو لا؟ لا يبعد ذلك من مجموع الروايات:

فإنّ طائفة منها وردت فيما كان الغسل ضرريّاً،

كصحيحة محمّد بن سكين، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قيل له: إنّ فلاناً أصابته جنابة و هو مجدور، فغسلوه فمات، فقال: «قتلوه، ألا سألوا، ألا يمّموه؟! إنّ شفاء العيّ السؤال» «1».

و قريب منها مرسلة ابن أبي عمير «2»

و رواية الجعفري، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ذُكر له أنّ رجلًا أصابته جنابة علىٰ جرح كان به، فأُمر بالغُسل، فاغتسل فكُزّ فمات، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): قتلوه قتلهم اللّٰه، إنّما

كان دواء العيّ السؤال» «3».

و إطلاق هذه الروايات يقتضي شمولها لما إذا خاف علىٰ نفسه التلف أو لا. بل لا يبعد خروج خوف التلف منها، فإنّ أحداً من العقلاء لا يرتكب الاغتسال أو الأمر به عند خوف تلف النفس، فيكون خوفه مفروض العدم، فتدلّ الروايات باشتمالها على اللوم الشديد، و الدعاء على الآمر بالغسل، و أنّه إذا سألوا لكان الجواب تعيّن التيمّم علىٰ كون السقوط عزيمة لا رخصة، و إلّا لما توجّه التقصير إليهم بعد كونه رخصة و الغسل جائزاً.

و قوله: «قتلوه» لا يدلّ علىٰ أنّهم تعمّدوا في قتله، أو كان في مَعرض الموت، بل تصحّ النسبة بوجه؛ لأجل انتهاء أمر الآمر إلىٰ موته و لو لم يكن

______________________________

(1) الكافي 3: 68/ 5، وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 1.

(2) الكافي 1: 40/ 1، وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 68/ 4، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 109

المفروض خوف الموت. بل الظاهر منها أنّ التعيير و اللوم على الآمر بما هو خلاف حكم الشرع، أو العمل علىٰ خلاف التكليف؛ من غير دخالة للانتهاء إلى الموت في ذلك.

و بالجملة: بعد إطلاق الروايات لصورة عدم الخوف من الهلاك، يستفاد منها تعيّن التيمّم في مطلق الخوف على النفس؛ من غير فرق بين الجُدَري و الجرح و غيرهما، كما لا يخفى.

و مثلها في الدلالة أو أدلّ منها

صحيحة ابن أبي نصر، عن الرضا (عليه السّلام): في الرجل تُصيبه الجنابة، و به قروح أو جروح، أو يخاف علىٰ نفسه من البرد،

فقال: «لا يغتسل و يتيمّم» «1».

و مثلها صحيحة داود بن سِرحان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2».

و الخوف على النفس من البرد إمّا ظاهر في خوف التلف، أو أعمّ منه، فشموله له هو القدر المتيقّن.

فحينئذٍ لا يمكن حمل النهي عن الاغتسال و الأمر بالتيمّم علىٰ رفع الوجوب و الترخيص؛ بدعوىٰ أنّ النهيَ في مقام توهّم الوجوب و الأمرَ في مقام توهّم الحظر؛ ضرورة أنّه مع الخوف على النفس من الهلاك لا يمكن الترخيص و تجويز الإلقاء في الهلكة، فلا أقلّ من كون المقام في نظر السائل من قبيل الدوران بين المحذورين؛ لأجل خوف الضرر و التلف، فلا يُرفع اليد معه عن ظاهر النهي و الأمر، فحينئذٍ يقتضي ذكر القروح و الجروح مع الخوف على النفس،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 196/ 566، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 185/ 531، وسائل الشيعة 3: 348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 110

أن يكون الأمر بالتيمّم و النهي عن الغسل في جميعها علىٰ نسق واحد؛ و هو العزيمة.

و أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يُجنب، قال: «لا بأس بأن لا يغتسل؛ يتيمّم» «1»

و قريب منها روايته الأُخرىٰ «2» و الظاهر وحدتهما فلا تقاوم الروايات المتقدّمة؛ فإنّ غاية ما في نفي البأس الإشعار بالترخيص، لا الدلالة عليه، فنفي البأس إنّما هو لرفع توهّم عدم جواز ترك الغسل، فهو نصّ في جواز ترك الغسل، و أمّا لزوم التيمّم و كونه علىٰ وجه العزيمة أو كونه علىٰ وجه الرخصة،

فلا تعرّض فيها له، لو لم نقل بظهورها في العزيمة أخذاً بقوله: «يتيمّم» فلا يجوز رفع اليد عن ظاهر الأدلّة به.

مع أنّ كثيراً ما يعبّر بمثله في مورد لزوم فعله، كما في روايات التيمّم بالطين إذا لم يجد غيره،

كقول أبي جعفر (عليه السّلام): «إذا كنت في حال لا تجد إلّا الطين فلا بأس أن تتيمّم به» «3»

مع لزومه عند عدم وجدان غيره.

ثمّ إنّ هذه الطائفة و إن وردت في الغسل، لكن يستفاد منها حكم الوضوء بلا ريب؛ فإنّ الأمر بالتيمّم إنّما هو لخوف الضرر الأعمّ من الهلاك، فإذا خاف علىٰ نفسه في الوضوء كخوفه في الغسل يتعيّن التيمّم، و يستفيد العرف من

______________________________

(1) الكافي 3: 68/ 1، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 5.

(2) الفقيه 1: 58/ 216، وسائل الشيعة 3: 348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 11.

(3) الإستبصار 1: 156/ 538، وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 111

الروايات حكمه، و لعلّ ذكر الغسل لأجل كون الخوف غالباً فيه.

و هنا طائفة أُخرى من الروايات، و هي ما وردت في مورد خوف العطش،

كموثّقة سَماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون معه الماء في السفر، فيخاف قلّته، قال: «يتيمّم بالصعيد و يستبقي الماء؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «1».

و ما

عن الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الجنب يكون معه الماء القليل، فإن هو اغتسل به خاف العطش، أ يغتسل به، أو يتيمّم؟ فقال: «بل يتيمّم، و كذلك إذا أراد الوضوء» «2».

و خوف القلّة

و العطش أعمّ من خوف الهلاك علىٰ نفس محترمة و غيره، و لا يكون الخوف من الهلاك في تلك الأسفار و تلك الأمكنة في تلك الأعصار بعيداً قليلًا، فحينئذٍ تدلّ الروايتان علىٰ تعيّن التيمّم و وجوب استبقاء الماء.

و أمّا

صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إن خاف عطشاً فلا يُهريق منه قطرة، و ليتيمّم بالصعيد؛ فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» «3»،

و

رواية ابن أبي يعفور، عنه (عليه السّلام) فيما إذا كان الماء بقدر شربه قال: «يتيمّم أفضل؛ أ لا ترى إنّما جعل عليه نصف الطهور؟!» «4»

فلا يراد بأفعل التفضيل إثبات الجواز

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1274، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 406/ 1275، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 2.

(3) الكافي 3: 65/ 1، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1267، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 1.

(4) الكافي 3: 65/ 2، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 112

و المحبوبية لإهراق الماء، فإنّه مضافاً إلىٰ أنّ خوف العطش أعمّ من خوف التلف، و في فرضه لا يمكن تجويز الإهراق بل في فرض حصول الحرج أيضاً، لا يكون الإيقاع في الحرج بإهراقه محبوباً، كما عرفت أنّ قوله (عليه السّلام): «لا يهريق منه قطرة» لا يناسب إثبات الفضل لإهراق جميعه بالاغتسال.

كما أنّ قوله في الثانية: «أ لا ترى إنّما جعل عليه نصف الطهور!» المراد منه التيمّم الظاهر في حصر جعل التيمّم عليه لا يناسب كونه أفضل فردي التخيير.

ثمّ إنّه لا يبعد استفادة حرمة إيقاع الضرر على النفس من مجموع الروايات في موارد متفرّقة، كأبواب الصوم الضرري و الوضوء و الغسل و التيمّم و غيرها.

الأمر الرابع في صحّة الطهارة المائية عند تعيّن التيمّم
اشارة

هل يصحّ الوضوء أو الغسل في موارد تعيّن عليه التيمّم؟ لا بدّ من البحث أوّلًا علىٰ مقتضى القواعد، ثمّ النظر في مقتضى الأدلّة الخاصّة.

بيان مقتضى القواعد في المقام
اشارة

فنقول: لا إشكال في صحّتهما إذا كان التعيّن لأجل توقّفهما علىٰ مقدّمة محرّمة، كطيّ طريق مغصوب أو مخوف، فلو عصىٰ و أتى الماءَ تجب عليه المائية و تصحّ.

و أمّا إذا كان المحرّم من العناوين المتّحدة مع فعلهما، فقد يقال بالبطلان بدعوىٰ: «أنّ الفعل الخارجي الذي تعلّق به النهي و صحّ العقاب عليه، لا يعقل أن يقع عبادة؛ لتوقّفها على الأمر الممتنع تعلّقه بالمنهي عنه؛ لتعذّر الامتثال، و لكون

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 113

النهي ناشئاً عن قُبح الفعل بلحاظ مفسدته الملزمة القاهرة المقبّحة له، فيقبح الأمر بإيجاده» «1».

و فيه: أنّ هذه الدعوىٰ تنحلّ إلىٰ دعويين:

إحداهما: امتناع تعلّق الأمر و النهي بالفعل الخارجي؛ إمّا لأجل الامتناع الذاتي للتضادّ بينهما، أو العرضي لأجل تعذّر الامتثال.

و فيها: أنّه قد فرغنا من جواز اجتماع الأمر و النهي، و قلنا: بأنّ الأوامر و النواهي متعلّقة بالطبائع، لا المصاديق الخارجيّة، بل و لا الوجودات العنوانيّة، فموضوع تعلّق كلٍّ غير الآخر في وعاء تعلّقهما، و ظرف اتحاد المتعلّقين هو الخارج، و لا يمكن أن يكون ظرفَ تعلّقهما؛ للزوم طلب الحاصل و الزجر عنه، و هو محال «2».

فقوله: «الفعل الخارجي الذي تعلّق به النهي» إن كان المراد ظاهره فهو كما ترى؛ فإنّ الفعل لا يصير خارجيّاً إلّا بتحقّقه و وجوده، و بعده لا يمكن تعلّق الأمر و النهي به.

و إن كان المراد الوجود العنواني كما لا يبعد، فمع كونه خلاف التحقيق لا يلزم منه الامتناع؛ لأنّ الوجود العنواني للمنهي عنه لا يتحد مع الوجود

العنواني للمأمور به، و إنّما اتحدا في المصداق الخارجي.

و الحاصل: أنّ هاهنا أُموراً: الأوّل: ماهية الوضوء و الغسل و طبيعتهما، و ماهية الغصب و التصرّف في مال الغير.

الثاني: الوجود العنواني للقبيلتين.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 463/ السطر 32.

(2) مناهج الوصول 2: 128 135، تهذيب الأُصول 1: 391.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 114

و الثالث: الإيجاد العنواني لهما.

و الرابع: الوجود الخارجي العيني، أو الإيجاد الخارجي.

لا إشكال في عدم لزوم الامتناع للتضادّ إذا تعلّق الأمر و النهي بالماهيات و الطبائع كما هو الحقّ المحقّق في محلّه مع دفع ما يتخيّل من الإشكال فيه «1» لاختلافهما ذاتاً.

و كذا لو تعلّقا بالوجود العنواني أو الإيجاد كذلك؛ لأنّهما مفهوم الوجود و الإيجاد المضاف الحاكي عن المعنون، و المفهومان مختلفان متغايران في وعاء المفهوميّة لا اتحاد بينهما. هذا مضافاً إلىٰ أنّ تعلّقهما بهما خلاف التحقيق.

فلا يبقى إلّا الوجود و الإيجاد؛ أي الخارجيان المتحدان، و المتحد معهما كلّ العناوين الصادقة عليهما، و لا ريب في امتناع تعلّقهما بهما.

لا يقال: إنّ الوجودات العنوانيّة بل نفس الطبائع إنّما تصير متعلّقة للأمر و النهي حال كونها مرآةً للخارج؛ لعدم تعقّل تعلّقهما بالوجود الذهني بما هو كذلك، و لا بالماهيّة من حيث هي، فإنّها ليست إلّا هي، فمع المرآتية لا يمكن اجتماعهما؛ للتضادّ أو لرؤيته «2».

فإنّه يقال: مضافاً إلى امتناع تعلّقهما بالعناوين المرآتية إن أُريد تعلّقهما بالمرئي دون المرآة؛ لعين ما ذكر آنفاً إن كان للمرئي وجود و حقيقة، و إلّا فلا محالة يتعلّق بعنوان لا وعاء له إلّا الذهن، و في هذا الوعاء لا يتحدان واقعاً و لا في نظر المولى حتّى يلزم منه محذور إنّ العناوين المرآتيّة لا يمكن أن تحكي

إلّا عن نفس الطبائع بوجودها الخارجي، لا عن مقارناتها و متّحداتها. فعنوان «الصلاة» لا يمكنه الحكاية عن الغصب أو الصلاة في الدار المغصوبة؛ لعدم

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 65، تهذيب الأُصول 1: 343.

(2) نهاية الأفكار 1: 380 381.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 115

التناسب الحقيقي و لا الجعلي بينهما، و لا يمكن أن يكون المرئي مغايراً ذاتاً لمرآته و المحكي لحاكيه.

و التحقيق: أنّ متعلّقهما هو نفس الطبائع و الماهيات من حيث هي، و الهيئة دالّة وضعاً أو عقلًا على الإيجاد لتحصيل المكلّف الوجودَ الخارجي، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «1».

و ممّا ذكرنا يظهر: بطلان دعوى الامتناع عرضاً لتعذّر الامتثال؛ ضرورة إمكانه بعد كون الطبائع مأموراً بها و منهياً عنها، و سيأتي ما في توهّم تعذّره عن قريب.

و الدعوى الثانية: أنّه يقبح الأمر بإيجاد ما هو القبيح، فإنّ النهي ناشئ عن قبح الفعل بلحاظ مفسدته، فالفعل قبيح، و لا يمكن أن يتعلّق الأمر بما هو قبيح.

و فيها: أنّ الأمر متعلّق بطبيعة المأمور به، و هي حسنة، و لا يتعلّق بالغصب و لا بالوجود الخارجي المتّحد معه حتّى يكون قبيحاً، و لا يمكن أن يتعدّىٰ كلّ من الأمر و النهي عن متعلّقهما إلىٰ مقارناته و متّحداته، فالأمر بالوضوء ليس إلّا أمراً بهذه الطبيعة، و هي ليست بمنهي عنها، و لا مشتملة علىٰ مفسدة حتّى يكون التعلّق بها قبيحاً.

و الظاهر أنّ الدعويين نشأتا من مبدأ واحد؛ هو الخلط بين متعلّقات الأوامر و النواهي.

و قد تقرّر الدعوىٰ: «بأنّ إيجاد الفرد الخارجي يعرضه صفة الحسن أو القبح باعتبار جهته القاهرة، فلا يكون ما يوجده المكلّف من حيث صدوره منه-

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 65 69، تهذيب الأُصول

1: 342.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 116

إلّا حسناً أو قبيحاً علىٰ سبيل منع الجمع؛ لامتناع توارد الوصفين المتضادّين على الفعل الخاصّ الصادر من المكلّف من حيث صدوره منه، الذي لا يتصف بشي ء من الوصفين إلّا من هذه الحيثية، فالفرد الخارجي من الصلاة الذي يتحقّق به الغصب المحرّم على الإطلاق، يمتنع أن يطلبه الشارع؛ فإنّ الأمر بشي ء في الجملة ينافي النهي عنه على الإطلاق» «1».

و فيها: أنّ هذه الدعوىٰ أيضاً تنحلّ إلىٰ دعويين:

إحداهما: و هي التي ذكرها أخيراً ترجع إلى امتناع تعلّق الطلب بشي ء في الجملة مع تعلّق النهي عنه مطلقاً.

و قد مرّ مورد الخلط فيها، و قلنا: إنّ الأمر لا يمكن أن يتعلّق بغير عنوان متعلّقه؛ و هو «الصلاة» في المثال، كما أنّ النهي أيضاً لا يمكن أن يتعلّق بغير عنوان «الغصب» فلا يتحد المتعلّقان في وعاء التعلّق، و الخارج ليس وعاءه.

و ثانيتهما: أنّ الفعل الخارجي لا يمكن أن يكون حسناً و قبيحاً؛ لأنّهما وصفان متضادّان لا يمكن تواردهما على الفعل الخاصّ الصادر من المكلّف.

و فيها: أنّ الحسن و القبح ليسا من الأعراض و الكيفيّات الخارجية الحالّة في الموضوع كالسواد و البياض حتّى لا يكفي اختلاف الجهة في رفع التضادّ بينهما، فقبح الظلم لا يكون له صورة خارجية حالّة في الجسم، بل هو أمر عقلي منتزع من التصرّف عدواناً في مال الغير، أو من قتل نفس محترمة عدواناً مثلًا، و كذا حسن العدل ليس من الأعراض الخارجية، بل من الانتزاعيات، فيمكن أن يكون شي ء خارجيّ ذا عناوين حسنة و قبيحة.

فالفعل الخاصّ الخارجي ليس قبحه لأجل كونه من مقولة خاصّة، أو

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 463/ السطر الأخير.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 2، ص: 117

كونه صادراً من فاعل كذا، أو في وقت كذا، أو حالّا في محلّ كذا، مع أنّ كلّها عناوين متحدة معه، بل إنّما هو لأجل كونه ظلماً و عدواناً، فإذا لم يَسْرِ قبحه إلىٰ سائر الجهات، و بقيت هي علىٰ ما هي عليه بلا اقتضاء للحُسْن و القبح، يعلم أنّ القبح لا يسري من عنوانه و حيثيته إلىٰ حيثية أُخرى و عنوان آخر، و كذا الحسن.

فلا مانع من أن يكون عنوانا «الحسن» و «القبح» صادقين علىٰ موجود خارجيّ، فيكون حسناً بوجه، و قبيحاً بوجه، و الجهات في العقليات تقييدية، فتكون الحيثيات بما هي موضوعةً للحسن و القبح، فالصلاة في الدار المغصوبة حسنة بما هي صلاة ليس إلّا، و الغصب في حال الصلاة قبيح ليس إلّا؛ من غير سراية ما لكلّ عنوان و حيثية إلىٰ عنوان آخر و حيثية اخرىٰ.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 117

و ممّا ذكرنا يظهر النظر فيما يقال: من وقوع الكسر و الانكسار في الجهات المقتضية، و بعد قاهرية جهة يتمحّض الفعل في الجهة القاهرة، فإذا كانت مقبّحة يتمحّض في القبح فقط، فالفعل الخاصّ الصادر من المكلّف، لا يكون إلّا حسناً أو قبيحاً علىٰ سبيل منع الجمع «1».

و ذلك لما عرفت: من أنّ الفعل الخارجي مجمع لعناوين، و له جهات، فإذا فرض في إحدىٰ عناوينه جهة مقبّحة، و في الأُخرىٰ جهة محسّنة، و فرض غلبة المقبّحة على المحسّنة، لا توجب خروج الجهة المحسّنة عن كونها جهة محسّنة؛ لأنّ معنىٰ

قاهرية إحدى الجهتين، ليس سراية القبح منها إلى الجهة التي هي حسنة، بل لا يكون إلّا كتقديم الأهمّ على المهمّ، و الفارق الذي بينهما ليس فارقاً من الجهة المنظورة عقلًا؛ لأنّ شأن العقل تحليل الجهات و تكثير الحيثيّات و عدم الإهمال فيها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 464/ السطر 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 118

و بالجملة: لا يعقل أن تكون نتيجة الكسر و الانكسار إعدام الجهة المقهورة، فما فيه الجهتان يكون كلٌّ منهما ممحّضاً فيما هو شأنه، فالوضوء من الماء المغصوب و الصلاة في الدار المغصوب مع قاهرية حيثية الغصب علىٰ حيثيتهما لا يمكن أن يخرجا عن الجهة المحسِّنة التي فيهما بعنوانهما و حيثيتهما الذاتية؛ و إن حكم العقل بلزوم تركهما و الأخذ بما هو ذو جهة قاهرة.

و نحن الآن بصدد بيان مقتضىٰ حكم العقل، لا الترجيحات التي وقعت من الشارع في مقام التشريع، بل الكلام بعد التشريع على العناوين و اتفاق اتحادها في الخارج، فلا يرد علينا الإشكال: بأنّ الشارع إذا رجّح إحدى الجهتين على الأُخرىٰ في مقام التشريع، فليس للمكلّف الأخذ بالجهة المرجوحة، فليس النظر في قاهرية بعض الجهات علىٰ بعضها في مقام تشريع الأحكام، بل في القاهرية التي يدركها العقل بعد التشريع في أحد التكليفين، و التحقيق فيها ما عرفت.

و فيما ذكرنا ينحلّ سائر الشبهات، كامتناع كون شي ء واحد شخصي مقرّباً و مبعّداً، و ذا مصلحة و مفسدة .. إلىٰ غير ذلك.

كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر وجه الصحّة في المسألة الأُخرىٰ:

و هي ما إذا توقّف فعل الوضوء أو الغسل علىٰ مقدّمة مقارنة محرّمة، بل الأمر هاهنا أوضح؛ فإنّ ذات الوضوء و الغسل لا تتحدان مع المحرّم حتّى يأتي فيه

بعض ما تقدّم مع جوابه.

نعم، قد يقال هاهنا بأنّ الأمر بما يتوقّف على القبيح قبيح، كالأمر بالقبيح بل هو هو؛ فإنّ الأمر بالشي ء يقتضي إيجاب ما يتوقّف عليه، و لا أقلّ من أنّه يقتضي جوازه، و المفروض حرمة المقدّمة، فيمتنع أن يكون ما يتوقّف عليه واجباً «1».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 464/ السطر 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 119

و فيه: أنّه إن أُريد بالامتناع ما يلزم من اجتماع الأمر و النهي، فمع الغضّ عن عدم وجوب المقدّمة، أنّه قد ذكرنا في محلّه: أنّ ما هو الواجب علىٰ فرضه هو المقدّمة الموصلة بما هي كذلك؛ أي حيثيّة ما يتوصّل به إلىٰ ذي المقدّمة، فيكون الوجوب متعلِّقاً بهذا العنوان، لا ذات المقدّمة، و لا عنوان «ما يتوقّف عليه ذو المقدّمة» و قد دفعنا الإشكالات التي أوردوها علىٰ صاحب «الفصول» (رحمه اللّٰه) و نقّحنا مقصده بما لا مزيد عليه، فراجع «1».

فحينئذٍ نقول: إنّ ما يتعلّق به الأمر الغيري ليس هو عنوان «الاغتراف» و لا الاغتراف الذي هو موصل، بل عنوان «الموصل» بما هو كذلك، و هو متحد الوجود مع الاغتراف الخارجي، المتحد مع كونه من الآنية المغصوبة، أو آنية الذهب و الفضّة، و ما هو المحرّم هو عنوان «التصرّف في مال الغير بلا إذنه و استعمال الآنيتين» المتحدان في الخارج، فيندفع الإشكال بما دفعناه في المسألة الأُولىٰ.

و بما ذكرنا يظهر دفع توهّم قبح تعلّق الأمر بما يتوقّف علىٰ مقدّمة محرّمة؛ لمنع القبح علىٰ فرض، و منع التعلّق علىٰ آخر، و يتّضح بالتأمل فيما مرّ، فلا نعيده، و أمّا سائر الإشكالات المتقدّمة فلا يتأتّى فيها.

و قد يقال: «بعدم إمكان تصحيح الوضوء المتوقّف على الاغتراف من

الآنية المغصوبة؛ لاشتراط تحقّقه في الخارج بقصد حصول عنوانه بداعي التقرّب، فيكون القصد المحصّل لعنوانه من مقوّمات ماهيّة المأمور به، فيشترط فيه عدم كونه مبغوضاً للشارع، فغسل الوجه إنّما يقع جزءً من الوضوء إذا كان الآتي به بانياً علىٰ إتمامه وضوءً، و هذا البناء ممّن يرتكب المقدّمة المحرّمة،

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 392 405، تهذيب الأُصول 1: 261.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 120

قبيح يجب هدمه و العزم علىٰ ترك الوضوء بترك الغصب، فلا يجوز أن يكون هذا العزم من مقوّمات العبادة. بل العزم علىٰ ذي المقدّمة عزم علىٰ إيجاد مقدّمته إجمالًا ولدي التحليل، لا أنّه موقوف عليه» «1».

و فيه: أنّ ما هو القبيح العزم على الغصب، لا العزم علىٰ إتمام الوضوء، و حكم العقل بلزوم ترجيح جانب الغصب و هدم العزم، ليس لأجل كون الوضوء أو عزمه قبيحاً أو حراماً، بل لأجل ترجيح الأهمّ، فما هو من مقوّمات ماهيّة الوضوء، هو العزم على الوضوء متقرّباً به إلى اللّٰه، لا العزم على المعصية و التصرّف في الآنية المغصوبة، و ما هو قبيح يجب هدمه هو هذا العزم، لا الأوّل، فلو فرض تحليل العزم إلى العزم على التصرّف عدواناً، و العزم على الوضوء، يكون الأوّل قبيحاً دون الثاني، و لزوم هدم الثاني عقلًا، ليس لقبحه و عدم إمكان وقوعه مقوّماً لماهيّة العبادة، بل لاتحاده مع الأوّل و حكم العقل بالترجيح.

هذا مع أنّ ما ذكره أخيراً: «من أنّ العزم علىٰ ذي المقدّمة، عزم علىٰ مقدّمته إجمالًا ولدي التحليل» لا يمكن المساعدة عليه؛ ضرورة أنّ العزم و الإرادة و غيرهما من الأوصاف ذات الإضافة، إنّما يكون تشخّصها بمتعلّقاتها، و مع كثرة المتعلّقات لا يمكن وحدتها،

فالعزم المتعلّق بالكون على السطح، لا يمكن أن يصير متشخّصاً إلّا بالوجود العنواني لذلك العنوان، لا العنوان الآخر، و لا يمكن أن يكون الوجودان مشخّصاً لإرادة واحدة.

مضافاً إلىٰ أنّ مبادي إرادة ذي المقدّمة غير مبادئ إرادة مقدّمته، فإرادة ذي المقدّمة موقوفة علىٰ تصوّره و التصديق بفائدته .. إلىٰ آخر المبادئ،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 465/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 121

و إرادة المقدّمة موقوفة علىٰ تصوّرها، و تصوّر توقّف ذي المقدّمة عليها، و كونها موصلة إليه، و التصديق به .. إلىٰ آخرها، فلا معنىٰ لانحلال إرادة ذي المقدّمة إلىٰ إرادتها، و هو معلوم جدّاً، فإذا اختلفت الإرادتان لا يبقى مجال للقول بقبح العزم علىٰ إتمام الوضوء؛ و لو فرض لزوم إرادة اخرىٰ بمقدّماتها لحصول المعصية.

و بما ذكرنا ظهر فساد ما ربّما يقال: «لا يعقل الأمر بالوضوء مع المقدّمة المحرّمة المنحصرة؛ للزوم الأمر بما يلازم الحرام، و هو قبيح، بل محال مع بقاء النهي علىٰ فعليّته، كما هو المفروض» «1».

لما عرفت «2» من تعلّق الأمر و النهي بالعناوين، و عدم سراية حكم كلٍّ إلى الآخر و إن اتّحدا في الخارج، و لا يكون الحاكم ناظراً في مقام جعل الحكم إلىٰ حال الخارج، و حال مقارنات الموضوع في ظرفه، و كيفية الامتثال، و ترجيح الراجح على المرجوح، بل الحاكم فيها هو العقل. بل لو ورد حكم في هذا المقام من الشارع، لا يكون إلّا إرشاداً إلىٰ حكم العقل، أو إرشاداً إلىٰ أهمّية أحد التكليفين.

نعم، إذا كان بين العنوانين تلازم، لا يمكن جعل الحكمين المتضادّين عليهما؛ لامتناع الامتثال، و لكنّه خارج عن محطّ البحث.

ثمّ إنّه قد يقال في تصوير الأمر بالوضوء في المقدّمة

المقارنة بالترتّب، لا بأن يكون العصيان الخارجي شرطاً فيه؛ لأنّه متأخّر عن الشروع في الفعل، و يمتنع تقدّم المعلول علىٰ علّته، و لا بأن يكون العزم على المعصية شرطاً للوجوب؛ فإنّ العزم عليها لا يبيحها، و لا يخرج فعلها عن كونه مقدّمة لإيجاد ذي

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 464/ السطر 21.

(2) تقدّم في الصفحة 113.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 122

المقدّمة حتى يتنجّز التكليف به علىٰ تقدير حصول العزم، بل يجب عليه نقض العزم و ترك المحرّم، لا إيجاد ما يقتضيه.

بل عنوان كونه عاصياً في الواقع شرط؛ بمعنى أنّ الطلب الشرعي تعلّق بمن يعصي في فعل المقدّمة، و يقدر علىٰ إيجاد المأمور به، فعزمه على المعصية طريق لإحراز كونه من مصاديق هذا العنوان؛ من دون أن يجب عليه تحصيله «1».

و فيه: أنّ كشفه عن تحقّق عنوان كونه ممّن يعصي مَن عزمه المعصية، لا يوجب سقوط النهي المتعلّق بالمقدّمة، و مع تحقّق النهي الفعلي لا يمكن الأمر بها بناءً علىٰ هذا المبنىٰ، فكما أنّ العزم على المعصية لا يبيحها، و يجب عليه نقضه و ترك المعصية، كذلك العزم الكاشف عن المعصية، و كذا صدق عنوان كونه ممّن يعصي لا يوجب إباحتها و سقوط النهي، بل يجب عليه نقض العزم و هدم العنوان.

و بالجملة: إذا كان القبيح أو الممتنع، تعلّق الأمر بالوضوء اللازم منه تعلّق الأمر بمقدّماته المحرّمة أو تجويزها، لا يمكن التخلّص عنهما في المقدّمات المقارنة بالترتّب؛ سواء جعل الشرط المعصية، أو عزمها، أو عنوان من يعصي. لكن التحقيق ما عرفت من دون لزوم تكلّف.

حكم مزاحمة الطهارة المائية لواجب أهمّ

و ممّا ذكرنا يظهر الحال في مسألة أُخرى: و هي ما إذا زاحمت الطهارة المائية واجباً أهمّ،

لا لأجل الترتّب المعروف الذي فرغنا عن إبطاله في الأُصول «2»، بل لأجل عدم امتناع تعلّق الأمرين بعنوانين متزاحمين في الوجود؛

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 464/ السطر 29.

(2) مناهج الوصول 2: 30 58، تهذيب الأُصول 1: 314.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 123

سواء كانا من قبيل الأهمّ و المهمّ أو لا؛ لأنّ الأوامر متعلّقة بنفس الطبائع؛ من غير سراية إلى الخصوصيات الفردية.

و أنّ الإطلاق بعد تمامية مقدّماته ليس كالعموم في تعلّق حكمه بالأفراد، بل مقتضاه بعدها كون نفس الطبيعة تمام الموضوع؛ بلا دخالة شي ء آخر من الخصوصيات الفردية و الحالات الطارئة.

و أنّ الأدلّة غير ناظرة إلىٰ حال المتزاحمات و لا حال علاجها، فإطلاق دليل المتزاحمين شامل لحال التزاحم؛ من غير أن يكون ناظراً إلى التزاحم و علاجه.

و أنّ الأحكام القانونية تعمّ العاجز و القادر و العالم و الجاهل؛ من غير تقييد بحال دون حال.

و أنّ الأمر بكلٍّ من المتزاحمين أمر بالمقدور، و الجمع غير مقدور، و هو ليس بمأمور به، ففي المتزاحمين أمران كلٌّ تعلّق بمقدور، لا أمر واحد بالجمع الذي هو غير مقدور.

فتحصّل من تلك المقدّمات التي فصّلناها في محلّها «1»: أنّ لدليل المتزاحمين إطلاقاً يشمل حال التزاحم من غير تقييد، و إنّما يحكم العقل بلزوم الأخذ بالأهمّ و ترك المهمّ مع كونه مأموراً به، فيكون المكلّف بحكم العقل معذوراً في ترك التكليف الفعلي بالاشتغال بالأهمّ، و مع ترك الأهمّ و الإتيان بالمهمّ، أتى بالمأمور به و يثاب عليه، و لم يكن معذوراً في ترك الأهمّ، فيستحقّ العقوبة علىٰ تركه، و مع تركهما يستحقّ العقوبة عليهما؛ لتركه كلّاً من التكليفين المقدورين بلا عذر. و التفصيل يطلب من محلّه «2».

ثمّ إنّ

الصحّة لا تتوقّف علىٰ تصوير الأمر، بل تصحّ العبادة مع عدمه. بل

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 23 30، تهذيب الأُصول 1: 302 313.

(2) مناهج الوصول 2: 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 124

لا يبعد القول بها مع الالتزام بكون الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه؛ لعدم اقتضاء النهي الغيري الفساد.

و كيف كان: لا إشكال في صحّة الوضوء مع الابتلاء بالمزاحم. هذا كلّه حال تلك المسائل من ناحية حكم العقل.

بيان مقتضى الأدلّة النقلية في المقام
اشارة

و أمّا حالها بالنظر إلى الأدلّة النقلية، فلا بدّ لبيانها من إفراز بعض المسائل التي وردت فيها النصوص:

المسألة الاولىٰ في بطلان الطهارة المائية في موارد سقوطها بدليل نفي الحرج
اشارة

الأقرب بطلان الوضوء و الغسل في الموارد التي سقطا بدليل العسر و الحرج، و الدليل عليه التعليل المستفاد من الآية الكريمة الواردة في الصوم، قال تعالىٰ شَهْرُ رَمَضٰانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّٰاسِ وَ بَيِّنٰاتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَ الْفُرْقٰانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «1».

مفاد الآية الكريمة:

و المحتمل بحسب التصوّر أن يكون مفادها حرمة صوم المريض و المسافر؛ لجهة إرادة اليسر، أو لجهة عدم إرادة العسر.

و أن يكون إبقاء اليسر و عدم هدمه واجباً، لا عنوان الصوم العسير حراماً.

______________________________

(1) البقرة (2): 185.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 125

و أن يكون إيقاع العسر على النفس حراماً بعنوانه.

فعلى الاحتمالين الأخيرين لا يلزم بطلان الصوم؛ لما مرّ من عدم بطلان العبادة المتحدة مع عنوان محرّم «1»، و كذا إذا كانت العبادة ضدّ الواجب، و على الاحتمال الأوّل يقع باطلًا؛ لتعلّق الحرمة بنفس العبادة. و هنا بعض احتمالات أُخر منفيّ بما يأتي.

و الأقرب من بينها هو الاحتمال الأوّل؛ إمّا لمفهوم قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ بناءً علىٰ كون مفهومه: «و من لم يشهد فلا يصمه» و أصل المفهوم و كذا كونه كذلك و إن كان محلّ مناقشة في الأُصول «2»، لكن لا يبعد مساعدة العرف عليهما فيما إذا كان الجزاء من قبيل الهيئة، لا المعنى الاسمي؛ للفرق عرفاً بين أخذ المفهوم من قوله: «فمن شهد منكم الشهر فيجب عليه الصيام» حيث إنّ المفهوم: «لا يجب عليه» و بين ما في الآية، فلا يبعد أن يكون مفهومه: «فلا تصمه».

و تؤيّده بل تدلّ عليه في المورد

رواية عبيد بن زرارة التي لا يبعد أن تكون حسنة برواية الصدوق «3»، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): قوله تعالىٰ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ؟

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 113.

(2) مناهج الوصول 2: 182، تهذيب الأُصول 1: 426.

(3) و الوجه فيه: وقوع الحكم بن مسكين في طريق الصدوق (رحمه اللّٰه) إلىٰ عبيد بن زرارة فإنّه قال في مشيخته: «و ما كان فيه عبيد بن زرارة فقد رويته عن أبي (رضى اللّٰه عنه)، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحكم بن مسكين الثقفي، عن عبيد بن زرارة بن أعين و كان أحول».

و أمّا الرواية بطريق الكليني فضعيفة بعبد العزيز العبدي، فإنّه رواها عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن عبيد بن زرارة.

الفقيه، المشيخة 4: 31، تنقيح المقال 1: 360/ السطر 28، و 2: 155/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 126

قال: «ما أبيَنَها! من شهد فليصمه، و من سافر فلا يصمه» «2».

و في «مجمع البيان»: «فيه وجهان: أحدهما: فمن شهد منكم المصر و حضر و لم يغب في الشهر و الألف و اللام في الشَّهْرَ للعهد، و المراد به شهر رمضان فليصم جميعه. و هذا معنىٰ

ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال لمّا سُئل عن هذه الآية: «ما أبينها لمن عقلها! قال: من شهد شهر رمضان فليصمه، و من سافر فيه فليفطر «3»» «4».

و إمّا لإطلاق قوله: وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ حيث دلّت علىٰ أنّ نفس المرض و السفر توجب عدّة من

أيّام أُخر؛ من غير دخالة شي ء آخر من إفطار أو غيره فيه.

فإذا كان المكلّف مريضاً أو مسافراً في الشهر، تأتي علىٰ عهدته عدّة أيّام أُخر بدل شهر رمضان، و لا شبهة في أنّ هذه العدّة قضاء شهر رمضان؛ لما يستفاد من الآية من أنّ الواجب الأصلي هو صيام الشهر، و مع طروّ العنوانين يتبدّل بعدّة من غيره، فإذا وجب القضاء بمجرّد طروّهما، فلا بدّ و أن يقع الصوم معهما باطلًا، و إلّا فيلزم إمّا إيجاب البدل و لو علىٰ فرض إيجاد المبدل منه و صحّته، أو تقدير في الآية و تقييد بلا دليل و حجّة؛ بأن يكون المعنىٰ: «و من كان مريضاً أو علىٰ سفر و أفطر».

و تؤيّده

رواية الزهري، عن علي بن الحسين (عليهما السّلام) في حديث قال: «و أمّا

______________________________

(2) الكافي 4: 126/ 1، الفقيه 2: 91/ 404، تهذيب الأحكام 4: 216/ 627، وسائل الشيعة 10: 176، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 8.

(3) تفسير العيّاشي 1: 81/ 187، مستدرك الوسائل 7: 373، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 2.

(4) مجمع البيان 2: 498.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 127

صوم السفر و المرض فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك؛ فقال قوم: يصوم، و قال آخرون: لا يصوم، و قال قوم: إن شاء صام، و إن شاء أفطر، و أمّا نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعاً، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ يقول فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ فهذا تفسير الصيام» «1».

فحكم بوجوب القضاء عليهما و إن

صاما؛ مستدلّاً بالآية و مستظهراً منها من دون إعمال تعبّد، و قد عرفت أنّ ذلك مقتضىٰ إطلاقها.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ المستفاد من الآية أنّ صوم المريض و المسافر بعنوانهما محرّم باطل، و يظهر منها تعليله بإرادة اليسر و عدم إرادة العسر على الأُمّة، فيجب التعميم بمقتضى العلّة المنصوصة.

ثمّ يقع الكلام في أنّ القضايا المعلّلة المعمّمة، هل تكون ظاهرة في أنّ الحكم لحيثيّة العلّة، كما يقال في الأحكام العقليّة: «إنّ الحيثيّات التعليليّة عناوين للموضوعات» «2» فيكون حكم العرف كحكم العقل؟

أو أنّ الظاهر كون عنوان الموضوع ما أُخذ في ظاهر القضيّة المعلّلة، و ما أُخذ علّةً واسطة في ثبوت الحكم لموضوعه، فقوله: «الخمر حرام؛ لأنّه مُسكر» ظاهر عرفاً في أنّ موضوع الحرمة هو الخمر، و كونه مُسكراً واسطة لتعلّقها به؟

الأقرب هو الثاني؛ فإنّ الأوّل حكم عقلي دقيق برهاني، لا عرفي عقلائي؛ إذ لا إشكال في أنّ العرف يرىٰ في تلك القضايا أُموراً ثلاثة: الموضوع، و الحكم،

______________________________

(1) الكافي 4: 83/ 1، الفقيه 2: 46/ 208، وسائل الشيعة 10: 174، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 2.

(2) نهاية الدراية 2: 133.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 128

و واسطة ثبوته له.

فتحصّل ممّا ذُكر: أنّ المتفاهم من الآية أنّ صوم المريض و المسافر حرام بعنوانه؛ لأجل إرادة اليسر، و الظاهر بحسب فهم العرف أنّ القضايا المفهومة من تعميم التعليل كالقضيّة الأصلية المعلّلة لها موضوع، و حكم، و وسط، فقضيّة تعميم التعليل في قوله: «الخمر حرام؛ لأنّه مسكر» أنّ الفُقّاع و النبيذ كذلك بعنوانهما لكونهما مسكرين؛ فإنّ الحكم في الفرع تابع لأصله، فاحتمال كون الحكم في الفرع لحيثيّة الإسكار، و كون الشي ء مسكراً بما

هو كذلك، ضعيف مخالف لفهم العرف و العقلاء.

فظهر ممّا مرّ: أنّ مقتضىٰ تعميم العلّة بنحو ما مرّ، أنّ ما يلزم منه الحرج و العسر بعنوانه حرام، فالوضوء الحرجي و الغسل العسير بعنوانهما حرام، فيقعان باطلين.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ قوله في آية التيمّم وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ .. إلىٰ قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1» كقوله في آية الصوم وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ فكما أنّ مجرّد السفر صار سبباً لعدّة أُخرى من غير دخالة شي ء آخر كما مرّ «2»، كذلك الظاهر أنّ المرض بنفسه سبب لإيجاب التيمّم، و كذا في سائر الأعذار أن عمّمناها بالنسبة إليها.

بل يمكن الاستشهاد على المقصود بتمسّك الأئمّة (عليهم السّلام) بآية الصوم للحرمة تارة بمفهوم قوله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ كما في روايتي زرارة و ابنه، و أُخرى بقوله فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ كما في رواية الزهري، مع كونها في مقام الامتنان، و سياقها كسياق آية التيمّم، فلو كان الأمر في الرفع

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

(2) تقدّم في الصفحة 126.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 129

امتناناً كما ذكره المتأخّرون من عدم الدلالة على العزيمة و لا البطلان علىٰ فرض التخلّف «1» لما كان وجه لتمسّكهم (عليهم السّلام) بها في مقابل من ذهب إلى الرخصة، فيستشعر منه أنّ جعل التيمّم بدل الوضوء عزيمة، كجعل عدّة من أيّام أُخر بدل صوم المسافر.

هذا كلّه في مفاد الآية الكريمة.

مفاد رواية يحيى بن أبي العلاء

و يأتي الكلام المتقدّم في مثل

رواية يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و سند الشيخ الصدوق إليه كالصحيح «2»، لكن لم يرد في يحيىٰ توثيق، و احتمل بعضهم

أن يكون متحداً مع يحيىٰ بن العلاء الثقة «3»، و هو غير ثابت قال: «الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر».

ثمّ قال: «إنّ رجلًا أتى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: يا رسول اللّٰه، أصوم شهر رمضان في السفر؟ فقال: لا، فقال: يا رسول اللّٰه، إنّه عليّ يسير، فقال رسول اللّٰه: إنّ اللّٰه تصدّق علىٰ مرضىٰ أُمّتي و مسافريها بالإفطار في شهر رمضان، أ يُحبّ

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 463/ السطر 5 8، العروة الوثقىٰ 1: 473، المسألة 18، مستمسك العروة الوثقىٰ 4: 331.

(2) رواها الشيخ الصدوق، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّٰه و قال في مشيخته: «و ما كان فيه عن يحيىٰ بن أبي العلاء فقد رويته عن محمّد بن الحسن (رضى اللّٰه عنه)، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان، عن يحيىٰ بن أبي العلاء».

قوله: «كالصحيح» إشارة إلىٰ كلامٍ في مذهب أبان بن عثمان.

الفقيه، المشيخة 4: 88، تنقيح المقال 1: 5/ السطر 34، مقباس الهداية 1: 176.

(3) راجع تنقيح المقال 3: 308/ السطر 25 (أبواب الياء).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 130

أحدُكم لو تصدّق بصدقة أن تردّ عليه صدقته؟!» «1».

فيأتي فيها الاحتمالات المتقدّمة «2»، إلّا أنّ العنوان هاهنا ردّ الصدقة، و أقرب الاحتمالات هاهنا أيضاً حرمة عنوان الصوم بعلّية كونه ردّ الصدقة، و يأتي فيها الكلام في التعميم الذي ذكرنا في الآية.

نعم، هنا كلام آخر: و هو أنّ ظاهر الآية أنّ العلّة لحرمة الصوم، إرادة اللّٰه اليسر بالعباد، و ظاهر الرواية و بعض روايات أُخر أنّ العلّة كونه ردّ الصدقة

«3»، و الظاهر عدم التنافي بينهما، و لا مجال لتفصيله.

نكتة أُخرى تقتضي بطلان الصلاة مع المائية

ثمّ اعلم: أنّ هاهنا نكتة أُخرى في باب التكاليف الحرجيّة؛ و هي أنّه لو سُلّم عدم دلالة ما دلّ علىٰ نفي الحرج علىٰ بطلان متعلّقات التكاليف النفسية الحرجية إمّا بدعوىٰ بقاء الجواز بل الرجحان مع رفع الإلزام؛ لأجل أنّ الواجب عبارة عن الأمر بالشي ء مع عدم الرخصة بالترك، و دليل نفي الحرج يرفع عدم الرخصة، و يبقى الأمر مع الرخصة فيه؛ و هو الاستحباب، أو لكفاية ما يقتضي الطلب و محبوبية الفعل لصحّته لكن إذا كان شرط المأمور به أو جزؤه حرجيّا فلا يُسلّم ذلك؛ لأنّ مقتضىٰ نفي الحرج نفي الشرطية و الجزئية، فيكون المأمور به هو الفاقد لهما؛ سواء قلنا بإمكان تعلّق الرفع و الجعل بهما استقلالًا كما هو

______________________________

(1) الكافي 4: 127/ 3، الفقيه 2: 90/ 403، تهذيب الأحكام 4: 217/ 630، وسائل الشيعة 10: 175، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 5.

(2) تقدّمت في الصفحة 124 125.

(3) وسائل الشيعة 10: 174، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 4 و 5 و 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 131

التحقيق «1»، أو قلنا بامتناعه و لزوم رفع الأمر عن المقيّد و المركّب الواجد، و تعلّق أمر آخر بفاقدهما «2». و علىٰ أيّ تقدير يكون المأمور به فعلًا هو الطبيعة الفاقدة.

و لو بدّل الشرط أو الجزء بآخر، يكون المأمور به فعلًا هو الطبيعة المتقيّدة بالبدل أو المشتملة عليه، لا المبدل منه، فيكون الإتيان به مع الجزء الساقط زيادةً في المأمور به الفعلي، و الاكتفاء به مع فرض التبديل غيرَ مجزٍ عن الواقع؛ و

هو المأمور به الفعلي. و مجرّد اقتضاء الجزئية أو الشرطية لا يوجب عدمَ الزيادة، و جوازَ ترك الشرط الفعلي و الجزء كذلك، و الاكتفاءَ بما فيه الاقتضاء.

فالصلاة المشروطة بالتيمّم أو بالطهارة الحاصلة منه، هي المأمور بها فعلًا، و لم تكن مشروطة بالوضوء و الغسل، و الآتي بها معهما آتٍ بغير شرطها، و كذا في تبديل الجزء.

و دعوىٰ حصول الطهارة التي من الترابية من الغسل و الوضوء مع شي ء زائد؛ لأنّها مرتبة كاملة من الطهارة، غير متضحة الدليل. و مجرّد كون المائية أكمل من الترابية في تحصيل الغرض، لا يوجب وحدتَهما واقعاً و اختلافَهما بالشدّة و الضعف؛ لإمكان أن تكونا صنفين أحدهما أفضل من الآخر، فلا يحصل من أحدهما ما يحصل من الآخر.

مع أنّ في أصل دعوى كون الشرط أمراً معنوياً حاصلًا منهما كلاماً؛ لقوّة احتمال أن يكون الطهور عبارة عن الوضوء و الغسل و التيمّم، لا أمراً حاصلًا منها، و لا تبعد أقربية ذلك إلىٰ ظواهر الأدلّة و كلمات الأصحاب. و مثل

قوله

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 68.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 393.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 132

«التراب أحد الطهورين» «1»

و «يكفيك عشر سنين» «2»

لا يدلّ علىٰ أنّه أمر معنوي، و لا علىٰ وحدتهما ذاتاً و اختلافهما رتبة.

كما أنّ

قوله: «الوضوء نور» «3»

أو «نور و طهور» «4»

لا يدلّ علىٰ كون الطهور أمراً معنوياً؛ لو لم نقل بدلالته على الخلاف.

بل الظاهر من آية الوضوء «5» أنّ نفس تلك الأفعال أو العناوين شرط للصلاة، و ليس المراد بقوله فَاطَّهَّرُوا إلّا الغسل بحسب وحدة السياق و فهم العرف، خصوصاً مع قوله حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا في الآية الأُخرىٰ «6»، لا تحصيل

طهارة معنويّة.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ مقتضىٰ دليل نفي الحرج رفع شرطية الطهارة المائية، و مقتضى جعل التيمّم بدلًا اشتراط الصلاة به فعلًا، و قضيتهما بطلان الصلاة مع الاكتفاء بالمائية.

و لو قلنا: بأنّ مقتضىٰ دليل نفي الحرج رفع سببية الوضوء و الغسل للطهارة، و مقتضى جعل البدل جعل السببيّة له، لكان البطلان أوضح مع الذهاب إلىٰ أنّ الشرط هو الأمر الحاصل بها.

______________________________

(1) لم نعثر على نصّ بهذا اللفظ و لكن يوجد مقارب منه. انظر وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 12.

(3) لم نعثر عليه و لكن ورد في بعض الروايات «الوضوء على الوضوء نور على نور» انظر وسائل الشيعة 1: 377، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 8، الحديث 8.

(4) لم نعثر علىٰ هذا النص في كتب الحديث المتوفّرة لدينا.

(5) المائدة (5): 6.

(6) النساء (4): 43.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 133

المسألة الثانية في صحّة الطهارة المائية في موارد سقوطها بغير دليل نفي الحرج

ما تقدّم حال أدلّة نفي الحرج، و أمّا سائر الأدلّة الدالّة علىٰ عدم الوضوء أو الغسل كما وردت في القرح و الجرح و الخوف على النفس، مثل صحيحتي البَزَنْطي و ابن سرحان و غيرهما «1»، و ما وردت في مورد خوف العطش، مثل صحيحة ابن سنان و موثّقة سَماعة و غيرهما «2»، و ما وردت في الركية و فرض إفساد الماء، مثل صحيحة عبد اللّٰه بن أبي يعفور «3»، و ما وردت في مورد خوف فوت الوقت، مثل صحيحة زرارة «4»؛ بناءً علىٰ ما قدّمناه من الاستفادة منها «5» فالظاهر عدم استفادة بطلان المائية منها:

أمّا ما لا يتعلّق النهي فيها بالغسل، بل تعلّق بعنوان

خارج كإفساد الماء أو عدم إهراقه فظاهر؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الأمر بالتيمّم لأجل ترجيح أحد المتزاحمين أي حرمة إفساد الماء و وجوب حفظ النفس على الطهارة المائية، فالأمر بالشرط الناقص ليس لأجل تبديل الكامل به و إسقاط شرطيّته، كما قلنا في نفي الحرج، بل للمزاحمة الواقعة بين الأهمّ و المهمّ، فيأتي فيه ما مرّ في باب المتزاحمين «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 8 و 7 و 1.

(2) وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 1 3.

(3) وسائل الشيعة 3: 344، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.

(5) تقدّم في الصفحة 88.

(6) تقدّم في الصفحة 100.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 134

و أمّا ما تعلّق النهي في ظاهر الدليل بالغسل، فهو أيضاً كذلك؛ لأنّ المتفاهم من مجموعها أنّ النهي عنه ليس لمبغوضية فيه، بل للإرشاد إلى الأخذ بأهمّ التكليفين، فسبيل قوله في فرض القروح و الجروح و المخافة على النفس: «لا يغتسل، و يتيمّم» سبيل قولِه: «لا تقع في البئر، و لا تفسد على القوم ماءهم» و قولِه: «إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة، و ليتيمّم بالصعيد» حيث لا يفهم منها مبغوضيّة الغسل و الوضوء بعنوانهما، بل الظاهر أنّ المبغوض هلاك النفس أو الواجب حفظها، فلا يدلّ على البطلان. و قد مرّ أنّ مقتضى القاعدة أيضاً الصحّة «1».

نعم، ما ذكرنا من الصحّة بمقتضى القاعدة أو بحسب سائر الأدلّة، إنّما هو حيثي، فإذا انطبق علىٰ مورد عنوان آخر يقتضي البطلان نحكم به، كما إذا انطبق عنوان «الحرج»

علىٰ مورد الضرر أو الخوف على النفس؛ لما عرفت من أنّ مقتضىٰ أدلّة نفي الحرج البطلان، فيفصّل في الحكم به بين ما إذا انطبق علىٰ مورد عنوان «الحرج» و بين ما إذا انطبق عليه عنوان محرّم، كالغسل في آنية الذهب و الفضّة و الوضوء ارتماساً فيها، فيحكم بالبطلان في الأوّل دون الثاني.

و أوضح منه في الصحّة ما إذا تزاحم مع تكليف أهمّ، كالوضوء في ضيق الوقت المزاحم لفعل الصلاة، فإنّه صحيح من غير فرق بين أن يكون قصده امتثال الأمر المتعلّق به من ناحية هذه الصلاة علىٰ وجه التقييد و غيره؛ لما ذكرنا «2» من أنّ ملاك عبادية الطهارات، ليس الأمر الغيري من ناحية الأمر بالصلاة؛ لعدم وجوب المقدّمة إلّا عقلًا، و لأنّ الطهارات بما هي عبادةٌ جعلت شرطاً، فعباديتها مقدّمة علىٰ تعلّق الأمر الغيري علىٰ فرضه، و لا منافاة بين الأمر الاستحبابي

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 112.

(2) تقدّم في الصفحة 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 135

الذاتي و الأمر الغيري؛ لاختلاف العنوان، فحينئذٍ لو جهل المكلّف و قصد الأمر الغيري، أو قصد التقرّب به، يقع قصده لغواً، و عبادته صحيحة؛ لعدم اعتبار شي ء فيها إلّا الرجحان الذاتي و قصد كونه للّٰه.

نعم، لو كان من قصده عدم التعبّد إلّا بالأمر الغيري، يقع باطلًا و لو في سعة الوقت؛ لعدم وجوده، و عدم كونه مقرّباً علىٰ فرضه.

إلّا أن يقال: إنّه نحو انقياد للمولىٰ، و هو كافٍ في الصحّة، فحينئذٍ لا يفرّق بين السعة و الضيق.

الأمر الخامس في الإتيان بالمائية لعذر عند تعيّن التيمّم

لو قلنا في الموارد التي تعيّن عليه التيمّم بالحرمة و البطلان، فأتىٰ بالمائية لعذر: من غفلة، أو جهل بالموضوع، أو بالحكم قصوراً و نحوها، ففي صحّتها مطلقاً،

أو التفصيل بين الموارد، وجهان أقواهما التفصيل بين الموارد التي استفدنا من الأدلّة تقييد المكلّف به بغير المائية و إسقاط شرطيّتها، كما قلنا في مورد الحرج «1»، فنحكم فيها بالبطلان؛ لفقد ما هو شرط واقعاً، و لا تأثير في العمد و غيره و العذر و غيره، و بين الموارد التي قيل ببطلانها؛ لأجل أنّ المبعّد القبيح لا يمكن أن يقع عبادة و صحيحاً و لو قلنا بجواز الاجتماع «2»؛ لأنّه مع العذر لا يقع قبيحاً و مبعّداً، فلا مانع من مقرّبيته. فالوضوء و الغسل صحيحان؛ لرجحانهما

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 132.

(2) نهاية الأُصول: 260 و 262، لمحات الأُصول: 227.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 136

الذاتي، بل فعلية الأمر بهما، و عدمِ مانع آخر من صحّتهما، فالوضوء في آنية الذهب و بالماء المغصوب صحيح. هذا إذا قلنا بجواز الاجتماع.

و أمّا مع القول بامتناعه و ترجيح جانب النهي، فالصحّة تتوقّف علىٰ وجود الملاك في المتعلّق و إمكان مقرّبية الملاك المكسور، و قد ذكرنا في محلّه: أنّ إمكان تحقّق الملاكين للشي ء الواحد، يهدم أساس الامتناع إذا كان ملاكه لزوم التكليف المحال، لا التكليف بالمحال «1»، فإنّ وجود الحيثيتين لحمل الملاكين إذا كان رافعاً للتضادّ بينهما، يكون رافعاً للتضادّ بين الحكمين قطعاً، فالقائل بالامتناع لا بدّ و أن يقول: بأنّ الحيثية التي تعلّق بها الأمر عين ما تعلّق به النهي؛ حتّى يتحقّق التضادّ الموجب للامتناع، و مع وحدة الحيثية لا يمكن تحقّق الملاكين، و مع ترجيح جانب النهي يستكشف عدم ملاك الأمر في المتعلّق، فيقع باطلًا حتّى مع الجهل و سائر الأعذار.

نعم، إذا كان ملاك الامتناع التكليف بالمحال، أو أغمضنا عن الإشكال و التزمنا بوجود

الملاك، فالظاهر وقوعه صحيحاً حتّى مع العلم؛ لوجود الملاك و عدم تقوّم العبادة بالأمر، بل يكون حاله حال المتزاحمين.

و ما قيل: «من أنّ في باب التزاحم إنّما يتزاحم الحكمان في مقام الامتثال عقلًا بعد إنشائهما من قِبَل المولى، و أمّا في باب الاجتماع فتتزاحم المقتضيات لدى المولى، فلا تأثير لعلم المكلّف و جهله في وقوعه باطلًا» «2».

غير وجيه؛ لأنّ تقييد المولى أحد التكليفين بحال، قد يكون لفقدان الملاك في غير هذا الحال، و قد يكون لترجيح أحد الملاكين على الآخر، فإن كان من

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 123، تهذيب الأُصول 1: 407 408.

(2) انظر فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 2: 431.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 137

قبيل الثاني، يكون حكمه كحكم العقل في ترجيح الأهمّ على المهمّ، و في مثله لا مانع من الصحّة لو قلنا بكفاية الملاك، و الملاك المرجوح صالح للمقرّبية و التقييد في مقام ترجيح الملاكات، كالتقييد في مقام التزاحم لو قلنا: بأنّ الشارع ناظر إليه، أو أنّ العقل يقيّد الأدلّة.

و ما قيل «1»: «من أنّ الملاك المكسور غير صالح للمقرّبية» إن كان المراد من «المكسوريّة» رفع الملاك أو نقصانه عمّا هو عليه بواسطة التزاحم، فهو ممنوع؛ لأنّ حامل الملاكات الحيثيات، و لا يسري حكم حيثية إلىٰ حيثية أُخرى.

و إن كان المراد مرجوحيته، فهي لا توجب البطلان بعد فرض كفاية الملاك و لو لم يكن مأموراً به، و التقييد بغير حال الاجتماع لا يستتبع نهياً فرضاً، فالفعل و إن لم يكن مأموراً به، لكن مشتمل على الملاك التامّ، كاشتماله في غير مورد الاجتماع، فيقع صحيحاً.

______________________________

(1) انظر فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 2: 431.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 139

المبحث الثاني فيما يتيمّم به

اشارة

و يتمّ ذلك في ضمن أُمور:

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 141

الأمر الأوّل في اشتراط كونه أرضاً
اشارة

لا إشكال في اشتراط كونه أرضاً، فلا يجوز بما هو خارج عن مسمّاها، و «هو مذهب علمائنا» كما عن «المنتهىٰ» «1» و «عليه الإجماع» كما عن «كشف اللثام» «2» و «لا نزاع فيه عندنا» كما عن «مجمع البرهان» «3» و ادّعىٰ عليه الإجماع في «الخلاف» «4».

و عن «السرائر»: «أنّ الإجماع منعقد على أنّ التيمّم لا يكون إلّا بالأرض، أو ما يطلق عليه اسمها» «5».

و في «الخلاف»: «قال أبو حنيفة: كلّ ما كان من جنس الأرض أو متّصلًا بها من الثلج و الصخر يجوز التيمّم به، و به قال مالك «6»» «7» انتهىٰ.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 140/ السطر 25.

(2) كشف اللثام 2: 449.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 220.

(4) الخلاف 1: 134 135.

(5) السرائر 1: 138.

(6) المحلّىٰ بالآثار 1: 378، المجموع 2: 213.

(7) الخلاف 1: 134.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 142

و في «مفتاح الكرامة» نسبة الجواز بالثلج إلىٰ أبي حنيفة، و بالنبات إلىٰ مالك «1». لكن في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة»: «الحنفيّة قالوا: إنّ الصعيد الطهور هو كلّ ما كان من جنس الأرض، فيجوز التيمّم على التراب و الرمل و الحصىٰ و الحجر و لو أملس، و السبخ المنعقد من الأرض، أمّا الماء المنعقد و هو الثلج فلا يجوز التيمّم عليه؛ لأنّه ليس من أجزاء الأرض، كما لا يجوز التيمّم على الأشجار و الزجاج و المعادن ..» إلى آخره «2».

و احتمال أن يكون مراده من الحنفية أصحاب أبي حنيفة و تابعيه لا نفسه بعيد، بل عن ابن رشد عدم تجويز أبي حنيفة التيمّم بالثلج

«3».

و كيف كان: فلا إشكال في عدم جوازه بغير الأرض و ما خرج عن مسمّاها. بل و لا خلاف ظاهراً في حال الاختيار. و سيأتي حال التيمّم بالثلج عند الاضطرار «4».

في تحديد ما يصحّ التيمّم عليه
اشارة

ثمّ إنّه اختلفت كلمات أصحابنا بعد اشتراط كونه أرضاً علىٰ أقوال، فقيل: «إنّه التراب الخالص» حُكي ذلك عن السيّد في «شرح الرسالة» و الكاتب و التقي «5». بل عن ظاهر «الناصريّات» و «الغُنية» الإجماع عليه «6».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 1: 527/ السطر 26.

(2) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 160.

(3) بداية المجتهد 1: 72.

(4) يأتي في الصفحة 204.

(5) انظر جواهر الكلام 5: 119، المعتبر 1: 372، مختلف الشيعة 1: 260 261، الكافي في الفقه: 136.

(6) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 33، غنية النزوع 1: 51.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 143

و قيل: «إنّه كلّ ما يقع عليه اسم الأرض» «1» و «هو المشهور تحصيلًا» كما في «الجواهر» و عن «الكفاية» و «الحدائق» «2» و عن «الخلاف» و «مجمع البيان» و ظاهر «التذكرة» الإجماع على الجواز بالحجر «3». و عن «مجمع البرهان» و «المفاتيح» و «كشف اللثام»: «هو مذهب الأكثر» «4» و عن «مجمع البرهان»: «ينبغي أن يكون لا نزاع فيه» «5» و «هو المشهور» كما عن «الكفاية» «6».

و عن جمع التفصيل بين حال الاختيار و الاضطرار «7».

و منشأ اختلافهم اختلاف اجتهادهم في الاستنباط من الكتاب و السنّة. و لا شبهة أنّ الشهرة و الإجماع في مثل هذه المسألة الاجتهادية المتراكمة فيها الأدلّة و الآراء في دلالة الكتاب، ليست حجّة مستقلّة، فالأولىٰ صرف الكلام إلىٰ ظواهر الأدلّة:

الاستدلال بالكتاب علىٰ كفاية مطلق وجه الأرض
اشارة

أمّا الكتاب، فقد نزلت فيه آيتان كريمتان:

إحداهما: في سورة النساء، و هي قوله تعالىٰ

______________________________

(1) المبسوط 1: 31، شرائع الإسلام 1: 39، تحرير الأحكام 1: 21/ السطر 33.

(2) جواهر الكلام 5: 118، كفاية الأحكام: 8/ السطر 25، الحدائق الناضرة 4: 293.

(3) الخلاف 1: 134 135، مجمع

البيان 3: 82، تذكرة الفقهاء 2: 176.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 220 و 222، مفاتيح الشرائع 1: 61، كشف اللثام 2: 455.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 220.

(6) كفاية الأحكام: 8/ السطر 25.

(7) المقنعة: 60، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 71، السرائر 1: 137.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 144

وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ «5».

و ثانيتهما: في المائدة بعينها مع زيادة لفظة مِنْهُ بعد وَ أَيْدِيَكُمْ «6».

اختلاف اللغويين في معنى «الصعيد»

و قد اختلفت كلمة أهل اللغة و العربية في معنى «الصعيد» فعن «العين» و «المحيط» و «الأساس» و «المفردات» للراغب و جمع آخر: «أنّه وجه الأرض» «7» بل عن الزجّاج: «أنّه لا يعلم اختلافاً بين أهل اللغة» «1» و عن «المعتبر» حكايته عن فضلاء أهل اللغة «2».

و عن «البحار»: «أنّ الصعيد يتناول الحجر، كما صرّح به أئمّة اللغة و التفسير» «3» و عن «الوسيلة»: «قد فسّر كثير من علماء اللغة الصعيد بوجه الأرض و ادّعىٰ بعضهم الإجماع عليه» «4».

و استدلّ بعضهم بكونه وجه الأرض بقوله تعالىٰ:

______________________________

(5) النساء (4): 43.

(6) المائدة (5): 6.

(7) كتاب العين 1: 290، القاموس المحيط 1: 318، أساس البلاغة: 254، المفردات في غريب القرآن: 280، المصباح المنير: 339، معيار اللغة 1: 315.

(1) انظر معجم مقاييس اللغة 3: 287، لسان العرب 7: 344.

(2) المعتبر 1: 372.

(3) بحار الأنوار 78: 143.

(4) لم نعثر عليه في الوسيلة و لكن نقل عنه في الجواهر و لعلّ الصحيح هو الوسائل.

انظر جواهر الكلام 5: 122، وسائل الشيعة 3: 352، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، ذيل

الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 145

فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً «1» و

قول النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً علىٰ صعيد واحد» «2»

أي أرض واحدة؛ لعدم تناسب التراب «3».

و عن جمع من أهل اللغة: «أنّه التراب» ك «الصحاح» و الأصمعي و أبي عبيدة «4» بل عن ظاهر «القاموس» و بني الأعرابي و عبّاس و فارس «5» بل عن السيّد حكايته عن أهل اللغة «6».

و يظهر من بعضهم الاشتراك اللفظي بين التراب الخالص و مطلق وجه الأرض، بل و الطريق لا نبات فيه، قال في «مجمع البحرين»: «و الصعيد: التراب الخالص الذي لا يخالطه سَبَخ و لا رمل نقلًا عن «الجمهرة» «7». و الصعيد أيضاً: وجه الأرض تراباً كان أو غيره، و هو قول الزجّاج .. حتّى قال: لا أعلم اختلافاً بين أهل اللغة في ذلك، فيشمل الحجر و المدر و نحوهما. و الصعيد أيضاً: الطريق لا نبات فيها. قال الأزهري: و مذهب أكثر العلماء أنّ «الصعيد» في قوله تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً هو التراب الطاهر الذي علىٰ وجه الأرض، أو خرج من باطنها» «8» انتهىٰ ما في «المجمع».

______________________________

(1) الكهف (18): 40.

(2) تفسير عليّ بن إبراهيم 2: 64، بحار الأنوار 7: 101/ 9.

(3) المعتبر 1: 373، جواهر الكلام 5: 122.

(4) الصحاح 2: 498، انظر جمهرة اللغة 2: 654، معجم مقاييس اللغة 3: 287.

(5) القاموس المحيط 1: 318، تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس: 71، معجم مقاييس اللغة 3: 287.

(6) انظر المعتبر 1: 372 373.

(7) جمهرة اللغة 2: 654.

(8) مجمع البحرين 3: 85.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 146

بل في «المنجد»:

«الصعيد: التراب، القبر، الطريق، ما ارتفع من الأرض» «1».

و ما قيل: «إنّ الاشتراك اللفظي كذلك أي بين مطلق وجه الأرض و التراب بعيد، بل إذا دار الأمر بين اللفظي و المعنوي يقدّم الثاني» «2» ناشئ من تخيّل أنّ وقوع الاشتراك اللفظي في الألسن من واضع واحد أو طائفة واحدة، لكن الظاهر أنّ الاشتراك حاصل من ضمّ الطوائف بعضها إلىٰ بعض، و اختلاط اللغات، كاختلاط لغة العرب بالعجم؛ لأجل سلطة الأعراب و اختلاطهم مع غيرهم، فربّما نسي بعض اللغات من إحدى الطائفتين، و قامت اللغة الأُخرىٰ مقامه، و ربّما بقيت اللغتان، فبقي لمعنىً واحد لفظان أو أكثر من اختلاط الطوائف، فيظنّ من ذلك الاشتراك اللفظي البعيد أو المرجوح.

و كيف كان: لا يمكن لنا الاتكال في معنى «الصعيد» علىٰ قول أهل اللغة مع هذا الاختلاف الفاحش بينهم؛ فإنّ حجّية قولهم أمّا لحجّية قول أهل الخبرة، فمع اختلافهم و تعارض أقوالهم تسقط عنها، أو للاطمئنان و الوثوق منه، فلا يحصل معه. و دعوى الزجّاج عدم الاختلاف بين أهل اللغة، يردّها قول من عرفت من كونه التراب الخالص، أو الاشتراك بينه و بين غيره.

كما أنّ الاستدلال علىٰ كونه مطلق وجه الأرض بقول اللّٰه تعالىٰ صَعِيداً زَلَقاً و قول النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في النبوي المتقدّم، في غير محلّه؛ لعدم جريان أصالة الحقيقة مع معلوميّة المراد و الشكّ في الوضع، و إنّما هي حجّة في تشخيص المراد بعد العلم بالوضع.

و كذا دعوى الانصراف إلى التراب الخالص لكونه الفرد الغالب الشائع في غير محلّها، لمنع تحقّق الشيوع الموجب له، كما أنّ «الأرض» لا تنصرف إليه.

______________________________

(1) المنجد: 424.

(2) المعتبر 1: 373، جواهر الكلام 5: 127.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 2، ص: 147

الاستدلال لتعيين المراد من قوله صَعِيداً بكلمة مِنْهُ

و قد يستدلّ «1» لتشخيص المراد من «الصعيد» في الآية التي في المائدة بلفظة مِنْهُ بدعوىٰ أنّ المتبادر منها هو المسح ببعض الصعيد؛ لظهور رجوع الضمير إليه و عدم إمكان المسح بجميعه، فلا بدّ من المسح ببعضه، و لا يمكن ذلك إلّا بإرادة التراب منه؛ لحصول العلوق به، دون الحجر و مثله؛ سواء كان الاستعمال علىٰ وجه الحقيقة أو المجاز. و المقصود في المقام إثبات المطلوب، لا إثبات المعنى الحقيقي.

و فيه: أنّ المحتمل بدواً فيها كون الضمير راجعاً إلى «الصعيد» و كون «مِنْ» ابتدائية، و عليه يكون معنى الآية: «تيمّموا و اقصدوا صعيداً، فإذا انتهيتم إليه فارجعوا منه إلىٰ مسح الوجوه و الأيدي» فيكون الصعيد منتهى المقصود أوّلًا، فإذا انتهى المكلّف إليه صار مبدأ الرجوع إلىٰ عمل المسح، فاستفيد منها عدم جواز مسح الوجه و اليد على الأرض و عدم جواز التمرّغ و التمعّك، كما فعل عمّار (رضى اللّٰه عنه) فكأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حين قال: «هكذا يصنع الحمار، و إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» «2» أراد تفهيم أنّ المستفاد من الآية خلاف ما فعله.

بل يستفاد منها كون اليد آلة المسح، و طريق الاستفادة أنّه إذا أمر بالمسح بعد الانتهاء إلى المقصد و هو الصعيد، و الرجوع منه إلىٰ مسح الوجه و الأيدي، يعلم أنّ المسح باليد؛ فإنّها الآلة المتعارفة للعمل، و بهذا يعلم أنّ المسح بباطن

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 120.

(2) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 148

الكفّ لكونه

الآلة المتعارفة، و بعد كون باطنها آلته يعلم أنّ الممسوح غيره، تأمّل. نعم لا يستفاد منها أنّ الممسوح ظاهرها.

و لعلّ هذا الوجه بالتقريب المتقدّم، أقوى الوجوه و أنسبها.

و يحتمل أن تكون «مِنْ» تبعيضية، مع رجوع الضمير إلى «الصعيد». كما يدّعي المدعي، فيكون المعنىٰ: «و امسحوا بوجوهكم و أيديكم بعض الصعيد» فحينئذٍ لا يتضح من الآية أنّ آلة المسح اليد؛ لإمكان أن تكون الآلة نفس بعضه؛ بأن يرفع حجراً أو مدراً و يمسح به، أو يضع وجهه على الصعيد و يمسحه به؛ لصدق مسح وجهه ببعض الصعيد، بل لمّا كان بعض الصعيد هو الصعيد؛ لصدق الجنس على الكثير و القليل بنحو واحد، فكأنه قال: «امسحوا بوجوهكم و أيديكم الصعيد» فيكون الصعيد آلة المسح أو الممسوح، و الماسحُ الوجهَ، فيكون مناسباً لما صنع عمّار، لكنّه تخيّل أنّ ما هو بدل الوضوء، عبارة عن وضع الوجه و الأيدي على الأرض، و ما هو بدل الغسل بالمناسبة المرتكزة في ذهنه عبارة عن مسح جميع البدن بالتراب، كما يغسل بالماء.

و هذا الاحتمال مع بعده لأنّ لازمه اعتبار زائد في الصعيد حتّى يخرجه عن المعنى الجنسي الشامل للقليل و الكثير بنحو واحد؛ و هو لحاظه مجموعاً ذا أبعاض، و هو خلاف الظاهر، و لأنّ الأصل في «من» الابتدائية، علىٰ ما قالوا «1»، و الاستعمال في غيرها بضرب من التأويل، و لأنّ ذكر المسح ببعضه غير محتاج إليه بعد عدم إمكانه بجميع ما يصدق عليه الصعيد، بل غير محتاج إليه مع الإمكان أيضاً؛ لأنّ طبيعة المسح توجد بأوّل مصداقه عرفاً، و الفرض أنّ «الصعيد» اسم جنس صادق على الكلّ و بعضه لا يثبت مدعاهم؛

______________________________

(1) الكافية 2: 320، مغني اللبيب 1: 419، القاموس

المحيط 4: 275.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 149

و هو كون المراد من «الصعيد» هو التراب:

أمّا أوّلًا: فلما عرفت من عدم دليل في ظاهر الآية علىٰ أنّ الماسح الكفّ، بل يمكن أن يكون نفس الصعيد برفع بعضه إلى الوجه، و هو يشعر بخلاف مطلوبهم، و أن يكون المراد مسح الوجه على الأرض، نظير ما صنع عمّار. و المنظور الآن هو النظر في نفس الآية، لا الأدلّة الخارجيّة و المرتكزات الحاصلة من معهودية كيفية التيمّم، و إلّا يكون مطلوبهم واضح البطلان، كما يأتي التنبيه عليه «1».

و أمّا ثانياً: فلأنّ وجه الأرض لا ينحصر بالتراب و الحجر حتّى يثبت مطلوبهم، بل كثير من الأراضي يكون لها علوق مع عدم كونها تراباً، كالجصّ و النورة و الرمل، بل و الحجر المسحوق و غيرها.

و يحتمل أن تكون «مِنْ» للتأكيد، كقوله تعالىٰ مٰا جَعَلَ اللّٰهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ «2»، و قوله وَ تَرَى الْمَلٰائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ «3»، فيكون المعنىٰ: «فامسحوا بوجوهكم و أيديكم الصعيد» و هذا الاحتمال إن لم يكن أقرب من الاحتمال المتقدّم لعدم لزوم التصرّف في «الصعيد» بما مرّ من لزومه علىٰ ذاك الاحتمال فلا أقلّ من مساواته معه، و يأتي فيه ما مرّ آنفاً في فرض ذاك الاحتمال.

و ما قيل: «إنّ مجي ء الحرف للتأكيد خلاف الظاهر، و الأصل أن تستعمل في معنى من المعاني» غير مسلّم إذا كان سائر المعاني خلاف ما وضع له، كما يظهر منهم هاهنا من أنّ الأصل فيها الابتدائية، بل عن السيّد: «أنّ كلمة «من»

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 153.

(2) الأحزاب (33): 4.

(3) الزمر (39): 75.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 150

ابتدائيّة، و أنّ جميع النحويّين من البصريّين منعوا ورود «من» لغير الابتداء» «1».

نعم، لو ثبت اشتراكها بين المعاني المذكورة لها، يكون المجي ء للتأكيد خلاف الأصل، لكنّه غير معلوم.

و يحتمل أن تكون بدلية، مع رجوع الضمير إلى «الماء» و هذا الاحتمال أيضاً لا يقصر من احتمال كونها تبعيضية.

و يحتمل أن تكون ابتدائية، و الضمير راجعاً إلى «التيمّم».

و أن تكون سببية، و الضمير راجعاً إلى الحدث المستفاد من سوق الآية.

أو يكون مساقها مساق

قوله: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «2» ..

إلى غير ذلك من الاحتمالات التي بعضها أقرب من التبعيضية أو مساوٍ لها.

الاستدلال لتعيين المراد من قوله تعالىٰ صَعِيداً بصحيحة زرارة

و قد يستدلّ «3» لتعيين المراد من الآية

بصحيحة زرارة: أنّه قال لأبي جعفر (عليه السّلام): أ لا تخبرني من أين علمت و قلت: «إنّ المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين»؟ .. إلىٰ أن قال: «فلمّا وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً؛ لأنّه قال بِوُجُوهِكُمْ ثمّ وصل بها وَ أَيْدِيَكُمْ ثمّ قال مِنْهُ أي من ذلك التيمّم؛ لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجرِ على الوجه؛ لأنّه يعلق

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 225/ السطر 15.

(2) الكافي 3: 57/ 3، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

(3) ذخيرة المعاد: 103/ السطر 21 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 151

من ذلك الصعيد ببعض الكفّ، و لا يعلق ببعضها» «1».

بدعوىٰ: أنّ المراد من «التيمّم» ما يتيمّم به؛ لبعد الرجوع إلىٰ ذات التيمّم المستفاد من قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً فيتناسب التعليل مع تبعيضية «مِنْ» فكأنه قال: «التيمّم من بعض الصعيد؛ لعدم إجراء جميعه على الوجه، لعلوقه ببعض اليد لا تمامها» فحينئذٍ يتمّ المطلوب؛

و هو كون «الصعيد»: التراب.

و يرد عليه ما يرد على الاستدلال بالآية بعد تسليم تمامية جميع المقدّمات-: و هو عدم اختصاص العلوق بالتراب، فهذه الصحيحة و الآية الكريمة بعد تسليم ما ذكر تدلّان علىٰ لزوم كون التيمّم بما يصلح أن يعلق منه في الجملة باليد بضربها عليه، كالرمل و الجصّ و النورة و الحجر المسحوق. بل تدلّان حينئذٍ علىٰ لزوم كون المسح بما يصدق عليه «الصعيدُ» في الجملة؛ أي و لو لم يلزم الاستيعاب، فلا يجوز النفض اللازم منه عدم بقاء ما يصدق عليه الصعيد و التراب؛ ضرورة أنّ الغالب أن يكون الباقي بعد النفض أثر الأرض و التراب، لا نفسهما و جنسهما؛ للفرق بين الأثر الباقي بعد النفض و بين التراب، كالفرق بين النداوة و الماء، و سيأتي الكلام فيه «2».

هذا مع ممنوعية كون المراد من «التيمّم» ما يتيمّم به؛ لوضوح كون عناية أبي جعفر (عليه السّلام) برجوع الضمير إلى «التيمّم» و عدم رجوعه إلى «الصعيد» فلو أراد الرجوع إلىٰ ما يتيمّم به لكان اللازم أن يقول: «من ذلك الصعيد» مع ذكره في الآية لئلّا يصير الكلام المعجز كاللغز؛ لأنّ عدمَ رجوعه إلى «الصعيد» المذكور في الكلام، و الرجوعَ إلى «التيمّم» الغير المذكور، و إرادةَ ما يتيمّم به من «التيمّم»

______________________________

(1) الكافي 3: 30/ 4، الفقيه 1: 56/ 212، تهذيب الأحكام 1: 61/ 168، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(2) يأتي في الصفحة 160.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 152

ثمّ إرادةَ الصعيد ممّا يُتيمّم به، أشبه بالاحْجِيّة من الكلام المتعارف، فلا محيص عن إرجاعه إلىٰ نفس التيمّم بناءً علىٰ هذا التفسير.

فلا محالة يكون ذلك

لنكتة، و لعلّها إفادة أنّ المسح بالوجه و الأيدي، لا بدّ و أن يكون من ذلك التيمّم الذي هو كناية عن ضرب الأرض، فكأنه لإفادة لزوم حفظ العلاقة العرفيّة؛ و عدم التأخير أو الاشتغال بأمر رافع للربط بين المسح و الضرب على الأرض، فإن ضرب كفّيه على الأرض و غسلهما مثلًا فمسح بهما وجهه، لم يكن مسحه من ذلك التيمّم، و كذلك لو فصل بين الضرب و المسح بما يقطع العلاقة العرفية.

و أمّا التعليل في الصحيحة، فالظاهر أن يكون لعدم رجوع الضمير إلى «الصعيد» حتّى يتوهّم منه لزوم المسح به مع عدم إمكانه، فكأنه قال: «إنّما قلنا: من ذلك التيمّم لا من الصعيد؛ لعدم إمكان المسح منه، لعدم إجرائه على الوجه؛ لأنّه يعلق منه ببعض الكفّ، و لا يعلق ببعض».

و ما ذكرنا في توجيه الرواية و إن لا يخلو من بُعد و ارتكاب خلاف ظاهر، لكنّه أهون من القول: بأنّ المراد من «التيمّم» ما يتيمّم به؛ فإنّ النفس لا ترضى بانتسابه إلىٰ متعارف الناس، فضلًا عن أفضلهم علماً و فصاحة، فضلًا عن الانتساب إلى الوحي المعجز، فلا بدّ من إبقاء «التيمّم» علىٰ ظاهره و توجيه التعليل، و مع العجز فردّ علمه إلىٰ أهله.

و فيها احتمالات أُخر يطول بنا البحث في الخوض فيها.

لكن في الذهن شبهة: و هي أنّه مع إبقاء ظاهر الآية علىٰ حاله، و رجوع الضمير إلى «الصعيد» و إرادة الابتدائية من كلمة «مِنْ» يتضح ما يراد بالرواية بالتوجيه الذي ذكرناه، فلا تتوقّف إفادة ما ذكر علىٰ رجوع الضمير إلى «التيمّم» فلو كان المراد: «امسح من الصعيد» أي مبتدئاً منه إلىٰ مسح الوجه يفهم منه

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص:

153

عرفاً ما يفهم من رجوعه إلى «التيمّم» فلا بدّ من نكتة أُخرى فيه غير ما تقدّم، فلعلّها لإفادة كون المسح على الوجه و الأيدي جميعاً من ذلك التيمّم؛ أي عدم لزوم تجديد الضرب، أو عدم جوازه.

و لعلّ التعليل علىٰ هذا الاحتمال أقرب؛ بأن يقال: إنّ المراد منه إفادة أنّ الضرب الثاني لا يحصل به إلّا ما يحصل بالضرب الأوّل، و لا يعلّق الصعيد علىٰ جميع اليد حتّى يجري على الوجه، بل يعلق علىٰ بعضه، فلا يلزم العلوق، بل ما لزم هو كون المسح من ذلك التيمّم، و هو حاصل بالضرب الأوّل.

و بالجملة: ليس اللازم في المسح أن يكون بأجزاء الأرض؛ لأنّه غير ممكن في التيمّم، لأنّ الأجزاء لا تعلق بجميع اليد حتّى تجري على الوجه، بل اللازم أن يكون من التيمّم، و هو حاصل بالضرب الأوّل من دون تكرار.

و لعلّ هذا مراد الشهيد في محكي «الذكرى» في ذيل الرواية بقوله: «و هذا الصحيح فيه إشارة إلىٰ عدم اعتبار العلوق» «1» و هو كذلك؛ لأنّ فيها إشارة إلىٰ أنّ المعتبر هو العلاقة، لا العلوق.

الاستدلال بالسنّة علىٰ كفاية مطلق وجه الأرض
اشارة

ثمّ إنّ الأقوىٰ ما عليه المشهور؛ من كون ما يتيمّم به مطلق وجه الأرض، لا التراب خاصّة؛ لطوائف من الروايات فيها الصحيح و الموثّق، ربّما يستفاد منها أنّ المراد ب «الصعيد» في الآية مطلق وجه الأرض:

منها: [النبويّ المعروف: «جُعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً»]

النبويّ المعروف: «جُعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» «2».

و هي

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 5: 193، ذكرى الشيعة 2: 262 263.

(2) وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2 و 3 و 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 154

رواية مشهورة مستفيضة نقلًا، لو لم نقل بتواترها، و لهذا نسبها الشيخ الصدوق (رحمه اللّٰه) إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) علىٰ سبيل الجزم «1»، و لا يمكن ذلك من مثله (رحمه اللّٰه) إلّا مع علمه بصدورها و قد ذكرنا أنّ جواز الاتّكال علىٰ مثل هذا الإرسال بنفسه من مثله لا يخلو من قوّة «2»، فضلًا عن مثل المقام مع استفاضة النقل، فقد رواها الشيخ الكليني في «الكافي» «3» و البرقي في «المحاسن» «4» و الصدوق في «الخصال» بسندين، و في «الأمالي» «5» و ابن الشيخ الطوسي في «مجالسه» «6» و الطبري في «بشارة المصطفىٰ» «7» و الديلمي في «إرشاد القلوب» «8» و الشيخ حسن بن سليمان الحلبي فيما رواه من كتاب «المعراج» «9» و المسعودي في «إثبات الوصية» «10» و الراوندي في «لبّ اللباب» «11» و القاضي في «دعائم الإسلام» «12».

و من هنا قد ينقدح في الذهن وقوع اشتباه

فيما روى الصدوق (رحمه اللّٰه) بسند في غاية الضعف، عن جابر بن عبد اللّٰه قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «قال اللّٰه عزّ و جلّ

______________________________

(1)

الفقيه 1: 155/ 1.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 81.

(3) الكافي 2: 17/ 1.

(4) المحاسن: 287/ 431.

(5) الخصال: 201/ 14، و: 292/ 56، أمالي الصدوق: 179/ 6.

(6) أمالي الطوسي: 484/ 1059.

(7) بشارة المصطفىٰ: 85.

(8) إرشاد القلوب: 410.

(9) انظر مستدرك الوسائل 2: 530، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 9.

(10) إثبات الوصيّة: 99.

(11) انظر مستدرك الوسائل 2: 531، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 11.

(12) دعائم الإسلام 1: 120 121.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 155

جعلت لك و لأُمّتك الأرض كلّها مسجداً، و ترابها طهوراً» «1»

و كذا في مرسلة «عوالي اللآلي» «2».

و أمّا

ما في «مجالس ابن الشيخ» في حديث: «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً؛ أينما كنت أتيمّم من تربتها و أُصلّي عليها» «3»

، فلا يخالف الروايات؛ لأنّ عمله (صلّى الهّٰث عليه و آله و سلّم) يمكن أن يكون لأجل أفضلية التراب لا لتعيّنه، فلا ينافي صدرها، و لا يصلح لتقييد إطلاقه، فضلًا عن سائر المطلقات.

ثمّ إنّ احتمال كون المراد من طهوريّة الأرض طهوريتها من الخبث فإنّها طهور منه في الجملة في غاية الضعف.

بل الاختصاص مقطوع البطلان بعد معروفية التيمّم، و كونه أحد الطهورين «4»، و نزول الوحي به في آيتين «5»، مضافاً إلى التصريح بالتيمّم في بعض الروايات «6».

فلا شبهة في إرادة خصوص التيمّم منه أو الأعمّ، فحينئذٍ يمكن الاستشهاد به لكون المراد من «الصعيد» في الآية هو مطلق الأرض؛ فإنّه ناظر إلى الآيتين

______________________________

(1) الخصال: 425/ 1، علل الشرائع: 127/ 3، مستدرك الوسائل 2: 529، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 3.

(2) عوالي اللآلي 2: 13/ 26 و 208/ 130، مستدرك الوسائل 2: 530، كتاب الطهارة، أبواب

التيمّم، الباب 5، الحديث 8.

(3) أمالي الطوسي: 56/ 50، مستدرك الوسائل 2: 529، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 5.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(5) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(6) وسائل الشيعة 3: 343، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3 و 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 156

الكريمتين، حيث جعل اللّٰه تعالىٰ فيهما الصعيد طهوراً، فيكون بمنزلة المفسّر للآية.

و منها: ما وردت في قضيّة عمّار بن ياسر (رضى اللّٰه عنه)

ففي موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «أتى عمّار بن ياسر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: يا رسول اللّٰه، إنّي أجنبت الليلة فلم يكن معي ماء.

قال: كيف صنعت؟ قال: طرحت ثيابي و قمت على الصعيد فتمعّكت فيه، فقال: هكذا يصنع الحمار، إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً، فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الأُخرىٰ، ثمّ مسح بجبينيه ..» «1» إلىٰ آخره.

و

في صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ذات يوم لعمّار في سفر له: يا عمّار، بلغنا أنّك أجنبت، فكيف صنعت؟ قال: تمرّغت يا رسول اللّٰه في التراب».

قال: «فقال: كذلك يتمرّغ الحمار؛ أ فلا صنعت كذا؟! ثمّ أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد، ثمّ مسح بجبينيه ..» «2»

إلىٰ غير ذلك.

و قد يتوهّم دلالة الصحيحة علىٰ مخالفة «الصعيد» للأرض، حيث قال فيها: «أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد» فلو كان «الصعيد» هو الأرض لقال: «فوضعهما عليها».

و فيه: أنّه من المحتمل أن يكون ذلك لأجل إفادة أنّ «الصعيد» هو

______________________________

(1) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب

الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

(2) الفقيه 1: 57/ 212، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 157

الأرض؛ فإنّ هذه الطائفة مضافاً إلىٰ دلالتها على المذهب المشهور، يمكن الاستشهاد بها علىٰ كون «الصعيد» في الآية هو الأرض، لا التراب خاصّة؛ فإنّه لا شبهة في أنّ قضية عمّار قضية واحدة حكاها الأئمّة (عليهم السّلام) بتعبيرات مختلفة نقلًا بالمعنى:

ففي رواية: «فوضع يده على المِسْح» «1».

و في اخرىٰ: «فضرب بيديه على الأرض» «2».

و

في ثالثة: «أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد» «3»

فيظهر منها كون «الأرض» و «الصعيد» واحداً ليصحّ النقل بالمعنى.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ النقل بالأعمّ و الأخصّ غير مضرّ بعد أن لا تكون العناية بنقل ما يتيمّم به، بل بأصل القضيّة، و لهذا قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «فوضع يده على المِسْح».

لكن يظهر من أبي جعفر (عليه السّلام) في نقل القضية عناية بذكر ما يتيمّم به، فراجع ما روي عنه في القضية، فحينئذٍ يتمّ المطلوب؛ و هو كون المراد ب «الصعيد» في الآية هو الأرض لا التراب.

ثمّ إنّه يظهر من قوله: «أ فلا صنعت كذا؟! ثمّ أهوىٰ بيديه ..» إلىٰ آخره و قوله: «هكذا يصنع الحمار، إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ..» إلىٰ آخره، أنّ ما صنع عمّار خلاف المتفاهم من الآية الشريفة، فيحتمل أن يكون مراده إفادة أنّ الآية تدلّ علىٰ أنّ المسح من الصعيد، لا مسح الجسد على

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 6.

(3)

وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 158

الأرض، فتدلّ علىٰ ظهور «مِنْ» في الابتدائية، و إلّا فمع التبعيضية كان الظاهر جواز مسح الأعضاء بالأرض.

إلّا أن يقال: إنّ اعتراض رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عليه لتمرّغه على الأرض في بدل الغسل؛ بتوهّم أنّ المناسب فيه ذلك، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ الآية تدلّ علىٰ أنّ للتيمّم كيفيّة واحدة بدلًا عن الوضوء و الغسل، فَلِمَ تمرّغت؟! مع دلالتها على المسح ببعض الوجه و الأيدي، كما تشهد به

رواية «دعائم الإسلام» عن عليّ (عليه السّلام) و فيها: فقال له: «يا عمّار، تمعّكت تمعّك الحمار، قد كان يجزيك من ذلك أن تمسح بيديك وجهك و كفّيك، كما قال اللّٰه عزّ و جلّ» «4».

لكن الظاهر حتّى من «رواية الدعائم» أنّه أرجع عمّاراً إلىٰ ظاهر الآية، و أنّها دالّة علىٰ أنّ آلة المسح هي اليدان؛ فإنّ قوله فيها: «يجزيك من ذلك أن تمسح ..» إلىٰ أن قال: «كما قال اللّٰه» يدلّ على استفادة ذلك منها. و كذا قوله في صحيحة زرارة: «أ فلا صنعت كذا؟! ثمّ أهوىٰ بيديه إلى الأرض ..» إلىٰ آخره يدلّ علىٰ دلالة الآية علىٰ كيفية التيمّم، و لا بُعد في استفادته منها، كما أشرنا إلى استشمامه منها، و لعلّه يأتي تتمّة لذلك «1».

و منها: عدّة روايات أُخر،

كصحيحة الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «إذا لم يجد الرجل طهوراً و كان جنباً فليمسح من الأرض و ليصلّ، و إذا وجد ماءً فليغتسل، و قد أجزأته صلاته التي صلّىٰ» «2».

______________________________

(4) دعائم الإسلام 1: 120، مستدرك

الوسائل 2: 536، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 2.

(1) يأتي في الصفحة 235 237.

(2) الكافي 3: 63/ 3، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 159

لكن احتمال كونها بصدد بيان إجزاء الصلاة التي صلّىٰ مع التيمّم، لا في مقام بيان ما يتيمّم به كاحتمال كونها بصدد بيان أنّه مع عدم وجدان الماء، يصحّ التيمّم و لو في سعة الوقت، و لا يجب الصبر إلىٰ آخره، و إهمال بيان ما يتيمّم به غير بعيد. و نظيرها صحيحة ابن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1».

و

كصحيحة المرادي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في التيمّم قال: «تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» «2».

و

رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في التيمّم: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «3».

و احتمال كونهما بصدد بيان كيفية التيمّم؛ أي المسحتين، لا ما يتيمّم به، ضعيف. بل لو سلّم يكون الضرب على الأرض من كيفيّاته، و داخلًا في ماهيّته و مقوّماته.

و كيف كان: لا إشكال في ظهور مثل تلك الروايات في أنّ ما يتيمّم به الأرض. بل لا تبعد استفادة كون المراد من «الصعيد» هو الأرض من مثلها؛ فإنّ الظاهر أنّ كلّها واردة لبيان مفاد الآية، لا بيان تشريع آخر زائداً علىٰ مضمونها وصل إليهم من غير طريقها.

بل يمكن رفع الإجمال عن كلمة «مِنْ» علىٰ فرض إجمالها و تردّدها بين

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 193/ 556، و: 197/ 572، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 7.

(2)

تهذيب الأحكام 1: 209/ 608، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 212/ 615، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 160

الابتدائية و غيرها، و عن ذيل صحيحة زرارة المتقدّمة و تعليلها «1»، فإنّه مع النفض لا يبقى من أجزاء الأرض على الكفّ، و ما بقي من الأثر الضعيف لا تصدق عليه «الأرض» فمع كونها تبعيضية لزم المسح بأجزاء الصعيد، فيقع التنافي بين الآية و الروايات، فمع نصوصية تلك الروايات في مضمونها، يرفع الإجمال المتوهّم «2» عن الآية و الصحيحة و تعليلها.

و توهّم: أنّ لزوم النفض أو رجحانه دليل علىٰ وجوب كون التيمّم بالتراب، لا مطلق الأرض «3» مدفوع بما مرّ «4»: من أنّه لا يدلّ علىٰ مدعاهم، بل لو سُلّم يدلّ علىٰ لزوم كون الأرض صالحةً للعلوق. مع أنّه وارد مورد الغالب؛ فإنّ الأراضي غالباً ذات أجزاء تعلق باليد؛ حتّى مثل أراضي الحجاز التي لا تكون تراباً أو تراباً خالصاً، فلا تصلح مثلها لرفع اليد عن عنوان «الأرض» الظاهر في تمام الموضوعيّة.

و يمكن الاستدلال على المطلوب

برواية زرارة، عن أحدهما قال قلت: رجل دخل الأجَمة ليس فيها ماء، و فيها طين، ما يصنع؟ قال:

«يتيمّم؛ فإنّه الصعيد ..» «5» إلىٰ آخره،

فإنّ الظاهر منها أنّ الطين صعيد، مع أنّه ليس بتراب.

لكن

في مرسلة علي بن مطر قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن الرجل لا يصيب

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 150.

(2) الحدائق الناضرة 4: 243.

(3) جواهر الكلام 5: 121، مصباح الفقيه، الطهارة: 470/ السطر 26.

(4) تقدّم في الصفحة 151.

(5) تهذيب الأحكام 1: 190/ 547، وسائل الشيعة

3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 161

الماء و لا التراب، أ يتيمّم بالطين؟ قال: «نعم؛ صعيد طيّب و ماء طهور» «1».

و هي ظاهرة في أنّ أصل الطين صعيد بقرينة «ماء طهور» فتكون ظاهرة في أنّ الطين ليس بصعيد.

و لكن فيها احتمال آخر: و هو أنّ السؤال عن الأراضي الممطورة التي صارت متطيّنة، و فيها الطين و الأجزاء المائية القليلة التي لا تضرّ بصدق عدم وجدان الماء، و لا بصدق كون الأرض متطيّنة، فيكون المراد بقوله: «صعيد طيّب» هو الطين، و بقوله: «ماء طهور» هو الأجزاء المائية، كما تشاهد في الأراضي الممطورة، و الطرق المطيّنة، فتكون الرواية شاهدة على المشهور.

و هنا احتمال ثالث: و هو أنّ المراد بقوله: «صعيد طيّب و ماء طهور» أنّ ما يتطهّر به إمّا صعيد طيّب، و إمّا ماء طهور، و الطين هو الصعيد الطيّب، فيجوز التيمّم به، و مع هذه الاحتمالات لا يمكن رفع اليد عن ظاهر قوله في رواية زرارة: «فإنّه الصعيد».

هذا مع أنّ إطلاق «الصعيد» على التراب لا يدلّ علىٰ عدم صدقه علىٰ غيره، غاية الأمر إشعاره أو دلالته علىٰ أنّ الطين ليس بصعيد، و مع ذلك يكون رواية زرارة أظهر في دلالتها علىٰ كون الطين صعيداً من دلالة هذه الرواية علىٰ نفيه.

و يمكن الاستشهاد على المطلوب: بأنّ أراضي الحجاز و ما حولها غالباً و غالب الأراضي الجبلية، لا يوجد فيها التراب الخالص، بل ليس فيها إلّا الرمل و الأحجار الصغار، فلو كان المراد من «الصعيد» في الآية التراب الخالص، لكان

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 190/ 549، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب

9، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 162

التيمّم حرجياً على سكّان محلّ نزول الوحي، و هو ينافي شرع التيمّم و

النبويّ المشهور: «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً»

الذي هو في مقام بيان الامتنان. بل لو كان ذلك لشاع و صار مورداً للسؤال و الجواب كثيراً.

الاستدلال بالسّنة على اشتراط خصوص التراب و جوابه
اشارة

ثمّ إنّه قد يستدلّ «1» لمذهب الخصم بعد إجماع السيّد و «الغنية» «2» بروايات:

منها: [صحيحة محمّد بن حُمران و جميل بن درّاج:]

صحيحة محمّد بن حُمران و جميل بن درّاج: أنّهما سألا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر، و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل، أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ فقال: «لا، و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعل التراب طهوراً، كما جعل الماء طهوراً» «3».

بدعوىٰ: أنّه في مقام بيان امتنان اللّٰه على العباد، فلو كان مطلق الأرض طهوراً كان المناسب أن يذكرها؛ فإنّه أدخل في الامتنان. مع إمكان أن يقال: إنّها ناظرة إلىٰ تفسير الآية.

و فيه: أنّ الرواية بصدد بيان صحّة تيمّم المجنب و إمامته مع وجود المتوضّئ، و إنّما ذكر جعل اللّٰه تعالى التراب طهوراً استدلالًا على المقصود؛ من غير نظر إلى امتنان اللّٰه على العباد، و لا إلىٰ تفسير الآية، فلا تدلّ على

______________________________

(1) انظر الحدائق الناضرة 4: 294 295، جواهر الكلام 5: 121، مصباح الفقيه، الطهارة: 470/ السطر 23.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 33، غنية النزوع 1: 51.

(3) الفقيه 1: 60/ 223، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 163

المطلوب إلّا بمفهوم اللقب.

هذا مع أنّه لو كان في مقام الامتنان، لكان المناسب ذكر الأرض علىٰ أيّ حال؛ لأنّها طهور في الجملة.

و عن «روض الجنان» و «الروضة»: «لا قائل بالمنع مطلقاً» «1» و الحقّ ما مرّ «2»، و لهذا ترى أنّ الروايات التي بصدد بيان الامتنان ذكرت فيها «الأرض» و هي ما مرّ من

الحديث المستفيض عن رسول اللّٰه (صلّى

اللّٰه عليه و آله و سلّم): «جعلتْ لي الأرض مسجداً و طهوراً» «3».

و استدلّ أيضاً ب [صحيحة رِفاعة،]

صحيحة رِفاعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه ..» إلى آخره «4»

و نظيرها صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة «5».

بدعوىٰ: أنّ فرض عدم التراب خاصّة، دليل علىٰ عدم جواز التيمّم حال الاختيار بوجه الأرض، و إلّا لكان عليه فرض عدم الحجر أيضاً.

و فيه: أنّه من القريب أن يكون فرض عدم التراب في الأرض التي لها بِلّة لم تصل إلىٰ حدّ الطين؛ لأجل أنّ البلّة لم تنفذ إلىٰ باطن التراب، فمع وجود التراب في الأرض المبتلّة بالمطر القليل مثلًا، يكون التيمّم بالأرض اليابسة

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 528/ السطر 17، روض الجنان: 121/ السطر 1 7، الروضة البهيّة 1: 450.

(2) تقدّم في الصفحة 153.

(3) تقدّم في الصفحة 153.

(4) تهذيب الأحكام 1: 189/ 546، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 4.

(5) الكافي 3: 66/ 4، وسائل الشيعة 3: 356، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 164

ممكناً؛ برفع ظاهر التراب و التيمّم باليابس من الأرض الذي لم تنفذ إليه البلّة، فالصحيحة سيقت لبيان مراتب التيمّم: بأنّه إن أمكن بالأرض اليابسة فهو، و إلّا فبأجفّ موضع منها فالأجفّ؛ إلىٰ أن لا يجد إلّا الطين فيتيمّم به، كما هو المفروض في ذيلها، فلم تكن بصدد بيان تقدّم التراب علىٰ سائر وجه الأرض، بل بصدد بيان تقدّم اليابس علىٰ غيره، و الأجفّ علىٰ غيره، فهي غير مربوطة بالمقام.

و بالجملة: فرض عدم التراب لفرض عدم وجود

الأرض اليابسة، لا لموضوعية التراب مقابل وجه الأرض، فحينئذٍ إن أمكن الالتزام بمضمونها، فلا محيص عن اعتبار المراتب فيما يتيمّم به؛ تراباً كان أو غيره، فالتراب اليابس و الأرض اليابسة مقدّمان علىٰ غيرهما، و الأجفّ مقدّم علىٰ غيره، و مع عدم إمكانه كما هو الحقّ لا بدّ من حملهما علىٰ مراتب الفضل. و ربّما يأتي الكلام فيها «1».

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ مقتضى الأدلّة صحّة التيمّم اختياراً بمطلق وجه الأرض، و أنّه المراد من «الصعيد» في الآية.

الاستدلال بالإجماع على اشتراط خصوص التراب و جوابه

بقي الكلام فيما نسب إلىٰ «ناصريات السيّد» من دعوى كون «الصعيد» هو التراب، بل دعواه الإجماع عليه، و كذا في إجماع «الغنية» و لا بأس بذكر عبارتهما حتّى يتضح حال النسبة:

قال في «الناصريات» بعد كلام من الناصر: «و الذي يذهب إليه أصحابنا أنّ

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 193.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 165

التيمّم لا يكون إلّا بالتراب، أو ما جرىٰ مجرى التراب؛ ممّا لم يتغيّر تغيّراً يسلبه إطلاق اسم «الأرض» عليه. و يجوز التيمّم بغبار الثوب و ما أشبهه؛ إذا كان ذلك الغبار من التراب أو ما يجري مجراه».

ثمّ حكىٰ أقوال العامّة و تجويز أبي حنيفة التيمّم بالزرنيخ و الكحل و النورة «2»، و مالك بالشجر و ما يجري مجراه «1».

ثمّ قال: «دليلنا علىٰ صحّة مذهبنا الإجماع المتقدّم ذكره، و يزيد عليه قوله تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً و «الصعيد» هو التراب.

و حكى ابن دريد في كتاب «الجمهرة» عن أبي عبيدة معمر بن المثنّىٰ: أنّ «الصعيد» هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سَبَخٌ «3»، و قول أبي عبيدة حجّة في اللغة.

و «الصعيد» لا يخلو أن يراد به التراب، أو نفس الأرض و قد

حكي أنّه يطلق عليها أو يراد ما تصاعد على الأرض:

فإن كان الأوّل فقد تمّ ما أردناه.

و إن كان الثاني، لم يدخل فيه ما ذهب إليه أبو حنيفة؛ لأنّ الكحل و الزرنيخ لا يُسمّيان أرضاً بالإطلاق، كما لا يسمّىٰ سائر المعادن من الذهب و الفضّة و الحديد ب «إنّه أرض».

و إن كان «الصعيد» ما تصاعد على الأرض، لم يخلُ من أن يكون ما تصاعد عليها هو منها و يسمّى باسمها، أو لا يكون كذلك، فإن كان الأوّل فقد دخل فيما

______________________________

(2) المبسوط، السرخسي 1: 108.

(1) المجموع 2: 213، حواشي الشرواني 1: 352.

(3) جمهرة اللغة 2: 654.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 166

ذكرناه، و إن كان الثاني فهو باطل؛ لأنّه لو تصاعد على الأرض شي ء من التمر و المعادن، أو ممّا هو خارج عن جوهر الأرض، فإنّه لا يسمّى «صعيداً» بالإجماع.

و أيضاً: ما روي عنه من قوله: «جُعلتْ لي الأرض مسجداً و ترابها طهوراً».

و أيضاً: فقد علمنا أنّه إذا تيمّم بما ذكرناه، استباح الصلاة بالإجماع، و إذا تيمّم بما ذكره المخالف لم يستبحها بإجماع و علم، فيجب أن يكون الاحتياط و الاستظهار فيما ذكرناه.

و لك أيضاً أن تقول: إنّه علىٰ يقين من الحدث، فلا يجوز أن يستبيح الصلاة إلّا بيقين، و لا يقين إلّا بما ذكرناه، دون ما ذكره المخالف» «1» انتهىٰ بطوله.

و أنت خبير: بأنّ صدر العبارة صريح في ذهاب أصحابنا إلىٰ صحّة التيمّم بالتراب و غيره؛ ممّا يطلق عليه اسم «الأرض» و لم يتغيّر تغيّراً مُخرجاً له عن إطلاق اسمها عليه؛ رملًا كان أو جصّاً أو حجراً، و قوله: «ممّا لم يتغيّر ..» إلىٰ آخره بيان لما يجري مجرى التراب، و

موضّح لمقصوده، فاحتمال كون مراده «ممّا يجري مجراه» هو المسحوق من غير التراب ضعيف. مع أنّه مثبت للمدعىٰ في الجملة.

ثمّ إنّه ادّعى الإجماع علىٰ ما ذكره من جواز التيمّم بمطلق ما لا يخرج عن مسمّى «الأرض» أو علىٰ عدم الجواز بما يخرج عنه، في مقابل أبي حنيفة و أشباهه ممّن أجاز التيمّم بالزرنيخ و الكحل أو الشجر و شبهه، فللسيّد كما يظهر من صدر عبارته و ذيلها دعويان

______________________________

(1) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 244/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 167

إحداهما: صحّة التيمّم بمطلق وجه الأرض.

و ثانيتهما: عدم جوازه بما يخرج عن مسمّاها.

فقد استدلّ على الاولىٰ بالإجماع في أوّل العبارة و أثنائها و آخرها، و بقاعدة الشغل و الاستصحاب، و على الثانية بالآية الكريمة و الحديث النبوي. و ذكرُ محتملات الآية ردّاً علىٰ أبي حنيفة و أضرابه، لا لإثبات الدعوى الاولىٰ و إن كان في بعض فقرأتها إشعار بأنّ التراب ما يتيمّم به، فلا ريب في لزوم ردّه إلىٰ ما هو صريح بصحّته بمطلق الأرض، و لا اغتشاش في عبارته كما ترى.

و هو (رحمه اللّٰه) موافق للمشهور من صحّة التيمّم بالأرض، و توهّم مخالفته له ناشئ من زعم أنّه استدلّ بالآية و الرواية لمذهبه، فاستكشف منه مذهبه، مع أنّ التدبّر في عبارته موجب للاطمئنان بأنّ استدلاله بهما في مقابل الخصم و لدعواه الثانية، لا لمذهبه.

و قال في «الغنية»: «و أمّا التراب فالذي يفعل به التيمّم، و لا يجوز إلّا بتراب طاهر، و لا يجوز بالكحل و لا بالزرنيخ، و لا بغيرهما من المعادن، و لا بتراب خالطه شي ء من ذلك بالإجماع، و قوله تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً و «الصعيد» هو

التراب الذي لا يخالطه غيره» «1».

و الظاهر أنّ دعواه الإجماع، راجعة إلىٰ عدم الجواز بالكحل و الزرنيخ و غيرهما من المعادن، و التراب المخلوط بشي ء منها، لا إلى الجملة الأُولىٰ، و كيف يدّعي الإجماع علىٰ عدم الجواز إلّا بالتراب؛ مع أنّ السيّد (رحمه الهّٰ ) ادعاه علىٰ جوازه بما يجري مجرى التراب؛ أي الأرض، و هو مختار الشيخ، بل لعلّه ادّعى الإجماع عليه «2»؟!

______________________________

(1) غنية النزوع 1: 51.

(2) الخلاف 1: 134 135، المبسوط 1: 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 168

و ربّما يشهد لذلك قوله: «و لا بتراب خالطه شي ء من ذلك» أي الكحل و ما بعده، و إلّا كان عليه أن يقول: «و لا بتراب خالطه شي ء من غيره».

و كيف كان: لم يظهر منه دعوى الإجماع علىٰ عدم الصحّة إلّا بتراب خالص، و لو سلّم فهي موهونة بذهاب المشهور إلىٰ خلافها.

و ربّما يتمسّك لذلك بقاعدة الشغل «1». و هو إنّما يصحّ لو كان المأمور به أو الشرط، هو الطهور المعنوي الذي تكون تلك الأفعال محصّلاته، و هو غير ثابت، بل ظاهر الأدلّة أنّ الشرط للصلاة هو الوضوء و الغسل و التيمّم، و

قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» «2»

لا يدلّ علىٰ أنّه غير تلك العناوين.

نعم، في بعض الروايات إشعار بما ذكر «3» لم يصل إلىٰ حدّ الدلالة، و لا يقاوم سائر الأدلّة.

هذا مع أنّه لو سلّم فلا مجال للأصل في مقابل ما عرفت.

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 298.

(2) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1 و 6.

(3) وسائل الشيعة 1: 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص:

169

الأمر الثاني في اشتراط التيمّم بما لا يخرج عن مسمّى «الأرض»
اشارة

لا يصحّ التيمّم بما خرج عن مسمّى «الأرض» كالمعادن الخارجة عن مسمّاها، مثل الزرنيخ و الملح و الكحل و الأحجار الكريمة و الذهب و الفضّة، و كالنبات و الشجر بلا إشكال و لا خلاف، إلّا المحكي عن ابن أبي عقيل من تجويزه «بالأرض و بكلّ ما كان من جنسها، كالكحل و الزرنيخ، لأنّه يخرج من الأرض» «1».

و الظاهر من قوله: «من جنسها» ما لا يخرج عن مسمّاها، فيوافق المشهور، و إن كان تمثيله بما ذكر و تعليله ربّما ينافيان ذلك. و لعلّ مراده من «الخروج من الأرض» بنحو خاصّ منه بما لا ينافي كونه من جنسها، فيكون موافقاً للحكم الكلّي للقوم، و تمثيله بما ذكر من تعيين المصداق، لا الاختلاف في الفتوىٰ و إن لا يخلو من بعد.

و كيف كان: يدلّ على المطلوب الإجماعات المنقولة «2» و الشهرة المحقّقة «3» و ظواهر الأدلّة الدالّة علىٰ أنّ ما يتيمّم به هو الأرض و الصعيد، و ما خرج عن مسمّاها و لا يكون صعيداً و أرضاً لا يصحّ التيمّم به «4».

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 372.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 130، الخلاف 1: 134 135، غنية النزوع 1: 51، منتهى المطلب 1: 141/ السطر 32.

(3) المعتبر 1: 372، قواعد الأحكام 1: 22/ السطر 23، كشف اللثام 2: 449.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 349، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 170

و لا يخفىٰ: أنّ الميزان في عدم الجواز هو ما ذكرنا، و أمّا عنوان «المعدن» فليس في شي ء من الأدلّة موضوعاً للحكم. بل يظهر من الإجماعات المنقولة: أنّ المناط هو الخروج عن مسمّاها من غير دخالة لعنوان المعدن،

ففي «المنتهىٰ»: «لا يجوز التيمّم بما ليس بأرض على الإطلاق، كالمعادن و النبات المنسحق و الأشجار ..» إلىٰ أن قال: «و هو مذهب علمائنا» «1».

ثمّ قال في الفرع الثاني من التفريعات: «و منع ابن إدريس من التيمّم بالنورة «2»، و هو الأقرب؛ لأنّها معدن، فخرجت عن اسم الأرض» «3».

و عليه يحمل إجماع «الخلاف» و «الغنية» «4» لأنّهما مثّلا بالكحل و الزرنيخ و بغيرهما من المعادن، و الظاهر من كلامهما أنّ مرادهما من المعادن من قبيل الكحل و الزرنيخ الخارجين عن مسمّى «الأرض» لا أنّ عنوان «المعدن» بما هو دخيل في الحكم حتّى نحتاج إلىٰ تشخيص مفهومه و مصاديقه، فيجوز التيمّم بما لم يخرج عن مسمّاها؛ و لو صدق عليه عنوان «المعدن» كالتراب الأحمر و حجر الرحى و المرمر و طين الرأس و الأرمني، و غيرها من المعادن الصادق عليها «الأرض».

الاستدلال علىٰ عدم الاشتراط و جوابه

و قد يستدلّ «5» علىٰ جوازه بمطلق ما خرج من الأرض و كان أصله منها و إن تبدّل بحقيقة أُخرى

برواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 141/ السطر 32.

(2) السرائر 1: 137.

(3) منتهى المطلب 1: 142/ السطر 7.

(4) الخلاف 1: 134 135، غنية النزوع 1: 51.

(5) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 471/ السطر الأخير.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 171

عليّ (عليهم السّلام): «أنّه سئل عن التيمّم بالجصّ، فقال: نعم.

فقيل: بالنورة؟ فقال: نعم.

فقيل: بالرماد؟ فقال: لا؛ إنّه ليس يخرج من الأرض، إنّما يخرج من الشجر» «1».

و

في رواية «الجعفريّات» قيل: هل يتيمّم بالرماد؟ قال: «لا؛ لأنّ الرماد لم يخرج من الأرض» «2».

و

في رواية الراوندي: «و لا يجوز بالرماد؛ لأنّه لم يخرج من الأرض» «3».

دلّت تلك الروايات علىٰ أنّ

العلّة في عدم جواز التيمّم برماد الشجر عدم خروجه من الأرض، فلو خرج منها لم يكن مانع منه.

و أُورد عليه: بأنّه لا يدلّ التعليل إلّا على المنع من كلّ ما لم يخرج من الأرض، و أمّا الجواز بكلّ ما خرج منها فلا، و إلّا لفهم منه جوازه بالنباتات «4».

و فيه: بعد بطلان النقض بالنباتات؛ فإنّها نابتة من الأرض عرفاً، لا متبدّلة منها و منقلبة عنها، و المراد من «الخروج منها» في الرواية كخروج الرماد من الشجر، لا كخروج النبات من الأرض، و هو واضح أنّ ذلك وارد لو أُريد الاستدلال بمفهوم التعليل؛ بدعوىٰ دلالته على الحصر و الانتفاء عند الانتفاء؛

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 187/ 539، وسائل الشيعة 3: 352، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 8، الحديث 1.

(2) الجعفريّات، ضمن قرب الإسناد: 24، مستدرك الوسائل 2: 532، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 6، الحديث 1.

(3) نوادر الراوندي، ضمن الفصول العشرة: 50، مستدرك الوسائل 2: 533، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 6، الحديث 2.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 472/ السطر 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 172

ضرورة أنّ مقتضى إطلاق التعليل و إن كان تمام الموضوعية و العلّية التامّة، لكن لا يقتضي ذلك انحصار العلّة، فيمكن أن يقوم شي ء آخر مقامها في نفي الجواز.

و أمّا لو أُريد الاستدلال بأنّه إذا كان عدمُ الخروج من الأرض المراد به بحسب ظاهر الروايات عدم الانقلاب منها علّةً لعدم جواز التيمّم بالرماد، فلا يمكن أن يكون التبدّل و الخروج من الأرض أيضاً علّة لعدم الجواز، فالاستدلال علىٰ عدم جوازه بالمعادن بأنّها خارجة عن مسمّى الأرض؛ ينافي مفاد الروايات.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ التعليل و إن لم يدلّ على الانحصار،

و يمكن قيام علّة أُخرى مقامها، لكن لا يمكن قيام نقيض العلّة مقامها في العلّية لشي ء واحد، فتدلّ الروايات علىٰ جوازه بكلّ ما خرج من الأرض، و لا يكون الخروج منها مانعاً عنه.

إن قلت: هذا إذا أُريد بقوله: «لم يخرج من الأرض» أنّه لم ينقلب منها، و أمّا لو أُريد منه أنّه لم تكن مادّته من الأرض، فلا ينافي قول الفقهاء؛ بتقريب أنّ عدم الجواز معلول لعلّتين؛ إحداهما: عدم كون مادّة الشي ء من الأرض، كما دلّت الروايات «1»، و الثانية: عدم كون صورته من الأرض؛ أي الخروج من مسمّاها، كما ذكره الفقهاء «2».

قلت: لا يمكن جعل الشيئين علّة فعلية لشي ء إلّا إذا أمكن افتراقهما في الجملة، فإذا كان تبدّل صورة الأرض و عدم الخروج عن مادّتها، علّتين لعدم

______________________________

(1) تقدّمت الروايات في الصفحة 171.

(2) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 225/ السطر 3، منتهى المطلب 1: 141/ السطر 32، كشف اللثام 2: 448، جواهر الكلام 5: 130 131.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 173

الجواز، فلا بدّ من الالتزام بأنّه إذا لم يخرج الشي ء من الأرض لا يجوز التيمّم به و لو صدق عليه مسمّاها، و هو كما ترى؛ ضرورة صحّة التيمّم بالتراب كتاباً و سنّةً و إجماعاً و لو كان أصله غير الأرض.

و لو قيل: إنّ الخروج من غير الأرض أو عدم الخروج منها، علّة في صورة خروج صورته منها.

يقال: إنّ تبديل الصورة الأرضية بغيرها علّة حسب الفرض، فعليّة عدم الخروج من مادّة الأرض غير معقول، و جعلها لغوٌ لو كانت مجعولة.

مضافاً إلىٰ أنّ التعليل في الروايات بعدم الخروج من الأرض مع أنّ الرماد خارج عن مسمّاها، و لا تصدق «الأرض» عليه يدلّ

علىٰ أنّ ما هو العلّة هو عدم الخروج من الأرض، لا عدم صدق «الأرض» عليه، و إلّا لكان الأولىٰ بل المتعيّن التعليل به؛ بأن يقال: «إنّه ليس من الأرض» فترك التعليل بالصفة النفسية، و التعليل بأصله و مادّته، دليل علىٰ عدم علّية الخروج عن مسمّاها له.

فلو كانت الروايات حجّة معتبرة، لكان اللازم الالتزام بعدم مانعية تبدّل صورة الأرض، بل الاعتبار بالأصل و المادّة، لا بالصورة؛ لإمكان أن يقال بحكومة تلك الروايات على الآية الكريمة و الروايات الدالّة علىٰ لزوم التيمّم بالأرض، تأمّل. لكنّها روايات ضعيفة سنداً، شاذّة معرض عنها غير معوّل عليها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 174

الأمر الثالث في عدم صحّة التيمّم بالرماد

لا يصحّ التيمّم بالرماد بلا إشكال و لا خلاف ظاهراً؛ لعدم كونه أرضاً، و تؤيّده الروايات المتقدّمة «1». و كذا لا يجوز بالرماد الحاصل من الحجر و الأرض؛ لعدم صدق «الأرض» عليه، و لا أقلّ من الشكّ فيه، و عدمِ حجّية الروايات الدالّة على الجواز «2»، و عدمِ جريان الاستصحاب فيه؛ لا موضوعاً و لا حكماً؛ لعدم وحدة القضية المتيقّنة و المشكوك فيها، فإنّ الرماد حقيقة غير حقيقة التراب و الحجر عرفاً، و ليس تبدّلهما به تبدّل صفة مع بقاء الذات، بل تبدّل حقيقة بأُخرى عرفاً و عقلًا، فما هو حاصل بعد الاحتراق لا يكون بعينه ما هو قبله.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 174

و لو قيل: «إنّ الرماد كان حجراً فصار رماداً» يراد به أنّه كان حجراً قبل تبدّله، و قد تبدّل بشي ء آخر،

أو يراد محفوظيّة المادّة و الهيولى، لا بقاء الحقيقة و التغيّر في الصفة.

نعم، لو فرض في موردٍ عدم التبدّل في الذات كالخزف و الآجرّ و نحوهما فلا إشكال فيه.

و مع الشكّ فلا مانع من إجراء الاستصحاب الحكمي، دون الموضوعي: أمّا الأوّل: فلأنّ

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» «3»

ظاهر في المقام في أنّها مطهّرة، و لا يراد منه أنّها طاهرة و لا مبالغة في الطهارة

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 170 171.

(2) تقدّمت في الصفحة 170 171.

(3) تقدّم في الصفحة 153.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 175

كما احتمل في

قوله: «خلق اللّٰه الماء طهوراً» «1»

فالآجرّ و الخزف قبل طبخهما كانا طهورين بحكم الشارع، فشكّ في ذلك بعد طبخهما فيستصحب. و لا يكون من الاستصحاب التعليقي، بل هو كاستصحاب كرّية الماء و طهارته؛ حيث كان الحكم الشرعي حصول الطهارة بالتيمّم بهما.

و لو كان المراد من قوله: «جعلت لي الأرض .. طهوراً» أنّه إن يتيمّم بها تحصل الطهارة و بعبارة اخرىٰ: يكون مفاده حكماً تعليقياً فلا مانع من استصحابه أيضاً؛ لأنّه في التعليقات الشرعية جارٍ، علىٰ ما هو المحقّق في محلّه «2».

و أمّا عدم الجريان في الموضوعي: فلأنّ ذلك من قبيل الشبهات المفهوميّة، كتردّد مفهوم «اليوم» بين كونه موضوعاً لامتداده إلىٰ ذهاب الحمرة المشرقية، أو إلىٰ سقوط الشمس، فإنّ من المعلوم أنّ الخزف ليس بتراب، و معلوم أنّه خزف، لكن يشكّ في صدق مفهوم «الأرض» عليه من جهة الشكّ في أنّ مفهومها شامل لما طبخ أو لا، و في مثله لا يجري الاستصحاب؛ لأنّ مصبّ أدلّته هو الشكّ في بقاء الشي ء بعد العلم به.

و كذا لا

يجري الاستصحاب في الشبهات الحكميّة التي من قبيلها، كما لو شكّ في أنّ الكرّ شرعاً عبارة عن ثلاثة أشبار و نصف طولًا و عرضاً و عمقاً، أو ثلاثة أشبار، فإذا كان الماء بالمقدار المتيقّن من الكرّ، ثمّ وصل إلىٰ ثلاثة أشبار، لا يجري استصحاب بقاء الكرّ؛ لأنّ الموضوع معلوم؛ أي يعلم أنّه ليس بالحدّ الأوّل، و يعلم أنّه بالحدّ الثاني، فليس الشكّ في بقاء ما علم، بل في تطبيق العنوان عليه شرعاً، و في أنّ الشارع جعل الكرّ أيَّ الحدّين، و في مثله لا يجري الأصل.

______________________________

(1) المعتبر 1: 40 و 41، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9.

(2) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 131.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 176

الأمر الرابع في جواز التيمّم بالجصّ و النورة

يجوز التيمّم بالجصّ و النورة قبل احتراقهما، كما عن المشهور «1»؛ لصدق عنوان «الأرض» عليهما. و لا مضايقة في صدق «المعدن» عليهما؛ لما عرفت «2» من عدم دليل على اعتبار عدم المعدنية، بل المناط عدم الخروج عن مسمّى «الأرض» فالمانع إن يدّعِ الخروج عن مسمّاها، فهو محجوج بالعرف و اللغة، و إن يدّعِ معدنيّتهما، فهو محجوج بأنّ المعدنية غير مضرّة.

و أمّا التفصيل بين حال الاختيار و الاضطرار فلا وجه له؛ لأنّهما لو خرجا عن صدق «الأرض» فلا يصحّ التيمّم بهما مطلقاً، و إلّا فيصحّ كذلك، و لا دليل على التفصيل فيهما، كما في مثل الطين و الغبار.

نعم، قد ذكرنا سابقاً: أنّ صحيحة رِفاعة تشعر بالتفصيل بين التراب و غيره، لكن قد عرفت: أنّ الأظهر كونها في مقام بيان الترتيب بين اليابس و الجافّ و الأجفّ «3».

و كذا يجوز التيمّم بهما بعد احتراقهما؛ لصدق عنوان «الأرض»

و عدم الخروج عن مسمّاها بمجرّد الطبخ، و مع الشكّ يرجع إلى الاستصحاب الحكمي لا الموضوعي، كما مرّ «4».

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 8/ السطر 25، جواهر الكلام 5: 132، مصباح الفقيه، الطهارة: 472/ السطر 22.

(2) تقدّم في الصفحة 170.

(3) تقدّم في الصفحة 163 164.

(4) تقدّم في الصفحة 174.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 177

الأمر الخامس في اشتراط إباحة ما يتيمّم به

يشترط فيما يتيمّم به أن يكون مباحاً، فلا يجوز التيمّم بالمغصوب إجماعاً، كما عن «التذكرة» «1» و عقلًا إن كان الضرب على الأرض داخلًا في حقيقته، كما هو الظاهر؛ لعدم تعدّد العنوان و الجهة معه؛ و إن أمكن أن يقال: إنّ بين عنواني «الضرب على الأرض» و «التصرّف في مال الغير عدواناً» عموماً من وجه، فهما عنوانان متصادقان علىٰ موجود واحد، فما هو الحرام التصرّف عدواناً، و ما هو جزء التيمّم هو الضرب على الأرض، و هو عنوان آخر غيره، و لهذا يفترقان بالضرب على الأرض المباحة، و بالتصرّف بغير الضرب في الأرض المغصوبة، تأمّل.

و كيف كان: لو فرض صحّته فبمقتضى القاعدة، لكن الالتزام بها في غاية الإشكال، بل غير ممكن؛ لتسلّمه بين الأصحاب، و للإجماع المدعىٰ؛ و إن أمكن المناقشة في مثل هذا الإجماع الذي للعقل فيه مدخل و يمكن اتكال المجمعين علىٰ حكمه: إمّا بعدم جواز الاجتماع و ترجيح جانب النهي، أو دعوى أنّ المبعّد لا يمكن أن يكون مقرّباً و لو مع جوازه، أو جهات أُخر مرّ بيانها و الجواب عنها «2»، لكن مع ذلك لا محيص عمّا ذهب إليه الجماعة، إلّا أنّ ذلك فيما إذا كانت الأرض مغصوبة.

و أمّا مع مباحيتها و مغصوبية الآنية أو المكان أو غيرهما، فلا يبعد القول بالصحّة علىٰ طبق

القاعدة؛ لبُعد كون المسألة بالنسبة إلىٰ تلك الفروع إجماعية، و الاحتياط سبيل النجاة.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 2: 177.

(2) تقدّم في الصفحة 113 122.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 178

الأمر السادس في اشتراط طهارة ما يتيمّم به

يشترط في الأرض الطهارة، فلا يصحّ التيمّم بالتراب النجس إجماعاً، كما عن «الغنية» و «التذكرة» و «جامع المقاصد» و «شرح الجعفرية» «1» و عن «المنتهىٰ» نفي الخلاف عنه «2»، و عن «المدارك» نسبته إلى الأصحاب «3»، و هو حجّة.

و يدلّ عليه قوله تعالىٰ: صَعِيداً طَيِّباً «4» بناءً علىٰ كونه بمعنى الطاهر، كما عن ابن عبّاس «5»، بل عن «جامع المقاصد» نسبته إلى المفسِّرين «6». و لا يبعد دعوى ظهوره فيه عرفاً بعد عدم كون المراد منه المُستَلَذّ الذي قيل: «إنّه معناه الحقيقي» «7» بمناسبة الحكم و الموضوع، و بكونه على الظاهر مساوقاً للنظيف عرفاً الذي جعل مقابل القذر في بعض الروايات «8»، أو يكون المراد منه مطلق النظيف، خرج منه النجس إجماعاً، و بقي ما هو المقابل للقذر.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 529/ السطر 5، غنية النزوع 1: 51، تذكرة الفقهاء 2: 177، جامع المقاصد 1: 479.

(2) منتهى المطلب 1: 144/ السطر 30.

(3) مدارك الأحكام 2: 204.

(4) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(5) انظر نهاية الإحكام 1: 198، تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس: 71/ السطر 26.

(6) جامع المقاصد 1: 479.

(7) مجمع البحرين 2: 111.

(8) وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 179

و احتمال كونه مقابل الخبيث «1»، كما في قوله وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبٰاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لٰا يَخْرُجُ إِلّٰا نَكِداً «2» فيكون المراد منه

الأرض النابتة، يُبعده ما مرّ من كون «الصعيد» هو مطلق وجه الأرض بالشواهد المتقدّمة «3»، فلا يبعد دعوى أقربيّة ما ذكرناه أوّلًا و لو بضميمة فهم المفسّرين و الفقهاء.

مع أنّ «الخبيث» ليس لغة بمعنى الأرض غير النابتة، بل بمعنى الردي ء و ما يساوقه «4»، و النجس أيضاً خبيث، و المناسبات المغروسة في الأذهان توجب تعيّن الطيّب المقابل للخبيث في الطاهر المقابل له. و قد اشتهرت النجاسات ب «الأخباث» و «الطهارة من الخَبَث» في مقابل الطهارة من الحدث.

و يؤيّد المطلوب بعض الروايات،

كمرسلة علي بن مطر، عن بعض أصحابنا قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن الرجل لا يصيب الماء و لا التراب، أ يتيمّم بالطين؟ قال: «نعم؛ صعيد طيّب و ماء طهور» «5».

بناءً علىٰ أنّ المراد أنّ الطين صعيد طيّب و ماء طهور، فإنّ الظاهر منها أنّ السؤال من حيث صحّة التيمّم لا صيرورة بدنه نجساً للصلاة، و الجواب عن هذه الجهة، فالرواية دالّة علىٰ صحّته به؛ لكونه كذلك، و لو لا اعتبار الطهور في المتيمّم به لا يكون وجه لتقييده بالطهور، بل في نفس ذكر الطيّب و الطهور إشعار بذلك.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 4: 245.

(2) الأعراف (7): 58.

(3) تقدّم في الصفحة 153.

(4) لسان العرب 4: 9.

(5) تهذيب الأحكام 1: 190/ 549، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 180

و

ما عن «الفقه الرضوي»: «الصعيد: الموضع المرتفع عن الأرض، و الطيّب: الذي ينحدر عنه الماء» «6»

، و عن «معاني الأخبار» تفسير «الطيّب» بما ذكر «7»، و الأخبار الواردة في أنّ الأرض طهور «8»؛ أي طاهرة مطهِّرة، أو مطهِّرة. مع قضاء الارتكاز بأنّ المطهّر لا

بدّ و أن يكون طاهراً.

و الإنصاف: أنّ مجموع ما ذكر يوجب الاطمئنان و إن أمكن الخدشة في غالبها، فلا ينبغي الإشكال في الحكم.

الأمر السابع في امتزاج ما يصحّ التيمّم به بغيره

لو مزج ما يصحّ التيمّم به بغيره، فإن خرج عن صدق «الأرض» باستهلاكه فيما لا يصحّ، أو بالامتزاج علىٰ وجه لا يصدق عليه «الأرض» و إن لم يصدق عليه ما اختلط به أيضاً فلا يصحّ التيمّم به بلا إشكال و لا خلاف ظاهراً، و هو واضح.

و إن لم يخرج عن مسمّاها باستهلاك غير الأرض فيها كما إذا امتزج كفّ من الرماد بأمنانٍ من التراب جاز بلا إشكال؛ للصدق حقيقة عند العرف من غير مسامحة.

و يلحق به بعض الأجزاء الضعيفة التي لا تستهلك عرفاً، مثل الشعرة و بعض ذرات التبن و الحشيش؛ ممّا لا ينفكّ عن الأرض نوعاً؛ للانصراف و عدم فهم

______________________________

(6) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 90.

(7) معاني الأخبار: 283.

(8) وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2 و 3 و 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 181

العرف من «الصعيد» و «الأرض» إلّا تلك الأراضي المتعارفة، لا لصدق «الأرض» على المجموع من التراب و غيره عرفاً؛ ضرورة أنّ الحبّة الصغيرة كحبّة الجاوَرْس و الخَشْخاش و الأجزاء الصغيرة من التبن و غيره إذا كانت علىٰ وجه الأرض لا يطلق على المجموع «الأرض» أو «التراب» إلّا بنحو من المسامحة حتّى في نظر العرف، و قد مرّ «1» أنّ تشخيص موضوعات الأحكام مفهوماً و مصداقاً و إن كان بنظر العرف، لكن المعتبر لولا القرائن هو الدقّة العرفية لا مسامحته؛ من غير فرق بين التحديدات و غيرها، فإذا وجب التيمّم على الأرض، و لم تكن قرينة

توجب الاكتفاء بالفرد المسامحي المجازي، لزم أن تكون الأرض خالصة عرفاً، و يصدق عليها عنوانها من غير مسامحة؛ تحكيماً لأصالة الحقيقة.

و دعوىٰ: أنّ الأجزاء الصغار ليست ملحوظة لدى العرف بحيالها؛ لكون المجموع مصداقاً للصعيد في الفرض، و لا يعتبر أن يكون كلّ جزء جزء يفرض منه ممّا يقع عليه الاسم «2»، غير وجيهة؛ ضرورة أنّ كلّ جزء إذا لم يكن أرضاً عرفاً، لا يمكن أن يكون المجموع أرضاً إلّا بالمسامحة و التأوّل.

و النقض بمورد الاستهلاك كالفرض الأوّل ليس علىٰ ما ينبغي؛ لأنّ فرض الاستهلاك العرفي ينافي البقاء العرفي؛ و إن كان المستهلك باقياً بالبرهان و العقل البرهاني، أو ترى الأجزاء بآلات مكبّرة، لكن العرف لا يرى المستهلك موجوداً و لو بالدقّة، كاستهلاك الماء في اللبن، و المراد بالاستهلاك في الفرض الأوّل ذلك، فلو رؤيت الأجزاء و ميِّزت يكون من قبيل الثاني.

و بالجملة: إنّ مصداق المفاهيم قد يكون عقلياً برهانياً، أو مشخّصاً بآلات

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 73.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 474/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 182

غير عادية كالمكبّرات، و قد يكون عرفياً حقيقياً من غير مسامحة، و قد يكون عرفياً مسامحياً، و الميزان هو تشخيص العرف بالنظر الدقيق العرفي، و لا ريب في أنّ الأرض إذا خالطها أجزاء صغار غير أرضية تدرك بالبصر، لا يصدق علىٰ مجموعها «الأرض» حقيقة، بل الإطلاق بنحو من المسامحة و تنزيل الموجود الصغير منزلة المعدوم.

و لهذا ترى: أنّ العرف يفرّق بين الموضوعات، فيتسامح في خليط التبن بما لا يتسامح في خليط الحنطة، و يتسامح في خليطها بما لا يتسامح في خليط الزعفران و الذهب، و ذلك دليل على التسامح و غضّ البصر

عن بعض الأُمور، لا لأنّ صدق «التبن» على الخليط حقيقي بخلاف «الزعفران».

لكن قد تقدّم وجود قرائن في بعض المقامات علىٰ أنّ الموضوع للحكم الشرعي هو الموضوع الذي يتسامح فيه العرف، مثلًا إذا أوجب الشارع في زكاة الفطر صاعاً من الحنطة أو الشعير، لا ينقدح في ذهن العرف من وجوب صاعٍ من الحنطة و الشعير في زكاة الفطر، إلّا ما هو المتعارف منهما في سوق البلد، لا الخالص غير المتعارف، فالتعارف يوجب الانصراف إلىٰ ما بين أيديهم من الأفراد و تقع معاملاتهم عليه.

كما أنّ بيع كرّ من الحنطة منصرف إلى المصاديق المتعارفة في سوق البلد، فلو كانت الأفراد المتداولة مخلوطة بمقدار من غير الجنس، لا يجب الأداء إلّا ممّا هو المتعارف، لا لأجل صدق كرّ من الحنطة حقيقة و من غير تسامح على الناقص مع المتمّم من غير جنسها، بل لأجل الانصراف إلى المتعارف و عدم اعتناء العرف بمثل هذا الخليط، و إن لم يتسامح في الأجناس الغالية العزيزة.

و في المقام أيضاً ينصرف الأمر بالتيمّم على الصعيد و التراب إلىٰ ما هو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 183

المتعارف، الذي لا ينفكّ عن الخليط بما ذكرناه؛ و إن لم يصدق عليه «التراب» أو «الصعيد» عليه من غير تسامح، و لهذا لو كان الخليط غير متعارف مقداراً أو جنساً كوقوع ذرّات من الذهب على الأرض لا يصحّ التيمّم به؛ لعدم تعارف مثل هذا الاختلاط بالأجنبي.

و هذا هو السرّ في الافتراق بين الاختلاط بغير الأرض ممّا هو متعارف، و بين الاختلاط بغير المتعارف، كالاختلاط بشي ء من النجس، أو الاختلاط الاختياري بشي ء غير الأرض؛ لعدم المناط المتقدّم.

و كذا الحال في أشباه المقام، كاختلاط مقدار من

التراب اختياراً في الحنطة لتتميم الصاع، فإنّ هذا النحو من الاختلاط غير متعارف لا ينصرف إليه الدليل، بخلاف الاختلاط الطبيعي غير المنفكّ، و لهذا يفرّق بين إعطاء صاع من الحنطة في زكاة الفطر، و صاع من التمر؛ لاختلاف تعارف الخلط فيهما، فلو كان التمر مخلوطاً بمثل خلط الحنطة أي الخلط بالتراب و الرمل لا يكتفى به في الزكاة؛ لأجل عدم التعارف، بخلاف اختلاطه بما هو المتعارف، كالأخشاب الصغار من ساقاته و جذوعه.

فتحصّل من ذلك: جواز التيمّم بالتراب و الأرض المتعارفين؛ ممّا هو مخلوط بصغار التبن و الحشيش و غيرهما ممّا لا ينفكّ عنه غالباً، بخلاف الاختلاط بالأجنبي و ما هو غير متعارف خلطاً و مخلوطاً؛ و إن كان صغيراً. و ممّا ذكرنا يظهر النظر في كلام بعض أهل التحقيق ممّن قارب عصرنا «1»، فراجع.

و ليعلم: أنّ ما ذكرنا في المقام مبنيّ علىٰ لزوم استيعاب جميع الكفِّ الأرضَ، لكن فيه كلام سيأتي التعرّض له في محلّه «2».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 473/ السطر 31.

(2) يأتي في الصفحة 277.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 184

الأمر الثامن في جواز التيمّم بغبار الثوب و لبد السرج
اشارة

يجوز التيمّم بغبار الثوب و لِبْد السرج و عُرْف الدابّة عند فقد الأرض أو تعذّر الاستعمال، بلا إشكال نصّاً و فتوى. و عن «المعتبر»: «هو مذهب علمائنا و أكثر العامّة» «1».

و تدلّ عليه

صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أ رأيت المُواقِف إن لم يكن علىٰ وضوء، كيف يصنع و لا يقدر على النزول؟ قال: «يتيمّم من لِبْده أو سرجه أو مَعْرَفة دابّته؛ فإنّ فيها غباراً، و يصلّي» «2».

و

موثّقته عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إن كان أصابه الثلج فلينظر لِبْد سرجه، فليتيمّم من غباره أو

من شي ء معه «5»، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» «3».

و

صحيحة رِفاعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه» قال «4»: «ذلك

______________________________

(1) المعتبر 1: 376.

(2) تهذيب الأحكام 1: 189/ 544، وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1.

(5) لا يبعد أن يكون «معه» مصحَّفَ «مغبَّر»، و لقربهما في الكتب اشتبه الأمر على النسّاخ، و يؤيّده صحيحة رفاعة الآتية. [منه (قدّس سرّه)].

(3) تهذيب الأحكام 1: 189/ 545، وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 2.

(4) هكذا في الطبعة الحجرية من الوسائل، و لكن في بقيّة المصادر: «فإنّ» بدل «قال».

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 185

توسيع من اللّٰه عزّ و جلّ».

قال: «فإن كان في ثلج فلينظر لِبْدَ سرجه فليتيمّم من غُباره أو شي ء مُغبر، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» «1».

و

صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به؛ فإنّ اللّٰه أولىٰ بالعذر؛ إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لِبْد تقدر أن تنفضه و تتيمّم به» «2».

و ينبغي التنبيه علىٰ أُمور:
عدم اختصاص الحكم بالأمثلة المذكورة في النصوص

منها: أنّه يظهر من تعليل صحيحة زرارة و إطلاق قوله: «أو شي ء معه» في موثّقته، عدمُ اختصاص الحكم بالأمثلة المذكورة في النصوص، بل لولاهما أيضاً لا يفهم منها إلّا التمثيل، و اختصاص تلك الأمثلة بالذكر، لأجل كون المحارب المفروض في الصحيحة الأُولىٰ، و المسافر الذي يكون ظاهراً مفروض سائر الروايات، لا

يكون معهم شي ء مغبّر نوعاً إلّا ما ذكر فيها، فلا يستفاد منها إلّا التمثيل، و تُلغى الخصوصية عرفاً بلا إشكال. كما أنّ الظاهر من النصّ و الفتوىٰ عدم الترتيب بين المذكورات، فتقديم الثوب على اللِّبْد «3» أو العكس «4» ممّا لا وجه له.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 189/ 546، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 67/ 1، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 7.

(3) السرائر 1: 138.

(4) النهاية: 49.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 186

عدم جواز التيمّم بالغبار في حال الاختيار

و منها: هل جواز التيمّم بالغبار مشروط بفقد التراب أو مطلق الأرض، كما نسبه في محكيّ «التذكرة» إلىٰ علمائنا «1»، و عن «الكفاية»: «أنّه ظاهر أكثر الأصحاب» «2» و عن «كشف اللثام» كذلك تارة، و أُخرى نسبته إلى الأصحاب «3».

أو لا، فيصحّ التيمّم به اختياراً، كما عن السيّد حيث قال: «يجوز التيمّم بالتراب و غبار الثوب» «4» و عن «المنتهىٰ» و «إرشاد الجعفرية» تقويته؟

لكن لا يستفاد من عبارتهما المنقولة ذلك، بل يمكن أن يكون مرادهما جمع الغبار بمقدار يصدق عليه اسم «التراب» و هي هذه: «إنّ الغبار تراب، فإذا نفض أحد هذه الأشياء عاد إلىٰ أصله، فصار تراباً مطلقاً» «5».

بل يمكن أن يكون مراد السيّد من قوله المتقدّم هو الجواز في الجملة، و لم يكن بصدد بيان نفي الترتيب و عرضية الجواز.

و كيف كان: فالمتبع هو الأدلّة المتقدّمة الخاصّة، و أمّا مقتضى الآية الكريمة «6» و الروايات الدالّة علىٰ أنّ التيمّم بالأرض و التراب «7»، فعدم صحّته بالغبار مطلقاً و لو في حال الاضطرار؛ لعدم صدقهما عرفاً على الشي ء المغبّر أو

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء

2: 180.

(2) كفاية الأحكام: 8/ السطر 30.

(3) كشف اللثام 2: 458 و 459.

(4) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 33.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 534/ السطر 29، منتهى المطلب 1: 142/ السطر 29.

(6) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(7) راجع وسائل الشيعة 3: 343 و 349، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3 و 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 187

الغبار الذي يعلو السرج و اللِبْد، بل هو أثر التراب لدى العرف، كالرطوبة بالنسبة إلى الماء، فلا بدّ من النظر في تلك الروايات:

فنقول: أمّا صحيحة زرارة فلأحد أن يقول: إنّ مقتضىٰ عموم تعليلها جواز التيمّم بما فيه الغبار مطلقاً، و فرض الراوي عدم القدرة على النزول لا يوجب تنزيل التعليل عليه؛ فإنّ المورد لا يقيّد و لا يخصّص إطلاق التعليل أو عمومه، فكما نتعدّى بعموم التعليل أو إطلاقه إلىٰ كلّ ما فيه الغبار، و نتعدّى إلىٰ كلّ عذر، مع أنّ المورد عدم القدرة على النزول، يمكن أن نتعدّى بعمومه عن مورد التعذّر إلىٰ غيره بعد كون فرض التعذّر في كلام الراوي، فهو بمنزلة أن يقول: «إذا لم يكن عنده تراب كيف يصنع؟» فأجاب:

«بأنّه يتيمّم بالحجر؛ فإنّه أرض»

حيث لا يبعد استفادة أنّ الأرض كالتراب في صحّة التيمّم من غير ترتّب بينهما.

نعم، لو كان تقديره في كلام الإمام كان ظاهراً في التأخّر، كما في قوله:

«إذا كنت لا تجد إلّا الطين فلا بأس أن تتيمّم به».

و احتمال التعدّي و لو علىٰ هذا الفرض فلو قال: «إذا لم تجد التراب فتيمّم بالحجر؛ فإنّه أرض» نحكم بجواز التيمّم بالحجر اختياراً ضعيف؛ للفرق بين قوله: «لا تشرب الخمر؛ لأنّه مسكر» و بين قوله: «إذا لم تجد التراب ..»

إلىٰ آخره، فإنّ الظاهر من فرض عدم التراب، أنّه مع وجوده لا يجوز التيمّم بغيره، نعم لازم التعليل التعدّي من الحجر إلىٰ غيره، لا من فرض العجز عن التراب إلىٰ غيره. و هذا بخلاف ما يكون الفرض في السؤال و في كلام الراوي؛ لإمكان القول بالتعدّي و أنّ تمام الموضوع للجواز هو مورد العلّة، تأمّل.

هذا مع تسليم أنّ المفروض في الصحيحة عدم القدرة على التيمّم بالأرض، لكنّه ممنوع، بل المفروض فيها بحسب الظاهر المتفاهم عرفاً عدم التمكّن من النزول للوضوء؛ فإنّ قوله: «إن لم يكن علىٰ وضوء، كيف يصنع

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 188

و لا يقدر على النزول؟» ظاهر في أنّه لا يقدر على النزول للوضوء بقرينة ذكره، و أمّا فرض عدم التمكّن من النزول للتيمّم، فأمر آخر لا بدّ من فرض فقدان الماء معه، و لم يفرضه. مع أنّ فقدانه نادر، و عدم القدرة على النزول لصرف ضرب الكفّ على الأرض نادر أيضاً، بخلاف عدم القدرة للوضوء؛ لاحتياجه إلىٰ زمان معتدّ به.

فتحصّل من ذلك: أنّ المفروض فيها العذر عن الوضوء، فكأنه قال: «إذا تعذّر النزول للوضوء يتيمّم بلِبْد سرجه؛ لأنّ فيه غباراً» فيدلّ علىٰ أنّه عند فقدان الماء يجوز التيمّم بالغبار. و مجرّد كون المورد من الذي لا يتمكّن من التيمّم على الأرض؛ لو فرض فقدان الماء علىٰ فرض تسليمه لا يوجب تقييد الإطلاق و رفع اليد عن التعليل؛ بعد عدم فرض فقدان الماء.

و أمّا

قوله في موثّقة زرارة: «إن كان أصابه الثلج فلينظر لِبْد سرجه، فليتيمّم من غباره»

و إن كان ظاهراً بدواً في الترتيب، لكن يحتمل أن يكون المقصود التنبيه إلىٰ فرد مغفول عنه، فيكون المراد إفادة

صحّة التيمّم بالغبار؛ لئلّا يتوهّم أنّه مع إصابة الثلج فاقد للمتيمّم به، لا لإفادة الترتيب.

و يؤيّده بل يدلّ عليه: أنّه لو كان بصدد إفادة الترتيب، كان عليه أن يقول: «إن لم يجد التراب» فإنّه مع إصابة الثلج، يمكن له تحصيل التراب و الأرض اليابسة نوعاً؛ من غير حرج رافع للتكليف، خصوصاً في المناطق الباردة التي تكون الأرض تحت الثلج يابسة؛ لمنع البرودة من ذوبان الثلج و صيرورتها مبتلّة، فضلًا عن صيرورتها وَحِلة.

مع أنّ التيمّم بالأرض الندية جائز يدّعىٰ عليه اتفاق الأصحاب، و لا يصير تحت الثلج طيناً أو وَحَلًا إلّا في أوقات خاصّة، فتجويز التيمّم بالمذكورات مع إصابة الثلج مطلقاً، دليل علىٰ كونه بها مصداقاً اختيارياً.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 189

و كون إصابة الثلج كناية عن عدم وجدان التراب و الأرض، خلاف الظاهر، مع وجدانهما نوعاً، فلا يبعد أن يكون التعليق علىٰ إصابته؛ للتنبيه علىٰ أنّه لا يلزم مع إصابته أن يتكلّف برفعه من الأرض و يتيمّم بما تحته، بل يجوز التيمّم بغبار الثوب و نحوه؛ فإنّ المكلّف المأمور بالتيمّم إذا أصابه الثلج، يرىٰ نفسه مكلّفاً و ملزماً بتحصيل التراب و الأرض برفع الثلج و سائر الموانع و التيمّم بها، فيمكن أن يراد بذلك دفع توهّم لزومه، لا إفادة الترتيب.

و يؤيّد ما ذكرناه من احتمال كون التعليق للإرشاد إلىٰ مصداق آخر اختياري مغفول عنه صحيحة رِفاعة؛ حيث أردف فيها قوله: «فإن كان في ثلج» بقوله: «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه» فإنّه لإيراد منه الترتيب بين أجفّ موضع من الأرض و بين التراب، كما عليه الفقهاء، فيكون المراد دفعَ توهّم

عدم جواز التيمّم بالأرض المبتلّة، و الإرشادَ إلىٰ مصداق آخر ممّا يصحّ التيمّم به اختياراً، فيمكن الاستئناس به للفرض الثاني.

و يمكن الاستدلال عليه

برواية ابن المغيرة قال: «إن كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم من غباره أو شي ء مغبّر، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم به» «1».

فإنّ الظاهر من عطف «شي ء مغبّر» ب «أو» أنّه مع فقد التراب و الماء في عَرْض الموضع الأجفّ، فمع البناء علىٰ أنّ الأرض الندية في عرض التراب، و يجوز التيمّم بها اختياراً، يتمّ المطلوب. إلّا أنّ المظنون حصول تقطيع في تلك

______________________________

(1) الكافي 3: 66/ 4، وسائل الشيعة 3: 356، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 190

الرواية؛ و أنّ أصلها هي صحيحة رِفاعة «1» المنقولة بتوسّط ابن المغيرة. مع أنّها مقطوعة غير منسوبة إلى المعصوم، و لعلّه فتواه.

و الإنصاف: أنّه لولا مخافة مخالفة الأصحاب، و عدم ثبوت مخالف في المسألة حتّى السيّد كما عرفت «2»، لكان الجواز اختياراً غير بعيد، لكن بعد تسليم المسألة بينهم، و بعد ظهور الآية الكريمة في تعيّن التيمّم بالصعيد «3»، و بعد ظهور الأخبار الكثيرة التي جملة منها ظاهرة في حصر المتيمّم به بالأرض «4»، يمكن دعوى: أنّ التجويز بالغبار من جهة أنّه ميسور الأرض؛ لكونه أثرها، و لهذا ترى أنّ ما دلّت علىٰ تجويزه به إنّما هي في موارد خاصّة، كالمُواقِف غير القادر على النزول، و المصاب بالثلج، و الخائف من سبع و غيره «5»، و ليس في الروايات العامّة إلّا التيمّم بالأرض و الصعيد و التراب،

فلو كان في حال الاختيار جائزاً، لكان في تلك الروايات الكثيرة خصوصاً ما وردت في مقام الامتنان ذكرٌ منه، فيحصل الاطمئنان بما عليه المشهور.

مع إمكان أن يقال: إنّ ما أنكرنا من دلالة الروايات على الترتيب، مناقشات عقلية بعيدة عن الأذهان العرفية، و العرف يفهم منها مع خلوّ نفسه عن المناقشات العقلية الترتيب، و يشهد به فهم الفقهاء و أرباب اللسان.

و بالجملة: الظاهر من الروايات عرفاً بعد تعليق الجواز علىٰ أُمور عذرية أنّ التيمّم به متأخّر عن التيمّم بالصعيد الذي هو التكليف الأوّلي كتاباً

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 184.

(2) تقدّم في الصفحة 186.

(3) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 349، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 191

و سنّة، و لا ينقدح في الذهن كونها في مقام بيان توسعة المصداق الاختياري، فالقول المشهور مع كونه أحوط هو الأقوىٰ.

في اعتبار محسوسيّة الغبار و ظهوره

و منها: أنّه لا إشكال في اعتبار كون الغبار محسوساً علىٰ ذي الغبار؛ بحيث يرىٰ ظاهره مغبّراً، و لا يكفي ضرب اليد علىٰ ما يكون الغبار كامناً فيه و إن أثار الغبار منه بالضرب عليه؛ لعدم صدق «التيمّم بالغبار» كما أُمر به في موثّقة زرارة و صحيحة رِفاعة «1» و مقتضى ظاهر

صحيحة أبي بصير، قال فيها: «إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لِبْد تقدر أن تنفضه و تتيمّم به» «2»

فإنّ الظاهر أنّ النفض لأن يظهر غباره علىٰ ظاهره؛ لعدم وجود ثوب أو لِبْد يمكن أن ينفض منه مقدار من الغبار يصحّ التيمّم به اختياراً، فحمل الاشتراط عليه مرجعه إلى اشتراط لغو غير محقّق

المصداق، فلا يفهم من قوله ذلك إلّا النفض لظهور الغبار؛ و لو لأجل نُدرة المصداق الاختياري أو فقدانه.

و دعوىٰ صدق «التيمّم على الغبار» إذا ضرب يده علىٰ ذي غبار كامن فأثار منه «3»، في غير محلّها؛ ضرورة أنّ الظاهر من الأمر بالتيمّم على الغبار، أن يضرب يده عليه، و مع عدم كون ظاهره مغبّراً لا يقع الضرب عليه، بل يقع على الثوب، و بعده يظهر الغبار، نظير ما فرض من الضرب علىٰ غير الأرض، فصار بالضرب أرضاً، فصيرورة الشي ء بعد الضرب ممّا يصحّ التيمّم به لا يوجب صدق «التيمّم به» و هو ظاهر.

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 184.

(2) تقدّم في الصفحة 185.

(3) جواهر الكلام 5: 147.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 192

و عليها يحمل التعليل في صحيحة زرارة «1»؛ إن لم يكن بنفسه ظاهراً في كون ظاهرها مغبّراً. كما أنّه عليها يحمل إطلاق رواية زرارة «2» الضعيفة بأحمد بن هلال «3». مع أنّ ارتكازية كون الغبار ميسور الصعيد، لا يبعد أن تمنع من إطلاقها. مضافاً إلىٰ أنّ إطلاقها يقتضي الجواز و لو لم يكن في اللِّبْد غبار كامن، و هو كما ترى.

و كيف كان: لا إشكال في المسألة، و لا تحتاج إلىٰ طول البحث.

كما لا إشكال في لزوم كون الغبار ممّا يصحّ التيمّم به، فلا يصحّ بغبار الدقيق و الأُشنان؛ لانصراف الأدلّة و ارتكازية كون الغبار ميسور الأرض و أثرها، فلا ينبغي الخلاف و الإشكال فيه.

و مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق بين مراتب ذي الغبار، و أكثريته لا توجب التعيين بعد اشتراك الكلّ في عدم صدق «الأرض» عليه و صدق «الغبار» و الاحتياط حسن علىٰ كلّ حال.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 184.

(2) يأتي

في الصفحة 197.

(3) رجال النجاشي: 83/ 199، الفهرست: 36/ 97.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 193

الأمر التاسع في جواز التيمّم بالطين
اشارة

لا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2» في جواز التيمّم بالطين إجمالًا، و إنّما الإشكال في أمرين:

أحدهما: في أنّ مقتضى الأدلّة العامّة و الخاصّة هل هو جواز التيمّم به اختياراً، أو هو مترتّب علىٰ مطلق وجه الأرض و مصداق اضطراري للمتيمّم به؟

و ثانيهما: أنّ مقتضاها هل هو تقدّمه على الغبار أو تأخّره؟

مقتضى الأدلّة العامّة

و لنبحث عنهما مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب.

فنقول: مقتضىٰ ظاهر الكتاب «3» و النصوص الآمرة بالتيمّم بالصعيد و الأرض «4»، جواز التيمّم بما يصدق عليه عنوانهما، و لا ريب في أنّ الطين إذا كان غليظاً غير رقيق يصدق عليه «الأرض» و إن لم يصدق عليه «التراب» فالطين المتماسك الذي غلبت أجزاء أرضيته علىٰ مائيته، أرض و صعيد؛ بناءً علىٰ ما تقدّم من كونه مطلق الأرض «5»، و مجرّد خروجه عن صدق «التراب» لا يوجب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9.

(2) المقنع: 27، المقنعة: 59، النهاية: 49، المعتبر 1: 377.

(3) راجع النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(4) وسائل الشيعة 3: 349، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7.

(5) تقدّم في الصفحة 153.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 194

خروجه عن «الأرض» فاللبِنة قبل جفافها و بعده أرض، و ليست بتراب حتّى بعد الجفاف، كما أنّ الأواني المصنوعة من الطين قبل جفافها و بعده أرض، و ليست بتراب.

نعم، قد يكون رقيقاً بحيث يخرج عن صدق «الأرض» عليه، أو يشكّ فيه، كالوحل فإنّ في بعض مراتبه لا يصدق عليه «الأرض» و يشكّ فيه في بعضها. و لعلّ الطين أعمّ من الوحل.

و يشهد لما ذكرنا من صدق «الأرض» على الطين

موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال:

سألته عن حدّ الطين الذي لا يُسجد عليه، ما هو؟ فقال: «إذا غرقت الجبهة و لم تثبت على الأرض» «1».

فإنّ الظاهر منها جواز السجدة على الطين الغليظ المتماسك؛ بحيث تستقرّ الجبهة عليه، و لا شبهة في أنّ جوازها لأجل كونه أرضاً. بل لا يبعد دعوى استفادة كون ما تغرق الجبهة فيه أرضاً منها؛ لجعل المانع منها عدم الاستقرار، لا عدم الأرضية.

و كيف كان: لا شبهة في دلالتها علىٰ أرضية الطين الذي تستقرّ عليه الجبهة لتماسكه.

و تدلّ عليه

رواية زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال قلت: رجل دخل الأجَمة ليس فيها ماء، و فيها طين، ما يصنع؟ قال: «يتيمّم؛ فإنّه الصعيد» «2».

نعم، ربّما يشعر قوله

في مرسلة علي بن مطر: «صعيد طيّب و ماء طهور» «3»

______________________________

(1) الكافي 3: 390/ 13، تهذيب الأحكام 2: 312/ 1267، و: 376/ 1562، وسائل الشيعة 5: 143، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، الحديث 9.

(2) يأتي متنه الكامل في الصفحة 197.

(3) تهذيب الأحكام 1: 190/ 549، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 195

في خلاف ذلك، لكن الظاهر منها أيضاً جواز التيمّم به لكونه صعيداً. و أمّا قوله: «و ماء طهور» فلا بدّ من رفع اليد عن ظاهره؛ لعدم صدق «الماء» عليه بالبداهة، فلعلّ المراد أنّه صعيد طيّب فيه ماء طهور لا يمنع عن التيمّم به، تأمّل.

و كيف كان: بناءً علىٰ صدق «الأرض» على الطين ببعض مراتبه، يجوز التيمّم به اختياراً و لو كان بحيث تتلطّخ اليد بالضرب عليه؛ لظاهر الكتاب و السنّة، فلا بدّ من قيام دليل علىٰ عدم الجواز يقيّد إطلاقهما، و هذا بخلاف

الغبار و الوحل الذي لا يصدق عليه «الأرض» فلا بدّ فيهما من قيام الدليل علىٰ صحّته.

و يظهر ممّا ذكر تقدّم التيمّم بالطين على التيمّم بالغبار بمقتضى الكتاب و السنّة؛ للصدق في الأوّل دون الثاني.

هذا حال الأدلّة العامّة.

مقتضى الأدلّة الخاصّة
اشارة

و أمّا الأدلّة الخاصّة، فقد استدلّ «1» علىٰ تأخّر الطين عن الغبار فضلًا عن الأرض بروايات،

كموثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إن كان أصابه الثلج فلينظر لِبْد سرجه فليتيمّم من غباره أو من شي ء معه، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» «2»

و قريب منها صحيحة رِفاعة «3».

و أمّا ما جعلها في «الوسائل» رواية أُخرى عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام)

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 476/ السطر 11.

(2) تقدّمت في الصفحة 184.

(3) تقدّمت في الصفحة 184.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 196

و هي الرواية الثالثة من الباب «1» فالظاهر أنّها قطعة من الرواية المتقدّمة، لا رواية مستقلّة.

و وجه الاستدلال بهذه الروايات قوله: «و إن كان في حال ..» إلىٰ آخره؛ حيث علّق فيها جواز التيمّم بالطين علىٰ عدم شي ء يتيمّم به؛ و لو مثل اللِّبْد و الثوب، و مقتضاه تأخّر رتبته عنه.

و فيه: أنّ الظاهر من قوله: «إن كان أصابه الثلج» بعد عدم جواز الأخذ بإطلاقه، كما مرّ في المسألة السابقة «2» هو كونه بحيث يتعذّر أو يتعسّر التيمّم معه بالأرض؛ أي لا يمكن رفع الثلج و التيمّم بها، فيكون عدم إمكان التيمّم بالأرض و لو كانت طيناً، مفروضاً في الروايات، فكأنه قال: «مع عدم المصداق الاختياري يتيمّم بالاضطراري» و هو الغبار الذي مرّ أنّه ليس بأرض «3»، فحينئذٍ لا يجوز حمل قوله: «و إن

كان في حال لا يجد إلّا الطين ..» إلى آخره، علىٰ تعليق التيمّم به علىٰ عدم الغبار، بل هو محمول علىٰ فقدان الأرض غير الطين.

بل بعد صدق «الأرض» على الطين عرفاً، لا ينقدح في الذهن تأخّره عن الغبار الذي هو فرد اضطراري و ليس بأرض، فيوجب ذلك ظهوراً فيما ذكرنا لو نوقش في ظهوره ذاتاً في ذلك. مع أنّ المناقشة في غير محلّها ظاهراً.

نعم، لو كان قوله: «إن كان أصابه الثلج» كناية عن فقدان الأرض غير الطين، لكان لما ذكر وجه. لكن لو كان المراد ذلك لكان ذكر المطر أولىٰ، فذكر الثلج خصوصاً في تلك الآفاق التي لا ينزل فيها الثلج، و ترك المطر الذي هو أولىٰ بالذكر لكثرة الابتلاء به و أسرعيته في تطيين الأرض دليل علىٰ أنّ له دخالةً

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 3.

(2) تقدّم في الصفحة 188 189.

(3) تقدّم في الصفحة 186 187.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 197

في الحكم، و للإمام (عليه السّلام) عنايةً في ذكره، و ليس فيه ما يوجب الخصوصية إلّا حيلولته عن الوصول إلىٰ وجه الأرض، فكأنه قال: «إذا لم يمكن التيمّم بالأرض لإصابة الثلج و حيلولته، يتيمّم بالغبار، و إن أمكنه لكن لا يجد إلّا الطين، فلا بأس بالتيمّم به» فتدلّ علىٰ تقدّم الطين على الغبار.

و أمّا تقدّم الأرض الجافّة على الطين، فمبنيّ علىٰ أنّ مفهوم «لا بأس» البأس بمعنى الممنوعية، و أمّا إذا كان المراد التنزيه خصوصاً في مثل التيمّم بالطين ممّا يوجب تلطّخ اليد و الوجه، و ربّما ينافي النظافة المطلوبة فلا، و مع احتماله و عدم ظهوره في الأوّل، لا يمكن رفع

اليد عن إطلاق الأدلّة بها.

أدلّة تقدّم الطين على الغبار
اشارة

و تدلّ علىٰ تقدّم الطين على الغبار و عرضيته مع الأرض،

روايةُ زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: قلت: رجل دخل الأجَمة ليس فيها ماء، و فيها طين، ما يصنع؟ قال: «يتيمّم؛ فإنّه الصعيد».

قلت: فإنّه راكب و لا يمكنه النزول من خوف، و ليس هو علىٰ وضوء، قال: «إذا خاف علىٰ نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت فليتيمّم؛ يضرب بيده على اللِّبْد و البَرْذَعة و يتيمّم و يصلّي» «1».

فقوله: «فإنّه الصعيد» إشارة إلىٰ جواز التيمّم به اختياراً؛ لكونه الصعيد الذي أمر اللّٰه تعالىٰ بالتيمّم منه، و لا ريب في أنّ قوله: «فإنّه راكب» ظاهر في أنّ الداخل على الأجمة الكذائية راكب، و يخاف علىٰ نفسه أن ينزل؛ لكونها مأوى

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 190/ 547، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 198

الأسد، و الحمل علىٰ سؤال مستأنف «1» خلاف الظاهر جدّاً، فحينئذٍ تدلّ علىٰ تقدّم الطين على الغبار.

و يدلّ عليه أيضاً إطلاق

مرسلة عليّ بن مطر، عن بعض أصحابنا قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن الرجل لا يصيب الماء و لا التراب، أ يتيمّم بالطين؟ قال: «نعم؛ صعيد طيّب و ماء طهور» «2».

و الظاهر من قوله: «صعيد ..» إلىٰ آخره أنّه فرد اختياريّ لا منع من التيمّم به، و الماء الذي فيه لا مانع منه.

أمّا

صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به؛ فإنّ اللّٰه أولىٰ بالعذر؛ إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لِبْد تقدر أن تنفضه و تتيمّم

به» «3».

فمع قطع النظر عن سائر الروايات، ظاهرة في أنّ الطين فرد اضطراري عذري متأخّر عن الإفراد الاختيارية، و عن غبار الثوب أو اللِّبْد الذي هو فرد اضطراري أيضاً.

لكن لا يبعد أن يكون التصرّفُ فيها بحمل القدرة على النفض علىٰ ما إذا حصل به مقدار من التراب يمكن إيجاد الفرد الاختياري معه، خصوصاً مع قوله: «إذا لم يكن معك ..» إلىٰ آخره عقيب قوله: «فإنّ اللّٰه أولىٰ بالعذر» فإنّ ظاهره أنّ الطين مصداق عذري، دون التيمّم بما نفض فإنّه مصداق غير عذري-

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 476/ السطر 30 31.

(2) تهذيب الأحكام 1: 190/ 549، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 67/ 1، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 199

أهونَ من التصرّف في سائر الأدلّة، كقوله: «فإنّه صعيد» خصوصاً مع بُعد تقديم ما ليس بصعيد على الصعيد. نعم ظاهرها أنّ التراب مقدّم على الطين.

هذا كلّه إذا أُريد ب «الطين» في جميع الروايات معنى واحد.

لكن يمكن الجمع بينها بوجه آخر: و هو حمل ما دلّ علىٰ جوازه اختياراً على الطين الذي يصدق عليه «أنّه صعيد» بقرينة قوله في رواية زرارة: «أنّه الصعيد» و حمل صحيحة أبي بصير على الوحل الذي يكون مصداقاً عذريا؛ بقرينة قوله: «إنّ اللّٰه أولىٰ بالعذر» لعدم تناسبه مع الطين الصادق عليه «الصعيد» خصوصاً مع جعله في الصحيحة متأخّراً عن الغبار الذي لا تصدق عليه «الأرض» بلا إشكال.

و إن شئت قلت: إنّ إطلاق صدرها و إن يقتضي كون المراد ب «الطين» أعمّ من الوحل، و يمكن جعل قوله: «إنّ اللّٰه أولىٰ

بالعذر» دليلًا علىٰ أنّ مطلق الطين فرد اضطراري، لكن كون التعليل بأمر ارتكازي و هو أنّه مع عدم إمكان الصعيد و العذر منه، يتيمّم بالطين يمنع عن إطلاقه، فيفهم منه أنّ المراد به ما لا يصدق عليه «الأرض» أي الوحل، خصوصاً مع بُعد تأخّر الأرض عن الغبار، فيكون مقتضى الصحيحة تأخّر الوحل عن الغبار، و هي تصير قرينة علىٰ سائر الروايات، كموثّقة زرارة «1» و صحيحة رفاعة «2»؛ و لو مع قطع النظر عن رواية زرارة و مرسلة ابن مطر.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ مقتضى الجمع المذكور جواز التيمّم بالطين الصادق عليه «الأرض» اختياراً، و عند الاضطرار يقدّم الغبار على الوحل الذي هو خارج عن مسمّى «الأرض» حفظاً لظهور صحيحة أبي بصير.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 184.

(2) تقدّمت في الصفحة 184.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 200

النكتة في تعبير الفقهاء ب «الوحل»
اشارة

و لعلّ تعبيرات الفقهاء في المتون ب «الوحل» للجمع المذكور، مع تطابق النصوص جميعاً علىٰ ذكر «الطين» و كان المناسب تبعيتهم لها في التعبير، كما هو بناؤهم في سائر الموارد غالباً، خصوصاً قدماء أصحابنا، فرفع اليد عمّا في النصوص بعنوان مغاير في الجملة للطين، لا بدّ له من نكتة لا يبعد أن تكون ما ذكرناه من الجمع، قال الشيخ في «النهاية»:

«فإن كان في أرض وحلة لا تراب فيها و لا صخر، و كانت معه دابّة، فلينفض عرفها أو لِبْد سرجها و يتيمّم بغبرته. فإن لم يكن معه دابّة و كان معه ثوب تيمّم منه.

فإن لم يكن معه شي ء من ذلك وضع يديه جميعاً على الوحل، و يمسح إحداهما بالأُخرىٰ، و ينفضهما حتّى يزول عنهما الوحل، ثمّ يتيمّم، و لا يجوز التيمّم بما لا يقع عليه اسم

«الأرض» بالإطلاق سوىٰ ما ذكرناه» «1» انتهىٰ.

و هي كما ترى تدلّ علىٰ أنّ الوحل بما أنّه لا يصدق عليه عنوان «الأرض» لا يجوز التيمّم به، فدلّت علىٰ أنّ اختصاصه بالذكر لأجل عدم صدقها عليه، فذكر الوحل الذي هو الطين الرقيق، و ترك ما في النصوص و تعليله ذلك، دليل علىٰ عناية به، و لعلّها ما ذكرناه، و إلّا فلا وجه لرفع اليد عن النصوص بما يخالفها.

و قد عبّر ب «الوحل» في «المراسم» و «الوسيلة» و «الشرائع» و «النافع» و «القواعد» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» قائلًا: «و لو لم يجد إلّا الوحل يتيمّم به، و هو

______________________________

(1) النهاية: 49.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 201

مذهب علمائنا» «2» و إن عبّر بالطين أيضاً في خلال المسائل، لكن الظاهر من تلك العبارة أنّ التيمّم بالوحل مذهب علمائنا. و كذا عبّر به في «الإرشاد» و «الروض» «3» و عن «الدروس» «4».

و في «مفتاح الكرامة» في ذيل قول الماتن: «و لا بالوحل» قال: «أي لا يجوز التيمّم بالوحل اختياراً، كما صرّح به المصنّف و غيره، و في «مجمع البرهان» عدم ظهور الخلاف فيه «5» ..» «6» إلىٰ آخر ما قال، حيث يظهر منه أنّ معقد عدم ظهور الخلاف عنوان «الوحل».

و لا اعتماد علىٰ تفسير المتأخّرين المتونَ المشتملة على «الوحل» ب «الطين» فإنّ الظاهر أنّ التفسير حسب اجتهادهم و علىٰ ما وجدوا النصوص كذلك، قال في «مفتاح الكرامة»: «و الوحل: هو الطين الرقيق، كما نصّ عليه جماعة من الأصحاب «7»» «8» و هذا أيضاً دليل علىٰ عناية منهم بذكر الوحل مقابل الطين.

و كيف كان: لا ريب في أنّ تطابقهم على التعبير به، ليس من باب الاتفاق بلا

عناية منهم بمعنى الوحل، مع ما عرفت من حكاية تفسير جماعة منهم

______________________________

(2) المراسم: 53، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 71، شرائع الإسلام 1: 39 و 40، المختصر النافع: 17، قواعد الأحكام 1: 23/ السطر 2، تذكرة الفقهاء 2: 180 و 181، منتهى المطلب 1: 142/ السطر 34.

(3) إرشاد الأذهان 1: 234، روض الجنان: 120/ السطر 27 و 29.

(4) الدروس الشرعيّة 1: 130.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 222.

(6) مفتاح الكرامة 1: 529/ السطر 25.

(7) جامع المقاصد 1: 481، مدارك الأحكام 2: 204، كشف اللثام 2: 450.

(8) مفتاح الكرامة 1: 530/ السطر 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 202

ب «الطين الرقيق» و لا يمكن حمل كلامهم علىٰ أنّ المراد به الطين مع ما عرفت، و مع تفسير أئمّة اللغة «الوحل» ب «الطين الرقيق». ففي «الصحاح»: «الوحل: الطين الرقيق» «1» و في «القاموس»: «الوَحْل و يحرّك-: الطين الرقيق ترتطم فيه الدوابّ» «2» فما في «مفتاح الكرامة» حكايةً عنه تفسيره ب «الطين» مخالف لما فيه.

و فسّره في «المنجد» و «المجمع» ب «الطين الرقيق» «3» و قد ذكر الفقهاء الموتحل و الغريق في باب صلاة الخوف قرينين «4»، و المراد به من غرق في الوحل؛ و هو الطين الرقيق الذي يغرق الإنسان فيه.

و مع ما عرفت لا يمكن دعوى الشهرة أو الإجماع علىٰ تأخّر الطين الغليظ المتماسك الذي يصدق عليه «الأرض» عن الصعيد، فضلًا عن تأخّره عن الغبار، و لا أقلّ من الشكّ فيه، و معه لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الكتاب و السنّة و مقتضى الجمع بين الأدلّة؛ و إن عبّر بعضهم ب «الطين» كالشيخ في «الخلاف» «5».

بل و لو نوقش في ظهور

الأدلّة فيما ذكرناه و في اقتضاء الجمع المذكور، فلا أقلّ من أنّ ما ذكرناه احتمال مساوٍ لما ذكروه، و دعوى الظهور فيما قالوا ممنوعة، فلا يجوز رفع اليد عن إطلاق الآية و الروايات الصحاح، إلّا أن يمنع صدق «الأرض» على الطين بجميع مصاديقه، أو يدّعى انصراف الأدلّة إلىٰ غيره، و هما ممنوعان مردودان إلى المدعي.

______________________________

(1) الصحاح 5: 1840.

(2) القاموس المحيط 4: 65.

(3) المنجد: 891، مجمع البحرين 5: 490.

(4) المقنعة: 215، النهاية: 128 و 129، غنية النزوع 1: 92، تحرير الأحكام 1: 55/ السطر 25.

(5) الخلاف 1: 155.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 203

كيفية التيمّم بالوحل

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق الأدلّة أنّه ليس للتيمّم بالوحل كيفية خاصة، بل كيفيته هي المعهودة المتداولة في التيمّم بالأرض. نعم لا مانع من فرك الطين من اليد، بل لا يبعد استحبابه إن قلنا باستحباب النفض؛ بدعوى استفادته من أدلّة النفض «1».

و لعلّه مراد الشيخ المفيد (رحمه اللّٰه) «2» كما أنّه ظاهر شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة، حيث قال: «وضع يديه جميعاً على الوحل، و يمسح إحداهما بالأُخرىٰ، و ينفضهما حتّى يزول عنهما الوحل، ثمّ يتيمّم» «3» فما نسب إليه من مخالفته للأصحاب «4» ليس علىٰ ما ينبغي.

بل لا يبعد أن يكون ذلك أيضاً مراد صاحب «الوسيلة» قال:

«فإن لم يكن معه شي ء من ذلك و وجد وحلًا يتيمّم منه، و ضرب بيديه عليه، و قد أطلق الشيوخ (رحمهم اللّٰه) ذلك على الإطلاق. و الذي تحقّق لي منه أنّه يلزمه أن يضرب يديه على الوحل قليلًا، و يتركه عليها حتّى ييبس، ثمّ ينفض عن اليد و يتيمّم به» «5» انتهىٰ.

فإنّ الظاهر من تعليق جواز التيمّم بالوحل علىٰ عدم وجود شي ء

ممّا يتيمّم به

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3 و 6 و 7، و الباب 12، الحديث 2 و 4.

(2) المقنعة: 59.

(3) تقدّم في الصفحة 200.

(4) جواهر الكلام 5: 148، مصباح الفقيه، الطهارة: 476/ السطر الأخير.

(5) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 71.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 204

أنّ التيمّم به بهذه الكيفيّة متأخّر عن سائر المراتب، و لو كان مراده الحيلة إلىٰ تحصيل التراب و التيمّم به، لم يكن وجه لذلك التعليق؛ فإنّ التيمّم بالتراب جائز كان أصله الوحل أو لا. مع أنّ الظاهر منه أنّ كلامه في مقابل إطلاق الأصحاب في كيفية التيمّم لبيان لزوم النفض، و الظاهر رجوع الضمير في قوله: «و يتيمّم به» إلى الوحل، لا إلى المنفوض، تأمّل. و كيف كان فالمتبع هو إطلاق الأدلّة.

ثمّ إنّ في لزوم تلك الحيلة أو مثلها لتحصيل التراب، كلاماً ربّما يأتي في ذيل مسألة جواز التيمّم في سعة الوقت.

تتميم في حكم التيمّم بالثلج
اشارة

الظاهر انحصار ما يتيمّم به و لو اضطراراً بما ذكر، و مع فقده يكون فاقد الطهورين. و حُكي عن ظاهر السيّد و ابن جنيد و سلّار التيمّم بالثلج «1»، و استدلّ عليه «2»

بصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أجنب في سفر، و لم يجد إلّا الثلج أو ماءً جامداً، قال: «هو بمنزلة الضرورة يتيمّم، و لا أرىٰ أن يعود إلىٰ هذه الأرض التي توبق دينه» «3».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر منها عدم وجدان شي ء ممّا يتيمّم به اختياراً و اضطراراً، فيكون الظاهر من قوله: «يتيمّم» أنّه يتيمّم بالثلج.

و يشهد له قوله: «و لا أرىٰ أن يعود ..» إلىٰ آخره،

فإنّ التراب أحد

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 377 378، المراسم: 53.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 149 150، مصباح الفقيه، الطهارة: 478/ السطر 15.

(3) الكافي 3: 67/ 1، وسائل الشيعة 3: 355، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 205

الطهورين، و معه لا يوبق دينه.

و فيه: أنّ الظاهر من قوله: «و لم يجد إلّا الثلج أو ماءً جامداً» هو عدم وجدان الماء، لا عدم وجدان الأرض و لا الطين و لا الغبار، و قوله: «يتيمّم» في مقام الجواب؛ أي إذا لم يجد ماءً و كان الماء جامداً يتيمّم، و عدم ذكر ما يتيمّم به لأجل وضوحه بنصّ الكتاب و السنّة، و لو كان المراد التيمّم بالثلج كان عليه التصريح. مع كونه مخالفاً لما ذكر، و قد مرّ دلالة ذيلها علىٰ عدم جواز تحصيل الاضطرار عمداً و التيمّم بالتراب.

و قوله: «لا أرىٰ أن يعود ..» إلىٰ آخره؛ أي لا يعود إلىٰ أرض لا يجد فيها ماءً للطهارة، و مجرّد كون التراب أحد الطهورين، لا يوجب جواز تحصيل الاضطرار، كما مرّ في أوائل هذه الوجيزة «1».

و أمّا التمسّك «2» بقاعدة الاحتياط و الشغل، و

قوله: «الصلاة لا تترك بحال» «3»

فهو كما ترى. مع حكومة

«لا صلاة إلّا بطهور» «4»

علىٰ مثل «الصلاة لا تترك بحال» لو سلّم وروده. مع أنّه لا يوجب طهوريّة ما ليس بطهور، بل مقتضاه عدم سقوط الصلاة مع فقد الطهور، لا جعل ما ليس بطهور طهوراً، و سيأتي تتمّة لذلك في محلّه إن شاء اللّٰه «5».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 14.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 149، مصباح الفقيه، الطهارة: 478/ السطر 15.

(3) لم نعثر علىٰ نصّ

بهذا اللفظ و لكن

ورد «لا تدع الصلاة علىٰ حال».

انظر وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1 و 6.

(5) يأتي في الصفحة 361.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 206

حول كلام المفيد في التوضي بالثلج مثل الدهن

و عن المفيد في «المقنعة»: «و إن كان قد غطّاها الثلج، و لا سبيل إلى التراب، فليكسره و ليتوضّأ به مثل الدهن» «1» انتهىٰ.

و فيه: أنّه إن كان مراده ب «التوضّي مثل الدهن» هو مسح الأعضاء بدل الغسل بدعوىٰ أنّه ميسوره؛ فإنّه عبارة عن إيصال الماء و إجرائه عليه، و مع عدم إمكان ذلك لا يسقط ميسوره؛ و هو إيصال رطوبة الماء و بلّته إلى العضو و مسحه به، كما تشهد به

رواية عبد الأعلىٰ، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): عثرت فانقطع ظفري، فجعلت علىٰ إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: «يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه عزّ و جلّ؛ قال اللّٰه تعالىٰ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» امسح عليه» «3».

فإذا كان المسح على المرارة ميسور المسح على البشرة لانحلال المسح عليها إلى الإمرار و مماسّة الماسح للممسوح، فإذا رفعت المماسّة للحرج بقي الإمرار على الملاصق بالعضو؛ لارتكازيّة قاعدة «الميسور ..» يكون المقام كذلك جزماً.

فيرد عليه: بعد الغضّ عن سند القاعدة، و عدم ثبوت جبره، و عدم ثبوت كونها عقلائيّة يتكل عليها العقلاء في أُمورهم أنّ عنوان «المسح» مقابل بل مباين للغسل، و لا يكون ميسوره عرفاً، و لا يعتني العرف بهذه التحليلات العقليّة.

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 378، المقنعة: 59.

(2) الحجّ (22): 78.

(3) الكافي 3: 33/ 4، تهذيب الأحكام 1:

363/ 1097، وسائل الشيعة 1: 464، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 207

مع أنّ الغسل بالماء لا ينحلّ إلىٰ وصول الرطوبة التي ليست بماء، بل أثره عرفاً و مغايرة له ذاتاً، فلا مجال للتمسّك بالقاعدة في مثله.

و أمّا رواية عبد الأعلى و إن كانت موهمة لذلك، لكن التأمل فيها يدفع التوهّم؛ فإنّ المفروض فيها حكمان؛ أحدهما: عدم لزوم المسح على البشرة، و الثاني: لزوم المسح على المرارة، و ما يعرف من كتاب اللّٰه أي آية عدم جعل الحرج التي تمسّك بها أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) هو الحكم الأوّل؛ ضرورة أنّ المستفاد منها ليس إلّا عدم جعل التكاليف الحرجية، و أمّا جعل البدل و بقاء الوضوء المركّب من المسح و الغسل بعد تعذّر بعض أجزائه، فلا يكاد يستفاد و يعرف منها.

مضافاً إلىٰ وضوح عدم كون المسح على المرارة ميسور المسح على البشرة، فلو صحّ التقريب و التحليل المتقدّم لصحّ أن يقال: إنّ المسح على البشرة منحلّ إلىٰ أصل المسح، و كونه باليد، و كونه على البشرة، و كونه بأثر الماء المنحلّ إلىٰ مطلق المائع و الخصوصيّة، فإذا تعذّر الجميع يجب المسح و لو بأثر مائع غير الماء علىٰ غير البشرة و بغير آلية اليد، و هو كما ترى.

و بالجملة: إنّ المسح على الخرقة ليس ميسور المسح على الرجل؛ و لو كانت الخرقة متصلة و ملصقة بها.

و الظاهر أنّ استناده على الآية إنّما هو للحكم الأوّل؛ أي عدم لزوم المسح على البشرة، و قوله: «امسح عليه» خصوصاً عقيب التمسّك بها حكم تعبّدي آخر لا يمكن معرفته منها.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ التمسّك بالقاعدة لتبديل الغسل بالماء

بالمسح بالثلج، في غير محلّه.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 208

و قد يتوهّم «1» دلالة طائفة من الروايات علىٰ جواز الاغتسال و التوضّي مسحاً بدل الغسل، كصحيحة علي بن جعفر و رواية معاوية بن شريح و سيأتي حالها عن قريب.

و إن كان مراده من «التوضّي بمثل الدهن» الاكتفاء بأقلّ مراتب الغسل، كما هو مقتضى الروايات في الوضوء.

فيرد عليه: أنّه مع إمكان الوضوء به بلا حرج كما هو كذلك في الوضوء نوعاً فلا وجه لتأخّره عن التراب، و مع حرجيته لا يجب، و يكون فاقد الطهورين.

و قد يوجّه قوله: بأنّ التيمّم في موارد الحرج لمّا كان رخصة لا عزيمة، يجوز تحمّل المشقّة بالوضوء و الغسل مع حرجيتهما، و يجوز تركهما و التيمّم. و جعَل ما ذكر وجه الجمع بين طائفة من الروايات كروايتي محمّد بن مسلم و معاوية بن شريح و صحيحتي علي بن جعفر و بين صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة «2»؛ بحمل ما عدا الأخيرة علىٰ جواز الوضوء و الغسل مع حرجيتهما، و الأخيرة علىٰ جواز التيمّم و عدم تعيّنه «3».

و قد تقدّم كون ما يرفع بدليل الحرج عزيمة لا رخصة بما لا مزيد عليه «4».

و الأولى في المقام نقل الروايات حتّى يتضح حال التوهّم المتقدّم أي تبديل الغسل بالمسح و الدعوى المتقدّمة في توجيه كلام الشيخ المفيد (رحمه اللّٰه)

فعن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب في السفر لا يجد

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 477/ السطر 12.

(2) تقدّمت في الصفحة 204.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 477/ السطر 35.

(4) تقدّم في الصفحة 101.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 209

إلّا الثلج، قال: «يغتسل

بالثلج أو ماء النهر» «1».

و

عن معاوية بن شريح قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا عنده فقال: يصيبنا الدَّمَق و الثلج، و نريد أن نتوضّأ، و لا نجد إلّا ماءً جامداً، فكيف أتوضّأ، أدلك به جلدي؟ قال: «نعم» «2».

و

في صحيح علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل الجنب أو علىٰ غير وضوء، لا يكون معه ماء، و هو يصيب ثلجاً و صعيداً؛ أيّهما أفضل أ يتيمّم، أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال: «الثلج إذا بلّ رأسه و جسده أفضل، فإن لم يقدر علىٰ أن يغتسل به فليتيمّم» «3»

و قريب منها روايته الأُخرىٰ «4».

و قد يتوهّم منها خصوصاً من رواية معاوية وجوب المسح بالثلج في صورة فقدان الماء و عدم إمكان الغسل «5».

و فيه ما لا يخفى؛ أمّا قوله

في رواية ابن مسلم: «يغتسل بالثلج أو ماء النهر»

فهو ظاهر في أنّ الاغتسال بهما سواء، و هو خلاف المطلوب. مضافاً إلىٰ أنّ مسح الثلج بالبشرة غير الاغتسال به بالبداهة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 191/ 550، وسائل الشيعة 3: 356، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 191/ 522، وسائل الشيعة 3: 356، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 192/ 554، وسائل الشيعة 3: 357، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 3.

(4) قرب الإسناد: 181/ 668، وسائل الشيعة 3: 357، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 4.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 477/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 210

و الظاهر أنّ مراده من «الاغتسال به» هو دلكه على الجسد بنحو يحصل به أقلّ

مراتب الغسل، و قد تقدّم «1» في باب الوضوء و الغسل: أنّ المعتبر في ماهيتهما ليس إلّا أقلّ مراتب الجريان و لو بإعانة اليد، و ليس الغسل فيهما كالغسل من القذارات، كما هو المصرّح به في الروايات «2».

و بالجملة: إنّ المتفاهم من هذه الرواية اعتبار تحقّق عنوان «الغسل» و هو موقوف علىٰ إجراء ماء الثلج على البشرة في الجملة؛ و لو بالدلك و إعانة حرارة البدن.

و أمّا رواية ابن شريح فليست في مقام بيان كفاية المسح عن الغسل، بل بعد فرض إرادة الوضوء المعهود بين المسلمين المصرّح به في الكتاب و السنّة و هو الغسلتان و المسحتان سأل عن نحو تحصيله بنحو دلك الماء الجامد على العضو، فالسؤال عمّا يتوضّأ به، لا عن تبديل الوضوء بغيره، كما لا يخفى على المتأمل.

و لعلّ احتمال اعتبار كون ما يتوضّأ به قبل الغسل به ماءً مطلقاً، أو احتمال لزوم إجراء الماء على العضو كإجرائه في باب غسل القذارات، صار منشأً لسؤاله.

و أمّا صحيحة علي بن جعفر فلولا ذيلها لكانت ظاهرة فيما يتوهّم، علىٰ تأمّل فيه ناشئ من أنّ ارتكازية اعتبار الغسل في ماهيّة الاغتسال تمنع عن ظهور قوله: «إذا بلّ رأسه و جسده» في الرطوبة التي لا يحصل منها أقلّ مراتب الغسل. لكن صراحة قوله: «فإن لم يقدر أن يغتسل به فليتيمّم» رافعة للتوهّم و الإجمال علىٰ فرضه. بل هو حاكم على الظهور البدوي للصدر لو سلّم ذلك. هذا حال التوهّم المتقدّم.

______________________________

(1) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 420.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 484، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 52.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 211

و أمّا الدعوى المتقدّمة، فصحّتها مبنية علىٰ

أن يكون الموضوع في تلك الروايات، فرض حرجية الوضوء و الغسل، فيقال: إنّ تجويزهما مع فرضها دليل علىٰ كون السقوط رخصة لا عزيمة، فيحمل الأمر بالتيمّم في صحيحة ابن مسلم عليه، فيكون ذلك طريق جمع بين الروايات.

و فيه: منع كونها في مقام بيان حال حرجيتهما، بل هي في مقام بيان حكم آخر، بخلاف صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.

أمّا رواية ابن مسلم و إن كان ظاهر صدرها، السؤال عن تكليفه عند عدم وجدان غير الثلج، فيكون مطابقاً لصحيحته في ذلك، لكن الظاهر من الجواب، بيان كون الاغتسال بالثلج و بماء النهر سواء، فهو في مقام بيان صحّة الاغتسال به كالاغتسال بماء النهر، و أمّا لزومه أو جوازه فلا يفهم منه؛ لعدم كونه من هذه الجهة في مقام البيان، فهو كقوله ابتداءً: «إنّ الوضوء بالثلج كالوضوء بماء النهر» لا يدلّ إلّا على التسوية بينهما، و أمّا مع حرجيته فيجوز أو يجب فلا يستفاد من مثله.

مع أنّه علىٰ فرض تسليم شموله لحال الحرج، يكون إطلاقاً يجب تقييده بأدلّة الحرج الحاكمة على المطلقات. و دعوىٰ كون المفروض حرجية الاغتسال ممنوعة.

و أمّا رواية ابن شريح، ففي مقام بيان جواز الوضوء بذلك الثلج على العضو، و لا إشعار فيها بفرض الحرج، كما لا يخفى. مع أنّ الوضوء بالثلج ليس حرجياً نوعاً. و كيف كان لا يمكن الاتكال عليها للمدعىٰ.

كما أنّ صحيحة علي بن جعفر أيضاً تكون في مقام بيان حكم آخر؛ و هو أفضلية التيمّم أو المسح بالثلج، فلا يكون المفروض فيها حرجياً. و الاستدلال بقوله: «أفضل» الظاهر في كون التيمّم أيضاً جائزاً و لو كان مفضولًا، و إن لا يخلو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 212

من وجه، لكن مع قرب احتمال أنّ ذكره لأجل وجوده في السؤال، لا لأجل عناية بصحّة التيمّم في الفرض و لهذا قال في ذيلها: «فإن لم يقدر أن يغتسل به فليتيمّم» الظاهر في أنّ التيمّم إنّما هو مشروع مع عدم القدرة، كما هو المرتكز في الأذهان و المستفاد من الكتاب و السنّة، كما تقدّم «1» لا يفهم منه ما يدعىٰ، و ليس «الأفضل» في هذه الرواية إلّا

كقوله في صحيحة ابن سنان الواردة في خوف العطش: «فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» «2»

و

كقوله في رواية ابن أبي يعفور مع فرض كون الماء بقدر شربه: «يتيمّم أفضل» «3».

و الإنصاف: أنّه لا يمكن رفع اليد عمّا تقدّم «4» من ضروب الاستدلال كتاباً و رواية علىٰ كون السقوط في مورد الحرج عزيمة بمثل هذا الإشعار الضعيف.

و بما ذكرنا يرفع التضادّ و المعارضة المتوهّمان بين تلك الروايات، و بين صحيحة محمّد بن مسلم الظاهرة في أنّ موردها حرجية الغسل بوجوه، فتدبّر.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 12 15.

(2) الكافي 3: 65/ 1، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1267، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 65/ 2، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 4.

(4) تقدّم في الصفحة 101.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 213

المبحث الثالث في كيفيّة التيمّم

اشارة

و إن كان الترتيب يقتضي أن يذكر أوّلًا ما له دخل في ماهيّة التيمّم من الأجزاء المقوّمة لها، ثمّ تُذكر شروطها و ما هي خارجة عن حقيقتها، لكن وقع خلاف الترتيب تبعاً لبعض المتون «1»، و الأمر سهل. و كيف كان:

يعتبر في التيمّم أُمور:

______________________________

(1) و هو متن الشرائع كما صرّح (قدّس سرّه) به

في الجزء الأوّل من كتاب الطهارة: 329، انظر شرائع الإسلام 1: 40.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 215

الأمر الأوّل في اعتبار النيّة
اشارة

و قد فرغنا من المباحث المتعلّقة بها في مبحث الوضوء «1»، و نتعرّض في المقام لبعض المباحث المتعلّقة بخصوص التيمّم:

عدم لزوم قصد البدلية
اشارة

منها: إنّ مقتضىٰ ما حقّق في محلّه من أصالة التوصّلية في الأوامر أمّا للإطلاق اللفظي؛ لجواز أخذ جميع القيود حتّى ما تأتي من قِبل الأوامر في متعلّقاتها، كما هو التحقيق «2»، و إمّا للإطلاق المقامي؛ بعد كونِ بيان جميع القيود الدخيلة في المتعلّقات المؤثّرة في حصول الغرض، من وظائف المولى، و إمكان بيانها بدليل منفصل «3» عدم وجوب شي ء في التيمّم سوى الضرب و المسحات المأخوذة في الأدلّة كتاباً و سنّة.

و لا إشكال في إطلاق طائفة من الروايات،

كموثّقة زرارة، عن أبي جعفر

______________________________

(1) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 347.

(2) راجع مناهج الوصول 1: 274.

(3) نهاية الأفكار 1: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 216

في التيمّم قال: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «1»

و قريب منها صحيحة المرادي «2»، و كبعض ما وردت في قضيّة عمّار بن ياسر «3» و غيرها «4».

بل الظاهر إطلاق الآية الكريمة «5» أيضاً، كما يشهد به بعض ما ورد من تمسّك المعصوم بالخصوصيات المأخوذة فيها «6» ممّا لا مجال له إلّا للإطلاق.

لكن يجب الخروج عن مقتضى الإطلاقات بقيام الإجماع بل الضرورة علىٰ عبادية التيمّم و لزوم النيّة و الإخلاص فيه. و قد مرّ في بعض المباحث السالفة «7» و في بحث الأُصول: أنّ مناط عبادية الطهارات الثلاث، ليس الأوامر الغيرية من غاياتها و لو قلنا بوجوب المقدّمة. مع بطلانه أيضاً؛ و أنّ عباديتها في رتبة سابقة علىٰ تعلّقها بالفرض «8».

و كيف كان: لا شبهة في اعتبار النيّة في التيمّم، و

قد تظافرت دعوى الإجماع عليه، كما عن «الغنية» و «نهاية الإحكام» و «الذكرى» و «إرشاد

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 212/ 615، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 209/ 608، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 2.

(3) دعائم الإسلام 1: 120، تفسير العيّاشي 1: 244/ 145، مستدرك الوسائل 2: 536، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 2 و 4، و قد تقدّم في الصفحة 158 أيضاً.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 3.

(5) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(6) راجع وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(7) تقدّم في الصفحة 9.

(8) مناهج الوصول 1: 383، تهذيب الأُصول 1: 251.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 217

الجعفرية» و «المدارك» و «كشف اللثام» «8» بل عن «المعتبر» و «التذكرة» و «جامع المقاصد» و «روض الجنان» إجماع علماء الإسلام عليه «9».

و عن «المنتهىٰ»: «لا نعرف فيه خلافاً، و به قال أهل العلم سوىٰ ما حكي عن الأوزاعي و الحسن بن صالح بن حيّ «10»» «11».

بل لزوم النيّة و قصد القربة و الإخلاص فيه و في أخويه ضروري في الفقه، و لزوم الإخلاص في العبادة مستفاد من السنّة المستفيضة «21».

و أمّا اعتبار قصد الوجه و التمييز في النيّة و غيرهما كقصد البدلية فلا دليل عليه. بل مقتضى الإطلاق عدمه و لو قلنا: بأنّ التيمّم بدل عن الوضوء و الغسل؛ فإنّ عنوان البدلية بناءً عليه ثابت لنفسه من غير دخالة للقصد فيه. بل في إمكان ذلك تأمّل و إشكال.

مع أنّه لا دليل

علىٰ كونه بدلًا منهما، خصوصاً إن أُريد بالبدلية كون التيمّم بدل الطهور، فإنّه مخالف للأدلّة، و مجرّد كونه أمراً ثابتاً في حال الاضطرار و مصداقاً اضطرارياً، لا يستلزم البدلية؛ فإنّها أمر زائد عليه.

فإن أُريد بالبدلية كونه مصداقاً اضطرارياً و لهذا يقال: «إنّه بدل اضطراري» فهذا أمر لا معنىٰ للنزاع فيه، و لا مشاحّة في الاصطلاح.

______________________________

(8) انظر مفتاح الكرامة 1: 538/ السطر 19، غنية النزوع 1: 62، نهاية الإحكام 1: 203، ذكرى الشيعة 2: 256، مدارك الأحكام 2: 215، كشف اللثام 2: 466.

(9) المعتبر 1: 390، تذكرة الفقهاء 2: 187، جامع المقاصد 1: 488، روض الجنان: 122/ السطر الأخير.

(10) المغني، ابن قدامة 1: 253.

(11) منتهى المطلب 1: 144/ السطر 35.

(21) راجع وسائل الشيعة 1: 59، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 218

و إن كان المراد بها أمراً زائداً علىٰ ذلك، و عنواناً ملازماً للمصداق الاضطراري، فهو ممنوع؛ فإنّ المصداق الاضطراري يمكن أن يكون مستقلا في التأثير في ظرفه، لا نائباً عن غيره و بدلًا عنه، فلا ملازمة بينهما عقلًا و لا عرفاً.

و دعوى استفادة ذلك من بعض الأخبار،

كصحيحة حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل لا يجد الماء، أ يتيمّم لكلّ صلاة؟ فقال: «لا؛ هو بمنزلة الماء» «1».

و

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: كيف التيمّم؟ فقال: «هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة» «2».

و

موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن التيمّم من الوضوء و الجنابة و من الحيض للنساء سواء؟ فقال: «نعم» «3».

مدفوعة؛ لأنّ كونه بمنزلة الماء في جواز إتيان

الصلوات الكثيرة به، لا يلازم كونه بدلًا منه؛ فإنّ وحدة منزلة شيئين في حصول أمر لو لم نقل بكونها دليلًا على استقلال كلٍّ في حصوله لا تكون دليلًا علىٰ نيابة أحدهما عن الآخر أو بدليته.

و بالجملة: لا يستفاد منه إلّا كون التيمّم مثل الوضوء في الحكم المذكور،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 200/ 581، وسائل الشيعة 3: 379، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 20، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 611، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 212/ 617، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 219

أو مطلقاً، نظير

قوله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» «1»

فإنّ كون أمير المؤمنين بمنزلة هارون (عليهما السّلام) لا يستلزم نيابتَه عن هارون، و أصالةَ هارون في نيابته عن موسى، و عدمَ أصالة المولى (عليه السّلام) في نيابته عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و أمّا الرواية الثانية فلا إشعار فيها بالمدّعى؛ فإنّ كون التيمّم للوضوء لا معنىٰ له بحسب ظاهره، و الظاهر أنّ ذكر الوضوء و غسل الجنابة؛ لمجرّد المعرّفية عن التيمّم الذي هو للحدث الأصغر و الأكبر، فلا يستفاد منه البدلية بوجه.

و كذا لا تستفاد من الثالثة؛ لأنّ قوله: «من الوضوء» لولا تعقّبه بقوله: «و الجنابة و من الحيض» لا يبعد ظهوره في البدلية؛ و إن كان وقوعه في لفظ الراوي لا يفيد شيئاً، و ليس قول الإمام تقريراً لذلك، لكن مع تعقّبه به يدفع ذلك.

و الإنصاف: أنّ تلك الروايات لا تكون في مقام إفادة بدلية التيمّم و أصالة الوضوء و الغسل، بل

هي بصدد مجرّد المعرّفية، نظير قوله

في صحيحة محمّد بن مسلم بعد بيان التيمّم: ثمّ قال: «هذا التيمّم علىٰ ما كان فيه الغسل ..» «2» إلىٰ آخره.

بل الظاهر من مثل

قوله: «التراب أحد الطهورين» «3»

و

قوله: «إنّ اللّٰه جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «4»

عدم البدلية.

ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون القائل بكون التيمّم مبيحاً لا رافعاً، هو القائل

______________________________

(1) الخصال: 572/ 1، أمالي الصدوق: 147/ 7، مستدرك الوسائل 18: 367، كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 20، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 612، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 5.

(3) لم نعثر على نصّ بهذا اللفظ و لكن يوجد مقارب منه. انظر وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 220

ببدليته؛ بأن يقول: إنّ المعتبر في الصلاة هو الطهور، و هو لا يحصل إلّا بالوضوء و الغسل، و أمّا التيمّم فبدل عن الطهور، لا موجب له و رافع للحدث، و إلّا فلو قيل بحصول الطهور منهما فلا معنىٰ للبدلية، و سيأتي في المسألة الآتية ما هو التحقيق.

ثمّ إنّ ما ذكرنا هاهنا من إنكار البدلية بالمعنى المتقدّم، لا ينافي ما سيأتي منّا مراراً من التمسّك بإطلاق البدلية و عموم المنزلة «1»، كما يظهر بالتأمل.

رافعيّة التيمّم للحدث
اشارة

و منها: صرّح غير واحد «2» بل ادّعى الإجماع جماعة «3» بأنّ التيمّم ليس برافع للحدث، بل هو مبيح، فلا يجوز فيه نيّة الرفع. و قد استدلّ عليه بعد الإجماع ببعض وجوه عقلية، سيأتي الكلام فيها و في حال الإجماع المدعىٰ

«4».

و ليعلم: أنّه لا ريب في أنّ المستفاد من الأخبار استفادة قطعيّة أنّ التيمّم طهور، كما أنّ الوضوء و الغسل كذلك،

كقوله: إنّه «أحد الطهورين» «5»

و «إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد» «6»

و «إنّ اللّٰه جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «7»

و إنّه

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 387 و 389 و 400.

(2) المبسوط 1: 34، جامع المقاصد 1: 506، الدروس الشرعيّة 1: 134.

(3) المعتبر 1: 394، منتهى المطلب 1: 145/ السطر 1، تذكرة الفقهاء 2: 214.

(4) يأتي في الصفحة 224 230.

(5) وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(6) وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15 و 17.

(7) وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 221

«بمنزلة الماء» «1»

و «جُعلتْ لي الأرض مسجداً و طهوراً» «2»

و إنّ المتيمّم «فعل أحد الطهورين» «3»

و «إنّ التيمّم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضّأ من غدير ماء» «4»

و «إنّ الصعيد طهور المسلم إن لم يجد الماء عشر سنين» «5»

و «إنّ التراب طهور المسلم و لو إلىٰ عشر سنين ..» «6»

إلىٰ غير ذلك.

مع ظهور الآية الكريمة «7» فيه صدراً و ذيلًا؛ فإنّ الظاهر عرفاً من جعل التيمّم في مقام الضرورة شرطاً للصلاة، أنّه في حالها يفيد فائدة الوضوء و الغسل و لو بمرتبة نازلة منها، لا كونه أجنبياً عنهما و عن أثرهما، كما هو الظاهر في أمثال المقام، فلو قال الطبيب: «اشرب الدواء الكذائي، و لو لم تجده اشرب كذا» يفهم أنّه يفيد فائدة الأوّل و لو بمرتبة ناقصة منه.

و هذا واضح و لو مع الغضّ عن قوله تعالىٰ وَ

لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ فإنّه كالنصّ في ذلك. و دعوىٰ كونه مربوطاً بالصدر أي الوضوء و الغسل كما ترى.

نعم، في مقابل ما عرفت بعض روايات، ربّما يدّعىٰ دلالتها علىٰ عدم طهوريته،

كصحيحة الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «إذا لم يجد الرجل طهوراً، و كان جُنباً، فليمسح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد ماء فليغتسل، و قد أجزأته صلاته التي صلّىٰ» «8».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2 و 3 و 4.

(3) وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.

(4) وسائل الشيعة 3: 378، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 6.

(5) سنن الترمذي 1: 81/ 124، سنن النسائي 1: 171 (مع تفاوت يسير).

(6) سنن أبي داود 1: 144/ 332 (مع تفاوت يسير).

(7) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(8) الكافي 3: 63/ 3، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 222

و مثلها صحيحة ابن سنان «1»؛ فإنّ التيمّم لو كان طهوراً لم يقل: «لم يجد طهوراً» مع إشعار الإجزاء به أيضاً.

و فيه: بعد كونه من قبيل مفهوم القيد الذي لا نقول بحجّيته، و لمّا لم يكن التيمّم طهوراً مطلقاً كالماء، كان الكلام مصوناً عن لغوية ذكره أنّ مثله لا يقاوم الأدلّة الناصّة علىٰ طهوريته، و دعوىٰ إشعار ذيلها بذلك كما ترى، بل يمكن دعوى الإشعار أو الدلالة بتحقّق الشرط الذي هو الطهور.

و منه يظهر الحال

في موثّقة يعقوب بن سالم، حيث قال فيها: «قد مضت صلاته، و لْيتطهّر»

«2».

و كذيل

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام): «و متىٰ أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنباً، و الوضوء إن لم تكن جنباً» «3».

و فيه: عدم ظهوره في أنّ إطلاق «الجنب» عليه إنّما هو في حال التيمّم، فإنّه كان جنباً قبل التيمّم، فصحّ إطلاقه عليه بلحاظه، و لا ظهور له في اتصال زمان وجدان الماء لصفة الجنابة.

نعم، ظاهره كونه قبل وجدانه جنباً، فلا يصحّ الحمل على الجنابة الحاصلة بعد وجدانه.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 193/ 556، و: 197/ 572، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 195/ 563، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 210/ 611، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 223

و

كموثّقة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: رجل أمّ قوماً و هو جنب و قد تيمّم، و هم علىٰ طهور، فقال: «لا بأس» «5».

بدعوىٰ إطلاق «الجنب» عليه حتّى مع تيمّمه، فإنّ الظاهر منها أنّه أمّهم مع كونه جنباً. و أيضاً جعله مقابل القوم «و هم علىٰ طهور».

و فيه: أنّ قوله: «و هو جنب و قد تيمّم» ليس معناه أنّه جنب حتّى مع التيمّم، بل المراد أنّه جنب فتيمّم، فأمّ قوماً مع التيمّم، فلم يظهر منه أنّه جنب حتّى حال التيمّم و الصلاة.

و الإنصاف: أنّ السائل إنّما هو بصدد الاستفهام عن جواز اقتداء المتوضّي بالمتيمّم؛ من دون نظر إلىٰ بقاء جنابته حال التيمّم أو لا، و أجابه عن ذلك من غير نظر إلىٰ غيره. و قوله: «و هم

علىٰ طهور» قد مرّ جوابه.

هذا، مع أنّ إطلاق ابن بكير و جعله مقابلًا لما ذكر ليس بحجّة، و الإمام (عليه السّلام) ليس إلّا بصدد بيان حكم الاقتداء، فلم يظهر منه تقريره لما فهمه. مضافاً إلىٰ عدم مقاومة أمثال تلك الإشعارات التي لم تصل إلىٰ حدّ الدلالة لما تقدّم.

و قد ورد في هذا الموضوع

حسنة جميل بن درّاج أو صحيحته «1» تكشف المراد من مثل موثّقة ابن بكير، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إمام قوم أصابته

______________________________

(5) تهذيب الأحكام 1: 404/ 1265، و 3: 167/ 366، وسائل الشيعة 8: 327، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 17، الحديث 3.

(1) رواها الصدوق، عن محمّد بن حمران و جميل بن درّاج، و طريقه إليهما صحيح، و رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران و جميل بن درّاج.

و لعلّ الترديد لأجل وقوع أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار في طريق الشيخ الطوسي إلىٰ محمّد بن علي بن محبوب و هو محلّ كلام.

و لا يخفىٰ أنّ المصنّف (قدّس سرّه) عبّر عنها بالصحيحة في الصفحة 17 و 162 و 238 و 315.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 224

جنابة في السفر، و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل، أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ قال: «لا، و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم؛ فإنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً، كما جعل الماء طهوراً» «1».

فنفي البأس في موثّقة ابن بكير إنّما هو لأجل كون التراب طهوراً كالماء، فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة.

إنّما الإشكال من جهتين أُخريين:
الجهة الأُولىٰ: هي الإشكال العقلي المعروف
اشارة

و هو أنّ التيمّم إذا كان رافعاً و مفيداً

للطهارة، لا يمكن أن ينتقض بوجدان الماء الذي ليس بحدث إجماعاً «2».

مع أنّ وجدانه لو كان حدثاً لزم المساواة في الموارد؛ لأنّه إمّا حدث أصغر يوجب الوضوء، أو أكبر يوجب الغسل، مع أنّه بانتقاض التيمّم ترجع الحالة الأُولىٰ جنابة أو حيضاً أو حدثاً آخر، و هو دليل علىٰ عدم كونه رافعاً.

و يمكن دفع الإشكالين: بأنّ الظاهر من الأخبار في الأبواب المتفرّقة، أنّ الحدث مانع عن الصلاة؛ سواء في ذلك الحدث الأصغر و الأكبر، و إيجاب الوضوء و الغسل لتطهير الحدثين، و منزلتهما كمنزلة الماء في تطهير القذارات الصورية و عود المحلّ إلىٰ حالته الأصلية.

و هذا في الحدث الأكبر واضح؛ ضرورة أنّ المكلّف الذي لم يحصل له

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 404/ 1264، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

(2) المعتبر 1: 394، منتهى المطلب 1: 145/ السطر 1، روض الجنان: 124/ السطر 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 225

أسباب الجنابة و غيرها من سائر الأحداث الكبيرة، تصحّ صلاته، فلو كان شرط الصلاة أمراً وجودياً و كمالًا نفسانياً يحصل بالغسل، لكان اللازم على المكلّف الغسل و لو مع عدم حصول الأسباب. و القول بكونه واجداً له قبل حصولها، و هي صارت موجبة لزواله، و الغسل موجب لعوده، كما ترى.

و المتدبّر في الروايات خصوصاً ما تعرّضت لعلل الغسل و الوضوء «1» لا يكاد يشكّ في أنّ الجنابة حالة قذارة تحصل بأسبابها، و الغسل تطهير من الجنابة و تلك القذارة، و كذا الحال في الوضوء.

بل إطلاق «الطهور» على الغسل و الوضوء و كذا على الماء، ليس إلّا كإطلاقه على الماء بالنسبة إلىٰ رافعيته للقذارات الصورية؛ لأنّ معنى «التطهير»: التنظيف

المساوق لإزالة القذارة، و الأشياء غير الأعيان النجسة نظيفة بحسب ذاتها، و إنّما عرضت لها القذارة بملاقاتها القذارات، و الماء طهور لها، و موجب لعودها إلى الحالة الأصلية، و حال الوضوء و الغسل الطهورين من الأحداث و القذارات المعنوية، حال الماء الطهور من القذارات الصورية.

و يظهر ذلك بالتأمل في الآية الكريمة «2»؛ حيث قال تعالىٰ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا أي من الجنابة.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 225

و كذا يظهر

من قوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا .. إلىٰ آخره المفسّر بأنّه: «إذا قمتم من النوم» «3»

فيظهر منه أنّ الوضوء لرفع حدث النوم.

______________________________

(1) راجع علل الشرائع: 257، وسائل الشيعة 1: 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 9، و 2: 178، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 2.

(2) المائدة (5): 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 7/ 9، وسائل الشيعة 1: 253، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 3، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 226

و كذا يظهر ذلك من

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار؛ بذلك جرت السنّة من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله» «1».

حيث إنّ إطلاقها يقتضي نفي الصلاة إلّا بطهور من الأحداث و الأخباث، و ذيلها ظاهر في أنّ الاستنجاء بالأحجار و غسل البول لإزالة القذر، و مقتضى وحدة السياق و الحكم أن يكون الطهور من

الأحداث كذلك، فليست الصلاة مشروطة بالطهارة؛ أي الأمر المعنوي الحاصل بالوضوء و الغسل، نعم الطهارات الثلاث عبادات مقرّبات إلى اللّٰه تعالىٰ، و بهذه الحيثية يطلق على الوضوء: «أنّه نور»

و «الوضوء على الوضوء نور علىٰ نور» «2».

لكن لم يتضح كونها بتلك الحيثية شرطاً للصلاة، بل الظاهر أنّها مع عباديتها رافعة للقذارات المعنوية التي هي مانعة عنها.

و بالجملة: الأقرب بالنظر إلىٰ مجموع الأدلّة، هو مانعية الأحداث و الأرجاس عن الصلاة، و الطهور رافع لها، و المسألة تحتاج إلىٰ زيادة تفصيل و تنقيح.

إذا عرفت ذلك نقول: يمكن أن يقال: إنّ الأحداث الحادثة بأسبابها، إنّما تعرض على المكلّف، و تصير كالحالة الأصلية الثانوية له، و التيمّم إنّما يرفع الحدث ما دام متحقّقاً، فإذا انتقض بوجدان الماء و غيره، ترجع الحالة الأصلية الثانوية.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(2) الفقيه 1: 26/ 82، وسائل الشيعة 1: 377، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 8، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 227

و هو بوجه نظير النظافة التي للأشياء، فإنّها نظيفة لولا عروض القذارة عليها، و مع رفع القذارة عنها ترجع إلىٰ حالتها الأصلية من غير تأثير سبب، فيمكن أن تكون الجنابة العارضة كالحالة الأصلية و إن كانت حالة أصلية إضافية، و التيمّم رافعاً لها ما دام باقياً، و بوجدان الماء انتقض التيمّم، و ترجع الحالة الأصلية من غير لزوم تأثير سبب، فالماء ليس بحدث، بل ناقض للتيمّم الرافع للحدث، و المانع عن فعليته حالة الجنابة.

و إن شئت قلت: إنّ أسباب الأحداث توجب مع الأحداث اقتضاءً في الذات لإبقائها، و الوضوء و

الغسل رافعان لها و للاقتضاء، و التيمّم رافع لها لا للاقتضاء، و وجدان الماء ناقض للتيمّم، و رافع لمانع تأثير المقتضي، فيرجع الحدث بالاقتضاء الحاصل بالأسباب، تأمّل.

و علىٰ أيّ تقدير: يندفع كلا الإشكالين العقليين، مع حفظ ظهور الأدلّة في ناقضية الماء التيمّم و كونه طهوراً، و من غير مخالفة للإجماع المدّعىٰ علىٰ عدم كون الماء حدثاً.

جواب بعض المحقّقين عن الإشكالين السابقين و ما يرد عليه

و ما ذكرنا في دفعهما أولىٰ و أقرب إلىٰ ظهور الأدلّة ممّا ذكره بعض المحقّقين: من أنّ الطهارة إن كانت أمراً وجوديّاً كما هو الأظهر، نلتزم بحصولها لموضوع خاصّ؛ هو العاجز، و مع رفع العجز ينتفي الطهور بانتفاء موضوعه، لا لوجود المزيل.

و إن كانت القذارة أمراً وجودياً، فلا استحالة في أن يكون التيمّم مزيلًا لتلك القذارة علىٰ وجه يعدّ نظافة مع الضرورة، نظير مسح اليد بالحائط

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 228

لدى الضرورة. بل من الجائز أن يكون رافعاً لها بالمرّة، و لكن يكون أسبابها المؤثّرة لحدوثها، مقتضيات لتجدّدها عند تجدّد القدرة على استعمال الماء «1»، انتهىٰ ملخّصاً.

و فيه:- مضافاً إلىٰ أنّ ما اختاره من كون الطهارة أمراً وجودياً معتبراً في العبادات، خلاف التحقيق، كما أشرنا إليه، و ليس المقام جديراً بتحقيقه مستقصى أنّ القول بأنّ الطهور ينتفي بانتفاء موضوعه لا بوجود المزيل، مخالف للنصوص المصرّحة بناقضية الماء له، كصحيحة زرارة «2» و غيرها «3» و لكلمات الفقهاء فإنّهم جعلوا التمكّن من استعمال الماء ناقضاً له. بل عن جمع حكاية إجماع أهل العلم سوىٰ شاذّ من العامّة «4» عليه «5»، و معلوم أنّ ناقضية الماء غير تبدّل الموضوع.

و يرد علىٰ فرضه الثاني أي كون القذارة أمراً وجودياً، و التيمّم يعدّ نظافة لدى الضرورة، و

هو عبارة أُخرى عن حصول نظافة ناقصة غير كافية لدى الاختيار: أنّ هذا أيضاً مخالف لما تقدّم من الأخبار و كلمات الأصحاب، فإنّه لو صار عاجزاً فتيمّم، و وجد الماء مع القدرة على استعماله، و لم يتطهّر و فقد الماء، لا يجب علىٰ ما ذكره تجديد التيمّم؛ لحصول النظافة الناقصة و عدم تجدّد رافع لها.

و أمّا ما ذكره أخيراً، فيمكن إرجاعه إلىٰ ما ذكرناه أخيراً و إن كان خلاف

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 484/ السطر 21.

(2) الكافي 3: 63/ 4، تهذيب الأحكام 1: 200/ 580، وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 2 و 6.

(4) المبسوط، السرخسي 1: 110، الجامع لأحكام القرآن 5: 234، المجموع 2: 302.

(5) المعتبر 1: 401، تذكرة الفقهاء 2: 207، كشف اللثام 2: 492.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 229

ظاهره، فإنّ الظاهر منه أنّ تلك الأسباب الموجبة للأحداث، مقتضية للحدث عند وجدان الماء، مع أنّه مستحيل لو كان الاقتضاء علىٰ طبق التكوين. مضافاً إلىٰ أنّه التزام بحدوث حدث جديد و لو بالسبب الأوّل.

و كيف كان: لا يمكن رفع اليد عن ظاهر الكتاب و السنّة القطعية بتلك الوجوه العقلية القابلة للدفع.

الجهة الثانية: دعوى الإجماع علىٰ عدم كون التيمّم رافعاً

و قد تكرّرت الدعوىٰ في كتب القوم، كالشيخ و المحقّق و العلّامة و الشهيد و المحقّق الثاني و غيرهم «1».

لكن معروفية الاستدلال بالدليل العقلي المتقدّم بينهم من لدن عصر الشيخ، تمنع عن كشف دليل شرعيّ تعبّدي؛ لقرب احتمال كون المستند هو الوجه العقلي لا غير، كما ربّما يظهر من الشيخ في «الخلاف» عدم الإجماع منّا في هذه المسألة، فإنّه ادّعىٰ

عدم الخلاف في أنّ المتيمّم إذا وجد الماء وجب عليه الغسل، و مع كون التيمّم رافعاً لم يكن واجباً، فيظهر منه أنّ مستنده في هذا الحكم، هو عدم الخلاف في تلك المسألة و الوجه العقلي، قال:

«التيمّم لا يرفع الحدث، و إنّما يستباح به الدخول في الصلاة، و به قال كافّة الفقهاء إلّا داود و بعض أصحاب مالك، فإنّهم قالوا: يرفع الحدث «2».

دليلنا: أنّه لا خلاف في أنّ الجنب إذا تيمّم و صلّى ثمّ وجد الماء وجب

______________________________

(1) الخلاف 1: 144، المعتبر 1: 394، منتهى المطلب 1: 145/ السطر 1، ذكرى الشيعة 2: 282، جامع المقاصد 1: 514، مدارك الأحكام 2: 252.

(2) المجموع 2: 221.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 230

عليه الغسل، فلو كان الحدث قد زال بالتيمّم لما وجب عليه الغسل؛ لأنّ رؤية الماء لا توجب الغسل ..» «30» إلىٰ آخره.

و مراده ب «كافّة الفقهاء» هو فقهاء العامّة، كما يظهر من تعبيراته عنهم و عنّا في «الخلاف» و لذا استثنىٰ منهم داود و بعض أصحاب مالك، و لم يستثن السيّدَ منّا المصرّح بأنّه رافع، فعن «الذكرى»: «قال المرتضىٰ في «شرح الرسالة»: إنّ الجنب إذا تيمّم، ثمّ أحدث بالأصغر، و وجد ما يكفيه للوضوء، توضّأ به؛ لأنّ حدثه الأوّل قد ارتفع و جاء ما يوجب الصغرىٰ» «4» انتهىٰ. بل لا يبعد ظهوره من مقنع الصدوق «5» أيضاً.

و كيف كان: فالشيخ لم يدعِ الإجماع في هذه المسألة، و لهذا لم يدعه بعد قوله: «دليلنا كذا» بل جعل الدليل عدم الخلاف في مسألة أُخرى جعلها مبنى المسألة و تمسّك بالوجه العقلي المتقدّم «1».

و لا يبعد ظهوره من منتهى العلّامة «2» أيضاً. نعم ظاهر «التذكرة»

ادعاؤه زائداً على الدليل العقلي «3».

و علىٰ أيّ تقدير: لا يمكن الاتكال على الإجماع. مع قوّة احتمال أن يكون مرادهم أنّ التيمّم لا يرفع الحدث كرفع الماء؛ بحيث لا يحتاج إلى الغسل عند وجدانه، و هو مسلّم.

______________________________

(30) الخلاف 1: 144.

(4) ذكرى الشيعة 2: 283.

(5) المقنع: 25.

(1) تقدّم في الصفحة 224.

(2) منتهى المطلب 1: 145/ السطر 1.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 214.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 231

الأمر الثاني في اعتبار المباشرة
اشارة

تعتبر في التيمّم المباشرة حال الاختيار، فلو يمّمه غيره مع قدرته لم يصحّ بلا إشكال. و عن «المنتهىٰ»: «لا خلاف عندنا في أنّه لا بدّ من المباشرة بنفسه» «1».

و نفى عنه الريب في محكي «المدارك» «2» و هو كذلك؛ لظهور الأدلّة فيها، فإنّ المتبادر من هيئة الأمر هو بعث المأمور لإيجاد المأمور به.

و الظاهر أنّ ذلك من دلالة اللفظ، لا حكم العقل كالإلزام الذي قلنا: إنّه خارج عن مفاد الهيئة و إن كان صِرف البعث، حجّةً عقلائية علىٰ لزوم الخروج عن عهدة التكليف ما لم يرد من قِبَل المولى ترخيص في الترك «3». لكن المباشرة مفهومة من ظاهر الهيئة، لكن لا بمعنى دخول مفهوم اسمي في مفاد الهيئة، بل بمعنى وضعها لنفس الإغراء المتوجّه إلى الغير بوجه يكون المبعوث خارجاً عنه، كخروج القيد و دخول التقيّد بوجه، فتدلّ دلالة لفظية على الإغراء المتوجّه إلى الغير؛ بحيث لا يكون جزءَ مفادِها.

و لا إشكال في أنّ الصدور الحقيقي بلا تأوّل هو المباشري، دون التسبيبي و النيابي المحتاجَين إلىٰ نحو تأوّل و ادعاء.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 148/ السطر 13 14.

(2) مدارك الأحكام 2: 227.

(3) مناهج الوصول 1: 250 256، تهذيب الأُصول 1: 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط -

الحديثة)، ج 2، ص: 232

حكم العاجز عن المباشرة

و كيف كان: لا شبهة في ظهور الأوامر وضعاً أو انصرافاً أو عقلًا مع قطع النظر عن القرائن في لزوم المباشرة، و مقتضاه سقوط الأمر عند تعذّره؛ لعدم دليل علىٰ تعدّد المطلوب في نفس الأدلّة الأوّلية، و لا يستفاد ذلك من الهيئة المتوجّهة إلى المخاطب الباعثة إيّاه نحو المأمور به.

نعم، لا إشكال في المقام في لزوم إيجاده تسبيباً و جعل غيره آلة لإيجاده بلا خلاف، كما في «الجواهر» «1» و عن «المدارك»: «تجب الاستنابة في الأفعال دون النيّة عند علمائنا» «2» فيظهر منه تسلّم الحكم عندهم.

مضافاً إلىٰ

صحيحة محمّد بن سكين في المجدور الذي غسّلوه فمات، ففي ذيلها: «أ لا يمموه؟! إنّ شفاء العيّ السؤال» «3».

و أمّا

مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «يؤمّم المجدور و الكسير إذا أصابتهما جنابة» «4»

فمع كونها في نسخة «الوسائل» بدل «يؤمّم» «يتيمّم» «5» يمكن أن يكون مبنيّاً للفاعل، فإنّ «يمّم» و «تيمّم» بمعنى واحد، فلا تدلّ على المطلوب.

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 178.

(2) مدارك الأحكام 2: 227.

(3) الكافي 3: 68/ 5، وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 15، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 185/ 533، وسائل الشيعة 3: 348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 10.

(5) في النسخ الموجودة من الوسائل لدينا أيضاً «يؤمّم».

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 233

نعم، لا يبعد ظهور

مرسلة «الفقيه» في البناء للمفعول علىٰ تأمّل قال: و قال الصادق (عليه السّلام): «المبطون و الكسير يؤمّمان و لا يغسّلان» «1»

و إن كان المظنون فيهما البناء للمفعول، لكنّه ظنّ خارجي غير حجّة. و كيف كان لا إشكال في أصل

الحكم.

كما لا إشكال في أنّ المباشر يباشر صورة العمل؛ مقتصراً علىٰ مقدار يعجز عنه المكلّف، و يباشر النيّة نفس المكلّف، كما ادّعى «المدارك».

كما أنّ المعتبر ضرب يدي العاجز مع الإمكان، فإنّ ضربهما دخيل في ماهية التيمّم جزءً أو شرطاً، و ليس حاله حال الاغتراف للوضوء أو الغسل. و مع عدم إمكان ضرب يديه ينوب عنه الصحيح؛ بأن يضرب يديه على الأرض، فيمسح بهما وجه العليل و يديه.

و عن الكاتب: «يضرب الصحيح بيديه، ثمّ يضرب بهما يدي العليل» «2».

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّه مع دوران الأمر بين سقوط ما يتيمّم به و سقوط آلية اليد، لا شبهة في سقوط الثاني، و ضرب اليد على اليد المضروبة على الأرض ليس ضرباً عليها؛ أ لا ترى أنّه لو دار الأمر بين سقوط آلية اليد و التيمّم بالحديد مثلًا اختياراً، لا يحتمل تقديم الثاني! و ضرب اليد على اليد كضربها على الحديد.

و ممّا ذكرنا يظهر صحّة قول الشهيد: «إنّه لم نقف علىٰ مأخذ قول الكاتب» «3» و النظر فيما عن «كشف اللثام» من دعوى ظهور المأخذ «4».

______________________________

(1) الفقيه 1: 59/ 217، وسائل الشيعة 3: 348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 12.

(2) انظر ذكرى الشيعة 2: 269.

(3) نفس المصدر.

(4) كشف اللثام 2: 480.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 234

الأمر الثالث في اعتبار الترتيب
اشارة

يعتبر الترتيب بين أجزاء التيمّم؛ بتقديم الضرب على الأرض علىٰ مسح الجبهة، و هو علىٰ مسح الكفّ اليمنىٰ، و هو على اليسرىٰ، فلو نكس استأنف بما حصل معه الترتيب. و هو إجماعي، كما عن «الغنية» و «المنتهىٰ» و «إرشاد الجعفرية» و «المدارك» و «المفاتيح» و ظاهر «التذكرة» و «الذكرى» «1».

و عن المرتضىٰ: «أنّ كلّ

من أوجب الترتيب في الوضوء أوجبه فيه، فمن فرّق بينهما خرق الإجماع» «2».

و عن «جامع المقاصد»: «يجب تقديم اليمنىٰ على اليسرىٰ إجماعاً» «3» و عن «الذكرى» نسبته إلى الأصحاب «4».

لكن ترك جمع منهم ذكر الترتيب بين الكفّين ك «الشرائع» و عن «المراسم» و «السرائر» و «المقنع» و «جمل العلم و العمل» «5» و عن بعضهم ترك

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 544/ السطر 21، غنية النزوع 1: 63، منتهى المطلب 1: 147/ السطر 30، مدارك الأحكام 2: 226 227، مفاتيح الشرائع 1: 62، تذكرة الفقهاء 2: 196، ذكرى الشيعة 2: 267.

(2) انظر المعتبر 1: 393.

(3) جامع المقاصد 1: 492.

(4) ذكرى الشيعة 2: 267.

(5) شرائع الإسلام 1: 40، المراسم: 54، السرائر 1: 136، المقنع: 26، جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 25.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 235

ذكر الترتيب مطلقاً «1»، أو ما في بدل الوضوء «2»، فالاستناد إلى الإجماع مع ذلك لا يخلو من توقّف.

لكن يمكن الاستدلال عليه بالسيرة العملية في مثل تلك المسألة التي تعمّ بها البلوىٰ، و تحتاج إليها طائفة من المكلّفين في صلواتهم، فلا يبعد الجزم بأنّه كان كذلك من لدن زمن الشارع، و كان الخلف أخذ من السلف كذلك إلىٰ عصر المعصوم (عليه السّلام). بل لا يبعد جواز الاتكال على الشهرة المحقّقة في هذه المسألة التي يقتضي إطلاق الكتاب و السنّة فيها عدم الترتيب بين الكفّين، كما يأتي الكلام فيه.

و كيف كان: لا ريب في تقدّم الضرب على الأرض علىٰ سائر الأجزاء كتاباً و سنّة، بل هو كالضروري.

كما لا إشكال في دلالة النصوص علىٰ تقدّم المسح على الجبين علىٰ مسح الكفّين، كموثّقة زرارة الآتية

و غيرها. و بمثلها يقيّد إطلاق الكتاب و السنّة، كبعض الروايات الآتية.

الإشكال في استفادة الترتيب بين الكفّين من الأدلّة و الجواب عنه

إنّما الإشكال في استفادة الترتيب بين الكفّين من الأدلّة، فقد استدلّ «3» له

بموثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «أتى عمّار بن ياسر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: يا رسول اللّٰه، إنّي أجنبت الليل، فلم يكن معي ماء، قال: كيف صنعت؟ قال

______________________________

(1) الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 49/ السطر 17.

(2) الفقيه 1: 57/ ذيل الحديث 212.

(3) رياض المسائل 2: 325.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 236

طرحت ثيابي، و قمت على الصعيد، فتمعّكت فيه، فقال: هكذا يصنع الحمار، إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1» فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الأُخرىٰ، ثمّ مسح بجبينيه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة علىٰ ظهر الأُخرىٰ، فمسح اليسرىٰ على اليمنىٰ، و اليمنى على اليسرىٰ» «2».

و تقريبه: أنّ حكاية أبي جعفر (عليه السّلام) قضيّة عمّار، إنّما هو لبيان الحكم الشرعي، لا لبيان أمر تأريخي، فلا تكون مثل الفعل في عدم إفادة تقديم بعض الأفعال علىٰ بعضٍ وجوبَه بعد عدم إمكان الجمع بين الفعلين، فلا بدّ من الأخذ بخصوصيات النقل الذي هو لإفادة الحكم.

فنقول: إنّ قوله: «فمسح كفّيه كلّ واحدة علىٰ ظهر الأُخرىٰ» يكفي في مقام بيان الحكم لو كان الترتيب بينهما غير مراد، فيبقىٰ قوله: «فمسح اليسرىٰ على اليمنىٰ ..» إلىٰ آخره بلا نكتة، و حمله علىٰ بيان واقع القضيّة بلا نظر إلىٰ إفادة الحكم بعيد، و لا نكتة فيه إلّا بيان تقديم مسح اليمنىٰ على اليسرىٰ، و هو المطلوب.

و فيه: أنّه لو كان مراده من ذلك بيان لزوم تقديم اليمنىٰ، لكان عليه

عطف «اليمنىٰ» ب «ثمّ» أو الفاء، كما ترى عنايته (عليه السّلام) بتخلّل «ثمّ» في الجمل السابقة، فذكرها فيها و ترك ما يفيد الترتيب في الجملة الأخيرة، دليل على اعتبار الترتيب في غير اليسرىٰ، و عدم اعتباره فيها.

بل يمكن أن يدّعىٰ أنّ دلالة هذه الموثّقة علىٰ عدم اعتباره، أوضح من الإطلاقات؛ لأنّ عنايته بذكر خصوصيّات ما فعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لتعليم عمّار،

______________________________

(1) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(2) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 237

و العطف ب «ثمّ» و الفاء في «الجبهة» و «الكفّين» و تركهما في عطف «اليمنىٰ» على «اليسرىٰ» كادت أن تجعلها صريحة في عدم اعتباره في الكفّين.

نعم،

عن العيّاشي، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن التيمّم، فقال: «إنّ عمّار ..» ثمّ ساقها باختلاف يسير مع الموثّقة، و قال في ذيلها: «ثمّ دلك إحدىٰ يديه بالأُخرىٰ علىٰ ظهر الكفّ بدءً باليمنى» «1».

و دلالتها واضحة، خصوصاً مع سؤاله عن كيفيته، و نقل القضيّة لتعليم الكيفية، و عنايته بحكاية بدأة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) باليمنى، فلا إشكال فيها إلّا من جهة الإرسال و عدم الجبر؛ فإنّ مجرّد مطابقة الفتاوىٰ لها لا توجبه إلّا أن يعلم استنادهم إليها.

و بهذا يظهر النظر في الاستدلال بما في «فقه الرضا» «2» و دعوىٰ جبره «3».

______________________________

(1) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(2)

و هي هكذا: «و صفة التيمّم للوضوء و الجنابة و سائر أسباب الغسل واحد، و هو أن تضرب

بيديك على الأرض ضربة واحدة، ثمّ تمسح بهما وجهك من حدّ الحاجبين إلى الذقن، و روى: أنّ موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف ثمّ تضرب بهما اخرى فتمسح باليسرى اليمنى إلى حدّ الزند و روى من أُصول الأصابع من اليد اليمنى و باليمنى اليسرى على هذه الصفة.

و أروي: إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة، ثمّ تضع إحدى يديك على الأُخرى، ثمّ تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك و بقي ما بقي، ثمّ تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع من فوق الكف، ثمّ تمرها على مقدمها على ظهر الكف، ثمّ تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى، فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة، فهذا هو التيمّم».

الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السّلام): 88.

(3) مستند الشيعة 3: 453، جواهر الكلام 5: 175.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 238

بل الظاهر عدم فتوى جامع الكتاب بما أرسله، بل و لا غيره من الفقهاء؛ لأنّ فيه المسح علىٰ ظهر الأصابع من أُصولها، فراجعه. و الأولى للقائل بالجبر بمجرّد المطابقة، التمسّك برواية العيّاشي الموافقة لفتاوى الفقهاء، لا مرسلة «فقه الرضا» المخالفة لها التي هي مرسلة في مرسلة لم يعمل بها مرسلها، فضلًا عن غيره.

و أمّا التمسّك بذيل

صحيحة جميل: «فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «1»

بدعوىٰ أنّ مقتضىٰ إطلاق التشبيه أنّه مثل الماء حتّى في كيفيته، إلّا ما خرج بدليل.

و ذيل

صحيحة حمّاد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل لا يجد الماء، أ يتيمّم لكلّ صلاة؟ فقال: «لا؛ هو بمنزلة الماء» «2»

بدعوى استفادة عموم المنزلة منها حتّى

في كيفيته.

ففي غير محلّه؛ ضرورة أنّهما في مقام بيان حكم آخر، و لا إطلاق فيهما من الجهة المبحوث عنها، كما لا يخفى.

و الذي يمكن أن يقال زائداً علىٰ ما تقدّم من السيرة العملية و ارتكاز المتشرّعة و حجّية الشهرة في مثل المسألة التي دلّت الأدلّة إطلاقاً علىٰ خلافها: إنّ المستفاد من الآية الكريمة مشفوعاً بالارتكاز العقلائي أنّ فاقد الماء يتيمّم، و يقصد الصعيد لتحصيل الطهور الذي كان يحصل بالماء، و أنّه يجب أن يفعل معه ما يفعل مع الماء عند فقده، فلو لم تتعرّض الآية لكيفيته، و اختتمت إلىٰ قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً يستفيد منها العقلاء أنّه عند عدم

______________________________

(1) الفقيه 1: 60/ 223، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 200/ 581، وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 239

وجدان الماء، يقوم الصعيد مقامه فيما يحتاج المكلّف إليه، فيفهم منه ما فهمه عمّار من التمعّك على الصعيد للغسل، و مسح أعضاء الوضوء بالكيفية التي فيه للحدث الأصغر.

و بالجملة: المتفاهم منه وضع التراب موضع الماء من غير تغيير و تبديل في الكيفية، فبقي المتقدّم و المتأخّر في الغسل علىٰ حالهما من غير تصرّف و تغيير إلّا فيما يتطهّر به، نظير أن يأمر المولى بضيافة العلماء مقدّماً على الأشراف، و هم مقدّماً على التجار، و عيّن محلّاً خاصّاً لها، و شرائطَ و قيوداً، و قال: «أضفهم بالغذاء الفلاني، و مع فقده بالفلاني» فإنّه لا ريب في أنّ العرف لا يأخذ بإطلاق قوله: «و مع فقده كذا» و يرفع اليد عن الشرائط و القيود، بل

يحكم بأنّ التبديل إنّما وقع في الغذاء، لا في سائر الكيفيات، فلا بدّ من مراعاتها. و مقتضى هذا الارتكاز أنّ كلّ ما يعتبر في الوضوء و الغسل، معتبر في التيمّم الذي هو بدله. و القائل بالبدلية إن كان مراده ذلك فلا كلام، و إن كان مراده عدم حصول الطهور بل يحصل بدله، فقد مرّ ما فيه «1».

و بالجملة: لا شبهة في أنّ مقتضى ارتكاز العقلاء و الرجوع إلى الأشباه و النظائر، أنّ التبديل إنّما هو فيما يتطهّر به، لا في كيفية التطهير و العمل.

فحينئذٍ نقول: إنّ قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «2» يدلّ علىٰ سقوط المسح على الرجل و الرأس، و عدم كونه إلى المرفق، و لا علىٰ جميع الوجه؛ لمكان الباء علىٰ ما أفاد أبو جعفر (عليه السّلام) «3» و أمّا سائر ما

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 220.

(2) المائدة (5): 6.

(3) الكافي 3: 30/ 4، الفقيه 1: 56/ 212، تهذيب الأحكام 1: 61/ 168، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 240

يعتبر فيه من الشرائط و الموانع، فبقيت علىٰ حالها، كالبدأة بالوجه و باليمنى المعتبرة في الوضوء، و طهارة المحالّ و غيرها من الشرائط، فلا بدّ من مراعاة ما يعتبر فيهما فيه أيضاً. و لو لا الدليل لقلنا بعدم اعتبار الموالاة في بدل الغسل، لكن سيأتي «1» بيان استفادته من الأدلّة حتّى من الآية الكريمة.

و يؤيّد ما ذكرناه

قوله في صحيحة زرارة في تفسير الآية عن أبي جعفر (عليه السّلام): «.. ثمّ قال فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ فلمّا أن وضع الوضوء عمّن

لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً» «2»

فإنّه مُشعر أو ظاهر في إثبات المسح ببعض المحالّ، و إسقاط الغسل فقط؛ من غير تصرّف في سائر الشرائط و القيود.

كما يشعر به

ما في «الرضوي» قال: «و نروي أنّ جبرئيل نزل إلىٰ سيّدنا محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في الوضوء ..» إلىٰ أن قال: «ثمّ في التيمّم بإسقاط المسحين، و جعل مكان موضع الغسل مسحاً» «3».

و كيف كان: لا ينبغي الإشكال في أصل الحكم؛ و إن فرض إمكان المناقشة في بعض ما ذكر.

و ممّا ذكرنا من التقريب المتقدّم، يظهر الدليل على اعتبار كلّ ما يعتبر في الوضوء و الغسل جميعاً، كطهارة المحالّ و المباشرة و غيرهما ممّا يعتبر فيهما.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 242.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 239، الهامش 3.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 89، مستدرك الوسائل 2: 535، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 241

الأمر الرابع في اعتبار الموالاة
اشارة

مقتضى التقريب المتقدّم في بيان الترتيب، التفصيل بين التيمّم الذي للحدث الأصغر و ما للأكبر في الموالاة، كما حكي عن الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس» «1» و كذا التفصيل بين الشرائط التي اعتبرت في أحدهما دون الآخر، كالمسح من الأعلى، فيقال باعتباره في بدل الوضوء، دون بدل الغسل.

لكن مقتضىٰ بعض الروايات مساواتهما،

كموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن التيمّم من الوضوء و الجنابة و من الحيض للنساء، سواء؟ فقال: «نعم» «2».

و

موثّقة أبي بصير قال: سألته عن تيمّم الحائض و الجنب، سواء إذا لم يجدا ماءً؟ قال: «نعم» «3»

بناءً علىٰ أنّ المراد ب «تيمّم الحائض إذا لم تجد ماءً» ما تحتاج

إليه من بدل الغسل و الوضوء.

و حملهما علىٰ صِرف الكيفية دون سائر ما يعتبر فيهما، فاسد بعد اقتضاء الإطلاق سوائيتهما مطلقاً، فحينئذٍ لا يمكن التمسّك بالآية للتفصيل، و لا لاعتبار الموالاة مطلقاً، و لا لعدمه كذلك، و كذا في سائر الشرائط التي اعتبرت في أحدهما دون الآخر، فالقول بالتفصيل غير وجيه.

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 1: 133.

(2) الفقيه 1: 58/ 215، تهذيب الأحكام 1: 212/ 617، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 65/ 10، تهذيب الأحكام 1: 212/ 616، وسائل الشيعة 3: 363، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 242

الدليل على اعتبار الموالاة مطلقاً

و الأقوى اعتبارها مطلقاً، و الدليل عليه مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة عن «الغنية» و «جامع المقاصد» و «الروض» و «مجمع البرهان» و ظاهر «المنتهىٰ» و «الذكرى» و «المدارك» «1» و إلى ما أشرنا إليه في الترتيب من السيرة المستمرّة الكاشفة عن كونه كذلك من زمن الشارع المقدّس «2»، و إن كان للإشكال في ذلك مجال؛ لاحتمال كونها لاقتضاء العادة و عدم الداعي إلى التفريق، لا الاعتبار، و إن أمكن أن يقال: إنّ في ارتكاز المتشرّعة اعتبارها الآية الكريمة، قال تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «3».

بناءً علىٰ كون الفاء للترتيب باتصال، كما هو المعروف «4»، فيفيد قوله فَامْسَحُوا الترتيب باتصال عرفي بين المسح على الوجه و الأيدي، و بين وضع اليدين أو ضربهما على الأرض الذي هو المراد من قوله فَتَيَمَّمُوا؛ لأنّ قصد الأرض ليس بنفسه موضوعاً للحكم بلا إشكال.

بل أخذ العنوان الطريقي الذي ليس مقصوداً بالذات فيه، لعلّه دليل علىٰ أنّ المراد منه المرئي

و المقصود، خصوصاً مع قيام القرينة عليه؛ فإنّ قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً عقيب فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً ظاهر عرفاً في أنّ المراد التوصّل إلى الصعيد للتمسّح به على الوجه، و المقصود هو الوضع أو الضرب على

______________________________

(1) غنية النزوع 1: 64، جامع المقاصد 1: 493، روض الجنان: 127/ السطر 3، مجمع الفائدة و البرهان 1: 238، منتهى المطلب 1: 149/ السطر 32، ذكرى الشيعة 2: 267، مدارك الأحكام 2: 227.

(2) تقدّم في الصفحة 235.

(3) المائدة (5): 6.

(4) شرح الكافية 2: 365، مغني اللبيب 1: 213 214، البهجة المرضيّة 2: 69.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 243

الأرض و لو بدليل خارجي، فكأنه قال: «اضرب يديك على الأرض، فتمسّح بلا فصل بوجهك و يديك».

فلو دلّت الفاء على الترتيب باتصال، تمّت الدلالة بلا احتياج إلىٰ دعوى عدم القول بالفصل، كما صنع المحقّق الثاني «1» علىٰ ما حكي عنه «2». لكن في دلالتها عليه تأمّل.

نعم، لا إشكال في دلالتها على الترتّب و التعقّب، و هي غير كافية.

فالأولى الاستدلال على المطلوب بلفظة مِنْهُ فإنّ «مِنْ» علىٰ ما تقدّم ابتدائية لا تبعيضية «3»، فالمعنىٰ: «فامسحوا بوجوهكم و أيديكم مبتدئاً من الصعيد، و منتهياً إلى الوجوه و الأيدي» و التمسّح من الصعيد بهذا المعنىٰ لا يصدق عرفاً إلّا مع حفظ العلاقة بين الضرب على الأرض و المسح منها على الوجه و اليدين.

أ لا ترى أنّه لو قيل لمريض: «تمسّح من الضرائح المقدّسة تبرّكاً» لا ينقدح في ذهن العقلاء منه إلّا مع حفظ العلقة بين المسح عليها و المسح علىٰ موضع العلّة! فلو مسحها بيده، ثمّ انصرف و ذهب إلىٰ حوائجه، ثمّ مسح يده على الموضع بعد سلب العلاقة العرفية، لم

يعمل بقوله: «تمسّح منها»؛ لأنّه لا يكون إلّا بعلاقة خاصّة مقطوعة بالفصل المعتدّ به، كما ربّما تقطع بغيره، كما لو ضرب يده على الأرض فغسلها، فإنّ الظاهر سلب العلاقة و عدم صدق «التمسّح منها» لا لاعتبار العلوق، بل لاعتبار العلاقة الخاصّة العرفية.

نعم، لو قلنا: بأنّ المراد من قوله فَامْسَحُوا .. مِنْهُ فامسحوا ببعضه، أو أراد به العلوق و الأثر من الأرض، لما تمّ الاستدلال؛ لصدقه مع بقاء أجزاء

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 493.

(2) ذخيرة المعاد: 106/ السطر 14، مستمسك العروة الوثقىٰ 4: 416.

(3) تقدّم في الصفحة 147.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 244

الأرض على اليد أو أثرها عليها. لكنّه خلاف التحقيق كما مرّ «1»، و سيأتي بعض الكلام فيه «2».

و بما ذكرنا يظهر صحّة التمسّك للمطلوب ببعض الأخبار،

كصحيح الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «إذا لم يجد الرجل طهوراً و كان جنباً، فليتمسّح من الأرض» «3».

و نظيرها صحيح ابن سنان «4».

لعدم صدق «المسح منها» لو قطعت العلاقة، بعد ظهور «من» في الابتدائيّة، كما تقدّم حكايته عن أئمّة الأدب «5».

و لو قيل: لا تدلّ الابتدائية إلّا علىٰ لزوم كون ضرب اليد مبتدئاً من الأرض، و منتهياً إلى الوجه، و أمّا اعتبار العلقة فلا، أ لا ترى أنّ المسافر إذا سافر من بلده إلىٰ مكّة المعظّمة مع اشتغاله بين الطريق بأُمور كثيرة، بل مع تعطّله عن السير في بعض البلاد التي بين الطريق، يقال: «سافر من بلده إلىٰ مكّة» من غير لزوم العلاقة! يقال: مع أنّ القياس لعلّه مع الفارق كما يظهر من التأمل في مثل: «تمسّح من التربة» أو «من الضرائح المقدّسة» و الأشباه و النظائر إنّ ما ذكر

من النقض حاله حال المقام؛ لأنّه لو فرض التعطّل عنه بين الطريق بمقدار انقطعت العلقة بين قطعات سفره عرفاً، يخرج عن صدق «منه» و «إليه».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 151 153.

(2) يأتي في الصفحة 264 267.

(3) الكافي 3: 63/ 3، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 1: 193/ 556، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 7.

(5) تقدّم في الصفحة 149 150.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 245

لكن في مورد النقض و نظائره، تعارف لكيفيّة طيّ الطريق و الإقامة في بعض البلاد للزيارة أو لسائر الحوائج، ما لا يوجب التلبّسُ بها لأجله سلبَ العلقة، فلو فرض خروجه عن التعارف، كما لو سافر من بلده إلى الحجّ، فأقام في النجف الأشرف مدّة لتحصيل العلم أو غيره؛ بحيث سلبت العلاقة بين قطعات أسفاره، لخرج عن الصدق أيضاً، فالعلاقة معتبرة، و المقامات متفاوتة، و في المقام تنقطع العلاقة بفصل معتدّ به.

و بهذا ظهر الميزان في الموالاة، فإنّها عبارة عن بقاء تلك العلاقة العرفية، و هي محفوظة مع عدم الفصل المعتدّ به عرفاً بين الضرب و بين المسحات.

و أمّا التقدير بمقدار الجفاف في الوضوء أو بمقدار سلب الاسم، فلا دليل عليه. نعم مع سلب الاسم عرفاً لا تبقى العلاقة المذكورة.

و ظهر أيضاً لزوم الموالاة سواء قلنا: بأنّ الضرب على الأرض شرط، أو جزء، أو لا ذا و لا ذاك، بل هو مثل الاغتراف، فإنّ التمسّح من الأرض معتبر بلا إشكال، و هو لا يصدق إلّا مع حفظ العلاقة و عدم الفصل بين الضرب و المسح.

و أمّا الاغتراف من الماء فلا يعتبر فيه شي ء؛ لأنّ

الوضوء غسل الوجه بالماء، و هو يحصل لو بقي الماء في كفّه أربعين سنة.

كما أنّه لو قلنا: إنّ المعتبر في التيمّم المسح ببعض الأرض أو بأثرها، و الضرب مقدّمة لذلك، لما كان يلزم حفظ العلاقة، بل المعتبر صدق «المسح ببعضها» أو «أثرها» و هو صادق و لو بقيا ما بقيا.

فتأمّل في أطراف ما ذكرنا و الموارد التي نظيره في العرف، و تدبّر في الارتكازات العرفية حتّى يتضح لك الحال، و لا تحتاج إلى التكلّف بما ارتكبه بعض المحقّقين في إقامة الدليل عليه «1»، مع ما ترى من تردّده في صحّة مقالته، فيقدّم رجلًا، و يؤخّر اخرىٰ.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 486 487.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 246

الأمر الخامس في اعتبار ضرب اليدين على الأرض
اشارة

هل يعتبر في التيمّم ضرب اليدين على الأرض؟ أو يعتبر وضعهما؛ بناءً علىٰ مباينته للضرب؟ أو يكفي مطلق التمسّح عليها وضعاً أو ضرباً؟

أو لا يعتبر شي ء من ذلك، بل المعتبر وصول أثر الصعيد إلى الوجه و الكفّين، فيكفي تعريضهما للهواء المغبّر ليصل إليهما؟

أو يعتبر المسح باليدين، لكن لا يعتبر وضعهما أو ضربهما على الأرض، بل يكفي تأثّرهما منها و لو بوضعها عليهما، أو استقبالهما للعواصف حتّى تتأثّرا، كما حُكي «1» عن العلّامة «2»؟ لكن عن بعض تكذيبه، و نسبة الحكاية إلى الغفلة «3».

أو يعتبر الضرب أو الوضع على الأرض، لكن لا يعتبر ماسح خاصّ، بل يجزي بكلّ آلة؛ يداً كانت أو غيرها؟

وجه عدم اعتبار المسح باليد و تضعيفه

و لو لا مخالفة الأصحاب و السيرة المستمرّة المتقدّمة «4»، لكان للاحتمال الأخير وجه معتدّ به.

توضيحه: أنّ الظاهر من الآية الكريمة، أنّه مع عدم وجدان الماء يقوم

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 1: 541/ السطر 14.

(2) نهاية الإحكام 1: 203.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 487/ السطر 24.

(4) تقدّم في الصفحة 235.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 247

التراب مقامه، لكن مع تبديل الغسل ببعض المسح، فقوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أي اقصدوا و انحوا نحوه لتمسّح الوجوه و الأيدي منه، فلا ينقدح في ذهن العرف منه إلّا أنّ التمسّح من الصعيد على الوجه و الأيدي، تمام الموضوع و تمام حقيقة التيمّم، و أنّ قصد الصعيد و الذهاب إليه، إنّما هو لأجل التوصّل إلىٰ هذا المقصود.

أ لا ترى أنّه لو قال: «اذهب إلى الماء، و خذ غُرفة منه، فاغسل وجهك به» لا ينقدح في الذهن دخالة الذهاب و الاغتراف فيه، و يرى العرف و العقلاء أنّ ذكر الغرفة كذكر التراب لمحض التوصّل إلىٰ غسل الوجه!

و المقام أولىٰ به منه؛ لأنّ الأمر بالتيمّم من الصعيد عقيب الأمر بغسل الوجه و الأيدي في الوضوء الذي يطلب فيه صِرف غسلهما من غير دخالة للآلة يجعل الذيل ظاهراً بل كالنصّ في أنّ منزلة التراب منزلة الماء، و أنّ المقصود حصول المسح من الصعيد محلّ الغسل بأيّة آلة حصل. و عدم ذكر الآلة مع كونها في مقام البيان، يؤكّد ما ذكرناه.

و تشهد به

صحيحة زرارة المفسّرة لها، قال فيها: «فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء، أثبت بعض الغسل مسحاً؛ لأنّه قال بِوُجُوهِكُمْ ثمّ وصل بها وَ أَيْدِيَكُمْ» «1».

فإنّها ظاهرة في أنّ التصرّف إنّما هو في إثبات المسح موضع الغسل، فكما أنّ الغسل لا يعتبر فيه آلة خاصّة، كذلك ما اثبت محلّه.

فتحصّل من ذلك: أنّ الظاهر من الآية أنّ اللازم فيه هو التمسّح من الصعيد على الوجه و الأيدي، و هو لا يحصل إلّا مع التوصّل إلى التمسّح على

______________________________

(1) الكافي 3: 30/ 4، الفقيه 1: 56/ 212، تهذيب الأحكام 1: 61/ 168، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 248

الصعيد، و منه إليهما، و هو صادق بأيّة آلة، كالغسل بالماء.

فإذا علم ذلك فلا بدّ في رفع اليد عنه من دليل صالح، و الأدلّة الواردة في التيمّمات البيانية «1» و غيرها تشكل صلاحيتها لذلك؛ فإنّ وِزانها وِزان ما وردت في الوضوءات البيانية «2» ممّا اشتملت على الأخذ بالغُرفة و باليمين؛ حيث لا يفهم منها إلّا صِرف الآلية من غير دخالة في تحصيل الغسل.

و بهذا يظهر الخدشة في دلالة مثل

قوله: «تضرب بكفّيك الأرض» «3»

فإنّه مع كون اليد آلة للمسح،

لا يفهم العرف منها الخصوصية،

كقوله: «يجزيك من الوضوء ثلاث غُرفات: واحدة للوجه، و اثنتان للذراعين» «4»

فكما لا يفهم منه اعتبار الاغتراف، و لا ينقدح في الذهن إلّا صرف آليتها، و لا يصلح لتقييد إطلاق الآية، كذلك حال الضرب بالكفّين.

و ليس المدّعىٰ إلغاء الخصوصية حتّى يقال: لا طريق للعرف إليه في مثل هذا الحكم التعبّدي.

بل المدّعىٰ عدم إمكان رفع اليد عن ظهور الآية بمثله مع عدم الانقداح في الذهن من «ضرب اليد و الكفّ» إلّا الآلية، فلا يحرز من مثله القيدية حتّى يقيّد به الإطلاق، كما لا تحرز من الوضوءات البيانية.

و لعمري، إنّ هذا الوجه وجيه لولا الجهات الخارجيّة؛ من مفروغيّة الحكم لدى الأصحاب و معهوديّة التيمّم بين المتشرّعة؛ بحيث ما ذكرناه يعدّ كالشبهة في مقابل البديهة، و لهذا ترى أنّه مع كمال المناسبة بين البابين،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 387، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 15.

(3) وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 1: 387، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 249

لم يتفوّه أحد بذلك! و هو كافٍ في بطلانه.

و أمّا بعض الاحتمالات المتقدّمة كالمنسوب إلى العلّامة و ما قبله «1» فهو مخالف لظاهر الآية و جميع الأدلّة، فلا داعي للتعرّض له.

وجه اعتبار الضرب أو الوضع و وجه اعتبار مجرّد المسح باليد
اشارة

بقي الكلام في أنّ المعتبر هو ضرب اليدين أو وضعهما؛ بناءً علىٰ مباينتهما، أو لا يعتبر شي ء منهما، بل المعتبر هو شي ء أعمّ؛ أي مطلق المماسّة و لو مسحاً.

مقتضىٰ إطلاق الآية عدم اعتبار شي ء إلّا كون المسح من الأرض؛ أي مبتدئاً منها، و قد

قيّدت بالإجماع بل الضرورة بلزوم كون الآلةِ اليدَ، و بقي إطلاقها بالنسبة إلى الوضع و الضرب بحاله. بل بمناسبة كون الصعيد قائماً مقام الماء عند فقده و الارتكاز المتقدّم ذكره «2»، يتقوّىٰ إطلاقها، و يشكل رفع اليد عنه بمثل قوله: «تضرب بكفّيك الأرض» في مقام بيان كيفية التيمّم و لو مع الغضّ عن الروايات المشتملة على الوضع؛ لعدم فهم القيدية منه، بل لا ينقدح في ذهن العرف إلّا أنّ الضرب للتوصّل إلى التمسّح من الأرض، خصوصاً من مثل

قوله في صحيحة الكندي: «التيمّم ضربة للوجه، و ضربة للكفّين» «3»

الظاهر في أنّ الضرب لصرف التمسّح للوجه، و لا موضوعية له.

و بالجملة: لا يحرز من مثله القيدية و لو مع قطع النظر عن سائر الروايات.

ثمّ إنّ الروايات التي في الباب:
اشارة

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 246.

(2) تقدّم في الصفحة 239.

(3) تهذيب الأحكام 1: 210/ 609، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 250

منها: ما هي مشتملة علىٰ حكاية عمّار بن ياسر

، كصحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ذات يوم لعمّار ..» إلىٰ أن قال: «فقال: كذلك يتمرّغ الحمار؛ أ فلا صنعت كذا؟! ثمّ أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد ..» «1» إلىٰ آخره.

و الظاهر منها ظهوراً كاد أن يكون كالنصّ، أنّ قوله: «ثمّ أهوىٰ» من تتمّة كلام أبي جعفر (عليه السّلام) أي أهوى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الحاكي له أبو جعفر (عليه السّلام) فلا يأتي فيه احتمال الاشتباه إلّا من الرواة في نقل القول، و هو مدفوع بالأصل، و ظاهرها كفاية الوضع و لو لم يشتمل علىٰ خصوصيّة زائدة؛ و هي الدفع و اللطم، إذ لو كانت دخيلة في ذلك لما أهملها أبو جعفر (عليه السّلام) في مقام بيان الحكاية لتعليم الحكم.

نعم،

في موثّقة زرارة عنه بعد حكاية القضية: «فقال: هكذا يصنع الحمار، و إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فضرب بيديه على الأرض ..» «2» إلىٰ آخره.

و ظاهرها أيضاً أنّ قوله: «فضرب» من كلام أبي جعفر (عليه السّلام) حكاية عن فعل النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و احتمال أن كان العمل من أبي جعفر (عليه السّلام) فيها، غير بعيد.

و لا يبعد أن يكون وجه اختلاف الحكاية علىٰ فرض كونها منه (عليه السّلام) أو العمل و الحكاية علىٰ فرض آخر، أنّ واقع فعل النبي

(صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هو الضرب، لكن لمّا كان العنوان المفيد للأمر الزائد عن حقيقة الوضع، غيرَ دخيل في صحّة التيمّم، و كان متقوّماً بمطلق الوضع كيف كان، ذكره أبو جعفر (عليه السّلام) لإفادة عدم دخالة شي ء

______________________________

(1) الفقيه 1: 57/ 212، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

(2) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 251

غيره. و لمّا كان الضرب وضعاً أيضاً مع قيد، لا يكون النقل خلاف الواقع، كما لو كان مجي ء إنسان موضوعاً لحكم، فجاء زيد مثلًا، فيصحّ أن يقال: «جاء زيد» و أن يقال: «جاء إنسان».

و بالجملة: حكىٰ أبو جعفر (عليه السّلام) تارة: واقع القضيّة مع بعض الخصوصيّات غير الدخيلة في صحّة التيمّم و كيفيّته، كقوله (عليه السّلام): «أهوىٰ بيديه إلى الأرض» و كقوله: «ضرب بيديه» و أُخرى: ما هو دخيل في الحكم، كقوله: «وضع يديه» إفادةً لعدم دخالة الخصوصيّة الزائدة. و ليس هذا من قبيل المطلق و المقيّد، بل هو حكاية قضيّة شخصية لا بدّ في ترك القيد الزائد الذي اشتملت عليه من نكتة، و المحتمل أن تكون ما ذكرناها.

و منها: ما اشتملت علىٰ بيان كيفية التيمّم عملًا،

كرواية الخزّاز الصحيحة على الأصحّ «1»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن التيمّم فقال: «إنّ عمّاراً ..» إلىٰ أن قال: فقلت له: كيف التيمّم؟ فوضع يده على المِسْح .. إلىٰ آخره «2».

و

صحيحة داود بن النعمان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن التيمّم فقال: «إنّ عمّاراً ..» إلىٰ أن قال: فقلنا له: فكيف التيمّم؟ فوضع يده على الأرض .. «3»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) رواها الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي أيّوب الخزّاز. و لا إشكال في رجال السند، إلّا في محمّد بن عيسى العبيدي، و هو ثقة على الأصحّ، كما صرّح به المصنّف (قدّس سرّه) في غير موضع من كتبه. راجع الجزء الأوّل: 349.

(2) الكافي 3: 62/ 4، وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 207/ 598، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 252

و

صحيحة زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: و ذكر التيمّم و ما صنع عمّار، فوضع أبو جعفر (عليه السّلام) كفّيه على الأرض .. «1» إلىٰ آخره.

و

موثّقة سَماعة أو صحيحته «2» قال: سألته: كيف التيمّم؟ فوضع يده على الأرض .. «3» إلىٰ آخره.

و احتمال الاشتباه من الرواة في حكاية الفعل «4»، لا يُعتنىٰ به، سيّما مع تعدّدهم و تكرّر الرواية، و كونهم من قبيل زرارة و الخزّاز و سماعة.

فدار الأمر بين تقييد الإطلاقات كتاباً و أخباراً، و رفع اليد عن صحيحة زرارة المتقدّمة «5» الحاكية لفعل النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بلفظ أبي جعفر (عليه السّلام) مع أنّ إعمال الإطلاق و التقييد غير وجيه بعد الحكاية عن الفعل الشخصي تاركاً لما هو دخيل في الحكم فرضاً؛ و إن فهم من حكايته حكم كلّي و بين رفع اليد عن قيدية

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 208/ 603، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 5.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان

بن عيسى، عن سماعة.

وجه الترديد لوقوع عثمان بن عيسى و سماعة في السند؛ لأنّ عثمان بن عيسى كان شيخ الواقفة و وجهها و من أصحاب الإجماع على قول، و لكنّ الظاهر رجوعه عن الوقف. و سماعة بن مهران ثقة عند النجاشي و واقفي عند الشيخ الطوسي.

رجال النجاشي: 193/ 517 و 300/ 817، رجال الطوسي: 337/ 4، الفهرست: 120/ 534.

(3) تهذيب الأحكام 1: 208/ 602، الإستبصار 1: 170/ 592، وسائل الشيعة 3: 365، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 3.

(4) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 488/ السطر 34.

(5) تقدّمت في الصفحة 250.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 253

الضرب الوارد في الأخبار الكثيرة، و الأهون في المقام مع الخصوصيات المتقدّمة هو الثاني، سيّما مع كون المطلق و المقيّد مثبتين، و الحمل في مثله متوقّف علىٰ إحراز وحدة المطلوب، و هو مع ما تقدّم مشكل.

مضافاً إلىٰ أنّ المقام ليس من قبيل المطلق و المقيّد؛ فإنّ المتفاهم العرفي من قوله: «وضع يده على الأرض» في مقام تعليم التيمّم و بيان كيفيّته، أنّه كان وضعها بلا دفع و اعتماد، و إلّا كان على الرواة عدم إهماله، و الحمل على الغفلة قد مرّ ما فيه «1»، فيظهر أنّ مقتضىٰ هذه الروايات أنّ عمل المعصوم في مقام التعليم، كان وضعاً لا ضرباً، و معه كيف يمكن إعمال المطلق و المقيّد؟! فلا محيص عن الالتزام إمّا برفع اليد عن الروايات الصحيحة التي هي في مقام البيان، و هو كما ترى.

و إمّا البناء علىٰ أنّ للتيمّم كيفيتين؛ إحداهما: وضع اليد، و ثانيتهما: ضربها.

و إمّا البناء علىٰ أنّ المعتبر فيه ليس إلّا لمس الأرض وضعاً أو ضرباً، بل أو مسحاً؛ أخذاً

بإطلاق الآية، و جمعاً بين الروايات، و هو أهون؛ لكونه جمعاً عقلائيّاً بين جميع الروايات.

نعم، لا يبعد الالتزام برجحان الضرب؛ أخذاً بظواهر ما دلّت على الضرب و اشتملت على الأمر به. هذا كلّه إذا قلنا بعدم مباينة «الضرب» و «الوضع».

و أمّا لو قلنا بمباينتهما، فيقع التعارض بين صحيحة زرارة و موثّقته الحاكيتين عن أبي جعفر (عليه السّلام) نقلَ فعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حيث عبّر في الأُولىٰ ب «الوضع» و في الثانية ب «الضرب» و هو لا يوجب رفع اليد عن سائر الروايات الحاكية لفعل أبي عبد اللّٰه و أبي جعفر (عليهما السّلام) في مقام تعليم التيمّم بعد السؤال عن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 250.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 254

كيفيته، فالأخذ بجميع الروايات، و الالتزام بأنّ للتيمّم كيفيتين، و حمل ما اشتملت على الأمر بالضرب على الرجحان، أولىٰ و أهون من طرح الطائفة المقابلة مع صحّة سندها. بل هو من قبيل حمل الظاهر على النصّ؛ لأنّ أخبار الضرب ظاهرة في تعيّنه، و أخبار الوضع نصّ في الاجتزاء به، مع موافقتها لإطلاق الكتاب.

و أمّا الشهرة المنقولة في المقام «1» فليست من الشهرات المعتدّ بها؛ لأنّ المسألة اجتهادية تراكمت فيها الأدلّة. هذا مع ذهاب جملة من الأساطين إلى الاجتزاء بالوضع صريحاً أو ظاهراً، كالشيخ في محكي «المبسوط» و «النهاية» و المحقّق في «الشرائع» و الشهيد في محكي «الذكرى» و عن «جامع المقاصد» و «حاشية الإرشاد» «2».

لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعد اشتمالِ أكثر الروايات على «الضرب» «3» و نقلِ الشهرة، و احتمالِ كون مراد بعض من عبّر ب «الوضع» الضربَ منه، و تعارفِ الضرب بين المتشرّعة، و

اللّٰه العالم.

تنبيه: هل الضرب أو الوضع شرط لحصول المسح أو جزءٌ؟

ظاهر الكتاب و السنّة أنّ الضرب أو الوضع شرط لحصول المسح من الأرض، لا جزء للتيمّم؛ فإنّ قوله تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً متفرّعاً عليه قوله فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ظاهر في أنّ قصد الصعيد ضرباً أو

______________________________

(1) كشف اللثام 2: 468، جواهر الكلام 5: 180.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 541/ السطر 8، المبسوط 1: 32، النهاية: 49، شرائع الإسلام 1: 40، ذكرى الشيعة 2: 259 260، جامع المقاصد 1: 489 490.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1 و 3 و 6 و 7 و 9، و الباب 12، الحديث 2 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 255

وضعاً؛ لأجل المسح و التوصّل إليه، و لو لا الإجماع و التسلّم بينهم «1» لقلنا بعدم مدخلية الآلة الخاصّة أيضاً، لكن بعد القول باعتبارها لا ريب أنّ الظاهر منها أنّ الضرب لأجل المسح بالوجوه و الأيدي، كما هو الظاهر أيضاً من مثل

قوله: «التيمّم ضربة للوجه، و ضربة للكفّين» «2»

و

قوله: «مرّتين مرّتين للوجه و اليدين» «3»

و هذا يُنافي الجزئيّة.

و لا دليل على اعتبار الجزئية زائداً على اعتبار الشرطية؛ بأن يكون جزءً بالنسبة إلى المجموع، و شرطاً لسائر الأجزاء. و

قوله: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «4»

لا يدلّ على الجزئية لو لم نقل بدلالتها على الشرطية، خصوصاً مع كون جميع الروايات كالتفسير للآية الكريمة.

فتوهّم «5» كون التيمّمات البيانية «6» و كذا أشباه الرواية المتقدّمة في مقام بيان ماهيّة التيمّم و الأجزاء المقوّمة لها، غير وجيه جدّاً؛ لأنّ الظاهر أنّهم (عليهم السّلام) بصدد بيان كيفية التيمّم الصحيح؛ من غير نظر

إلىٰ ما يعتبر فيه شرطاً أو جزءً، لو لم نقل بظهور بعضها كالرواية المتقدّمة في الشرطية، فالأظهر هو الشرطية.

و أمّا الثمرة بين القولين فغير ظاهرة، نعم لو قلنا: بأنّ دليل اعتبار الموالاة

______________________________

(1) راجع ذكرى الشيعة 2: 258، جامع المقاصد 1: 489 و 498، مدارك الأحكام 2: 217، جواهر الكلام 5: 179.

(2) وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(5) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 487/ السطر 30.

(6) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 256

فيه هو ظهور الأوامر المتعلّقة بالمركّبات في إتيان أجزائها متوالية و مرتبطة كما استدلّوا به له «1» يكون اعتبار الموالاة بين الضرب و المسح على الجزئية، و عدم اعتباره على الشرطية، ثمرةً بينهما؛ لأنّ غاية ما يمكن دعواه هو ظهورها في الموالاة بين الأجزاء، لا بين الشرائط و الأجزاء أيضاً، كما لا يخفى. لكن قد عرفت أنّ وجه اعتباره غير ذلك «2»، و مع ما ذكرناه لا تكون هذه ثمرة، فراجع.

و يمكن أن يقال: إنّه على الشرطية لا دليل علىٰ لزوم قصد التقرّب و التعبّد به، بخلافه على الجزئية؛ لأنّ المتيقّن من الإجماع علىٰ عباديّة التيمّم عباديّة ماهيّته، لا الأعمّ منها و من شرائطه. إلّا أن يقال: مقتضى ارتكاز المتشرّعة عبادية الضرب أيضاً.

و قد يقال في بيان الثمرة أمران آخران «3»، و هو غير سديد.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 486/ السطر 13.

(2) تقدّم في الصفحة 242.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 487/ السطر

28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 257

الأمر السادس اعتبار كون الضرب بكلتا اليدين
اشارة

لا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2» في اعتبار كون الضرب بكلتا يديه، فلو ضرب بإحداهما بطل. بل يمكن استفادته من الكتاب العزيز، فضلًا عن الأخبار الناصّة عليه.

عدم اعتبار ضرب اليدين دفعةً

و أمّا اعتبار الدفعة فغير ظاهر، بل مقتضىٰ إطلاق الأدلّة عدم اعتبارها؛ أمّا إطلاق الكتاب فظاهر، و أمّا الأخبار فلأنّ الظاهر من

قوله: «تضرب بكفّيك» «3»

ليس إلّا اعتبار الضرب بهما؛ و أنّه تمام الموضوع للحكم، و أمّا الدفعة فأمر آخر غير ضربهما لا بدّ في اعتباره من بيان و تقييد مفقود في المقام، فمقتضىٰ إطلاق مثله هو عدم الاعتبار.

و توهّم «4» دلالة الأدلّة عليه انصرافاً أو إشعار كلّ واحد من الأخبار، و بعد ضمّ بعضها إلىٰ بعض يستفاد الحكم، غير سديد.

نعم لا يبعد أن يكون العمل الخارجي المتعارف بين الناس، موجباً لتوهّم الانصراف، لكنّه غير الانصراف في نفس الأدلّة.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

(2) المقنعة: 62، المبسوط 1: 32 33، السرائر 1: 136، جواهر الكلام 5: 181 182.

(3) وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 489/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 258

و الإنصاف: أنّ رفع اليد عن ظاهر الأدلّة و مقتضى إطلاقها مشكل؛ و إن كان ترك الاحتياط و البناء علىٰ عدم الاعتبار بعد كون العمل عليه مشكلًا آخر.

اعتبار الضرب بباطن الكفّين

ثمّ إنّه لا ريب في أنّ الظاهر من الأدلّة و لو انصرافاً أنّ المعتبر ضرب باطن الكفّين، خصوصاً بعد ارتكازية مخالفة الماسح و الممسوح. بل يمكن أن يستدلّ عليه بعدها بمثل

موثّقة زرارة: «ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة علىٰ ظهر الأُخرىٰ» «1».

و

قوله في رواية داود: «فوضع يديه على الأرض، ثمّ رفعهما فمسح وجهه و يديه فوق الكفّ» «2»

بعد كونه في مقام بيان كيفية التيمّم.

و لا يمكن إلغاء الخصوصيّة بعد ما عرفت من اعتبار الأدلّة الخاصّة

فيه، بل اللازم مراعاة جميع ما يتفاهم من التيمّمات البيانيّة و غيرها المحتملة دخالتها، بعد كونها في مقام بيان كيفية التيمّم و ما يعتبر فيه.

كما لا ريب في جواز التيمّم بالتراب و نحوه و إن لم يكن متصلًا بالأرض، و يدلّ عليه مضافاً إلى السيرة القطعية، و

قوله: «التراب أحد الطهورين» «3»

و ما دلّ علىٰ جواز التيمّم بالجصّ و النورة الصادق كلّ منهما على المنفصل من الأرض أنّ الظاهر عرفاً من قوله تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً .. إلىٰ قوله:

______________________________

(1) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

(2) تهذيب الأحكام 1: 207/ 598، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 4.

(3) تقدّم في الصفحة 219.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 259

مِنْهُ أنّ ما هو دخيل فيه هو محلّ الضرب و وقوع اليد، و أمّا سائر أجزاء الأرض التي لا تقع اليد عليها، فلا دخالة لها في المسح.

و لو نوقش فيه، فلا إشكال في أصل الحكم، بعد كون التراب أحد الطهورين، و قطعية عدم الفصل بينه و بين الحجر و غيره.

في اعتبار كون الضرب بجميع الباطن

ثمّ إنّ المعتبر فيه ضرب مجموع باطن الكفّين؛ لكون «الكفّ» اسماً له ظاهراً، و بعضه جزء له، لا كفّ على الإطلاق.

نعم، لو كانت ناقصة يكفي الضرب بها، و لا يسقط التيمّم بلا إشكال؛ لقاعدة الميسور، و ضرورية عدم سقوط الصلاة. بل لا يبعد فهمه من نفس الخطابات المتوجّهة إلى المكلّفين، كما ذكرناه في الوضوء «1» و قلنا: إنّ قوله تعالىٰ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ ليس مخصوصاً بمن كان وجهه و يده سليمين، فمن قطعت يده من الأصابع، و سمع قوله

تعالىٰ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ يرىٰ لزوم غسل يده الناقصة إلى المرفق، و لا ينقدح في ذهنه توجّه الخطاب إلى السالمين. نعم لو كان القطع من المرفق يكون خارجاً منه.

و في المقام أيضاً يرى العرف دخول مقطوع الإصبع تحت الخطاب و لو قلنا بكون «الكفّ» اسماً للمجموع؛ و ذلك لمناسبات مغروسة في الأذهان، كما هو كذلك في الخطابات العرفية.

بل لا يبعد أن يقال: إنّ «الكفّ» ك «اليد» و «الرجل» صادقة على الكلّ

______________________________

(1) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 440.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 260

و البعض، لكن ينصرف مثل قوله: «اضرب كفّيك» إلىٰ ضرب جميعهما، و هو يتمّ مع سلامة الكفّ، و مع نقصها يصدق «أنّه ضرب كفّيه على الأرض» حقيقة، فلا إشكال في عدم سقوط التيمّم و الصلاة مع نقصان الكفّ.

حكم من قطعت كفّاه من الزند

و أمّا لو قطعت كفّاه من الزَّنْد، فقد يقال بلزوم مسح الوجه بالذراعين، و مسح ظاهر كلٍّ بباطن الأُخرىٰ. و هو بالنسبة إلىٰ مسح الوجه غير بعيد و إن لا يخلو من شبهة، لكن بالنسبة إلىٰ ظاهر كلٍّ بباطن الأُخرىٰ و قيامِهما مقامَ الكفّ، بعيد لعدم شمول الخطابات له، و هو واضح، و عدم كون مسح الذراعين ميسورَ مسحِ الكفّين.

و لو حاول أحد تعميم قاعدة «الميسور ..» لمثل ذلك، لصحّ له أن يلتزم بلزوم مسح الرجل أو سائر الجسد بدل اليد إذا قطعت يداه من الأصل؛ لأنّ المسح بظاهر الكفّ ينحلّ إلى المسح، و كونه بظاهر الكفّ، و كونه بالكفّ، و كونه بالجسد، فمع تعسّر كلّ مرتبة يجب قيام الأُخرىٰ مقامها، و هو كما ترى.

و بالجملة: ليست الذراعان مع الكفّ إلّا كأجنبي في باب

التيمّم، و ليس المسح عليهما ميسورَ مسحِ الكفّين، و الانحلال العقلي غير معوّل عليه في مثل المقام. بل لزوم مسح الجبهة فقط ممّن لم يكن له يد لكونه ميسورَ التيمّم أيضاً لا يخلو من إشكال.

و الاحتياط لازم علىٰ أيّ حال في مثل الصلاة التي لا تُترك بحال، مع بُعد عدم تكليف مثله بالصلاة التي هي عماد الدين إلىٰ آخر عمره. بل ليس المدّعى للقطع بعدم ترك مثله سُدى بمجازف.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 261

حكم تعذّر المسح بباطن الكفّين

ثمّ لو تعذّر الضرب بباطن الكفّين، هل يقوم ظاهرهما مقامه بدعوىٰ: أنّه ميسوره و أقرب من غيره، أو يقوم باطن الذراعين مقامه، فيضرب بباطنهما، و يمسح بهما الوجه و ظاهر الكفّين، أو يتخيّر بينهما، أو يجب الجمع؛ للعلم الإجمالي بحصول التيمّم الواجب بإحدى الكيفيتين؟

وجوه، لا يبعد ترجيح الثاني؛ لأنّ أصل اعتبار كون الماسح هو اليد و الكفّين، غير مستفاد من الأدلّة اللفظية كما مرّ، و إنّما قلنا باعتباره للسيرة و الإجماع «1»، و المتيقّن منهما اعتباره حال عدم التعذّر و في صورة الاختيار، و أمّا مع التعذّر فالأصل و إن اقتضىٰ عدم اعتبار إحدى الخصوصيتين، لكن المتفاهم من الأدلّة كما مرّت الإشارة إليه «2» مخالفة الماسح للممسوح؛ و أنّ آلة المسح موصلة لأثر الأرض و لو أثراً اعتبارياً إلىٰ ما لم يلمس الأرض، و مع القول بالانتقال إلى الظاهر، لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر.

و بعبارة اخرىٰ: يعتبر في التيمّم حال الاختيار، كونُ المسح بباطن الكفّ، و مغايرةُ الآلة للممسوح، و في حال التعذّر يرفع اليد عن الباطن، و تحفظ المغايرة مع حفظ آلية اليد، فيرجّح الذراع على الظاهر.

لكن ما ذكرناه لا يساعد عليه

كلمات القوم ممّن تعرّض للمسألة «3»، و الاحتياط بالجمع لا ينبغي تركه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 246.

(2) تقدّم في الصفحة 258.

(3) جامع المقاصد 1: 490، رياض المسائل 2: 324، جواهر الكلام 5: 182 183.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 262

حكم نجاسة الباطن

ثمّ إنّه مع نجاسة الباطن؛ إمّا أن تكون سارية إلى الأرض لو تيمّم، أو إلى الممسوح دون الأرض، كما لو جرح العضو بعد الضرب، أو لم تكن سارية مطلقاً:

فعلى الأوّل قد يقال: إنّ ظاهر الأدلّة اعتبار طهارة الصعيد عند ضرب اليد عليه، فإذا صار قذراً بالضرب لا يضرّ بالتيمّم «1».

و فيه: أنّ ظاهر الآية «2» مع قطع النظر عن صحيحة زرارة «3» اعتبار طهارته عند رفع اليد منه أيضاً؛ لمكان مِنْهُ فإنّ الظاهر رجوع الضمير إلى «الصعيد الطيّب» فمع ابتدائية «مِنْ» كما هي الأرجح يكون المعنىٰ: «فامسحوا مبتدئاً من الصعيد الطيّب».

نعم، بناءً علىٰ رجوع الضمير إلى «التيمّم» كما في صحيحة زرارة المفسّرة للآية يشكل استفادة ما ذكر منها، كما تقدّم بعض الكلام فيها «4».

إلّا أن يقال: إنّ المراد من قوله: «ذلك التيمّم» ذلك الضرب الواقع على الصعيد الطيّب، و مع قذارته بالضرب يخرج عن ذلك العنوان، تأمّل.

و يمكن استفادة اعتبار طهارة الأرض التي يمسح منها المحالّ و كذا اعتبار طهارة المحالّ الممسوحة إذا فرض سراية نجاسة الكفّ إليها من الآية

______________________________

(1) مستند الشيعة 3: 457، مصباح الفقيه، الطهارة: 490/ السطر الأخير.

(2) المائدة (5): 6.

(3) الفقيه 1: 56/ 212، الكافي 3: 30/ 4، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(4) تقدّم في الصفحة 247.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 263

الكريمة و صحيحة زرارة المتقدّمة

بالتقريب المتقدّم؛ مستمدّاً بارتكاز العرف في اعتبار كلّ ما يعتبر في الوضوء و الغسل جميعاً في التيمّم، فراجع «1».

و أمّا مع عدم سرايتها بأن يكون المحلّ جافّاً فالظاهر عدم الانتقال إلى الظاهر، بل ينتقل إلى الذراعين، كما مرّ الكلام فيه «2».

و أمّا دعوى: أنّ حفظ الذات أولىٰ من حفظ الوصف، فمع الانتقال إلىٰ غير باطن الكفّ، ترك الأصل و الذات حفظاً للوصف، بخلاف المسح بالباطن النجس.

ففيها: أنّ أمثال هذه الأُمور الاعتبارية و الترجيحات الظنّية، غير معوّل عليها في الأحكام التعبّدية البعيدة عن العقول. مع ما عرفت «3» من أنّ اعتبار باطن الكفّ بل مطلق آلية اليد غير مستفاد من الأدلّة لولا الإجماع و السيرة المفقودان في مثل المقام.

و الاحتياط في جميع صور الدوران لا ينبغي أن يترك؛ و إن كانت البراءة في كثير من الموارد محكّمة؛ بناءً علىٰ جريانها في الطهارات الثلاث، كما هو الأقوىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 239.

(2) تقدّم في الصفحة 261.

(3) تقدّم في الصفحة 261.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 264

الأمر السابع هل يعتبر في التيمّم العلوق ممّا ضرب عليه؟
اشارة

و الكلام فيه يقع في موارد:

عدم لزوم مسح المواضع بالتراب و نحوه

منها: في اعتبار العلوق بمعنى لزوم مسح المواضع بالتراب و نحوه، و لا إشكال و لا كلام عندنا في عدم اعتباره، و هو الذي ادّعي الإجماع عليه، فعن «المنتهىٰ»: «لا يجب استعمال التراب عند علمائنا» «1» و حكي الإجماع عن غيره أيضاً «2».

و الظاهر أنّ خلاف بعض المتأخّرين «3» ليس في ذلك، كما يظهر من استدلالاتهم، خصوصاً جوابهم عن الروايات الدالّة على النفض: «من عدم المنافاة بينه و بين لزوم العلوق؛ لبقاء الأجزاء الصغيرة الغبارية بعد النفض» فيظهر منهم أنّ مرادَهم بلزوم العلوق، لزومُ بقاء أثر التراب الذي لا يسمّى «تراباً». و كيف كان: يدلّ علىٰ عدم اعتباره بعد الإجماع الأدلّةُ الدالّة على استحباب النفض أو جوازه «4»؛ ضرورة أنّه بعده لا يبقى من نفس الصعيد و الأرض على اليد

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 147/ السطر 35.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 187 188، كنز العرفان في فقه القرآن 1: 26، جامع المقاصد 1: 496، مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 67.

(3) الحبل المتين: 89/ السطر 5، مفاتيح الشرائع 1: 62، الحدائق الناضرة 4: 333 335.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3 و 6 و 7 و 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 265

شي ء، و ما بقي عليها أحياناً هو أثرهما الذي لا يسمّى «تراباً» عرفاً و لا «أرضاً».

و الآيةُ الكريمة بعد البناء علىٰ كون «مِنْ» ابتدائية بشهادة صحيحة زرارة «1» التي دلّت علىٰ رجوع الضمير المجرور إلى «التيمّم» لا «الصعيد» و كذا الأخبار المتقدّمة «2»؛ ضرورة أنّه لو كان الجارّ للتبعيض و المجرور راجعاً إلى «الصعيد» لزم منه

وجوب حمل الصعيد إلى الوجه و الكفّين، مع أنّه بعد النفض لا يبقى بعض الأرض على اليد للوجه، فضلًا عن الكفّين، فإذا لم تكن تبعيضية فلا محالة تكون ابتدائية؛ لضعف الاحتمالات الأُخر، فتدلّ على أنّ المعتبر في التيمّم، أن يكون المسح مبتدئاً من الأرض لا بالأرض، فتدلّ علىٰ عدم اعتبار العلوق بالمعنى المتقدّم، و لا بغيره كما يأتي، فلا ينبغي الإشكال في عدم اعتباره بهذا المعنىٰ.

عدم لزوم أن يعلق على اليد من أجزاء الأرض

و منها: اعتباره بمعنى لزوم أن يعلق على اليد من أجزاء الأرض و لو سقطت بالنفض، بل و لو لم يبقَ أثرها. و لا ينبغي الإشكال في عدم اعتباره أيضاً، بل هو أضعف من سابقه؛ لإمكان التمسّك له بالآية و الصحيحة المتقدّمة؛ بتوهّم تبعيضية «مِنْ» و بارتكازية بدلية التراب للماء، و إن ظهر ضعفهما ممّا تقدّم حتّى الثاني، فإنّ الارتكاز لا يقاوم الأدلّة كتاباً و سنّة.

و أمّا توهّم اعتبار العلوق و كونه واجباً مستقلا، لا للتمسّح به على الأعضاء، فهو خلاف الآية و الروايات جميعاً؛ فإنّ الظاهر منها عدم استقلاليته، بل لو كان

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 262.

(2) تقدّمت في الصفحة 244.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 266

معتبراً فلأجل المسح على الأعضاء، و الروايات المشتملة على النفض يظهر منها بمساعدة الارتكاز العرفي أنّ النفض لعدم الاحتياج إلىٰ ما يعلق من الصعيد على اليد لمسحها، و لا إشعار فيها بلزوم العلوق استقلالًا من غير لزوم المسح به.

و لهذا ترى أنّ الروايات المشتملة على الوضع خالية عن ذكر النفض «1»، بخلاف ما تشتمل على الضرب، فإنّها مشتملة عليه «2» إلّا نادراً «3»! و الظاهر أنّ الوجه فيه هو تحقّق العلوق بالضرب دون الوضع، خصوصاً في

أراضي الحجاز الغالب عليها الرمل و الأحجار الصغار التي تلصق باليد مع الضرب، دون الوضع بلا اعتماد و لا قوّة و لا مكث.

و بالجملة: عدم اعتبار العلوق بهذا المعنىٰ أيضاً واضح.

عدم اعتبار انتقال أثر من الأرض إلى الأعضاء

و العمدة البحث عن النحو الثالث من العلوق؛ و هو أثر التراب و الأرض، و لا يبعد أن يكون ذلك مورداً للكلام، و مختاراً لبعض المتأخّرين، كما مرّت الإشارة إليه. و هو أيضاً لا يقصر في الضعف عمّا تقدّم؛ فإنّ «مِنْ» في الآية الكريمة إن كانت تبعيضية، تنطبق على العلوق بالمعنى الأوّل، و إن كانت ابتدائية لا تنطبق على العلوق بهذا المعنى أيضاً. بل بعد البناء على الابتدائية، تدلّ الآية بإطلاقها علىٰ عدم اعتبار العلوق؛ للدلالة علىٰ أنّ تمام الموضوع لتحقّق التيمّم، كون التمسّح مبتدئاً من الصعيد من غير دخالة شي ء آخر فيه.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2 و 4 و 5 و 8.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3 و 6 و 7.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 267

و دعوىٰ: أنّ المسح منه على الوجه و الكفّ و لو بمناسبة الحكم و الموضوع منصرف إلى انتقال أثر من الأرض إلى الأعضاء «1»، مدفوعة بأنّ ما هو المرتكز من قيام الصعيد مقام الماء، هو قيام نفسه مقامه، كما فعل عمّار، لا قيام أثره، و بعد قيام الدليل علىٰ عدم لزوم ذلك، لا مجال لدعوىٰ قيام الأثر، فلا يجوز رفع اليد عن الإطلاق، و لا دعوى الانصراف لأجل الارتكاز.

كما أنّ دعوى الانصراف أو

عدم الإطلاق لأجل غلبة الأراضي في انتقال أثرها إلى اليد و بقائه بعد النفض «2» مدفوعة بمنع الغلبة الموجبة لعدم الإطلاق، فضلًا عن الانصراف، سيّما في أراضي نزول الوحي و صدور الروايات، و خصوصاً مع كون «الصعيد» مطلق وجه الأرض، و بالأخصّ مع قرب أراضي الحرمين الشريفين من البحر الموجب لنزول الأمطار الغريزة في غالب الفصول فيها، مع كيفية أرضهما الخالية من التراب الموجب لعدم كونها مغبّرة و عدم بقاء أثرها بعد النفض غالباً، و معه كيف تسوغ دعوى الغلبة و الانصراف، و كيف يمكن السكوت عنه مع فرض اعتباره؟! مضافاً إلىٰ أنّه لو فرض بقاء أثر ضعيف بعد النفض، فلا ريب في أنّه مع إمرار اليدين على الوجه، يرتفع و ينتقل إليه، فلا يبقى للكفّين أثر منه، فلا بدّ للقائل بلزوم العلوق؛ إمّا أن يلتزم بلزومه للوجه فقط، أو لزوم المسح ببعض اليد على الوجه بوجه يبقى الأثر للكفّين، أو لزوم ضرب آخر بعد مسح الوجه، و لا أظنّ التزامه بالأوّلين، و يأتي الكلام في ضعف الثالث «3».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 492/ السطر 24.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 491/ السطر 34.

(3) يأتي في الصفحة 304.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 268

الأمر الثامن في تحديد الماسح و الممسوح و كيفية المسح
أمّا الماسح، فيقع البحث فيه من جهات:
الجهة الاولىٰ: في كفاية المسح بيد واحدة
اشارة

بعد وضوح لزوم كون المسح بما يضرب على الأرض نصّاً «1» و فتوى «2»، هل يعتبر أن يقع مسح الجبهة باليدين، كما عن «التذكرة»: «أنّه الأظهر من عبارات الأصحاب» «3».

و عن «المدارك»: «أنّ أكثر الأصحاب علىٰ كون المسح بباطن الكفّين معاً» «4» و عن «المختلف» و «الذكرى» و «كشف اللثام»: «أنّه المشهور» «5».

أو يجتزأ بيد واحدة، كما عن «التذكرة» احتماله «6»، و عن المولى الأردبيلي و المحقّق الخونساري اختياره «7»؟

______________________________

(1)

راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11 و 12.

(2) المقنعة: 62، المبسوط 1: 33، تذكرة الفقهاء 2: 190.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 194.

(4) مدارك الأحكام 2: 222.

(5) مختلف الشيعة 1: 274، المسألة 204، ذكرى الشيعة 2: 265، كشف اللثام 2: 469.

(6) تذكرة الفقهاء 2: 194.

(7) مجمع الفائدة و البرهان 1: 237، الحواشي علىٰ شرح اللمعة الدمشقية، المحقّق الخوانساري: 151/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 269

وجه الاجتزاء بيد واحدة

لا يبعد ترجيح ذلك؛ لإطلاق الآية الكريمة و عدم صلوح الأدلّة لتقييدها. و دعوىٰ «1» كونها من المتشابهات التي يجب الرجوع فيها إلىٰ تفسير أهل البيت (عليهم السّلام) كدعوىٰ عدم إطلاقها؛ لكونها في مقام أصل التشريع ضعيفة؛ ضرورة عدم إجمال و تشابه فيها، فإنّ الظاهر من قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً الواقع في ذيل بيان الوضوء و الغسل و أنّهما بالماء، و بقرينة فَامْسَحُوا .. مِنْهُ هو التلمّس للأرض بالآلة المتداولة التي هي باطن الكفّين؛ لعدم إمكان المسح على اليدين بكفّ واحدة، فيستفاد منها لزوم مسح بعض الوجه و اليدين من الأرض بالآلة. نعم لولا الجهات الخارجية لقلنا بعدم لزوم كون اليد آلة، كما تقدّم «2».

فإطلاق الآية محكّم ما لم يرد دليل على التقييد. و التقييدات الواردة عليها ليست بحدّ الاستهجان حتّى نلتزم بإهمالها، أو بقيام قرائن حالية لم تصل إلينا.

و الذي يشهد علىٰ عدم إجمال أو إهمال فيها، إرجاع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عمّاراً إليها لرفع خطئه

بقوله: «هكذا يصنع الحمار؛ إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «3».

و

في رواية: «إنّما قال اللّٰه فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ» «4».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 492/ السطر

33.

(2) تقدّم في الصفحة 246.

(3) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

(4) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 270

و في اخرىٰ: «أ فلا صنعت كذا؟» ثمّ تيمّم «1».

و تمسّك أبي جعفر (عليه السّلام) بها و بخصوصياتها لتعليم زرارة «2»، فلا إشكال في إطلاقها و عدم تشابهها. نعم الروايات الحاكية لفعلهم «3»، لا يكون فيها إطلاق معتدّ به من هذه الجهة.

و أمّا عدم صلوح شي ء لتقييدها؛ فلأنّ أظهر ما في الباب في ذلك ممّا يمكن الركون إليه سنداً

موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في التيمّم قال: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «4».

و

صحيحة المرادي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في التيمّم قال: «تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» «5».

بدعوىٰ ظهورهما بل صراحتهما في كون مسح الوجه باليدين.

لكن يمكن إنكار ظهورهما فضلًا عن صراحتهما بأن يقال: إنّ محتملات قوله: «و تمسح بهما وجهك و يديك» كثيرة بدواً:

أحدها: أن يكون المراد «تمسح بهذه و هذه وجهك و يدك اليمنىٰ و اليسرى» جموداً علىٰ ظاهر علامة التثنية من تكرير مدخولها، و ظاهر الضمير الراجع إلىٰ

______________________________

(1) الفقيه 1: 57/ 212، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

(2) الفقيه 1: 56/ 212، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

(4) تهذيب الأحكام 1: 212/ 615، وسائل

الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(5) تهذيب الأحكام 1: 209/ 608، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 271

طبيعة اليدين؛ من غير اعتبار الاجتماع في المدخول و المرجع، فإنّه يحتاج إلىٰ مئونة زائدة.

و لازم هذا الاحتمال لزوم مسح كلّ يد جميع الجبهة، أو هي مع الجبينين، و كذا مسح كلٍّ من اليدين الماسحتين كلَّ واحدة من الممسوحتين، و هو غير ممكن في الثاني، و لم يلتزموا به في الأوّل، فهذا الاحتمال مدفوع لذلك.

ثانيها: أن يكون المراد «تمسح بمجموعهما وجهك و كلّ واحد من يديك» و لازمه لزوم مسح كلّ من اليدين بمجموعهما، و هو أيضاً مدفوع؛ لامتناعه.

ثالثها: أن يكون المراد «تمسح بمجموعهما وجهك و مجموع اليدين» و لازم ذلك ما هو المشهور.

رابعها: «تمسح بمجموعهما مجموع الوجه و اليدين» أي بمجموع هذين مجموع الثلاثة. و لازم ذلك جواز مسح الوجه بيد واحدة، كما اختاره المحقّقان المتقدّمان.

و لا ترجيح لأحد الأخيرين لو لم نقل بترجيح ثانيهما؛ لأجل ارتكاز العرف بأنّ المسح لإيصال أثر الأرض و لو أثرها الاعتباري إلى الوجه من غير دخالة مجموع اليدين في ذلك. و ضرب اليدين إنّما هو لتحصيل المسحات الثلاث، لا لمسح الوجه بهما.

و بالجملة: مع محفوفية الكلام بالقرينة العقلية، و رفع اليد عن الظاهر الأوّلي، لا يبقى ظهور في الاحتمال الثالث.

و دعوىٰ: أنّ الظاهر منها هو المسح بهما مطلقاً، و قيام القرينة العقلية موجب لرفع اليد عنه بالنسبة إلى اليدين دون الوجه، مدفوعة بأنّ الظاهر منها هو المسح بكلّ واحدة منهما جميع الممسوح، و هو مخالف لإطلاق الكتاب و الفتوىٰ و العقل،

و مع رفع اليد عنه و دوران الأمر بين أحد الأخيرين، فالترجيح

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 272

مع ثانيهما، فيوافق إطلاق الآية. و مع تساويهما أو الترجيح الظنّي لأوّلهما، لا يترك الإطلاق حتّى على الثاني؛ لعدم ظهورٍ معتدٍّ به، و عدم كون الظنّ مستنداً إلى اللفظ و ظهوره حتّى يكون حجّة.

نعم، ظاهر

رواية الكاهلي قال: «سألته عن التيمّم، فضرب على البساط، فمسح بهما وجهه، ثمّ مسح كفّيه إحداهما علىٰ ظهر الأُخرىٰ» «1»

هو مسح الوجه باليدين.

لكنّها مع ضعفها سنداً «2» و إضمارها، لا تصلح لتقييد الكتاب، و لا يعلم استناد المشهور إليها، و مجرّد مطابقة فتواهم لرواية لا يجبر ضعفها. و كون الناقل عنه صفوان بن يحيىٰ و صحّة السند إليه، غير مفيد؛ لعدم ثبوت أنّه لا يروي إلّا عن ثقة و إن قال به الشيخ في محكيّ «العدّة» «3»، و الإجماع علىٰ تصحيح ما يصحّ عنه «4» علىٰ فرض ثبوته لم يتضح إثبات ما راموا منه، و التفصيل موكول إلى محلّه «5».

و أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن التيمّم، فضرب بكفّيه الأرض، ثمّ مسح بهما وجهه، ثمّ ضرب بشماله الأرض، فمسح بها مرفقه إلىٰ أطراف الأصابع: واحدة علىٰ ظهرها، و واحدة علىٰ بطنها، ثمّ ضرب بيمينه الأرض، ثمّ صنع بشماله كما صنع بيمينه، ثمّ قال: «هذا التيمّم علىٰ ما

______________________________

(1) الكافي 3: 62/ 3، وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1.

(2) رواها الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن الكاهلي.

(3) عدّة الأُصول 1: 154.

(4) اختيار معرفة الرجال: 556/ 1050.

(5) يأتي في الجزء الثالث: 331.

كتاب

الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 273

كان فيه الغسل و في الوضوء: الوجه و اليدين إلى المرفقين ..» «2» إلىٰ آخره.

فلا يتّكل عليها لتقييد الكتاب؛ بعد اشتمالها علىٰ عدّة أحكام مخالفة للمذهب. و التفكيك في الحجّية في مثلها، غير جائز بعد عدم الدليل علىٰ حجّية خبر الثقة إلّا بناء العقلاء الممضى، و لا ريب في عدم ثبوت بنائهم على العمل بما اشتملت علىٰ عدّة أحكام مخالفة للواقع، لو لم نقل بثبوت عدمه.

وجه عدم الاجتزاء بيد واحدة و ترجيحه

نعم، هنا روايات لا يبعد دعوى ظهورها في المطلوب،

كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) حكايةً لقضية عمّار بن ياسر، و فيها: «ثمّ أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد، ثمّ مسح جبينيه بأصابعه، و كفّيه إحداهما بالأُخرىٰ، ثمّ لم يعد ذلك» «3».

فإنّ الظاهر من «مسح جبينيه بأصابعه» المسح بجميعها، سيّما بعد قوله: «فوضعهما على الصعيد».

و

موثّقته عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال في ذيل حكاية قضيّة عمّار: «فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الأُخرىٰ، ثمّ مسح بجبينيه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة علىٰ ظهر الأُخرىٰ» «4».

______________________________

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 612، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 5.

(3) الفقيه 1: 57/ 212، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

(4) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

و لكنّ المتن موافق للطبع الحجري راجع وسائل الشيعة 1: 227، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، باب كيفيّة التيمّم، السطر 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 274

فإنّ الظاهر منها أنّ المسح وقع بعين ما ضرب على الأرض للمسح، لا بإحدى يديه؛

ضرورة أنّه لو ضرب بيدين و مسح بإحداهما علىٰ جبينيه، لقال في مقام الحكاية-: «فمسح بواحدة منهما» لكون الضرب بهما و المسح بإحداهما مخالفاً للمتعارف، و معه كان عليه حكايته، و مع عدم الذكر ينصرف إلى المتعارف؛ و هو المسح بما ضرب، أ لا ترى عدم احتمال كون المسح بغير اليدين مع عدم حكاية كونه بهما! و ليس ذلك إلّا للانصراف و الظهور في كونه بما وقع على الأرض.

و هذا نظير أن يقال: «أخذ الماء بغرفتيه، فغسل وجهه»؛ حيث يكون ظاهراً في صبّ ما في الغرفتين علىٰ وجهه و غسله بهما. و من هنا يمكن الاستدلال عليه ببعض روايات أُخر «1».

لكن يمكن المناقشة في صلوح مثل تلك الروايات لتقييد الآية الكريمة؛ فإنّ مجرّد ظهورها في كون المسح باليدين و لو في مقام بيان الحكم و التعليم، لا يكفي في التقييد إلّا إذا دلّت على التعيين، و العملُ الخارجي الذي لا يمكن أن يقع إلّا علىٰ وجه واحد و كيفية واحدة، لا يكون ظاهراً فيه، و دالّاً على أنّ للتيمّم كيفيّة واحدة، و أنّ تمام حقيقته كذلك، و معه لا يمكن تقييد المطلق الموافق له به.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ المطلق و المقيّد المثبتين غير متنافيين، إلّا إذا أُحرزت وحدة المطلوب و الكيفية، و هي غير محرزة في المقام.

و لعلّه إلىٰ ما ذكرنا يرجع ما عن المحقّق الخونساري (رحمه اللّٰه) حيث قال: «كما

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 4 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 275

يجوز حمل المطلق على المقيّد، يجوز القول بكفاية المطلق و حمل المقيّد علىٰ أنّه أحد أفراد الواجب» «1» انتهىٰ.

إلّا

أن يقال: إنّ الظاهر من صحيحة داود بن النعمان «2» هو السؤال عن كيفيّة التيمّم، فعملُ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في مقام جواب سؤاله عن الكيفيّة، ظاهر في أنّ ما فعل هو الكيفيّة الفريدة و تمام ماهيّة التيمّم، فلو كان المسح بيد واحدة مجزياً، لفعله في مقام بيان نفس الماهيّة؛ لعدم دخالة ضمّ الأُخرىٰ في تحقّقها.

و الظاهر منها مسح الوجه باليدين بالتقريب المتقدّم، بل لا يبعد أظهريتها في ذلك ممّا تقدّم؛ لقوله: «ثمّ رفعهما، فمسح وجهه و يديه».

و لا يخفىٰ: أنّه فرق بين هذه الصحيحة التي ندّعي ظهورها في كون المسح بيدين، و بين صحيحة المرادي و رواية زرارة المتقدّمة حيث منعنا ظهورهما فيه كما مرّ «3»؛ لأنّ الظهور المدّعىٰ في هذه الصحيحة لأجل حكاية الفعل، كما تقدّم وجهه، فتدبّر.

بل الظاهر منها و من صحيحة الخزّاز «4»، أنّ ما صنع أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) موافق لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في مقام تعليم عمّار، و بعد ضمّ ذلك إلىٰ رواية الكاهلي الذي شهد شيخ الطائفة (رحمه اللّٰه) بوثاقته؛ لرواية صفوان عنه، و قيام الإجماع المنقول علىٰ تصحيح ما يصحّ عنه، و هما و إن كانا موردين للمناقشة كما مرّ «5»،

______________________________

(1) الحواشي علىٰ شرح اللمعة الدمشقية، المحقّق الخوانساري: 151/ السطر 1.

(2) تقدّم في الصفحة 251.

(3) تقدّم في الصفحة 270 271.

(4) الكافي 3: 62/ 4، وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2.

(5) تقدّم في الصفحة 272.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 276

لكن يوجبان ظنّاً معتدّاً به، فإذا ضمّ ذلك إلىٰ

مرسلة العيّاشي، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها:

«ثمّ مسح يديه بجبينيه» «1»

و إلى رواية فقه الرضا «2» و إلى صحيحة زرارة و موثّقته «3» الحاكيتين لفعل رسول اللّٰه الظاهرتين في مسحه باليدين، يتمّ المطلوب؛ و هو تعيّنه في كيفيّة واحدة.

و الإنصاف: أنّ الراجع إلى الروايات يطمئنّ بأنّ له كيفيّة واحدة، هي ما قال به المشهور. بل قيام السيرة القطعية المتصلة إلىٰ زمان الأئمّة، من أقوى الشواهد علىٰ كونه بهذه الكيفية المعهودة، فيتقيّد بها الآية الشريفة، فلا ينبغي التأمّل فيه.

الجهة الثانية: في عدم اعتبار المسح باليدين دفعة

مقتضىٰ إطلاق الآية و بعض الروايات كصحيحة المرادي و رواية زرارة المتقدّمتين «4» عدم اعتبار المسح بهما دفعة، فيجوز تدريجاً. و إشعار الروايات الحاكية لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) «5» أو دلالتها علىٰ أنّ عملهم كان بنحو الدفعة، لا يظهر منها التعيين؛ للفرق الظاهر بين الإتيان باليدين الظاهر في الدخالة، و بين الإتيان دفعة؛ لأنّه لو كان مجزياً باليد الواحدة، لكان ضمّ اليد الأُخرىٰ إليها بلا وجه؛ لعدم تعارف ضمّ ما ليس بدخيل إلىٰ ما هو

______________________________

(1) تفسير العيّاشي 1: 244/ 144، مستدرك الوسائل 2: 537، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 4.

(2) تقدّم متنها في الصفحة 237، الهامش 2.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 276

(3) تقدّمتا في الصفحة 273.

(4) تقدّمتا في الصفحة 270.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 277

الدخيل، بخلاف الدفعة، فإنّها متعارفة بعد

لزوم كون المسح باليدين، و التعارف يوجب عدم الظهور في التعيين.

كما أنّ السيرة على الدفعة لا تكشف إلّا صحّته كذلك، و أمّا بطلان غيره فلا، كما لا يخفى، و هذا بخلاف السيرة على المسح باليدين، فإنّها كاشفة عن دخالة اليد؛ و ذلك لما مرّ من عدم تعارف ضمّ ما ليس بدخيل، فلا تغفل. لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

الجهة الثالثة: في عدم اعتبار استيعاب الكفّ بالمسح

الظاهر عدم اعتبار كون المسح بجميع الكفّ؛ لإطلاق الآية «1» و ظهور الأدلّة «2» في أنّ ضرب اليد على الأرض إنّما هو لإيصال أثرها و لو اعتباراً إلى الممسوح، و ليس للكفّين إلّا سمة الآلية للمسح منها، فإذا حصل ببعض الكفّ سقط التكليف.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ المسح منها الذي هو الواجب الأصيل، يحصل بتحقّق صِرف الوجود من المسح، و يتحقّق ذلك بأوّل مرتبة الإمرار، و الزائد يحتاج إلىٰ دليل. و لا دليل عليه إلّا توهّم ظهور الأدلّة في وجوب الضرب بجميع الكفّ، و لمّا كان ذلك للمسح فلا بدّ من كونه بجميعها.

و فيه: أنّ تقليب ذلك الدليل أولىٰ بحسب ارتكاز العرف؛ بأن يقال: إنّ الضرب لمّا كان للمسح، و هو يحصل ببعض الكفّ، فهو دليل علىٰ عدم لزوم الضرب بجميعها. و الأولوية لأجل أنّ المطلوب الأصلي هو المنظور فيه،

______________________________

(1) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11 و 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 278

و التبعي منظور لأجله، و بعد اقتضاء الدليل كون الضرب للمسح الحاصل بأوّل وجود الإمرار، لا ينقدح في ذهن العرف توسعة ذي الآلة، بل ينقدح فيه تضييق الآلة.

هذا مع أنّ ظاهر الأدلّة انصرافاً، هو المسح بوضع طول الماسح علىٰ عرض

الممسوح في الكفّ، و هو أزيد منه بمقدار معتدّ به؛ بحيث يرى العرف زيادته عليه، و كذا يزيد عرض اليدين عن الجبهة و الجبينين، و مع لزوم الاستيعاب كان اللازم التنبيه عليه، و عدمه دليل علىٰ عدم لزومه.

هذا مع الغضّ عن صحيحة زرارة «1»، و إلّا فهي صريحة في جوازه، فالأقوىٰ عدم لزوم الاستيعاب و إن كان الأحوط خلافه.

و من بعض ما ذكرناه يعلم كفاية مسح مجموع الممسوح بمجموع الماسح توزيعاً، فلا يجب المسح بكلٍّ من اليدين علىٰ تمام الممسوح.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 273.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 279

تحديد الممسوح
اشارة

و أمّا الممسوح، فيقع البحث فيه من جهات:

الجهة الاولىٰ: في تحديد الوجه
اشارة

و الكلام يقع فيه في مقامين:

المقام الأوّل: في مقتضى الأدلّة مع قطع النظر عن فتوى الأصحاب

فنقول: إنّ مقتضىٰ إطلاق الآية «1» جواز مسح بعض الوجه؛ أيّ بعض كان بعد كون الباء تبعيضية؛ إمّا لقول السيّد المرتضىٰ: «إنّ الباء إذا لم يكن لتعدية الفعل إلى المفعول، لا بدّ له من فائدة، و إلّا كان عبثاً، و لا فائدة بعد ارتفاع التعدية به إلّا التبعيض» «2»، و هو من أهل الخبرة في صناعة الأدب، تأمّل.

و إمّا لصحيحة زرارة المفسّرة للآية عن أبي جعفر (عليه السّلام) «3» و استدلّ (عليه السّلام) لتبعيض المسح في الوضوء و التيمّم بالباء.

و أمّا الروايات فعلى طوائف:

منها: و هي الأكثر ما اشتملت علىٰ عنوان «الوجه» «4».

______________________________

(1) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(2) الانتصار: 33.

(3) الفقيه 1: 56/ 212، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1 و 2 و 4 و 5 و 7، و 361، الباب 12، الحديث 1 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 280

و منها: على «الجبينين» «1».

و منها: على «الجبين» مفردة «2». و في نسخة اخرىٰ أو رواية أُخرى بدل «الجبين» «الجبهة» «3».

و بعضها: و هي رواية

زرارة، عن «تفسير العيّاشي» على المسح «من بين عينيه إلىٰ أسفل حاجبيه» «4».

و

في رواية «فقه الرضا»: ذكر «موضع السجود من مقام الشعر إلىٰ طرف الأنف» و روى فيه: «مسح الوجه من فوق الحاجبين، و بقي ما بقي» «5».

و يمكن الجمع بينها بالأخذ بإطلاق الآية، و حمل الروايات على اختلافها على التخيير بين أعضاء الوجه؛ بدعوىٰ عدم استفادة التعيين منها بعد ذلك الاختلاف، و حمل أخبار الوجه على الفضل في

الاستيعاب.

و فيه ما لا يخفى؛ لأنّ الالتزام بجواز مسح العارض أو الذقن بعد كونه مخالفاً لجميع الروايات في غاية الإشكال، بل غير ممكن و إن يظهر من محكيّ «المعتبر» التخيير بين استيعاب الوجه، و مسح بعضه بشرط عدم الاقتصار علىٰ أقلّ من الجبهة «6». و ظاهره جواز المسح على العارض مثلًا إذا لم يقتصر علىٰ أقلّ

______________________________

(1) راجع جامع أحاديث الشيعة 3: 104، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 1 و 12 و 16 و 17.

(2) تهذيب الأحكام 1: 211/ 613.

(3) تهذيب الأحكام 1: 207/ 601، و راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(4) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(5) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88، مستدرك الوسائل 2: 535، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1، و قد تقدّم متنها أيضاً في الصفحة 237، الهامش 2.

(6) المعتبر 1: 386.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 281

منها مساحة، و هو أسوأ من الجمع المتقدّم؛ لالتزامه بالتخيير بين الأقلّ و الأكثر، و هو لو لم يكن ممتنعاً، فلا أقلّ من عدم كونه من الجمع المقبول.

مضافاً إلىٰ أنّ روايات «الجبين» و «الجبهة» لو كانت صالحة لتقييد الآية، فلا بدّ من التخيير بينهما و بين الوجه، أو تعيّن المسح بهما، و إلّا فلا وجه لعدم جواز الاقتصار علىٰ أقلّ من الجبهة.

و قد يقال «6» بالجمع بين روايات «الوجه» و «الجبينين» بحمل الاولىٰ علىٰ إرادة المسح في الجملة؛ حملًا للمطلق على المقيّد، و هو من أهون التصرّفات.

و فيه: أنّه بعد تسليم دلالة روايات الوجه علىٰ كثرتها

علىٰ لزوم الاستيعاب، يقع التعارض بينها و بين ما دلّ على المسح على الجبينين بالتباين.

و الإنصاف: أنّه لو سلّم دلالة الروايات المتجاوزة عن العشر، و فيها الصحاح و الموثّق علىٰ لزوم الاستيعاب، و كونها في مقام بيان كيفية التيمّم، لا يتأتّى الجمع بينها بما ذكر، بل يقع التعارض بينها و بين غيرها بعد عدم كونها من قبيل المطلق و المقيّد؛ لأنّ نسبة الكلّ و الجزء ليست من قبيلهما.

لكن الشأن في ثبوت دعوى دلالتها عليه؛ فإنّ الناظر بعين التدبّر، يرىٰ عدم سلامة سوى النادرة منها من المناقشة؛ أمّا سنداً، أو دلالة، أو جهة، فها هي الروايات:

أمّا ما دلّت علىٰ أنّ التيمّم ضربة للوجه، و ضربة لليدين

كصحيحة إسماعيل الكندي، عن الرضا (عليه السّلام) قال: «التيمّم ضربة للوجه، و ضربة للكفّين» «1»

و

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما قال: سألته عن التيمّم فقال:

______________________________

(6) مصباح الفقيه، الطهارة: 494/ السطر الأخير.

(1) تهذيب الأحكام 1: 210/ 609، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 282

«مرّتين مرّتين للوجه و اليدين» «1»

و

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: كيف التيمّم؟ فقال: «هو ضرب واحدة للوضوء و الغسل من الجنابة: تضرب بيديك مرّتين، ثمّ تنفضهما نفضة للوجه، و مرّة لليدين» «2»

فهي في مقام حكم آخر لا يمكن استفادة لزوم الاستيعاب منها، كما لا يستفاد لزوم مسح تمام اليد منها، فهي لا تعارض أخبار المسح على الكفّ، و لا ما دلّت علىٰ مسح الجبينين، كما لا يخفى. و الظاهر أنّ صحيحة المرادي «3» من هذا القبيل.

و أمّا صحيحة محمّد بن مسلم «4» و موثّقة سماعة «5»

المشتملتان علىٰ مسح الذراعين إلى المرفق، فهما محمولتان على التقيّة، و استقرّ المذهب علىٰ عدم العمل بهما. و يمكن أن تكون صحيحة المرادي أيضاً كذلك.

و أمّا

موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «6»

فمن القريب أن تكون بصدد بيان عدم لزوم نقل التراب إلى الوجه؛ حيث قد يدّعىٰ دلالة الآية علىٰ لزومه «7»، و يظهر

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 210/ 610، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 611، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 4.

(3) تقدّمت في الصفحة 270.

(4) تقدّمت في الصفحة 272.

(5) تهذيب الأحكام 1: 208/ 602، وسائل الشيعة 3: 365، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 3.

(6) تهذيب الأحكام 1: 212/ 615، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(7) أحكام القرآن، الجصّاص 2: 390، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 5: 239.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 283

من فتوى الشافعي أنّ ذلك كان في تلك الأعصار مورد البحث و النظر «1»، فلا تكون ناظرة إلىٰ مقدار مسح الوجه و اليدين، و لذا ذُكر فيها اليدان لا الكفّان، و لو كانت بصدد بيان كيفية التيمّم لم تهمل وظيفة اليد، فالأقرب ما ذكرنا من كونها بصدد بيان لزوم كون المسح باليد المضروبة على الأرض، لا بأجزاء التراب، و لهذا قال فيها: «تنفضهما و تمسح بهما».

و أمّا روايتا داود بن النعمان «2» و الخزّاز «3» فيتحمل فيهما كون قوله: «قليلًا» قيداً للوجه أيضاً، فيكون المراد مسح الوجه قليلًا، و فوق الكفّ قليلًا.

مع احتمال أن يكون المنظور ضرب اليد على الأرض في مقابل عمل عمّار، تأمّل.

و كيف كان: فمع اشتمالهما علىٰ ما تصلح للقرينية، لا يمكن إثبات الاستيعاب بهما.

و أمّا رواية الكاهلي «4» فضعيفة، و لو قيل بحسنها «5» لكن لا تكون صالحة لمعارضة الصحاح؛ لا سنداً و لا دلالة.

فبقيت صحيحة واحدة هي

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول، و ذكر التيمّم و ما صنع عمّار، فوضع أبو جعفر كفّيه على الأرض، ثمّ مسح وجهه و كفّيه، و لم يمسح الذراعين بشي ء» «6».

______________________________

(1) الامّ 1: 49، المجموع 2: 228.

(2) تهذيب الأحكام 1: 207/ 598، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 4.

(3) الكافي 3: 62/ 4، وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2.

(4) تقدّم في الصفحة 272.

(5) ملاذ الأخيار 2: 186، مستند الشيعة 3: 441، جواهر الكلام 5: 205.

(6) تهذيب الأحكام 1: 208/ 603، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 284

و هي مع عدم بيان تفصيل القضيّة فيها حتّى يعلم كون أبي جعفر (عليه السّلام) في مقام بيان أيّة جهة من جهات التيمّم، و كون المذكور فيها عمله، و يصحّ لمن يرىٰ مسح يده علىٰ جبهته أو جبينه أن يقول: «مسح يده علىٰ وجهه» من غير تسامح و تجوّز لا تقاوم الكتاب؛ إذ لو كان المراد لزوم مسح جميع الوجه، فتخالفه بالتباين بعد كون الباء للتبعيض، و لا تقاوم الروايات الحاكية لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الناصّة علىٰ مسحه بجبينيه،

فتكون قرينة علىٰ أن ليس المراد ب «الوجه» جميعه، لا لتقييد الإطلاق كما قيل «1»، بل لأنّ «الوجه» يطلق على البعض و التمام بلا مسامحة.

و لا يبعد دعوى الفرق بين «اغسل وجهك» و بين «امسح بيدك وجهك» بأنّه يفهم الاستيعاب من الأوّل دون الثاني، فتأمّل.

و كيف كان: لا شبهة في عدم وجوب الاستيعاب في الوجه حتّى مع الغضّ عن فتاوى الأصحاب «2» و مخالفته للكتاب «3» و موافقته للعامّة «4». هذا حال الأخبار المشتملة على «الوجه».

و أمّا سائر الأخبار؛ فالمعتمد منها و هي صحيحة زرارة «5» و موثّقته «6» الحاكيتان لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تعليماً لعمّار، عن أبي جعفر (عليه السّلام) كالصريح في

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 494/ السطر الأخير.

(2) سيأتي بيان فتاوى الأصحاب في الصفحة 287.

(3) لقوله تعالىٰ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(4) المغني، ابن قدامة 1: 257، المجموع 2: 231.

(5) تقدّمت في الصفحة 273.

(6) تقدّمت في الصفحة 273.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 285

كفاية مسح الجبينين من دون لزوم مسح الجبهة؛ فإنّ قوله (عليه السّلام): «ثمّ مسح» أي رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «جبينيه بأصابعه» أو «ثمّ مسح بجبينيه» في مقام بيان الحكم و ماهية التيمّم ظاهر بل كنصّ في أنّ تمام الدخيل فيه مسحهما فقط، و ليس مسح غيرهما كالجبهة و غيرها دخيلًا في ماهيته. و ليس هذا كنقل أحد من الرواة حتّى يقال: إنّه ترك ذكر الجبهة بتوهّم ملازمة مسحها لمسحهما مع عدم الملازمة واقعاً، أو احتمل فيه الخطأ في فهم كيفية العمل.

و كيف كان: لو كان اللازم مسح الجبهة لمسحها رسول اللّٰه (صلّى

اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و نقل أبو جعفر (عليه السّلام).

و تدلّ عليه أيضاً

رواية ابن أبي المقدام أو حسنته لرواية صفوان عنه «1» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أنّه وصف التيمّم، فضرب بيديه على الأرض، ثمّ رفعهما فنفضهما، ثمّ مسح علىٰ جبينيه و كفّيه مرّة واحدة» «2».

و ذكرُ «الجبينين» مثنّاة و ترك «الجبهة» دليل علىٰ عدم مسحه جبهته.

و الظاهر أنّ موثّقة زرارة المختلفة في النقل المردّدة بين «جبينه» و «جبهته» «3» كانت في الأصل «جبينه» أو «جبينيه» و اشتبهت في النسخ لغاية تشابههما في الخطّ العربي، سيّما في الخطوط القديمة.

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي، عن الشيخ و هو المفيد-، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن عمرو بن أبي المقدام.

(2) كذلك في الطبعة الحجرية من الوسائل، و لكن في طبع آل البيت «جبينه» بدل «جبينيه»، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 61/ 1، تهذيب الأحكام 1: 207/ 601 و 211/ 613، الاستبصار 1: 171/ 593، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 286

و إنّما رجّحنا «الجبين» على «الجبهة» لشهادة سائر الروايات المتّفقة على «الجبينين» «1» بل المظنون وقوع تصحيف في عبارة الحسن بن علي العُماني؛ حيث ادّعىٰ تواتر الأخبار بأنّه حين علّم عمّاراً مسح بهما جبهته و كفّيه «2»، و كان الأصل «جبينيه» فاشتبهت و صُحّفت ب «جبهته» لشدّة المشابهة في الخطّ، و إلّا فكيف يدّعي تواتر ما ليس بموجود إلّا نادراً، و ترك

ذكر «الجبينين» مع ورود روايات كثيرة فيهما؟! و أمّا قول المحقّق في «النافع»: «و هل يجب استيعاب الوجه و الذراعين بالمسح؟ فيه روايتان أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة» «3» فليس المراد منه أكثرية الرواية كما توهّم «4»، بل أشهريتها بحسب الفتوىٰ، و هو مبني علىٰ حمل عبارات من تقدّم عليه على اختصاص المسح بالجبهة، و سيأتي الكلام فيها «5»، و إلّا فروايات «الوجه» و «الجبينين» أكثر بلا إشكال، و لم تصل إلى المحقّق روايات أُخر غير ما بأيدينا أكثر من روايات «الجبينين» جزماً.

و كيف كان: فمراده أشهرية الفتوىٰ، و الشهرة الفتوائية هي الميزان في قبول رواية أو ردّها لا الأكثرية، كما هو المقرّر في محلّه «6».

نعم، هنا بعض روايات ضعاف تدلّ علىٰ وجوب مسح الجبهة ك «الفقه

______________________________

(1) كذلك في الطبعة الحجرية من الوسائل، و لكن في طبع آل البيت «جبينه» بدل «جبينيه»، راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3 و 6 و 8 و 9.

(2) انظر مختلف الشيعة 1: 270.

(3) المختصر النافع: 17.

(4) رياض المسائل 2: 312 314.

(5) يأتي في الصفحة 287.

(6) أنوار الهداية 1: 261 264، تهذيب الأُصول 2: 100.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 287

الرضوي» الذي لم يثبت كونه رواية بل الظاهر من عباراته أنّه مصنَّف فقيهٍ أفتىٰ بمضمون الأخبار،

و فيه: «ثمّ تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلىٰ طرف الأنف» ثمّ قال: «و أروي ..» إلىٰ أن قال: «ثمّ تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك، و بقي ما بقي» «1».

و لعلّ المراد من هذه الرواية الأخيرة مسح جميع ما فوق الحاجبين، و إبقاء بقيّة الوجه.

و لا يبعد رجوع

مرسلة

العيّاشي إلىٰ ذلك، قال: و عن زرارة، عن أبي جعفر بعد ذكر قضيّة عمّار «ثمّ وضع يديه جميعاً على الصعيد، ثمّ مسح من بين عينيه إلىٰ أسفل حاجبيه» «2»

و هي موافقة لفتوى الصدوق في «المقنع» «3» مع احتمال كون المراد مسح الجبهة إلىٰ طرف الأنف المحاذي لأسفل الحاجبين.

و كيف كان: فمقتضى الجمود على الروايات الصالحة للاعتماد، كفاية مسح الجبينين و عدم الاجتزاء بمسح الجبهة خاصّة؛ لأنّ ما دلّت على الاجتزاء بها غير صالحة للحجّية، إلّا أن يثبت استناد المشهور إليها، و هو غير معلوم. هذا كلّه حال الروايات.

و أمّا المقام الثاني: و هو حال فتاوى الأصحاب
اشارة

فالظاهر من فتاوىٰ قدمائهم إلىٰ زمان المحقّق فيما رأيت إلّا نادراً هو التحديد بمسح الجبينين و الجبهة عرضاً، و من قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88.

(2) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(3) المقنع: 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 288

طولًا؛ لأنّ الغالب فيها التعبير ب «مسح الوجه باليدين من قصاص شعر رأسه إلىٰ طرف أنفه» و ليس في عباراتهم لفظة «الجبهة».

و الظاهر من «مسح الوجه بهما» أي باليدين مضمومتين، كما هو المتبادر المتعارف تحديد العرض، و من «قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف» تحديد الطول في مقابل العامّة القائلين بالاستيعاب، أو مسح أكثر الوجه «2».

و إليه يرجع قول السيّد في «الانتصار» و «الناصريات» قال في الأوّل: «و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ مسح الوجه بالتراب في التيمّم، إنّما هو إلىٰ طرف الأنف من غير استيعاب له، فإنّ باقي الفقهاء يوجبون الاستيعاب» «3».

و قال في الثاني بعد قول الناصر: «و تعميم الوجه و اليدين واجب» بهذه

العبارة: «هذا غير صحيح، و قد بيّنا في المسألة التي قبل هذه ..» إلىٰ أن قال: «و قد أجمع أصحابنا علىٰ أنّ التيمّم في الوجه، إنّما هو من قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف» «4» انتهىٰ.

و الظاهر من «مسح الوجه إلىٰ طرف الأنف» هو مسح جميع القطعة التي وقعت من الوجه فوق طرف الأنف، لا ما هو بحذاء طرفه، فإنّه أقلّ من عرض إصبع واحد، و لا ينطبق إلّا علىٰ أقلّ من الجبهة، فاحتماله في عبارته و سائر عبارات القوم مقطوع الفساد، بل الإجماع و الضرورة علىٰ خلافه.

و إليها من هذه الجهة ترجع ظاهراً عبارة «المقنع»: «فامسح بهما بين عينيك إلىٰ أسفل الحاجبين» «5» لاحتمال كون المراد التحديد عرضاً باليدين،

______________________________

(2) المغني، ابن قدامة 1: 257، المجموع 2: 231.

(3) الانتصار: 32.

(4) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 30.

(5) المقنع: 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 289

و طولًا إلىٰ أسفل الحاجبين، سيما مع ذكر الحاجبين، لا طرف الأنف.

و الظاهر رجوع قول الصدوق في «الأمالي» إليه، قال فيما وصف دين الإمامية: «فإن أراد الرجل أن يتيمّم ضرب بيديه على الأرض مرّة واحدة، ثمّ ينفضهما فيمسح بهما وجهه ..» إلىٰ أن قال: «و قد روي: أن يمسح الرجل جبينه و حاجبيه، و يمسح علىٰ ظهر كفّيه، و عليه مضى مشايخنا» «1».

و قال في «الفقيه»: «و مسح بهما جبينيه و حاجبيه» «2».

و الظاهر بقرينة إفراد الجبين في «الأمالي» و ضمّ الحاجبين الظاهر منه مسح تمامهما الملازم لمسح الجبهة أنّ مراده مسح الجبهة و الجبين. و يشهد له أنّ مسح الجبين فقط مخالف لكلمات الأصحاب.

هذا حال كلمات أصحابنا من زمن الصدوق إلىٰ عصر المحقّق ممّا عثرت عليه من

كتبهم، «كالأمالي»، و «الفقيه»، و «المقنع»، و «الهداية»، و «الانتصار»، و «الناصريات»، و «النهاية»، و «الخلاف»، و «الوسيلة»، و «المراسم»، و «الغنية»، و «إشارة السبق» و عن أبي الصلاح و ابن إدريس كذلك «3».

و أمّا من عصر المحقّق فقد تغيّرت العبارات، فقال في «النافع»: «و هل يجب استيعاب الوجه و الذراعين بالمسح؟ فيه روايتان أشهرهما

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 515.

(2) الفقيه 1: 57/ 212.

(3) أمالي الصدوق: 515، الفقيه 1: 57، المقنع: 26، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 49/ السطر 17، الانتصار: 32، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 30، النهاية: 49، الخلاف 1: 137 138، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 72، المراسم: 54، غنية النزوع 1: 63، إشارة السبق، ضمن الجوامع الفقهيّة: 119/ السطر 6، الكافي في الفقه: 136، السرائر 1: 136.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 290

اختصاص المسح بالجبهة و ظاهر الكفّين» «1».

و الظاهر أنّ مراده أشهرهما فتوى، كما تقدّم «2»، و هو مبنيّ علىٰ أنّ مراد قدماء أصحابنا من العبارات المتقدّمة هو مسح الجبهة؛ بقرينة قولهم: «من قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف» لكن قد مرّ أنّ ذلك لتحديد الطول «3»، فكما حدّدوا الوجه في الوضوء من قصاص الشعر إلىٰ محادر شعر الذقن طولًا، و بما اشتمل عليه الإبهام و الوسطى عرضاً، حدّدوه في المقام عرضاً بقولهم: «مسح بهما» الظاهر في تمام باطنهما متصلين، و طولًا بما ذكر في مقابل الاستيعاب «4».

و قد نسب في محكي «المعتبر» «5» مسح الجبهة إلىٰ مذهب الثلاثة «6» و أتباعهم «7» فإن كان مراده اختصاصه بالجبهة كما صرّح في «النافع» «8» ففيه ما مرّ «9»، و إن كان مراده لزوم مسحها أيضاً مضافاً إلى الجبينين، فهو حقّ.

و

ظاهر «الشرائع» اختصاصه بها «10»، كظاهر العلّامة في «القواعد» و «الإرشاد» «11».

______________________________

(1) المختصر النافع: 17.

(2) تقدّم في الصفحة 286.

(3) تقدّم في الصفحة 288.

(4) المقنعة: 43 و 62، النهاية: 12 و 49، الكافي في الفقه: 132 و 136.

(5) المعتبر 1: 384.

(6) المقنعة: 62، الانتصار: 32، النهاية: 49.

(7) المراسم: 54، المهذّب 1: 47، غنية النزوع 1: 63، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 72.

(8) المختصر النافع: 17.

(9) تقدّم في الصفحة 286.

(10) شرائع الإسلام 1: 40.

(11) قواعد الأحكام 1: 23/ السطر 7، إرشاد الأذهان 1: 234.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 291

و هو ظاهر «التذكرة» أيضاً «1» و إن عبّر فيها ب «مسح الوجه» لتمسّكه

بقول الصادق (عليه السّلام) في رواية زرارة، قال: «و لأنّ زرارة سأل الصادق (عليه السّلام) عن التيمّم، فضرب بيديه الأرض، ثمّ رفعهما فنفضهما و مسح بهما جبهته و كفّيه مرّة واحدة» «2»

و هي بعينها موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) «3» لكنّه نسبها إلى الصادق (عليه السّلام)، و لعلّها رواية أُخرى عثر عليها و إن كان بعيداً.

و قال في «المنتهىٰ»: «أكثر علمائنا علىٰ أنّ حدّ الوجه هنا من قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف، اختاره الشيخ في كتبه «4»، و المفيد «5» و المرتضىٰ في «انتصاره» «6» و ابن إدريس «7» و أبو الصلاح «8»» ثمّ حكىٰ قول عليّ بن بابويه و غيره و تمسّك لمختاره بروايات «الجبهة» و «الجبينين» في مقابل القائل بالاستيعاب «9».

و الإنصاف: إمكان إرجاع كلامه فيهما إلىٰ ما ذكرناه و استظهرناه من كلام القوم.

و عن الشهيد في «الذكرى»: «أنّ مسح الجبهة من القصاص إلىٰ طرف الأنف

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 2: 190.

(2) أوردها عن الإمام الصادق (عليه السّلام)

في المعتبر 1: 386، و لكن قد وردت في كتب الحديث عن أبي جعفر (عليه السّلام).

(3) تهذيب الأحكام 1: 207/ 601، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(4) الخلاف 1: 137 138، المبسوط 1: 33، النهاية: 49.

(5) المقنعة: 62.

(6) الانتصار: 32.

(7) السرائر 1: 136.

(8) الكافي في الفقه: 136.

(9) منتهى المطلب 1: 145/ السطر 25.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 292

متفق عليه بين الأصحاب» «1» و لعلّ مراده وجوب مسحها، لا الاختصاص بها.

و صرّح ثاني الشهيدين في «الروض» بالاختصاص، و قال: «هذا القدر متفق عليه بين الأصحاب ..» إلىٰ أن قال: «و زاد بعضهم مسح الجبينين و هما المحيطان بالجبهة، يتصلان بالصُّدْغين لوجوده في بعض الأخبار» «2».

و في مقابله الأردبيلي، حيث قال: «إنّ المشهور أنّ مسح الجبينين واجب و كافٍ» «3».

و هو مصيب في وجوبه، لا في كفايته، كما أنّ الشهيد مصيب في أنّ وجوب مسح الجبهة متفق عليه بين الأصحاب علىٰ تأمّل؛ لما نقل عن المحقّق من التخيير بين الوجه و بعضه بمقدار مساحة الجبهة «4» و غير مصيب في انتساب الجبينين إلىٰ بعضهم.

و كيف كان: فالأقوىٰ وجوب مسح الجبينين و الجبهة وفاقاً للمشهور بين المتقدّمين، كما عرفت، بل و المتأخّرين؛ فإنّه المحكيّ عن «جامع المقاصد» و «مجمع البرهان» و «المدارك» و «شرح المفاتيح» و «منظومة الطباطبائي» و «فوائد الشرائع» و «حاشية الإرشاد» و «شرح الجعفرية» و «حاشية الميسي» و «الروضة» و «المسالك» و «رسالة صاحب المعالم» «5» و عن «مجمع البرهان»

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 2: 263.

(2) روض الجنان: 126/ السطر 5.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 234 235.

(4) المعتبر 1: 386.

(5) انظر جواهر الكلام 5:

197، جامع المقاصد 1: 490 491، مجمع الفائدة و البرهان 1: 234، مدارك الأحكام 2: 220، مصابيح الظلام 1: 401/ السطر 13 (مخطوط)، الدرّة النجفيّة: 45، حاشية الإرشاد، ضمن غاية المراد 1: 58، الروضة البهيّة 1: 455، مسالك الأفهام 1: 114.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 293

«أنّه المشهور» «1» و عن «شرح المفاتيح»: «لعلّه لا نزاع فيه بين الفقهاء» «2».

و أمّا ما عن «الأمالي»: «من كونه من دين الإمامية، و مضىٰ عليه مشايخنا» «3» فالظاهر أنّ ما نَسب إلىٰ دين الإمامية غير ذلك. نعم ظاهر قوله: «و مضىٰ عليه مشايخنا» هو الرجوع إلىٰ ما ذكر كما مرّ «4»، فراجع عبارته، فإنّ النسخة التي عندي مغلوطة ظاهراً.

تأويل الروايات بنحو تنطبق معه على القول المشهور

و بعد ما عرفت من الشهرة المحقّقة و السيرة القطعية، لا بدّ من تأويل الروايات علىٰ ما تنطبق على القول المشهور، أو ردّ علمها إلىٰ أهله، و انطباقها عليه ليس ببعيد؛ بدعوىٰ أنّ مسح جبينيه بتمام أصابعه يلازم عادة مسح الجبهة، و كذا المسح باليدين عليهما، كما هو ظاهر موثّقة زرارة «5» و رواية أبي المقدام «6».

و أولى منهما موثّقة زرارة الأُخرىٰ برواية «الكافي» حيث قال فيها: «ثمّ مسح بها جبينه» مفردة «7» و إطلاق «الجبين» علىٰ تمام القطعة التي فوق الحاجبين غير بعيد، بل شائع في مثل قولهم: «بكدّ اليمين، و عرق الجبين».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 1: 234.

(2) مصابيح الظلام 1: 401/ السطر 21 (مخطوط).

(3) أمالي الصدوق: 515.

(4) تقدّم في الصفحة 289.

(5) تقدّمت في الصفحة 273.

(6) تقدّمت في الصفحة 285.

(7) كما في بعض نسخ الكافي، راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3، جامع أحاديث الشيعة 3: 108/

3441.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 294

لكن يظهر من المجلسي في «مرآته» أنّه بلفظ التثنية لا المفرد «1»، و في «الوافي» عن «الكافي»: «جبهته» بدل «جبينه» «2» فيظهر من ذلك أنّ نسخ «الكافي» أيضاً مختلفة، و معه لا يبعد ترجيح النسخة المشتملة على «الجبهة» علىٰ تأمّل.

و قد يجمع «3» بين الروايات الحاكية لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «4» و بين الروايات الظاهرة في مسح الجبهة كالموثّقة علىٰ إحدى النسختين «5»، و

الرضوي حيث قال فيه: «ثمّ تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلىٰ طرف الأنف» «6»

و

مرسلة العيّاشي، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال بعد حكاية قضيّة عمّار: «ثمّ وضع يديه جميعاً على الصعيد، ثمّ مسح من بين عينيه إلىٰ أسفل حاجبيه» «7»

بناءً علىٰ ظهوره في الجبهة، كما لا يبعد برفع اليد عن ظاهر كلٍّ من الطائفتين بصريح الأُخرىٰ؛ فإنّ الطائفة الثانية نصّ في اعتبار الجبهة، و ظاهرة في عدم اعتبار غيرها من باب السكوت في معرض البيان، و الطائفة الاولىٰ عكسها، فيأوّل الظاهر بالنصّ، فيحكم باعتبارهما.

______________________________

(1) مرآة العقول 13: 172/ 1.

(2) الوافي 6: 581/ 4978.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 495/ السطر 21.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8 و 9.

(5) تهذيب الأحكام 1: 207/ 601، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(6) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88، مستدرك الوسائل 2: 535، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1.

(7) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام

الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 295

و هو كما ترى؛ ضرورة أنّ واحدة من الطائفتين ليست نصّاً في الاعتبار معيّناً، بل ظاهرة في التعيين.

و الأقرب في الجمع بينهما مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب هو الاجتزاء بكلٍّ من الجبهة و الجبينين، فيرفع اليد عن ظهورهما فيه. بل لولا مخالفة الأصحاب، لقلنا بعدم كون ذلك الجمع مخالفاً للظاهر المعتدّ به؛ لأنّ العمل ليس له ظهور في التعيين، و الروايات كلّها إلّا الرضوي حكاية أعمال. بل ظهور الأعمال في الاجتزاء، قويّ يعارض ما لو دلّ دليل على اعتبار شي ء آخر.

لكن لا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور بعد الإجماع علىٰ لزوم مسح الجبهة، و ظهور كلمات الأصحاب كما عرفت في مسح الجبهة و الجبينين.

الجهة الثانية: لزوم المسح إلى طرف الأنف الأعلى مع الحاجبين
اشارة

إنّ ظاهر تحديد الأصحاب إلىٰ طرف الأنف، هو الطرف الأعلى منه، كما صرّح به في «المنتهىٰ» «2» و قال: «إنّه المراد في عبارات المفيد و الشيخ و السيّد و ابن حمزة و أبي الصلاح» «3» و هو ظاهر من قال بمسح الجبينين و الحاجبين، كالصدوق في «الفقيه» «4».

و قال في «الأمالي»: «و قد روي: أن يمسح الرجل جبينه و حاجبيه، و عليه مضى مشايخنا» «5».

______________________________

(2) منتهى المطلب 1: 146/ السطر 14.

(3) المقنعة: 62، المبسوط 1: 33، النهاية: 49، الانتصار: 32، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 72، الكافي في الفقه: 136.

(4) الفقيه 1: 57.

(5) أمالي الصدوق: 515.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 296

بل في «الجواهر»: «صرّح به بنو حمزة و إدريس و سعيد «1» و العلّامة «2» و الشهيدان «3» و غيرهم «4» لا الأسفل، بل في «السرائر» و غيرها «5» الإزراء علىٰ من ظنّ ذلك من المتفقّهة» «6»

انتهىٰ.

لكن لم يصرّح ابن حمزة به، و لعلّه رأى في غير «وسيلته» كما أنّ ما نقل عن «الأمالي» من المسح إلىٰ طرف الأنف الأعلى و إلى الأسفل أولىٰ «7»، و كذا ما نقل في «مفتاح الكرامة» عن «الأمالي» المسح من القصاص إلىٰ طرف الأنف الأسفل «8»، ليس شي ء منهما موجوداً في النسخة الموجودة عندي.

و كيف كان: مقتضى الأدلّة و كلمات الأصحاب عدم لزومه إلى الأسفل.

لزوم مسح الحاجبين

و أمّا مسح الحاجبين، فمقتضىٰ تحديدهم إلىٰ طرفٍ دخولُهما في المحدود بعد الاستظهار المتقدّم «9» من كون المراد من قولهم: «يمسح بهما من قصاص الشعر إلى الأنف» تحديدَ الطول و العرض؛ ضرورة أنّ طرف الأنف الأعلى أسفل من الحاجبين، فيكون الحاجبان فوق الحدود داخلين في المحدود الممسوح.

______________________________

(1) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 72، السرائر 1: 136، الجامع للشرائع: 46.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 190، إرشاد الأذهان 1: 234، نهاية الإحكام 1: 205.

(3) الدروس الشرعيّة 1: 132، مسالك الأفهام 1: 114، الروضة البهيّة 1: 455.

(4) جامع المقاصد 1: 490، مدارك الأحكام 2: 219 و 222.

(5) السرائر 1: 136، الحدائق الناضرة 4: 342.

(6) جواهر الكلام 5: 200.

(7) انظر جواهر الكلام 5: 200.

(8) مفتاح الكرامة 1: 543/ السطر 15.

(9) تقدّم في الصفحة 288.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 297

و يشهد له قول الصدوق في «الأمالي» بعد نقل رواية مسح الجبين و الحاجبين-: «و عليه مضى مشايخنا» «1» و قد أفتىٰ به في «الفقيه» و «الهداية» أيضاً «2».

و يشهد له أيضاً إرساله العلّامة إرسال المسلّمات، قال في «المنتهىٰ»: «لا يجب ما تحت شعر الحاجبين، بل ظاهره كالماء» «3» فيظهر النظر في محكي «الكفاية» من دعوى الشهرة علىٰ عدم وجوب مسح الحاجبين «4».

نعم،

ظاهر الأدلّة الحاكية لتيمّم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) عدم وجوب مسحهما «5»، و في بعض روايات ضعيفة وجوبه، كمرسلة العيّاشي «6» على احتمال، و مرسلة الصدوق في «الأمالي» «7» فيكون حال الحاجبين حال الجبهة في كون لزومِ مسحهما مشهوراً، و ظاهرِ الأدلّة المعتبرة «8» علىٰ خلافه، مع فرق بينهما؛ و هو أنّ لزوم مسح الجبهة صريحهم، و مسح الحاجبين ظاهرهم.

و كيف كان: فلا يبعد ترجيح وجوبه، كما نفىٰ عنه البأس في محكي

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 515.

(2) الفقيه 1: 57/ ذيل الحديث 2، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 49/ السطر 17.

(3) منتهى المطلب 1: 146/ السطر 18.

(4) كفاية الأحكام: 8/ السطر 37.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

(6) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(7) أمالي الصدوق: 515.

(8) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3 و 6 و 8 و 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 298

«الذكرى» «1» و اختاره «جامع المقاصد» «2». بل يمكن أن يقال: إنّ مسح الجبينين و الجبهة ملازم لمسحهما، خصوصاً إذا كانت الجبهة محدودةً بطرف الأنف الأعلى، و الجبينان طرفيها، كما يظهر من اللغة «3» فتنطبق الأخبار على القول المشهور.

الجهة الثالثة: في لزوم مسح الكفّين من الزنْد إلى أطراف الأصابع

المشهور بين الأصحاب وجوب مسح الكفّين من الزَّنْد و هو المفصل بين الساعد و الكفّ إلىٰ أطراف الأصابع «4» بل عليه نقل الإجماع «5» و الشهرة «6» و المعروفية بين الأصحاب «7» متكرّر، و عليه جملة من العامّة، كمالك و أحمد و الشافعي

قديماً علىٰ ما نقل «8».

و عن عليّ بن بابويه وجوب استيعاب المسح إلى المرفقين «9»، و هو المحكي عن أبي حنيفة و الشافعي ثانياً «10».

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 2: 263.

(2) جامع المقاصد 1: 491.

(3) لسان العرب 2: 172، المصباح المنير: 91، القاموس المحيط 4: 284.

(4) النهاية: 49، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 72، تذكرة الفقهاء 2: 191، الدروس الشرعيّة 1: 133.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 543/ السطر 26، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 27، غنية النزوع 1: 63، جامع المقاصد 1: 492.

(6) مختلف الشيعة 1: 273، كشف اللثام 2: 472، الحدائق الناضرة 4: 351.

(7) نقله عن شرح رسالة صاحب المعالم في مفتاح الكرامة 1: 543/ السطر 27.

(8) انظر تذكرة الفقهاء 2: 191، الجامع لأحكام القرآن 5: 240، المجموع 2: 211، شرح الزرقاني على موطإ الإمام مالك 1: 113.

(9) انظر مختلف الشيعة 1: 276.

(10) انظر تذكرة الفقهاء 2: 192، المبسوط، السرخسي 1: 107، الجامع لأحكام القرآن 5: 239، الامّ 1: 49.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 299

و عن ابن إدريس عن بعض أصحابنا: «أنّ المسح من أُصول الأصابع إلىٰ رؤوسها» «1».

و روى عن مالك أيضاً: أنّ التيمّم على الكفّ و نصف الذراع «2»، و احتجاجه عليه من المضحكات. و عن الزهري: «يمسح يديه إلى المنكب» «3».

و تدلّ على المشهور صحيحة زرارة و موثّقته الحاكيتان لفعل رسول اللّٰه «4»، و صريح

صحيحة زرارة الحاكية عن فعل أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «فوضع أبو جعفر (عليه السّلام) كفّيه على الأرض، ثمّ مسح وجهه و كفّيه، و لم يمسح الذراعين بشي ء» «5»

و ظاهر غيرها ممّا اشتملت على «الكفّ» «6».

بل ظاهر صحيحتي داود بن النعمان «7» و

الخزّاز «8»

حيث قال في الأُولىٰ: «فمسح وجهه و يديه فوق الكفّ قليلًا»

و قريب منها الثانية؛ لأنّ الظاهر من

______________________________

(1) السرائر 1: 137.

(2) انظر منتهى المطلب 1: 146/ السطر 22 و 37.

(3) انظر منتهى المطلب 1: 146/ السطر 22، المبسوط، السرخسي 1: 107، بداية المجتهد 1: 70، الجامع لأحكام القرآن 5: 240.

(4) تقدّمتا في الصفحة 156.

(5) تهذيب الأحكام 1: 208/ 603، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 5.

(6) وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1 و 3 و 6.

(7) تهذيب الأحكام 1: 207/ 598، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 4.

(8) الكافي 3: 62/ 4، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 300

«فوق الكفّ قليلًا» و لو بجهات خارجية هو حدّ المفصل أو فوقه قليلًا الذي يتعارف المسح له لتحصيل مسح ظهر الكفّ احتياطاً. و احتمال كون المراد منه ظهر الكفّ لإفادة عدم لزوم مسح تمام الظهر «1» ضعيف. و مع احتمال كون المسح فوق الكفّ قليلًا لأجل الاحتياط و اليقين بحصول مسح الكفّ لا يمكن الاستدلال بها للزوم مسح الفوق تعبّداً لدخالته في ماهيّة التيمّم.

و أمّا روايات ليث المرادي و محمّد بن مسلم و سَماعة «2» المشتملات علىٰ مسح الذراعين، أو هما مع المرفق، فمحمولة على التقيّة، كما تظهر آثارها من ثانيتها. و لو لا قوّة احتمالها لكان الحمل على الاستحباب غير بعيد، بل متعيّناً حملًا للظاهر على النصّ.

كما أنّ مرسلة «فقه الرضا» «3» و مرسلة حمّاد بن عيسىٰ «4» الظاهرتين في الاجتزاء بالمسح على الأصابع،

غير صالحتين للاحتجاج، فضلًا عن المقاومة لما تقدّم. مع إمكان أن يقال: إنّ المراد ب «موضع القطع» ما هو المعروف عند العامّة، فأراد أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) تعليم السائل طريق الاحتجاج معهم «5». و رواية «فقه الرضا» مجملة المراد، و لا داعي لبيان محتملاتها بعد عدم حجّيتها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 496/ السطر 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 209/ 608 و 210/ 612 و 208/ 602، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 2 و 5، و 364، الباب 13، الحديث 3.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88، مستدرك الوسائل 2: 535، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1، و تقدّمت في الصفحة 237، الهامش 2.

(4) الكافي 3: 62/ 2، وسائل الشيعة 3: 365، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 3: 365، ذيل الحديث 2، جواهر الكلام 5: 204.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 301

بيان كيفيّة المسح

و أمّا كيفيّة المسح، فمقتضىٰ إطلاق الآية و بعض الروايات و مقتضى سكوت أبي جعفر (عليه السّلام) عن الخصوصية الواقعية التي وقع بها تيمّم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في مقام تعليم عمّار، هو عدم دخالة كيفية خاصّة في المسح، بل التيمّم متقوّم بمسح الوجه و الكفّين باليدين بأيّة كيفية؛ وقع من الأعلى أو إليه، وقع طول الباطن علىٰ عرض الظاهر، أو طوله علىٰ طوله. بل و لو وضع جميع الباطن علىٰ جميع الظاهر، فجرّ الماسح في الجملة حتّى وقع مسح جميع الظاهر به. و كذا لا خصوصيّة بمقتضاها في مسح الوجه.

أمّا إطلاق الآية، فلما مرّ مراراً من أنّها في مقام البيان، و

لا إجمال فيها، و لذا تمسّك النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الإمام بها و بخصوصياتها المأخوذة فيها لإثبات الحكم «1»، فالقول بكونها مجملة «2» نشأ من قلّة التأمل فيها، و إلّا فغالب أحكام التيمّم مستفاد منها.

و أمّا إطلاق بعض الأخبار كموثّقة زرارة و رواية المرادي «3» و إن لا يخلو من المناقشة كما مرّ، لكن لا يبعد إطلاقهما.

و أمّا سكوت أبي جعفر (عليه السّلام) فهو أقوى دليل علىٰ عدم الاعتبار؛ فإنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قد كان في مقام بيان ماهية التيمّم لعمّار بلا ارتياب و لا إشكال،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 216 و 249 و 269.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 492/ السطر 33، و 498/ السطر 3.

(3) وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7، و 361، الباب 12، الحديث 2، و قد تقدّمتا أيضاً في الصفحة 159.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 302

و كان أبو جعفر (عليه السّلام) في مقام نقل القضية لإفادة الحكم بلا إشكال؛ و إن كان في تكرار القضية منه و من أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فائدة أُخرى أو فوائد أُخر، كإفحام المخالفين، و التنبيه علىٰ جهل الثاني بالأحكام و بالقرآن الذي بين أيديهم، أو تجاهله و مخالفته للّٰه و رسوله، و

قد حُكي عن «كتاب سُلَيْم بن قيس الهلالي» عن أمير المؤمنين: «و العجب لجهله و جهل الأُمّة، أنّه كتب إلىٰ جميع عمّاله: أنّ الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلّي، و ليس له أن يتيمّم بالصعيد حتّى يجد الماء و إن لم يجده حتّى يلقى اللّٰه، ثمّ قبل الناس ذلك

منه، و رضوا به، و قد علم و علم الناس أنّ رسول اللّٰه قد أمر عمّاراً و أمر أبا ذرّ أن يتيمّما من الجنابة و يصلّيا، و شهدا به عنده و غيرهما فلم يقبل ذلك، و لم يرفع به رأساً» «4».

و كيف كان: لو كان للمسح خصوصية من قبيل كونه من الأعلى، أو وقوع طول باطن الكفّ علىٰ عرض الظاهر، أو غيرهما لما أهملها أبو جعفر (عليه السّلام) في مقام نقل القضية لإفادة ماهية التيمّم.

و أمّا التشبّث بدليل التنزيل لإثبات كونه من الأعلى كما في الوضوء «5»، فقد مرّ ما فيه، و قلنا: إنّ الآية الكريمة مع الارتكاز العرفي و إن يظهر منها اعتبار ما يعتبر في الغسل و الوضوء معاً في التيمّم أيضاً، كالترتيب و طهارة البدن من الأحكام المشتركة، لكن لا يمكن إثبات الشرائط المختصّة بكلّ واحد منهما للتيمّم؛ بعد كونه بدلًا منهما في الآية الشريفة بنحو واحد «6».

______________________________

(4) كتاب سليم بن قيس الهلالي: 138، بحار الأنوار 78: 162/ 23، مستدرك الوسائل 2: 551، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 1.

(5) جواهر الكلام 5: 200 201.

(6) تقدّم في الصفحة 238 240.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 303

و أمّا التشبّث بالشهرة «1»، فهو ناشئ من توهّم ظهور كلمات الأصحاب في وجوب المسح من الأعلى؛ حيث قالوا: «يمسح من قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف» و لا يخفىٰ على الناظر في كلماتهم أنّ ذلك لتحديد الممسوح، لا لبيان كيفية المسح، و لذا لم يتعرّضوا بالنسبة إلى الكفّ «2»، فيمكن أن يقال: إنّ خلوّ كلماتهم عن الكيفية دليل علىٰ عدم اعتبار كيفيّة خاصّة فيه.

نعم، إنّ السيرة القطعية علىٰ هذه الكيفية المعهودة، ربّما

توجب الوثوق بدخالتها لو لم نقل: بأنّها إنّما دلّت علىٰ صحّته بهذه الكيفية، لا انحصاره بها.

فالأحوط عدم التعدّي عن الكيفية المعهودة؛ لما ذُكر، و لدلالةِ ما رُوي في الرضوي عليه بالنسبة إلى الكفّين «3»، مع دعوى عدم الفصل بينهما «4»، و إشعارِ

مرسلة العيّاشي عن أبي جعفر (عليه السّلام) به، قال: «ثمّ مسح من بين عينيه إلىٰ أسفل حاجبيه» «5»

و احتمالِ انصراف «مسح الوجه» إلى المسح من الأعلى.

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 8/ السطر 37، الحدائق الناضرة 4: 348، انظر جواهر الكلام 5: 201.

(2) شرائع الإسلام 1: 40.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88، و تقدّم متنه في الصفحة 237، الهامش 2.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 497/ السطر 7 و 14.

(5) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 304

الأمر التاسع في تحديد عدد ضربات التيمّم
اشارة

اختلفوا في عدد الضربات في التيمّم، فعن المشهور التفصيل بين ما للوضوء و بين ما للغسل؛ بضربة واحدة في الأوّل، و ضربتين في الثاني «1».

و عن جمع من المتقدّمين «2» و المتأخّرين «3» الضربة الواحدة فيهما.

و عن جمع آخر منهما الضربتان فيهما «4». و ربّما نقل عن بعض بل قوم من أصحابنا كما حكي عن «المعتبر» «5» ثلاث ضربات. فالأولىٰ أوّلًا بيان مقتضى الأدلّة و الجمع بينها، ثمّ النظر في كلمات القوم. فنقول:

بيان مقتضى الأدلّة و وجه الجمع بينها
اشارة

مقتضىٰ إطلاق الآية الكريمة «6» الاجتزاء بالضربة الواحدة فيهما، سيّما بعد ذكر التيمّم عقيب الحدثين.

و أمّا الروايات فهي علىٰ طوائف:
اشارة

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 207.

(2) هو المنسوب إلى ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد في رسالته العزّية و السيّد في الناصريات، انظر مفتاح الكرامة 1: 546/ السطر 15، مختلف الشيعة 1: 271، الناصريّات، ضمن جوامع الفقهيّة: 224/ السطر 23.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 231، مدارك الأحكام 2: 232، مفاتيح الشرائع 1: 62، الحدائق الناضرة 4: 340.

(4) انظر المعتبر 1: 388، مختلف الشيعة 1: 271، منتقى الجمان 1: 351.

(5) المعتبر 1: 388.

(6) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 305

منها و هي عمدتها-: ما هي ظاهرة في الاجتزاء بواحدة،

و فيها الروايات الحاكية لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تعليماً لعمّار، حكاه أبو جعفر (عليه السّلام)، و لا ريب في أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان في مقام تعليمه و بيان ماهية التيمّم، كما يظهر من

قوله: «أ فلا صنعت كذا؟! ثمّ أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد، ثمّ مسح ..» «1» إلىٰ آخره.

فهل يمكن أن يقال: إنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بعد قوله: «أ فلا صنعت كذا؟!» و إتيانه بالتيمّم الذي هو بدل الغسل الذي ابتلي به عمّار أهمل في مقام البيان و التعليم ما كان معتبراً في ماهية التيمّم؟! أو يقال: إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) أهمل ما فعله رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و كان دخيلًا في ماهيّته، أو إنّ زرارة أو الرواة بعده أهملوا ما وصل إليهم؟! و لو فتح على الروايات باب هذه الاحتمالات لاختلّ الفقه، و انسدّ باب الاحتجاج على العقلاء.

و أضعف شي ء في المقام احتمال كونه في مقام بيان كيفية

قسم من التيمّم؛ و هو الذي بدل الوضوء، و هل هذا إلّا الإغراء بالجهل و الإيقاع في خلاف الواقع؟! و مثلها قوله في موثّقة زرارة: «هكذا يصنع الحمار؛ إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فضرب بيديه الأرض ..» «2» إلىٰ آخره.

فإنّ تمسّكه بالآية الكريمة و إتيانه بالتيمّم بضربة واحدة، ممّا جعل الكلام كالنصّ في عدم الاحتياج إلى الضربتين في بدل الغسل، الذي هو مورد الكلام و المتيقّن في مقام التعليم.

______________________________

(1) الفقيه 1: 57/ 212، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

3

(2) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 306

و مثلهما

صحيحتا الخزّاز و داود بن النعمان «1» حيث سألا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن التيمّم، فذكر قضية عمّار، فقالا له: «كيف التيمّم؟ فوضع يديه على الأرض، ثمّ رفعهما فمسح وجهه و يديه فوق الكفّ قليلًا»

و اللفظ من الثانية.

فإنّ الاكتفاء بالمرّة بعد حكاية قصّة عمّار و سؤالهما عن الكيفية، كالنصّ في كفايتها عن بدل الغسل.

و يدلّ عليه إطلاق موثّقة زرارة و ابن أبي المقدام «2» و غيرهما من غير احتياج إلىٰ دعوى كون قوله: «مرّة واحدة» في ذيلهما قيداً للضرب لا للمسح، أو قيداً لهما؛ بدعوىٰ أنّ الضرب كان مورد البحث و الخلاف عند العامّة و الخاصّة، لا المسح، فكون القيد للثاني كاللغو «3». و كيف كان: لا شبهة في قوّة ظهور تلك الروايات في الاجتزاء بالمرّة مطلقاً، و في بدل غسل الجنابة بالخصوص.

و منها: طائفة أُخرى مشتملة علىٰ «مرّتين»

كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما، قال: سألته عن التيمّم فقال: «مرّتين مرّتين للوجه و اليدين»

«4».

و محتملاتها كثيرة، ككون «المرّتين» قيداً للقول، أو لأمر مقدّر ك «اضرب» أو أحدهما قيداً للقول و الآخر للأمر.

ثمّ علىٰ فرض كونهما من متعلّقات الضرب، يمكن أن يكون الثاني تأكيداً للأوّل، و يمكن أن يكون تأسيساً؛ لبيان أنّ اللازم في التيمّم أربع ضربات: ضربتان للوجه، و ضربتان لليدين.

______________________________

(1) تقدّم تخريجهما في الصفحة 299.

(2) تقدّمتا في الصفحة 285.

(3) جواهر الكلام 5: 211.

(4) تهذيب الأحكام 1: 210/ 610، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 307

و الأظهر هو الاحتمال الأخير، فكأنه قال: «ضربتان للوجه، و ضربتان لليدين» و لا أقلّ من كون هذا الاحتمال في عَرض احتمال التأكيد. مع أنّه ليس المورد من موارد التأكيد. فهذه الصحيحة بما لها من الظهور خلاف فتوى الكلّ، أو هي مجملة في نفسها لا بدّ من رفع إجمالها بسائر الروايات.

و

كرواية ليث المرادي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في التيمّم: «تضرب بكفّيك الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» «1».

و الظاهر منها أنّ ضرب المرّتين قبل المسح. و بها يرفع الإجمال من هذه الحيثية عن الصحيحة المتقدّمة؛ إذ لا يتضح منها أنّ المرّتين قبل المسح، أو مرّة قبل مسح الوجه، و مرّة قبل مسح الكفّين.

كما يرفع الإجمال بها عن

صحيحة الكندي، عن الرضا (عليه السّلام) قال: «التيمّم ضربة للوجه، و ضربة للكفّين» «2»

لعدم ظهورها في الافتراق و إن كانت مشعرة به، لكن ظهور رواية المرادي محكّم و مقدّم عليه. فهذه الروايات الثلاث كما رأيت لا تدلّ علىٰ ما نسب إلى المشهور فإنّ ظاهرها بعد ردّ بعضها إلىٰ بعض ضرب اليدين مرّتين قبلًا، ثمّ

مسح الأعضاء بهما، و فتوى القوم خلاف ذلك؛ ظاهراً في بعض عباراتهم «3» و نصّاً في الآخر «4» فأوجبوا التفريق.

و أمّا صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) التي هي العمدة في مستند القول

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 209/ 608، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 609، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 3.

(3) المبسوط 1: 33، تذكرة الفقهاء 2: 194 195.

(4) السرائر 1: 137.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 308

بالتفصيل، و جعلت شاهدة للجمع بين الطائفتين «1»، فليست شاهدة له حتّى بعد تسليم دلالة هذه الروايات علىٰ ما راموا من الضربتين،

قال قلت له: كيف التيمّم؟ فقال: «هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة: تضرب بيديك مرّتين، ثمّ تنفضهما نفضةً للوجه، و مرّة لليدين، و متىٰ أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنباً، و الوضوء إن لم تكن جنباً» «2».

لأنّ الظاهر منها أنّ لتيمّم الوضوء و الغسل كيفيّة واحدة؛ و هي الضرب باليدين مرّتين أوّلًا، ثمّ نفضهما نفضة، و المرّتان تكونان للوجه، ثمّ يجب مرّة أُخرى لليدين، فتكون الضربات ثلاثة.

و لو أغمضنا عن هذا الظاهر المتفاهم عرفاً، و قلنا بأنّ الواو في قوله: «و الغسل» للاستئناف، و هو مبتدأ، و «تضرب» خبره، فلا يمكن الإغماض عن ظهورها في أنّ الضربات ثلاث كما مرّ، و هو ممّا لم يقل به أحد منهم، فلا يمكن الاستشهاد بها للجمع بين الروايات بجميع النسخ المختلفة الحاكية لها؛ لأنّ كلّها مشتركة في قوله: «تضرب بيديك مرّتين، ثمّ تنفضهما» الذي هو ظاهر في كونهما قبل مسح الوجه؛ و إن كانت مختلفة

من جهات أُخر في كتب الاستدلال ك «الخلاف» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» و «المدارك» و محكي «المعتبر» «3» لكن لا اعتماد في نقل الروايات على الكتب الاستدلالية غير المعدّة لنقلها بألفاظها، كما يظهر بالمراجعة إليها، خصوصاً بعض كتب المتأخّرين.

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 212.

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 611، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 4.

(3) الخلاف 1: 134، تذكرة الفقهاء 2: 195، منتهى المطلب 1: 148/ السطر 36، مدارك الأحكام 2: 231، المعتبر 1: 388.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 309

هذا مع أنّ الجمع بين الطائفتين المتقدّمتين بحمل الاولىٰ علىٰ تيمّم بدل الوضوء، مع كونها غالباً في مورد الجنابة، و الثانية علىٰ بدل الغسل، مع كونها في مقام بيان أصل الماهية، ليس جمعاً مقبولًا عقلائيّاً، كما لا يخفى.

فحينئذٍ لو سلّمت دلالة الرواية المتقدّمة، و دلالة صحيحة محمّد بن مسلم «1» الظاهر منها آثار التقيّة، مع وضوح عدم دلالتها على التفصيل بما قالوا، بل ظاهرها المرّتان مطلقاً، و التفصيل في المسح من المرفقين و إليهما، و سلم ورود مرسلات أُخر من جملة من الأعاظم كالمحكي عن «المعتبر» قال: «روي في بعض الأخبار التفصيل، من ذلك رواية حريز، عن زرارة» «2» و في «الغُنية»:

«و قد روىٰ أصحابنا أنّ الجنب يضرب ضربتين» «3»

و عن السيّد: «و قد روي أنّ تيمّمه إن كان من جنابة و ما أشبهها، ثنّىٰ ما ذكرناه من الضربة» «4» و عن الصيمري نسبة التفصيل إلى الروايات «5» فلا يمكن الجمع بينها بما ذكر، بل لا بدّ من حملها على الاستحباب أو التقيّة. مع عدم ثبوت كون تلك المرسلات غير الروايات التي في الباب؛ و إن

يُستشعر من عبارة السيّد كون مرسلته غيرها، تأمّل.

و كيف كان: لا يمكن الاتكال عليها. و انجبارُها بالشهرة مع عدم ثبوت أصلها، فضلًا عن ثبوت الاتكال عليها ممنوع. فلم يبق في المقام إلّا روايات

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 210/ 612، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 5.

(2) المعتبر 1: 388.

(3) غنية النزوع 1: 63.

(4) جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضىٰ 3: 26، مستدرك الوسائل 2: 538، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 3.

(5) انظر جواهر الكلام 5: 212، غاية المرام 1: 40 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 310

المرّة و رواية الساباطي الدالّة على التسوية بين التيمّم من الوضوء و الجنابة و من الحيض «1»، و ليس في مقابلها ما دلّ على القول المنسوب إلى المشهور، و قد أوّل صاحب «الجواهر» رواية التسوية بما لا يخلو من الغرابة «2».

حول كلمات القوم في المقام

و أمّا الشهرة في المسألة، فليست بتلك المثابة التي ذكرها في «الجواهر» «3» و لأجلها فتح باب المناقشات على الروايات و كلمات الأصحاب، فأوّلها بما لا أظنّ ارتضاء نفسه الشريفة به لولا اتكاله على الشهرة، حتّى نَسَب الخلاف إلى الأردبيلي و الكاشاني مع أنّ ظاهر الصدوق في «المقنع» و «الهداية» «4» و السيّد في «الانتصار» «5» و ابن زهرة في «الغنية» «6» و المحكي عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد في «المسائل العزية» «7» و عن «المعتبر» و «الذكرى» «8» و غيرهم «9»، اختيار الضربة في الجميع. بل حكي اشتهاره بين العامّة عن عليّ (عليه السّلام) و ابن عبّاس و عمّار «10».

______________________________

(1) سيأتي متنها في الصفحة 312.

(2) جواهر الكلام 5: 213.

(3) نفس

المصدر 5: 207.

(4) المقنع: 26، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 49/ السطر 17.

(5) لم نعثر عليه في الانتصار و لكنّه موجود في الناصريات، انظر الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 22.

(6) غنية النزوع 1: 63.

(7) انظر مختلف الشيعة 1: 271.

(8) المعتبر 1: 388 389، ذكرى الشيعة 2: 262.

(9) مدارك الأحكام 2: 232، كفاية الأحكام: 9/ السطر 2.

(10) انظر رياض المسائل 2: 320، جواهر الكلام 5: 215، المغني، ابن قدامة 1: 245.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 311

و عن «المعتبر» عن قوم من أصحابنا اختيار ثلاث ضربات «1».

و حكي عن المفيد في «الأركان» «2» و عن التقيّ «3» عن جماعة من القدماء في الكلّ ضربتان «4». و نسب ذلك إلى الصدوق أيضاً «5»، و هو موافق للنسخة التي عندنا من «أماليه» قال: «فإذا أراد الرجل أن يتيمّم، ضرب بيديه على الأرض مرّة واحدة، ثمّ ينفضهما فيمسح بهما وجهه، ثمّ يضرب بيساره الأرض، فيمسح بها يده اليمنىٰ من الزند إلىٰ أطراف الأصابع، ثمّ يضرب بيمينه الأرض فيمسح بها يده اليمنىٰ من الزند إلىٰ أطراف الأصابع، و قد رُوي: أن يمسح الرجل جبينيه و حاجبيه، و يمسح علىٰ ظهر كفيه، و عليه مضى مشايخنا» «6» انتهىٰ.

و هذه النسخة و إن كانت مغلوطة، لكن لم يفصّل فيها بين التيمّم بدل الوضوء و الغسل، فهي شاهدة علىٰ أنّ التفصيل لم يكن مشهوراً في تلك الأعصار، بل مضى المشايخ علىٰ خلافه.

و يشهد له أنّ شيخ الطائفة في «الخلاف» لم يتمسّك لمذهبه بالإجماع «7» مع أنّ دابة فيه ذلك، و إنّما تمسّك بصحيحة زرارة المتقدّمة «8»، فيعلم من ذلك أنّ اختياره له كان بتخلّل اجتهاد، لا لأمر آخر نحن

بعيدون عنه.

______________________________

(1) المعتبر 1: 388.

(2) انظر ذكرى الشيعة 2: 261، مفتاح الكرامة 1: 546/ السطر 26.

(3) هكذا في مصباح الفقيه، لكن الصحيح «المنتقى».

(4) منتقى الجمان 1: 351.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 546/ السطر 27، المعتبر 1: 388.

(6) أمالي الصدوق: 515.

(7) الخلاف 1: 134.

(8) تقدّمت في الصفحة 308.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 312

و الإنصاف: أنّ الاتكال على الشهرة في مثل هذه المسألة التي تراكمت فيها الأدلّة و أقوال أساطين الفقه، و رفعَ اليد لأجلها عن الأدلّة كتاباً و سنّة، ممّا لا مجال له.

اتحاد كيفية التيمّم بدل جميع الأغسال

ثمّ إنّه لا إشكال في اتحاد كيفية التيمّم بدل الأغسال واجبة كانت أو مستحبّة قولًا واحداً، كما في «الجواهر» «1» و يدلّ عليه كثير من الروايات؛ حيث يظهر منها السؤال عن كيفية ماهية التيمّم، كرواية الكاهلي و موثّقة زرارة بل و صحيحتي الخزّاز و ابن النعمان و غيرها «2».

مضافاً إلىٰ

موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن التيمّم من الوضوء و الجنابة و من الحيض للنساء، سواء؟ فقال: «نعم» «3».

و

موثّقة أبي بصير في حديث، قال: سألته عن تيمّم الحائض و الجنب، سواء إذا لم يجدا ماءً؟ قال: «نعم» «4».

و معلومية عدم الفصل، بل يمكن الاستئناس له بالتساوي في المبدل منه، فلا إشكال فيه.

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 216.

(2) وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1 و 3 و 2 و 4 و 5.

(3) الفقيه 1: 58/ 215، تهذيب الأحكام 1: 212/ 617، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 6.

(4) الكافي 3: 65/ 10، تهذيب الأحكام 1: 212/ 616، وسائل الشيعة 3: 363، كتاب

الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 313

تتميم: في أنّ التيمّم بمنزلة المبدل منه في جميع الآثار

هل يكون التيمّم كالغسل في الاجتزاء به فيما إذا كان بدلًا من غسل الجنابة عن الوضوء، و الاجتزاء بتيمّم واحد عن الأغسال الكثيرة إذا كان فيها غسل جنابة و نوى الجميع، أو مطلقاً؛ كان فيها جنابة أو لا، نوى الجميع أو بعضها؟

و بالجملة: هل يقوم التيمّم مقام الغسل في جميع ما للغسل، أو لا مطلقاً، أو يفصّل بين ما هو بدل غسل الجنابة، فيقوم مقامه في الاجتزاء عن الوضوء أو التيمّم له، دون غيره، فلا يكتفى بتيمّم واحد عن الأغسال المتعدّدة؟

أو يجتزأ به حتّى فيما لا يجتزأ بالغسل الواحد، كما لو كان على المرأة غسل الحيض، و قلنا بوجوب الوضوء عليها مع الغسل، فيجزي تيمّم واحد عن غسلها و وضوئها؟

وجوه، أقواها كونه بمنزلة المبدل منه في جميع ما له، فيكتفىٰ بتيمّم واحد بدل غسل الجنابة عن الوضوء، و يتداخل كما تتداخل الأغسال، و لا يتداخل فيما لا تتداخل، و لا يجتزأ به فيما لا يجتزأ بالغسل، فيجب تيمّمان على الحائض بدل الغسل و الوضوء:

أمّا الاجتزاء عن الوضوء في بدل غسل الجنابة، فممّا لا ينبغي الإشكال فيه، بل في «الجواهر» دعوى عدم وجدان الخلاف فيه «1»، لكن لا للآية الكريمة «2» بنفسها، فإنّها مع قطع النظر عن الروايات لا تدلّ على الاجتزاء؛ فإنّ الظاهر من صدرها لزوم الوضوء للصلاة شرطاً، و لزوم الغسل من الجنابة كذلك،

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 216.

(2) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 314

فلا يستفاد منها غير ذلك، فلا تدلّ على إجزاء أحدهما عن الآخر لو لم نقل: إنّ الظاهر

منها لزومهما عند تحقّق سببهما.

و أمّا ذيلها فيتفرّع على الصدر، فلا يستفاد منه زائداً عليه. مع أنّ الظاهر من عطف لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ بلفظ أَوْ أنّ كلّ واحد من الحدث الأصغر و الأكبر سبب للتيمّم، و إطلاق السببية يقتضي تكرّر المسبّب، و يكون مقدّماً علىٰ إطلاق المسبّب، كما حرّرناه في محلّه «1». و كيف كان: لا يمكن استفادة الاجتزاء منها بنفسها، بل يستفاد بضمّ ما دلّ علىٰ إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء «2»؛ لأنّ الظاهر منها أنّ التيمّم عند فقدان الماء بمنزلة الوضوء، و للمجنب بمنزلة الغسل، فإذا علم أنّ الغسل كافٍ عن الوضوء، قام التيمّم مقامه في ذلك.

بل لنا دعوى استفادة عموم التنزيل بالنسبة إلىٰ سائر الأغسال أيضاً؛ إمّا بدعوىٰ كون قوله لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ كناية عن مطلق الحدث الأكبر، كما أنّ قوله أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ كناية عن مطلق الأصغر، و قوله وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ كناية عن مطلق المعذور، مع المناسبات المغروسة في ذهن العرف، و معلومية عدم ترك الصلاة بحال، و عدم سقوط شرطية الطهارة لها.

أو بدعوى استفادة ذلك من قوله تعالىٰ في ذيل بيان التيمّم مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ «3» الظاهر منه أنّ التيمّم طهور لدى فقدان الماء أو العذر في استعماله، فكأنه قال: التيمّم أحد الطهورين.

فيستفاد منه و من قبله مع الارتكازات العقلائية: أنّ كلّ ما للوضوء و الغسل عند الاحتياج إليهما، للتيمّم مع تعذّرهما، فإذا اجتزئ بغسل واحد عن

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 196، تهذيب الأُصول 1: 435.

(2) وسائل الشيعة 2: 244، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33 و 34.

(3) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط -

الحديثة)، ج 2، ص: 315

الأغسال المتعدّدة و إن كان أحدها للجنابة اجتزئ عن الوضوء أيضاً يجتزأ بالتيمّم الذي هو بمنزلته، و هو الطهور في هذه الحالة.

و بالجملة: حال البدل حال المبدل منه مطلقاً و في جميع ما له من الآثار.

و يمكن استفادته من الأخبار أيضاً،

كصحيحة ابن حُمران و جميل بن درّاج بطريق جميل «1»: أنّهما سألا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن إمام قومٍ أصابته جنابة في السفر، و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل، أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ فقال: «لا، و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعل التراب طهوراً، كما جعل الماء طهوراً» «2».

فإنّ الظاهر منها الاكتفاء بالتيمّم للصلاة مع فرض وجدان الماء بقدر الوضوء، و مقتضى تعليله عموم الحكم و المنزلة.

و أمّا ما قد يقال «3» بالاجتزاء بتيمّم واحد عن غسل الحيض و الوضوء و إن لم نقل في المبدل منه، فمبني علىٰ كون التيمّم للوضوء و الغسل بكيفية واحدة، و عدم قيد يوجب تباينهما، و عدم إمكان اجتماعهما في المصداق الواحد، و استفادة جميع التيمّمات من الآية الكريمة بالتقريب المتقدّم، و تقديم إطلاق الجزاء على إطلاق الشرط في الآية. لكن جميع المقدّمات مسلّمة إلّا الأخيرة؛ لما تقرّر من تقديم إطلاق الشرط على الجزاء «4». مضافاً إلىٰ بعد زيادة البدل عن المبدل منه، و لأجله لا يستفاد ذلك في المقام و لو سلّم في سائر المقامات، فالأقوىٰ هو تساويهما في الآثار مطلقاً.

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 223، الهامش 2.

(2) الكافي 3: 66/ 3، الفقيه 1: 60/ 223، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

(3) مدارك الأحكام 2: 233.

(4)

مناهج الوصول 2: 201، تهذيب الأُصول 1: 438.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 317

المبحث الرابع في أحكام التيمّم
اشارة

و هي أُمور:

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 319

الأمر الأوّل في عدم صحّة التيمّم قبل الوقت لصاحبته
اشارة

لا خلاف ظاهراً بينهم في عدم صحّة التيمّم قبل الوقت لصاحبته، و عليه نقل الإجماع مستفيضاً؛ لأنّه منقول عن ثلاثة عشر موضعاً أو أكثر من زمن المحقّق و من بعده «1»، و لو أُضيف إليه فحوى الإجماعات المنقولة علىٰ عدم صحّته في سعة الوقت «2»، يكاد يتجاوز العشرين.

و هو الحجّة؛ لعدم إمكان أن يقال: كلّ ذلك لأمر عقلي، سيّما إذا ثبت أنّ الوضوء التأهّبي المفتى به «3»، من قبيل التخصيص عندهم من عدم جواز الوضوء

______________________________

(1) المعتبر 1: 381، تذكرة الفقهاء 2: 199، منتهى المطلب 1: 139/ السطر 34، قواعد الأحكام 1: 23/ السطر 14، تحرير الأحكام 1: 22/ السطر 21، ذكرى الشيعة 2: 251، الدروس الشرعيّة 1: 132، التنقيح الرائع 1: 133، روض الجنان: 121/ السطر 21، مدارك الأحكام 2: 208، مفاتيح الشرائع 1: 63، مفتاح الكرامة 1: 550/ السطر 4، رياض المسائل 2: 308، جواهر الكلام 5: 154.

(2) الانتصار: 31 32، غنية النزوع 1: 64، فقه القرآن 1: 37، جواهر الكلام 5: 158.

(3) نهاية الإحكام 1: 20، الدروس الشرعيّة 1: 86، مفاتيح الشرائع 1: 41.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 320

قبل الوقت؛ لأنّ التأهّب للفرض و التهيُّؤ له عبارة أُخرى عن كونه له، و معه لا يكون منعهم لعدم المعقولية.

لكن إثبات الخروج التخصيصي مشكل، بل غير ممكن؛ لاحتمال أن يكون تخصّصاً لأجل الاتكال على الروايات الدالّة علىٰ أفضلية إيقاع الصلوات في أوّل أوقاتها «1»، فاستكشف منها محبوبية تحصيل الطهور قبل الأوقات؛ و لو لأجل الكون على الطهارة. و يمكن أن يقال: إنّ نفس التهيّؤ للصلاة غاية

أُخرى غير الغيرية.

و كيف كان: ففي الإجماعات كفاية، بعد فساد توهّم كون الاتكال على الأمر العقلي غير التامّ، و تخطئةُ الكلّ في مثل هذا الأمر العقلي الذي ربّما يطابق الوجدان، خطأٌ فاحش، سيّما مع ورود نظيره في الشرع، كمقدّمات الحجّ، و ظهور الكتاب و السنّة إلّا بعض الروايات في كون الصلاة بالنسبة إلى الأوقات من قبيل الواجب المعلّق لا المشروط، كما سيأتي.

مضافاً إلىٰ عدم اتكال كثير من قدماء أصحابنا علىٰ مثل تلك العقليات التي كثرت و شاعت لدى متأخّري المتأخّرين، كما لا يخفى، و من هنا يمكن كشف كون الحكم معهوداً من الصدر الأوّل.

الدليل العقلي المتوهّم علىٰ عدم صحّة التيمّم و جوابه

و أمّا لو أغمضنا عن ذلك، فالاتكال على الدليل العقلي المتوهّم في المقام غير ممكن؛ بأن يقال: إنّ الصلاة من قبيل الواجب المشروط بالأوقات، فقبل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 118، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 321

مجي ء أوقاتها لا يكون التكليف بها فعلياً، و مع عدم وجوب ذي المقدّمة لا يمكن وجوب مقدّمته؛ لعدم إمكان تحقّق المعلول قبل علّته، و معه لا يمكن صحّته لأجل الإتيان به بداعي الأمر المقدّمي الموهوم.

و فيه: بعد تسليم كون الصلاة من الواجب المشروط، و تسليم وجوب المقدّمة شرعاً، و تسليم صلوح الأمر الغيري للعبادية، أنّ التحقيق إمكان وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها؛ لما حقّقناه في محلّه «1».

و مجمله: أنّ الملازمة علىٰ فرض تسليمها ليست بين وجوب المقدّمة و وجوب ذيها، و لا بين إرادتها و إرادته؛ بمعنى نشوء وجوب عن وجوب، أو إرادة عن إرادة؛ لأنّ البعث إلىٰ ذي المقدّمة لو كان علّة تامّة لبعث آخر متعلّق بمقدّمته بحيث يكون البعث إليها لازم البعث إليه و

معلوله لزم منه مقهورية الآمِر الباعث لذي المقدّمة للبعث إلىٰ مقدّمته بلا حصول مقدّماته و ما يتوقّف عليه: من التصوّر، و التصديق بالفائدة، و غيرهما، و هو ضروريّ الفساد.

كما أنّ معلولية إرادة المقدّمة لإرادة ذي المقدّمة بذلك المعنىٰ ضرورية البطلان؛ ضرورة أنّ كلّ إرادة تحتاج في تحقّقها إلىٰ مبادئ تصوّرية و تصديقية لا يعقل تحقّقها بدونها.

نعم، ما يمكن أن يقال في باب وجوب المقدّمة: إنّ إرادتها تحصل من مبادي خاصّة بها، هي تصوّرها، و تصوّر توقّف ذي المقدّمة عليها، و التصديق به، و إدراك لزوم حصولها بيد العبد، و معها تتحقّق إرادتها و البعث إليها، و هذه المقدّمات كما هي حاصلة في مقدّمات الواجب المطلق و المشروط بعد تحقّق شرطه، حاصلة للمشروط قبل تحقّق شرطه، فإنّ المولى الآمر بشي ء مشروطاً

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 356 358، تهذيب الأُصول 1: 228.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 322

بوقت مثلًا، إذا تصوّر مقدّمته الوجودية قبل مجي ء شرطه، و تصوّر توقّفه عليها، و صدّق بذلك، و رأىٰ أنّ مطلوبه في موطنه متوقّف عليه؛ و إن لم يكن بالفعل مطلوباً له، و لا يمكن التوصّل إليه إلّا بإيجادها، فمع انحصارها تتعلّق لا محالة إرادته بإيجادها؛ للتوصّل بها إلىٰ ما يصير واجباً و مطلوباً مطلقاً في موطنه؛ لحصول مبادئ الإرادة و عدمِ إمكان تفكيك مبادئها عنها.

و تبعيةُ وجوب المقدّمة لوجوب ذي المقدّمة، ليست إلّا بهذا المعنى المحقّق في الواجبات المشروطة قبل مجي ء شرطها أيضاً، و مع عدم الانحصار يحكم العقل بالتخيير.

نعم، لو كانت الملازمة بين الإرادة الفعلية أو الوجوب الفعلي المتعلّق بذي المقدّمة مع وجوب مقدّمته، لكان وجوبها قبل وجوبه ممتنعاً، لكن المبنىٰ فاسد، بل وجوبها علىٰ

فرض تسليم الملازمة تابع لوجوب ذيها بالوجه الذي عرفت، و قد عرفت عدم الفرق بين فعلية وجوب ذي المقدّمة أو ما سيصير فعلياً؛ من غير لزوم الالتزام بالوجوب التعليقي، أو التفصيل بين المقدّمات المفوّتة و غيرها.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الطهارات الثلاث قبل حضور أوقات الصلاة واجبة؛ بناءً على القول بوجوب المقدّمة و لو قلنا: بأنّ الوقت شرط الوجوب، و أنّ عباديتها تتوقّف على الأمر الغيري المقدّمي.

مع أنّ كون الصلاة من قبيل الواجب المشروط بحضور أوقاتها، محلّ منع؛ لظهور الكتاب الكريم و أكثر الأخبار في الوجوب التعليقي، كقوله تعالىٰ أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «1».

______________________________

(1) الإسراء (17): 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 323

و قولِه تعالىٰ إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً «1» المفسّر بكونها موجوباً

و ثابتاً و مفروضاً في الروايات «2».

و قولِه تعالىٰ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ «3» المفسّر بصلاة الغداة و المغرب و العشاء «4».

و

كقول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «إنّما فرض اللّٰه عزّ و جلّ على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة» «5».

فيكون الوجوب فعليّاً، و الواجب استقبالياً، و قد ذكرنا في محلّه إمكان المشروط بما ذكره المشهور «6»، و كذا المعلّق «7».

و أمّا ما ذكره بعض المحقّقين: من لزوم تعلّق الخطابات قبل حضور زمان الفعل؛ لعدم تعقّل الأمر بإيجاد شي ء في زمان صدور الطلب و بذلك دفع الإشكال عن وجوب المقدّمة قبل حضور وقت الواجب، و صحّح حرمة إراقة الماء قبل الوقت إذا علم بعدم إمكان تحصيله بعدُ .. إلىٰ غير ذلك «8».

ففيه: أنّه إن كان المرادُ بعدم تعقّل وحدة زمان الخطاب و إيجاد الفعل،

لزومَ تقدّم إنشاء الخطاب علىٰ زمان العمل، كما هو ظاهره، فهو غير ملازم

______________________________

(1) النساء (4): 103.

(2) وسائل الشيعة 4: 7، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 1.

(3) هود (11): 114.

(4) تفسير العيّاشي 2: 161/ 73.

(5) الكافي 3: 419/ 6، الفقيه 1: 266/ 1217، تهذيب الأحكام 3: 21/ 77، وسائل الشيعة 7: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 1.

(6) مناهج الوصول 1: 355، تهذيب الأُصول 1: 227.

(7) مناهج الوصول 1: 358، تهذيب الأُصول 1: 231.

(8) مصباح الفقيه، الطهارة: 479/ السطر 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 324

للوجوب المعلّق، فيمكن أن يصدر الخطاب المشروط بزمان العمل قبل مجي ء الوقت، و لا يكون الوجوب فعلياً إلّا عند مجي ء وقته، و معه لا يدفع الإشكال في المقام، و لا في سائر المقامات.

و إن كان المراد أنّ اتحاد زمان فعلية التكليف و العمل محال، فلا يمكن أن يكون الزوال شرطاً للوجوب و ظرفاً لأوّل جزء من الصلاة، فهو ممنوع؛ لأنّ ما هو المسلّم لزوم تقدّم باعثية الأمر على انبعاث المكلّف، لكن لا يلزم منه أن يكون بينهما تقدّم و تأخّر وجودي؛ ضرورة أنّ المكلّف إذا علم بخطاب «أقم الصلاة إذا زالت الشمس» مثلًا، ينبعث منه في أوّل الزوال.

و إن شئت قلت: إنّ التقدّم رتبي لا خارجي، فلا يلزم أن يكون الخطاب فعلياً قبل مجي ء وقت العمل.

و العجب منه أنّه في ذيل كلامه اعترف بأنّ الوقت من الشرائط الوجوبية للواجبات الموقّتة «1»، و مع ذلك التزم بالوجوب التعليقي، فكأنه التزم بالوجوب المعلّق و المشروط معاً في الصلاة! و هو كما ترى.

ثمّ إنّ في أصلِ وجوب المقدّمة، و صلاحيةِ الأمر المقدّمي للمقرّبية،

و كونِ عبادية الطهارات الثلاث من قِبَل الأمر المقدّمي و لو فرض صلوحه للتقرّب، إشكالًا و منعاً ينافي التفصيل فيها وضع هذا المختصر.

و بما ذكرناه من عدم الفرق بين ما قبل الوقت و ما بعده علىٰ فرض وجوب المقدّمة، و بما حقّقناه في محلّه من عدم تعقّل وجوب المقدّمة رأساً «2»، يجب التصرّف بوجهٍ في مثل

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إذا دخل الوقت

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 479/ السطر 27.

(2) مناهج الوصول 1: 410، تهذيب الأُصول 1: 278.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 325

وجب الطهور و الصلاة، و لا صلاة إلّا بطهور» «1».

حيث يظهر منها وجوب الطهور عند دخول الوقت، و مفهومها عدمه بعدمه؛ فإنّ وجوب الطهور إنّما هو بملاك المقدّمية لا غير، و قد حقّق عدم تعقّله، و علىٰ فرض تعقّله لا يُتعقّل الفرق بين الوقت و قبله و لذلك لا بدّ من رفع اليد عن مفهومها و التصرّف في منطوقها بوجه. مضافاً إلىٰ مخالفتها لظاهر الكتاب و صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّين علىٰ كون الصلاة واجباً معلّقاً.

ثمّ إنّ ما مرّ من الكلام إنّما هو مع المماشاة للقوم، و إلّا فالتحقيق أنّ الطهارات الثلاث بما هي عبادات، جعلت مقدّمةً و شرطاً للصلاة، أو مقدّمةً لمقدّمتها «2» إن قلنا بأنّ الطهور شرط، و هو محصَّل منها، فالإرادة المتعلّقة بالصلاة علىٰ فرض وجوب المقدّمة، موجبة بنحو ما مرّ «3» لإرادة متعلّقة بتلك العبادات؛ بما هي عبادات و صالحات للتقرّب قبل تعلّق الإرادة بها من قِبل ذي المقدّمة، و إلّا يلزم أن يكون سبيلها سبيل الطهارة الخبثية التي هي واجبة توصّلًا، مع أنّه خلاف الضرورة، فالأمر المقدّمي علىٰ فرضه لا يمكن

أن يكون ملاك عباديتها بعد كونها مقدّمة علىٰ تعلّقه.

و توهّم سقوط أوامرها النفسية الاستحبابية عند تعلّق الأمر الوجوبي المقدّمي، قد فرغنا عن تضعيفه في محلّه «4».

ثمّ إنّ الأمر المقدّمي علىٰ فرضه إنّما يدعو إلى الغسل و أخويه؛ لأجل

______________________________

(1) الفقيه 1: 22/ 67، تهذيب الأحكام 2: 140/ 546، وسائل الشيعة 1: 372، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 4، الحديث 1.

(2) مناهج الوصول 1: 383 385، تهذيب الأُصول 1: 251 256.

(3) تقدّم في الصفحة 321.

(4) تهذيب الأُصول 1: 253 254.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 326

ترتّب الطهارة عليها، أو كونها طهارات كما يظهر من الكتاب و السنّة؛ و إن كان للتأمل في كون الطهارة بنفسها شرطاً، أو لأجل رفع القذارة الحاصلة بالأحداث التي هي الموانع مجال.

و كيف كان: لا يدعو الأمر المقدّمي إلّا إليها لأجل ترتّب الطهارة عليها، فتكون الصلاة غاية ثانوية للطهارات، و الغاية الاولىٰ حصول الطهور. لا بمعنى أنّ حصول الطهور يتوقّف علىٰ قصده، فإنّه محلّ إشكال بل منع عقلًا إن رجع إلىٰ تقييد في العمل، بل المراد أنّ الطهور لمّا كان شرط الصلاة مثلًا، و هو يحصل بتلك الأعمال إذا وجدت للّٰه تعالىٰ، فلا محالة يتعلّق الأمر المقدّمي بتحصيله و إتيان الأفعال للّٰه تعالىٰ لتحصيله، فتقع دائماً تلك الأعمال لأجل غاية هي الطهور، و يدعو الأمر المقدّمي إليه.

الإشكال في الإجماع المدّعىٰ علىٰ عدم صحّة التيمّم قبل الوقت

فحينئذٍ يقع الإشكال في الإجماع المدّعىٰ علىٰ عدم صحّة التيمّم قبل الوقت «1»، مع دعوى إرسال الأصحاب صحّةَ التيمّم قبل الوقت لغاية أُخرى حتّى الكون على الطهارة إرسالَ المسلّمات «2»، مع ما عرفت من أنّ الأمر المقدّمي لا يدعو إلّا إليها لتحصيل الطهور، فلا تقع تلك الأفعال إلّا علىٰ وجه واحد؛

هو الإتيان للّٰه تعالىٰ لما يترتّب عليها من الطهور.

فعليه لو كان الإجماع قائماً علىٰ بطلان التيمّم إذا اتي به لمحض الأمر الغيري و للصلاة، مع تجريده عن كافّة الغايات حتّى الكون على الطهارة، فهو

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 319.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 154.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 327

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 327

صحيح لو رجع إلىٰ عدم قصد العبادية، لكن لازمه بطلانه و لو وقع في الوقت أو في ضيقه.

كما أنّه لو قلنا بصحّته و طهوريته إذا وقع بقصد التقرّب؛ و لو جرّد عن قصد كونه طهوراً لغفلة أو جهل لكان صحيحاً و لو قبل الوقت؛ لأنّ ترتّب أثر الشي ء عليه لا يتوقّف علىٰ قصده.

و لو قيل بقيام الإجماع علىٰ بطلانه للصلاة و لو كانت غاية الغاية، و تكون الغاية الأُولى الطهور، فهو منافٍ لما ادّعي من تسالمهم علىٰ صحّته إذا قصد غاية أُخرى، إلّا أن يرجع مرادهم إلى البطلان إذا كانت الصلاة غاية الغاية، و هو بعيد، و المسألة مشكلة، و الاحتياط سبيل النجاة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 328

الأمر الثاني في جواز البدار إلى التيمّم مع سعة الوقت
اشارة

لا إشكال و لا كلام في صحّة التيمّم في ضيق الوقت. و أمّا في سعته فعن المشهور عدم الجواز مطلقاً، و لازم مقابلته للتفصيل الآتي، هو عدم الجواز حتّى مع العلم باستمرار العجز؛ و إن كان شمول إطلاق معاقد الإجماعات و الشهرات المحكية لذلك، محلّ تأمّل.

و كيف كان: قد نسب هذا القول تارة: إلى الأكثر،

كما عن «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «الذكرى» و «كشف الالتباس» و «جامع المقاصد» و «كشف اللثام» «1» و أُخرى: إلى الأشهر، كما عن «الدروس» «2» و ثالثة: إلى المشهور، كما عن «المختلف» و «المسالك» «3» و جملة اخرىٰ من الكتب «4» و رابعة: إلى الإجماع، كما في «الانتصار» و عن «الناصريات» و عن ظاهر «الغنية» و «شرح جمل السيّد

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 140/ السطر 5، تذكرة الفقهاء 2: 200، ذكرى الشيعة 2: 253، كشف الالتباس: 198 (مخطوط)، جامع المقاصد 1: 500، كشف اللثام 2: 482.

(2) الدروس الشرعيّة 1: 132.

(3) مختلف الشيعة 1: 253، مسالك الأفهام 1: 114.

(4) روض الجنان: 122/ السطر 11، كفاية الأحكام: 9/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 329

للقاضي» و «أحكام الراوندي» «1».

و عن جماعة الجواز مطلقاً، كالعلّامة في «المنتهىٰ» و «التحرير» و «الإرشاد» و الشهيد في «البيان» و الأردبيلي و الخراساني و الكاشاني «2». و عن «الذكرى» حكايته عن الصدوق و ظاهر الجعفي و البَزنطي «3» و في «مفتاح الكرامة» «4»: الحاكي عن الصدوق جماعة من الأصحاب، منهم العلّامة في جملة من كتبه «5» و المحقّق في «المعتبر» «6». و عن «حاشية الإرشاد» و «المدارك»: «أنّه قويّ متين» «7» و عن «المهذّب البارع»: «أنّه مشهور كالقول الأوّل» «8» و حُكي إطباق جمهور العامّة عليه «9».

و عن جماعة الجواز مع العلم باستمرار العجز، و عدمه مع عدمه، و هو المحكي عن «المعتبر» و «التذكرة» و «الفخرية» و «اللمعة» و جملة اخرىٰ «10».

______________________________

(1) الانتصار: 31 32، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 225/ السطر 20، غنية النزوع 1: 64، انظر شرح جمل العلم و العمل: 61، فقه القرآن 1:

37.

(2) منتهى المطلب 1: 140/ السطر 19، تحرير الأحكام 1: 22/ السطر 21، إرشاد الأذهان 1: 234، البيان: 86، مجمع الفائدة و البرهان 1: 223، كفاية الأحكام: 9/ السطر 8، مفاتيح الشرائع 1: 63.

(3) ذكرى الشيعة 2: 252 253.

(4) مفتاح الكرامة 1: 550/ السطر 30.

(5) تذكرة الفقهاء 2: 200، منتهى المطلب 1: 140/ السطر 6، مختلف الشيعة 1: 253.

(6) المعتبر 1: 382.

(7) انظر مفتاح الكرامة 1: 550/ السطر الأخير، مدارك الأحكام 2: 212.

(8) المهذّب البارع 1: 202.

(9) انظر المعتبر 1: 382، الامّ 1: 46، المغني، ابن قدامة 1: 243 244، الشرح الكبير، ذيل المغني 1: 276.

(10) انظر مفتاح الكرامة 1: 551/ السطر 5، المعتبر 1: 383 384، تذكرة الفقهاء 2: 201، اللمعة الدمشقيّة: 31، الروضة البهيّة 1: 459، نهاية الإحكام 1: 216، قواعد الأحكام 1: 23/ السطر 15، الرسالة الجعفريّة، ضمن رسائل المحقّق الكركي 1: 95.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 330

و عن «جامع المقاصد»: «أنّ عليه أكثر المتأخّرين» «1» و عن «الروضة»: «أنّه الأشهر بين المتأخّرين» «2».

و ربّما يفصّل بين العلم بارتفاع العجز و عدمه، كما اختاره جماعة من متأخّري المتأخّرين «3». و هو محتمل قول من قال بالجواز مطلقاً؛ بدعوى انصرافه عن هذه الصورة.

و كيف كان: فالمتبع هو الأدلّة اللفظية؛ إذ تحصيل الإجماع أو الشهرة المعتبرة في مثل تلك المسألة التي تراكمت فيها الآراء و الأدلّة، مشكل.

ثمّ إنّ لازم ما ذكرناه في الأمر الأوّل، هو جواز التيمّم في سعة الوقت و صحّته، لكن لمّا وردت أدلّة كثيرة في هذه المسألة، فلا بدّ من استئناف الكلام فيها و النظر في الأدلّة و مقتضاها:

التمسّك بالآية لجواز البدار
اشارة

فنقول: يمكن الاستدلال للجواز مطلقاً بإطلاق الآية

الكريمة «4».

و قد استشكل على الاستدلال بها علم الهدىٰ في «الانتصار» بما ملخّصه:

أنّ المراد من قوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ إذا أردتم القيام بلا خلاف، ثمّ أتبع ذلك بحكم العادم للماء، فمن تعلّق بالآية لجواز التيمّم في أوّل

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 500.

(2) الروضة البهيّة 1: 459.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 500، أحكام التيمّم، المسألة 3، مستمسك العروة الوثقىٰ 4: 447.

(4) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 331

الوقت، لا بدّ أن يدلّ علىٰ جواز إرادته القيام للصلاة، فإنّا نخالف ذلك و نقول: ليس لمن عدم الماء أن يريدها أوّل الوقت، و إرادة الصلاة شرط في الجملتين، و إلّا لزم وجوب التيمّم على المريض و المسافر إذا أحدثا و إن لم يريدا الصلاة، و هذا لا يقول به أحد «1»، انتهىٰ.

أقول: ظاهر الآية الشريفة أنّ إرادة القيام للصلاة علىٰ فرض شرطيتها للوضوء و الغسل و التيمّم علىٰ نسق واحد؛ و أنّ في كلّ مورد أراد القيام للصلاة فيجب عليه الطهارة المائية، و مع فقدان الماء تقوم الترابية مقامها من غير تفكيك بين الموارد، و لازمه أنّه إذا أراد القيام للصلاة في أوّل الوقت، يجب عليه الوضوء أو الغسل، و مع فقدان الماء يجب عليه التيمّم، و التفكيك بينهما خلاف المتفاهم العرفي.

مع أنّ قوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ ليس مسوقاً لإفادة شرطية القيام إلى الصلاة للوضوء أو التيمّم، أو وجوبهما، بل مسوق لإفادة شرطية الطهور للصلاة، كما هو المتفاهم عرفاً في مثل تلك التراكيب، سيّما في مثل العناوين الآلية و الطريقية المأخوذة في تلو الشرط، فلا يفهم من مثل «إذا أردت الصلاة، أو إذا قمت إلى الصلاة، استر عورتك، أو توجّه

إلى القبلة» إلّا أنّهما دخيلان في تحقّقهما، لا أنّ القيام و الإرادة شرط لوجوبهما.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في إطلاق الآية الكريمة؛ و أنّه مع عدم وجدان الماء مطلقاً يقوم التيمّم مقام الوضوء و الغسل، و التقييد بعدم وجدانه إلىٰ آخر الوقت، يحتاج إلىٰ دليل.

و ممّا يوجب تحكيم إطلاقها قوله تعالىٰ في ذيل حكم التيمّم

______________________________

(1) الانتصار: 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 332

مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ حيث يدلّ علىٰ أنّ تشريع التيمّم لدفع الحرج عن المريض و غيره، و معه كيف يمكن تحميل لزوم الصبر على المريض و الفاقد إلىٰ نصف الليل أو آخره، و هل هذا إلّا تحريج و تضييق فوق تحميل الوضوء، و معه كيف يمنّ عليه بعدم جعل الحرج و إرادته؟! و الإنصاف: أنّ إطلاق الآية في غاية القوّة، خصوصاً مع ضمّ ذيلها إليه، و هو يقتضي عدم الفرق بين العلم بزوال العذر و عدمه، و دعوى الانصراف عن صورة العلم غير مسموعة. هذا حال الآية.

التمسّك بالروايات لجواز البدار
و أمّا الروايات، فما دلّت علىٰ صحّته في السعة علىٰ طوائف:
منها: ما دلّت بإطلاقها عليها، مع التصريح بعدم لزوم الإعادة

، كصحيحة الحلبي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل إذا أجنب و لم يجد الماء، قال: «يتيمّم بالصعيد، فإذا وجد الماء فليغتسل و لا يعيد» «1».

و

صحيحته الأُخرىٰ قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «إذا لم يجد الرجل طهوراً و كان جنباً، فليتمسّح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد ماءً فليغتسل، و قد أجزأته صلاته التي صلّىٰ» «2»

و مثلها صحيحة ابن سِنان «3» و قريب منها غيرها.

______________________________

(1) الفقيه 1: 57/ 213، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 63/ 3، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة،

أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 193/ 556، و 197/ 572، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 333

و منها: ما دلّت علىٰ صحّته، مع التصريح بسعة الوقت و عدم لزوم الإعادة،

كموثّقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل تيمّم و صلّى، ثمّ بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت، فقال: «ليس عليه إعادة الصلاة» «1».

و

صحيحة يعقوب بن سالم أو موثّقته «2»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل تيمّم و صلّى، ثمّ أصاب الماء و هو في وقت، قال: «قد مضت صلاته، و ليتطهّر» «3».

و

رواية علي بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: أتيمّم و أُصلّي، ثمّ أجد الماء و قد بقي عليّ وقت؟

فقال: «لا تعد الصلاة؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد» «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 195/ 565، وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 11.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن علي، عن علي بن أسباط، عن يعقوب بن سالم.

الحسن بن علي مشترك بين الحسن بن علي الوشاء و الحسن بن علي بن عبد اللّٰه بن المغيرة و هما إماميان ثقتان، و بين الحسن بن علي بن فضال و هو فطحي ثقة، و علي بن أسباط ثقة و كان فطحياً و اختلف في رجوعه عن الفطحية.

رجال النجاشي: 4 39/ 80، و 62/ 147، و 34/ 72، و 449/ 663، اختيار معرفة الرجال: 562/ 1061، تنقيح المقال 2: 268/ السطر 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 195/ 563، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث

14.

(4) تهذيب الأحكام 1: 202/ 587، وسائل الشيعة 3: 371، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 334

و

صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): فإن أصاب الماء و قد صلّىٰ بتيمّم و هو في وقت؟ قال: «تمّت صلاته، و لا إعادة عليه» «3».

و جعل قوله: «هو في وقت» متعلّقاً ب «صلّىٰ» «4» في غاية البعد، خصوصاً مع تعقّبه ب «لا إعادة عليه».

إلىٰ غير ذلك، كرواية معاوية بن ميسرة «5» و مرسلة حسين العامري عمّن سأله «6»، و العيّاشي عن أبي أيّوب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «7» بل رواية داود الرقّي «8» التي لا يبعد أن تكون صحيحة «9». بل لا يبعد أن تكون صحيحة ابن مسلم «10» و العيص «11» ظاهرتين في بقاء الوقت.

______________________________

(3) تهذيب الأحكام 1: 194/ 562، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 9.

(4) تهذيب الأحكام 1: 194/ ذيل الحديث 562.

(5) الفقيه 1: 59/ 220، تهذيب الأحكام 1: 195/ 564، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 13.

(6) تهذيب الأحكام 1: 193/ 557، وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 2.

(7) تفسير العيّاشي 1: 244/ 143، وسائل الشيعة 3: 378، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 6.

(8) الكافي 3: 64/ 6، تهذيب الأحكام 1: 185/ 536، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 1.

(9) تقدّم وجهه في الصفحة 60، الهامش 1.

(10) تهذيب الأحكام 1: 197/ 571، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.

(11) تهذيب الأحكام 1:

197/ 569، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 335

و منها: ما دلّت علىٰ صحّته، مع الأمر بالإعادة مع رفع العذر في الوقت،

كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة، و يخاف علىٰ نفسه التلف إن اغتسل، فقال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن من البرد اغتسل و أعاد الصلاة» «1»

و نظيرها مرسلة جعفر بن بشير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2».

و

صحيحةِ يعقوب بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل تيمّم فصلّى، فأصاب بعد صلاته ماءً، أ يتوضّأ و يعيد الصلاة، أم تجوز صلاته؟

قال: «إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ و أعاد، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه» «3».

و

موثّقةِ منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل تيمّم فصلّى، ثمّ أصاب الماء، فقال: «أمّا أنا فكنت فاعلًا، إنّي كنت أتوضّأ و أُعيد» «4».

و لا يخفىٰ تعيّن حمل الإعادة في الوقت على الاستحباب؛ بقرينة نصوصية الطائفة المتقدّمة في عدم وجوب الإعادة، بل الرواية الأخيرة مشعرة أو ظاهرة في الاستحباب، فحينئذٍ تكون جميع تلك الطوائف من أدلّة صحّة التيمّم في سعة الوقت.

______________________________

(1) الفقيه 1: 60/ 224، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 67/ 3، تهذيب الأحكام 1: 196/ 567 و 568، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 193/ 559، الإستبصار 1: 159/ 551، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 8.

(4) تهذيب الأحكام 1: 193/ 558، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب

التيمّم، الباب 14، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 336

الخدشة في الروايات المستدلّ بها علىٰ عدم جواز البدار

كما أنّ أوجه المحامل في الروايات التي استدلّ بها علىٰ عدم صحّته في السعة، الحملُ عليه لو سلّمت دلالتها علىٰ مقصودهم. لكن يمكن الخدشة فيها:

أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: «إذا لم تجد ماءً و أردت التيمّم، فأخّر التيمّم إلىٰ آخر الوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» «1».

فلإمكان أن يقال فيها: إنّ قوله: «فإن فاتك ..» إلىٰ آخره الذي هو بمنزلة العلّة لقوله: «أخّر التيمّم» ظاهر في أنّ التيمّم في سعة الوقت مع عدم وجدان الماء، محصّل للطهور المحتاج إليه، لكن الأمر بالتأخير لاحتمال وجدان الماء الذي هو المصداق الأرجح.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ التراب إذا كان في سعة الوقت غيرَ محصّل للطهارة، و يكون كالخشب في ذلك، و إنّما تختصّ طهوريته بآخر الوقت، فلا يناسب أن يقال: «فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» فإنّ هذا الكلام إنّما يقال فيما إذا كان المصداق المرجوح ميسوراً في جميع الوقت المضروب، و المصداق الراجح محتملَ الوجود، و أمّا إذا كان المصداق المرجوح غير ميسور و غير صحيح إلّا آخر الوقت، فلا يقال بتلك العبارة.

أ لا ترى أنّه إذا قيل لأحد: «أخّر الغذاء؛ فإنّه إذا فاتك اللحم لم يفتك الخبز» كان ظاهراً في أنّ الخبز مصداق المطلوب مطلقاً، لكن الأرجح تأخير الأكل لانتظار حصول المطلوب الأرجح، و لا يقال ذلك فيما إذا لم يكن الخبز

______________________________

(1) الكافي 3: 63/ 1، تهذيب الأحكام 1: 203/ 588، وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص:

337

صالحاً للطعام إلّا في آخر الوقت، و المرجع في مثله العرف. و به يجاب عن موثّقتي عمّار «1».

و ما ذكرناه و إن ثقل علىٰ بعض الأسماع، لكن بالمراجعة إلىٰ أشباهه في المخاطبات يرفع الاستبعاد، فتأمّل.

و أمّا

صحيحة زرارة، عن أحدهما قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ في آخر الوقت» «2».

فالظاهر منها وجوب الطلب إلىٰ آخر الوقت، و هو مع مخالفته لتحديده بغلوة سهم أو سهمين «3» مخالف لفتوى الأصحاب «4»، فلا بدّ من حملها على الاستحباب أو تأويلها بأن يقال: إنّ المراد منه أنّه يجب الطلب إذا كان في الوقت و كان واسعاً له؛ من غير تعرّض لمقدار الطلب، و مع عدم سعته له يتيمّم، فحينئذٍ تدلّ علىٰ جواز التيمّم في سعته؛ لأنّ قوله: «فليطلب إذا كان في سعة» ظاهر في أنّه يتيمّم بعد الطلب في سعته، خصوصاً مع مقابلته لخوف الفوت، فكأنه قال: «مع خوف الفوت يتيمّم بلا طلب، و مع سعته بعد الطلب».

نعم، بناءً علىٰ رواية «فليمسك» «5» تدلّ على المطلوب في الجملة.

______________________________

(1) الصحيح هو موثقتي «ابن بكير». قرب الإسناد: 170/ 623، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1265، وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 3 و 4.

(2) الكافي 3: 63/ 2، تهذيب الأحكام 1: 192/ 555، و 203/ 589، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.

(3) كما في رواية السكوني، راجع وسائل الشيعة 3: 341، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 1، الحديث 2، و تقدّم أيضاً في الصفحة 31.

(4) راجع السرائر 1: 135، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 69، إرشاد الأذهان

1: 233، جواهر الكلام 5: 80.

(5) تهذيب الأحكام 1: 194/ 560.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 338

حول التفصيل بين رجاء رفع العذر و عدمه

ثمّ إنّه بناءً على الغضّ عمّا ذكرنا في الروايات المانعة، فلا شبهة في أنّ محطّها هو فيما إذا احتمل العثور على الماء:

أمّا فيما علّل بقوله: إنّه «إن فاتك الماء لم تفتك الأرض» فظاهر.

و أمّا صحيحة زرارة بناءً علىٰ رواية «فليمسك» فلأنّ العرف لا يفهم من لزوم الإمساك و التأخير إلىٰ آخر الوقت موضوعيته؛ بعد كون الصلاة مع الوضوء و الغسل فرد المطلوب الأعلى، و بعد العلم بأنّ المنظور الأصلي في تلك الروايات هو الصلاة مع الطهور إمّا بالماء، أو بالتيمّم، فمعه لا يشكّ العرف في أنّ الأمر بالإمساك إلىٰ آخر الوقت و التيمّم عند خوف فوت الوقت، ليس إلّا لاحتمال حصول المطلوب الأعلى، لا لمطلوبية الإمساك نفساً، أو اشتراط التيمّم بضيق الوقت.

و منه يعلم: أنّ الروايات المشتملة على التعليل المتقدّم لو لم تكن مذيّلة به، يفهم منها أنّ الأمر بالتأخير إنّما هو لأجل احتمال الوصول إلى المطلوب الأعلى؛ و هو الصلاة مع المائية، و هذا واضح لدى التأمل.

فحينئذٍ قد يقال في مقام الجمع بين هذه الطائفة و الروايات المتقدّمة؛ بتقييدها بهذه الطائفة، فتحمل تلك الروايات و الآية الكريمة علىٰ مورد العلم بفقدان الماء، فيفصّل بين رجاء رفع العذر و عدمه «1»، كما تقدّم نقل اشتهاره بين المتأخّرين من أصحابنا «2».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 481/ السطر 35.

(2) تقدّم في الصفحة 329 330.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 339

لكن الإنصاف: أنّ هذا النحو من الجمع و التقييد في غاية الوهن؛ لعدم إمكان حمل الآية و الروايات التي ربّما بلغت عشرين كلّها في

مقام البيان و تعيين الوظيفة؛ من غير إشارة إلىٰ هذا القيد النادر التحقّق علىٰ هذا المورد، سيّما ما اشتملت على التعليل ب «إنّ ربّ الماء هو ربّ التراب»

كصحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب، فتيمّم بالصعيد و صلّى، ثمّ وجد الماء، قال: «لا يعيد؛ إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين» «1»

و قريب منها رواية معاوية بن ميسرة «2» و عليّ بن سالم «3».

و بالجملة: تقييد الآية و الروايات المستفيضة بل المتواترة بهذا القيد، من أبعد المحامل.

و توهّم: أنّ محيط ورودها لمّا كان قليل الماء، سيّما في المسافرات البعيدة في البوادي التي قلّت فيها المياه و المعمورة، فلا مانع من الحمل علىٰ صورة العلم بالعدم؛ لعدم ندرة الفرض.

فاسد؛ بعد كون جزيرة العرب محاطة بالبحار؛ و في معرض الأمطار الكثيرة الغزيرة المعهودة فيها في كثير من الأوقات، فكيف يمكن دعوى شيوع العلم بذلك أو عدم ندرته؛ بحيث لا يستهجن ورود المطلقات الكثيرة فيه في مقام البيان؟! هذا مع أنّ السائلين لم يكونوا من أهل الجزيرة غالباً، كزرارة و محمّد بن مسلم و ليث المرادي و منصور بن حازم الكوفيين، و الحلبي و يعقوب بن يقطين

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 197/ 571، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 334.

(3) تقدّم في الصفحة 333.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 340

البغدادي، و غيرهم فالحمل المذكور غير وجيه، بخلاف حمل الأخبار المانعة على الاستحباب؛ حملًا للظاهر على النصّ، علىٰ فرض تسليم الظهور اللغوي في الوجوب، مع أنّه محلّ كلام، كما قُرّر في محلّه «1».

فلا إشكال في هذا

الحمل، سيّما مع وجود شواهد في نفسها عليه،

ففي رواية محمّد بن حُمران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل تيمّم، ثمّ دخل في الصلاة، و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه، ثمّ يؤتىٰ بالماء حين يدخل في الصلاة، قال: «يمضي في الصلاة، و اعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت» «2».

فإنّ قوله: «و اعلم أنّه ..» إلىٰ آخره بعد الأمر بالمضيّ في الصلاة من غير استفصال كالنصّ في عدم الإلزام، فالتفصيل بين العلم باستمرار العذر و عدمه ضعيف.

حول التفصيل بين العلم برفع العذر و عدمه

كما أنّ الأقرب بحسب إطلاق الأدلّة، عدم الفرق بين العلم بزوال العذر و عدمه، و دعوى الانصراف إلىٰ صورة عدم العلم برفعه «3»، في غير محلّها.

نعم، الإنصاف انصراف الأدلّة عن بعض الموارد بلا إشكال، كما لو منعه الزحام عن الوصول إلى الماء إلّا بعد ساعة، أو كانت نوبته في الاغتراف من الشريعة بعد اغتراف من سبقه و تقدّم عليه و أمثال ذلك.

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 247، تهذيب الأُصول 1: 139.

(2) تهذيب الأحكام 1: 203/ 590، وسائل الشيعة 3: 382، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 3.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 482/ السطر 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 341

بل لا يبعد أن يكون الأمر بالإعادة

في موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أبيه، عن عليّ (عليه السّلام): «أنّه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة، فأحدث أو ذكر أنّه علىٰ غير وضوء، و لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام، قال: يتيمّم و يصلّي معهم، و يعيد إذا هو انصرف» «2»

و قريب منها موثّقة السكوني «3» لأجل العلم

برفع العذر بعد انصراف الجماعة، فيجب عليه الإعادة، و تدلّ على التفصيل المتقدّم.

و الأمر بالصلاة معهم لكون التخلّف عن جماعتهم خلاف التقيّة، و الاعتذار بعدم الوضوء لعلّه كان غير مقبول عندهم.

و الأمر بالتيمّم و إن كان ظاهراً في صحّة صلاته في هذا الحال، و لهذا حملوا الإعادة على الاستحباب «4»، لكن حمل الأمر بالتيمّم و الصلاة معهم عليه، أولىٰ من حمل الإعادة عليه بعد انصراف الأدلّة عن مثل هذا العذر الذي يرفع بعد ساعة، و لهذا لو كان الزحام لأمر آخر يمنعه عن الوضوء مقدار ساعة، لا يمكن الالتزام بصحّة التيمّم و الصلاة، و كذا لو منعه مانع منه مقدار ساعة.

نعم، لو قلنا بوجوب الجمعة تعييناً، فالظاهر صحّته و صحّة صلاته؛ لخروج وقتها، كما لو منعه زحام أو غيره عند ضيق الوقت صحّ تيمّمه و صلاته. لكنّ الروايتين ظاهرتان في جمعة الناس، و مع إقامتهم لا تجب علينا تعييناً. بل

______________________________

(2) تهذيب الأحكام 3: 248/ 678، وسائل الشيعة 3: 371، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 15، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 185/ 534، وسائل الشيعة 3: 371، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 15، الحديث 1.

(4) مفاتيح الشرائع 1: 63، وسائل الشيعة 3: 371، ذيل الحديث 2، مصباح الفقيه، الطهارة: 502/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 342

في وجوبها تعييناً حتّى في زمان الحضور و بسط يد الوالي بالحقّ، أيضاً كلام و إن أرسلوه ظاهراً إرسال المسلّمات «1».

فالأقرب التفصيل بين العلم برفع العذر و عدمه. و كونه في بعض الفروض النادرة موجباً للحرج، غير مضرّ بعد رفعه بدليله.

حول حصر محلّ الخلاف في غير المتيمّم

ثمّ إنّه حكي «2» عن صريح جماعة «3» و ظاهر آخرين «4»: «أنّ

محلّ الخلاف في المسألة في غير المتيمّم، و أمّا من كان متيمّماً في أوّل الوقت لصلاة ضاق وقتها أو لغاية أُخرى، صحّت صلاته في أوّل وقتها؛ لوجود المقتضي و رفع المانع».

و يظهر ممّا ذكر أنّ المانع من تعجيل الصلاة، هو فقدان الطهور و شرطية ضيق الوقت لصحّة التيمّم، و أمّا مع حصول الطهور بوجه آخر فلا يبقى مانع، فحينئذٍ لا ثمرة للنزاع، كما لا يخفى.

و هذا النحو من البحث و إن أمكن احتماله في كلمات الفقهاء علىٰ بعد في خصوص الفرع بالنظر إلىٰ إطلاق كلماتهم ظاهراً، بل الظاهر من السيّد في «الناصريّات» أنّه لا يجوز الصلاة بالتيمّم إلّا في آخر الوقت، كما لا يجوز التيمّم أيضاً إلّا في آخره «5» لكن غير ممكن في الروايات:

______________________________

(1) راجع جواهر الكلام 11: 151.

(2) جواهر الكلام 5: 165، مصباح الفقيه، الطهارة: 482 483.

(3) الروضة البهيّة 1: 460، مدارك الأحكام 2: 212.

(4) الدروس الشرعيّة 1: 132، جامع المقاصد 1: 502.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 225/ السطر 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 343

أمّا أوّلًا: فلأنّ الظاهر من روايات المضايقة «1» هو الأمر بتأخير التيمّم لتحصيل الفرد الأكمل الاختياري من الصلاة، لا لأجل عدم حصول الطهور. بل لو فرض اشتراط حصوله بتحقّق الضيق أيضاً، يكون لأجل الصلاة لا للطهور، و العرف الملتفت إلىٰ أنّ المنظور الأصلي هو الصلاة، و الطهارات شرائط لها، لا مطلوبات نفسية إلزامية، لا يفهم من الأمر بالتأخير إلّا التحفّظ على الصلاة المطلوبة ذاتاً مع الطهارة المائية، و لا ينقدح في ذهنه اشتراط الطهور بالوقت، بل لو صرّح بالاشتراط لا ينقدح في ذهنه إلّا مراعاة حال الصلاة مع المائية.

فحينئذٍ لو أخذنا بتلك الروايات الواردة

في المضايقة، و أغمضنا عمّا تقدّم، فلا محيص عن القول بلزوم تأخير الصلاة إلىٰ آخر الوقت؛ رجاءً لتحصيل الطهارة المائية.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من قوله

في صحيحة زرارة: «فليتيمّم و ليصلّ في آخر الوقت» «2»

و قولِه

في موثّقة ابن بكير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب، فلم يجد ماءً، يتيمّم و يصلّي؟ قال: «لا، حتّى آخر الوقت» «3»

أنّ الصلاة يجب أن تكون في آخر الوقت أيضاً، تأمّل.

مع أنّ

قوله في تلك الروايات: «إن فاته الماء لم تفته الأرض» «4»

ظاهر في فوت المصلحة الصلاتيّة، لا المصلحة النفسية للطهارة، كما لا يخفى على المتأمل.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22.

(2) تقدّمت في الصفحة 337.

(3) قرب الإسناد: 170/ 623، وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 4.

(4) راجع ما تقدّم في الصفحة 336.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 344

و أمّا ثانياً: فلأنّه لو كان تحصيل الطهور بوجه آخر و غاية اخرىٰ، رافعاً للمانع، و لم يكن للأمر بتأخير الصلاة و التيمّم إلىٰ آخر الوقت، موجب إلّا فقد الطهور الممكن الحصول بغاية أُخرى، لما أمروا بتأخيرها مع الاهتمام العظيم بالتحفّظ على الصلاة في أوائل أوقاتها بما كاد أن يلحقه بالواجبات فكان على الأئمّة (عليهم السّلام) التنبيه علىٰ ذلك؛ حفظاً لأهمّية أوّل الوقت، لا الأمر بالتأخير بقول مطلق، فيظهر من ذاك و ذا: أنّ المهمّ في نظر الشارع مراعاة إيجاد الصلاة مع المائية، و ليس الأمر بالتأخير لعدم حصول الطهور.

فالأقوىٰ بناءً على القول بوجوب التأخير، وجوبه مطلقاً و لو كان الطهور محقّقاً في أوّل الوقت.

نعم، لا شبهة في عدم وجوب تجديد التيمّم

في آخر الوقت، إذا وجد صحيحاً في أوّله أو قبله في ضيق الوقت مثلًا، كما صرّحت به الروايات «1» خلافاً لبعض العامّة «2».

المراد ب «آخر الوقت» في المقام

ثمّ إنّه قد يقال: إنّ المراد ب «آخر الوقت» الذي يجب أو ينبغي مراعاته، هو آخره عرفاً؛ بحيث يقال: «إنّه أتى بها في آخره» فيصدق ذلك إذا أتى بها مع الآداب المتعارفة، بل و اختيار الفرد الطويل مع التخيير بينه و بين القصير، بل و إتيان بعض المقدّمات المتعارفة «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 379، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 20.

(2) المغني، ابن قدامة 1: 266، المجموع 2: 240 241.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 482/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 345

و مستندهم فيه هو الأخبار الحاكمة بتأخير التيمّم إلىٰ آخر الوقت المحمولة على الآخر العرفي، كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام.

و يمكن أن يقال: إنّ الأخبار الواردة في لزوم التأخير فرضاً، لا يفهم منها إلّا الإرشاد إلىٰ ما حكم به العقل، و هو مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة، يحكم بوجوب الصلاة بالفرد الاختياري من دلوك الشمس إلىٰ آخر الوقت، و مع التعذّر عنه جزماً لا احتمالًا، يجتزئ بالاضطراري، فيحكم فيما إذا كان للصلاة فرد طويل و قصير مع الاحتمال المعتدّ به برفع العذر، بالانتظار، لا الإتيان بالطويل، كما أنّه يحكم بالاكتفاء بالواجبات و ترك الآداب؛ حفظاً للغرض الأعلى و الفرد الاختياري، و الظاهر أنّ الأخبار وردت للإرشاد، لا للتوسعة لما يدركه العقل.

لزوم الإعادة مع انكشاف سعة الوقت

ثمّ إنّ ظاهر الأخبار أنّ اللازم هو التأخير إلىٰ آخر الوقت، و هو الموضوع للحكم، و الأمر بالتيمّم و الصلاة مع خوف الفوت، إنّما هو لترجيح الوقت على الطهارة المائية عند احتمال فوته، لا لموضوعية في خوف الفوت، و معه لو انكشف سعة الوقت بقدر تحصيل المائية، تجب عليه الإعادة.

بل لا يبعد وجوبها لو

وسع للترابية أيضاً؛ لعدم تحقّق الشرط لو قلنا: بأنّ الضيق لها أو لصحّة الصلاة أيضاً.

لكن الذي يسهّل الخطب أنّ القول بالمضايقة ضعيف، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 346

و لا يخفىٰ: أنّ القائل بالمضايقة، لا يكون عاملًا بالأخبار الدالّة علىٰ عدم لزوم الإعادة و لو مع بقاء الوقت «1»؛ إمّا بحملها على التقيّة لمطابقتها لجمهور الناس، أو لغير ذلك، و معه لا وجه لردّ قوله في هذه المسألة تشبّثاً بتلك الروايات، فقولُ بعض أهل التحقيق ردّاً على الشيخ القائل بالإعادة «2»: «بأنّه ضعيف محجوج بالأخبار المصرّحة بعدم الإعادة» «3» كأنه وقع في غير محلّه.

______________________________

(1) تقدّمت الروايات في الصفحة 333.

(2) المبسوط 1: 31، النهاية: 48.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 482/ السطر 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 347

الأمر الثالث في عدم وجوب الإعادة مطلقاً علىٰ من صلّى بتيمّم صحيح

من صلّىٰ بتيمّم صحيح لا يجب عليه الإعادة و لا القضاء؛ لاقتضاء الأمر الإجزاء. و محلّ الكلام ما إذا قلنا بصحّة صلاته مع التيمّم؛ إمّا لأجل القول بالمواسعة، أو للبناء علىٰ صحّة صلاته مع التيمّم لغاية أُخرى، أو مع بقائه من الوقت السابق.

و بعبارة اخرىٰ: بعد الفراغ عن المسألة السابقة، ففي كلّ مورد صحّحنا تيمّمه و صلاته فصلّى بتيمّم، لا يجب عليه الإعادة، فضلًا عن القضاء؛ سواء قلنا بأنّ الشرط قابل للجعل المستقلّ؛ و لا يحتاج إلى انتزاعه من الأمر بالمركّب مقيّداً به، أو لا:

أمّا على الأوّل فواضح؛ لأنّ الظاهر من الآية الكريمة «1» أنّها بصدد جعل شرطية الطهور للصلاة المأمور بها مع الوضوء و الغسل، و مع فقدان الماء مع التيمّم، فتكون الصلاة طبيعة واحدة ذات أمر واحد، و لها مصاديق اختيارية و اضطرارية، فمع طروّ

الاضطرار يكون المكلّف مخيّراً مع سعة الوقت بين إتيان الصلاة المأمور بها بفردها الاضطراري، أو الصبر و الإتيان بالفرد الاختياري،

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 348

و ليس المصداق الاختياري و الاضطراري مأموراً به، بل لا يكون إلّا أمر واحد متعلّق بنفس الطبيعة، و لا يعقل بقاؤه مع الإتيان بمتعلّقه؛ سواء أتى بالفرد الاختياري منها أو الاضطراري، و مع فرض إمكان تعلّق الجعل المستقلّ بالشرطية و المانعية، لا يجوز رفع اليد عن ظاهر الآية الدالّة علىٰ جعل شرطية الوضوء و الغسل، ولدي العذر التيمّم.

و أمّا على الثاني فلا محيص عن أمرين؛ يتعلّق أحدهما بالواجد، و الآخر بالفاقد، لكن الضرورة قائمة علىٰ أنّ الصلاة مطلوبة واحدة، و تعدّد الأمر فرضاً إنّما هو لضيق الخناق و امتناع إفادة الشرطية إلّا به، و في مثله لا يكون المتعدّد كاشفاً عن كونها مع المائية مطلوبة، و مع الترابية مطلوبة اخرىٰ مستقلّة.

و هذا نظير ما إذا قلنا بامتناع أخذ ما يجي ء من قِبل الأمر، كقصده في متعلّقه، و التزمنا بأمرين، فإنّ الأمر الثاني لا يكون لتحديد المطلوب الأوّل، و لا استقلال له، فلا يكون تعدّد الأمر في المقام إلّا لإفادة الشرطية في الحالين، و لتحديد المطلوب الأوّل.

فلا شبهة في استفادة الإجزاء من الآية؛ لأنّ الظاهر منها أنّ المكلّف إذا قام إلى الصلاة المأمور بها، يجب عليه أن يأتي بها مع المائية، و مع العذر مع الترابية، و مع الإتيان بالاضطراري يكون آتياً بطبيعة المأمور بها. و مقتضى إطلاقها و إلغاء الخصوصية عرفاً كما مرّ عدم الفرق بين السفر و الحضر، و لا بين أسباب حصول الجنابة و لا غيرها «1»، فما عن القديمين من

إيجاب الإعادة «2» كما عن السيّد من الفرق بين الحاضر و المسافر، فأوجبها في الأوّل «3» ضعيف.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 27 و 30.

(2) انظر مختلف الشيعة 1: 286، ذكرى الشيعة 2: 273.

(3) انظر المعتبر 1: 365.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 349

و الظاهر أنّ مراد السيّد وجوب القضاء لا الإعادة؛ لأنّ مذهبه علىٰ ما في «الانتصار» «4» و «الناصريات» عدم صحّة التيمّم و الصلاة إلّا في آخر الوقت، و لهذا أورد على الناصر حيث قال: «فإن وجد الماء بعد ما فرغ من صلاته، و هو في بقيّة من وقتها، وجب عليه إعادتها» بقوله:

«إنّ هذا الفرع لا يشبه أصل من ذهب إلىٰ أنّ الصلاة بالتيمّم لا تجوز إلّا في آخر الوقت، و إنّما يجوز أن يفرِّع هذا الفرع من يجوِّز الصلاة في سعة الوقت، أو قبل تضييق الوقت، و قد بيّنا أنّ ذلك لا يجوز، فلا معنىٰ لهذا الفرع علىٰ مذهبنا و مذهب من وافقنا في أنّ الصلاة لا تجوز إلّا في آخر الوقت» «5» انتهىٰ.

و لعلّ وجه ذهابه إلى التفصيل أنّه لم يعمل علىٰ أخبار المواسعة «6»، و ظنّ أنّ الآية الشريفة «7» تختصّ بالمسافر الفاقد، و أخبار المضايقة «8» لم تتعرّض إلّا للزوم التأخير إلىٰ آخر الوقت، إلّا صحيحة زرارة المختصّة بالمسافر «9»، و فيها عدم لزوم القضاء عليه بعد الوجدان خارج الوقت.

و فيه: أنّ الآية و إن علّقت على المريض و المسافر، لكن العرف بالمناسبات المرتكزة في ذهنه يلغي الخصوصية، كما مرّ مراراً «1»، كما يلغيها من الصحيحة

______________________________

(4) الانتصار: 31.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 226/ السطر 1.

(6) تقدّمت في الصفحة 333.

(7) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(8) راجع

وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22.

(9) الكافي 3: 63/ 2، تهذيب الأحكام 1: 192/ 555، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3، و تقدّم أيضاً في الصفحة 337.

(1) تقدّم في الصفحة 27 و 30 و 64.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 350

أيضاً. هذا مضافاً إلىٰ ما تقدّم من دلالة طوائف من الروايات على المقصود «1»، و لا وجه لرفع اليد عنها بعد كون المسألة خلافية من لدن زمن قديم، و لم يثبت إعراض الأصحاب عنها لو لم نقل بثبوت عدمه و تخلّل الاجتهاد في البين.

في عدم الإعادة على المتيمّم لو تعمّد الجنابة

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق الآية و الرواية، عدم الفرق في الإجزاء بين تعمّد الجنابة و الخشية من استعمال الماء و غيره، فما حكي عن كتب الشيخ «2» و «المهذّب» «3» و «الإصباح» «4» و «روض الجنان» «5» من لزوم الإعادة على المتعمّد، و عن «المدارك» «6»: «أنّ فيه قوّة» غيرُ متضح المدرك.

و

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة، فيخاف علىٰ نفسه التلف إن اغتسل، فقال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد» «7».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 332 334.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 554/ السطر 28، تهذيب الأحكام 1: 196، ذيل الحديث 568، الاستبصار 1: 162، ذيل الحديث 560، النهاية: 46، المبسوط 1: 30.

(3) المهذّب 1: 48.

(4) إصباح الشيعة، ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة 2: 440.

(5) و الموجود في النسخة الموجودة عندنا خلاف ذلك و لكن نقل عنه الفاضل الهندي و صاحب المفتاح و الظاهر وجود اختلاف في النسخ و لذا صرّح صاحب مفتاح

الكرامة بأنّ الموجود في النسخة التي عنده هو عدم الإعادة.

روض الجنان: 130/ السطر 16 17، انظر كشف اللثام 2: 487، مفتاح الكرامة 1: 554/ السطر 31.

(6) مدارك الأحكام 2: 240.

(7) الفقيه 1: 60/ 224، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 351

و مثلها مرسلة جعفر بن بشير «1» غير ظاهرة في المتعمّد، لو لم نقل بظهورها في غيره. مع أنّ ظاهرها صحّة الصلاة مع التيمّم في هذه الحال، و معها يكون مقتضى القاعدة الإجزاء، فتكون قرينة علىٰ حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب؛ لبعد كون الصلاة صحيحة و وجوب الإعادة تعبّداً.

و لو لم يسلّم ذلك فلا بدّ من حملها على الاستحباب؛ جمعاً بينها و بين ما تقدّم من الأدلّة المتظافرة علىٰ عدم وجوب الإعادة «2». و التفصيل بين فاقد الماء و المقام في غير محلّه. مع أنّ العرف يفهم من تلك الأدلّة أنّ تمام المناط، هو صحّة صلاته مع التيمّم و اقتضاء الأمر الإجزاء.

مضافاً إلىٰ صحيحتي داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «3» و

البَزَنطي عن الرضا (عليه السّلام) «4»: في الرجل يصيبه الجنابة، و به جروح أو قروح، أو يخاف علىٰ نفسه من البرد، فقال: «لا يغتسل، و يتيمّم».

فإنّه يفهم منهما جزماً صحّة الصلاة مع التيمّم و عدم لزوم الإعادة؛ لقاعدة الإجزاء. فحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب أولىٰ من التصرّف فيهما، خصوصاً مع جعل الخائف قريناً مع المجروح و المقروح، ممّا لم ينقل عن أحد وجوب الإعادة عليهما بعد الالتئام.

______________________________

(1) تقدّم تخريجها في الصفحة 335.

(2) تقدّمت في الصفحة 332 334.

(3) تهذيب الأحكام 1: 185/ 531، وسائل الشيعة 3:

348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 8.

(4) تهذيب الأحكام 1: 196/ 566، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 352

بطلان التفصيل بين وجود الماء و فقدانه من حيث الإعادة

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّه لا مجال للتفصيل بين وجود الماء و الخوف على النفس من استعماله، و بين فقدان الماء؛ بلزوم الإعادة بعد الصلاة مع التيمّم في الأوّل بدعوىٰ: أنّ ذلك مقتضى الروايات؛ لاختصاص ما دلّت علىٰ عدم الإعادة بفاقد الماء، و ما دلّت على الإعادة أي صحيحة ابن سنان و مرسلة جعفر بن بشير بالواجد الخائف.

و ذلك لما عرفت: من أنّ الأمر بالتيمّم و الصلاة في الروايتين، دالّ علىٰ أنّ ما يأتي به في هذه الحال مع التيمّم، هي الصلاة التي كانت على المسلمين كتاباً موقوتاً، لا صلاة أُخرى وجبت علىٰ خصوص الخائف تعبّداً، و بقيت الصلاة المكتوبة علىٰ عامّة المسلمين بحالها؛ يجب عليه إتيانها بعد رفع الخوف، و معه لا شبهة في سقوط الأمر عقلًا؛ لحصول المأمور به بمصداقه الاضطراري.

إلّا أن يدعىٰ: أنّ خصوص الخائف مكلّف من بين المسلمين بصلاتين؛ إحداهما: مع المائية، و الأُخرى: مع الترابية، و الإتيان بالأُولىٰ موجب لسقوط التكليف عن الثانية دون العكس، و تكون الصلاتان في حقّ خصوص الخائف من الفرائض اليومية. و هو كما ترى.

أو يلتزم بكون المكتوبة عليه كسائر المسلمين صلاةً واحدةً، و هي ساقطة بإتيان الفرد الاضطراري، لكن يجب تعبّداً إعادتها، كاستحباب إعادة الصلاة جماعة بعد الإتيان بها فرادى. و هو أيضاً بمكان من البُعد لا يمكن الالتزام به.

و بعد بطلان الاحتمالات عقلًا و عرفاً، لا محيص عن حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب و لو لم يكن غير

الروايتين شي ء في الباب. مع أنّ الروايات الدالّة علىٰ عدم لزوم الإعادة على الفاقد، تدلّ عرفاً علىٰ أنّ عدمها إنّما هو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 353

لأجل كون الصلاة مع التيمّم، مصداقاً للمأمور به من غير دخالة للسبب فيه، و إنّما السبب دخيل في حصول موضوع التيمّم، لا في كون الصلاة معه مصداقاً للمأمور به.

و إن شئت قلت: إنّ العرف يفهم مع إلغاء الخصوصيّة أنّ تمام العلّة لعدم لزوم الإعادة، إنّما هو قيام التيمّم مقام المائية و تحقّق الطبيعة المأمور بها بإتيانها معه؛ من غير دخالة أسباب العذر و الانتقال في ذلك.

هذا مع قطع النظر عن التعليلات الواردة فيها، و أمّا مع النظر إليها

كقوله في صحيحة محمّد بن مسلم بعد الحكم بعدم الإعادة بعد وجدان الماء: «إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين» «1»

فالأمر أوضح؛ لأنّ الظاهر منه أنّ تمام العلّة لعدم الإعادة، هو فعل أحد الطهورين من غير دخالة شي ء آخر فيه، فحينئذٍ مع الأمر بالإتيان بالصلاة مع التيمّم عند الخوف على النفس، لا مجال للتشكيك في حصول الطهور به و فعل أحد الطهورين، فيندرج تحت العلّة المنصوصة، و لا شبهة في أنّ التصرّف في الأمر بالإعادة بحمله على الاستحباب، أهون من رفع اليد عن كلّ واحد ممّا تقدّم، فضلًا عن مجموعة، فلا إشكال في الحكم بحمد اللّٰه تعالىٰ.

وجوب الإعادة مع العلم بزوال الزحام بعد ساعة مثلًا

ثمّ إنّ مقتضىٰ ما ذكرناه و إن كان البناء على استحباب الإعادة فيمن منعه الزحام عن الوضوء كما ذهب إليه جمع «2» بل لعلّه المعروف بينهم، خلافاً

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 197/ 571، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.

(2) مفاتيح الشرائع

1: 63، وسائل الشيعة 3: 371، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 15، ذيل الحديث 2، الحدائق الناضرة 4: 269، مصباح الفقيه، الطهارة: 502/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 354

للمحكيّ عن «النهاية» و «المبسوط» و «المقنع» و «الوسيلة» و «المهذّب» و «كشف اللثام» «1» فأوجبوا الإعادة بعد التيمّم و الصلاة معهم، و مستندهم

موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أبيه، عن عليّ (عليه السّلام): «أنّه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة و يوم عرفة، فأحدث أو ذكر أنّه علىٰ غير وضوء، و لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام، قال: يتيمّم و يصلّي معهم، و يعيد إذا هو انصرف» «2»

، و نظيرها موثّقة السكوني «3» لكن الالتزام بالانتقال إلى التيمّم مع العلم بزوال العذر بعد ساعة مثلًا بعيد.

و لو بنينا على الأخذ بظاهر الروايتين، لكان الواجب علىٰ من منعه الزحام أو غيره عن الوصول إلى الماء مطلقاً، الصلاةَ متيمّماً و الإعادة؛ لعدم الخصوصية في زحام عرفة جزماً.

و دعوى اختصاص الجواب بزحام الجمعة، فيكون لها خصوصية، في غير محلّها؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الزحام في يوم الجمعة منعه عن الوضوء لصلاتها، و يوم عرفة منعه عن الوضوء لفريضة الظهر أو العصر. بل الظاهر منهما أنّ الجمعة للناس، و معه لا تجب علينا تعييناً بلا إشكال، بل المكلّف مخيّر بين الصلاة معهم جمعةً و الفرادىٰ ظهراً، و معه كيف تجب عليه الصلاة و الإعادة معاً؟! و لهذا قلنا: إنّ الظاهر من الروايتين لزوم الصلاة معهم تقيّة «4».

______________________________

(1) النهاية: 47، المبسوط 1: 31، المقنع: 27، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 70، المهذّب 1: 48، كشف اللثام 2: 490.

(2) تهذيب

الأحكام 3: 248/ 678، وسائل الشيعة 3: 371، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 15، الحديث 2.

(3) تقدّم تخريجها في الصفحة 341.

(4) تقدّم في الصفحة 341.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 355

لعلّ الأمر بالتيمّم لأجل أنّ الدخول في الصلاة صورةً أيضاً يجب، أو يستحبّ أن يكون مع الوضوء أو التيمّم، كما لعلّه تشهد به

رواية مسعدة بن صدقة التي لا يبعد كونها موثّقة «1»-: أنّ قائلًا قال لجعفر بن محمّد (عليهما السّلام): جعلت فداك، إنّي أمرّ بقوم ناصبية، و قد أُقيمت لهم الصلاة، و أنا علىٰ غير وضوء، فإن لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاؤوا أن يقولوا، أ فأُصلّي معهم، ثمّ أتوضّأ إذا انصرفت و أُصلّي؟

فقال جعفر بن محمّد: «سبحان اللّٰه! أ فما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً؟!» «2»

تأمّل.

و كيف كان: فالأقرب حملها علىٰ أنّ الصلاة معهم وجبت تقيّة، و يستحبّ أو يجب التيمّم لها، لكن لا تقع عن الفريضة، و تجب عليه الإعادة. و عدم وقوعها فريضة ليس لكون الصلاة معهم؛ لما قلنا في محلّه: إنّها معهم مُجزية «3»، بل لعدم صحّة التيمّم مع العلم بوجود الماء و رفع المانع في الوقت، خصوصاً في مثل المفروض في الرواية.

______________________________

(1) رواها الشيخ الصدوق (رحمه اللّٰه) عن مسعدة بن صدقة، و قال في مشيخته: ما كان فيه عن مسعدة بن صدقة فقد رويته عن أبي (رضى اللّٰه عنه)، عن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري، عن مسعدة بن صدقة، عن ربعي.

لا كلام في رجال السند إلّا في مسعدة بن صدقة فإنّه عامي و اختلف في وثاقته.

الفقيه، المشيخة 4: 30، رجال الطوسي: 146/ 40، تنقيح المقال 3: 212/ السطر

5 (أبواب الميم).

(2) الفقيه 1: 251/ 1128، وسائل الشيعة 1: 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 2، الحديث 1.

(3) التقيّة، ضمن الرسائل العشرة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 63.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 356

في حكم المتيمّم مع نجاسة الثوب

ثمّ إنّه حُكي «2» عن «النهاية» و «المبسوط»: «أنّ من كان علىٰ ثوبه نجاسة غير معفوّة، و تعذّر عليه إزالتها، يتيمّم و يصلّي، ثمّ يعيد» «3» و مستنده

موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سئل عن رجل ليس عليه إلّا ثوب، و لا تحلّ الصلاة فيه، و ليس يجد ماءً يغسله، كيف يصنع؟ قال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أصاب ماءً غسله و أعاد الصلاة» «4».

و لا يخفىٰ: أنّ هذه الموثّقة غير مربوطة بالمقام سؤالًا و جواباً؛ لوضوح أنّ سؤاله إنّما هو عن وحدة الثوب و عدم إمكان تطهيره، فأجاب بالتيمّم و الصلاة؛ أي مع الثوب النجس ظاهراً، ثمّ إذا أصاب الماء أعادها بعد غسله، فالجواب عن هذه الحيثية، و لهذا تعرّض لغسله و إعادتها، لا للوضوء و الإعادة، و إنّما ذكر التيمّم تطفّلًا لفرض فقدان الماء.

فهذه المسألة ليست من مستثنيات المسألة المتقدّمة، بل هي مسألة أُخرى برأسها تأتي إن شاء اللّٰه في أبواب النجاسات «5» و قد كثرت الروايات فيمن كان ثوبه نجساً «6»، و اختلفت في وجوب الصلاة معه أو عرياناً، و المقام ليس مورد تنقيحها.

______________________________

(2) انظر جواهر الكلام 5: 230 231.

(3) النهاية: 55، المبسوط 1: 35.

(4) تهذيب الأحكام 1: 407/ 1279، و 2: 224/ 886، وسائل الشيعة 3: 392، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 30، الحديث 1.

(5) يأتي في الجزء الرابع: 319.

(6) راجع وسائل الشيعة 3: 482، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،

الباب 43 46.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 357

الأمر الرابع في حكم فاقد الطهورين
اشارة

المشهور كما عن «كشف الالتباس» و «الرياض» أنّ فاقد الطهورين تسقط عنه الصلاة «1»-، و عن «روض الجنان» و «المدارك»: «أنّه مذهب الأصحاب، لا نعلم فيه مخالفاً» «2». و عن «جامع المقاصد»: «أنّه ظاهر مذهب أصحابنا» «3».

لكن في «الشرائع»: «قيل: يصلّي و يعيد» «4» و عن «التذكرة» «5» و غيرها «6»: «أنّ بعض الأصحاب قال: يصلّي و يعيد» و عن جدّ المرتضىٰ وجوب الأداء لا القضاء «7».

______________________________

(1) كشف الالتباس: 203 (مخطوط)، رياض المسائل 4: 275.

(2) روض الجنان: 128/ السطر 14، مدارك الأحكام 2: 242.

(3) جامع المقاصد 1: 486.

(4) شرائع الإسلام 1: 41.

(5) تذكرة الفقهاء 2: 183.

(6) جواهر الفقه: 14، المسألة 28.

(7) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 226/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 358

مقتضى القاعدة في مثل المقام

و لا بأس بالإشارة إلىٰ مقتضى القاعدة في مثل المقام، فنقول: لو علم بجزئيّة شي ء للمركّب أو شرطيته في الجملة، و شكّ في أنّه كذلك مطلقاً، أو مخصوص بحال التمكّن، فلا يخلو إمّا أن يكون لدليل المركّب إطلاق دون دليل اعتبارهما، أو العكس، أو لكلٍّ منهما إطلاق، أو إهمال:

فإن كان لدليل المركّب إطلاق فقط، يجب إتيانه مع العجز عن الجزء أو الشرط.

أو لدليل اعتبارهما فقط فيسقط معه. و يلحق بإطلاق دليله فقط تقدّم دليله علىٰ دليل اعتبارهما بحكومة أو غيرها لو كان لهما إطلاق، و بإطلاق دليليهما تقدّمهما علىٰ دليله كذلك.

و مع إهمالهما أو إطلاقهما من غير ترجيح، يرجع إلىٰ مقتضى الأصل العقلي أو النقلي مع قطع النظر عن أدلّة العلاج؛ لو قلنا بشمولها لمثل المقام، و الأصل العقلي يقتضي البراءة مطلقاً، كما هو المقرّر في محلّه «1».

و قد يتمسّك «2» بالاستصحاب في بعض الموارد بوجوه من

التقرير، و قد فرغنا عن تضعيفه «3»، و بقاعدة «الميسور ..» و هي ضعيفة المستند «4» غير مجبورة.

______________________________

(1) راجع أنوار الهداية 2: 378، تهذيب الأُصول 2: 395.

(2) فرائد الأُصول 2: 497، كفاية الأُصول: 420.

(3) أنوار الهداية 2: 381 385، تهذيب الأُصول 2: 397 400.

(4) راجع أنوار الهداية 2: 386، تهذيب الأُصول 2: 401.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 359

حول سقوط الأداء في فاقد الطهورين

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ مقتضىٰ إطلاق آية الوضوء «1» أنّ الصلاة مشروطة بالطهور مطلقاً و لو مع العجز عنه. و توهّم قصور الأمر عن إثبات الشرطية حال العجز لعدم إمكان توجّه الخطاب إلى العاجز فاسد.

لا لما قيل «2»: «من أنّ مثل تلك الأوامر إرشادية لا يعتبر فيها القدرة علىٰ متعلّقاتها؛ لأنّ مفادها ليس إلّا الإرشاد إلىٰ دخل متعلّقاتها في متعلّق الخطاب النفسي، ففي الحقيقة أنّ تلك الخطابات بمنزلة الإخبار؛ لا بعث فيها، و لا تحريك إلى المتعلَّقات حتّى تقتضي القدرة عليها، فلا فرق بين الشرطية المستفادة من

مثل «لا صلاة إلّا بطهور» «3»

أو المستفادة من الأمر الإرشادي».

و ذلك لما قرّرناه في محلّه «4»: من أنّ مطلق الأوامر نفسية كانت أو غيرية أو إرشادية، إنّما تستعمل في معناها؛ و هو نفس البعث و الإغراء، فإنّ الهيئة موضوعة لذلك من غير أن يكون الوجوب أو غيره مفادَها، لكن البعث إذا توجّه إلىٰ طبيعة من غير دلالة علىٰ أنّه لأجل مطلوب آخر، ينتزع منه النفسية، و إذا تعلّق بشي ء مع الدلالة علىٰ أنّه لآخر، ينتزع منه الغيرية، أو الإرشاد إلى الشرطية، أو الجزئية؛ حسب اختلاف المقامات.

فقوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. إلىٰ آخره،

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني)

الكاظمي 4: 252 253.

(3) دعائم الإسلام 1: 100، الفقيه 1: 35/ 129، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

(4) مناهج الوصول 1: 243، تهذيب الأُصول 1: 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 360

لا ينسلخ عن البعث إلىٰ غسل الوجوه و الأيدي؛ بحيث تكون الهيئة مستعملة في الإخبار باشتراط الصلاة بالوضوء؛ ضرورة أنّ هذا الاستعمال مع كونه غلطاً لا مجازاً مخالف لفهم العرف و العقلاء، بل الهيئة مستعملة في معناها؛ و هو البعث و الإغراء، لكن لمّا كانت مسبوقة بقوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ تكون دالّة علىٰ أنّ البعث إليه لأجل اشتراط الصلاة به، ففهم الشرطية أو انتزاعها إنّما هو من البعث و الإغراء مع خصوصية المورد، و تصوّر ما ذكر يكفي عن مئونة تصديقه في مثل المقامات التي يكون الاتكال فيها على العرف و الذوق السليم.

بل لما حقّقناه في مظانّه: من أنّ الأوامر الكلّية القانونية، غير مشروطة عقلًا بصحّة توجّهها إلىٰ كلّ فرد فرد من المكلّفين، و ليست الخطابات الكلّية منحلّة كلٌّ إلىٰ خطابات متوجّهة إلىٰ آحادهم؛ فيكون كلّ خطابٍ منحلٍّ منظوراً فيه شرائط توجّه الخطاب، و إلّا لزم منه مفاسد، كعدم تكليف العصاة و الكفّار، و الجاهل بالحكم أو الموضوع، بل و اختصاص الوضعيات بمن يختصّ به التكاليف .. إلىٰ غير ذلك ممّا يطول ذكره، و الخلط بين شرائط الخطاب الجزئي الشخصي و الخطاب العامّ القانوني، منشأ لكثير من الاشتباهات و الاختلاطات، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «1».

و بالجملة: إنّ إطلاق الآية يقتضي اشتراطها بالطهور مطلقاً، و مقتضاه سقوط الصلاة مع تعذّر الشرط.

نعم، لو كان الاتّكال علىٰ صِرف ظاهر الآية و إطلاقها، لكان لتوهّم إطلاق

أدلّة الصلاة سيّما مثل

قوله: «الصلاة لا تترك بحال»

مجال، بل كان ذلك

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 23 29، أنوار الهداية 2: 214 215، تهذيب الأُصول 1: 302 311 و 2: 280.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 361

حاكماً علىٰ ظاهر الآية؛ لتعرّضه لمقام الإتيان، و هو من أقسام الحكومة.

لكن مضافاً إلىٰ عدم إطلاق معتدٍّ به في أدلّة تشريع الصلاة، و عدم ثبوت قوله: «الصلاة لا تترك بحال» من طريقنا؛ بحيث يمكن الاتكال عليه و علىٰ إطلاقه و حكومته على الآية، و مقتضى الاستقراء و إن كان أنّ للوقت في نظر الشارع أهمّية فوق غالب الأجزاء و الشرائط، فربّما يحصل الظنّ منه بأنّ الصلاة لا تُترك بحال، لكن ذلك ليس بمثابة يمكن الركون إلىٰ كلّيته و إطلاقه، و ما ورد في بعض الروايات في باب الاستحاضة

كصحيحة زرارة، و فيها: «و لا تدع الصلاة علىٰ حال؛ فإنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: الصلاة عماد دينكم» «1»

غير مربوط بمثل المقام، و ليس قوله: «فإنّ الصلاة عماد دينكم» علّة يمكن معها كشف صحّتها لدى الشكّ في شرطية شي ء لها أو جزئيته.

أنّ قوله

في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور»

حاكم علىٰ مثل

قوله: «الصلاة لا تترك بحال»

علىٰ فرض ثبوته؛ لأنّ الصحيحة رافعة لموضوعها، و هو حاكم علىٰ عدم جواز الترك علىٰ فرض الموضوع. بل من أوضح موارد الحكومة،

كقوله: «لا سهو لمن أقرّ علىٰ نفسه بالسهو» «2»

مثلًا بالنسبة إلىٰ أدلّة الشكوك.

و كذا يكون

قوله: «لا صلاة إلّا بطهور»

حاكماً علىٰ قاعدة الميسور إن كان المراد من

قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور»

أنّ الطبيعة الميسورة لا تسقط؛ لعين ما ذكر.

______________________________

(1) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1:

173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

(2) السرائر 3: 614، وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 362

و أمّا إن كان المراد أنّ ميسور الطبيعة لا يسقط، فلا يبعد أن تكون القاعدة حاكمة عليه؛ لعدم لزوم صدق الطبيعة علىٰ ميسورها، فيمكن أن يكون شي ءٌ ميسورَ شي ءٍ عرفاً لا نفسه. بل لا منافاة حينئذٍ بين الصحيحة و القاعدة؛ لأنّ مفاد الاولىٰ أنّ فاقد الطهور ليس بصلاة، و مفاد الثانية أنّ ميسور الصلاة و لو لم يكن صلاة لا يسقط.

لكن مضافاً إلىٰ عدم ظهور القاعدة في الاحتمال الثاني لو لم نقل بظهورها في الأوّل لا أصل لتلك القاعدة؛ لضعف سندها، و عدم ثبوت الجبر، خصوصاً في مثل تلك المسألة التي هي مظنّة الإجماع علىٰ عدم وجوب الأداء.

و إن يمكن الإشكال في صحيحة زرارة بوجه آخر: و هو أنّها منقولة في الباب الأوّل من أبواب الوضوء من «الوسائل»

عن محمّد بن الحسن، بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسىٰ، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا صلاة إلّا بطهور» «1»

. و رواها في «الوافي» عن «الفقيه» مرسلةً «2»، و عن «التهذيب» بالسند المتقدّم «3».

و

روى الحرّ في الباب الرابع من أبواب الوضوء بالسند المتقدّم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة، و لا صلاة إلّا بطهور» «4»

و رواها في «الفقيه» مرسلةً «5».

و روى في الباب التاسع من أحكام الخلوة بالسند المتقدّم، عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1،

الحديث 1.

(2) الوافي 6: 366/ 4478.

(3) الوافي 6: 365/ 4478.

(4) وسائل الشيعة 1: 372، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 4، الحديث 1.

(5) الفقيه 1: 22/ 67.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 363

أبي جعفر (عليه السّلام) أيضاً قال: «لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار؛ بذلك جرت السنّة من رسول اللّٰه، و أمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله» «1».

فيحتمل أن تكون الرواية واحدة، هي هكذا: «إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة، و لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ..» إلىٰ آخره، فيكون الذيل قرينة علىٰ أنّ المراد من «الطهور» هو الطهور من الخبث، و قد جزّأها المحدّثون و النقَلة على الأبواب. و يمكن دعوى الإطلاق في صدرها للطهورين؛ و إن كان الذيل يناسب ما ذكر.

و يحتمل كونها روايتين أو ثلاثاً، كما هو الظاهر من محكي «التهذيب» و «الفقيه» و مع ذلك فاختصاص الطهور بالوضوء و أخويه، بعيد و لو بلحاظ ذيل الصحيحة.

فحينئذٍ مقتضىٰ إطلاقها تحكيمها علىٰ أدلّة اشتراط الطهارة من الخبث، مع أنّه مخالف للنصّ و الفتوىٰ، فيشكل الأمر من جهة أنّ ورود التقييد علىٰ مثل قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» مشكل؛ لاستهجانه عرفاً، فلا بدّ في رفعه من الالتزام بأنّها مخصوصة بموارد بطلان الصلاة مع الخبثية، و معه يشكل التشبّث بها و تحكيمها علىٰ مثل

قوله: «الصلاة لا تترك بحال».

لكن ذلك لا يوجب التوقّف في أصل المسألة؛ لإطلاق أدلّة الشرط، كالآية الكريمة و عدم إطلاق في أدلّة تشريع الصلاة كتاباً و سنّة فالأقوىٰ عدم وجوب الأداء.

و أمّا وجوب الذكر عليه مقدار الصلاة، و الاكتفاء به عن الأداء و القضاء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 315،

كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 364

كما حكي عن رسالة المفيد إلىٰ ولده «4» و عن أبي العبّاس في صلاة «الموجز» و الصيمري في طهارة «كشف الالتباس» «5» فلم نعثر علىٰ مستنده، بل و لا مستند استحبابه بالخصوص.

حول سقوط القضاء عن فاقد الطهورين

فهل يجب عليه القضاء عند ارتفاع العذر بعد الوقت؟

قيل: نعم «1»، و في «الجواهر»: «أنّه الأشهر بين المتقدّمين و المتأخّرين» «2» و عن «كشف الالتباس»: «أنّه المشهور» «3» لعمومِ ما دلّ عليه،

كقوله: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» «8».

و

قولِه في النبويّ المشهور كما في «الرياض»: «من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها، فذلك وقتها» «9»

و حكاه في «المنتهىٰ» مع سقوط قوله: «فذلك وقتها» «10».

و الأخبار المستفيضة من طريق الخاصّة في الأبواب المتفرّقة،

كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال: «أربع صلوات يصلّيها الرجل في

______________________________

(4) انظر السرائر 1: 353، مختلف الشيعة 2: 458، المسألة 319.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 537/ السطر 28، كشف الالتباس: 204 (مخطوط).

(1) انظر شرائع الإسلام 1: 41.

(2) جواهر الكلام 5: 233.

(3) كشف الالتباس: 203 (مخطوط).

(8) عوالي اللآلي 2: 54/ 143، و راجع وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.

(9) رياض المسائل 4: 271.

(10) منتهى المطلب 1: 420/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 365

كلّ ساعة: صلاة فاتتك فمتىٰ ذكرتها أدّيتها ..» «1» إلىٰ آخره.

و

صحيحة الحلبي قال: سُئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل فاتته صلاة النهار، متى يقضيها؟ قال: «متى شاء» «2»

و مثلهما غيرهما.

و

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام): «و متىٰ ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها»

«3».

و

صحيحته الأُخرىٰ عنه: سئل عن رجل صلّىٰ بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلّها، أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها» «4» ..

إلىٰ غير ذلك.

و دعوىٰ تبعيّة القضاء للأداء، غير مسموعة. مع إمكان أن يقال: إنّ الأداء فريضة؛ إمّا بدعوىٰ صيرورة «الفريضة» اسماً لتلك الصلوات، لا وصفاً لها، كما احتمله الشهيد «5»، و إمّا بدعوىٰ: أنّها فريضة فعلًا و إن كان المكلّف معذوراً في تركها، كما ذكرناه في محلّه «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 278/ 1265، وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 452/ 6، تهذيب الأحكام 2: 163/ 639، وسائل الشيعة 4: 241، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 7.

(3) الكافي 3: 291/ 1، تهذيب الأحكام 3: 158/ 340، وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 2: 266/ 1059، وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 1.

(5) روض الجنان: 128/ السطر 26.

(6) مناهج الوصول 2: 26 28، تهذيب الأُصول 1: 309.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 366

كدعوىٰ عدم صدق الفوت؛ ضرورة صدقه عرفاً مع فوات المصلحة، فضلًا عمّا قلنا من فعلية الفريضة.

لكن الأشبه مع ذلك عدم وجوبه؛ وفاقاً للمحقّق و العلّامة و الكركي و غيرهم «1» للأصل بعد عدم إطلاق أو عموم يمكن الركون إليه، سيّما في مثل الفرض الذي هو نادر الوجود بحيث يلحق بالعدم:

أمّا النبويان، فمع عدم جبر سندهما بعد عدم ثبوت اتكال الأصحاب عليهما في أبواب القضاء، مع وجود روايات كثيرة من طرقنا «2» يحتمل اتكالهم عليها أنّهما في مقام بيان حكم آخر.

أمّا

الأوّل منهما ففي مقام بيان كيفية القضاء؛ إن قصراً فقصراً، و إن تماماً فتماماً. كما أنّ الأمر كذلك في طائفة من رواياتنا، مثل

صحيحة زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر، فذكرها في الحضر، قال: «يقضي ما فاته كما فاته؛ إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» «3»

فهي كالتفسير للنبوي المتقدّم الأوّل، و تكون في مقام بيان حكم آخر، فلا إطلاق لها و لا للنبوي المفسّر بها.

و أمّا النبويّ الثاني، فمضافاً إلى احتمال اختصاصه بالناسي، كما يشعر به قوله: «إذا ذكرها» ففي مقام بيان جواز إتيان القضاء بلا كراهية في أيّ وقت من

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 41، تذكرة الفقهاء 2: 184، جامع المقاصد 1: 486 487، إيضاح الفوائد 1: 69.

(2) راجع وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1 و 2 و 6.

(3) الكافي 3: 435/ 7، تهذيب الأحكام 3: 162/ 350، وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 367

الأوقات، فهو كطائفة أُخرى من رواياتنا، كالصحاح المتقدّمة.

و ممّا ذكرنا يظهر الكلام في الروايات التي هي من طرقنا، فإنّها جميعاً في مقام بيان أحكام أُخر لا إطلاق في واحد منها، كما يظهر بالنظر فيها.

و دعوىٰ: أنّه يفهم منها و لو بملاحظة المجموع أنّ وجوب قضاء الفرائض علىٰ من لم يأتِ بها في وقتها، كان من الأُمور المعهودة لديهم «1»، غير مفيدة؛ لأنّ معهوديته في الجملة ضرورية، و لزومه في الجملة منصوص عليه، لكن لا يثبت بها الحكم في الموارد المشكوك فيها.

و

إن رجعت الدعوىٰ إلىٰ معهودية القضاء مطلقاً حتّى في مثل المقام، فهي فاسدة جدّاً.

و بالجملة: لا يثبت بتلك الروايات إلّا المعهودية في الجملة، و هي غير مفيدة، و ما هي مفيدة غير ثابتة بها، خصوصاً في مثل فاقد الطهورين الذي تنصرف عنه الأذهان؛ لغاية ندرته، بل هو من الفروع التي أبداها الفقهاء، و لم يكن معهوداً.

بل يمكن التشبّث لسقوط القضاء بالتعليل الوارد في المغمىٰ عليه:

بأنّه «كلّ ما غلب اللّٰه عليه فاللّٰه أولىٰ بالعذر» «2».

إلّا أن يقال: إنّ الأخذ بهذا العموم مشكل؛ لورود تخصيصات كثيرة عليه.

و الإنصاف: أنّ القواعد و إن تقتضي سقوطه، إلّا أنّ الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 504/ السطر 23.

(2) الفقيه 1: 237/ 1042، وسائل الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 368

الأحوط ترك الصلاة مع فقدان الطهورين

لكن ينبغي الاحتياط بترك الصلاة مع فقدان الطهورين؛ لاحتمال الحرمة النفسيّة في الدخول فيها جنباً، بل و من غير وضوء؛ لقوله تعالىٰ لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ حَتّٰى تَعْلَمُوا مٰا تَقُولُونَ وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «1».

بناءً علىٰ أنّ المراد من الصَّلَاةَ نفسها لا محالّها، كما هو الأظهر في الآية. و لا ينافيه قوله إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ لأنّه إشارة ظاهراً إلى المسافر الفاقد الذي يأتي حكمه في ذيلها، و لا يكون ذلك تكراراً بشيعاً حتّى يكون قرينة علىٰ إرادة محالّها، بل هو من قبيل الإجمال و التفصيل، و هو من فنون البلاغة.

و الظاهر من التعبير ب لٰا تَقْرَبُوا هو الحرمة الذاتية، و ليس سبيلها سبيل النواهي في المركّبات التي تكون ظاهرة في الإرشاد إلى المانعية؛ للفرق بين قوله: «لا

تصلّ جنباً»

و «لاتصلّ في وَبَر ما لا يُؤكل» «2»

و بين قوله لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ .. جُنُباً فإنّ سبيله سبيل قوله لٰا تَقْرَبُوا الزِّنىٰ «3» و لٰا تَقْرَبُوا الْفَوٰاحِشَ «4» و لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ «5» ممّا هي ظاهرة في مبغوضية الارتكاب و أهمّية الموضوع.

______________________________

(1) النساء (4): 43.

(2) انظر وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.

(3) الإسراء (17): 32.

(4) الأنعام (6): 151.

(5) البقرة (2): 222.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 369

و لرواية

مسعدة بن صدقة الموثّقة على الأصحّ «1»، و فيها: فقال جعفر بن محمّد (عليه السّلام): «سبحان اللّٰه، أ فما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً؟!» «2».

و

صحيحة صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «اقعِدَ رجل من الأحبار في قبره، فقيل له: إنّا جالدوك مائة جلدة من عذاب اللّٰه ..» إلىٰ أن قال: «فقال: لِمَ تجلدونيها؟ قالوا: نجلدك أنّك صلّيت يوماً بغير وضوء» «3».

فإنّ الظاهر منها أنّ الجلدة لم تكن لترك الصلاة، بل لإتيانها بغير وضوء، و ليست الحرمة النفسية ببعيدة بعد وقوع نظيرها في العبادات، كصلاة الحائض.

نعم، وردت رواية صحيحة من زرارة «4» يظهر منها أنّ المراد من قوله تعالىٰ وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ هو المساجد.

و كيف كان: فالاحتياط في ترك الاحتياط بإتيانها جنباً و من غير طهور.

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 355، الهامش 1.

(2) تقدّمت في الصفحة 355.

(3) الفقيه 1: 35/ 130، علل الشرائع: 309/ 1، عقاب الأعمال: 267/ 1، وسائل الشيعة 1: 368، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 2، الحديث 2.

(4) علل الشرائع: 288/ 1، وسائل الشيعة 2: 207، كتاب الطهارة، أبواب

الجنابة، الباب 15، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 370

الأمر الخامس في حكم المتيمّم إذا وجد الماء
حكم وجدان الماء قبل الدخول في الصلاة

إذا وجد المتيمّم الماء قبل دخوله في الصلاة، انتقض تيمّمه بلا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2». و المراد من الوجدان هو التمكّن من استعماله عقلًا و شرعاً، كما هو المحكي عن ظاهر معقد إجماع «التذكرة» أو صريحه «3»، و صريح معقد إجماع «المعتبر» و «الذكرى» «4» بل هو المتفاهم من جميع روايات الباب، كما قلنا في الآية الشريفة «5»: إنّ المراد من عدم الوجدان هو عدم وجدان ما يُغتسل أو يُتوضّأ به.

و الإصابة و الوجدان في تلك الروايات و إن لم تكن مقرونة بما

في رواية

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19.

(2) المقنعة: 61، المبسوط 1: 33، النهاية: 48، شرائع الإسلام 1: 42.

(3) انظر جواهر الكلام 5: 235، تذكرة الفقهاء 2: 207.

(4) المعتبر 1: 399، ذكرى الشيعة 2: 275.

(5) تقدّم في الصفحة 42.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 371

العيّاشي: «و كان يقدر عليه» «1»

و نحوه، كانت ظاهرة في الإصابة و الوجدان علىٰ نحو يتمكّن من رفع احتياجه به.

و كونُ الإصابة مطلقاً موجبة للتعبّد بانتقاض التيمّم حتّى يقال بالانتقاض مع إصابة ماء قليل لا يكفي للوضوء أو الغسل، أو كان مغصوباً مع كفايته بعيدٌ جدّاً، بل مقطوع الفساد، فضلًا عن مقارنة الروايات بما يجعلها كالصريح في المقصود،

كقوله في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام): و يصلّي بتيمّم واحد صلاة الليل و النهار؟ قال: «نعم، ما لم يحدث أو يصب ماءً».

قلت: فإن أصاب الماء، و رجا أن يقدر علىٰ ماء آخر، و ظنّ أنّه يقدر عليه كلّما أراد، فعسر ذلك عليه؟

قال: «ينقض ذلك تيمّمه، و عليه أن يعيد التيمّم ..» «2» إلىٰ آخره.

حيث يظهر من قوله: «قلت: فإن أصاب ..» إلىٰ آخره، أنّه فهم من إصابة الماء في قول أبي جعفر (عليه السّلام)، هو إصابة ما يقدر على استعماله، كما هو واضح بأدنى تأمّل.

و

كمرسلة العامري، قال فيها: «فإنّ تيمّمه الأوّل انتقض حين مرّ بالماء و لم يغتسل» «3».

يظهر منها أنّ الانتقاض إنّما هو بالمرور بماء يتمكّن من الاغتسال به و لم يغتسل.

______________________________

(1) تفسير العيّاشي 1: 244/ 143، وسائل الشيعة 3: 378، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 6.

(2) الكافي 3: 63/ 4، تهذيب الأحكام 1: 200/ 580، وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 193/ 557، وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 372

و أظهر منهما

قوله في رواية العيّاشي: «إذا رأى الماء و كان يقدر عليه، انتقض تيمّمه».

فلو وجد الماء في ضيق الوقت الذي هو فيه مأمور بحسب ما استظهرناه من الروايات بالتيمّم لم ينتقض تيمّمه، فلو فقد حين الصلاة أو بعدها بلا مهلة لم يجب عليه تجديده.

ثمّ إنّ الأخبار و إن وردت في وجدان الماء، لكن يظهر منها بإلغاء الخصوصيّة حال رفع سائر الأعذار، كما هو ظاهر.

و لا فرق في وجدان الماء و رفع العذر بين ما قبل دخول الوقت و ما بعده؛ سواء قلنا بجواز الوضوء و الغسل للصلاة قبل الوقت، كما هو الأقوىٰ، أو لا؛ لإطلاق الروايات و حصول القدرة و لو لغاية أُخرى. و قد مرّ حكم من وجد بعد الفراغ منها «3».

حكم وجدان الماء في أثناء الصلاة

و إن وجد

في الأثناء ففيه أقوال خمسة أو ستّة، لكن العمدة منها قولان:

أحدهما: أنّه يقطع ما لم يركع، و هو المحكي عن «مقنع الصدوق» أو «فقيهة» «4» و «مصباح السيّد» «5» و «جمله» «6» و «شرح الرسالة» «7» و الجُعفي «8»

______________________________

(3) تقدّم في الصفحة 347.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 558/ السطر 21، المقنع: 26، الفقيه 1: 58، ذيل الحديث 5.

(5) انظر منتهى المطلب 1: 154/ السطر 31.

(6) جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 26.

(7) انظر مدارك الأحكام 2: 245.

(8) انظر ذكرى الشيعة 2: 276.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 373

و الحسن بن عيسى «1» و عن «النهاية» و «مجمع البرهان» و «المفاتيح» و شرحه «2»، و رسالة صاحب «المعالم» و شرحها «3» و قد بالغ في تشييده المحقّق صاحب «الجواهر» بما لا مزيد عليه «4».

ثانيهما: أنّه يمضي بعد التلبّس بتكبيرة الإحرام، و هو المحكي عن رسالتي عليّ بن بابويه و السيّد «5» و «المقنعة» و «الخلاف» و «المبسوط» و «الغنية» و «السرائر» «6» و كتب المحقّق «7» و العلّامة «8» و غيرهم «9» و هو المشهور، كما عن «جامع المقاصد» و «المسالك» و «روض الجنان» و «مجمع البرهان» «10» بل عن «السرائر» الإجماع عليه في بحث الحيض و الاستحاضة «11».

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 275.

(2) النهاية: 48، مجمع الفائدة و البرهان 1: 239 240، مفاتيح الشرائع 1: 64، مصابيح الظلام 1: 424 425 (مخطوط).

(3) انظر مفتاح الكرامة 1: 558/ السطر 22.

(4) جواهر الكلام 5: 240 243.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 558/ السطر 12، المعتبر 1: 400.

(6) المقنعة: 61، الخلاف 1: 141، المبسوط 1: 33، غنية النزوع 1: 64، السرائر 1:

140.

(7) شرائع الإسلام 1: 42، المختصر النافع: 17، المعتبر 1: 400.

(8) إرشاد الأذهان 1: 234، قواعد الأحكام 1: 23/ السطر 20، تحرير الأحكام 1: 22/ السطر 25.

(9) كشف الرموز 1: 105، الروضة البهيّة 1: 462، رياض المسائل 2: 334 335.

(10) جامع المقاصد 1: 508، مسالك الأفهام 1: 116، روض الجنان: 129/ السطر 23 و 26، مجمع الفائدة و البرهان 1: 239.

(11) السرائر 1: 153.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 374

لا للأصل أو الأُصول أو أدلّة التنزيل و البدلية «1»، و كفاية عشر سنين «2» و النهي عن إبطال العمل كتاباً «3» و سنّة عن الانصراف حتّى يسمع الصوت و يجد الريح «4» .. إلىٰ غير ذلك ممّا يطول ذكرها «5»؛ لقطع ذلك كلّه بإطلاق أدلّة بطلانه بوجدان الماء و إصابته؛ ممّا قد مرّ بعضها «6».

و دعوى الانصراف إلىٰ ما لم يشرع في المقصود، في غير محلّها، كدعوىٰ عدم إطلاقها، لكون القدر المتيقّن بعد ما حرّر في مقامه من عدم إضراره بالإطلاق «7»، سيّما أمثال ذلك ممّا يقطع بعدم الإضرار به.

و لا للشهرة و الإجماع المنقولين؛ لعدم حجّيتهما في مثل هذه المسألة التي نقطع بكون المدرك هو النصوص الموجودة، بل عدم ثبوتهما، خصوصاً الثاني بعد خماسيتها قولًا أو سداسيتها، و ذهاب من تقدّم و غيرهم إلى التفصيل.

بل لعدم دليل صالح للركون إليه للقول بالتفصيل:

بطلان أدلّة القول بالتفصيل

أمّا

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها قلت: إن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة؟ قال: «فلينصرف فليتوضّأ ما لم يركع، و إن كان قد ركع

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23.

(2) وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب

التيمّم، الباب 14، الحديث 12.

(3) في قوله تعالىٰ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ محمّد (47): 33.

(4) دعائم الإسلام 1: 190 191، مستدرك الوسائل 5: 406، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 7.

(5) انظر جواهر الكلام 5: 239.

(6) تقدّم في الصفحة 371.

(7) مناهج الوصول 2: 327 328، تهذيب الأُصول 1: 533 534.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 375

فليمض في صلاته؛ فإنّ التيمّم أحد الطهورين» «1».

فلأنّ حمل الأمر بالانصراف و التوضّي قبل الركوع على الوجوب و الإرشاد العقلي إلىٰ بطلان التيمّم قبل الركوع كحمل الأمر بالمضي على الإرشاد إلى الصحّة بعد الركوع، كما هو الشأن في مثل تلك الأوامر غير مناسب مع التعليل بأنّ التراب أحد الطهورين؛ فإنّ العلّة المشتركة بين ما قبل الدخول في الركوع و ما بعده، لا تناسب التفصيل، بل قاطعة له، هذا نظير أن يقال: «اشرب الخمر، و لا تشرب النبيذ؛ فإنّه مسكر» مع كون المسكرية مشتركة بينهما.

ففي المقام لو كانت العلّة للمضي كون التراب أحد الطهورين فقط كما هو الظاهر، لم يكن للتفصيل وجه، و لو كان التفصيل إلزامياً حتّى يستفاد منه ما تقدّم، كان عليه أن يعلّل بأنّ حرمة الركوع مثلًا مانعة عن نقض الطهور، فلا بدّ من حمل الأمر بالانصراف و التوضّي على الاستحباب؛ و الأخذ بعموم التعليل لصحّة الصلاة مطلقاً، أو رفع اليد عن التعليل بلا جهة موجبة، و الأوّل متعيّن، فتكون الصحيحة من أدلّة القول المنصور.

و لعلّه لذلك لم يجعلها المحقّق في «المعتبر» دليلًا على القول بالتفصيل، مع كونها بمنظر منه، فقال: «فإن احتجّ الشيخ بالروايات الدالّة على الرجوع ما لم يركع، فالجواب عنه: أنّ أصلها عبد اللّٰه بن عاصم فهي في التحقيق رواية

واحدة و يعارضها روايتنا، و هي أرجح من وجوه، أحدها: أنّ محمّد بن حُمران أشهر في العدالة و العلم من عبد اللّٰه بن عاصم، و الأعدل مقدّم» «2» انتهىٰ.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 375

______________________________

(1) الكافي 3: 63/ 4، تهذيب الأحكام 1: 200/ 580، وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(2) المعتبر 1: 400.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 376

و نسبة المحقّق إلى الغفلة عن صحيحة زرارة «1»، كأنّها غفلة.

و أمّا رواية عبد اللّٰه بن عاصم، فهي منقولة من طريق الكليني إليه «2»، و في طريقه المعلّى بن محمّد الذي قال النجاشي فيه: «إنّه مضطرب الحديث و المذهب، و كتبه قريبة» «3».

و ذكره العلّامة في القسم الثاني من محكي «الخلاصة» و وصفه باضطراب الحديث و المذهب «4».

و عن ابن الغضائري: «يعرف حديثه و ينكر، و يروي عن الضعفاء، و يجوز أن يخرَّج شاهداً» «5».

و عن الوجيزة: «أنّه ضعيف» «6».

نعم، قد يقال: إنّه شيخ إجازة، و هو يُغنيه عن التوثيق، و لأجله صحّح حديثه بعضهم «7».

و فيه: أنّ كونه شيخ إجازة غير ثابت، و غناء كلّ شيخِ إجازةٍ عن التوثيق أيضاً غير ثابت.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 4: 382، جواهر الكلام 5: 242.

(2)

رواها الكليني، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن عبد اللّٰه بن عاصم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل لا يجد الماء فيتيمّم و يقيم في الصلاة فجاء

الغلام فقال: هو ذا الماء، فقال: إن كان لم يركع فلينصرف و ليتوضّأ و إن كان قد ركع فليمض في صلاته.

الكافي 3: 64/ 5.

(3) رجال النجاشي: 418/ 1117.

(4) رجال العلّامة الحلّي: 259/ 2.

(5) انظر مجمع الرجال 6: 113، تنقيح المقال 3: 233/ السطر 19 (أبواب الميم).

(6) انظر تنقيح المقال 3: 233/ السطر 20 (أبواب الميم)، الوجيزة، المجلسي: 324.

(7) تنقيح المقال 3: 233/ السطر 21 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 377

و من طريق الشيخ إليه تارة: بسند فيه الحسن بن الحسين اللؤلؤي «1» و قد ضعّفه الصدوق «2» و استثناه شيخه ابن الوليد من روايات محمّد بن أحمد بن يحيىٰ و نقل النجاشي استثناء ابن الوليد، ثمّ قال: «قال أبو العبّاس بن نوح: قد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه، و تبعه أبو جعفر بن بابويه علىٰ ذلك، إلّا في محمّد بن عيسىٰ بن عبيد فلا أدري ما رأيه فيه؛ لأنّه كان علىٰ ظاهر العدالة و الثقة» «3».

أقول: يظهر من استثناء أبي العبّاس أنّ استثناء ابن الوليد، إنّما هو لضعف في الرجال نفسهم، نعم وثّقه النجاشي «4»، لكن سكت عند نقل عبارة ابن نوح، و لعلّه لرضاه بما ذكره. و كيف كان يشكل الاتكال علىٰ توثيقه بعد تضعيف الصدوق و شيخه ظاهراً و ابن نوح. و احتمال كون تضعيف الصدوق لاتباع ابن الوليد و إن كان قريباً، لكن يؤيّد ذلك بل يدلّ علىٰ أنّ ابن الوليد إنّما ضعّف الرجال نفسهم، و هو مع تقدّم عصره عن النجاشي، و قول الصدوق فيه ما قال لا يقصر عن قول النجاشي لو لم يقدّم عليه.

و أُخرى: بسند

فيه القاسم بن محمّد الجوهري «5» و هو واقفي غير موثّق «6».

______________________________

(1) رواها الشيخ في التهذيب و الاستبصار بإسناده، عن محمد بن عليّ بن محبوب، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن جعفر بن بشير.

تهذيب الأحكام 1: 204/ 593، الاستبصار 1: 167/ 578.

(2) انظر رجال الطوسي: 424/ 45.

(3) رجال النجاشي: 348/ 939.

(4) رجال النجاشي: 40/ 83.

(5) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن أبان بن عثمان جميعاً، عن عبد اللّٰه بن عاصم. تهذيب الأحكام 1: 204/ 592.

(6) رجال النجاشي: 315/ 862، رجال الطوسي: 342/ 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 378

و أمّا عبد اللّٰه بن عاصم فهو مهمل في كتب الرجال، كما عن «الذخيرة»: «أنّ عبد اللّٰه بن عاصم غير مذكور في كتب الرجال، لكن يظهر ممّا سننقل من كلام المحقّق توثيقه» «1» انتهىٰ.

و العبارة المشار إليها هي ما في «المعتبر» في مسألتنا هذه، قال: «و هي أي رواية محمّد بن حُمران أرجح من وجوه؛ أحدها: أنّ محمّد بن حُمران أشهر في العدالة و العلم من عبد اللّٰه بن عاصم، و الأعدل مقدّم» «2» انتهىٰ.

لكن المحقّق لم يوثّقه بنفسه، و لم يعدّله، بل يظهر منه أشهرية عدالته من ابن حمران «3»، و هي شهرة منقولة بعدالته علىٰ إشكال، لا وثاقته، و حجّية مثلها مع إهمال الرجل في كتب الرجال المعدّة لذلك محلّ إشكال، بل منع، سيّما مع كون الوثاقة غير العلم و العدالة.

و الإنصاف: أنّ الركون إلىٰ مثل هذه الرواية مع ما عرفت، و مع الغضّ عن سائر الروايات مشكل، بل غير جائز. نعم مع الغضّ عن سندها لا إشكال في دلالتها علىٰ مذهب المفصّل.

الوجه في المضيّ بعد التلبّس بتكبيرة الإحرام

لكن

بإزائها مضافاً إلىٰ صحيحة زرارة المتقدّمة بالتقريب المتقدّم

صحيحة أُخرى عنه و عن محمّد بن مسلم، قال: قلت في رجل لم يصب الماء، و حضرت الصلاة، فتيمّم و صلّى ركعتين، ثمّ أصاب الماء: أ ينقض الركعتين أو يقطعهما و يتوضّأ، ثمّ يصلّي؟

______________________________

(1) ذخيرة المعاد: 108/ السطر 13.

(2) المعتبر 1: 400.

(3) هكذا في النسخة المخطوطة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 379

قال: «لا، و لكنّه يمضي في صلاته، و لا ينقضهما؛ لمكان أنّه دخلها و هو علىٰ طهر بتيمّم» «2».

تدلّ علىٰ أنّ تمام العلّة لعدم النقض و المضي، دخوله فيها و هو علىٰ طهر بتيمّم.

و حمل الدخول فيها على الدخول في الركوع، و تقييد التعليل بالدخول فيه، طرحها في الحقيقة، لا جمع بينها و بين رواية عبد اللّٰه علىٰ فرض تسليم سندها، فإنّ معنىٰ «دخلها» أي شرع فيها، و لا يكون صادقاً على الدخول في الركوع و مطلقاً قابلًا للتقييد؛ لوضوح الفرق بين هذا التعبير و بين أن يقال: «إنّه داخل في الصلاة» فإنّ الأوّل لا يصدق إلّا علىٰ أوّل الجزء و حال الشروع، بخلاف الثاني.

و رواية محمّد بن حُمران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) التي لا يبعد أن تكون صحيحة؛ لقرب احتمال أن يكون محمّد بن سَماعة الواقع في سندها هو الحضرمي الثقة؛ لقيام شواهد عليه، كما يظهر من ترجمته و ترجمة ابنه جعفر بن محمّد بن سماعة و قرب احتمال أن يكون محمّد بن حمران هو النهدي الثقة؛ بقرينة رواية محمّد بن سماعة عنه «3». و لو كان ابن أعين يكون ممدوحاً؛ لكونه من مشايخ ابن أبي عمير؛ لحديث في المجلس الثاني من مجالس الصدوق: «أنّ محمّد بن أبي عمير

قال: حدّثني جماعة من مشايخنا» و عدّ منهم محمّد بن حمران «4»، تأمّل. و يشهد بكونه النهدي قول المحقّق: «إنّه أشهر في

______________________________

(2) تهذيب الأحكام 1: 205/ 595، وسائل الشيعة 3: 382، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 4.

(3) رجال النجاشي: 119/ 305، و 329/ 890.

(4) أمالي الصدوق: 15/ 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 380

العلم و العدالة من عبد اللّٰه بن عاصم» «1» و من كان كذلك هو

النهدي قال: قلت له: رجل تيمّم، ثمّ دخل في الصلاة، و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه، ثمّ يؤتىٰ بالماء حين يدخل في الصلاة، قال: «يمضي في الصلاة، و اعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت» «2».

و هي كالنصّ في أنّ الإتيان بالماء في أوّل الشروع في الصلاة؛ لقوله: «حين يدخل» فإنّ حين الدخول أوّل وقته، فإذا أُضيف إلىٰ فعل المضارع صار كالنصّ فيه، و إذا أُضيف إلىٰ ذلك إعادته بعد قوله: «ثمّ دخل في الصلاة» مع عدم الاحتياج إلى التكرار إن كان المراد مطلق الدخول يؤكّد ذلك؛ لأنّ الظاهر أنّه لإفادة زائدة؛ و هي بيان أنّ الإتيان به إنّما هو في أوّل الشروع فيها.

و حملها علىٰ ما بعد الدخول في الركوع طرح لها جزماً، لا جمع بينها و بين رواية عبد اللّٰه، و لهذا قال المحقّق في مقام ترجيحها علىٰ رواية عبد اللّٰه: «إنّ مع العمل برواية محمّد، يمكن العمل برواية عبد اللّٰه بالتنزيل على الاستحباب، و لو عمل بروايته لم يكن لرواية محمّد محمل» «3» انتهىٰ، مع أنّ حمل المطلق على المقيّد من أوضح المحامل عندهم.

و الإنصاف: أنّ الجمع بين الروايات بحمل الأمر بالمضيّ

قبل الركوع على الاستحباب متعيّن لا غبار فيه، و لم نترقّب من المحقّق صاحب «الجواهر» ارتكاب ما ارتكبه في هذه المسألة الواضحة المأخذ بما لا ينقضي العجب منه؛ من التمسّك بما لا ينبغي التمسّك به، و حمل الروايات علىٰ ما لا ينبغي الحمل

______________________________

(1) المعتبر 1: 400.

(2) تهذيب الأحكام 1: 203/ 590، وسائل الشيعة 3: 382، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 3.

(3) المعتبر 1: 401.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 381

عليه؛ ممّا يطول الكلام لو تعرّضنا لموارد النظر في كلامه! و أعجب منه أنّه خالف المشهور مع تصديقه بتحصيل الشهرة، مع أنّ بناءه على اتباعها و ارتكاب التأويل في الأدلّة المخالفة لها كيف كانت، و في المقام خالفها، و ارتكب التأويلات الغريبة في أدلّتها الظاهرة الدلالة على المذهب المشهور!! «1» فراجع.

حول ما عن «التذكرة» من استحباب الاستئناف مطلقاً

ثمّ إنّه حكىٰ عن «التذكرة» استحباب الاستئناف مطلقاً «2»، و لعلّه

لرواية الصيقل، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل تيمّم، ثمّ قام يصلّي، فمرّ به نهر و قد صلّىٰ ركعة، قال: «فليغتسل و ليستقبل الصلاة».

قلت: إنّه قد صلّىٰ صلاته كلّها، قال: «لا يعيد» «3».

بل يمكن أن يقال باستحباب الإعادة مطلقاً حتّى بعد الصلاة؛ لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدّمة الآمرة بالإعادة بعد الصلاة إذا أمن البرد «4». و يحتمل أن تكون للاستحباب مراتب بحسب حالات ما قبل الركوع، و ما بعده، و ما بعد الصلاة.

و ربّما يقال بالتنافي بين رواية الصيقل و ما دلّت علىٰ وجوب المضيّ خصوصاً ما فصّلت بين ما قبل الركوع و ما بعده «5»، و دعوىٰ قصور الأخبار عن

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 238.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 211.

(3) تهذيب الأحكام 1: 406/

1277، وسائل الشيعة 3: 383، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 6.

(4) تقدّمت في الصفحة 335 و 350.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 382

إفادة وجوب المضي لكون الأوامر فيها في مقام توهّم الحظر غير مسموعة بعد مغروسية حرمة قطع الصلاة، و كون النقض منافياً لاحترامها في أذهان المتشرّعة «1».

و فيه: أنّ الأوامر الواردة في ذلك المضمار، لا يستفاد منها إلّا الإرشاد إلىٰ صحّة العمل، و لهذا لا يجوز التمسّك بمثلها علىٰ حرمة القطع، كما ترى معروفية عدم الدليل علىٰ حرمته إلّا الإجماع «2» مع أنّ أمثال هذه الروايات كثيرة، و ليس ذلك إلّا لعدم دلالتها علىٰ وجوب المضي، فمع إرشاديتها إلىٰ صحّة العمل و عدم انتقاض التيمّم، لا مانع من الجمع بينها و بين الأمر بالإعادة بحمله على الاستحباب.

و دعوىٰ مغروسية حرمة القطع في أذهان المتشرّعة في زمان صدور الروايات بل مطلقاً، غير ثابتة، خصوصاً في مثل المقام الذي يمكن أن يقال فيه بارتكازية وجوب الاستئناف؛ لكون التيمّم طهارة اضطرارية.

و لو لا ضعف الرواية «3»، و عدم إمكان التشبّث بالتسامح في أدلّة السنن في مثل المقام الذي هو مظنّة الإجماع علىٰ حرمة القطع لكان القول بالاستحباب غير بعيد. إلّا أن ينكر الإجماع بدعوىٰ: أنّ القدر المتيقّن منه في غير مثل المورد، لكن الأحوط عدم القطع.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 506/ السطر 29.

(2) الحدائق الناضرة 4: 383، جواهر الكلام 5: 241.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن الحسين بن أبي العلاء، عن المثنى، عن الحسن، عن الصيقلي. و

الرواية ضعيفة بموسى بن سعدان.

رجال النجاشي: 404/ 1072.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 383

و أمّا توهّم التنافي بين استحباب الانصراف قبل الركوع و بقاء التيمّم مع عدم العذر و وجدان الماء «1»، ففي غاية السقوط بعد وجود الأدلّة الصحيحة المعمول عليها.

عدم الفرق بين الفريضة و النافلة

ثمّ إنّه هل يختصّ الحكم بصحّة الصلاة مع الدخول فيها بتيمّم بالفرائض اليومية، أو يعمّ مطلق الفرائض، أو يعمّ النوافل أيضاً، أو يعمّ مطلق المركّبات المشروطة بالطهارة؟

قد يقال «2» بالأوّل لاختصاص الأدلّة بها و انصرافها إليها، و في غيرها يرجع إلىٰ أدلّة نقض التيمّم بوجدان الماء.

و في مقابله احتمال التعميم إلىٰ مطلق المركّبات؛ بدعوى اقتضاء التعليل الوارد في صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم «3» ذلك فإنّه يظهر من قوله: «لمكان أنّه دخلها و هو علىٰ طهر بتيمّم» أنّ تمام العلّة لعدم النقض و المضي، هو وجدان الطهور حال الدخول في العمل؛ من غير دخالة لكونه صلاة فريضة، بل و لا لكونه صلاة، فكما يعمّم العرف من قوله: «لا تشرب الخمر؛ لأنّه مسكر» الحكمَ إلىٰ كلّ مسكر و لو لم يكن خمراً، و لا يعتني بالمورد و لا بالضمير الراجع إليه، كذلك في المقام يستفاد من التعليل أنّ الدخول بتيمّم في كلّ عمل مشروط بالطهارة، يقتضي عدم النقض و صحّة العمل و بقاء الطهور؛ من غير اعتناء بالضمير

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 506/ السطر 20.

(2) جواهر الكلام 5: 247، مصباح الفقيه، الطهارة: 507/ السطر 32.

(3) تقدّمت في الصفحة 378.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 384

الراجع إلى الفريضة أو إلى الصلاة، فإنّه لو كان لها دخالة فيه لما علّل بالدخول و هو علىٰ طهر بتيمّم، بل

كان المناسب التعليل بحرمة القطع و نظائرها.

و بالجملة: هذه الجملة المعلّلة كأشباهها تدلّ علىٰ عموم الحكم، و يلغى المورد و خصوصية الضمير الراجع إليه.

و ممّا ذكرنا يظهر التقريب في تعليل

الصحيحة الأُخرى لزرارة و هو قوله: «فإنّ التيمّم أحد الطهورين» «1»

فإنّ مقتضاه و إن كان الصحّة لو تيمّم صحيحاً و لو كان قبل الدخول، لكن يرفع اليد عنه بالنسبة إلىٰ ما قبل الدخول بالروايات الدالّة علىٰ نقضه إذا وجد الماء «2»، فإنّ الظاهر أو المتيقّن منها هو النقض قبل الدخول في الصلاة، و لو كان فيها إطلاق يرفع اليد عنه بالروايات المتقدّمة، و معه لا يمكن تعميم العلّة حتى بالنسبة إلىٰ ما قبل الدخول، للزوم طرح تلك الروايات، فيبقى العموم في غير موردها، و يعمّم إلىٰ غير الصلاة بالتقريب المتقدّم فنتعدّىٰ إلى الطواف و غيره من غير احتياج إلى التمسّك

بالنبويّ: «الطواف بالبيت صلاة» «3»

حتّى يستشكل في سنده و دلالته أيضاً؛ بدعوىٰ عدم التنزيل من هذه الجهات.

لكن مع ذلك لا يخلو التعميم بهذه السعة من إشكال؛ لاحتمال عدم مساعدة العرف على التعميم إلىٰ غير الصلاة؛ و إن كان إلىٰ مطلق الصلاة فريضة أو نافلة قريباً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 374.

(2) وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19.

(3) عوالي اللآلي 1: 214/ 70، مستدرك الوسائل 9: 410، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 38، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 385

بل دعوى انصراف جميع الروايات إلى الفرائض أو اليوميّة منها، ممنوعة؛ ضرورة أنّ النوافل سيّما الرواتب منها كانت معمولًا بها في تلك الأعصار، و لم تكن كأعصارنا مهجورة ينصرف عنها الأذهان، فمقتضىٰ إطلاق الأدلّة عدم الفرق بين الفريضة و النافلة.

حكم فقدان الماء بعد وجدانه

و لو وُجد الماء في أثناء الصلاة بمقدار يمكن معه الوضوء أو الغسل، و فُقد في الأثناء أو بعدها بلا مهلة، فالأقرب بقاء الطهارة و عدم الاحتياج إلى الإعادة؛ لعدم شمول الروايات الحاكمة بنقض الطهارة بوجدان الماء أو بالقدرة عليه لذلك؛ فإنّ المراد منهما ليس مطلق الوجدان و القدرة عليه، و لذا لو وُجد و كان مغصوباً لا ينتقض به بلا ريب، بل المراد ما يمكن رفع الاحتياج به شرعاً و عقلًا، فينسلك المورد فيما دلّت علىٰ جواز إتيان الصلوات المتعدّدة بتيمّم واحد. و لو نوقش فيه يكفي الأصل بعد حصول الطهور و الشكّ في النقض بعد قصور أدلّته.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 386

قالوا «1»:

الأمر السادس المتيمّم يستبيح ما يستبيحه المتطهّر بالماء
اشارة

و الكلام فيه يقع في مقامين:

المقام الأوّل إنّه لو تيمّم لغاية جاز لأجلها التيمّم، يباح له جميع ما يباح للمتطهّر

فلو تيمّم لصلاة فريضة جاز له فعل النافلة، و مسّ الكتاب، و اجتياز المسجدين، و اللبث في غيرهما، و قراءة العزائم .. إلىٰ غير ذلك، و خالف في ذلك فخر المحقّقين «2».

و التحقيق: أنّ الخلاف في هذه المسألة إنّما يأتي بناءً علىٰ كون التيمّم مبيحاً، أو بناءً على اعتبارية الطهور علىٰ فرض كونه رافعاً؛ لإمكان أن يقال على الفرض الأوّل: إنّه مبيح بالنسبة إلىٰ غاية دون غاية أُخرى، و على الثاني: إنّه اعتبرت الطهورية كذلك بالنسبة إلىٰ غاية دون اخرىٰ.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 42.

(2) إيضاح الفوائد 1: 66 67.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 387

و أمّا على القول بالرفع و كونه طهوراً، و كون الطهور أمراً واقعياً كشف عنه الشارع ككون الحدث قذارة معنوية كشف عنها فلا مجال للنزاع؛ لعدم تعقّل كون العاجز المتيمّم طاهراً من الجنابة أو الحدث الأصغر بالنسبة إلىٰ عمل، و جنباً و محدثاً بالأصغر بالنسبة إلىٰ آخر، فهذا النزاع إنّما يتمشّىٰ بعد الفراغ عن مبيحية التيمّم، و لمّا فرغنا عن كونه طهوراً و رافعاً كما مرّ «1»، فلا يبقى وجه لذلك؛ لضعف احتمال اعتبارية الطهور.

ثمّ إنّه علىٰ فرض المبيحية أيضاً، الأقوىٰ ما عليه المشهور لأدلّة البدلية و المنزلة و لو نوقش في إطلاق بعضها فلا مجال للتشكيك بالنسبة إلىٰ جميعها، كذيل الآية الكريمة «2» فإنّها و إن وردت في الصلاة، لكن يظهر منها بأتمّ ظهور أنّه طهور، و لأجل طهوريته أمر الشارع به للصلاة، فمع حصول الطهور يجوز معه الإتيان بكلّ ما يشترط فيه الطهور و يحتاج إليه.

و القائل بعدم حصول الطهور كما هو المفروض، لا محالة يقول في الآية: أنّه

بمنزلته، فيفهم منه عموم المنزلة؛ لأنّ الذيل بمنزلة التعليل، و كأنّه قال علىٰ هذا المسلك: «لمّا كان التيمّم بمنزلة الطهور تيمّموا».

و كالروايات المتواترة؛

لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في المستفيضة: «جعلتْ لي الأرض مسجداً و طهوراً» «3»

و

قولِه (عليه السّلام): «هو بمنزلة الماء» «4»

و

قولِه (عليه السّلام): «إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «5»

و

قولِه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «يكفيك عشر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 220.

(2) المائدة (5): 6.

(3) وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2 4.

(4) وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 388

سنين» «1»

و

قولِه (عليه السّلام): إنّ «ربّ الماء و ربّ الأرض واحد» «2»

و «إنّه أحد الطهورين» «3»

و «إنّ التيمّم غسل المضطرّ و وضوؤه» «4»

و «إنّه الوضوء التامّ الكامل في وقت الضرورة» «5» ..

إلىٰ غير ذلك ممّا يعلم منها: أنّ التيمّم بمنزلة الوضوء و الغسل في جميع ما لهما من الخواصّ و الآثار.

المقام الثاني إنّه هل يجوز التيمّم لكلّ غاية، أو مخصوص بغايات خاصّة؟
اشارة

يظهر من بعضهم عدم وجوبه إلّا للصلاة أو لها و للخروج من المسجدين «6» أو مع زيادة الطواف «7».

و عن الفخر أنّ والده لا يجوّز التيمّم من الحدث الأكبر للطواف و مسّ كتابة القرآن «8».

و عنه أيضاً عدم مشروعية التيمّم لصوم الجنب و الحائض و المستحاضة «9».

و يظهر من المحقّق الأنصاري نوع تردّد فيه، قال في صومه: «لو لم يتمكّن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 12.

(2) مستدرك الوسائل 2: 548، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم،

الباب 18، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(4) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88.

(5) مستدرك الوسائل 2: 535، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1.

(6) شرائع الإسلام 1: 3، تذكرة الفقهاء 1: 8، جواهر الكلام 5: 252.

(7) قواعد الأحكام 1: 3/ السطر 9، إرشاد الأذهان 1: 221.

(8) انظر كشف اللثام 2: 491، مفتاح الكرامة 1: 556/ السطر 21.

(9) انظر جواهر الكلام 5: 252 253، منتهى المطلب 1: 156 157.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 389

المكلّف من الغسل فهل يجب عليه التيمّم؟ فيه قولان: من عموم المنزلة

في صحيحة حمّاد: «هو بمنزلة الماء»

و

في الروايات: «هو أحد الطهورين»

و هو مذهب المحقّق و الشهيد الثانيين «1»، خلافاً للمحكي عن «المنتهىٰ» «2».

و لعلّه من أنّ المانع هو حدث الجنابة، و التيمّم لا يرفعه، و هو طهور بمنزلة الماء في كلّ ما يجب فيه الغسل، لا ما توقّف علىٰ رفع الجنابة، فالتيمّم يجب في كلّ موضع يجب فيه الغسل، لا فيما يشترط بعدم الجنابة. و يشعر به قوله في صحيحة ابن مسلم: «فإن انتظر ماءً يسخّن أو يستقىٰ فطلع الفجر فلا شي ء عليه» «3» حيث إنّه لم يأمر بالتيمّم ..» إلى أن قال: «فالأحوط التيمّم» «4» انتهىٰ.

و فيه أوّلًا: ما تقدّم «5» من أنّ التيمّم رافع للجنابة في الموضوع الخاصّ، كما هو مقتضى الأدلّة، و قد دفعنا الإشكال العقلي فيما مرّ «6».

و ثانياً: لو فرض عدم رفعها فلا إشكال في أنّ مقتضى الأدلّة رفع مانعيتها، فهو لو لم يكن طهوراً بمنزلته و يقوم مقامه في كلّ ما له من الآثار؛ بمقتضىٰ عموم المنزلة. و إن

شئت قلت: إنّ دليل عموم المنزلة، حاكم علىٰ ما دلّ علىٰ أنّ الجنابة مانعة، أو رفعها شرط.

______________________________

(1) جامع المقاصد 3: 83، مسالك الأفهام 2: 46.

(2) منتهى المطلب 1: 156 157.

(3) الكافي 4: 105/ 2، تهذيب الأحكام 4: 211/ 613، وسائل الشيعة 10: 60، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 14، الحديث 1، و الباب 15، الحديث 3.

(4) الصوم، ضمن تراث الشيخ الأعظم 12: 32 33.

(5) تقدّم في الصفحة 220.

(6) تقدّم في الصفحة 224.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 390

و أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم، فهي عن أحدهما في حديث: أنّه سأله عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان، ثمّ ينام، قال: «إن استيقظ قبل أن يطلع الفجر، فإن انتظر ماءً يسخّن أو يستقىٰ فطلع الفجر، فلا يقضي صومه».

فالظاهر أنّها بصدد بيان حكم آخر؛ و هو حكم طلوع الفجر حال انتظار تسخين الماء أو استقائه، لا لتكليفه عند ضيق الوقت، فالسؤال إنّما هو عن طلوع الفجر فجأة، و هو غير مربوط بالمقام،

كرواية إسماعيل بن عيسىٰ عن الرضا (عليه السّلام)، و فيها قلت: رجل أصابته جنابة في آخر الليل، فقام ليغتسل و لم يصب ماءً، فذهب يطلبه، أو بعث من يأتيه بالماء، فعسر عليه حتّى أصبح، كيف يصنع؟ قال: «يغتسل إذا جاءه، ثمّ يصلّي» «1»

فإنّها أيضاً في مقام بيان حكم آخر، فلا يمكن الاستشهاد عليه بسكوته في مقام البيان؛ لصحّة الصوم مع ترك التيمّم عمداً، كما لا يخفى.

قيام التيمّم مقام الوضوءات المستحبّة

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق المنزلة و عمومها، قيام التيمّم مقام الوضوءات المستحبّة؛ حتّى وضوء الحائض للذكر، و الأغسال المستحبّة حتّى غسل الجمعة.

و الاستشكال في الأوّل: بأنّه غير رافع، و في الثاني بذلك أيضاً؛ بدعوى

«2» انصراف الأدلّة إلى الرافع، سيّما بملاحظة أنّ الحكمة في شرع بعضها

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 210/ 610، وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 14، الحديث 2.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 508/ السطر 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 391

التنظيف «1» مع سكوت روايات غسل الجمعة عن ذكر التيمّم، خصوصاً الروايات المتعرّضة لعدم التمكّن من الغسل يوم الجمعة مع تعرّضها لتقديمه و قضائه يوم السبت «2»، لعلّه في غير محلّه:

أمّا دعوى الانصراف فغير وجيهة، خصوصاً مع حصول نحو طهارة لمطلق الوضوء، بل الغسل، كما

ورد في رواية أصبغ: كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) إذا أراد أن يوبّخ الرجل يقول: «و اللّٰه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة! فإنّه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأُخرىٰ» «3».

و في روايات استحباب الغسل لدخول مكّة «4» ما يُشعر بذلك. بل الظاهر أنّ كلّاً من الغسل و الوضوء ماهية واحدة موجبة لنحو طهارة؛ و إن كانت للطهارة مراتب. و كيف كان لا تتجه دعوى الانصراف.

و أمّا التأييد للانصراف بأنّ الحكمة في شرع بعضها التنظيف، ففيه: أنّ الظاهر من الروايات المشتملة على العلل، أنّ الوضوء و غسل الجنابة و غسل الميّت و غسل مسّه للتنظيف «5»، و معه لا يسوغ دعوى الانصراف.

و أمّا عدم التعرّض له في الروايات الواردة فيمن لا يتمكّن من الغسل،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 315، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 6، الحديث 15.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 319، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 9 و 10.

(3) الكافي 3: 42/ 5، علل الشرائع: 285/ 2، المقنعة: 158، تهذيب الأحكام 3: 9/ 30، وسائل الشيعة 3: 318،

كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 7، الحديث 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 13: 200، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف، الباب 5.

(5) علل الشرائع: 281/ 1 و 300/ 3، وسائل الشيعة 2: 478، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 2، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 392

ففيه: أنّ تلك الروايات واردة فيمن نسي الغسل يوم الجمعة و فوّته، و لم أرَ فيها عاجلًا فرض فقدان الماء إلّا في رواية واحدة «1» و لا يمكن رفع اليد عن إطلاق أدلّة البدلية «2» بمجرّد عدم التعرّض في رواية واحدة.

و أمّا روايات التقديم «3» فلا تشعر بالمقصود؛ لأنّه مع شرعيته لا تبقىٰ للبدلية مجال، تأمّل.

و كيف كان: فالأقوىٰ ما ذكرناه، و الأحوط الإتيان به رجاءً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 113/ 300، وسائل الشيعة 3: 321، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 10، الحديث 3.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 319، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 393

الأمر السابع في حكم اجتماع ميّت و جنب و محدث بالأصغر

إذا اجتمع ميّت و جنب و محدث بالأصغر، و معهم من الماء ما يكفي أحدهم، فإن كان ملكاً لأحدهم اختصّ به، و يحرم علىٰ غيره التصرّف فيه من غير رضاه. فإن كان المالك هو الميّت تعيّن صرفه فيه؛ لأنّه أولىٰ بماء غسله من غيره حتّى وارثه.

و إن كان لغيره فلا يبعد القول بجواز إيثاره علىٰ نفسه، لا لما قيل: «من عدم الدليل علىٰ وجوب حفظه حتّى مع العلم بعدم الإصابة في مثل المورد؛ لأنّ المتيقّن من الأدلّة اللبّية، إنّما هو حرمة تفويت التكليف بإراقة الماء و نحوه ممّا

يعدّ فراراً من التكليف، و أمّا حرمة صرفه في مقاصده العقلائيّة التي من أهمّها احترام موتاهم بتغسيلها فلا» «1» و ذلك لما عرفت في محلّه من دلالة الآية و غيرها علىٰ عدم جواز تعذير العبد نفسه «2»، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المقامات.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 509/ السطر 28.

(2) تقدّم في الصفحة 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 394

و دعوى استفادة الحكم من الأدلّة المتفرّقة في تجويز التيمّم بخوف العطش و لو على الدوابّ «1» و في مورد الدخول في الركية «2» و غيرهما من الموارد «3» في غير محلّها.

كما أنّ دعوى جواز صرف الماء في مطلق المقاصد العقلائية، في غير محلّها.

بل لأنّ العقل الحاكم في مقام الإطاعة و كيفيتها، لا يرى ذلك مخالفة لأمر المولى.

توضيحه: أنّ المولى إذا أمر عبيده بشي ء، كتنظيف بدنهم حين الورود علىٰ محضره؛ بحيث يكون في تنظيف كلّ واحد منهم غرض إلزامي، و لم يوجد ماء كافٍ لجميعهم، و لم يمكن حصول أغراض المولى؛ لقصور الماء، و لم يكن في نظره فرق بين فعل النظافة منه و من غيره، و تركها كذلك، لا يعدّ العقل من آثر غيره علىٰ نفسه بإعطائه ماءه لإطاعة أمر المولى مخالفاً لأمره، بعد كون المولى واحداً، و العبيدِ كلّهم موظّفين بإطاعته.

و بالجملة: بعد كون العبيد لمولىً واحد، و عملهم لتحصيل غرضه، لا يفرّق العقل في مقام المزاحمة و عدم إمكان الجمع بين السقوط منه و من غيره، بل لو آثر غيره علىٰ نفسه لوصوله إلى المثوبة، يكون مأجوراً؛ للإيثار.

و أوضح منه ما إذا كان الماء مباحاً، فإنّ التخلية بينه و بين غيره و إيثاره علىٰ نفسه، حسن عقلًا، و ليس

مخالفاً لأمره؛ بعد أن لا يكون غرضه الإهمال في أمره، و التواني في إطاعته.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 343، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 395

و إن شئت قلت: إنّ حال العبيد بالنسبة إلىٰ إطاعة المولى الواحد في المزاحمة، كعبد واحد بالنسبة إلىٰ تكاليف متعدّدة متساوية في مقام المزاحمة، فكما يحكم العقل بعدم الترجيح في الثاني، يحكم بعدمه في الأوّل.

و ما ذكرناه و إن أمكن أن يكون بعيداً من الأذهان ابتداءً، لكن بالنظر و التأمل في الموالي العرفية و العبيد المأمورين بتحصيل أغراضهم، يرفع الاستبعاد.

و لا يبعد أن تكون الروايات الواردة في الباب، و ترجيح الجنب في مقام الدوران بين رفع الجنابة و رفع الحدث الأصغر و غسل الميّت و ترجيح رفع الحدث الأصغر من جماعة و رفع الجنابة من واحد؛ لأجل ما ذكرناه من اعتبار المكلّفين كأنّهم شخص واحد مأمور بتحصيل غرض المولى، و إلّا فلا وجه للترجيح في التكاليف المتعدّدة و الأشخاص المختلفة؛ لعدم التعارض بينها إلّا باعتبار ما ذكر، تأمّل.

ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران: أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر؛ أحدهم: جنب، و الثاني: ميّت، و الثالث: علىٰ غير وضوء، و حضرت الصلاة، و معهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء، و كيف يصنعون؟

قال: «يغتسل الجنب، و يدفن الميّت بتيمّم، و يتيمّم الذي هو علىٰ غير وضوء؛ لأنّ غسل الجنابة فريضة، و غسل الميّت سنّة، و التيمّم

للآخر جائز» «1».

______________________________

(1) الفقيه 1: 59/ 222، تهذيب الأحكام 1: 109/ 285، وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 396

و قريب منها رواية الحسين بن النضر الأرمني «1» إلّا أنّ فيها فرض ميّت و جنب، و

رواية الحسن التفليسي و في ذيلها: «إذا اجتمعت سُنّة و فريضة بدئ بالفرض» «2».

و

في موثّقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قوم كانوا في سفر، فأصاب بعضهم جنابة، و ليس معهم من الماء إلّا ما يكفي الجنب لغسله، يتوضّأون هم هو أفضل، أو يعطون الجنب فيغتسل و هم لا يتوضّأون؟ فقال: «يتوضّأون هم، و يتيمّم الجنب» «3».

و الظاهر أنّ وقوع المزاحمة و الترجيح بما ذكر، إنّما هو لكون المولى واحداً و العبيد كأنّهم واحد، كما أشرنا إليه تأمّل.

ثمّ إنّ مقتضىٰ ترك الاستفصال في الروايات عدم الفرق بين كون الماء مشتركاً بينهم، أو مختصّاً بأحدهم. كما أنّ الظاهر من التعليل هو كون الترجيح استحبابياً لا إلزامياً، كما يظهر من المحقّق الإجماع عليه «4»، علىٰ تأمّل. لكن

______________________________

(1)

قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميّت و معهم جنب و معهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهما أيّهما يبدأ به؟

قال: يغتسل الجنب، و يترك الميّت؛ لأنّ هذا فريضة و هذا سنّة.

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 82/ 19، علل الشرائع: 305/ 1، تهذيب الأحكام 1: 110/ 287، وسائل الشيعة 3: 376، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 109/ 286، وسائل الشيعة 3: 376، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 3.

(3)

تهذيب الأحكام 1: 190/ 548، وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 2.

(4) انظر جواهر الكلام 5: 257، المعتبر 1: 406.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 397

العمل على الروايات إذا كان الميّت مالكاً، مشكل.

نعم، لا يبعد جواز العمل إذا كان شريكاً؛ لعدم لزوم إعطاء الشريك ماءه لتغسيله، و معه يكون ماؤه مثل ما يفسد ليومه يجوز التصرّف فيه و تقويمه، أو يرجع إلىٰ ورثته، و يجوز لهم التبرّع به لغسل الجنب. و أمّا حمل الروايات علىٰ كون الماء مباحاً أصليّاً، فغير ممكن.

و لا بأس بالعمل بموثّقة أبي بصير بعد كون الترجيح استحبابياً. و أمّا مرسلة محمّد بن علي «1» فمع ضعفها «2» و مخالفتها للمعتبرة و فتاوى الأصحاب «3»، لا يعوّل عليها.

______________________________

(1)

رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: الميّت و الجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلّا بقدر ما يكتفي به أحدهما، أيّهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال: «يتيمّم الجنب و يغسل الميّت بالماء».

تهذيب الأحكام 1: 110/ 288، وسائل الشيعة 3: 376، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 5.

(2) و الرواية مع إرسالها ضعيفة بعليّ بن محمّد القاشاني.

رجال الطوسي: 388/ 9، تنقيح المقال 2: 308/ السطر 15 (أبواب العين).

(3) النهاية: 50، المعتبر 1: 405، تحرير الأحكام 1: 22/ السطر 32، جامع المقاصد 1: 512.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 398

الأمر الثامن في حكم الجنب المتيمّم إذا أحدث بالأصغر
اشارة

إذا تيمّم الجنب بدلًا من الغسل، ثم أحدث بالأصغر، فعن المشهور: «أنّه أعاد بدلًا من الغسل، و لا يتوضّأ لو وجد ماءً

بقدر الوضوء» «1».

و عن السيّد في «شرح الرسالة»: «أنّ المجنب إذا تيمّم ثمّ أحدث حدثاً أصغر و وجد ما يكفيه للوضوء توضّأ؛ لأنّ حدثه الأوّل قد ارتفع، و جاء ما يوجب الصغرىٰ، و قد وجد من الماء ما يكفيه لها، فيجب عليه استعماله» «2» انتهىٰ.

و أجابوا عنه: «بقيام الإجماع علىٰ أنّ التيمّم ليس برافع، بل هو مبيح، و الجنابة باقية، و زالت الإباحة بالحدث الأصغر، فيجب عليه الغسل، و مع فقد الماء التيمّم بدله» «3».

و يظهر من الاستدلال و جوابه أنّ المسألة مبتنية على المسألة

______________________________

(1) المهذّب البارع 1: 217، كفاية الأحكام: 9/ السطر 18، جواهر الكلام 5: 260.

(2) انظر ذكرى الشيعة 2: 283.

(3) جامع المقاصد 1: 514، روض الجنان: 132/ السطر 8، جواهر الكلام 5: 260 261، مصباح الفقيه، الطهارة: 511/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 399

المتقدّمة، و مع القول بالرافعية لا مجال للقول المشهور، و مع القول بالاستباحة لا مجال لقول السيّد. و لكن الأمر ليس كذلك؛ لإمكان القول بالرافعية إلىٰ غاية حصول الحدث، و إمكان القول بأنّه مبيح لا ترفع إباحته من حيث الجنابة بحدوث الأصغر، فلا بدّ من النظر في الأدلّة علىٰ كلا القولين:

فنقول: إنّ مقتضىٰ إطلاق أدلّة التنزيل و البدلية كتاباً «1» و سنّة «2»، قيام التيمّم مقام الغسل و الوضوء في جميع ما لهما من الآثار؛ سواء قلنا بطهوريته أو لا:

أمّا على الأوّل فواضح؛ لأنّ الطهور من الجنابة لا ينتقض إلّا بجنابة جديدة، نعم لو قام دليل خاصّ على انتقاضه بالحدث الأصغر، لالتزمنا بكونه طهوراً إلىٰ غاية، و إلّا فمقتضىٰ إطلاق الأدلّة طهوريته مطلقاً. و إنّما قلنا بكونه طهوراً للعاجز؛ لقيام الدليل على

الاغتسال بعد رفع العجز، كما تقدّم «3».

و أمّا على الاستباحة؛ فلأنّ غاية ما نرفع اليد به عن إطلاق الأدلّة و تنزيل التراب منزلة الماء بناءً علىٰ قيام دليل عقلي أو غيره علىٰ عدم الرفع هو عدم قيامه مقامه في الرافعية، فيكون الدليل الخارجي قرينة علىٰ أنّ المراد

بقوله: «هو أحد الطهورين»

هو أحد الطهورين تنزيلًا؛ أي بمنزلة الطهور، فيكون مقتضى الإطلاق أنّه طهور تعبّدي تنزيلي في جميع الآثار، فنزّل الشارع المقدّس الجنابة منزلة العدم، و التيمّم منزلة الطهور و الغسل، فكما أنّ الغسل و الطهور من الجنابة لا ينتقض بالأصغر، كذلك ما هو بمنزلته، بل هو هو في عالم التنزيل، فلا بدّ من قيام دليل علىٰ ذلك حتّى ترفع اليد عن الأدلّة.

______________________________

(1) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23.

(3) تقدّم في الصفحة 370 372.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 400

و أمّا إنكار إطلاقها بدعوىٰ: أنّ أدلّة التنزيل ناظرة إلى التنزيل في أصل التحقّق، لا في الناقض، فيمكن أن يكون البول مثلًا ناقضاً، و لا إطلاق لها لرفع هذا الشكّ.

ففيه: أنّه إن كان المراد أنّ مفادها حصول الطهور، أو ما هو بمنزلته مطلقاً للفاقد، و يكون البول موجباً لحدوث جنابة جديدة، فهو مخالف للضرورة و الأدلّة، فلا بدّ من الالتزام بحصول الطهارة لموضوع خاصّ، مثل من لم يحدث، أو إلىٰ أمد خاصّ؛ أي إلىٰ حين الحدث، فيرجع إلى التقييد في موضوع الأدلّة الدالّة علىٰ أنّه طهور، كما لا يخفى.

و قد يقال: لا يبعد الالتزام بمقالة المشهور حتّى مع القول بطهورية التيمّم؛ بدعوىٰ أنّ الطهور الذي هو شرط في الصلاة صفة وجودية، و الحدث

أيضاً قذارة معنوية، فنلتزم بعدم المضادّة بين الوصفين ذاتاً، بل التنافي بين أثريهما، كما أنّ المسلوس طاهر و محدث حقيقة، و غسل الجنابة رافع لحدث الجنابة، و مفيد للطهارة التي هي شرط الصلاة، و أمّا التيمّم فإنّما يقوم مقام الغسل و الوضوء في الطهورية المسوّغة لاستباحة الغايات؛ أي المجامعة مع المانع، لا بصفة المانعية، و أمّا كونه بمنزلتهما في إزالة ذات المانع فالأدلّة قاصرة عن إثباته:

أمّا ما دلّ علىٰ أنّه طهور فواضح.

و أمّا ما دلّ علىٰ أنّ التراب بمنزلة الماء، فهو و إن اقتضىٰ عموم المنزلة، لكن العلم ببقاء الأثر في الجملة المقتضي لوجوب الغسل لدى القدرة، موجب لصرف الذهن عن إرادة التشبيه في إزالة الذات «1»، انتهىٰ ملخّصاً. ثمّ تأمّل و تردّد و أمر بالاحتياط.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 513/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 401

و لا يخفىٰ ما فيه؛ فإنّه مضافاً إلىٰ أنّ التضادّ بين الصفتين ارتكازي بين المتشرّعة، و أنّ القطرات غير الاختيارية في المسلوس و المبطون، ليست سبباً للحدث بمقتضى الجمع بين الأدلّة كما حقّق في محلّه «1» و أنّ الحدث مانع للصلاة، لا الطهارة شرط على الأقرب و إنّما أُمر بالطهارة لإزالة الجنابة و سائر الأحداث؛ و إن يوهم شرطيتَها بعضُ الأدلّة،

كقوله: «لا صلاة إلّا بطهور»

لكن مع تذيّله

بقوله: «و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار» «2»

يُدفع التوهّم، كما أشرنا إليه «3»، كما أنّ قوله تعالىٰ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «4» ظاهر في أنّ الأمر بالاغتسال لإزالة الجنابة أنّ إنكار دلالة الأدلّة علىٰ إزالة ذات المانع، في غير محلّه:

أمّا الآية الكريمة فمع تصديرها بقوله وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا الذي هو كالنصّ في أنّ الغسل

مزيل للجنابة و رافع لها، و ليس ذلك إلّا للتضادّ بين الوصفين تكون ظاهرة جدّاً في أنّ التيمّم أيضاً رافع عند فقدان الماء؛ لما تقدّم مراراً من استفادة عموم التنزيل منها «5» و لو لم تكن مذيّلة بقوله وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ و معه لا يبقى مجالُ تشكيكٍ فيه.

نعم، لو كان الدليل العقلي المعروف بينهم «6» تامّاً، لما كان بدّ من توجيهها

______________________________

(1) تقدّم في مسألة المسلوس و المبطون من مبحث الوضوء.

(2) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(3) تقدّم في الصفحة 363.

(4) المائدة (5): 6.

(5) تقدّم في الصفحة 27 و 30 و 221 و 314.

(6) تقدّم في الصفحة 224.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 402

و توجيه سائر الأدلّة التي هي كالنصّ في الطهورية «8». و لعلّ إعراض القوم عن هذا الظاهر و التزامهم بالاستباحة؛ لأجل المانع العقلي، كما هو المعوّل عليه من زمن شيخ الطائفة (رضى اللّٰه عنه) «9» و بعد ما تقدّم من تصوير الرافعية من غير لزوم إشكال عقلي «1»، لا يبقى مجال لردّ الأدلّة.

و العجب من دعوى وضوح عدم دلالة مثل

قوله: «التيمّم أحد الطهورين» «2»

و «إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «3»

علىٰ كونه مزيلًا لذات الجنابة! مع أنّ صَرف مثل تلك الأخبار عن الدلالة علىٰ إزالة قذارة الجنابة كما هو شأن الماء إلىٰ كونه في حكمها، كالطرح للأدلّة بلا موجب. و دلالة هذه الطائفة أوضح بمراتب من دلالة

قوله: «هو بمنزلة الماء» «4»

كما لا يخفى بأدنى تأمّل.

فالأدلّة دالّة على المقصود و لو قلنا بمقالة المشهور في مسألة الاستباحة و

الرفع «5».

نعم، هنا بعض الروايات استدلّ بها للقول المشهور «6»؛ ممّا لا داعي لنقلها و الجواب عنها بعد وضوح عدم دلالتها.

______________________________

(8) راجع وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23.

(9) الخلاف 1: 144.

(1) تقدّم في الصفحة 224.

(2) وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 2.

(5) راجع ما تقدّم في الصفحة 220.

(6) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 512/ السطر 17 و 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 403

بيان مقتضى القاعدة في المقام

ثمّ لو فرض قصور أدلّة التنزيل عن إثبات الحكم، فقد يقال: بأنّ مقتضى القاعدة الاحتياط؛ لكون الشكّ في المكلّف به، فيجب بعد الحدث الجمع بين التيمّم بدلًا من الغسل، و بين الوضوء أو التيمّم بدله «1».

و فيه: أنّ المرجع بعد الشكّ إلى استصحاب بقاء الطهور الحقيقي أو التنزيلي، و معه ينقّح موضوع الأدلّة الاجتهادية المستفاد منها بعد الجمع و التخصيص أنّ الطاهر من الجنابة إذا أحدث بالصغرىٰ، يجب عليه الوضوء. و لا يعارضه استصحاب عدم مشروعية الوضوء قبل التيمّم؛ لأنّ الشكّ في المشروعية و عدمها ناشئ عن بقاء الطهارة و عدمه، و استصحاب بقائها المنقّح لموضوع الأدلّة الاجتهادية حاكم عليه. هذا فيما إذا قلنا بحصول الطهارة حقيقةً واضح.

و كذا إذا قلنا بالاستباحة؛ لأنّ القائل بها لا يمكنه رفع اليد عن ظاهر الأدلّة المتواترة إلّا بما دلّ دليل عقلي أو نقلي علىٰ خلافه، فمع قيامه علىٰ عدم حصول الطهارة واقعاً، تحمل الأدلّة علىٰ حصول التنزيلية منها، فيكون معنىٰ

قوله: «التراب أحد الطهورين»

أنّه أحدهما حكماً، لكن بلسان

تحقّق الموضوع، و هو من أوضح موارد الحكومة، فكما أنّ

قوله: «التراب طهور»

حاكم علىٰ مثل

«لا صلاة إلّا بطهور»

و لو قلنا بأنّ الطهور تنزيلي، كذلك استصحابه ينقّح موضوع الأدلّة الاجتهادية الحاكمة علىٰ أنّ الحدث الأصغر لغير الجنب موجب للوضوء، فلا إشكال في المسألة؛ سواء قلنا بالرافعية كما هو الأقوىٰ، أو بالاستباحة.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 513/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 404

الأمر التاسع في بعض فروع انتقاض التيمّم مع التمكن من استعمال الماء

لا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2» في انتقاض التيمّم مع التمكّن من استعمال الماء و عدم العذر منه شرعاً و عقلًا، و مع فقده بعد ذلك افتُقر إلىٰ تجديده. كما لا إشكال في عدم انتقاضه بخروج الوقت، و لا بإتيان الصلاة، فما عن الشافعي من اختصاص أثر التيمّم بصلاة واحدة «3»، ضعيف. كما لا يعوَّل علىٰ رواية السكوني «4» المخالفة للروايات «5» و فتوى الأصحاب «6».

و إنّما الكلام في بعض الفروع:

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19 و 20.

(2) الفقيه 1: 58، ذيل الحديث 3، المقنعة: 60 و 61، النهاية: 50، شرائع الإسلام 1: 42.

(3) انظر تذكرة الفقهاء 2: 203 204، الامّ 1: 47، المجموع 2: 293.

(4)

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: لا يتمتّع بالتيمّم إلّا صلاة واحدة و نافلتها.

تهذيب الأحكام 1: 201/ 584، وسائل الشيعة 3: 380، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 20، الحديث 6.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 379، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 20.

(6) المقنعة: 60، جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضىٰ 3: 26، النهاية: 50، جواهر الكلام 5: 265.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 405

منها: لو تيمّمت

الحائض أو المستحاضة تيمّمين بدلًا من الغسل و الوضوء، فوجدت ماءً يكفي لواحد منهما لا كليهما، فلا يخلو إمّا أن تعلم بأهمّية أحدهما المعيّن المعلوم كالغسل أهمّيةً إلزاميةً، أو تحتمل ذلك، أو تعلم بأهمّية أحدهما المعيّن واقعاً و لا تعرفه، أو تحتمل ذلك، أو تعلم بتساويهما:

فعلى الأوّل: ينتقض ما هو بدل الأهمّ؛ لحصول التمكّن من استعمال الماء له، و لا ينتقض بدل المهمّ؛ للعذر عن استعماله له.

و على الثاني: ينتقض محتمل الأهمّية بناءً على انتقاضهما مع التساوي، كما يأتي للعلم التفصيلي بانتقاضه؛ إمّا لكونه أهمّ، فيختصّ بالانتقاض، أو لتساويهما فينتقضان، و الآخر محتمل الانتقاض، فيستصحب بقاؤه.

و على الثالث و الرابع: يحصل العلم بانتقاض أحدهما و بقاء أحدهما، فيجب عليها التيمّمان لو قلنا باختلاف كيفيتهما، و تكتفي بواحد بقصد ما في الذمّة لو قلنا باتحادهما كيفيّة، كما هو الأقوىٰ. و كذا مع احتمال الأهمّية في كلّ واحد منهما.

و مع إحراز تساويهما ينتقض التيمّمان؛ لكونها قادرة علىٰ كلّ واحد من الغسل و الوضوء؛ و إن لم تكن قادرة على الجمع، و القدرة عليه ليست موضوعة للحكم، بل القدرة علىٰ كلّ واحد موجبة لانتقاضه، و هي حاصلة. و هذا بوجه نظير باب المتزاحمين؛ حيث قلنا: بأنّه لو ترك المكلّف إنقاذ الغريقين، يستحقّ العقوبة علىٰ ترك كلٍّ منهما؛ للقدرة علىٰ إنقاذه و إن لم يقدر على الجمع، و هو ليس بمأمور به «1».

ثمّ إنّه قد يقال: «مع إحراز أهمّية الغسل لو توضّأت صحّ وضوؤها؛ لقاعدة

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 29 30، تهذيب الأُصول 1: 311.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 406

الترتّب، و مقتضاها انتقاض ما هو بدل من الوضوء أيضاً علىٰ تقدير ترك الغسل. و

لو أتلفت الماء انتقض التيمّمان» «1».

و فيه: مضافاً إلىٰ ما حرّرنا في محلّه من بطلان الترتّب «2» أنّ انتقاض التيمّم في المقام نصّاً و فتوى، متوقّف على القدرة الفعلية على استعمال الماء للوضوء، و عدمِ محذور فيه، و هي لم تحصل إلّا باستعمال مقدار من الماء للوضوء أو غيره، أو إتلافِ مقدار منه؛ بحيث خرجت البقيّة عن إمكان الاغتسال بها، فحينئذٍ لو استعملت الماء لغير الوضوء، أو أتلفته ثمّ توضّأت بالبقيّة، صحّ وضوؤها. لكن هذا الفرض خارج عن محطّ الكلام.

و أمّا لو استعملت في الوضوء، فما لم يخرج الماء عن إمكان الاغتسال به، لم ينتقض تيمّمها؛ لكونها غير قادرة على استعماله في الوضوء؛ لبقاء العذر و لزوم تقديم الأهمّ.

و إذا تعذّر بالاستعمال كما لو تعذّر بعد غسل وجهها للوضوء انتقض تيمّمها، فلا يمكن أن يقع ذلك الوضوء صحيحاً؛ لحصول الانتقاض بعد غسل الوجه و صيرورتها محدثة أثناء الوضوء، نظير حدوث الحدث أثناءه.

و بالجملة: انتقاض التيمّم حصل بالوضوء و في أثنائه، فلا يقع صحيحاً، و ذلك من غير فرق بين القول برافعية التيمّم حقيقةً أو حكماً، كما لا يخفى وجهه بالتأمل.

ثمّ إنّ إتلاف الماء لا يوجب انتقاض التيمّم بدل الوضوء إلّا أن يكون تدريجياً؛ بحيث تقدر على الوضوء بعد سلب قدرتها عن الغسل. و أمّا لو أتلفته دفعة، فلا موجب لانتقاض بدل الأصغر بعد فرض أهمّية الأكبر؛ لأنّها قبل التلف

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 514/ السطر 20.

(2) مناهج الوصول 2: 30، تهذيب الأُصول 1: 314.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 407

لم تكن قادرة على استعماله في الوضوء، و بالتلف تسلب القدرة عنهما دفعة، فلا وجه لانتقاض ما هو بدل الأصغر، فإطلاق القول

بانتقاضهما بالإتلاف محلّ إشكال و منع.

و قد يقال في فرض عدم الأهمّية: «إنّهما ينتقضان إن تركت استعماله فيهما إلىٰ أن يمضي زمان تتمكّن فيه من فعل كلٍّ من الطهارتين؛ لقدرتها علىٰ كلٍّ منهما علىٰ تقدير ترك الآخر، و قد تحقّق التقدير في الفرض. و أمّا علىٰ تقدير استعماله في أحدهما، فالظاهر عدم انتقاض ما هو بدل من الآخر؛ لعدم قدرتها على الإتيان بمبدله علىٰ تقدير صرف الماء فيما استعملت بمقتضىٰ تكليفها» «1».

و فيه: أنّ مضي الزمان بمقدار العمل لا دخالة له في قدرتها، بل هي حاصلة في أوّل زمان وجدان الماء الجائز الاستعمال شرعاً و عقلًا؛ فإنّ القدرة علىٰ كلٍّ منهما ليست معلّقة علىٰ ترك الآخر، بل فعله رافع للقدرة؛ لأجل المزاحمة عقلًا بينهما، فالقدرة قبل الاشتغال بالعملين حاصلة بالنسبة إلىٰ كلٍّ من العملين، و بالاشتغال بأحدهما ترفع عن الآخر ما دام الاشتغال، أو مع نقصان الماء بالاستعمال.

و منه يظهر النظر في كلامه الأخير أي عدم الانتقاض علىٰ تقدير الاستعمال في صاحبه لأنّ القدرة كانت حاصلة لكلٍّ منهما قبل الاشتغال بالآخر، و لا يشترط في الانتقاض إلّا ذلك.

فالأقوى انتقاضهما بمجرّد الوجدان و القدرة على الاستعمال قبل الاشتغال بأحدهما، و لا تأثير للاشتغال به في عدم الانتقاض.

و العجب أنّ القائل بالتفصيل في هذا الفرع لم يفصّل في الفرع الآخر! فقال

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 514/ السطر 22.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 408

«لو وجد جماعة ماءً يباح لهم التصرّف فيه، فإن تمكّن كلٌّ منهم من التصرّف فيه علىٰ وجه سائغ من غير أن يزاحمه غيره، انتقض تيمّم الجميع، و إلّا انتقض تيمّم المتمكّن خاصّة» «1» انتهىٰ.

و كان عليه التفصيل المتقدّم؛ من مضي

زمان بمقدار العمل مع تركهم الاستعمال، و مع استعمال أحدهم حين الوجدان يلتزم بعدم الانتقاض.

إلّا أن يقال: إنّ مراده ذلك، و لم يصرّح به لإيكاله إلى الوضوح بعد بيان الفرع المتقدّم، فيرد عليه ما تقدّم.

و الحمدُ للّٰه أوّلًا و آخراً، و ظاهراً و باطناً. و قد وقع الفراغ من هذه الوجيزة في 11 شهر شعبان المعظّم، سنة 1376.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 514/ السطر 27.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الجزء الثالث

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين، و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله الطاهرين، و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم أجمعين.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 7

القول في النجاسات

اشارة

و فيه مقدّمة و فصلان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 9

المقدّمة

اشارة

أمّا المقدّمة ففيها جهات من البحث:

الاولىٰ: في تحديد المفهوم العرفي للنظافة و النجاسة

الظاهر أنّ النجاسة و القذارة العرفية، أمر وجودي مقابل النظافة و النقاوة؛ فإنّ الأعيان الخارجية علىٰ قسمين:

أحدهما: ما هو قذر و رجس، و هو ما يستكرهه العقلاء و يستقذرونه، و يتنفّرون منه، كالبول و الغائط و المنيّ و النخامة، و أمثالها ممّا تجتنب منها العقلاء؛ لتنفّرهم منها و من التماس معها.

و ثانيهما: ما ليس كذلك، كسائر الأعيان. و الثاني نظيف نقيّ، لا بمعنى أنّ النظافة أمر وجودي قائم بذاتها وراء أوصافها و أعراضها الذاتية، فالحجر و المدر و الجصّ و أمثالها بذاتها نظيفة؛ ليست بقاذورة يستكرهها الناس، و إنّما تصير- بملاقاتها مع بعض الأعيان القذرة و تلطّخها بها نجسةً قذرة بالعرض، و يستقذرها الناس لتلك المماسّة و ذلك التلطّخ. فالأشياء كلّها ما عدا الأعيان القذرة نظيفة؛ أي نقية عن القذارة.

فالنظافة هي كون الشي ء نقيّاً عن الأقذار، فإذا صارت الأشياء بملاقاتها

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 10

قذرة فغسلت بالماء، ترجع إلىٰ حالتها الأصلية؛ أي النقاوة عنها، من غير أن يحصل لها أمر وجودي قائم بها خارجاً أو اعتباراً.

و ما ذكر موافق للاعتبار و العرف، و هو ظاهر، و كذا موافق للّغة، ففي «الصحاح»: «النظافة: النقاوة، و نظّفته أنا تنظيفاً؛ أي نقّيته» «1».

و في «القاموس»: «النظافة: النقاوة، و هو نظيف السراويل، و عفيف الفرج» «2» انتهىٰ.

و الظاهر أنّ «نظيف السراويل» كناية عن عدم التلطّخ بدنس الزنا و مثله.

و في «المجمع»: «النظافة: النقاوة، و نظُف الشي ء ينظُف بالضمّ نظافة: نقي من الوسخ و الدنس» «3».

و في «المنجد»: «نظُف الشي ء: كان نقيّاً من الوسخ و الدنس، يقال: فلان نظيف السراويل؛ أي عفيف، و نظيف الأخلاق؛ أي مهذّب، و

تنظّف الرجل؛ أي تنزّه عن المساوي» «4».

هذا حال القذارات العرفية، و يأتي الكلام في حال اعتبار الشارع و حكمه.

الثانية: في انقسام النجاسة شرعاً إلىٰ مجعولة و غير مجعولة

يحتمل في بادئ النظر أن تكون النجاسة من الأحكام الوضعية الشرعية للأعيان النجسة عند الشارع؛ حتّى فيما هو قذر عند العرف كالبول و الغائط، فتكون النجاسة قذارة اعتبارية غير ما لدى العرف

______________________________

(1) الصحاح 4: 1435.

(2) القاموس المحيط 3: 207 208.

(3) مجمع البحرين 5: 125.

(4) المنجد: 818.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 11

بحسب الحقيقة، موضوعةً لأحكام شرعية.

و يحتمل أن تكون أمراً انتزاعياً من الأحكام الشرعية، كوجوب الغسل، و بطلان الصلاة معها و هكذا.

و يحتمل أن تكون أمراً واقعيّاً غير ما يعرفها الناس، كشف عنها الشارع المقدّس، و رتّب عليها أحكاماً.

و يحتمل أن تكون الأعيان النجسة مختلفة بحسب الجعل؛ بمعنى أنّ ما هو قذر عرفاً كالبول و الغائط و المنيّ لم يجعل الشارع لها القذارة، بل رتّب عليها أحكاماً، و ما ليس كذلك كالكافر و الخمر و الكلب، ألحقها بها موضوعاً؛ أي جعل و اعتبر لها النجاسة و القذارة، فيكون للقذارة مصداقان: حقيقي و هو الذي يستقذره العرف، و اعتباري جعلي كالأمثلة المتقدّمة و غيرِها من النجاسات الشرعية التي لا يستقذرها الناس لو خلّيت طباعهم و أنفسها.

أو ألحقها بها حكماً؛ أي رتّب عليها أحكام النجاسة من غير جعل نجاسة لها.

و الظاهر بحسب الاعتبار بل الأدلّة، هو احتمال ما قبل الأخير؛ لأنّ الظاهر أنّه لم يكن للشارع اصطلاح خاصّ في القذر و النجس، فما هو قذر و نجس عند العقلاء و العرف، لا معنىٰ لجعل القذارة له؛ لأنّ الجعل التكويني محال، و اعتباراً آخر نظير التكوين لغو، و ليست للنجاسة و القذارة حقيقة واقعية

لم يصل إليها العرف و العقلاء، كما هو واضح.

نعم، لمّا كان العرف يستقذر أشياء لم يكن لها أحكام النجاسات الإلزامية- و إن استحبّ التنزّه عنها و التنظيف منها، كالنخامة و المذي و الوذي يكشف ذلك عن استثناء الشارع إيّاها موضوعاً أو حكماً.

و أمّا النجاسات الشرعية التي ليست لدى العرف قذرة نجسة كالخمر و الكافر فالظاهر إلحاقها بها موضوعاً، كما هو المرتكز عند المتشرّعة؛

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 12

فإنّها قذرة عندهم كسائر الأعيان النجسة. و لقوله تعالىٰ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ «1»، فإنّ الظاهر منه تفريع عدم قربهم المسجد علىٰ نجاستهم.

بل و قوله تعالىٰ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ «2»، فإنّ الرجس القذر، و ظاهره أنّه تعالىٰ جعلهم رجساً.

و قوله تعالىٰ قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ .. إلىٰ قوله أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ «3».

و لحسنة «4» خَيْران الخادم قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير، أ يصلّىٰ فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم صلّ فيه: فإنّ اللّٰه إنّما حرّم شربها، و قال بعضهم: لاتصلّ فيه، فكتب

لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس «5».

______________________________

(1) التوبة (9): 28.

(2) الأنعام (6): 125.

(3) الأنعام (6): 145.

(4) رواها الكليني، عن عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن خيران الخادم. و ليس في السند من يتوقّف في شأنه إلّا سهل بن زياد الآدمي و لكن أمره عند المصنّف سهل، لكثرة رواياته و قدمه الراسخ في جميع أبواب الفقه و ذلك يوجب الاطمئنان بحسن حاله أو وثاقته. كما عبّر في الصفحة 243 و 256 بحسنة الخيران أو صحيحته.

رجال النجاشي: 185/ 490، تنقيح

المقال 2: 75/ السطر 19 (أبواب السين). و راجع الجزء الأوّل، الصفحة 78.

(5) الكافي 3: 405/ 5، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 13

فإنّ التعليل دليل علىٰ أنّ عدم صحّة الصلاة فيه لأجل كون الخمر رجساً، فلا تكون نجاستها منتزعة من الأحكام، و لمّا لم تكن الخمر رجساً عرفاً ولدي العقلاء، فلا محالة تكون نجاستها مجعولة شرعاً.

و صحيحةِ أبي العبّاس، و فيها: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكلب. فقال

رجس نجس؛ لا يتوضّأ بفضله «1».

و التقريب فيها كسابقتها.

و قريب منها صحيحته الأُخرىٰ «2»، و حسنة «3» معاوية بن شُريح «4».

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ النجاسات علىٰ نوعين:

أحدهما: ما يستقذره الناس، و قد رتّب الشارع عليه أحكاماً.

و ثانيهما: ما جعله الشارع قذراً، و ألحقه بها موضوعاً بحسب الاعتبار و الجعل، فصار قذراً في عالم الجعل و وعاء الاعتبار، و رتّب عليه أحكام القذر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 11، الحديث 1.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن شريح. و الرواية حسنة لأجل معاوية بن شريح.

تنقيح المقال 3: 224/ السطر الأول (أبواب الميم).

(4) عنه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث أنّه سئل عن سؤر الكلب، يشرب منه أو يتوضّأ؟ قال: لا، قلت: أ ليس هو سبع؟ قال: لا و اللّٰه إنّه نجس، لا و اللّٰه إنّه نجس.

تهذيب

الأحكام 1: 225/ 647، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 14

الثالثة: في اختلاف ملاكات جعل النجاسة للموضوعات

الظاهر أنّ جعل القذارة للموضوعات التي ليست قذرة عند الناس، ليس بملاك واحد. كما أنّ الظاهر عدم قذارة واقعيّة لها لم يطلع عليها الناس، و كشف عنها الشارع؛ ضرورة أنّ القذارة ليست من الحقائق المعنوية الغائبة عن أبصار الناس و مداركهم.

بل الظاهر أنّ جعل القذارة لمثل الخمر لأجل أهمّية المفسدة التي في شربها، فجعلها نجسة لأن يجتنب الناس عنها غاية الاجتناب. كما أنّ الظاهر أنّ جعل النجاسة للكفّار لمصلحة سياسية؛ هي تجنّب المسلمين عن معاشرتهم و مؤاكلتهم، لا لقذارة فيهم تؤثّر في رفعها كلمة الشهادتين.

و لعلّ في مباشرة الكلب و الخنزير، مضرّات أراد الشارع تجنيبهم عنهما تحفّظاً عنها .. إلىٰ غير ذلك.

و لا أظنّ إمكان الالتزام بأنّ القذارة عند الشارع، ماهية مجهولة الكنه يصير المرتدّ بمجرّد الردّة قذراً واقعاً، و صارت الردّة سبباً لاتصافه تكويناً بصفة وجودية تكوينية غائبة عن أبصارنا، و مجرّد الإقرار بالشهادتين صار سبباً لرفعها تكويناً.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 15

الفصل الأوّل في تعيين الأعيان النجسة

اشارة

و هي عشرة أنواع علىٰ ما في جملة من الكتب أو أكثر، كما يأتي حال الخلاف في بعض

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 17

البول و الغائط
اشارة

الأوّل و الثاني: البول و الغائط من كلّ حيوان غير مأكول ذي نفس سائلة، فما لا يصدق عليه عنوانهما ليس بنجس، كالحبّ الخارج من الحيوان إذا لم يصدق عليه «العَذِرة» و لو فرض الخروج عن صدق عنوانه الذاتي أيضاً، فضلًا عمّا إذا صدق عليه و إن زالت صلابته و قوّة نبته. فما عن «المنتهىٰ» من الحكم بنجاسته إذا زالت صلابته «1» غير وجيه.

و قد حكي الإجماع علىٰ نجاستهما مع القيدين عن «الخلاف» و «الغنية» و «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «كشف الالتباس» و «المدارك» و «الدلائل» و «الذخيرة» «2». و عن «الناصريات» و «الروض» و «المدارك» و «الذخيرة» نقل الإجماع علىٰ عدم الفرق بين الأرواث و الأبوال «3»، و لعلّه هو العمدة في

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 161/ السطر 17.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 136/ السطر 9، الخلاف 1: 487، غنية النزوع 1: 40، المعتبر 1: 410، منتهى المطلب 1: 159/ السطر 18، تذكرة الفقهاء 1: 49، كشف الالتباس: 208/ السطر الأول (مخطوط)، مدارك الأحكام 2: 258، ذخيرة المعاد: 145/ السطر 15.

(3) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 216/ السطر 36، روض الجنان: 162/ السطر 12، مدارك الأحكام 2: 259، ذخيرة المعاد: 145/ السطر 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 18

الأرواث؛ لعدم إطلاق أو عموم معتدّ به يمكن الركون إليه و إن لا يبعد في بعضها، كما سيتّضح الكلام فيه «1». و أمّا الأبوال، فلا إشكال في دلالة كثير من الأخبار عموماً أو

إطلاقاً علىٰ نجاستها «2»، فلا موجب لنقلها.

الروايات الدالّة على نجاسة الأرواث

و الأولى سرد الروايات الواردة في الأرواث:

فمنها: ما عن «المختلف» نقلًا عن «كتاب عمّار بن موسى» عن الصادق (عليه السّلام) قال

خُرْء الخُطّاف لا بأس به؛ هو ممّا يؤكل لحمه، لكن كره أكله لأنّه استجار بك و آوىٰ إلىٰ منزلك، و كلّ طير يستجير بك فأجره «3».

بدعوىٰ: أنّ قوله

هو ممّا يؤكل

تعليل لعدم البأس، و برفع العلّة يرفع عدم البأس «4». و أنّ المراد بعدم البأس صحّة الصلاة معه، و جواز شرب ملاقيه، و غير ذلك؛ و لو بملاحظة معهوديته من البأس و اللابأس في خرء الحيوان و بوله. و بقرينة الروايات الواردة في أبوال ما لا يؤكل لحمه.

و فيها: بعد الغضّ عن أنّ الرواية بعينها نقلت في باب المطاعم عن الشيخ بإسناده عن عمّار، و فيها

الخُطّاف لا بأس به «5»

من غير كلمة خُرْء و احتمال

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 22.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 404، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8.

(3) مختلف الشيعة 8: 310، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 20.

(4) رياض المسائل 2: 345، مستند الشيعة 1: 138.

(5) تهذيب الأحكام 9: 80/ 345.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 19

كونها رواية أُخرى نقلها العلّامة و أهملها الشيخ، في غاية البعد، بل مقطوع الفساد.

نعم، يحتمل اختلاف النسخ، فدار الأمر بين الزيادة و النقيصة، فإن قلنا بتقدّم أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة لدى العقلاء خصوصاً في المقام ممّا يظنّ لأجل بعض المناسبات، وجود لفظ

الخرء

صحّ الاستدلال بها. لكن إثبات بنائهم علىٰ ذلك مشكل. بل إثبات بنائهم على العمل بمثل الرواية أيضاً مشكل، و قد حرّر في

محلّه أنّه لا دليل علىٰ حجّية خبر الثقة إلّا بناؤهم المشفوع بإمضاء الشارع «1».

أنّ غاية ما يستفاد من إطلاق التعليل: أنّ أكل اللحم تمام العلّة و تمام الموضوع لعدم البأس، و أمّا انحصارها به فغير ظاهر، و لا يكون مقتضى الإطلاق، فيمكن قيام علّة أُخرى مقامها عند عمومها.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الإطلاق يقتضي عدم دخالة شي ء غير المأكولية في نفي البأس، فتكون تمام العلّة له، لا جزءها، و هو غير الانحصار، و ما يفيد هو انحصارها بها حتّى يقتضي رفعها ثبوت نقيض الحكم أو ضدّه.

و دعوىٰ: أنّ العرف مع خلوّ ذهنه عن هذه المناقشة، يفهم من الرواية أنّ في خرء غير المأكول بأساً، غير مسلّمة. مضافاً إلىٰ أنّ البأس أعمّ، و المعهودية غير معلومة، و قرينية أخبار الأبوال غير ظاهرة. مع كون البول أشدّ في بعض الموارد، كلزوم تعدّد غسله، و عدمِ الاكتفاء بالأحجار فيه.

و منها: موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ ما يؤكل فلا بأس بما يخرج منه «2».

______________________________

(1) أنوار الهداية 1: 313 316، تهذيب الأُصول 2: 133 135.

(2) تهذيب الأحكام 1: 266/ 781، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 20

بدعوىٰ: أنّ تعليق الحكم علىٰ ما يؤكل يفيد العلّية «1».

و الكلام فيها كسابقتها. مضافاً إلىٰ أنّه لو سلّم دلالتها فلا تدلّ على الكلّية في مفهومها، فغاية ما يثبت بها أنّ هذه الكلّية غير ثابتة لما لا يؤكل.

بل لو سلّم كون ما يخرج منه عبارة عمّا يخرج من طرفيه من البول و الخرء، فلا يثبت في المفهوم البأس فيهما، فيمكن أن يكون في أحدهما بأس.

و منها:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل يطأ في العَذِرة أو البول، أ يعيد الوضوء؟ قال

لا، و لكن يغسل ما أصابه «2».

و صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الدجاجة و الحمامة و أشباههما تطأ العذرة، ثمّ تدخل في الماء، يتوضّأ منه للصلاة؟

قال

لا، إلّا أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء «3».

و رواية عليّ بن محمّد في حديث قال: سألته عن الفأرة و الدجاجة و الحمامة و أشباهها تطأ العذرة، ثمّ تطأ الثوب، أ يغسل؟ قال

إن كان استبان من أثره شي ء فاغسله، و إلّا فلا بأس «4».

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 336/ السطر 5.

(2) الكافي 3: 39/ 4، وسائل الشيعة 3: 444، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 26، الحديث 15.

(3) تهذيب الأحكام 1: 419/ 1326، وسائل الشيعة 1: 155، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 13.

(4) تهذيب الأحكام 1: 424/ 1347، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 21

و صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه أو موثّقته «1» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سِنَّوْر أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال

إن كان لم يعلم فلا يعيد «2».

و صحيحة محمّد بن مسلم قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السّلام) إذ مرّ علىٰ عذرة يابسة، فوطأ عليها، فأصابت ثوبه. فقلت: جعلت فداك، قد وطأت علىٰ عذرة فأصابت ثوبك. فقال

أ ليس هي يابسة؟!

فقلت: بلىٰ. قال

لا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً «3».

إلىٰ غير ذلك،

كبعض ما ورد في ماء البئر «4»، و أبواب المطاعم «5».

و يظهر منها أنّ نجاسة العذرة بعنوانها كانت معهودة؛ و إن أمكنت المناقشة في دلالة بعضها و إطلاق بعض.

لكن يتوقّف إثبات عموم الحكم علىٰ كون «العَذِرة» خرء مطلق الحيوان

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه. و الترديد لأجل كلام في مذهب أبان بن عثمان.

رجال النجاشي: 13/ 8، اختيار معرفة الرجال: 375/ 705، تنقيح المقال 1: 5/ السطر 34.

(2) تهذيب الأحكام 2: 359/ 1487، وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 5.

(3) الكافي 3: 38/ 2، وسائل الشيعة 3: 457، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 1: 191، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 20.

(5) راجع وسائل الشيعة 24: 164، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 27 و 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 22

إنساناً و غيره، طائراً و غيره، كما هو الظاهر من كلمات كثير من اللغويين:

ففي «القاموس»: «العَذِرة: الغائط و أردأ ما يخرج من الطعام» «1» و نحوه في «المعيار» و «المنجد» «2».

و في «الصحاح»: «الخُرء بالضمّ-: العذرة، و الجمع الخروء، و قال يهجو:

كأنّ خروء الطير فوق رؤوسهم [إذا اجتمعت قيسٌ معاً و تميمُ]» «3».

و في «المجمع»: «العَذِرة وزان كَلِمَة الخُرء» «4».

و في «القاموس»: «الخُرء بالضمّ-: العذرة» «5» و قريب منه ما في «المنجد» و «المعيار» «6».

و عن «الصراح»: «عذره پليدى مردم و ستور و جز آن» «7» و نحوه عن «منتهى الإرب» «8».

و يظهر من الفقهاء في المكاسب المحرّمة إطلاق «العذرة» على مطلق مدفوع

الحيوان، و حملوا رواية

لا بأس ببيع العذرة «9»

علىٰ عذرة ما يؤكل

______________________________

(1) القاموس المحيط 2: 89.

(2) معيار اللغة 1: 462، المنجد: 494.

(3) الصحاح 1: 46.

(4) مجمع البحرين 3: 398.

(5) القاموس المحيط 1: 14.

(6) المنجد: 172، معيار اللغة 1: 44.

(7) صراح اللغة: 126.

(8) منتهى الإرب 3: 809.

(9) تهذيب الأحكام 6: 372/ 1079، وسائل الشيعة 17: 175، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 40، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 23

لحمه، و استندوا في حرمة عذرة غير المأكول على الإجماع المدّعىٰ علىٰ حرمة بيع العذرة.

و بالجملة: يظهر منهم إطلاق «العذرة» على مدفوع مطلق الحيوان.

و تدلّ علىٰ عدم الاختصاص بعذرة الإنسان مضافاً إلىٰ صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة رواية سَماعة قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر فقال: إنّي رجل أبيع العذرة، فما تقول؟ قال

حرام بيعها و ثمنها

و قال

لا بأس ببيع العذرة «1».

حيث تدلّ علىٰ أنّ العذرة منها ما يجوز بيعها، و منها ما لا يجوز، و قد حملوا الجزء الثاني منها على عذرة الحيوان المحلّل اللحم.

و تؤيّده صحيحة ابن بَزيع في أحكام البئر قال: كتبت إلىٰ رجل .. إلىٰ أن قال: أو يسقط فيها شي ء من عذرة، كالبعرة و نحوها «2».

بناءً علىٰ كون البعرة مثالًا للعذرة. لكن في رواية أُخرى بدل «من عذرة» «من غيره» «3».

و دعوى انصراف العذرة إلىٰ ما هي محلّ الابتلاء، كعذرة الإنسان و السنَّوْر و الكلب، دون السباع و نحوها «4»، غير وجيهة؛ لفهم العرف أنّ حكم النجاسة ثابت لذات العذرة من غير دخالة للإضافة إلى صاحبها. و لعدم الانصراف عن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 372/ 1081، وسائل الشيعة 17: 175،

كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 40، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 5/ 1، تهذيب الأحكام 1: 244/ 705، وسائل الشيعة 1: 176، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 21.

(3) الاستبصار 1: 44/ 124.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 517/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 24

عذرة بعض الطيور و بعض الحيوانات، كالقردة و الخنازير ممّا يبتلىٰ بها و لو قليلًا. و عدم الفصل جزماً بينها و بين غيرها.

مع أنّ إطلاق «الخُرء» علىٰ رجيع الطيور و الفئران و الكلاب شائع ظاهراً، و هو مساوق للعذرة، كما مرّ من كتب اللغة المتقدّمة.

لكن مع ذلك، إثبات كون العذرة الواردة في الروايات شاملةً لفضلة جميع الحيوانات، مشكل:

أمّا أوّلًا: فلاختلاف اللغويّين في ذلك، فعن جمع منهم الاختصاص بفضلة الآدمي، كالهروي في «الغريبين» و «مهذّب الأسماء» و «تهذيب اللغة» «1» و «دائرة المعارف» لفريد «2»، بل الظاهر من محكيّ ابن الأثير «3».

و أمّا ثانياً: فلقرب احتمال انصرافها إلىٰ فضلة الآدمي لو فرض كونها أعمّ.

و أمّا ثالثاً: فلعدم الإطلاق في الروايات الواردة لإثبات الحكم، كما ستأتي الإشارة إليه «4».

و كيف كان: لا إشكال في نجاسة البول و الغائط من الحيوان غير المأكول الذي له نفس سائلة إلّا ما استثني، كما يأتي «5»؛ لما مرّ من حكاية الإجماع عليها، بل في بعضها واضحة.

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 1: 327، تهذيب اللغة 2: 311.

(2) دائرة المعارف، فريد وجدي 6: 225.

(3) النهاية، ابن الأثير 3: 199.

(4) يأتي في الصفحة 47.

(5) يأتي في الصفحة 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 25

تنبيهات
اشارة

و ينبغي التنبيه على أُمور:

عدم الفرق بين غير المأكول الأصلي و العرضي

منها: قالوا: «لا فرق بين غير المأكول الأصلي و العرضي، كالجلّال و الموطوء» «1».

و عن «الغنية» الإجماع علىٰ نجاسة خُرء مطلق الجلّال و بوله «2».

و عن «المختلف» و «التنقيح» و «المدارك» و «الذخيرة» الإجماع علىٰ نجاسة ذرق الدجاج الجلّال «3».

و عن ظاهر «الذخيرة» و «الدلائل» الإجماع علىٰ نجاسة ذرق الجلّال و الموطوء و كلّ ما لا يؤكل لحمه «4».

و عن «التذكرة» و «المفاتيح» نفي الخلاف في إلحاق الجلّال من كلّ حيوان و الموطوء بغير المأكول في نجاسة البول و العذرة «5».

و هو العمدة، و لولاه لكان للخدشة في الحكم مجال؛ لأنّ الظاهر من «ما يؤكل» و «ما لا يؤكل» المأخوذين في الأدلّة هو الأنواع، كالبقر و الغنم و الإبل و الكلب و السنَّوْر و الفأر، لا أشخاص الأنواع، فكأنّه قال: «اغسل ثوبك من أبوال

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 43، جواهر الكلام 5: 283، العروة الوثقىٰ 1: 55.

(2) غنية النزوع 1: 40.

(3) مختلف الشيعة 1: 297، التنقيح الرائع 1: 146، مدارك الأحكام 2: 265، ذخيرة المعاد: 146/ السطر 35.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 136/ السطر 15، ذخيرة المعاد: 145/ السطر 15 و 20.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 51، مفاتيح الشرائع 1: 65.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 26

كلّ نوع لا يؤكل لحمه» كما يظهر من الأمثلة التي في بعض الروايات، ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه أو موثّقته «1» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يصيبه بعض أبوال البهائم، أ يغسله أم لا؟ قال

يغسل بول الحمار و الفرس و البغل، و أمّا الشاة و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله «2».

و

عنه مثله، إلّا أنّه قال

و ينضح بول البعير و الشاة، و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله «3».

إلىٰ غير ذلك ممّا هي ظاهرة في أنّ الحكم في الطرفين معلّق على الأنواع، و لا ريب في أنّ الظاهر من ذلك التعليق أنّ النوع ممّا أُكل أو لا، و لا تتنافىٰ مأكوليّته مع عروض العدم بالجلل و غيره لبعض الأفراد.

نعم، لو كان موضوعه أفراد الأنواع كان الجلّال مصداقه، لكنّه خلاف ظواهر الأدلّة.

و أمّا الاستشهاد للمطلوب «4» بما ورد من غسل عرق الجلّال «5»، ففي غير محلّه و لو قلنا بنجاسته؛ لحرمة القياس. و دعوى الأولوية غير مسموعة بعد احتمال كون نجاسة عرقه لكونه فضل العذرة، بخلاف بوله. مع أنّ الأقوىٰ

______________________________

(1) تقدّم وجه الترديد في الصفحة 21، الهامش 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 247/ 711 و 266/ 780، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 9.

(3) تهذيب الأحكام 1: 422/ 1337، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 10.

(4) جواهر الكلام 5: 284.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 423، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 15، الحديث 1 و 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 27

عدم نجاسة عرق ما عدا الإبل الجلّالة، كما يأتي «1».

نعم، لو أُغمض عمّا ذكرنا، فلا مجال للقول بتعارض ما دلّ علىٰ نجاسة بول غير المأكول و روثه مع ما دلّ علىٰ طهارتهما من الغنم و البقر، تعارضَ العموم من وجه «2»، فيرجع إلىٰ أصالة الطهارة و استصحابها؛ لتقدّم الاولىٰ على الثانية بنحو من الحكومة، لأنّ المأكوليّة و غيرها من الأوصاف الانتزاعية الزائدة على الذات، و الدليل الدالّ على الحكم المعلّق عليها،

مقدّم عرفاً على الدالّ على الحكم المعلّق علىٰ عناوين الذات.

و كيف كان: لا مجال للتشكيك في الحكم بعد ما عرفت من تسلّمه بين الأصحاب؛ و إن احتمل أن يكون مستندهم فيه هو الأدلّة اللفظية؛ بدعوىٰ عمومها للمحرّم بالعرض، كما صرّح به بعضهم «3»، و بُعد وصول شي ء آخر إليهم غير ما وصل إلينا، لكن مع ذلك الأقوىٰ ما عليه الأصحاب، و لفهم العلّية من الأدلّة و الدورانِ مدارها ببركة فهمهم منها، و إمكانِ دعوى إطلاق أدلّة نجاسة البول و العذرة، و المتيقّن من الخروج هو ما للمأكول فعلًا، و المتأيّد في روثة بأنّه من فضل العذرة، و هو أردأ منها.

نجاسة بول و خرء الطير الذي لا يؤكل لحمه

و منها: اختلفوا في رجيع الطير، فعن الصدوق في «الفقيه»: «لا بأس بخرء ما طار و بوله» «4» و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين المأكول و غيره. و حكي القول

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 487.

(2) غنائم الأيّام 1: 382 383، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 336/ السطر 13.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 51، غنائم الأيّام 1: 382، جواهر الكلام 5: 283.

(4) الفقيه 1: 41/ 164.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 28

بطهارته عن ابن أبي عقيل و الجعفي «1»، و تبعهم جمع من متأخّري المتأخّرين «2».

و عن الشيخ في «المبسوط» القول بها فيما عدا الخشّاف، فقال: «بول الطيور و ذرقها كلّه طاهر إلّا الخشّاف» «3».

و عن المشهور القول بنجاسة خرء ما لا يؤكل و بوله، بل في «الجواهر»: «شهرة عظيمة تقرب الإجماع إن قلنا بشمول لفظ «الغائط» و «العذرة» و «الروث» في عبارات الأصحاب لما نحن فيه، كما قطع به العلّامة الطباطبائي في «مصابيحه» «4» بالنسبة إلىٰ خصوص عباراتهم» «5» انتهىٰ.

و هو ليس ببعيد؛ لما

عرفت من تصريح اللغويين بمساوقة «العذرة» «للخُرء» و شيوع إطلاق «الخُرء» علىٰ رجيع الطير في الأخبار و غيرها «6».

و عن الحلّي في باب البئر: «قد اتفقنا علىٰ نجاسة ذرق غير المأكول من سائر الطيور، و قد رويت رواية شاذّة لا يعوّل عليها: أنّ ذرق الطائر طاهر سواء كان مأكول اللحم، أو غير مأكوله، و المعمول عند محقّقي أصحابنا و المحصّلين منهم خلاف هذه الرواية؛ لأنّه هو الذي يقتضيه أخبارهم المجمع عليها» «7» انتهىٰ.

و في «التذكرة»: «البول و الغائط من كلّ حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 298، ذكرى الشيعة 1: 110.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 65، مدارك الأحكام 2: 262، الحدائق الناضرة 5: 7 11، مستند الشيعة 1: 141.

(3) المبسوط 1: 39.

(4) المصابيح في الفقه: 174 (مخطوط).

(5) جواهر الكلام 5: 275.

(6) تقدّم في الصفحة 22 24.

(7) السرائر 1: 80.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 29

اللحم، نجسان بإجماع العلماء كافّة، و للنصوص الواردة عن الأئمّة (عليهم السّلام) بغسل البول و الغائط عن المحلّ الذي أصاباه، و هي أكثر من أن تحصى. و قول الشيخ في «المبسوط» بطهارة ذرق ما يؤكل لحمه من الطيور لرواية أبي بصير ضعيف؛ لأنّ أحداً لم يعمل بها» «1» انتهىٰ.

و هو ظاهر في أنّ الروايات المشتملة على «البول» و «العذرة» و «الخُرء» بإطلاقها شاملة للطيور و غيرها من أصناف الحيوان، و كذا كلمات الفقهاء المشتملة عليها و على «الغائط» و نحوه، و يظهر ذلك من الحلّي أيضاً.

و عن «الغنية»: «و النجاسات هي بول ما لا يؤكل و خرؤه بلا خلاف، و ما يؤكل لحمه إذا كان جلّالًا بدليل الإجماع» «2».

و شمول «الخرء» لرجيع الطير

ممّا لا سبيل إلىٰ إنكاره.

و عن «الخلاف» دعوى إجماع الفرقة و أخبارهم علىٰ نجاسة بول و ذرق ما لا يؤكل طيراً أو غيره «3».

و عن «الجامعية في شرح الألفية» دعوى إجماع الكلّ علىٰ نجاستهما من الطير غير المأكول و غير الطير «4».

فعليه يشكل العمل بصحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ شي ء يطير فلا بأس ببوله و خرئه «5».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 49.

(2) غنية النزوع 1: 40.

(3) الخلاف 1: 487.

(4) انظر جواهر الكلام 5: 276، المسالك الجامعيّة: 72.

(5) الكافي 3: 58/ 9، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 30

و عن «البحار»: وجدت بخطّ الشيخ محمّد بن عليّ الجبعي نقلًا من «جامع البَزَنْطي» عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خرء كلّ شي ء يطير و بوله لا بأس به «1».

لعدم ثبوت عمل الصدوق بها و إن كان ظاهر «فقيهة» «2» سيّما مع ما عن «مقنعه» قال: «و إن أصاب ثوبك بول الخشاشيف فاغسل ثوبك». و روى: أنّه

لا بأس بخرء ما طار و بوله، و لا تصلّ في ثوب أصابه ذرق الدجاج «3»

انتهىٰ.

فإنّ الظاهر منه عدم عمله بما روي. و لم يحضرني عبارة الجعفي و ابن أبي عقيل. و لا يعتمد بما في «المبسوط» مع دعوى الإجماع في «الخلاف» علىٰ خلافه «4»، و مع فتواه في «النهاية» التي هي معدّة لذلك علىٰ نجاسة ذرق غير المأكول من الطيور «5».

كما أنّه لا اعتماد علىٰ فتوى متأخّري المتأخّرين مع إعراض الأصحاب عن الصحيحة بشهادة الحلّي و العلّامة، مع صحّة سندها، و وضوح دلالتها. و لا شبهة

في أنّ المشهور بين قدماء أصحابنا هو النجاسة، و لهذا لم ينقل الخلاف إلّا ممّن ذكر، فتكون الفتوىٰ بالطهارة شاذّة.

و لو أُغمض عن ذلك، و محّضنا النظر في الروايات، فيمكن أن يقال: إنّ بين

______________________________

(1) بحار الأنوار 77: 110.

(2) الفقيه 1: 41/ 164.

(3) المقنع: 13 14.

(4) الخلاف 1: 485.

(5) النهاية: 51.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 31

صحيحة أبي بصير و صحيحة ابن سِنان «1»، تعارضَ العموم من وجه بدواً؛ فإنّ الأُولىٰ بعمومها شاملة لغير المأكول، و الثانية بإطلاقها شاملة له.

نعم، هنا رواية أُخرى عن ابن سِنان رواها الكليني في أبواب لباس المصلّي، عن عليّ بن محمّد، عن عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اغسل ثوبك من بول كلّ ما لا يؤكل لحمه «2»

، فهي أيضاً شاملة له بالعموم.

لكن فيها إرسال؛ لأنّ عليّ بن محمّد من مشايخ الكليني، و لم يدرك ابن سِنان؛ فإنّه من أصحاب أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و لم يثبت إدراكه لأبي الحسن موسى (عليه السّلام) كما يشهد به التتبّع، و شهد به النجاشي «3» و إن عدّه الشيخ من أصحابه (عليه السّلام) «4»، و لا إشكال في عدم إدراك عليّ بن محمّد و من في طبقته له و لمن في طبقته، بل في طبقة متأخّرة منه أيضاً، كابن أبي عمير و جميل و من في طبقتهما.

و علىٰ أيّ تقدير: بينهما جمع عرفي في مورد الاجتماع؛ لأنّ الأمر بالغسل من بول ما لا يؤكل من الطير، حجّة على الإلزام و الوجوب ما لم يرد الترخيص، و نفي البأس ترخيص. و لو سلّم ظهوره في الوجوب لغة يجمع بينهما بحمل الظاهر على النصّ، و

صحيحة أبي بصير نصّ في عدم الوجوب.

______________________________

(1) عن عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه.

الكافي 3: 57/ 3، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 406/ 12، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 3.

(3) رجال النجاشي: 214/ 558.

(4) رجال الطوسي: 339/ 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 32

و توهّم عدم إمكان التفكيك في مفاد الهيئة مدفوع:

أمّا علىٰ ما ذكرناه في محلّه: بأنّها لا تدلّ إلّا على البعث و الإغراء من غير دلالة على الوجوب أو الاستحباب وضعاً «1»، فظاهر؛ لعدم لزوم التفكيك في مفادها الذي هو البعث و الإغراء و إن انقطعت الحجّة على الإلزام بالنسبة إلىٰ مورد الترخيص دون غيره.

و أمّا علىٰ ما قالوا «2»، فللكشف عن استعمالها في مطلق الرجحان.

و كيف كان: لا تعارض بينهما بعد الجمع العقلائي. مضافاً إلىٰ ما قيل: من تقدّم أصالة العموم علىٰ أصالة الإطلاق «3»، فيقدّم صحيحة أبي بصير بعمومها علىٰ إطلاق صحيحة ابن سِنان. و روايتُه الأُخرىٰ و إن كانت عامّة، لكن قد عرفت أنّه لا ركون إليها و إن كان في تقديم أصالة العموم علىٰ أصالة الإطلاق إشكال و كلام «4».

مع إمكان أن يقال: إنّ صحيحة ابن سِنان غير ظاهرة في الوجوب، و لا حجّة عليه؛ لقرب احتمال أن يكون المراد من

ما لا يؤكل لحمه

ما لا يعدّ للأكل، و لا يكون أكله متعارفاً، لا ما يحرم أكله شرعاً. بل لا يبعد دعوى ظهورها في ذلك؛ لأنّ ما يؤكل و ما لا يؤكل ظاهران فيما يأكله الناس و

ما لا يأكله، و الحمل على ما يحرم أو يحلّ يحتاج إلىٰ تقدير و تأويل.

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 243 و 250 251، تهذيب الأُصول 1: 135.

(2) معالم الدين: 46، قوانين الأُصول 1: 83/ السطر 16.

(3) فرائد الأُصول 2: 792، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 511 و 4: 729 730.

(4) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 75 77.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 33

و تشهد لما ذكر صحيحة عبد الرحمن أو موثّقته «1» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يصيبه بعض أبوال البهائم، أ يغسله أم لا؟ قال

يغسل بول الفرس و الحمار و البغل، فأمّا الشاة و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله «2».

حيث قابل فيها بين الفرس و أخويه، و بين ما يؤكل لحمه.

و رواية العيّاشي، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن أبوال الخيل و البغال و الحمير، قال

فكرهها.

فقلت: أ ليس لحمها حلالًا؟ قال فقال

أ ليس قد بيّن اللّٰه لكم وَ الْأَنْعٰامَ خَلَقَهٰا لَكُمْ فِيهٰا دِفْ ءٌ وَ مَنٰافِعُ وَ مِنْهٰا تَأْكُلُونَ و قال في الخيل وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغٰالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهٰا وَ زِينَةً؟! إلىٰ أن قال و ليس لحومها بحرام، و لكنّ الناس عافوها «3».

مضافاً إلى الروايات الكثيرة الآمرة بالغسل من أبوال البهائم الثلاث «4»، فيضعف ظهور قوله (عليه السّلام)

اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه «5»

في الوجوب حتّى يستفاد منه النجاسة؛ بعد معلومية عدم نجاسة بول تلك البهائم من الصدر الأوّل، خصوصاً في زمان الصادقين (عليهما السّلام) حيث كانت طهارته ضرورية، مع كثرة ابتلاء الأعراب بها، و كثرة حشرهم مع تلك الدوابّ في

______________________________

(1) تقدّم

وجه الترديد في الصفحة 21، الهامش 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 247/ 711 و 266/ 780، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 9.

(3) تفسير العيّاشي 2: 255، مستدرك الوسائل 2: 558، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 5، الحديث 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 406 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9.

(5) تقدّم في الصفحة 31، الهامش 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 34

الحروب و غيرها من زمن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلىٰ عصر الصادقين (عليهما السّلام).

و بالجملة: إن قلنا بظهور صحيحة ابن سِنان فيما لا يعدّ للأكل و لا يأكله الناس فعلًا، لا يبقى ظهور الأمر بالغسل في الوجوب.

ثمّ لو أُغمض عن ذلك، و قلنا بتعارض الروايتين، و قلنا بعدم شمول أدلّة العلاج للعامّين من وجه كما هو الأقرب «1»، فالقاعدة تقتضي سقوطهما و الرجوعَ إلىٰ أصالة الطهارة. إلّا أن يقال بإطلاق الروايات الواردة في البول، كصحيحة ابن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن البول يصيب الثوب، قال

اغسله مرّتين «2».

و نحوها غيرها «3».

و إطلاق ما وردت في العذرة تقدّم جملة منها «4»؛ و إن كان في إطلاقها لبول الطير كلام. و قد يقال بعدم البول للطيور غير الخُفّاش «5»، كما يظهر من رواية المفضّل اختلافه مع سائر الطيور في أُمور، منها: أنّه يبول دونها «6».

و يحتمل أن يكون بول الطيور مخلوطاً برجيعها؛ لوحدة مخرجهما.

______________________________

(1) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 100 105.

(2) تهذيب الأحكام 1: 251/ 721، وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،

الباب 1.

(4) تقدّم في الصفحة 20 21.

(5) مستند الشيعة 1: 144، مصباح الفقيه، الطهارة: 518/ السطر 17.

(6) نقلها في البحار، عن المفضل .. خلق الخفّاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير و ذوات الأربع أقرب، و ذلك أنّه ذو اذنين ناشزتين و أسنان و وبر و هو يلد ولاداً و يرضع و يبول و يمشي إذا مشى علىٰ أربع، و كلّ هذا خلاف صفة الطير .. إحديهما خروج ما يخرج منه من الثفل و البول فإنّ هذا لا يكون من غير طعم. بحار الأنوار 3: 107.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 35

و تشهد لوجود البول للطيور صحيحة أبي بصير المتقدّمة «1»؛ لبعد إلقاء الكلّية في بول الطير لمكان الخُفّاش فقط.

و الإنصاف: أنّه لولا إعراض الأصحاب عن صحيحة أبي بصير، لكان القول بالطهارة متّجهاً؛ لما مرّ من الوجوه «2»، و العمدة منها الجمع العقلائي بينها و بين غيرها، لكن لا مجال للوسوسة بعد ما عرفت. بل و لو لا الخدشة المتقدّمة في رواية «المختلف» عن «كتاب عمّار بن موسى» «3» لكانت الرواية من أقوى الشواهد علىٰ أنّ علّة عدم البأس في خرء الخُطّاف مأكولية اللحم، لا الطيران، و إلّا كان التعليل به أولىٰ، بل متعيّناً، فيظهر منها أنّ الطيور أيضاً علىٰ قسمين.

نجاسة بول الخُفّاش

و ممّا ذكرنا يظهر حال بول الخُفّاش، بل القول بالنجاسة فيه أظهر:

لا لرواية داود قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي، فأطلبه فلا أجده، فقال

اغسل ثوبك «4».

لضعفها سنداً و عدم مقاومتها لموثّقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليهما السّلام) قال

لا بأس بدم البراغيث و البقّ و بول الخشاشيف «5»

، لا سنداً و

لا دلالة

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 29.

(2) تقدّم في الصفحة 31.

(3) تقدّمت في الصفحة 18.

(4) تهذيب الأحكام 1: 265/ 777، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 4.

(5) تهذيب الأحكام 1: 266/ 778، وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 36

أمّا الأوّل فواضح؛ لعدم من يتأمّل فيه في سندها إلّا غياث و هو موثّق أوثقه «1» بخلاف الاولىٰ فإنّ في سندها موسى بن عمر، و يحيى بن عمر، و لم يرد فيهما توثيق.

و أمّا دلالة، فلتقدّمها عليها تقدّم النصّ على الظاهر. مع تأيّدها بما عن «نوادر الراوندي» بإسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه (عليهم السّلام)

أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) سئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخشاشيف، و دماء البراغيث، فقال: لا بأس به «2».

بل لما تقدّم من عدم العامل بمثل هذه الرواية «3». و الشيخ الذي أفتىٰ في «المبسوط» بطهارة بول الطيور و ذرقها استثنى الخُفّاش «4»، و حمل هذه الرواية على التقية «5»، مع أنّها أخصّ مطلقاً من أدلّة نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه، فهي إذن شاذّة لا يعبأ بها.

طهارة خرء الدجاجة

و أمّا خرء الدجاجة، فلا ينبغي الإشكال في طهارته، بل مع شدّة ابتلاء الناس به لو كان نجساً لصار من الضروري.

______________________________

(1) الترديد لأجل اختلاف في مذهب غياث بن إبراهيم، فإنّه مردّد بين كونه إمامياً ثقة كما يظهر من ا النجاشي و كونه بترياً كما في رجال الشيخ الطوسي.

راجع رجال النجاشي: 305/ 833، رجال الطوسي: 142/ 1، تنقيح المقال 2: 366/ السطر 13.

(2) لم نجده في النسخة المطبوعة من النوادر، انظر بحار الأنوار

77: 110، مستدرك الوسائل 2: 559، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 6، الحديث 1.

(3) تقدّم في الصفحة 29 30 و 35.

(4) المبسوط 1: 39.

(5) تهذيب الأحكام 1: 266، ذيل الحديث 778.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 37

مع إمكان دعوى ضرورية طهارته. مضافاً إلى العمومات «1»، و خصوص رواية وهب «2».

و أمّا رواية فارس قال: كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج، تجوز الصلاة فيه؟ فكتب

لا «3».

فمردودة علىٰ راويها الذي هو فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني الكذّاب اللعين، المختلط الحديث و شاذّه، المقتول بيد أصحاب أبي محمّد العسكري (عليه السّلام) و بأمر أبي الحسن (عليه السّلام) كما هو المروي «4».

فما عن المفيد و الشيخ من القول بنجاسته «5» غير وجيه.

بل عن ظاهر الثاني في «التهذيب» و «الاستبصار» موافقة الأصحاب «6».

______________________________

(1) و هي العمومات التي وردت في ما يؤكل لحمه، راجع وسائل الشيعة 3: 406 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9.

(2) عن وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السّلام) أنّه قال: لا بأس بخرء الدجاج و الحمام يصيب الثوب.

تهذيب الأحكام 1: 283/ 831، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 266/ 782، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 3.

(4) اختيار معرفة الرجال: 522 524، رجال الطوسي: 390/ 3، تنقيح المقال 2: 1/ السطر الأوّل (أبواب الفاء).

(5) المقنعة: 71، المبسوط 1: 36.

(6) تهذيب الأحكام 1: 284، ذيل الحديث 831، الاستبصار 1: 178، ذيل الحديث 619.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 38

طهارة أبوال و أرواث الخيل و البغال و الحمير

و من بعض ما تقدّم يظهر وضوح طهارة أبوال

الخيل و البغال و الحمير و أرواثها؛ فإنّها مع هذا الابتلاء الكثير المشاهد خصوصاً في بلاد الأعراب في حروبهم و غيرها لو كانت نجسة لصارت ضرورية واضحة لدى المسلمين؛ لا يشكّ فيها أحد منهم، مع أنّ الطهارة في جميع الأعصار كالضروري لا يحوم حولها التشكيك.

فالقول بالنجاسة اغتراراً بالروايات الآمرة بالغسل من أبوالها «1»، في غاية السقوط و لو فرض عدم الروايات النافية للبأس عنها، و في مثل المقام يقال: «كلّما ازدادت الروايات صحّة و كثرة ازدادت وهناً و ضعفاً».

مع أنّ الجمع بينها عقلائي، و التصرّف فيها من أوهن التصرّفات، ففي حسنة معلّى بن خنيس و عبد اللّٰه بن أبي يعفور أو صحيحتهما قالا: كنّا في جنازة و قدّامنا حمار فبال، فجاءت الريح ببوله حتّى صكّت وجوهنا و ثيابنا، فدخلنا علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فأخبرناه فقال

ليس عليكم بأس «2».

و ليس في سندها من يتأمّل فيه إلّا الحكم بن مسكين، و هو مع كونه كثير الرواية و مقبولها، و روايةِ مثل ابن أبي عمير و ابن محبوب و ابن أبي الخطّاب و الحسن بن عليّ بن فضّال عنه، و كونِه كثير الكتب يندرج في الحسان.

بل عن الوحيد في «حاشية المدارك» عن المحقّق الحكم بصحّة

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 406، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9.

(2) تهذيب الأحكام 1: 425/ 1351، وسائل الشيعة 3: 410، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 39

رواياته «1»، و معه لا مجال للتوقّف فيها. و هي نصّ في المطلوب، فيحمل عليها ما هو ظاهر في وجوب الغسل لو سلّم ذلك.

و عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن

جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الدابّة تبول، فيصيب بولها المسجد أو حائطه، أ يصلّىٰ فيه قبل أن يغسل؟ قال

إذا جفّ فلا بأس «2».

قال في «الوسائل»: «و رواه عليّ بن جعفر في كتابه مثله» «3» فهي صحيحة بالطريق الثاني.

و صحيحته الأُخرىٰ، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الثوب يقع في مربط الدابّة علىٰ بولها و روثها، كيف يصنع؟ قال

إن علق به شي ء فليغسله، و إن كان جافّاً فلا بأس «4».

و الظاهر من فرض وقوعه في الأبوال وصولها إليه و تأثّره منها، فحينئذٍ يراد بقوله

إن كان جافّاً

صيرورته جافّاً بعد وصول البول إليه، لا إبداع الشكّ في الوصول أو فرض عدمه؛ فإنّهما خلاف الظاهر منها، تأمّل.

و رواية النخّاس قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أُعالج الدوابّ، فربّما

______________________________

(1) حاشية المدارك، ضمن مدارك الأحكام: 221، ذيل قوله «و هو مجهول» (ط. حجري)، منتهى المقال 3: 106، تنقيح المقال 1: 360/ السطر 28.

(2) قرب الإسناد: 205/ 794، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 18.

(3) مسائل عليّ بن جعفر: 188/ 380، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، ذيل الحديث 18.

(4) مسائل عليّ بن جعفر: 130/ 116، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 40

خرجت بالليل و قد بالت و راثت، فيضرب أحدها برجله أو يده، فينضح علىٰ ثيابي، فأُصبح فأرىٰ أثره فيه، فقال

ليس عليك شي ء «1».

و الظاهر أنّ المراد بالدابّة عند الإطلاق الخيل و أخواه، كما تشهد به رواية زرارة الآتية.

نعم، يحتمل في رواية النخّاس عدم العلم بوصول البول إلىٰ

ثيابه، لكن بعد فرض أنّها بالت و راثت، مع كون بولها و روثها في مكان واحد، فلا محالة لو كانت الأبوال نجسة صارت الأرواث بملاقاتها نجسة، سيّما مع فرض دوابّ كثيرة في مكان واحد. فنفي البأس عن الروث دليل علىٰ عدم البأس في أبوالها أيضاً. و منه يظهر إمكان الاستيناس أو الاستدلال للمقصود ببعض ما دلّت علىٰ نفي البأس في الأرواث «2».

و في رواية زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام): في أبوال الدوابّ تصيب الثوب، فكرهه.

فقلت: أ ليس لحومها حلالًا؟ فقال

بلىٰ، و لكن ليس ممّا جعله اللّٰه للأكل «3».

بدعوىٰ ظهور «كرهه» في الكراهة و إن لا تخلو من إشكال.

و في موثّقة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

أنّ

______________________________

(1) الكافي 3: 58/ 10، وسائل الشيعة 3: 407، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 2.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 406، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 1 و 3 و 16.

(3) الكافي 3: 57/ 4، وسائل الشيعة 3: 408، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 41

الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله، فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد؛ لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ اللّٰه أكله.

ثمّ قال

يا زرارة، هذا عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان ممّا يؤكل لحمه، فالصلاة في وبره و بوله و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز .. «1»

إلىٰ آخره.

إلىٰ غير ذلك ممّا

هو نصّ في الطهارة و عدم البأس، و الجمع بينها و بين ما أمر فيها بالغسل عقلائي؛ بحمل الثانية علىٰ رجحان التنزّه عنها.

و لقد أطنب صاحب «الحدائق» في المقام، و أتى بغرائب، و أطال اللسان علىٰ محقّقي أصحابنا بزعم تنبّهه على أُمور غفل عنها المحصّلون «2»، و لو لا مخافة تضييع الوقت لسردت إيراداته مع ما يرد عليها، لكنّ الأولى الغضّ عنها بعد وضوح المسألة.

نجاسة بول الرضيع

و أمّا بول الرضيع، فلم ينقل الخلاف في نجاسته إلّا عن ابن الجنيد، فإنّه قال: «بول البالغ و غير البالغ من الناس نجس، إلّا أن يكون غير البالغ صبيّاً ذكراً، فإنّ بوله و لبنه ما لم يأكل اللحم ليس بنجس» «3».

______________________________

(1) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

(2) الحدائق الناضرة 5: 20 31.

(3) انظر مختلف الشيعة 1: 301.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 42

و الظاهر منه نجاسة لبنه إذا أكل اللحم، و هو غريب.

كما أنّ التقييد بأكل اللحم أيضاً غريب، لكن عن «المدارك» حكاية «الطعام» بدل «اللحم» عنه «1».

و الأقوى ما عليه الأصحاب، لا لروايات غسل بول ما لا يؤكل؛ فإنّها منصرفة عن الإنسان، بل للإجماع المحكيّ عن السيّد «2»، بل دخوله في معقد إجماع غيره «3»، و للروايات الخاصّة الآمرة بالغسل تارة، كموثّقة سَماعة «4»، و بالصبّ و العصر أُخرى، كصحيحة الحسين بن أبي العلاء «5»؛ بناءً علىٰ وثاقته «6»، و بالصبّ ثالثة، مفصّلًا بين من كان قد أكل و غيره، مع الحكم بأنّ الغلام و الجارية شرع سواء «7».

و لا منافاة بين ما دلّت على الغسل و ما دلّت على الصبّ؛ إمّا بحمل الغسل

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 263.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 1.

(3) منتهى المطلب 1: 159/ السطر 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 251/ 723، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 3.

(5) الكافي 3: 55/ 1، وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 1.

(6) راجع تنقيح المقال 1: 317/ السطر 11.

(7) و هي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن بول الصبي؟ قال: تصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلًا و الغلام و الجارية شرع سواء.

الكافي 3: 56/ 6، وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 43

على الصبّ بأن يقال: إنّه نحو من الغسل، و ما دلّت عليه حاكمة علىٰ ما دلّت على الغسل، و بيان لكيفيّته.

أو يقال: إنّ ما دلّت على الصبّ مطلقاً محمولة علىٰ غير من أكل، و ما دلّت على الغسل محمولة على من أكل؛ بشهادة صحيحة الحلبي المفصّلة بينهما لو قلنا: بأنّ الغسل مباين له.

و أمّا توهّم: أنّ ما دلّت على الصبّ لا تدلّ على النجاسة؛ لبعد أن يكون الصبّ مطهّرها مع بقاء الغسالة فيه، بعد البناء علىٰ عدم وجوب العصر، كما يأتي في محلّه «1».

فمدفوع: بأنّ غاية ما لزم من عدم لزوم انفصال غسالته أنّها طاهرة، فلا يلزم انفصالها، و هي غير مستبعدة بعد وقوع نظيرها في باب الاستنجاء، فإنّ لازم طهارة مائه أنّه يجوز صبّ الماء على الحشفة في السراويل. بل وضعها علىٰ ثوب و صبّ الماء عليها.

نعم، لو قلنا بلزوم انفصال غسالتها، يكون ذلك نحو افتراق بينهما، مع اشتراكهما في عدم

نجاسة غسالتهما.

فالقائل بالطهارة إن أراد عدم لزوم غسل بول الصبي و كذا الصبّ عليه، فمحجوج بالروايات المعتبرة الدالّة على لزوم الصبّ و الغسل، و لا يمكن رفع اليد عنها بمجرّد الاستبعاد مع تعبّدية الحكم.

و إن أراد أنّه مع لزومه لا يكون البول نجساً، فهو أبعد ممّا استبعده؛ ضرورة أنّ الأمر بالصبّ ليس إلّا لنحو تغسيل له، لا حكم تعبّدي غير مربوط بباب التطهير و التغسيل.

______________________________

(1) يأتي في الجزء الرابع: 140.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 44

و أمّا ما ورد في قضيّة الحسنين (عليهما السّلام) في رواية الراوندي و «الجعفريات» عن عليّ (عليه السّلام): من عدم غسل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ثوبه من بولهما قبل أن يطعما «1»، فلا تنافي الروايات؛ لأنّ «الغسل» منصرف أو حقيقة فيما يتعارف من انفصال الغسالة، و هو غير لازم، فلم يفعل النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و لا ينافي لزوم الصبّ، كما تشهد به رواية الصدوق في «معاني الأخبار»: «أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) اتي بالحسن بن عليّ (عليه السّلام) فوضع في حجره فبال، فقال

لا تزرموا ابني

ثمّ دعا بماء فصبّ عليه» «2».

بل لا يبعد أن تكون القضيّة واحدة. بل ورد في مولانا الحسين (عليه السّلام) شبه القضيّة فقال

مهلًا يا أُمّ الفضل، فهذا ثوبي يغسل، و قد أوجعت ابني «3».

و في رواية فقال

مهلًا يا أُمّ الفضل، إنّ هذه الإراقة الماء يطهّرها، فأيّ شي ء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين (عليه السّلام)؟! «4».

مضافاً إلىٰ أنّ الروايات الواردة في القضيّتين، ضعاف لا ركون إليها لإثبات حكم.

و أمّا رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه

(عليهما السّلام)

أنّ عليّاً (عليه السّلام) قال: لبن

______________________________

(1) راجع نوادر الراوندي، ضمن الفصول العشرة: 39، الجعفريات، ضمن قرب الإسناد: 12/ السطر 11، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 2 و 4.

(2) معاني الأخبار: 211/ 1، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 4.

(3) الملهوف على قتلى الطفوف: 92، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 5.

(4) مستدرك الوسائل 2: 557، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 4، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 45

الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة أُمّها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل أن يطعم؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين «1».

فمع اشتمالها على ما يخالف الإجماع و الاعتبار، و معارضتها لصحيحة الحلبي المصرّحة بالتسوية «2»، و إمكان كون التصريح بها لدفع مثل ما صدر تقيّة، و إمكان أن يقال: إنّه لا يغسل من بوله و إن صبّ عليه، فيكون طريق جمع بينها و بين روايات الصبّ، لا تصلح لإثبات حكم مخالف للإجماع و الأدلّة العامّة و الخاصّة.

طهارة بول و رجيع ما لا نفس له

و منها: لا ينبغي الإشكال في طهارة رجيع ما لا نفس له إذا كان من غير ذوات اللحوم، كالذباب و الخنفساء و نحوهما و إن حكي عن «المعتبر» التردّد فيه «3» لانصراف أدلّة ما لا يؤكل لحمه عنها بلا إشكال.

و توهّم أعمّية ما لا يؤكل من السالبة بسلب الموضوع، في غاية السقوط.

و أمّا ما لا نفس له من ذوات اللحوم، ففي طهارة بولها و رجيعها، و نجاستهما، و التفصيل بين البول و

الرجيع بنجاسة الأوّل دون الثاني، وجوه.

و الظاهر عدم إجماع في المسألة يمكن الاتكال عليه في إثبات شي ء ممّا ذكر؛ و إن قال صاحب «الحدائق»: «الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 250/ 718، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 4.

(2) تقدّم في الصفحة 42، الهامش 7.

(3) المعتبر 1: 411.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 46

في طهارة رجيع ما لا نفس له، كالذباب و نحوه» «1».

و يشعر قول العلّامة في «التذكرة» بعدم الخلاف بيننا؛ حيث نسب الخلاف إلى الشافعي قال: «رجيع ما لا نفس له سائلة كالذباب و الخنافس طاهر؛ لأنّ دمه طاهر، و كذا ميتته، و روث السمك، و للشافعي في الجميع قولان» «2» انتهىٰ. لكن مع احتمال أن يكون دعوى عدم الخلاف في مثل الذباب ممّا لا لحم له، و هو مسلّم، أنّ ذلك غير مجدٍ.

مع ما نرىٰ من إطلاق كلام كثير من الأصحاب، كصاحب «الوسيلة»، و «النهاية»، و «المراسم»، و «الغنية»، و «إشارة السبق» «3»، و لا يبعد الاستظهار من «الناصريات»، و محكيّ «المقنعة»، و «الخلاف»، و «الجمل»، و «النافع»، و «الدروس» «4»، مع تقييد بعضهم في الميتة و الدم بما لا نفس له ممّا يؤكّد الإطلاق. و الإطلاق معقد لا خلاف «الغنية» و محكيّ «الخلاف» «5».

و الإنصاف: أنّ المسألة اجتهادية لا إجماعية، و منشأ الخلاف يمكن أن يكون اختلافهم في فهم الإطلاق من الروايات الدالّة على نجاسة العذرة التي

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 13.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 51.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77 78، النهاية: 51، المراسم: 55، غنية النزوع 1: 40، إشارة السبق، ضمن الجوامع الفقهيّة: 119/ السطر 34.

(4)

الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 216/ السطر 31، المقنعة: 69، الخلاف 1: 485، الجمل و العقود، ضمن الرسائل العشر: 171، المختصر النافع: 18، الدروس الشرعيّة 1: 123.

(5) غنية النزوع 1: 40، الخلاف 1: 485.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 47

مرّت جملة منها «1». و كذا اختلافهم في صدقها علىٰ غير ما للإنسان؛ بحيث تشمل رجيع ما لا نفس له. و كذا في البول من الخلاف في الإطلاق.

و المسألة محلّ تردّد من هذه الجهة؛ لعدم الوثوق بإطلاق معتدٍّ به في الأدلّة، و احتمال اختصاص العذرة بالآدمي، كما قال جمع «2»، أو بالأعمّ منه و من السباع، كالسنَّوْر و الكلب، لا مثل رجيع الطير و ما لا نفس له، أو منصرفة إليه.

بل يمكن أن يقال: إنّه ليس في الروايات ما أطلق الحكم على العذرة؛ لأنّ أوضحها دلالة و إطلاقاً رواية عليّ بن محمّد قال: سألته عن الفأرة و الدجاجة و الحمامة و أشباهها تطأ العذرة، ثمّ تطأ الثوب، أ يغسل؟ قال

إن كان استبان من أثره شي ء فاغسله «3».

و عبدِ الرحمان: عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنّوْر أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال

إن كان لم يعلم فلا يعيد «4».

و عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الدجاجة و الحمامة و أشباههما تطأ العذرة، ثمّ تدخل في الماء، يتوضّأ منه للصلاة؟

قال

لا، إلّا أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء «5».

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 18.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 24.

(3) تهذيب الأحكام 1: 424/ 1347، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 3.

(4) تهذيب الأحكام 2: 359/ 1487، وسائل الشيعة

3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 5.

(5) تهذيب الأحكام 1: 419/ 1326، وسائل الشيعة 1: 155، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 48

إلىٰ غير ذلك ممّا هي نظيرها أو أخفىٰ منها.

و هي مع كونها في مقام بيان حكم آخر لا نجاسة العذرة، موردها عذرة الإنسان و شبهها ممّا هي محلّ الابتلاء التي تطأها المذكورات، أو تكون في ثوب الإنسان.

و إلغاء الخصوصية عرفاً من موردها حتّى تشمل ممّا لا نفس له، غير ممكن بعد قرب احتمال الخصوصية، سيّما مع طهارة ميتتها و دمها.

و منه يظهر الكلام في صحيحة ابن سِنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه «1».

لعدم الوثوق بإطلاقها لما لا نفس له و ميتتها و دمها طاهرة، و عدم إمكان إلغاء الخصوصية عرفاً بعد ذلك، و الشكِّ في خروج البول منها بحيث يصيب الثوب.

و أمّا روايته الأُخرى «2»، فمرسلة «3» لا يمكن إثبات الحكم بعمومها اللغوي. و المسألة محلّ إشكال و إن كانت الطهارة أشبه، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، خصوصاً في البول.

تردّد صاحب «الجواهر» في الشبهات الموضوعية في المقام

تنبيه: يظهر من صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) نوع ترديد في الشبهات الموضوعيّة، كفضلة لم يعلم أنّها من ذي النفس، قال:

«بقي شي ء بناءً على اعتبار هذا القيد أي كونه من ذي النفس-: و هو

______________________________

(1) الكافي 3: 57/ 3، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 406/ 12، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 3.

(3) تقدّم وجه كونها مرسلة في الصفحة 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)،

ج 3، ص: 49

أنّ مجهول الحال من الحيوان الذي لم يُدرَ أنّه من ذي النفس أو لا، يحكم بطهارة فضلته حتّى يعلم أنّه من ذي النفس؛ للأصل و استصحاب طهارة الملاقي و نحوه.

أو يتوقّف الحكم بالطهارة على اختباره بالذبح و نحوه؛ لتوقّف امتثال الأمر بالاجتناب عليه، و لأنّه كسائر الموضوعات التي علّق الشارع عليها أحكاماً، كالصلاة للوقت و القبلة و نحوهما.

أو يفرّق بين الحكم بطهارته، و بين عدم تنجيسه للغير، فلا يحكم بالأوّل إلّا بعد الاختبار، بخلاف الثاني؛ للاستصحاب فيه من غير معارض، و لأنّه حينئذٍ كما لو أصابه رطوبة متردّدة بين البول و الماء.

وجوه لم أعثر علىٰ تنقيح منها في كلمات الأصحاب» «1» انتهىٰ.

و فيه: أنّه لا شبهة في جريان الأُصول الشرعية في الشبهات الموضوعية، بل الحكمية بعد الفحص. بل الأقوىٰ جريان الأُصول العقلية أيضاً بالنسبة إلىٰ أكل ملاقيه و شربه و سائر التكاليف الاستقلالية، بل و التكاليف الغيرية و الإرشادية لو قلنا بمانعية النجاسة.

نعم، لو قلنا بشرطية الطهارة أو عدم النجاسة يشكل الأصل العقلي، لكن يجري الشرعي؛ لأنّ أصالة الطهارة حاكمة علىٰ أدلّة الاشتراط، و منقّحة لموضوعها، كما حرّرنا في محلّه «2».

نعم، قد يتوقّف في جريانها في الموارد التي ترفع الشبهة بأدنى شي ء

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 289.

(2) مناهج الوصول 1: 317 319، تهذيب الأُصول 1: 191 195.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 50

كالنظر؛ بدعوى انصراف أدلّة الأُصول عن المشكوك فيه الذي يزول الشكّ عنه بأدنى اختبار.

لكنّ الأقوىٰ خلاف ذلك، سيّما في باب النجاسات؛ لصحيحة زرارة فيها: قلت: فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شي ء أن أنظر فيه؟ قال

لا، و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي

وقع في نفسك «1».

بل لا يبعد ظهورها في أنّ عدم لزوم الفحص إنّما هو للاتكال على الاستصحاب؛ و أنّه لا ينبغي نقض اليقين بالشكّ، لا لخصوصيّة النجاسة. كما أنّ الأقرب عدم انصراف الأدلّة عن مثلها.

و ما يقال: «إنّ عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، إنّما هو فيما إذا لم تكن مقدّمات العلم حاصلة؛ بحيث لا يحتاج حصوله إلىٰ أزيد من النظر؛ فإنّ في مثله يجب النظر، و لا يجوز الاقتحام في الشبهات مطلقاً إلّا بعد النظر في المقدّمات؛ لعدم صدق الفحص علىٰ مجرّد النظر» «2».

ففيه: أنّ ذلك يتمّ لو كان الاتكال على الإجماع علىٰ عدم وجوب الفحص، و أمّا لو كان المعوّل عليه إطلاق أدلّة الأُصول، فصدق الفحص و عدمه أجنبي عنه. إلّا أن يدّعى الانصراف، و هو غير مسلّم، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 302.

(3) أنوار الهداية 2: 437، تهذيب الأُصول 2: 422 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 51

المني
نجاسة منيّ الآدمي

الثالث: المنيّ، و هو نجس من الآدمي بلا إشكال و نقل خلاف، بل في «الانتصار» إجماع الشيعة الإمامية على النجاسة «1»، و كذا عن «الخلاف»، و «المسائل الطبرية»، و «الغنية»، و «المنتهىٰ»، و «كشف الحق»، الإجماع علىٰ نجاسته من كلّ حيوان ذي نفس «2». و عن «النهاية»، و «التذكرة» «3»، و «كشف الالتباس» «4»: «أنّها مذهب علمائنا».

و استدلّ عليها السيّد في «الناصريات» مضافاً إلى الإجماع بقوله تعالىٰ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطٰانِ «5».

______________________________

(1) الانتصار: 15.

(2)

مفتاح الكرامة 1: 136/ 31، الخلاف 1: 489، غنية النزوع 1: 42، منتهى المطلب 1: 161/ السطر 22، نهج الحقّ و كشف الصدق: 419.

(3) نهاية الإحكام 1: 267، تذكرة الفقهاء 1: 53.

(4) كشف الالتباس: 206/ السطر 14 (مخطوط).

(5) الأنفال (8): 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 52

قال: «روي في التفسير أنّه تعالىٰ أراد بذلك أثر الاحتلام، فدلّت الآية علىٰ نجاسة المنيّ من وجهين:

أحدهما: قوله تعالىٰ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطٰانِ و الرجز و النجس بمعنى واحد .. إلىٰ أن قال:

و الثاني: من دلالة الآية أنّه تعالىٰ أطلق عليه اسم «التطهير» و «التطهير» لا يطلق في الشرع إلّا لإزالة النجاسة، أو غسل الأعضاء الأربعة» «1» انتهىٰ.

و فيه: أنّ الظاهر من عطف قوله يُذْهِبَ عَنْكُمْ علىٰ قوله لِيُطَهِّرَكُمْ- بالواو الظاهر في المغايرة أنّ التطهير بالماء غير إذهاب رجز الشيطان، فالمراد بالتطهير إمّا التطهير من الخبث، و بإذهاب الرجز رفع الجنابة.

أو المراد منه أعمّ من رفع الخبث و حدث الجنابة، فيكون المراد من إذهاب الرجز إذهاب وسوسة الشيطان، كما عن ابن عبّاس، و ذلك أنّه حكىٰ: «أنّ الكفّار في وقعة بدر قد سبقوا المسلمين إلى الماء، فنزلوا علىٰ كثيب الرمل، فأصبحوا محدثين و مجنبين، و أصابهم الظمأ، و وسوس إليهم الشيطان، فقال: إنّ عدوّكم قد سبقكم إلى الماء، و أنتم تصلّون مع الجنابة و الحدث، و تسوخ أقدامكم في الرمل، فمطرهم اللّٰه حتّى اغتسلوا به من الجنابة، و تطهّروا به من الحدث، و تلبّدت به أرضهم، و أوحلت أرض عدوّهم» «2».

و هذا هو المراد من ذهاب رجز الشيطان، كما عن ابن عبّاس، و عليه لا يتمّ ما ذكره السيّد من الوجهين. نعم، تدلّ على

النجاسة مضافاً إلى الإجماع المحكي المستفيض طوائف من الأخبار

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 14.

(2) انظر مجمع البيان 4: 808، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: 114.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 53

منها: ما أُمر فيها بغسله «1». و احتمال كونه مانعاً من الصلاة من غير كونه نجساً، مقطوع الفساد، خصوصاً بعد إردافه فيها بالدم و البول «2».

و منها: ما أُمر فيها بإعادة الصلاة التي صلّي فيه «3».

و منها: ما أُمر بالصلاة عرياناً مع كون الثوب منحصراً بما فيه الجنابة «4».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 53

و منها: ما دلّ علىٰ جواز الصلاة فيه حال الاضطرار «5».

و منها: ما صرّح فيه بالنجاسة، كقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) علىٰ ما في مرسلة شعيب بن أنس لأبي حنيفة

أيّهما أرجس: البول، أو الجنابة؟ .. «6»

إلىٰ آخره. و روايةِ «العلل» عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام)

و إنّما أُمروا بالغسل من الجنابة، و لم يؤمروا بالغسل من الخلاء، و هو أنجس من الجنابة «7».

إلىٰ غير ذلك، فلا إشكال فيها نصّاً و فتوى.

نعم، هنا روايات ربّما يتوهّم ظهورها في الطهارة

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 423، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 474 و 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 2 و 3 و 9.

(3) وسائل الشيعة 3: 424، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46،

الحديث 1 و 3.

(5) وسائل الشيعة 3: 485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 7.

(6) علل الشرائع: 90/ 5، وسائل الشيعة 2: 180، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 2، الحديث 5.

(7) علل الشرائع: 258/ 9، وسائل الشيعة 2: 179، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 2، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 54

منها: صحيحة أبي أُسامة زيد الشحّام قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): تصيبني السماء و عليّ ثوب، فتبلّه و أنا جنب، فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المنيّ، أ فأُصلّي فيه؟ قال

نعم «1».

و موثّقة ابن بكير، [عن أبي أُسامة]، عنه (عليه السّلام) قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الثوب يكون فيه الجنابة، فتصيبني السماء حتّى يبتل عليّ، قال

لا بأس «2».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر منهما أنّ ملاقي المنيّ طاهر، و لازمه طهارته.

و فيه: أنّ الظاهر منهما أنّ السؤال إنّما هو عن أمر بعد مفروغية نجاسة المنيّ، و ليس السائل بصدد السؤال عن نجاسته، بل بصدد أنّه بمجرّد كون البدن نجساً من المنيّ و صار الثوب مبتلّا بالمطر، يحكم بنجاسة الثوب إذا أصاب بعض ما أصاب الجسد من المنيّ أو لا؟ فأجاب بعدم البأس؛ لأنّ مجرّد ذلك لا يوجب العلم بالسراية و وصول أثر المنيّ إلى الثوب، لاحتمال كون ما أصابه غير مورد البلّة، أو كون البلّة بمقدار لا يوجب السراية.

و بالجملة: لا يحكم بالنجاسة إلّا مع العلم بإصابة الثوب بما أصابه المنيّ مع العلم بالسراية، و مع الشكّ في جهة من الجهات محكوم بالطهارة.

و الشاهد علىٰ أنّ سؤاله عن الشبهة الموضوعية: أنّه فرض في الروايتين مصداقين من الشبهة الموضوعية:

أحدهما: فرض كون المنيّ في جسده و

ثوبه مبتلّا، فسأل عن حال الثوب و الصلاة فيه.

______________________________

(1) الكافي 3: 52/ 2، وسائل الشيعة 3: 445، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 53/ 5، وسائل الشيعة 3: 446، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 55

و ثانيهما: فرض كون الجنابة في ثوبه و إصابة السماء حتّى يبتلّ عليه، فسأل عن حال جسده.

فهاتان الروايتان من أدلّة نجاسته لا طهارته؛ لأنّ الظاهر منهما مفروغيتها، و السؤال عن الشبهة الموضوعية، و السؤال عنها غير عزيز يظهر بالتتبّع.

و منها: رواية عليّ بن أبي حمزة قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه، فيعرق فيه، فقال

ما أرىٰ به بأساً.

و قال: إنّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره، قال: فقطب أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في وجه الرجل فقال

إن أبيتم فشي ء من ماء ينضحه به «1».

بدعوىٰ ظهورها في طهارة ملاقيه، و لازمها طهارته.

و فيه: أنّ فيها احتمالين:

أحدهما: أنّ مراد السائل رفع الشبهة عن عرق الجنب، كما وردت فيه روايات يظهر منها أنّ عرقه كان مورد الشبهة في تلك الأزمنة «2»، فيكون قوله: «أجنب في ثوبه» يعني به أجنب و عليه ثوب، فيعرق فيه، لا أنّ الجنابة وقعت في الثوب.

و ثانيهما: أنّ السؤال عن الشبهة الموضوعية، كما تقدّم في الروايتين المتقدّمتين.

و الشاهد عليه قوله: «إنّه يعرق حتّى لو شاء ..» إلىٰ آخره، فكأنّه قال: «مع كون العرق كذلك، كيف يحتمل عدم الملاقاة؟!» و يؤيّده أمره بالنضح الذي

______________________________

(1) الكافي 3: 52/ 3، وسائل الشيعة 3: 445، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 4.

(2) راجع وسائل الشيعة

3: 447، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 56

ورد الأمر به في غير مورد من الشبهات الموضوعية، فتكون الرواية من أدلّة نجاسته لا طهارته.

و منها: صحيحة زرارة قال: سألته عن الرجل يجنب في ثوبه، أ يتجفّف فيه من غسله؟ قال

نعم، لا بأس به، إلّا أن تكون النطفة فيه رطبة، فإن كانت جافّة فلا بأس به «1».

و الظاهر منها التفصيل بين الرطب و الجافّ، كما نسب ذلك إلىٰ أبي حنيفة، قال السيّد في «الناصريات»: «إنّ أبا حنيفة و أصحابه و إن وافقوا في نجاسته، فإنّهم يوجبون غسله رطباً، و يجزي عندهم فركه يابساً «2»» «3».

و الظاهر منهم أنّ ملاقي النطفة ليس بنجس، و لهذا اكتفوا بالفرك. و الظاهر أنّها صدرت تقيّة موافقة لمذهبهم، فإنّها نفت البأس عن النطفة اليابسة؛ لأنّ التجفيف مع يبسها لا يوجب إلّا الملاقاة معها، و أمّا التجفيف مع الرطبة فيوجب انتقال أجزائها إلى الجسد. و الشيخ البهائي حملها علىٰ ما لا يخلو من تعسّف و إشكال «4».

و يمكن أن يقال: إنّه مع اليبوسة لا يحصل العلم بسراية النجاسة إلى البدن؛ لاحتمال سبق موضع الطاهر للبدن و تجفيفه، و معه لا تسري النجاسة، و أمّا مع الرطوبة و وجود المنيّ الرطب فيه، فلا محالة تسري إليه، تأمّل.

و كيف كان: فالعمل على المذهب، و الرواية مأوّلة أو مطروحة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1332، وسائل الشيعة 3: 446، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 7.

(2) بداية المجتهد 1: 84، المجموع 2: 554/ السطر 6.

(3) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 11.

(4) مشرق الشمسين: 416.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص:

57

نجاسة منيّ غير الآدمي من ذي النفس

و أمّا المنيّ من الحيوان غير الآدمي من ذي النفس، فلا إشكال في نجاسته، و نقل الإجماع عليها متكرّر «1»؛ بحيث لا يبقى مجال للتشكيك فيها.

و إنّما الكلام في إطلاق الأدلّة، فإنّه يظهر من «المعتبر» و «المنتهىٰ» التمسّك بإطلاقها «2». و أنكره صاحب «المدارك» «3»، و شدّد النكير عليه صاحب «الحدائق» «4»، و تبعهما غيرهما «5».

و قد علّله في «الجواهر» بتبادر الإنسان من الأدلّة، قال: «و لعلّه لاشتمالها أو أكثرها علىٰ إصابة الثوب و نحوه؛ ممّا يندر غاية الندرة حصوله من غير الإنسان» «6» انتهىٰ.

أقول: إن كانت دعوى التبادر و الانصراف لتوهّم ندرة الوجود، فلا نسلّمها في المحيط الذي وردت الروايات فيه؛ ضرورة أنّه محلّ تربية الحيوانات و استنتاجها و إسفادها، و لا يخفىٰ علىٰ من رأى كيفية إسفاد البهائم، شدّةُ الابتلاء بمنيّها و كثرته، و أنّ إصابة منيّها خصوصاً البهائم الثلاث للثوب و غيره ممّا يحتاج إليه الإنسان، و يبتلى به كثرة لا يمكن معها دعوى الانصراف، و العرب-

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 51.

(2) المعتبر 1: 415، منتهى المطلب 1: 162/ السطر 12.

(3) مدارك الأحكام 2: 266.

(4) الحدائق الناضرة 5: 32.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 338/ السطر 23 24، مصباح الفقيه، الطهارة: 521/ السطر 10.

(6) جواهر الكلام 5: 290.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 58

سيّما سكّان الجزيرة كان مهمّ شغلهم تربية الحيوانات التي تحتاج إلى الإسفاد الذي يكثر معه إصابة المنيّ لألبستهم و أيديهم و سائر متاعهم.

و الإنصاف: أنّ دعوى الانصراف و التبادر إنّما صدرت ممّن لا يبتلي به، و نشأ في بيت أو محيط كان الابتلاء به نادراً أو مفقوداً رأساً، فقاس به سائر الأمكنة و الأشخاص،

و إلّا فأيّ قصور بعد التنبّه لما ذكرناه في إطلاق رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن المنيّ يصيب الثوب، قال

إن عرفت مكانه فاغسله، و إن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كلّه

؟! «1» و موثّقةِ سَماعة قال: سألته عن المنيّ يصيب الثوب، قال

اغسل الثوب كلّه إذا خفي عليك مكانه؛ قليلًا كان أو كثيراً

؟! «2» و صحيحةِ محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ذكر المنيّ و شدّده و جعله أشدّ من البول. ثمّ قال

إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثمّ صلّيت فيه، ثمّ رأيته بعدُ، فلا إعادة عليك، و كذا البول «3» ..

إلىٰ غير ذلك؟! بل لا يبعد أن يقال: إنّ العرف يرىٰ أنّ الحكم لماهية المنيّ من غير دخالة للإضافات فيه.

بل يمكن أن يقال: إنّ المراد من تشديد المنيّ و جعله (عليه السّلام) أشدّ من البول،

______________________________

(1) الكافي 3: 53/ 1، وسائل الشيعة 3: 425، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 6.

(2) الكافي 3: 54/ 3، وسائل الشيعة 3: 425، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 252/ 730، وسائل الشيعة 3: 424، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 59

هو كونه نجساً مطلقاً، و أمّا البول فطاهر من مأكول اللحم، فكان أمره أهون في الشريعة من المنيّ؛ لكون هذا طاهراً في الجملة، و ذاك نجساً مطلقاً؛ أي حتّى من المأكول ذي النفس.

و أمّا احتمال كونه أشدّ؛ لاحتياج إزالته إلى الدلك و الفرك

دون البول «1» فبعيد؛ لأنّه أمر واضح لا يحتاج إلى الذكر و النقل، مع أنّ الظاهر من قوله: «شدّده و جعله أشدّ» أنّ ذلك أمر لا يعرفه الناس، و يعرفه الإمام (عليه السّلام).

و أمّا احتمال كون «الأشدّ» بمعنى الأنجس «2»، فيردّه تصريح أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رواية شعيب «3» و أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) في رواية «العلل» «4» بأنجسية البول. بل يدلّ علىٰ أنجسيته ما دلّ علىٰ لزوم غسله مرّتين دون المنيّ «5».

و احتمال كون الأشدّية باعتبار وجوب غسل الجنابة منه دون البول، بعيد أيضاً؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الحكم لطبيعة المنيّ، لا لخروجه من المجرىٰ، فبقي الاحتمال الأوّل.

و ما ذكر و إن لم يثبت جزماً، و لا يوجب ظهوراً، لكن يقرب دعوى الإطلاق فيها.

و الإنصاف: أنّ دعواه في تلك الروايات، لا تقصر عن دعواه في كثير من الموارد التي التزموا به.

______________________________

(1) انظر الحدائق الناضرة 5: 33.

(2) انظر مستمسك العروة الوثقى 1: 296 297.

(3) تقدّمت في الصفحة 53.

(4) تقدّمت في الصفحة 53.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 1 و 2 و 4 و 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 60

نعم، لا إشكال في اختصاص ما اشتملت على الجنابة أو الاحتلام «1» بالآدمي، لكن لا يوجب ذلك طرح الإطلاق في غيرها.

و أمّا موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ ما أُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه «2»

، فالظاهر انصرافها إلى البول و الروث ممّا كثرت الروايات في التعرّض لهما و لحكمهما، و لهذا لا ينقدح في الذهن منها عدم البأس بدمه.

نعم، لو قلنا بإطلاقها و شمولها للمنيّ لا

يعارضها تلك المطلقات؛ لتقدّمها عليها بنحو حكومة.

و لو نوقش فيها فالأهون الجمع بينهما بحملها على الاستحباب؛ بقرينة نفي البأس النصّ في عدم النجاسة.

و أمّا موثّقة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

إن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و شعره و بوله و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز؛ إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح «3».

فمحمولة علىٰ ما كانت التذكية دخيلة فيه بمناسبة الشرطية، لا مثل الدم و المنيّ.

نعم في مثل البول و الروث ظاهرها طهارتهما.

و علىٰ أيّ تقدير: لا إشكال في الحكم بعد الإجماع و ما تقدّم من الأخبار.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 424، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 4 و 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 266/ 781، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 12.

(3) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 61

طهارة منيّ غير ذي النفس

و أمّا غير ذي النفس من الحيوان، فلا يبعد انصراف الأدلّة عنه. كما لا يبعد انصرافها عن بعض أقسام ذي النفس أيضاً، لكن يتمّ فيه بالإجماع، و في غيره يكون مقتضى الأصل طهارته بعد الانصراف، أو عدم إحراز الإطلاق.

بل لا وثوق بإطلاقٍ لمعاقد الإجماعات يشمل غير ذي النفس، بل و بعض أفراد ذي النفس؛ فإنّ المحتمل من عبارة السيّد «1» أنّ دعواه الإجماع بالنسبة إلىٰ منيّ الإنسان، و لهذا استدلّ عليها بعد الإجماع بقوله تعالىٰ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً .. «2» إلىٰ آخره، و هو مخصوص بمنيّه.

و الظاهر من إجماع «الخلاف» هو مقابل أبي حنيفة

المدّعى بأنّه يغسل رطباً، و يفرك يابساً «3»؛ بقرينة قوله بعد دعواه: «و دليل الاحتياط؛ لأنّ من أزال ذلك بالغسل صحّت صلاته بلا خلاف، و إذا فركه و أزاله بغير الماء فيه خلاف» ثمّ استدلّ بالآية المتقدّمة «4».

و في «الغنية»: «و المنيّ نجس لا يجزي فيه إلّا الغسل؛ رطباً كان أو يابساً؛ بدليل الإجماع المذكور، و قولِه تعالىٰ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ ..» «5»، ثمّ استدلّ بها كما استدلّ السيّد، و لم يظهر منها دعوى الإجماع حتّى بالنسبة إلىٰ ما لا نفس له ممّا يشكّ في وجود المنيّ له.

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 11.

(2) الأنفال (8): 11.

(3) بداية المجتهد 1: 84، المجموع 2: 554/ السطر 6.

(4) الخلاف 1: 489.

(5) غنية النزوع 1: 42.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 62

لكنّ الإنصاف: أنّ إنكار شمول إجماع «الخلاف» المصرّح بأنّ المنيّ كلّه نجس من الإنسان و غير الإنسان، و الرجل و المرأة لغير ذي النفس مكابرة. مع أنّه استدلّ بالآية أيضاً كما استدلّ بها السيّد، و من هنا يمكن دعوى شمول معقد إجماع السيّد و ابن زهرة لمطلق الحيوان ذي النفس و غيره، و إنّما استدلّوا بالآية في مقابل بعض العامّة القائل بالطهارة مطلقاً «1»، فاستدلالهم بها لنفي السلب الكلّي، لا لإثبات جميع المدّعى، و إنّما دليلهم علىٰ جميعه الإجماع و الروايات الواردة من الطريقين «2».

و قد حكي الإجماع بقول مطلق زائداً علىٰ ما ذكرناه عن «المسائل الطبرية»، و «المنتهي»، و «كشف الحقّ»، و «السرائر» «3»، و إن قال صاحب «مفتاح الكرامة»: «بأنّه لم أجده في «السرائر» و إنّما نصّ علىٰ نجاسة المنيّ بقول مطلق من غير نقل إجماع» «4».

و عن شرح الفاضل:

«أنّ ظاهر الأكثر علىٰ نجاسة منيّ غير ذي النفس» «5».

و عن «نهاية الإحكام» و «الذكرى» و «الدروس» و «الروض» و «الروضة» أنّه لا فرق بين الآدمي و غيره و الحيوان البرّي و البحري كالتمساح «6»، مع أنّه من

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 84، المجموع 2: 553 554.

(2) تقدّمت بعض الروايات من طرقنا في الصفحة 53 و مابعدها، و أمّا من طرق العامّة فراجع الخلاف 1: 490، صحيح البخاري 1: 168، الباب 164، صحيح مسلم 1: 302، الباب 32.

(3) انظر مفتاح الكرامة 1: 136/ السطر الأخير، منتهى المطلب 1: 161/ السطر 22، نهج الحقّ و كشف الصدق: 419، السرائر 1: 178.

(4) مفتاح الكرامة 1: 137/ السطر 1.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 137/ السطر 9.

(6) نهاية الإحكام 1: 267، ذكرى الشيعة 1: 111، الدروس الشرعيّة 1: 123، روض الجنان: 162/ السطر 17، الروضة البهيّة 1: 284.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 63

غير ذي النفس ظاهراً. و هو الظاهر ممّن لم يقيّده بغير ذي النفس، ك «الوسيلة»، و «المراسم»، و «إشارة السبق» «1».

بل لم يحك عن أحد قبل المحقّق التفصيل بين ذي النفس و غيره، و لا تقييد المنيّ بذي النفس، مع تقييدهم الميتة به «2»، و هو ممّا يؤكّد الإطلاق، فحينئذٍ كيف يسوغ دعوى الشهرة جزماً، بل تقريب الإجماع من السيّد في محكيّ «الرياض» «3»، و دعوى الإجماع من صاحب «مجمع البرهان»، و صاحب «الجواهر» «4»، و استظهار عدم الخلاف من الشيخ الأعظم؟! «5» فالمسألة مشكلة؛ من أجل إمكان دعوى إطلاق الأدلّة و معاقد الإجماعات المتقدّمة، بل عموم معقد إجماع «الخلاف». و من إمكان دعوى الانصراف بالنسبة إلىٰ غير ذي النفس، خصوصاً مع

عدم العلم بكونه ذا منيّ. بل و من بعض أنواع ذي النفس.

و الاحتياط لا يترك مطلقاً؛ و إن كان التفصيل أشبه بالقواعد بعد قوّة دعوى الانصراف عن غير ذي النفس، و الجزم بعدم التفصيل بين أقسام ذي النفس بعد شمول المطلقات لبعضها، كما تقدّم، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77، المراسم: 55، إشارة السبق، ضمن الجوامع الفقهيّة: 119/ السطر 36.

(2) المقنعة: 72، إشارة السبق، ضمن الجوامع الفقهيّة: 120/ السطر 1، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 78.

(3) رياض المسائل 2: 346.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 303، جواهر الكلام 5: 290.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 338/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 65

الميتة
اشارة

الرابع: الميتة، و هي إمّا من ذي النفس، أو غيره، و الأولى إمّا من آدمي، أو غيره.

نجاسة الميتة من ذي النفس غير الآدمي
اشارة

فقد استفيض نقل الإجماع علىٰ نجاسة ميتة ذي النفس «1»، و عن «المعالم»: «قد تكرّر في كلام الأصحاب ادعاء الإجماع علىٰ هذا الحكم، و هو الحجّة؛ إذ النصوص لا تنهض لإثباته» «2» ثمّ ذكر بعض الروايات، و ناقش في سنده و دلالته في إفادة الحكم بكماله.

و عن «المدارك» المناقشة في أصل الحكم؛ لفقدان نصّ علىٰ نجاستها، و ناقش في دلالة ما أُمر فيها بالغسل و نهي عن الأكل على النجاسة «3»، ثمّ ذكر رواية «الفقيه» النافية للبأس عن جعل الماء و مثله في جلود الميتة «4»، مع

______________________________

(1) المعتبر 1: 420، منتهى المطلب 1: 164/ السطر 2، ذكرى الشيعة 1: 113.

(2) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 481.

(3) وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3، و: 194، الباب 43.

(4) الفقيه 1: 9/ 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 66

تصريح الصدوق (رحمه اللّٰه) في أوّله: «بأنّ ما أوردته فيه هو ما أفتي و أحكم بصحّته، و أعتقد أنّه حجّة بيني و بين ربّي» «1». ثمّ قال: «و المسألة قويّة الإشكال» «2».

أقول: أمّا نجاستها من ذي النفس غير الآدمي فلا ينبغي الإشكال فيها، لا لدعوى الإجماع المتكرّر فقط، بل لدلالة طوائف من الروايات عليها، و قلّما توجد كثرة الأخبار في نجاسة شي ء بمثلها، و نحن نذكر قليلًا من كثير:

فمنها: صحيحة حَريز بن عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

كلّما غلب الماء علىٰ ريح الجيفة فتوضّأ من الماء و اشرب، فإذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم

فلا توضّأ منه و لا تشرب «3».

و رواية أبي خالد القمّاط: أنّه سمع أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول في الماء يمرّ به الرجل و هو نقيع فيه الميتة. فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إن كان الماء قد تغيّر ريحه و طعمه فلا تشرب، و لا تتوضّأ منه، و إن لم يتغيّر ريحه و طعمه فاشرب و توضّأ «4».

و موثّقة أبي بصير «5»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يمرّ بالماء، و فيه دابّة ميّتة قد أنتنت، قال

إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضّأ و لا تشرب «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 3.

(2) مدارك الأحكام 2: 268 269.

(3) تهذيب الأحكام 1: 216/ 625، وسائل الشيعة 1: 137، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 40/ 112، وسائل الشيعة 1: 138، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 4.

(5) و في المصدر: «سماعة» بدل «أبي بصير».

(6) تهذيب الأحكام 1: 216/ 624، وسائل الشيعة 1: 139، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 67

و موثّقة عبد اللّٰه بن سِنان قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن غدير أتوه و فيه جيفة، فقال

إن كان الماء قاهراً و لا توجد منه الريح فتوضّأ «1».

و نحوها مرسلة الصدوق «2».

و لا إشكال في ظهور هذه الطائفة عرفاً في تنجّس الماء بغلبة الريح، أو تغيّر الطعم، و يُستكشف عن ذلك مضافاً إلىٰ ذلك، و مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من بعضها مفروغية نجاستها، كما يظهر بالتأمّل فيه برواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت

له: راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جُرَذ أو صَعْوة ميّتة، قال

إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها و لا تتوضّأ فصبّها، و إذا كان غير منفسخ فاشرب منه و توضّأ، و اطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة، و كذلك الجرّة و حُبّ الماء و القِرْبة و أشباه ذلك من أوعية الماء.

قال: و قال أبو جعفر (عليه السّلام)

إذا كان الماء أكثر من راوية لا ينجّسه شي ء؛ تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ فيه، إلّا أن يجي ء ريح تغلب علىٰ ريح الماء «3».

فإنّ ذيلها مفسّر لصدرها، و مبيّن للنهي عن الشرب و الوضوء بأنّه لأجل النجاسة، لا لأمر تعبّدي غيرها.

______________________________

(1) الكافي 3: 4/ 4، وسائل الشيعة 1: 141، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 11.

(2) الفقيه 1: 12/ 22، وسائل الشيعة 1: 141، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 13.

(3) تهذيب الأحكام 1: 412/ 1298، وسائل الشيعة 1: 139، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 68

و في صحيحة زرارة قال

إذا كان الماء أكثر من راوية .. «1»

إلىٰ آخر الحديث المتقدّم، فتفسّر الرواية و الصحيحة سائر ما تقدّم، و تبيّنان أنّ النهي فيها لنجاسة الماء بملاقاة الميتة إذا كان دون الكرّ، و بالتغيّر إذا كان كرّاً.

بل يمكن الاستشهاد عليها بمثل صحيحة ابن بَزيع

ماء البئر واسع لا يفسده شي ء .. «2»

إلىٰ آخره.

فإذا ضمّت تلك الروايات إلىٰ ما تقدّم من الروايات الناهية عن شرب ملاقي الجيفة و الميتة و الوضوء منه، تنتج نجاستها مطلقاً.

و توهّم كون تلك الروايات بل سائر ما في الباب في مقام بيان حكم آخر، فلا إطلاق فيها

«3»، فاسد؛ فإنّ الظاهر منها أنّ الحكم لنفس الجيفة، و أنّ غلبة ريحها مطلقاً موجبة لعدم جواز الشرب و الوضوء. كما أنّ عدم الاستفصال في صحيحة شهاب الآتية دليل عموم الحكم.

و الإنصاف: أنّ توهّم عدم الإطلاق فيها وسوسة مخالفة لفهم العرف، تأمّل.

و نظيرها في وضوح الدلالة صحيحة شهاب بن عبد ربّه قال: أتيت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) أسأله، فابتدأني فقال

إن شئت فاسأل يا شهاب، و إن شئت أخبرناك بما جئت له

قلت: أخبرني. قال

جئت تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة، أتوضّأ منه أو لا؟

قلت: نعم. قال

توضّأ من الجانب الآخر، إلّا أن يغلب الماءَ

______________________________

(1) الكافي 3: 2/ 3، وسائل الشيعة 1: 140، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 9.

(2) تهذيب الأحكام 1: 234/ 676، الإستبصار 1: 33/ 87، وسائل الشيعة 1: 172، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 6.

(3) انظر معالم الدين (قسم الفقه) 2: 481، مدارك الأحكام 2: 268.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 69

الريحُ فينتن. و جئت تسأل عن الماء الراكد، فما لم يكن فيه تغيير و ريح غالبة.

قلت: فما التغيير؟ قال

الصفرة، فتوضّأ منه، و كلّما غلب كثرة الماء فهو طاهر «1».

فهي مع إطلاقها، كالصريحة في المطلوب من أنّ الماء ينجس بالتغيير.

و قريب منها في الدلالة رواية زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): بئر قطرت فيه قطرة دم أم خمر.

قال

الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كلّه واحد، تنزح منه عشرون دلواً، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب «2».

فإنّ إردافها بسائر النجاسات دليل علىٰ نجاستها. و حمل نزح العشرين على الاستحباب لعدم انفعال البئر لا

يوجب قصورها عن الدلالة.

مع موافقة ذيلها لسائر الروايات، كصحيحة ابن بَزيع، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)

ماء البئر واسع لا يفسده شي ء، إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه، فينزح منه حتّى يذهب الريح، و يطيب طعمه؛ لأنّ له مادّة «3».

لأنّ المراد بالفساد هو النجاسة، كما هو واضح. بل الروايات في النزح من الميتة، كلّها ظاهرة في مفروغيّة نجاستها، كما يظهر بالنظر فيها.

______________________________

(1) بصائر الدرجات: 238/ 13، وسائل الشيعة 1: 161، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 11.

(2) تهذيب الأحكام 1: 241/ 697، وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 234/ 676، الإستبصار 1: 33/ 87، وسائل الشيعة 1: 172، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 70

و تدلّ عليها صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن آنية أهل الكتاب، فقال

لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير «1».

فإنّها ظاهرة في تنجيسها، سيّما مع إردافها بما ذكر.

و رواية «تحف العقول» عن الصادق (عليه السّلام) في حديث قال

و أمّا وجوه الحرام من البيع و الشراء ..

إلىٰ أن قال:

و البيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو الخمر أو شي ء من وجوه النجس، هذا كلّه حرام محرّم .. «2»

إلىٰ آخره.

فإنّ الظاهر منها أنّه في مقام عدّ النجاسات، فذكر عدّة منها، و عطف عليها سائرها كما هو واضح.

و ما عن «الجعفريّات» بسنده عن عليّ (عليه السّلام): قال في الزيت و السمن إذا وقع فيه شي ء له دم فمات فيه

استسرجوه، فمن مسّه فليغسل يده، و

إذا مسّ الثوب أو مسح يده في الثوب أو أصابه منه شي ء، فليغسل الموضع الذي أصاب من الثوب، أو مسح يده في الثوب يغسل ذلك خاصّة «3».

و عن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): أنّه رخّص في الإدام و الطعام يموت فيه خِشاش الأرض و الذباب و ما لا دم له، و قال

لا ينجّس ذلك

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 88/ 371، وسائل الشيعة 24: 211، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 6.

(2) تحف العقول: 333، وسائل الشيعة 17: 83، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 2، الحديث 1.

(3) الجعفريات، ضمن قرب الإسناد: 26، مستدرك الوسائل 2: 577، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 71

شيئاً و لا يحرّمه. فإن مات فيه ما له دم و كان مائعاً فسد، و إن كان جامداً فسد منه ما حوله، و أكلت بقيّته «1».

إلىٰ غير ذلك ممّا يطول الكلام بسردها. نعم لا ننكر عدم إطلاق كثير منها ممّا يكون بصدد بيان أحكام أُخر.

بل يمكن الاستدلال على المطلوب بموثّقة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها

فإن كان ممّا يؤكل لحمه، فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز؛ إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح .. «2»

إلىٰ آخره.

بناءً علىٰ أنّ المراد بقوله

ذكّاه

طهّره، كما لعلّه المناسب لنسبة التذكية إلى الذبح، و بُعد إرادة الذكاة بمعنى الذبح. و الذكاة بالذال و إن كان بمعنى الذبح في اللغة، و لم أرَ في اللغة من عدّ الطهارة من معانيه إلّا في «مجمع البحرين» حيث قال:

«و في الحديث

كلّ يابس ذكيّ «3»

؛ أي طاهر، و منه

ذكاة الأرض يبسها

أي طهارتها من النجاسة، و منه

أذك بالأدب قلبك

أي طهّره و نظّفه» «4» انتهىٰ، لكنّه ذكر في «زكى» بالزاي-

زكاة الأرض يبسها «5».

______________________________

(1) دعائم الإسلام 2: 126/ 439، مستدرك الوسائل 2: 580، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 28، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 49/ 141، وسائل الشيعة 1: 351، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 31، الحديث 5.

(4) مجمع البحرين 1: 159.

(5) نفس المصدر 1: 206.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 72

و يمكن الاستشهاد لاستعمال «ذكيّ» بالذال في الطهارة بروايات، كقوله (عليه السّلام)

الحوت ذكيّ حيّه و ميّته «1».

قال الشيخ الحرّ: «الذكيّ هنا بمعنى الطاهر» «2».

و قوله (عليه السّلام)

الجراد ذكيّ كلّه، و الحيتان ذكيّ كلّه، و أمّا ما هلك في البحر فلا تأكل «3».

بل قوله (عليه السّلام)

ذكاة الجنين ذكاة أُمّه «4».

و قوله (عليه السّلام)

خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيه منافع الخلق: الإنفحة، و البيض .. «5»

إلىٰ آخره.

و قوله (عليه السّلام)

اللبن و اللباء ..

إلىٰ أن قال

و كلّ شي ء يفصل من الشاة و الدابّة فهو ذكيّ، و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه «6».

______________________________

(1) المحاسن: 475/ 480، وسائل الشيعة 24: 74، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 31، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 24: 89، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 37، ذيل الحديث 8.

(3) المحاسن: 480/ 505، وسائل الشيعة 24: 74، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 31، الحديث 7.

(4) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 124/ 1،

وسائل الشيعة 24: 36، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 18، الحديث 12.

(5) الكافي 6: 257/ 2، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.

(6) الكافي 6: 258/ 4، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 73

إلىٰ غير ذلك و إن كان للمناقشة فيها أو في جلّها مجال.

بل الظاهر أنّ الذكاة في مقابل الميتة في الروايات، لا بمعنى الطاهرة، و لا الذبح مطلقاً كيفما كان، كما لعلّه يأتي التنبيه عليه «1».

و يمكن الاستدلال للمطلوب بقوله تعالىٰ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ «2».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر رجوع الضمير إلىٰ جميع المذكورات؛ فإنّ قوله تعالىٰ فَإِنَّهُ رِجْسٌ تعليل لاستثنائها من الحلّية، فلا يناسب أن يجعل تعليلًا للأخير فقط، و إهمال التعليل في غيره. و إن كان للتأمّل فيه مجال، كالتأمّل في كون «الرجس» بمعنى النجس و إن لا يبعد ذلك. و فيما ذكرنا من الأخبار كفاية.

نعم، في الاستدلال للمطلوب «3» بمثل موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن الخنفساء .. إلىٰ أن قال

كلّ ما ليس له دم فلا بأس «4»

، و صحيحةِ ابن مُسكان عنه (عليه السّلام) قال

كلّ شي ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و أشباه ذلك، فلا بأس «5»

محلّ إشكال؛ لأنّ الكلّية في طرف نفي البأس عمّا ليس له دم، لا تثبت الكلّية في الطرف المقابل.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 86.

(2) الأنعام (6): 145.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 340/ السطر 6.

(4) تهذيب الأحكام 1: 230/ 665،

وسائل الشيعة 3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 1.

(5) تهذيب الأحكام 1: 230/ 666، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 74

نعم لا إشكال في الإثبات جزئيّةً و في الجملة.

و الظاهر من «البأس» النجاسة و لو بقرائن و لو من سائر الروايات.

و كذا يشكل الاستدلال بمثل موثّقة حفص بن غياث، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السّلام) قال

لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة «1».

لإعطائها الكلّية في المستثنىٰ منه دون المستثنىٰ؛ و إن قال الشيخ الأعظم: «أنّها بصدد تنويع الميتة علىٰ قسمين مختلفين في الحكم، لا مجرّد ضابطة كلّية في طرف المنطوق فقط» «2» و هذه الدعوى خالية من الشاهد، و عهدتها عليه.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 231/ 669، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 2.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 340/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 75

تنبيهان
التنبيه الأوّل: في حكم جلد الميتة

قال الصدوق في «المقنع»: «و لا بأس أن تتوضّأ من الماء إذا كان في زِقّ من جلدة ميتة، و لا بأس بأن تشربه» «1» انتهىٰ.

و قال في «الفقيه»: «و سئل الصادق (عليه السّلام) عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و الماء و السمن، ما ترىٰ فيه؟ فقال

لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن و تتوضّأ منه و تشرب، و لكن لاتصلّ فيه «2».

فصار هذا مع ضمانه قبل إيراد الحديث بقليل صحّة ما في الكتاب، و حجّيته بينه و بين ربّه «3» منشأً لنسبة الخلاف في نجاسة الميتة إليه «4».

و ربّما يجاب

عنه: بأنّه لم يفِ بهذا العهد، كما يظهر بالتتبّع في «الفقيه» «5» و لعلّه كذلك.

لكن من البعيد حصول البداء له في أوّل كتابه.

لكن لا يظهر من فتواه في «المقنع» و لا روايته في «الفقيه» مخالفته في مسألة نجاسة الميتة، أو نجاسة جلدها، و استثناؤه ذلك زائداً علىٰ سائر المستثنيات، كالوبر و غيره، بل يحتمل ذهابه إلىٰ عدم سراية النجاسة مطلقاً أو في خصوص الجلد أو الميتة إلىٰ ملاقيها. و هو أيضاً في غاية البعد.

______________________________

(1) المقنع: 18.

(2) الفقيه 1: 9/ 15.

(3) الفقيه 1: 3.

(4) راجع مدارك الأحكام 2: 268 269، مفتاح الكرامة 1: 138/ السطر 21.

(5) الحدائق الناضرة 5: 65، مفتاح الكرامة 1: 138/ السطر 22، جواهر الكلام 5: 300.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 76

نعم، لا يبعد ذهابه إلىٰ طهارة جلدها بالدباغ، كما حكي عن ابن الجنيد من القدماء «1»، و عن الكاشاني «2».

و كيف كان: فإن كان مراده المخالفة في مسألتنا، فقد مرّ ما يدلّ علىٰ خلافه «3».

و إن كانت في سراية النجاسة أو نجاسة الميتة أو جلدها، فهي ضعيفة مخالفة للروايات الكثيرة بل المتواترة الدالّة علىٰ غسل الملاقي، و انفعال الماء القليل و سائر المائعات «4».

و إن كان مراده طهارة الجلود بالدباغ، فهو مخالف للإجماع المتكرّر في كلام القوم، ك «الناصريّات»، و «الخلاف»، و «الغنية»، و محكيّ «الانتصار»، و «كشف الحقّ» «5». و عن «المنتهىٰ» و «المختلف» و «الدلائل»: «اتفق علماؤنا إلّا ابن الجنيد علىٰ عدمها به» «6» و قريب منه عن «البيان»، و «الدروس» «7». بل عن «شرح المفاتيح» للأُستاذ: «هذا من ضروريّات المذهب، كحرمة القياس» «8» إلىٰ

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 342.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 69.

(3)

تقدّم في الصفحة 65 70.

(4) راجع وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، و: 205 أبواب الماء المضاف، الباب 5، و 3: 414، أبواب النجاسات، الباب 12.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 218/ السطر 26، الخلاف 1: 60 62، غنية النزوع 1: 43، الانتصار: 12، نهج الحقّ و كشف الصدق: 410.

(6) مفتاح الكرامة 1: 156/ السطر 6، منتهى المطلب 1: 164/ السطر 4، مختلف الشيعة 1: 342.

(7) البيان: 93، الدروس الشرعيّة 1: 126.

(8) مصابيح الظلام 1: 441/ السطر 25 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 77

غير ذلك ممّا يعلم منه أنّه من مسلّمات المذهب، و هو حجّة قاطعة، و لولاها لكان للمناقشة في دلالة الأخبار مجال. بل لا يبعد القول بطهارتها بالدباغ بمقتضى الجمع بينها:

فإنّ طائفة منها ظاهرة في حرمة الانتفاع بها مطلقاً الظاهرة في نجاستها، و عدم طهارتها بالدباغ، كرواية عليّ بن أبي المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): جعلت فداك، الميتة ينتفع منها بشي ء؟ فقال

لا.

قلت: بلغنا أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مرّ بشاة ميّتة فقال

ما كان علىٰ أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها؟!

قال

تلك شاة لسَوْدَة بنت زَمْعَة زوجة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها، فتركوها حتّى ماتت، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ما كان علىٰ أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها أن أي خ. ل تذكّى «1».

و حسنةِ أبي مريم بطريق الصدوق، و موثّقته بطريق الشيخ «2» قال: قلت

______________________________

(1) الكافي 6: 259/ 7، وسائل الشيعة

3: 502، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 2.

(2) و أمّا طريق الصدوق فإنّه رواها بإسناده، عن يونس بن يعقوب. و قال في مشيخته في طريقه إليه: «فقد رويته عن أبي (رضى اللّٰه عنه)، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمّد بن الحسين بن الخطاب، عن الحكم بن مسكين، عن يونس بن يعقوب البجلي. و الرواية حسنة بالحكم فإنّه روىٰ عنه محمّد بن أبي عمير و جمع من ثقات الأصحاب و هو يدلّ على حسنه.

راجع الفقيه، المشيخة 4: 46، رجال النجاشي: 136/ 350.

و أمّا طريق الشيخ الطوسي فإنّه رواها بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن أبي مريم. و ابن فضّال فطحي فالرواية موثّقة.

راجع رجال النجاشي: 34/ 72.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 78

لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): السخلة التي مرّ بها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و هي ميّتة فقال

ما ضرّ أهلها لو انتفعوا بإهابها؟!

قال: فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لم تكن ميّتة يا أبا مريم، و لكنّها كانت مهزولة، فذبحها أهلها فرموا بها، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ما كان علىٰ أهلها لو انتفعوا بإهابها؟! «1».

و روايةِ الفتح بن يزيد، عن أبي الحسن (عليه السّلام)

لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب «2».

و موثّقة سَماعة قال: سألته عن جلود السباع، أ ينتفع بها؟ فقال

إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا «3».

إلىٰ غير ذلك، كرواية قاسم الصيقل قال: كتبت إلى الرضا (عليه السّلام): إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة، فتصيب ثيابي، فأُصلّي فيها؟ فكتب إليّ

اتخذ ثوباً

لصلاتك.

فكتبت إلىٰ أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): كنت كتبت إلىٰ أبيك بكذا و كذا، فصعب عليّ ذلك، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية. فكتب (عليه السّلام) إليّ

كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك اللّٰه، فإن كنت ما تعمل وحشيّاً ذكيّاً فلا بأس «4».

______________________________

(1) الفقيه 3: 216/ 1004، تهذيب الأحكام 9: 79/ 335، وسائل الشيعة 24: 185، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 34، الحديث 3.

(2) الكافي 6: 258/ 6، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 9: 79/ 339، وسائل الشيعة 3: 489، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 49، الحديث 2.

(4) الكافي 3: 407/ 16، وسائل الشيعة 3: 489، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 49، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 79

و طائفةً منها دالّة علىٰ عدم تذكيتها بالدباغ، و عدم جواز الصلاة فيها و لو دبغت، كصحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن جلد الميتة يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال

لا، و إن دبغ سبعين مرّة «1».

و روايةِ أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

أنّ عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) كان يبعث إلى العراق، فيؤتىٰ ممّا قِبَلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه، فكان يُسأل عن ذلك، فقال: إنّ أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة، و يزعمون أنّ دباغه ذكاته «2».

و روايةِ عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها: أ ليس هي ذكية؟ فيقول: بلىٰ، فهل يصلح

لي أن أبيعها علىٰ أنّها ذكية؟

فقال

لا، و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكية.

قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال

استحلال أهل العراق للميتة، و زعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته، ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا علىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «3».

و صحيحةِ عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 203/ 794، وسائل الشيعة 3: 501، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 397/ 2، وسائل الشيعة 3: 502، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 398/ 5، وسائل الشيعة 3: 503، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 80

الماشية تكون لرجل فيموت بعضها، أ يصلح له بيع جلودها و دباغها و يلبسها؟ قال

لا، و إن لبسها فلا يصلّي فيها «1».

و روايةِ الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام): أنّه كتب إلى المأمون

و لا يصلّي في جلود الميتة «2».

و روايةِ «فقه الرضا (عليه السّلام)»

و لا تصلِّ في جلد الميتة علىٰ كلّ حال «3».

و طائفةً منها نصّ في طهارتها، بل شاهدة للجمع بين الروايات، كحسنة «4» الحسين بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في جلد شاة ميّتة يدبغ، فيصبّ فيه اللبن أو الماء، فأشرب منه و أتوضّأ؟ قال: «نعم» و قال

يدبغ فينتفع به، و لا يصلّى فيه «5».

و موثّقةِ سَماعة قال: سألته عن جلد الميتة المملوح و هو الكيمخت، فرخّص فيه و قال

إن لم تمسّه فهو أفضل

«6».

و روايةِ «الفقيه» المتقدّمة «7».

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 139/ 151، وسائل الشيعة 24: 186، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 34، الحديث 6.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 123/ 1، وسائل الشيعة 4: 355، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 6، الحديث 3.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 157، مستدرك الوسائل 3: 196، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 1، الحديث 5.

(4) يأتي من المصنّف (قدّس سرّه) ما يفيد لوجه كونها حسنة في الصفحة 154.

(5) تهذيب الأحكام 9: 78/ 332، وسائل الشيعة 24: 186، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 34، الحديث 7.

(6) تهذيب الأحكام 9: 78/ 333، وسائل الشيعة 24: 186، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 34، الحديث 8.

(7) تقدّمت في الصفحة 75.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 81

و روايةِ «دعائم الإسلام» عن عليّ (عليه السّلام) أنّه قال

سمعت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقول: لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عظم و لا عصب.

فلمّا كان من الغد خرجت معه، فإذا نحن بسخلة مطروحة على الطريق، فقال: ما كان علىٰ أهل هذه لو انتفعوا بإهابها؟! قال قلت: يا رسول اللّٰه، فأين قولك بالأمس؟ قال: ينتفع منها بالإهاب الذي لا يلصق «1».

و عن «فقه الرضا»

و إن كان الصوف و الوبر و الشعر و الريش من الميتة و غير الميتة بعد أن يكون ممّا أحلّ اللّٰه أكله فلا بأس به، و كذلك الجلد؛ فإنّ دباغه طهارته «2».

نعم، عنه أيضاً

أنّ ذكاة الحيوان ذبحه، و ذكاة الجلود الميتة دباغه «3»

إلىٰ غير ذلك.

و أنت خبير: بأنّ الجمع العرفي

بين الروايات ممكن؛ إمّا بحمل الروايات الناهية عن الانتفاع بها مطلقاً على الكراهة في مورد الاجتماع؛ بقرينة ما هو نصّ في طهارته، و لقوله: فرخّص فيه و قال

إن لم تمسّه فهو أفضل

فيلتزم بأنّ جلدها يطهر بالدباغ، لكن لا يصير ذكيّاً؛ فإنّها عبارة عن صيرورته بحيث يستحلّ معها جميع الآثار، كالصلاة فيها و البيع و الشراء و غيرها.

و الظاهر من الروايات: أنّ الذي كذبوا علىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هو أنّ دباغه

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 126، مستدرك الوسائل 16: 192، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 25، الحديث 2.

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 302، مستدرك الوسائل 16: 191، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 24، الحديث 6.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 303.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 82

ذكاته، و هو الذي أنكره الأئمّة (عليهم السّلام) على العامّة، و أمّا الطهارة فليست التذكية، بل بعض آثارها، و ليست في الأخبار ما تدلّ علىٰ نجاسته بعد الدباغ إلّا إطلاق النواهي القابل للجمع المذكور بالشواهد التي فيها.

نعم، في رواية «دعائم الإسلام» عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الميتة نجس و إن دبغت «1».

لكنّها مع ضعفها و إرسالها و مخالفتها لروايته الأُخرى المتقدّمة يمكن حملها على القذارة العرفية؛ لكونها من الميتة التي يستقذرها العرف.

و الإنصاف: أنّ هذا الجمع عقلائي. بل لولا تصريح الأصحاب و العلم من الخارج بأنّ الطهارة بعد الدبغ كانت محلّ الخلاف بين الفريقين، لقلنا- بحسب الأخبار إنّ النزاع بينهم في عصر الأئمّة (عليهم السّلام) كان في أنّ دباغه ذكاته، لا دباغه طهارته. و قد مرّ أنّ

الحمل على الكراهة في بعض مدلول النهي، لا يلزم منه محذور.

أو حمل المطلقات على المقيّد، فيحكم بعدم الانتفاع بها إلّا بمثل جعله ظرفاً للماء و غيره.

أو حمل النهي عن الانتفاع بالميتة على الانتفاع قبل الدباغ؛ بقرينة ما نصّ علىٰ أنّ الجلد يدبغ فينتفع به، لكن لا يصلَّ فيه، و لا يصير مذكّى به.

هذا كلّه مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب، و إلّا فلا ينبغي الترديد في عدم طهارته بالدباغ. كما أنّ الظاهر أنّ محطّ البحث بينهم هو الطهارة و النجاسة؛ فإنّ أبا حنيفة رأى طهارة جميع الجلود بالدباغ إلّا جلد الخنزير،

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 126، مستدرك الوسائل 2: 592، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 39، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 83

و قال داود: «يطهر الجميع»، و قال الشافعي: «كلّ حيوان طاهر حال حياته فجلده إذا مات يطهر بالدباغ»، و قال مالك: «يطهر الظاهر منه دون الباطن» «1». فلا إشكال في المسألة.

بل لم تثبت مخالفة الصدوق للطائفة؛ أمّا روايته في «الفقيه» مع الضمان المذكور «2»، فللجزم بأنّ مراده منه ليس الإفتاء بكلّ ما نقل فيه؛ ضرورة أنّه نقل فيه المطلق و المقيّد، و العامّ و الخاصّ، و المتعارضين، و لا يعقل الفتوى بعموم العامّ و إطلاق المطلق و بما يقابلهما، و لا بالمتعارضين، فالمراد منه حجّية الروايات في ذاتها و الفتوى بمضمونها بعد الجمع أو الترجيح.

بل يظهر من أوّل «مقنعه» أيضاً أنّ ما فيه روايات محذوفة الإسناد «3»، فلم يعلم من عبارته المتقدّمة فيه فتواه به، بل من البعيد جدّاً فتوى مثل الصدوق بما يخالف جميع الأصحاب. نعم لا يبعد ذلك من ابن الجنيد، كما يظهر من فتاواه.

التنبيه الثاني: حكم الميتة من الحيوانات البحرية غير المأكولة

قال الشيخ

في «الخلاف»: «إذا مات في الماء القليل ضفدع أو غيره ممّا لا يؤكل لحمه ممّا يعيش في الماء، لا ينجس الماء، و به قال أبو حنيفة «4».

و قال الشافعي: «إذا قلنا إنّه لا يؤكل لحمه فإنّه ينجّسه» «5».

دليلنا: أنّ الماء علىٰ أصل الطهارة، و الحكم بنجاسته يحتاج إلىٰ دليل.

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 81، المجموع 1: 217.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 75.

(3) المقنع: 5.

(4) المبسوط، السرخسي 1: 57/ السطر 15.

(5) المغني، ابن قدامة 1: 40/ السطر 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 84

و روى عنهم (عليهم السّلام) قالوا: «إذا مات في الماء ما فيه حياته لا ينجّسه، و هو يتناول هذا الموضع أيضاً» «1».

و رُدّ الأصل بإطلاق الأدلّة، و الرواية بعدم العثور عليها «2».

و عن المحقّق أنّه ردّ الشيخ: بأنّه لا حجّة له في قوله (عليه السّلام) في البحر

هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته «3»

؛ لأنّ التحليل مختصّ بالسمُوك «4».

أقول: أمّا قطع الأصل فموقوف علىٰ إطلاق الأدلّة، و القائل بالعموم و الإطلاق هاهنا أنكر إطلاق أدلّة نجاسة المنيّ، كصاحب «الجواهر»، و الشيخ الأعظم، و صاحب «مصباح الفقيه» «5»، مع أنّ المانع المدّعىٰ في المنيّ و هو ندرة إصابته الثوب موجود في المقام؛ لأنّ الروايات المتقدّمة الدالّة علىٰ نجاسة الميتة علىٰ طوائف، كلّها منصرفة عن الحيوان البحري لو كانت ندرة الابتلاء موجبة له، كما قالوا في المنيّ.

أمّا أخبار البئر «6» فواضح انصرافها؛ لعدم وقوع الحيوان البحري فيه مطلقاً. و لو فرض وقوعه فهو من أشذّ الشواذّ.

و كذا أخبار الجيفة و وقوعها في الغدير و الماء النقيع «7»، فإنّ الجيفة

______________________________

(1) الخلاف 1: 189.

(2) الحدائق الناضرة 5: 71 72.

(3) وسائل الشيعة 1: 136،

كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 2، الحديث 4.

(4) المعتبر 1: 102.

(5) جواهر الكلام 5: 290 و 296، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 338/ السطر 23، و 340/ السطر 16، مصباح الفقيه، الطهارة: 521/ السطر 10، و 524/ السطر 21.

(6) تقدّم بعضها في الصفحة 68 70.

(7) راجع وسائل الشيعة 1: 137، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 85

الواقعة في المياه و الغدران، هي الجيف المتداولة الموجودة في البرّ، كالكلب و الحمار، أو بعض السباع البرّية، دون الحيوانات البحرية.

و كذا ما دلّ علىٰ وقوع بعض الحيوانات في الإدام أو السمن أو الزيت و أمثالها «1»، و ما دلّ علىٰ نجاسة إناء اليهود لأكلهم الميتة «2»؛ فإنّ الميتة المأكولة ليست مثل الفرس البحري و كلبه. و الروايات التي استثني فيها من الميتة بعض الأعضاء- كالشعر و الإنفحة و اللبن و اللباء «3» موردها الحيوانات البرّية بلا إشكال.

و أمّا رواية «تحف العقول» المتقدّمة «4»، فمع ضعفها سنداً «5» تكون في مقام بيان حكم آخر يشكل استفادة الإطلاق منها. و قد مرّت المناقشة في رواية جابر، عن أبي جعفر (عليه السّلام)

أنّ اللّٰه حرّم الميتة من كلّ شي ء «6».

نعم، يمكن التمسّك بإطلاق الآية الكريمة المتقدّمة «7»؛ لو قلنا برجوع الضمير إلىٰ جميع المذكورات. لكنّه محلّ إشكال، و الترجيح الظنّي بما تقدّم غير مفيد.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 70 71.

(2) تقدّم في الصفحة 70.

(3) راجع وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، و قد تقدّم بعضها أيضاً في الصفحة 72.

(4) تقدّمت في الصفحة 70.

(5) وجه الضعف هو الإرسال.

(6) تهذيب الأحكام 1: 420/ 1327، وسائل الشيعة 1: 206، كتاب

الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 5، الحديث 2.

(7) تقدّمت في الصفحة 73.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 86

و بموثّقة ابن بكير لو استظهرنا منها أنّ المراد بالتذكية التطهير، كما مرّ «1». لكنّه محلّ إشكال، بل منع؛ بعد عدم ثبوت كونها بمعناه لغةً. و الاستعمال فيه في بعض الموارد لو سلّم لا يوجب ثبوت الحقيقة. و لقوّة احتمال أن يكون المراد ب «التذكية» الواردة في الروايات هي معنى مقابل للميتة، فمعنى

ذكّاه الذبح

أنّه جعله مذكّى، و المراجع للروايات في الأبواب المتفرّقة لعلّه يطمئنّ بكون «المذكّى» فيها مقابلها، لا مطلق ما ذبح، فراجع.

فيبقى الأصل سليماً؛ بناءً علىٰ مبناهم من أنّ ندرة الوجود موجبة للانصراف. بل المقام أولىٰ بدعواه؛ لما عرفت أنّ إصابة الثوب بمنيّ الحيوانات ليست نادرة «2».

لكن كما قد عرفت بطلان دعوى الانصراف في المنيّ «3»، فكذلك تبطل و لو كان ندرة الابتلاء فيه مسلّمةً؛ ضرورة أنّ مثل قوله (عليه السّلام) في صحيحة ابن مسلم

لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير «4»

، ظاهر في أنّ الحكم لنفس الميتة و ماهيتها من غير دخالة خصوصيّاتها فيه.

و كذا قوله (عليه السّلام) في رواية زرارة

الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كلّه واحد «5»

، و كذا غيرها «6» ظاهر في ذلك، فإنكار الإطلاق في مثل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 71.

(2) تقدّم في الصفحة 57.

(3) تقدّم في الصفحة 57.

(4) تقدّمت في الصفحة 70.

(5) تقدّم في الصفحة 69.

(6) وسائل الشيعة 24: 212، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 55، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 87

المقام خلاف فهم

العرف، بل ربّما يوجب اختلالًا في الفقه، فلا إشكال في سقوط الأصل.

و أمّا الرواية التي أشار إليها الشيخ، فالظاهر أنّها غير ما ذكرها المحقّق و أجاب عنها؛ لأنّ «الحلّ» ظاهر في حلّية اللحم، و لهذا تختصّ ببعض السمُوك.

و قد يقال: إنّ نظر الشيخ إلىٰ صحيحة ابن الحجّاج قال: سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) رجل و أنا عنده عن جلود الخزّ، فقال

ليس به بأس.

فقال الرجل: جعلت فداك، إنّها علاجي، و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إذا خرجت من الماء تعيش خارجةً من الماء؟

فقال الرجل: لا، قال

ليس به بأس «1».

بدعوىٰ: أنّ ظاهر التعليل نفي البأس عن كلّ ما لا يعيش إلّا في الماء، فكأنّه فهم من ذلك طهارة ميتته؛ لعدم معهوديّة ذبحه، و عدمِ إشعار في الرواية باشتراطه «2».

و فيه: أنّ الشبهة في الخزّ إنّما هي من قِبل عدم تذكيته، و إخراجِه من الماء و أخذ الجلد بلا ذبح، و نفي البأس لأجل أنّ أخذه من الماء ذكاته. و تشهد لذلك رواية ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) إذ دخل عليه رجل من الخزّازين، فقال له: جعلت فداك، ما تقول في الصلاة في الخزّ؟ فقال

لا بأس بالصلاة فيه.

______________________________

(1) الكافي 6: 451/ 3، وسائل الشيعة 4: 362، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 10، الحديث 1.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 524/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 88

فقال له الرجل: جعلت فداك، إنّه ميّت، و هو علاجي، و أنا أعرفه، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أنا أعرف به منك.

فقال له الرجل: إنّه علاجي، و ليس أحد أعرف به منّي،

فتبسّم أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) ثمّ قال

أ تقول إنّه دابّة تخرج من الماء، أو تصاد من الماء فتخرج، فإذا فقد الماء مات؟

فقال الرجل: صدقت جعلت فداك، هكذا هو.

فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

فإنّك تقول: إنّه دابّة تمشي علىٰ أربع، و ليس هو في حدّ الحيتان، فتكون ذكاته خروجه من الماء

فقال له الرجل: إي و اللّٰه، هكذا أقول.

فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

فإنّ اللّٰه تعالىٰ أحلّه و جعل ذكاته موته، كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها «1».

و هي كما ترى ظاهرة في أنّ الشبهة فيه إنّما هي في كونه ميتة؛ لعدم تعارف ذبحه، و ليس مثل الحيتان يكون خروجها من الماء ذكاتها، فأجاب بأنّه مثلها في ذلك. و لا يبعد أن تكون رواية ابن الحجّاج أيضاً حكايةً عن هذه القضية التي حكاها ابن أبي يعفور، فترك ابن الحجّاج ما لا دخالة له في الحكم، و نقل بالمعنى ما هو دخيل فيه. و لو كانت الواقعة قضيتين فلا ريب في أنّ الشبهة ما ذكرناه، فتكون الرواية أجنبية عمّا نحن بصدده.

و لا أظنّ أنّ الشيخ كان متمسّكه هذه الصحيحة أو الذي ذكره المحقّق، بل الظاهر عثوره علىٰ رواية بالمضمون المحكي.

______________________________

(1) الكافي 3: 399/ 11، وسائل الشيعة 4: 359، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 89

نجاسة ميتة الآدمي
اشارة

و أمّا الآدمي منها، فهل هي نجسة أم لا؟

و على الأوّل، هل هي نجسة عيناً أو حكماً؟ و على التقديرين، هل تكون نجاستها علىٰ حذو سائر النجاسات في السراية؛ فلا تسري إلّا بالملاقاة معها رطباً بنحو يتأثّر منه الملاقي، أم تسري مع اليبس أيضاً؟

و على التقادير،

هل يكون حال ملاقي ملاقيها كسائر النجاسات أم لا؟

ربّما يتشبّث القائل بعدم النجاسة العينية بوجه عقلي: و هو أنّ عين النجاسة لا يعقل رفعها و زوالها بالاغتسال، مع أنّ الميّت بعد الغسل طاهر بلا إشكال «1».

و فيه: أنّ ذلك موجّه لو كانت أعيان النجاسات أُموراً تكوينية، و يكون الميّت- كالمنيّ و العَذِرة قذراً ذاتاً، و يكون منشأ نجاسته شرعاً قذارته الذاتية، لكن قد عرفت أنّ القذارات الشرعية مختلفة:

فمنها: ما هي مستقذرة عرفاً، كالأخبثين.

و منها: ما ليست كذلك، كالكافر و الخمر، فإنّ القذارة فيهما مجعولة لجهات أُخر غير القذارة العرفية و الذاتية «2». و لا مانع من أن تكون نجاسة الميّت كذلك؛ أي مجعولة لجهة مرفوعة بالغسل.

و لو قيل: إنّ الميّت و لو كان آدمياً مستقذر عرفاً، و كان الناس تستقذره، و تتجنّب منه، و لعلّه منشأ الحكم بنجاسته.

______________________________

(1) مفاتيح الشرائع 1: 66، المغني، ابن قدامة 1: 40 41.

(2) تقدّم في الصفحة 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 90

لقلنا: هذا لو صحّ يوجب بقاء نجاسته حتّى بعد الغسل، فلا بدّ أن يقال بعدم طهارته بالغسل، لا عدم نجاسته بالموت؛ ضرورة أنّ التجنّب و الاحتراز و الاستقذار باقٍ بعد الغسل أيضاً.

و التحقيق: أنّ النجاسة في مثله مجعولة كرافعها. فلا إشكال عقلي في المقام.

و ظنّي أنّ الإشكالات في خصوص ميتة الآدمي، نشأت غالباً من توهّم دلالة الروايات «1» علىٰ وجوب غسل ملاقيها و لو مع اليبس، فظنّ أنّ الميتة ليست كسائر النجاسات المتداولة:

فمنهم: من التزم بعدم النجاسة «2»، و منهم: من التزم بالنجاسة الحكمية «3». و هو أيضاً يرجع إلى الالتزام بعدم النجاسة؛ فإنّه لا معنىٰ للنجاسة الحكمية إلّا لزوم ترتيب آثارها تعبّداً علىٰ

ما ليس بنجس.

و إن قيل: إنّ المراد بالنجاسة الحكمية هي الجعلية مقابل العرفية و الذاتية.

قلنا: إنّ لازمه الالتزام بالنجاسة الحكمية في الكافر و الخمر، بل الكلب أيضاً، مع عدم التزامهم بها في سائر النجاسات.

فأساس الالتزام بالنجاسة الحكمية و كذا الالتزام بعدم سرايتها إلىٰ ما يلاقيها، فلا ينجس ملاقي ملاقيها لا يبعد أن يكون البناء علىٰ لزوم غسل الملاقي و لو مع اليبوسة، فيقال: إنّها لو كانت نجسة كسائر النجاسات، لكانت نجاسة ملاقيها للسراية، كما في سائر أنواعها، و هي لا تتحقّق إلّا مع الرطوبة، و هذه

______________________________

(1) ستأتي في الصفحة 92.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 67، المغني، ابن قدامة 1: 40 41.

(3) منتهى المطلب 1: 127/ السطر 37.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 91

لازم عرفي للنجاسات، و مع فقده يكشف إمّا عن عدم النجاسة رأساً، و لزوم غسل ملاقيه تعبّداً لا لتنجّسه، كلزوم غسل المسّ، أو عن النجاسة الحكمية التي ترجع إلىٰ عدم النجاسة.

فالأولىٰ عطف الكلام علىٰ ذلك، فنقول: لولا الإجماعات المنقولة المتكرّرة في كلام الأصحاب علىٰ عدم الفرق بين الآدمي و غيره- كمحكيّ ظاهر «الطبريات»، و صريح «الغنية»، و «المعتبر»، و «المنتهىٰ»، و «نهاية الإحكام»، و «التذكرة»، و «الذكرى»، و «كشف الالتباس»، و «الروض»، و «الدلائل»، و «الذخيرة»، و شرح الفاضل «1»، بل و محكيّ «الخلاف» «2» لأمكن المناقشة في نجاستها لو خلّينا و الروايات.

بل يمكن المناقشة في الإجماع أيضاً؛ بدعوىٰ تخلّل الاجتهاد و الجزم بعدم شي ء عندهم إلّا تلك الروايات التي باب الاجتهاد فيها واسع، و لهذا اختلفت الآراء في أصل النجاسة، فإنّ القول بالنجاسة الحكمية و عدم السراية إلىٰ ما يلاقيها، يرجع إلىٰ عدم النجاسة كما مرّ.

بل لازم محكيّ

كلام الحلّي دعوى عدم الخلاف في عدم النجاسة العينية، قال فيما حكي عنه في مقام الاستدلال علىٰ عدم السراية مع الرطوبة أيضاً: «لأنّ هذه النجاسات حكميات، و ليست عينيات، و لا خلاف بين الأُمّة كافّة أنّ المساجد يجب أن يجتنب النجاسات العينية، و أجمعنا بغير خلاف علىٰ أنّ من

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 138/ السطر 17، غنية النزوع 1: 42، المعتبر 1: 420، منتهى المطلب 1: 164/ السطر 2، نهاية الإحكام 1: 269، تذكرة الفقهاء 1: 59، ذكرى الشيعة 1: 113، كشف الالتباس: 207/ السطر 14 (مخطوط)، روض الجنان: 162/ السطر 19، ذخيرة المعاد: 147/ السطر 3 و 22.

(2) الخلاف 1: 700.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 92

غسل ميّتاً له أن يدخل المسجد، و يجلس فيه، فلو كان نجس العين لما جاز ذلك. و لأنّ الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بغير خلاف، و من جملة الأغسال غسل من مسّ ميّتاً، و لو كان ما لاقى الميّت نجساً، لما كان الماء الذي يغتسل به طاهراً» «1» انتهىٰ.

فكأنّه ادعى الإجماع بالملازمة على المسألة، فلو كانت إجماعية بنفسها لا يتأتّى له ذلك. و ليس المقصود في المقام تصحيح كلامه و صحّةَ دعوى إجماعه، حتّى يقال: إنّ للمناقشة فيه مجالًا واسعاً، بل المقصود هدم بناء إجماعية المسألة، و فتح باب احتمال اجتهاديتها.

الروايات التي يمكن الاستدلال بها علىٰ نجاسة ميتة الآدمي

و أمّا الروايات، فما يمكن الاستدلال بها للنجاسة كثيرة:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت، فقال

يغسل ما أصاب الثوب «2».

و رواية إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يقع ثوبه علىٰ جسد الميّت، قال

إن

كان غسل الميّت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و إن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه

يعني إذا برد الميّت «3».

و فيهما احتمالان

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 339/ السطر 18، السرائر 1: 163.

(2) الكافي 3: 161/ 4، وسائل الشيعة 3: 462، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 2.

(3) الكافي 3: 61/ 5، وسائل الشيعة 3: 461، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 93

أحدهما: قراءة

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 93

الثوبَ

بالفتح علىٰ أن يكون مفعول

أصاب

فيكون المعنى: اغسل ما وصل إلىٰ ثوبك من الميّت، و المراد غسل الثوب ممّا أصابه منه، و علىٰ هذا الاحتمال تكون الروايتان ظاهرتين في لزوم غسل الملاقي لأجل السراية، و يكون المتفاهم منه عرفاً بل عند المتشرّعة نجاسته عيناً كسائر النجاسات.

ثانيهما: قراءته بالضمّ علىٰ أن يكون فاعله، و يكون الموصول كناية عن موضع الإصابة، و يرجع الضمير المجرور إلى الميّت مع حذف العائد، فيكون المعنى: اغسل موضع إصابة الثوب من الميّت، نظير صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: و سألته عن الرجل يعرق في الثوب، و لم يعلم أنّ فيه جنابة، كيف يصنع، هل يصلح أن يصلّي قبل أن يغسله؟ قال

إذا علم أنّه إذا عرق فيه أصاب جسده من تلك الجنابة التي في الثوب، فليغسل ما أصاب من ذلك .. «1»

إلىٰ آخره.

و المظنون و إن كان الاحتمال الأوّل، لكنّه ظنّ خارجي غير حجّة،

و لا يوجب الظهور. نعم لو كان الاحتمال الثاني غلطاً أدباً كما قد يدّعىٰ «2» لتعيّن الأوّل، لكنّه غير متّضح.

إن قلت: لا فرق بين الاحتمالين في فهم نجاسة الميّت؛ بعد كون الارتكاز علىٰ أنّ الغَسل إنّما هو بالسراية و الرطوبة، و معه تدلّان علىٰ نجاسته عيناً كباقي النجاسات.

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 159/ 238، وسائل الشيعة 3: 404، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 7، الحديث 10.

(2) البهجة المرضيّة 1: 72.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 94

قلت: ما هو المرتكز عند العرف أو المتشرّعة؛ أنّ ملاقي النجس لا ينجس إلّا مع السراية و الرطوبة السارية، و أمّا ارتكازية أنّ الأمر بغسل ملاقي كلّ شي ء للسراية، فغير معلومة، فإن علم أنّ الكلب نجس، و قيل: «اغسل ثوبك إذا أصاب الكلب» يفهم منه أنّ الغسل لدى السراية كسائر النجاسات، و أمّا لو احتمل عدم نجاسة شي ء، و لزومُ تطهير ملاقيه تعبّداً، فلا يثبت ارتكاز بعدم لزوم الغَسل إلّا بالسراية.

و منها: رواية «الاحتجاج» قال: ممّا خرج عن صاحب الزمان (عليه السّلام) إلىٰ محمّد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحِميري حيث كتب إليه: روى لنا عن العالم (عليه السّلام): أنّه سئل عن إمام قوم يصلّي بهم بعض صلاتهم، و حدثت عليه حادثة، كيف يعمل من خلفه؟ فقال

يؤخَّر، و يتقدّم بعضهم و يتمّ صلاتهم، و يغتسل من مسّه

التوقيع

ليس علىٰ من مسّه إلّا غسل اليد .. «1»

إلىٰ آخره.

و عنه قال: و كتب إليه (عليه السّلام): و روى عن العالم (عليه السّلام)

أنّ من مسّ ميّتاً بحرارته غَسل يده، و من مسّه و قد برد فعليه الغسل

و هذا الميّت في هذه الحال لا يكون إلّا بحرارته، فالعمل في

ذلك علىٰ ما هو، و لعلّه ينحّيه بثيابه و لا يمسّه، فكيف يجب عليه الغسل؟ التوقيع

إذا مسّه في هذه الحال لم يكن عليه إلّا غسل يده «2».

و يمكن أن يقال: إنّ ظاهرهما أنّ المسّ بلا رطوبة موجب لغسل اليد، و لا أقلّ من الإطلاق.

______________________________

(1) الاحتجاج 2: 564/ 354، وسائل الشيعة 3: 296، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 4.

(2) الاحتجاج 2: 564/ 354، وسائل الشيعة 3: 296، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 95

إلّا أن يقال: إنّهما بصدد بيان حكم المستثنىٰ منه، لا المستثنىٰ، فلا إطلاق فيهما.

و فيه تأمّل؛ لقوّة إطلاقهما بالنسبة إلىٰ حال اليبوسة. بل القدر المتيقّن منهما ذلك، خصوصاً مع أنّ الظاهر منهما أنّ الموضوع في غسل اليد و غسل المسّ واحد، فيشكل ظهورهما في النجاسة؛ لما عرفت من أنّ لزوم الغسل لأجل النجاسة ملازم للسراية، و عدم سرايتها من اليابس ارتكازي عقلائي.

و منها: رواية الحسن بن عبيد قال: كتبت إلى الصادق (عليه السّلام): هل اغتسل أمير المؤمنين (عليه السّلام) حين غسَّل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عند موته؟ فأجابه

النبيّ طاهر مطهّر، و لكن فعل أمير المؤمنين (عليه السّلام) و جرت به السنّة «1».

بدعوىٰ ظهورها في اختصاص الطاهرية و المطهرية بالنبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و يلحق به سائر المعصومين (عليهم السّلام) بمقتضى المذهب، و أمّا غيرهم فمسلوب عنه هذه الخاصّية.

لكن في دلالتها بعد ضعف سندها «2» إشكال؛ لقوّة احتمال أن يكون المراد الطهارة من الحدث الحاصل للميّت، سيّما مع ما ورد: من أنّ علّة غُسل الميّت هي الجنابة الحاصلة

له بواسطة خروج النطفة التي خلق منها «3»،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 469/ 1541، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 7.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد، عن محمّد بن عيسى العبيدي، عن الحسين بن عبيد. و الحسن (الحسين) بن عبيد مجهول.

(3) كرواية محمّد بن عليّ بن الحسين قال: سئل الصادق (عليه السّلام) لأيّ علّة يغسل الميّت؟ قال: تخرج منه النطفة التي خلق منها، تخرج من عينيه، أو من فيه .. الحديث.

راجع وسائل الشيعة 2: 488، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 3، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 96

و النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لا تصيبه الجنابة بغير اختياره، بل هي المناسبة للسؤال، لا النجاسة العينيّة. و كيف كان يشكل فهم النجاسة منها.

و منه يعرف عدم دلالة رواية محمّد بن سِنان، عن الرضا (عليه السّلام) قال

و علّة اغتسال من غسَّل الميّت أو مسّه، الطهارة لما أصابه من نضح الميّت؛ لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته، فلذلك يتطهّر منه و يطهَّر «1».

لأنّ الظاهر منها و لو بقرينة الصدر التطهير منه من حدث المسّ، و تطهّره من حدث الموت أو الجنابة العارضة له بالموت.

و منها: رواية زرارة: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): بئر قطرت فيه قطرة دم أو خمر، قال

الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كلّه واحد؛ ينزح منه عشرون دلواً، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب «2».

بدعوىٰ إطلاق

الميّت

و شموله للإنسان. و لا ينافيها ما سيأتي من نزح سبعين للإنسان؛ لأنّ ذلك لأجل اختلاف الحدود في النزح؛ لكونه مستحبّاً، كما يختلف في

سائر المنزوحات أيضاً، فراجع.

لكن في إطلاقها مضافاً إلىٰ ضعفها «3» تأمّل؛ لاحتمال أن يكون

الميت

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 89/ 1، علل الشرائع: 300/ 3، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 12.

(2) تهذيب الأحكام 1: 241/ 697، وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15، الحديث 3.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي إسحاق، عن نوح بن شعيب الخراساني، عن ياسين، عن حريز، عن زرارة.

نوح بن شعيب الخراساني مجهول لم نعرفه، و ياسين الراوي عن حريز هو ياسين الضرير و هو مهمل، فتكون الرواية ضعيفة.

رجال النجاشي: 453/ 1227، الفهرست: 183/ 795.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 97

الحيوان الذي لم يذكَّ، مع كون الرواية بصدد بيان حكم آخر. نعم لو كان بتضعيف الياء يكون ظاهراً في الإنسان، لكنّه غير ثابت، بل بعيد.

و منها: موثّقة عمّار الساباطيّ قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل ذبح طيراً، فوقع بدمه في البئر، فقال

ينزح منه دلاء. هذا إذا كان ذكيا فهو هكذا.

و ما سوىٰ ذلك ممّا يقع في بئر الماء فيموت فيه، فأكبره الإنسان ينزح منها سبعون دلواً، و أقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد، و ما سوىٰ ذلك فيما بين هذين «1».

بدعوىٰ: أنّ المراد من أكبرية الإنسان ليس أكبرية جسمه، و هو معلوم، و لا أكبرية شأنه؛ فإنّها لا تناسب أكثرية النزح، بل أنجسيته و أقذريته من سائر الميتات.

و يمكن الخدشة في دلالتها على النجاسة؛ لاستحباب النزح، و بُعْد كون المراد أنّ الإنسان أنجس من الكلب و الخنزير جدّاً، و لذلك تضعف دلالتها على النجاسة.

بل لا يبعد أن يكون أكثرية النزح حكماً تعبّدياً غير ناشئ من نجاسته، و إلّا فكيف يمكن أن يقال: إنّ المؤمن الذي له تلك المنزلة الرفيعة عند اللّٰه تعالىٰ حيّاً و ميّتاً أنجس من سائر الميتات؟! تأمّل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 234/ 678، وسائل الشيعة 1: 194، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 21، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 98

الروايات الدالّة أو المشعرة بطهارة ميتة الآدمي

ثمّ لو سلّمت دلالة هذه الروايات على النجاسة، لكن في مقابلها طوائف من الروايات الدالّة أو المشعرة بالطهارة:

منها: ما وردت في علّة غُسل الميّت، كرواية الفضل بن شاذان التي لا يبعد أن تكون حسنة «1» عن الرضا (عليه السّلام) قال

إنّما أُمر بغُسل الميّت؛ لأنّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة و الآفة و الأذىٰ، فأحبّ أن يكون طاهراً إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه و يماسّونه، فيماسّهم نظيفاً موجّهاً به إلى اللّٰه عزّ و جلّ «2».

و روايةِ محمّد بن سِنان، عن الرضا (عليه السّلام): كتب إليه في جواب مسائله

علّة غُسل الميت أنّه يغسّل ليتطهّر و ينظّف عن أدناس أمراضه، و ما أصابه من صنوف علله .. «3»

إلىٰ آخره.

فإنّ الظاهر منهما أنّ علّة غُسله رفع القذارات العرضيّة، و لو كان الميّت نجساً عيناً مع قطع النظر عنها و الغسلُ مطهّرَة كان الأولىٰ أو المتعيّن التعليل به

______________________________

(1) رواها الصدوق في عيونه، عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري العطار، عن علي بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان.

راجع عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 99، تنقيح المقال 2: 233/ السطر 20 و 308/ السطر 28 (أبواب العين)، المكاسب المحرّمة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 83.

(2) عيون أخبار

الرضا (عليه السّلام) 2: 114/ 1، وسائل الشيعة 2: 478، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 1، الحديث 4.

(3) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 89/ 1، علل الشرائع: 300/ 3، وسائل الشيعة 2: 478، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 1، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 99

لا بأمر عرضي. و احتمال أن يكون المراد من قوله (عليه السّلام) في الثانية

ليتطهّر و ينظّف

التطهيرَ من النجاسة الذاتية، و النظافةَ من العرضية، خلافُ الظاهر جدّاً، فتدلّان علىٰ عدم نجاسته عيناً و ذاتاً. و لا ينافي دلالتها على المقصود كونُ العلّة في أمثالها نكتةً للتشريع، لا علّةً حقيقة.

و منها: ما دلّت علىٰ أنّ غسل الميّت لأجل الجنابة الحاصلة له، كرواية الديلمي، عن أبيه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في حديث

إنّ رجلًا سأل أبا جعفر (عليه السّلام) عن الميّت لِمَ يغسّل غُسلَ الجنابة؟ قال: إذا خرجت الروح من البدن، خرجت النطفة التي خلق منها بعينها منه؛ كائناً ما كان، صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أُنثى، فلذلك يغسّل غسلَ الجنابة «1».

و بهذا المضمون روايات أُخر «2»، فلو كان الميّت نجساً عيناً، و يطهر بالغسل، كان الأنسب تعليله به، لا بالأمر العارضي.

إلّا أن يقال: إنّ غسل الميّت ليس لتطهير بدنه و إن رتّب عليه، و هو كما ترى.

و منها: الروايات الكثيرة الواردة في غُسل الميّت «3»، و موردها الغسل بالماء القليل، و لم يتعرّض فيها لنجاسة الملاقيات. و كذا ما ورد في تجهيزه من حال خروج الروح إلىٰ ما بعد الغسل «4»؛ من غير تعرّض لتطهير ما يلاقيه، و هي

______________________________

(1) الكافي 3: 161/ 1، وسائل الشيعة 2: 487، كتاب الطهارة،

أبواب غسل الميّت، الباب 3، الحديث 2.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 486، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 3.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 479، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 452، كتاب الطهارة، أبواب الاحتضار، الباب 35 و 44 و 46 و 47، و: 491، أبواب غسل الميّت، الباب 5 و 7 و 8 و 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 100

و إن كانت في مقام بيان أحكام أُخر، لكن كان اللازم التنبيه لهذا الأمر الكثير الابتلاء، المغفول عنه لدى العامّة.

و الالتزام بصيرورة يد الغاسل و آلات الغسل المتعارفة طاهرة بالتبع و إن أمكن، إلّا أنّه مع اختصاصه بحال الغسل، دون الملاقيات قبله من حال نزع الروح إلىٰ حال الغسل مسلّم بعد تسلّم نجاسته، و أمّا مع عدم تسلّمها فهذه الطائفة من أقوى الشواهد على الطهارة؛ فإنّ التطهير بالتبعيّة أمر بعيد عن الأذهان، مخالف للقواعد، لا يصار إليه إلّا مع الإلجاء.

و منها: ما دلّت علىٰ رجحان توضّي الميّت قبل الغُسل «1»، مع أنّ شرطه طهارة الأعضاء، و إن أمكن المناقشة فيه، لكن يؤيّد القول بالطهارة.

بل يمكن الاستشهاد أو الاستدلال على الطهارة بمكاتبة الصفّار الصحيحة قال: كتبت إليه: رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقّع (عليه السّلام)

إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل، فقد يجب عليك الغسل «2».

فإنّ الظاهر أنّ

الغُسل

بالضمّ لا بالفتح؛ لأنّ في صورة الفتح كان المناسب أن يقول: «غسلها» أو «غسل يدك» كما ترى في سائر الموارد من الأشباه و النظائر «3»، مع أنّ فرض السائل ملاقاة يده ثوبَ

الميّت، فتغيير الجواب يؤيّد أن يكون المراد أنّه ليس في إصابة الثوب شي ء، بل يجب الغسل في إصابة

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 491، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 6.

(2) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1368، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 5.

(3) مثل روايتي الاحتجاج اللتين تقدّمتا في الصفحة 94.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 101

الجسد، فتدلّ علىٰ أنّه ليس في إصابة الثوب شي ء، و لا في ملاقاة جسده إلّا الغسل، لا غسل اليد، تأمّل.

بل عدم النجاسة و استحباب غسل ملاقيه، مقتضى الجمع بين صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

مسّ الميّت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس بها بأس «1»

، و بين مكاتبة الحِمْيري المتقدّمة

إذا مسّه في هذه الحال

أي حال الحرارة

لم يكن عليه إلّا غسل يده «2»

؛ فإنّ في الصحيحة نفي البأس عن مسّه في حال الحرارة، و في التوقيع جعل عليه في حالها غسل اليد. إلّا أن يقال بإمكان حمل المطلق على المقيّد.

إلىٰ غير ذلك من الشواهد و المؤيّدات، كبُعد نجاسة بدن المؤمن عيناً، كالكلب و الخنزير، مع ما يعلم من منزلته عند اللّٰه تعالىٰ.

و عدمِ معروفية نجاسته لدى عامّة المكلّفين، مع أنّه لو كان نجساً لكان ينبغي اشتهارها بين الناس، كسائر النجاسات؛ لابتلائهم بملاقاته من لدن خروج روحه إلىٰ آخر تجهيزه.

أقوائيّة النجاسة العينيّة لميتة الآدمي

لكن مع ذلك كلّه الأقوىٰ نجاسته كسائر النجاسات؛ لصحيحة الحلبي، و رواية ابن ميمون، و موثّقة عمّار، و التوقيعين المباركين و غيرها «3»، خصوصاً مع عدم إفادة النجاسة في سائر النجاسات إلّا بغسل الملاقيات، و قلّما اتفق فيها

______________________________

(1) الفقيه 1: 87/

403، تهذيب الأحكام 1: 430/ 1370، وسائل الشيعة 3: 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 1.

(2) تقدّمت في الصفحة 94.

(3) تقدّمت الروايات في الصفحة 92 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 102

التصريح بها، كالكلب «1» و الخنزير «2»، و غالب الروايات فيهما أيضاً يفيدها بالأمر بغسل الملاقي، أو النهي عن شرب ملاقيهما «3»، سيّما مع فهم الأصحاب قاطبة من تلك الروايات- و سائر الروايات التي من قبيلها النجاسةَ، و هم أهل اللسان، و فهمِ أساليب الكلام، و أهل الحلّ و العقد في اللغة و الأدب.

بل كثيراً ما في العرف افيدت القذارة بغَسل الملاقي، فإذا قال الطبيب: «اغسل فمك إذا شربت الدواء الفلانيّ» لا ينقدح في الذهن إلّا نجاسته و قذارته، تأمّل.

فالشبهة في دلالة تلك الروايات من الوسوسة، و كإبداء احتمالات عقلية في مقابل الظهور العرفي و الدلالة الواضحة. و معه لا يبقى مجال لما أطنبنا من سرد طوائف من الروايات في مقابلها؛ فإنّ الروايات الواردة في العلل «4» بعد الغضّ عن إسنادها لا تصلح لصرف الظواهر؛ بعد وضوح أنّ العلل فيها من قبيل تقريبات، لا عللًا واقعيّةً، و لهذا ترى فيها التعليل لشي ء واحد بأُمور مختلفة، ففي المقام علّل اغتسال الميّت تارة: بتنظيفه و تطهيره عن أدناس الأمراض، و ما أصابه من صنوف علله، فجعل ما ذكر علّة.

و أُخرى: بأنّ الغالب عليه النجاسة و الآفة، فجعل النجاسة العارضة علّة، مع أنّ آفة المرض أسبق من النجاسة العارضة في حال المرض.

و ثالثة: بخروج المنيّ الذي خلق منه حين الموت، مع أنّه متأخّر عنهما.

مضافاً إلىٰ أنّ الروايات الواردة في علّة اغتسال الميّت غسل الجنابة،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3:

414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 418، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12 و 13.

(4) علل الشرائع: 299.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 103

ضعاف غالباً، مجهولة المراد، بل موهونة المتن لا يمكن الاتكال عليها في إثبات حكم شرعي.

و أمّا السكوت عن غسل يد الغاسل و آلات الغسل و ما يلاقيه عنده عادة، فمع كونه غير مقاوم للأدلّة اللفظية الدالّة على النجاسة، و مع كون ما وردت في الغسل في مقام بيان حكم آخر، أنّه بعد ثبوت النجاسة نصّاً و فتوى لا بدّ من الالتزام بطهارتها تبعاً، كآلات نزح البئر.

و أمّا دعوى السكوت عن غسل ملاقيه من حال الموت إلىٰ حال الغسل، فغير وجيهة بعد ما وردت الروايات المتقدّمة في غسل الثوب و اليد الملاقيين لجسد الميّت «1».

و أمّا التأييد باستحباب توضّيه، فلا يخفى ما فيه.

و أمّا مكاتبة الصفّار «2»، فهي و إن كان المظنون ضمّ الغسل فيها، لكن دعوى الظهور اللفظي في غير محلّها، بل هو ظنّ خارجي حاصل من بعض الاعتبارات، و هو غير حجّة.

مع إمكان أن يقال: إنّه من البعيد أن يترك جواب السؤال عن نجاسة الميّت، و أجاب عن غُسل المسّ، فالأنسب قراءته بالفتح. و إنّما ذكر ملاقي البدن لإفادة أنّ ملاقاة الثوب الذي يلي البدن، لا توجب التنجّس، و إنّما الموجب له ملاقاة بدنه.

مع أنّ الظاهر منها أنّ النجاسة كانت مفروغاً عنها، و إنّما سأل- بعد الفراغ عنها عن أمر آخر، فهذا الاحتمال إن لم يكن أقوى، فلا أقلّ من مساواته

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 92.

(2) تقدّمت في

الصفحة 100.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 104

للاحتمال السابق، فلا تدلّ الرواية علىٰ شي ء من طرفي الدعوىٰ.

و أمّا دعوى: أنّ عدم النجاسة مقتضى الجمع بين صحيحة ابن مسلم «1» و التوقيع الشريف «2»، فلا يخفى ما فيها، و سيأتي التعرّض للصحيحة و الاحتمالات التي فيها.

و أمّا الاستبعاد لنجاسة بدن المؤمن، فلا يوجب رفع اليد به عن الدليل المعتبر من النصّ و الإجماع. مع أنّ شرفه بروحه و قلبه، لا بجسده، و لزوم احترامه حيّاً و ميّتاً لشرف إيمانه، و هو حظّ روحه، و لا يلزم منه عدم نجاسة بدنه بعد خروج روحه. و كيف كان لا يمكن ترك الأدلّة بمجرّد الاستبعاد و الاعتبار.

و أمّا دعوى: أنّه لو كان نجساً لاشتهر و صار واضحاً، ففي غير محلّها؛ لأنّ الابتلاء بملاقاة جسد الميّت مع رطوبته، نادر حتّى بالنسبة إلىٰ أقربائه، و ليس أمره بحيث يدّعىٰ فيه لزوم الاشتهار.

فالأقوىٰ ما عليه الأصحاب من نجاسته عيناً، كسائر النجاسات، فينجس ملاقيه مع الرطوبة، كما هو المرتكز عند العقلاء- بل المتشرّعة في سائر النجاسات، فدعوى عدم نجاسة ملاقية مع نجاسته «3» كدعوىٰ نجاسة ملاقية أو لزوم غسله حتّى مع ملاقاته يابساً «4» ضعيفة مخالفة للأدلّة و فهم العرف.

و أمّا دعوى الحلّي عدمَ السراية مع الرطوبة أيضاً؛ لما تقدّم منه من دعوى عدم الخلاف في وجوب تجنّب النجاسات العينيّة عن المساجد، و دعوى

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 101.

(2) تقدّم في الصفحة 101.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 67.

(4) قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 8، روض الجنان: 114/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 105

الإجماع علىٰ جواز دخول من غسّل ميّتاً المساجد، فاستنتج منهما عدم نجاسته

«1»، ففيها ما لا يخفىٰ.

أمّا أوّلًا: فلأنّ الإجماع لو كان إنّما هو في أعيان النجاسات، لا في ملاقياتها. مع أنّه في الأعيان أيضاً محلّ منع مع عدم السراية أو الإهانة. كما أنّ الدعوى الثانية أيضاً محلّ إشكال.

و أمّا ثانياً: فلأنّه لو سلّم الإجماعان فلا يلزم منهما عدم النجاسة، بل يمكن أن يقال بحصول الطهارة له تبعاً، بل المتعيّن ذلك بعد الإجماعين المفروضين و قيامِ الدليل علىٰ نجاسته.

و أمّا حال الملاقي مع الواسطة أو الوسائط، فسيأتي في محلّه «2» بعد عدم خصوصيّة لهذه النجاسة.

نجاسة الآدمي بمجرّد موته

و هل ينجس بمجرّد الموت، كما عليه جمع من المحقّقين «3»، أو بعد البرد، كما عليه جمع آخر «4»؟

الأقوىٰ هو الأوّل؛ لإطلاق صحيحة الحلبي «5»، و روايةِ ابن ميمون «6»؛ فإنّ الظاهر أنّ التفسير فيها ليس من المعصوم، و تفسير غيره لا يوجب رفع اليد عن

______________________________

(1) تقدّم كلام الحلّي في الصفحة 91 92.

(2) يأتي في الجزء الرابع: 9.

(3) المبسوط 1: 179، تذكرة الفقهاء 2: 135، روض الجنان: 113/ السطر 25.

(4) ذكرى الشيعة 2: 99، مجمع الفائدة و البرهان 1: 209، جواهر الكلام 5: 310 311.

(5) تقدّمت في الصفحة 92.

(6) تقدّمت في الصفحة 92.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 106

إطلاقها و إطلاقِ غير الروايتين ممّا مرّ «1».

و ليس في الباب ما يصلح لتقييدها؛ لأنّ العمدة فيه صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

مسّ الميّت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس به بأس

و رواها في «الفقيه» مرسلًا، و هي مضافاً إلى اختلاف النسخ في نقلها قال الكاشاني في ذيلها: «ربّما يوجد في بعض النسخ

بعد موته

و هو تصحيف» «2» انتهىٰ.

قوله: «و هو تصحيف»

اجتهاد منه سيأتي الكلام فيه، و لا يدفع به اختلاف النسخ المحكية وجداناً. و في نسخة «الوسائل» و بعض نسخ «الفقيه»

بها

بدل

به «3»

و في النسخة المطبوعة من «الفقيه» أخيراً: و قال أبو جعفر الباقر (عليه السّلام)

من مسّ الميّت بعد موته و بعد غسله و القبلة ليس بها بأس «4»

، و جعل علامة بدل النسخة

عند موته و عند غسله

و الموصول في أوّلها و إن كان من زيادة النسّاخ جزماً، كما هو ظاهر، لكن يظهر منها أنّ النسخة التي عند المصحّح كان فيها

بعد موته و بعد غسله

بنحو جعل ذلك الأصل في الكتاب، و جعل

عند موته و عند غسله

بدلًا لا تصلح لذلك:

أمّا أوّلًا: فلأنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

عند موته

مع قطع النظر عن القرائن، كنظائره مثل «عند غروب الشمس» هو قُبَيْل الموت، و لا يطلق علىٰ ما بعده، فلا يقال: «عند طلوع الفجر» لما بعده. كما أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

مسّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 94 97.

(2) الوافي 6: 431، ذيل الحديث 14.

(3) وسائل الشيعة 3: 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 1، الفقيه 1: 87/ 403.

(4) الفقيه: 36، (مطبعة آفتاب).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 107

الميّت

مع عدم القرينة هو الميّت فعلًا، لا من أشرف على الموت، فعند اجتماعهما في كلام واحد مثل ما في الصحيحة يحتمل أن يكون كلّ منهما صارفاً للآخر علىٰ سبيل منع الجمع.

و يحتمل عروض الإجمال عليهما، و لا ترجيح لحفظ ظهور

الميّت

و جعله قرينة علىٰ أنّ المراد من «عنده» بعده؛ لو لم يكن الترجيح مع عكسه.

و يحتمل بعيداً أن يكون المراد من «عنده» كونه مقارناً له؛ لإفادة أنّ المسح المقارن للموت لا

يوجب شيئاً؛ بمعنى أنّه إذا وقع المسّ و زهاق الروح في آن واحد، لا يوجب شيئاً، كما قيل في حدوث الكرّية و ملاقاة النجاسة معاً: «إنّ كلّا من أدلّة الاعتصام و الانفعال قاصر عن شموله؛ لأنّ الظاهر منهما أن يكون الملاقاة بعد تحقّق الكرّية أو القلّة» «1».

فيقال في المقام: إنّ مسّ الميّت يوجب الغسل أو التنجّس، و مع مقارنته للموت لا يصدق «مسّ الميّت» لأنّ الظاهر منه أن يقع عليه، و يكون حلول الموت مقدّماً على المسّ.

و أمّا ثانياً: فلأنّ رفع اليد عن إطلاقها، و صرفَها إلىٰ عدم البأس نفساً، أو عدم إيجاب الغسل، أو هما معاً، أهون من تقييد الروايات المتقدّمة، سيّما رواية ابن ميمون «2»؛ و ذلك لأنّ الغالب في الأسئلة و الأجوبة البحث عن إيجاب الغسل، و كأنّه هو مورد الشبهة نوعاً، أو هو مع حزازته النفسية، كما يظهر من رواية تقبيل أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) ابنه إسماعيل «3» و غيرها «4»، و ذلك يوجب وهن

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقى 1: 168.

(2) تقدّمت في الصفحة 92.

(3) سيأتي قريباً.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 289، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 108

إطلاقها، و أوهنية صرفها من الروايات المتقدّمة. و لقوّة ظهور الشرطيتين في رواية ابن ميمون في أنّ الغُسل علّة لرفع النجاسة، و الموت لعروضها، فهي أظهر في مفادها من الصحيحة. هذا بناءً على النسخة المعروفة.

و أمّا بناءً على النسخة الأُخرىٰ أي

بعد الموت و بعد الغسل

فالأمر أوضح؛ لأنّ المراد منه حينئذٍ عدم البأس النفسي، إن كان المراد نفي البأس عن مسّه بعد الموت مستقلا، و نفيه عمّا بعده كذلك.

و أمّا احتمال

معاملة الإطلاق و التقييد؛ بمعنى تقييد إطلاق الصحيحة بما دلّ علىٰ إيجاب الغسل بالضمّ و الفتح بعد البرد، ففي غاية البعد، بل مقطوع الفساد، و موجب لحملها على النادر.

و إن كان المراد نفي البأس عن مسّه بعد الموت و الغسل معاً باحتمال بعيد، فتشعر أو تدلّ على النجاسة بمجرّد الموت. و أمّا قول الكاشاني: بأنّه تصحيف، فلم يتّضح وجهه إن كان مراده اختلالًا في المعنىٰ.

نعم، لا يبعد أن يكون حكمه به لأجل أنّ النسخ المشهورة تخالفها، و هو غير بعيد. كما أنّ النسخة المطبوعة أخيراً مصحّفة من جهات.

و كيف كان: لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الأدلّة بمثل هذه الصحيحة.

و منه يظهر الكلام في صحيحة إسماعيل بن جابر قال: دخلت علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) حين مات ابنه إسماعيل الأكبر، فجعل يقبّله و هو ميّت، فقلت: جعلت فداك، أ ليس لا ينبغي أن يمسّ الميّت بعد ما يموت، و من مسّه فعليه الغسل؟ فقال

أمّا بحرارته فلا بأس، إنّما ذلك إذا برد «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1366، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 109

فإنّ الظاهر من نفي البأس هو نفي إيجاب الغسل، أو مع حزازته النفسية، كما لا يخفى.

هذا كلّه مع قطع النظر عن روايتي «الاحتجاج» «1»، و إلّا فالأمر أوضح و إن كان في سندهما كلام.

و أمّا سائر تشبّثات الخصم كالتمسّك بالأصل موضوعاً؛ للشكّ في الموت قبل البرد «2»، أو حكماً؛ للجزم بعدم رفع جميع آثار الحياة، كما قال به صاحب «الحدائق» «3»، و كدعوىٰ ملازمة الغسل بالفتح و الضمّ، مع أنّ مضمومة لا يكون إلّا

عند البرد، و كذا مفتوحة «4» ففيها ما لا يخفى و إن استشهد «5» للثالث بمكاتبة الحسن بن عبيد قال: كتبت إلى الصادق (عليه السّلام): هل اغتسل أمير المؤمنين (عليه السّلام) حين غسّل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عند موته؟ فأجابه

النبيّ طاهر مطهّر، و لكن فعل أمير المؤمنين، و جرت به السنّة «6».

و نحوها مكاتبة القاسم الصيقل «7».

و يمكن الاستشهاد له برواية محمّد بن سِنان، عن الرضا (عليه السّلام) قال

و علّة اغتسال من غسّل الميّت أو مسّه الطهارة لما أصابه من نضح الميّت؛

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 94.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 209.

(3) الحدائق الناضرة 3: 336 337.

(4) ذكرى الشيعة 2: 99، جواهر الكلام 5: 308.

(5) جواهر الكلام 5: 308.

(6) تهذيب الأحكام 1: 469/ 1541، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 7.

(7) الإستبصار 1: 99/ 323، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 110

لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته، فلذلك يتطهّر منه و يطهّر «1».

لكنّ المكاتبة مع ضعفها «2» ظاهرة في الطهارة من حدث الجنابة التي تعرض على الميّت؛ فإنّ المعصوم (عليه السّلام) لا تصيبه الجنابة غير الاختيارية، تأمّل. أو في الطهارة من حدث الموت الموجب للغُسل و للاغتسال من مسّه. أو منهما و من النجاسة العينية؛ بحيث يكون المجموع علّة للاغتسال من مسّه، و مع الحرارة لا يوجبه؛ لفقد جزء منها، فلا تدلّ على الملازمة المدّعاة.

و الثانية مع ضعفها سنداً «3» موهونة متناً باشتمالها علىٰ أنّ غسل المسّ للتطهير من إصابة نضح الميّت و

رشحه، اللازم منه عدم الغسل إذا مسّه بلا نضح و رشح، و هو كما ترى، تأمّل.

ثمّ إنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

يتطهّر منه و يطهّر

يغتسل مِن مسّه و يغسّل بمناسبة صدرها، فالقول بالملازمة ممّا لا دليل عليه.

بل يمكن الاستشهاد لعدم الملازمة بمرسلة أيّوب بن نوح، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال:

إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسّه الإنسان فكلّ ما فيه عظم

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 89/ 1، علل الشرائع: 300، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 12.

(2) تقدّم وجه الضعف في الصفحة 95، الهامش 2.

(3) رواها الصدوق في عيونه، عن محمّد بن ماجيلويه، عن عمّه، عن محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الكوفي، عن محمّد بن سنان. و الرواية ضعيفة بمحمّد بن علي الكوفي و هو الصيرفي أبو سمينة، فإنّه مرمي بالكذب.

اختيار معرفة الرجال: 546/ 1033، الفهرست: 146/ 614، تنقيح المقال 3: 157/ السطر 22 و 159/ السطر 26 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 111

فقد وجب علىٰ من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه «1».

بناءً علىٰ جبر سندها بالشهرة، كما سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه في محلّه «2»؛ فإنّ القطعة المبانة من الحيّ نجسة؛ سواء اشتملت على العظم أو لا، كما يأتي «3»، و لا يوجب مسّها الغُسل إلّا إذا اشتملت على العظم، كما قد يوجب الغسل مسّ ما ليس بنجس، مثل ما لا تحلّه الحياة.

طهارة الميتة ممّا لا نفس له

و أمّا الميتة من غير ذي النفس، فلا ينبغي الإشكال في طهارتها نصّاً و فتوى، إلّا في العقرب و الوزغ و العظاية و هي

نوع من الوزغة ظاهراً فإنّه يظهر من بعضهم نجاسة ميتتها، كالشيخين في محكيّ «المقنعة»، و «النهاية» «4».

بل عن «الوسيلة»: «أنّ الوزغة كالكلب نجسة حال الحياة» «5».

و الأقوى ما هو المشهور، بل عليه الإجماع في محكيّ «الخلاف»، و «الغنية»، و «السرائر»، و «المعتبر»، و «المنتهىٰ» «6»؛ لقول الصادق (عليه السّلام) في موثّقة عمّار الساباطي قال: سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1369، وسائل الشيعة 3: 294، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 2، الحديث 1.

(2) يأتي في الصفحة 187 188.

(3) يأتي في الصفحة 116 و 119.

(4) المقنعة: 70، النهاية: 54.

(5) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77.

(6) الخلاف 1: 188، غنية النزوع 1: 42، السرائر 1: 93، المعتبر 1: 427، منتهى المطلب 1: 28/ السطر 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 112

يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه، قال

كلّ ما ليس له دم فلا بأس «1».

و موثّقة حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال

لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة «2».

و لا إشكال فيهما سنداً، سيّما أُولاهما، و لا دلالة؛ ضرورة أنّ المراد من نفي البأس و عدم الإفساد هو عدم التنجيس، كما هو المراد منهما في سائر الموارد المشابهة للمقام «3».

و قد تقدّم جملة أُخرى من الروايات الدالّة على المقصود «4».

و ليس شي ء صالح لتخصيص العامّ أو تقييد المطلق إلّا موثّقة سَماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن جرّة دخل فيها خنفساء قد مات، قال

ألقه و توضّأ منه. و إن كان عقرباً فأرق الماء، و توضّأ من ماء غيره «5».

و

نحوها رواية أبي بصير «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 230/ 665، وسائل الشيعة 3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 231/ 669، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 2.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 170، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14.

(4) تقدّم في الصفحة 71 و 73.

(5) الكافي 3: 10/ 6، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 4.

(6) عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الخنفساء تقع في الماء أ يتوضأ به؟ قال: نعم، لا بأس به. قلت: فالعقرب؟ قال: أرقه.

تهذيب الأحكام 1: 230/ 664، وسائل الشيعة 1: 240، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 9، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 113

و يمكن المناقشة في دلالتها على النجاسة؛ لأنّ العقرب لمّا كان من ذوي السموم، يمكن أن يكون الأمر بالإراقة لأجل سمّه و احتمالِ دخوله في منافذ البدن عند التوضّي، فلا ظهور لمثله في أنّ الإراقة لنجاسته.

نعم، يمكن التمسّك لنجاسة ميتته برواية منهال قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): العقرب يخرج من البئر ميتة، قال

استق منها عشرة دلاء.

قال قلت: فغيرها من الجيف؟ قال

الجيف كلّها سواء .. «1»

إلىٰ آخره.

بدعوىٰ: أنّ الحكم بالنزح لجيفة العقرب كما في سائر الجيف، و التسوية بين الجيف كلّها، دليل علىٰ أنّ النزح لأجل ميتته و جيفته، فتدلّ على النجاسة كما في سائر الجيف.

و هي غير بعيدة لولا ضعف سندها «2»، و معارضتها بدواً لرواية عليّ بن جعفر: أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) عن العقرب و الخنفساء و أشباههما يموت في الجرّة

و الدنّ، يتوضّأ منه للصلاة؟ قال

لا بأس «3».

و صحيحةِ ابن مُسْكان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

كلّ شي ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و أشباه ذلك فلا بأس «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 231/ 667، وسائل الشيعة 1: 196، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 22، الحديث 7.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عبد الحميد، عن يونس بن يعقوب، عن منهال بن عمر. و ضعف السند لوجود المنهال فيه و هو مهمل.

رجال البرقي: 44، رجال الطوسي: 306/ 538، رجال ابن داود: 193/ 1606.

(3) مسائل عليّ بن جعفر: 193/ 405، قرب الإسناد: 178/ 657، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 6.

(4) تهذيب الأحكام 1: 230/ 666، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 114

و الجمع العرفي يقتضي عدم نجاسته و إن رجح الاستقاء عشرة دلاء للنظافة، أو احتمال الضرر.

و إلّا ما دلّت على النزح من الوزغة، كحسنة هارون بن حمزة الغَنَوي أو صحيحته «1»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الفأرة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء، فيخرج حيّاً، هل يشرب من ذلك الماء و يتوضّأ منه؟ قال

يسكب منه ثلاث مرّات، و قليله و كثيره بمنزلة واحدة، ثمّ يشرب منه و يتوضّأ منه، غير الوزغ، فإنّه لا ينتفع بما يقع فيه «2».

بدعوى دلالتها علىٰ نجاسته العينيّة، فميتته نجسة أيضاً.

و روايةِ يعقوب بن عُثيم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): سامّ أبرص وجدته قد تفسّخ في البئر،

قال

إنّما عليك أن تنزح منها سبع دلاء «3».

و الظاهر أنّه أيضاً نوع من الوزغة.

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي، عن الشيخ و هو المفيد (رحمه اللّٰه) عن أبي جعفر محمّد بن علي، عن محمّد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين بن الخطّاب و الحسن بن موسى الخشّاب جميعاً، عن يزيد بن إسحاق شعر، عن هارون بن حمزة الغنوي. و وجه الترديد للاختلاف في يزيد بن إسحاق من كونه موثّقاً أو ممدوحاً فقط.

اختيار معرفة الرجال: 605/ 1126، رجال العلّامة الحلّي: 279، تنقيح المقال 3: 324/ السطر 15 (أبواب الياء).

(2) تهذيب الأحكام 1: 238/ 690، وسائل الشيعة 1: 188، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 5.

(3) الفقيه 1: 15/ 32، تهذيب الأحكام 1: 245/ 707، وسائل الشيعة 1: 189، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 115

و صحيحةِ معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفأرة و الوزغة تقع في البئر، قال

ينزح منها ثلاث دلاء «1».

لكنّها محمولة على الاستحباب بقرينة غيرها، كرواية جابر بن يزيد الجُعفي قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن السامّ أبرص يقع في البئر. فقال

ليس بشي ء، حرّك الماء بالدلو في البئر «2».

فإنّ الظاهر منها أنّ سامّ أبرص ليس بشي ء ينجّس الماء، لا أنّ ماء البئر معتصم.

و مرسلةِ ابن المغيرة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: بئر يخرج من مائها قطع جلود، قال

ليس بشي ء؛ إنّ الوزغ ربّما طرح جلده

و قال

يكفيك دلو من ماء «3».

دلّت علىٰ عدم نجاستها عيناً، فتصير شاهدة علىٰ حمل

رواية الغَنوي على الكراهة.

و صحيحةِ عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن العظاية و الحيّة و الوزغ يقع في الماء فلا يموت، أ يتوضّأ منه للصلاة؟ قال

لا بأس به «4».

دلّت علىٰ عدم نجاسته عيناً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 238/ 688، وسائل الشيعة 1: 187، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 245/ 708، وسائل الشيعة 1: 189، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 8.

(3) الكافي 3: 6/ 9، وسائل الشيعة 1: 189، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 9.

(4) مسائل عليّ بن جعفر: 193/ 404، تهذيب الأحكام 1: 419/ 1326، وسائل الشيعة 3: 460، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 33، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 116

و موثّقةِ عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّه سئل عن العظاية يقع في اللبن، قال

يحرم اللبن

قال

إنّ فيها السمّ «1».

و هذه الموثّقة حاكمة علىٰ سائر الروايات، و مفسّرة لها بأنّ علّة النزح و عدم الانتفاع هو كونه ذا سمّ، و نحن الآن لسنا بصدد بيان حرمة ما مات فيه الوزغ، أو وقع فيه، بل بصدد عدم نجاسته، فلا إشكال فيه. بل الاتكال على الروايات المتقدّمة الواردة في النزح مع مخالفتها للمشهور أو المجمع عليه بين الأصحاب «2» في غير محلّه. بل تقدّم الإشكال في دلالتها أيضاً، فتبقى الأدلّة العامّة أو المطلقة بلا مخصّص و مقيّد.

ثمّ إنّه قد وقع في بعض الحيوانات كلام في كونه ذا نفس أو لا، و تحقيقه ليس من شأن الفقيه، نعم في مورد الشبهة موضوعاً فالمرجع هو الأُصول.

و ينبغي التنبيه

علىٰ أُمور:

نجاسة القطعة المبانة من الميّت و الحيّ

منها: أنّه كلّ ما ينجس بالموت فما قطع من جسده حيّاً أو ميّتاً فهو نجس «بلا خلاف ظاهراً» كما في «الحدائق» «3»، و «لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب» كما عن «المعالم» «4»، و «هو المقطوع به في كلامهم» كما عن «المدارك» «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 285/ 832، وسائل الشيعة 24: 200، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 46، الحديث 2.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 111.

(3) الحدائق الناضرة 5: 72.

(4) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 482.

(5) مدارك الأحكام 2: 271.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 117

و عن الأُستاذ الأكبر: «أنّ أجزاءه نجسة و لو قطعت من الحيّ باتفاق الفقهاء. بل الظاهر كونه إجماعيّاً، و عليه الشيعة في الأعصار و الأمصار» «1».

و عن «الذخيرة»: «أنّ المسألة كأنّها إجماعيّة، و لو لا الإجماع لم نقل بها؛ لضعف الأدلّة» «2».

و قال في محكيّ «المدارك»: «احتجّ عليه في «المنتهىٰ»: بأنّ المقتضي لنجاسة الجملة الموت، و هذا المقتضي موجود في الأجزاء، فيتعلّق به الحكم «3». و ضعفه ظاهر؛ إذ غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميّت، و هو لا يصدق على الأجزاء قطعاً.

نعم، يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميّت استصحاباً لحكمها حال الاتصال، و لا يخفىٰ ما فيه» «4» انتهىٰ.

أقول: أمّا القطعة المبانة من الميّت فلا ينبغي الإشكال في نجاستها، لا للإجماع حتّى يستشكل تارة: بعدم ثبوته و تحصيله، و أنّ المنقول منه في كتب المتأخّرين غير حجّة، سيّما مع ترديد النقلة، كما يظهر من كلماتهم.

و أُخرى: بأنّه مسألة اجتهادية فرعية لا يعلم أنّ استناد المجمعين إلىٰ غير الأدلّة التي في الباب.

و لا للاستصحاب و إن كان جريانه ممّا

لا إشكال فيه؛ بعد وحدة القضية المتيقّنة و المشكوك فيها، لأنّ الجزء حال اتصاله بالكلّ كان نجساً قطعاً، و يشكّ في بقاء نجاسته بعد الانفصال، و لا ريب في أنّ الاتصال و الانفصال من حالات

______________________________

(1) مصابيح الظلام 1: 435/ السطر 14 (مخطوط).

(2) ذخيرة المعاد: 147/ 30.

(3) منتهى المطلب 1: 165/ السطر 7.

(4) مدارك الأحكام 2: 271.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 118

الموضوع، و لا يوجبان تبدّله.

و توهّم: أنّ الأحكام تتعلّق بالعناوين، و عنوان «الميتة» لا يصدق على الجزء بعد الانفصال، و إنّما يصدق على المجموع حال الاتصال، ناشئ من الخلط بين موضوع الدليل الاجتهادي و موضوع الاستصحاب، فإنّ الأوّل هو العناوين، و مع الشكّ في تبدّلها لا يمكن التمسّك بالدليل، فضلًا عمّا إذا علم ذلك كما في المقام، لكن بعد تحقّق العنوان خارجاً بوجود مصداقه يصير المصداق الخارجي متعلّقاً لليقين بثبوت الحكم له، فإذا تبدّل بعض حالاته فصار منشأً للشكّ، فلا مانع من جريان الاستصحاب؛ لوحدة القضية المتيقّنة و المشكوك فيها.

فإذا تعلّق حكم النجاسة بالميتة، فلا إشكال في أنّها تثبت لأجزائها- كاليد و الرجل و غيرهما عند تحقّق العنوان في الخارج، فيتعلّق اليقين بنجاسة الأجزاء الخارجية، و بعد الانفصال يصحّ أن يقال: «إنّي كنت علىٰ يقين من نجاسة هذه اليد الموجودة في الخارج، فأشكّ في بقائها بعد الانفصال» و لا إشكال في وحدة القضيّتين، و هي المعتبرة في الاستصحاب، لإبقاء موضوع الدليل الاجتهادي، فقول صاحب «المدارك»: «و لا يخفىٰ ما فيه» «1» تضعيفاً للاستصحاب لا يخفى ما فيه.

و منه يعلم: أنّ مقتضى الاستصحاب في الجزء المبان من الحيّ الطهارة و عدم النجاسة؛ ما لم يدلّ دليل علىٰ خلافه.

بل للأدلّة المثبتة

للحكم على الميتة؛ فإنّ معروض النجاسة- بحسب نظر العرف هو أجزاء الميتة، من غير فرق في نظرهم بين الاتصال و الانفصال.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 272.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 119

كما أنّ ما دلّ علىٰ أنّ الكلب رجس نجس «1»، يفهم منه أنّه بجميع أجزائه نجس، و لا يحتاج في إثبات النجاسة للإجزاء إلى التمسّك بدليل آخر غيره، كما لا يحتاج في إثبات نجاستها بعد الانفصال إلىٰ غيره.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ العرف يرىٰ أنّ موضوع النجاسة ذات الأجزاء؛ من غير دخالة للاتصال و الانفصال فيها، كما أنّ الاستقذار من الكلب علىٰ فرضه استقذار من أجزائه؛ اتصلت بالكلّ، أو انفصلت، و هو ممّا لا شبهة فيه.

نجاسة القطعة المنفصلة من ذي النفس الحيّ غير الآدمي

و أمّا المنفصل من الحيّ، فقد عرفت أنّ مقتضى الأصل طهارته، فلا بدّ في الخروج من مقتضاه من قيام دليل. و قد عرفت من محكي «المنتهىٰ» أنّ المقتضي لنجاسة المجموع و هو الموت موجود في الأجزاء، فيتعلّق بها الحكم «2».

و فيه: أنّه إن أراد من وجود المقتضي في الأجزاء، التشبّثَ بالقطع بوجود المناط الذي في الكلّ فيها، فالعهدة عليه، فأنّىٰ لنا القطع في الأُمور التشريعية المجهولة المناط، و أيّ مناط في وجوب غسل المسّ في الأجزاء المبانة من الحيّ إذا اشتملت على العظم، و عدمه في اللحم المجرّد؟! بل لازمه الحكم بنجاسة الجزء المتصل إذا علم موته و فساده.

و بالجملة: الطريق إلى العلم بمناطات مثل تلك الأحكام التعبّدية مسدود.

و إن أراد استفادة الحكم من الأدلّة المثبتة للحكم على الميتة؛ بدعوى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 117.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 120

إلغاء خصوصية الكلّية و الجزئية عرفاً، ففيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّ العرف- مع ما يرىٰ من الخصوصية بين الميّت و أجزائه، و بين الحيّ و جزئه المبان منه لا يمكن له إلغاؤها، فلا يمكن إثبات الحكم بمثله.

كما لا يمكن التشبّث بالأدلّة العامّة المثبتة للنجاسة لعنوان «الميتة» و «الجيفة» لعدم صدقهما على الجزء المبان من الحيّ. و إنّما قلنا بثبوت الحكم للجزء المبان من الميّت بواسطة الأدلّة المثبتة للنجاسة للميّت و الجيفة، لا لأجل صدقهما عليه استقلالًا، بل لأجل أنّ الحكم الثابت للميّت ثابت لأجزائه بنفس ثبوته له عرفاً، و الفرض أنّه في المقام لم يثبت الحكم للكلّ حتّى يجري على الأجزاء تبعاً و استجراراً؛ لأنّ الجزء مقطوع من الحيّ، فصار مستقلا بالقطع، و هو ليس بميتة عرفاً و لغةً، فلا يمكن إثبات الحكم له بدليل نجاسة الميتة.

كما أنّ إثباته بقول العلّامة في محكي «التذكرة»: «إنّ كلّ ما أُبين من الحيّ ممّا تحلّه الحياة فهو ميت. فإن كان من آدمي فهو نجس عندنا، خلافاً للشافعي» «1» انتهىٰ، مشكل.

نعم، هنا روايات خاصّة يمكن التمسّك بها:

منها: صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): ما أخذت الحِبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلًا فذروه؛ فإنّه ميت، و كلوا ممّا أدركتم حيّاً و ذكرتم اسم اللّٰه عليه «2».

و صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه برواية الصدوق عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ما أخذت الحِبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميت، و ما أدركت من

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 60.

(2) الكافي 6: 214/ 1، وسائل الشيعة 23: 376، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 24، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام

الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 121

سائر جسده حيّاً فذكّه، ثمّ كل منه «1».

و نحوها خبر زرارة «2».

و رواية عبد اللّٰه بن سليمان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ما أخذت الحِبالة فانقطع منه شي ء فهو ميتة «3».

و الظاهر منها بعد العلم بعدم كون الجزء ميتة عرفاً و لغة أنّه ميتة تنزيلًا و بلحاظ الآثار، و إطلاق التنزيل يقتضي النجاسة.

و توهّم: أنّ المتبادر منها هو التنزيل من حيث حرمة الأكل؛ بقرينة ما ذكر فيها من أكل ما أُدرك حيّاً بعد التذكية، و لهذا يستفاد منها حرمة الأجزاء الصغار المقطوعة بالحِبالة و لو كانت في غاية الصغر، و لا يستفاد نجاستها «4».

فاسد؛ لأنّ التعليل في صحيحة ابن قيس، يقتضي أن يكون وجوب رفضه بسبب كونه ميتاً، و الحمل علىٰ أنّه ميت في هذا الحكم مستهجن؛ و من قبيل تعليل الشي ء بنفسه، تأمّل، و أمّا إذا كان الجزء بمنزلة الميت في جميع الأحكام، يكون التعليل حسناً.

و بالجملة: فرق بين قوله (عليه السّلام)

فذروه؛ فإنّه ميت

و بين قوله (عليه السّلام) في موثّقة معاوية بن عمّار في العصير

خمر لا تشربه «5»

، فإنّ الثاني لا يستبعد

______________________________

(1) الفقيه 3: 202/ 918، وسائل الشيعة 23: 376، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 24، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 214/ 5، وسائل الشيعة 23: 377، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 24، الحديث 4.

(3) الكافي 6: 214/ 4، وسائل الشيعة 23: 377، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 24، الحديث 3.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 527/ السطر 31.

(5) تهذيب الأحكام 9: 122/ 526، مستدرك الوسائل 17: 41، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 4، الحديث 1.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 122

فيه التنزيل من جهة الشرب من غير استهجان، بخلاف الأوّل الذي ذكر القضيّة معلّلة، كما لا يخفى على العارف بالمحاورات العرفيّة.

هذا لو سلّم أنّ قوله (عليه السّلام)

فذروه

بمعنى: لا تأكلوه؛ بقرينة قوله

و كلوا ممّا أدركتم حيّاً

مع أنّه غير مسلّم؛ لاحتمال أن يكون المراد منه: لا تنتفعوا به، و إنّما ذكر أحد الانتفاعات التي هي أهمّ من سائرها فيما أُدرك حيّاً.

بل لأحد أن يقول: إنّ قوله

و كلوا ممّا أدركتم حيّاً

كناية عن جواز الانتفاع به مع ذكر أوضح الانتفاعات، و لهذا لا يفهم منه جواز الانتفاع أكلًا فقط؛ حتّى يكون مقابله عدم جواز ذلك.

و كذا تدلّ الصحيحة الثانية على المطلوب؛ لإطلاق التنزيل. و لا يكون ذيلها قرينة على اختصاصه بالأكل، سيّما مع ذكر التذكية في مقابل الميتة، و خصوصاً مع كون قوله (عليه السّلام)

ثمّ كل منه

من متفرّعات التذكية بحسب ظاهرها، و سيأتي تتمّة لذلك عن قريب «1». و أوضح منهما في الإطلاق رواية عبد اللّٰه بن سليمان.

و أمّا توهّم استفادة حرمة الأجزاء التي في غاية الصغر، و عدمِ استفادة النجاسة منها «2»، فغير وجيه سيأتي التعرّض له «3».

و تدلّ على النجاسة أيضاً صحيحة عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي بطريق الصدوق «4»، بل بطريق الكليني أيضاً بناءً علىٰ وثاقة سهل

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 127.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 527/ السطر 33.

(3) يأتي في الصفحة 127.

(4) رواه عن أبيه (رضى اللّٰه عنه)، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي. الفقيه، المشيخة 4: 101.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 123

ابن زياد «1» قال: سأل رجل

أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا عنده عن قطع أليات الغنم، فقال

لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك.

ثمّ قال

إنّ في كتاب عليّ (عليه السّلام): أنّ ما قطع منها ميت لا ينتفع به «2».

فإنّ الاستشهاد بكتاب عليّ (عليه السّلام) دليل علىٰ أنّه ميت تنزيلًا و حكماً، لا عرفاً و لغةً، و إطلاق التنزيل و تفريع عدم الانتفاع به مطلقاً، دليل علىٰ نجاسته.

و أوضح منها رواية الحسن بن عليّ قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) فقلت: جعلت فداك، إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، قال

هي حرام.

قلت: فنصطبح بها؟ قال

أما تعلم أنّه يصيب اليد و الثوب و هو حرام؟! «3».

و الظاهر عدم إرادة النجس من «الحرام» بل الظاهر منها معروفية الملازمة بين حرمة الأكل في العضو المقطوع و بين النجاسة في عصر الصدور، كما هو مقتضى التأمّل في ألفاظ الرواية، فيستفاد منها نجاسة كلّ عضو حرام أكله.

و يدلّ عليها إطلاق رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه قال في أليات الضأن تقطع و هي أحياء

إنّها ميتة «4».

و أمّا ما في صحيحة الحلبي

لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة؛

______________________________

(1) رواه الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر.

(2) الكافي 6: 254/ 1، الفقيه 3: 209/ 967، تهذيب الأحكام 9: 78/ 330، وسائل الشيعة 24: 71، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 30، الحديث 1.

(3) الكافي 6: 255/ 3، وسائل الشيعة 24: 71، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 30، الحديث 2.

(4) الكافي 6: 255/ 2، وسائل الشيعة 24: 72، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح،

الباب 30، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 124

إنّ الصوف ليس فيه روح «1»

، فالظاهر عدم دلالتها على المقصود؛ فإنّ موضوع الكلام فيها هو جزء الميتة، فتدلّ علىٰ أنّ الأجزاء التي فيها روح لا يصلّى فيها إذا قطعت من الميت.

هذا حال غير الآدمي.

نجاسة القطعة المنفصلة من الإنسان
اشارة

و أمّا هو فتدلّ علىٰ نجاسته مرسلة أيّوب بن نوح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم فقد وجب علىٰ من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه «2».

و تفريع الذيل و التفصيل بين ما له العظم و غيره، جعله كالنصّ في عموم التنزيل و عدم الاختصاص بغسل المسّ، و سيأتي الكلام في حال سندها في غسل المسّ إن شاء اللّٰه «3».

تذنيب: في طهارة الأجزاء الصغار المنفصلة من الإنسان

حكي عن العلّامة في «المنتهىٰ»: «أنّ الأقرب طهارة ما ينفصل عن بدن الإنسان من الأجزاء الصغيرة، مثل البُثُور و الثؤْلُول و غيرهما؛ لعدم إمكان التحرّز

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1530، وسائل الشيعة 3: 513، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1369، وسائل الشيعة 3: 294، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 2، الحديث 1.

(3) يأتي في الصفحة 187.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 125

عنها، فكان عفواً دفعاً للمشقّة» «1».

و اعترض عليه: «بأنّ التمسّك بدليل الحرج دليل علىٰ أنّ أدلّة النجاسة شاملة لها، و إنّما تستثنى منها بدليل الحرج، مع قصورها عن شمولها» «2».

أقول: لا بأس بذكر محتملات الروايات المتقدّمة، خصوصاً صحيحة محمّد بن قيس «3» حتّى يتّضح الحال:

فنقول: إنّ في قوله (عليه السّلام) فيها

ما أخذت الحِبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلًا فذروه؛ فإنّه ميت ..

إلىٰ آخره، احتمالاتٍ:

الأوّل: أن يكون المراد من قوله (عليه السّلام)

فإنّه ميت

أنّه ميت حكماً، علىٰ معنىٰ أنّ مصحّح الادعاء بعد عدم الصدق علىٰ نحو الحقيقة هو محكومية الجزء بأحكام الميت، كقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله

و سلّم)

الطواف بالبيت صلاة «4»

، فيكون مفاده أنّ وجوب رفضه لأجل كونه ميتة حكماً، و لازم هذا الاحتمال أنّ الأجزاء المقطوعة بالحِبالة في حكم الميتة، و قد قلنا سابقاً: إن مقتضىٰ إطلاق التنزيل و تناسب التعليل نجاستها أيضاً «5».

لكن لا يكون هذا التعليل كسائر التعليلات المعمّمة، فالموضوع للحكم هو الأجزاء المقطوعة بالحِبالة؛ لكونها في حكم الميتة، فلا تشمل الأجزاء المتصلة، و لا ما انفصلت لا بالقطع، بل برفض الطبيعة المودوعة من قِبَل اللّٰه تعالىٰ

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 166/ السطر 14.

(2) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 483.

(3) تقدّمت في الصفحة 120.

(4) راجع السنن الكبرى، البيهقي 5: 87، عوالي اللآلي 1: 214/ 70، مستدرك الوسائل 9: 410، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 38، الحديث 2.

(5) تقدّم في الصفحة 121.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 126

في الحيوان، كفارة المسك، و كجلد الحيّة الذي رفضته و أفرزته؛ بناءً علىٰ كون الحيّة من ذي النفس.

بل يمكن أن يقال بعدم شمولها للأجزاء الصغار و لو كانت ذا روح، و زهق بالقطع؛ ممّا لا تأخذها الحِبالة لصغرها. و دعوىٰ إلغاء الخصوصية بعد احتمال أن يكون للجزء المعتدّ به خصوصية، كما فرّق في المسّ بين ذي العظم و غيره في غير محلّها. نعم، لا خصوصيّة في الحِبالة و لا الرجل و اليد بنظر العرف.

الثاني: أنّ المصحّح للدعوىٰ بأنّه ميت؛ هو مشابهة الجزء للكلّ في زهاق الروح، فكأنّه قال: «فذروه؛ لأنّه زهق روحه» فعليه تكون العلّة للحكم برفضه هي زهاق روحه، و العلّة تعمّم، فتشمل الأجزاء المتصلة إذا زهق روحها، و ذهبت إلى الفساد و النتن. و كذا ما زهق روحه و لو باقتضاء الطبع، كالبُثُور و الثؤْلُول و

الفأر و نظائرها؛ لوجود العلّة، و تحقّقِ موضوع الحكم.

نعم، لو كان المراد من قوله (عليه السّلام)

فذروه

ترك الأكل بقرينة ذيلها لما استفيد النجاسة منها. لكنّه ضعيف قد أشرنا إليه «1»، و سنشير إليه تارة أُخرى.

الثالث: أن يقال: إنّ المراد بقوله (عليه السّلام)

فإنّه ميت

أنّه غير مذكّى؛ لإفادة أنّ الحيوان بأجزائه إذا لم يكن مذكّى بما جعله الشارع سبباً لتذكيته، فهو ميت، فالميتة مقابلة المذكى في الشرع، كما يظهر بالرجوع إلى الروايات و موارد الاستعمالات، و ليست «التذكية» في لسان الشارع و عرف المتشرّعة عبارةً عمّا في عرف اللّغة؛ فإنّ «الذكاة» لغةً الذبح «2»، و ليست كذلك في الشرع؛ إذ «التذكية» ذبح بخصوصيات معتبرة في الشرع، و لهذا ترى لم تطلق هي و لا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 122.

(2) القاموس المحيط 4: 332، أقرب الموارد 1: 371، المنجد: 237.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 127

مشتقّاتها في الذبح بغير طريق شرعي، كذبائح أهل الكتاب و الكفّار، و كذا لو ذبح بغير تسمية، أو علىٰ غير القبلة عمداً «1» و هكذا.

فدعوى: أنّ للتذكية حقيقةً شرعيّةً قريبةٌ جدّاً، و كذا للميتة التي هي في مقابلها، فالمذبوح بغير ما قرّر شرعاً ميتة و إن قلنا بعدم صدقها عرفاً إلّا علىٰ ما مات حتف أنفه، أو بغير الذبح. و كذا الأجزاء المبانة من الحيوان ميتة؛ أي غير مذكّاة و إن لم تصدق عليها في العرف و اللغة.

و إطلاق «الميتة» و «غير المذكى» على الأجزاء كإطلاق «المذكى» و «الذكي» عليها، في الأخبار شائع فيراد في تلك الروايات ب «الميتة» مقابل المذكى.

و يشهد له ذيل الصحيحة، حيث قال (عليه السّلام)

و كلوا ممّا أدركتم حيّاً و ذكرتم اسم اللّٰه عليه

، فإنّ الظاهر

من مقابلتهما أنّ ما أُدرك حيّاً و ذبح على الشرائط مذكّى، و الجزء المقطوع ميتة غير مذكّى. و لا ريب في أنّ قوله (عليه السّلام)

كلوا

من قبيل التمثيل، و إلّا فيجوز بيعه، و الصلاة فيه، و يكون طاهراً .. إلىٰ غير ذلك.

فالصحيحة بصدد بيان أنّ ما قطع بالحِبالة ميت و غير مذكّى، و ما ذبح على الشرائط هو المذكى. و لازم هذا الوجه نجاسة الأجزاء و لو كانت صغيرة.

بل نجاسة ما خرج منه الروح برفض الطبيعة؛ لعدم ورود التذكية عليه، فهو ميت على إشكال. بل منع في هذا الأخير؛ لأنّ ظواهر الأدلّة لا تشملها، ضرورة عدم شمول ما قطعت الحِبالة لمثل ثُؤْلُول الإنسان و بُثُوره، و لمثل الألياف الصغيرة في أطراف أظفاره، و ما يتطاير من القشور عند حكّها، و ما يعلو الجراحات .. إلىٰ غير ذلك.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 24: 27 و 29 و 52، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 14 و 15 و 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 128

و كذا رواية ابن نوح «1»؛ لعدم صدق «القطعة» علىٰ مثلها، أو انصرافها. بل لا تشمل الأدلّة أمثال ما ذكر في الحيوانات غير الإنسان أيضاً.

و بالجملة: عناوين الروايات قاصرة عن شمولها. بل عن شمول الأجزاء الصغار الحيّة.

و ما يساعد عليه العرف في إلغاء الخصوصية؛ هو عدم الفرق بين الصغيرة و الكبيرة التي فيها روح، و زال بالقطع؛ لإمكان دعوى استفادته من النصوص بدعوىٰ: أنّ المستفاد منها أنّ موضوع الحكم بعد إلغاء الخصوصية هو قطع الأجزاء التي فيها حياة، و أمّا إلغاؤها بالنسبة إلىٰ ما رفضه الطبيعة و ألقته بإذن اللّٰه تعالى فلا؛ لوجود الخصوصية في نظر العرف، سيّما إذا

كانت الإبانة أيضاً- كإزالة الحياة برفضها.

ثمّ إنّ الاحتمالات المتقدّمة إنّما تأتي في صحيحة ابن قيس لو خلّيت و نفسها، و أمّا مع لحاظ سائر الروايات فيسقط الاحتمال الثاني جزماً؛ لعدم تأتّيه في سائرها، للفرق الظاهر بين قوله (عليه السّلام) في الصحيحة

فذروه؛ فإنّه ميت

و بين التعبير الذي في غيرها؛ أي قوله (عليه السّلام)

ما أخذت الحِبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميت.

نعم، يأتي احتماله علىٰ بُعْد في رواية الكاهلي. و أبعد منه احتماله في رواية الحسن بن عليّ.

و بعد عدم صحّة الاحتمال الثاني في غير الصحيحة، يسقط فيها أيضاً؛ للجزم بوحدة مفاد الجميع، و عدم إعطاء حكم فيها غير ما في سائرها.

فبقي الاحتمالان، و الأقرب الأخير منهما؛ لما عرفت من كثرة استعمال

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 124.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 129

«الميتة» قبال المذكى؛ بحيث صارت كحقيقة شرعية، أو متشرّعية، أو نفسهما، بل لو ادعاها أحد فليس بمجازف. فاتضح ممّا مرّ قوّة التفصيل بين الأجزاء الصغار التي زالت حياتها بالقطع، و غيرها كالثُؤْلُول و البُثُور.

و قد يتمسّك «1» لطهارة أمثالها بصحيحة عليّ بن جعفر: أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يكون به الثؤْلُول أو الجرح، هل يصلح له أن يقطع الثؤْلُول و هو في صلاته، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال

إذا لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس، و إن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله «2».

و لا تخلو من دلالة؛ لأنّ السؤال و لو كان بملاحظة صدرها الذي سأل عن نزع الأسنان، و كان من نفس هذا العمل، لكن الجواب مع تعرّضه لخوف السيلان، و عدم تعرّضه لملاقاته مع الرطوبة، خصوصاً مع

كون بلد السؤال ممّا يعرق فيه الأبدان كثيراً، و سيّما مع السؤال عن اللحم، و هو مرطوب نوعاً، خصوصاً ما هو على الجرح يدلّ علىٰ أنّ المانع من جوازه الإدماء لا غير، فلا بأس بملاقيه رطباً، و حمله في الصلاة.

طهارة فأرة المسك

و أمّا فأرة المسك و هي الجلدة التي وعاؤه فعن العلّامة في «التذكرة» و «النهاية» و الشهيد في «الذكرى» التصريح باستثنائها من القطعة المبانة؛ سواء انفصلت من الظبي في حال حياته، أو أُبينت بعد موته «3».

______________________________

(1) انظر مدارك الأحكام 2: 272، الحدائق الناضرة 5: 76 77، مستند الشيعة 1: 175.

(2) الفقيه 1: 164/ 775، وسائل الشيعة 7: 284، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 27، الحديث 1.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 58، نهاية الإحكام 1: 270، ذكرى الشيعة 1: 118.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 130

بل عن ظاهر «التذكرة» و «الذكرى» الإجماع عليه.

و عن «كشف اللثام» القول بنجاستها مطلقاً؛ سواء انفصلت عن الحيّ أو الميت، إلّا إذا كان ذكيّاً «1».

و عن «المنتهىٰ» التفصيل بين الأخذ من الميتة، و بين الأخذ من الحيّ و المذكّى «2».

و الظاهر أنّ محطّ البحث فيها هي الفأرة التي انقطعت علاقتها الروحيّة من غزالها، و زالت حياتها، و استقلّت و بلغت و آن أوانُ رفضها؛ سواء انفصلت بطبعها من الحيّ، أو بقيت على اتصالها، و سواء كان الحيوان حيّاً أو ميتاً، و أمّا ما كانت حيّة، و علاقتها الروحية باقية، فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها محلّ البحث، كما يظهر من كلماتهم؛ لأنّها جزء حيواني، كسائر الأجزاء التي قد مرّ أنّ مبانها من الميت و الحيّ نجس «3».

و كيف كان: تدلّ علىٰ طهارتها في الحيّ أصالة الطهارة، أو

استصحاب الطهارة الثابتة لها حال اتصالها.

و لا يعارضه الاستصحاب التعليقي؛ بأن يقال: إنّ هذا الجزء قبل ذهاب الروح منه إذا كان مباناً من الحيّ نجس، فيستصحب الحكم التعليقي، و حصول المعلّق عليه وجداني، و هو مقدّم على الاستصحاب التنجيزي؛ لحكومته عليه، كما حرّر في محلّه «4».

و ذلك لأنّ الاستصحاب التعليقي إنّما يجري فيما إذا كان الحكم الصادر من

______________________________

(1) كشف اللثام 1: 406.

(2) منتهى المطلب 1: 166/ السطر 9.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 116.

(4) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 143 146.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 131

الشارع علىٰ نحو التعليق، كقوله (عليه السّلام)

العصير العنبيّ إذا نشّ و غلى يحرم «1»

، دون ما إذا كان الحكم تنجيزياً، و انتزعنا منه التعليق؛ لأنّه ليس حكماً شرعياً، و لا موضوعاً ذا حكم، و المقام من هذا القبيل؛ فإنّ في أدلّة الحِبالة و الأليات علّق الحكم التنجيزي على الأجزاء المبانة، و لم يرد حكم تعليقي في الجزء المتصل حتّى يستصحب.

و قد أشرنا إلىٰ قصور أدلّة نجاسة الجزء المبان من الحيّ عن شمول نحو الفأرة التي استقلّت و بلغت، و صارت كشي ء أجنبيّ من الحيوان «2».

و في الميّت أصالةُ الطهارة بعد قصور أدلّة نجاسة الميتة عن إثباتها لها؛ فإنّ ما تدلّ علىٰ نجاستها علىٰ كثرتها إنّما تدلّ علىٰ نجاسة «الجيفة» و «الميتة» كما تقدّم «3»، و لا تشمل الجزء؛ لعدم صدقهما عليه.

و إنّما قلنا بنجاسة أجزائها مبانة أو غير مبانة؛ لارتكاز العقلاء علىٰ أنّ ثبوتها للميتة ليس إلّا للموجود الخارجي بأجزائه، فلا بدّ في إسراء الحكم لمثل هذا الجزء المستقلّ- الذي زالت حياته برفض الطبيعة، و بلوغه حدّ الاستقلال من دعوى عدم الفارق بين الأجزاء،

و أنّى لنا بهذه بعد ظهور الفارق بين هذا الجزء و غيره؟! و لم يرد في دليل أنّ ملاقي الميتة أو ملاقي جسدها نجس، حتّى يستفاد منه نجاسة هذا الجزء؛ بدعوىٰ كونه من أجزائها و من جسدها حال اتصاله بها،

______________________________

(1) لم نجده في المجاميع الروائية و الموجود فيها «إذا نشّ العصير أو غلى حرم»، وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 4.

(2) تقدّم في الصفحة 125 126.

(3) تقدّم في الصفحة 65.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 132

و دعوىٰ إلغاء خصوصية الاتصال و الانفصال، إلّا في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت، فقال

يغسل ما أصاب الثوب «1».

و هي منصرفة إلىٰ ميّت الإنسان إن كانت الياء مشدّدة. نعم لو ثبت سكونها و تخفيفها لا يبعد انصرافها إلىٰ غير الإنسان.

و الشاهد على انصراف الأوّل بعد موافقة العرف رواية ابن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يقع ثوبه علىٰ جسد الميّت، قال

إن كان غسل الميّت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه .. «2»

إلىٰ آخره.

حيث حمل الإطلاق علىٰ ميّت الإنسان، و الظاهر أنّ الياء مشدّدة فيها. بل لا يبعد دعوى ظهور صحيحة الحلبي في ذلك، و لهذا ذكرها الفقهاء في أدلّة نجاسة الميّت الآدمي، لا الحيواني «3».

و أمّا صحيحة عبد اللّٰه بن جعفر قال: كتبت إليه يعني أبا محمّد (عليه السّلام): يجوز للرجل أن يصلّي و معه فأرة المسك؟ فكتب

لا بأس به إذا كان ذكيّاً «4».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و

نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 132

فاحتمال عود الضمير المذكّر إلى الغزال الذي يؤخذ منه الفأرة حتّى

______________________________

(1) الكافي 3: 161/ 4، وسائل الشيعة 3: 462، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 61/ 5، وسائل الشيعة 3: 461، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 1.

(3) الحدائق الناضرة 5: 65، جواهر الكلام 5: 305، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 339/ السطر 7.

(4) تهذيب الأحكام 2: 362/ 1500، وسائل الشيعة 4: 433، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 41، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 133

تدلّ علىٰ نجاسة ما يؤخذ من الميتة و من الحيّ غير موجّه، و لا حجّة فيه. كاحتمال كون «الذكي» بمعنى الطاهر، و عوده إلى المسك. بل هذا الاحتمال بعيد جدّاً؛ لأنّ السؤال إنّما هو عن الفأرة، و لا يناسب الجواب عن مسكها.

كما أنّ احتمال عوده إلى الفأرة، و كون «الذكي» بمعنى الطاهر أيضاً بعيد؛ لعدم موافقته للّغة، و بُعْد استعمال «الذكي» فيه مجازاً، بل المظنون قويّاً أنّ «الذكي» في مقابل الميتة، كما في سائر الروايات «1».

و عود الضمير إلى الفأرة إمّا بأنّ الأمر في التذكير و التأنيث سهل يتسامح فيه، و إمّا بمناسبة كونه معها، فعاد إلىٰ ما معها.

فتدلّ علىٰ أنّ للفأرة نوعين: ذكية، و غيرها. لكن لا يستفاد منها أنّ أيّ قسم منها ذكية أو غيرها، فمن المحتمل أن تكون بعد استقلالها و بلوغها، و خروج الروح منها برفض الطبيعة، صارت ذكية، و تكون حالها حينئذٍ كالظفر و الحافر، و يكون القسم غير المذكى ما لم تبلغ إلىٰ هذا الحدّ، و قطعت

قبل أوان بلوغها، و نحن لا نعلم حال الفأرة، فمن الممكن أن تكون هي أو نوع منها تتبدّل ما في جوفها مسكاً قبل تمام استقلالها، و لا شبهة في أنّ هذا النوع تذكيتها بتذكية غزالها، و سائر أقسامها يمكن أن يكون من القسم المذكى.

و بالجملة: لا ركون إلىٰ هذه الرواية مع هذا التشويش و الإجمال في إثبات الحكم.

و قد يتمسّك للطهارة بالتعليل الوارد في صوف الميتة بقوله (عليه السّلام)

إنّ الصوف ليس فيه روح «2».

______________________________

(1) كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، تقدّمت في الصفحة 120.

(2) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1530، وسائل الشيعة 3: 513، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 134

و في رواية

ليس في الصوف روح أ لا ترى أنّه يجزّ و يباع و هو حيّ؟! «1».

و بصحيحة حَريز قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) لزرارة و محمّد بن مسلم

اللبن و اللباء و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كلّ شي ء يفصل من الشاة و الدابّة، فهو ذكيّ، و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه «2».

و برواية أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، حيث علّل عدم البأس في الإنفحة بأنّها

ليس لها عروق، و لا فيها دم، و لا لها عظم، إنّما تخرج من بين فرث و دم. إنّ الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أُخرجت منها بيضة «3».

و بصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي و هو في جيبه، أو ثيابه، فقال

لا بأس بذلك «4».

و بفحوى ما دلّ

علىٰ طهارة المسك، و بالحرج.

و في الكلّ نظر؛ لأنّ المراد من كون الصوف غير ذي روح أنّه كذلك رأساً، فلا يشمل ما كان ذا روح فزهق، و لذلك لا يتوهّم شموله للعضو الفَلِج، فالمراد منه أنّ الصوف من غير ذوات الأرواح، لا أنّه ليس له روح فعلًا و لو بزهاقه، و إلّا فالميتة أيضاً كذلك.

______________________________

(1) مكارم الأخلاق 1: 237/ 700، وسائل الشيعة 3: 515، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 7.

(2) الكافي 6: 258/ 4، تهذيب الأحكام 9: 75/ 321، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.

(3) الكافي 6: 256/ 1، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 1.

(4) الفقيه 1: 164/ 775، وسائل الشيعة 4: 433، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 41، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 135

و تشهد له رواية الحسين بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الشعر و الصوف و الريش و كلّ نابت لا يكون ميتاً «1»

، فإنّها بمنزلة المفسّر لغير ذي الروح؛ أي ما كان من قبيل النبات ليس له روح حيواني.

و منه يظهر ما في الاستشهاد بصحيحة زرارة؛ فإنّ المراد من

كلّ ما يفصل من الشاة و الدابّة

ما كان من قبيل المعدودات فيها؛ أي ما يجزّ في حال حياتها، لا كلّ ما يفصل حتّى من قبيل اليد و الرجل. و ليس المراد ممّا يفصل ما ينقطع عنه بطبعه؛ فإنّ المذكورات ليست كذلك.

و التعليل الذي في الإنفحة لا يعلم تحقّقه في الفأرة، فمن أين يعلم أنّ الفأرة ليس لها عروق و لا دم حال

نموّها و ارتزاقها و حياتها الحيوانية، أو خروجها من بين فرث و دم، أو كونها بمنزلة البيضة؟! بل المظنون لو لم يكن المقطوع أنّ طريق نموّها و ارتزاقها بالدم و العروق الضعيفة، كسائر الأعضاء ذوات الأرواح. بل في الإنفحة أيضاً كلام سيأتي في محلّه إن شاء اللّٰه «2».

و صحيحة عليّ بن جعفر (عليه السّلام) مع أنّ التمسّك بها مبنيّ علىٰ عدم صحّة الصلاة في المحمول إطلاقها محلّ تأمّل، مع كون المتعارف من الفأرة ما هي موجودة في بلاد المسلمين. مضافاً إلىٰ أنّها متقيّدة بصحيحة عبد اللّٰه بن جعفر المتقدّمة، و الاستدلال مبنيّ علىٰ عدم سراية إجمال القيد، كعدم سراية إجمال المخصّص، و هو لا يخلو من كلام.

و الفحوىٰ ليست بشي ء؛ بعد عدم معلوميّة الحكم بطهارته الواقعيّة حتّى مع الملاقاة رطباً مع جلدته، و بعد إمكان كون المسك كاللبن و اللباء و الإنفحة

______________________________

(1) الكافي 6: 258، ذيل الحديث 3، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 8.

(2) سيأتي في الصفحة 147.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 136

علىٰ بعض الاحتمالات، و وقوع النظائر لها في الميتة يرفع الاستبعاد. و لا يخفىٰ ما في التمسّك بالحرج.

نعم، قد يقال بعدم معلوميّة كون الفأرة ممّا تحلّها الحياة، و مجرّد كونها جلدة لا يستلزم حلول الروح، و معه لا إشكال في طهارتها «1».

لكنّ الظاهر حلول الروح فيها كسائر الجلود، و ليس الجلد كالظفر و الحافر و القرن و سائر النابتات، و مع إحراز الروح فيها فالأقوىٰ أيضاً طهارة ما بلغت و استقلّت و حان حينُ لفظها؛ سواء انفصلت بطبعها، أم قطعت من الحيّ أو الميت.

ثمّ إنّ ملاقي ما قلنا

بنجاستها نجس؛ سواء كان المسك الذي فيه أو غيره، كسائر ملاقيات النجاسات. و ليس شي ء موجباً للخروج عن القاعدة إلّا توهّم إطلاق أدلّة طهارة المسك، و فيه ما لا يخفى؛ لفقد إطلاق يقتضي ذلك، كما يظهر من المراجعة إليها.

عدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة من الميتة

و منها: لا ينجس من الميتة ما لا تحلّه الحياة، كالعظم و القرن و السنّ و المنقار و الظفر و الظلْف و الحافر و الشعر و الصوف و الوبر و الريش، اتفاقاً كما عن «كشف اللثام» «2»، و بلا خلاف كما عن «المدارك» «3». و عن «الذخيرة»: «لا أعرف خلافاً بين الأصحاب في ذلك» «4». و عن «الغنية» دعوى الإجماع في شعر الميتة و صوفها «5».

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 342/ السطر 3.

(2) كشف اللثام 1: 407.

(3) مدارك الأحكام 2: 272.

(4) ذخيرة المعاد: 147/ السطر 38.

(5) غنية النزوع 1: 42.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 137

و عن «المنتهىٰ» دعواه علىٰ طهارة العظم «1».

و عن شارح «الدروس»: «أنّ العمدة في طهارة هذه الأجزاء عدم وجود نصّ يدلّ علىٰ نجاسة الميتة حتّى تدخل، لا عدم حلول الحياة، و إلّا لو كان هناك نصّ كذلك لدخلت، كشعر الكلب و الخنزير، و إلّا فزوال الحياة ليس سبباً للنجاسة، و إلّا لاقتضىٰ نجاسة المذكى. علىٰ أنّه لا استبعاد في صيرورة الموت سبباً لنجاسة جميع أجزاء الحيوان و إن لم تحلّه الحياة» «2» انتهىٰ.

و فيه: أنّه إن أراد عدم الدليل علىٰ نجاسة الميتة، فقد مرّ ما يدلّ عليها «3».

و إن أراد أنّه لا دليل علىٰ نجاسة أجزائها؛ فإنّ «الميتة» اسم للمجموع، فقد مرّ ما فيه «4». مع أنّ التعليل لعدم الأكل في آنية أهل الكتاب: بأنّهم يأكلون فيها

الميتة و الدم و لحم الخنزير، دليل علىٰ أنّ الأجزاء نجسة؛ فإنّ المأكول لحمها.

و إن أراد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة ما لا تحلّه الحياة منها، فهو لا يخلو من وجه؛ لأنّ ما دلّ علىٰ نجاسة الميتة علىٰ كثرتها إنّما علّق فيها الحكم علىٰ عنوان «الجيفة» و «الميتة»، و هما بما لهما من المعنى الوصفي لا تشملان ما لا تحلّه الحياة؛ فإنّ «الجيفة» هي جثّة الميتة المنتنة، و النتن وصف لما تحلّه الحياة، و لا ينتن الشعر و الظفر و غيرهما من غير ما تحلّه الحياة.

و دعوىٰ: أنّها و إن كانت معنى وصفياً، و لكنّها صارت اسماً للمجموع الذي

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 164/ السطر 25.

(2) مشارق الشموس: 316/ السطر 30.

(3) تقدّم في الصفحة 65.

(4) تقدّم في الصفحة 118.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 138

من جملته ما لا تحلّه «1»، في غير محلّها؛ لعدم ثبوت ذلك، بل الظاهر من اللغة أنّ «الجيفة» اسم للجثّة المنتنة، فتكون تلك الأجزاء خارجة عن مسمّاها، ففي «القاموس» و «الصحاح»: «الجيفة: جثّة الميت، و قد أراح أي أنتن» «2».

و في «المنجد»: «الجيفة: جثّة الميت المنتنة» و فيه: «جافت الجيفة أي أنتنت» «3».

و الميتة ما زال عنها الروح في مقابل الحيّ، و لا تطلق على الأجزاء التي لم تحلّها الحياة و لو بتأوّل، كما تطلق كذلك علىٰ ما تحلّها. و صيرورتها اسماً للمجموع الداخل فيه تلك الأجزاء غير ثابت، و ارتكاز العقلاء علىٰ إسراء النجاسة إلى الأجزاء، إنّما يوافق بالنسبة إلىٰ ما تحلّه الحياة لا غير، فالحكم بنجاسة الجيفة و الميتة لا يشمل تلك الأجزاء؛ لا لفظاً، و لا بمدد الارتكاز، فأصالة الطهارة بالنسبة إليها محكّمة.

هذا بالنسبة

إلىٰ ما لا تحلّها، أو ما شكّ في حلولها فيها. و أمّا لو فرض بعض تلك الأجزاء المستثناة ممّا تحلّه الحياة كالإنفحة، فلا يأتي فيه ما ذكر، فلا بدّ من إقامة دليل على استثنائه.

ثمّ إنّ المنسوب إلى المحقّق المتقدّم: أنّه لو دلّ دليل على النجاسة، لا تصلح الأدلّة الخاصّة لتخصيصه و استثناء المذكورات «4». و لا تبعد استفادة ذلك من كلامه المتقدّم.

و فيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّ تلك الأدلّة الناصّة علىٰ أنّ تلك الأجزاء

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 81.

(2) القاموس المحيط 3: 129، الصحاح 4: 1340.

(3) المنجد: 112.

(4) الحدائق الناضرة 5: 82.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 139

ذكيّة، دالّة علىٰ طهارتها سواء كان «الذكي» بمعنى الطاهر كما قيل «1»، أو مقابل الميتة كما هو التحقيق.

فلا إشكال في أصل الحكم بالنسبة إلىٰ ما لا تحلّه الحياة، و كذا بالنسبة إلىٰ ما هو المنصوص به في الأدلّة و الفتاوىٰ، من غير فرق في الصوف و الريش و الشعر و الوبر بين الأخذ من الميتة جزّاً أو قلعاً؛ و إن احتاج الأُصول في الثاني إلى الغسل لو كان ملاقاتها للميتة مع الرطوبة؛ لإطلاق الأدلّة، و كونها ممّا لا تحلّها الحياة. و إن فرض عدم استحالتها إلى المذكورات- بل لو شكّ فيها فالأصل يقتضي الطهارة.

فما عن «نهاية الشيخ» من تخصيص الطهارة بالمقطوع جزّاً «2»، كأنّه ليس خلافاً في المسألة حكماً، بل موضوعاً؛ بدعوىٰ كونها من الأجزاء التي حلّت فيها الحياة، و لم تخرج بالاستحالة إلىٰ أحد المذكورات، و فيه ما لا يخفى.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ مقتضىٰ إطلاق قوله (عليه السّلام) في صحيحة حَريز

و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ

فيه «3»

، لزوم الغسل و لو لم يلاقِ المأخوذ جلدَ الميتة برطوبة، و هو يقتضي نجاسة أمثال ذلك بعد الموت، و يكون الغسل موجباً لزوالها، فالموت سبب لنجاسة ما تحلّه الحياة ذاتاً، فلا تزول بالغسل و غيره، و في مثل المذكورات بمرتبةٍ ترتفع بالغسل.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ مقتضىٰ ما دلّ علىٰ طهارة المذكورات ذاتاً، و الأمرِ في هذه الرواية بالغسل، هو أنّ الغسل إنّما هو لملاقاتها للميتة برطوبة، فالعرف- بالارتكاز يقيّدها بالصورة المذكورة، كما ورد نظيره في ملاقي الكلب،

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 72.

(2) النهاية: 585.

(3) تقدّمت في الصفحة 134.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 140

و مصافحة اليهود «1»، و غيرهما ممّا لا يفهم منها إلّا مع الملاقاة رطباً.

نعم، ظاهر موثّقة مَسْعدة بن صدقة، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال

قال جابر بن عبد اللّٰه: إنّ دباغة الصوف و الشعر غسله بالماء، و أيّ شي ء يكون أطهر من الماء؟! «2»

، أنّ الشعر و الصوف يحتاجان إلى التطهير بذاتهما. و التعبير ب «الدباغة» مكان «التطهير» لعلّه بمناسبة قول العامّة بأنّ دباغة جلد الميتة مطهّرة «3».

فالظاهر منها أنّ الشعر بذاته لا يكون طاهراً، و يحتاج إلى الدباغة ليتطهّر، و دباغته غسله بالماء. و حملها على النجاسة العرضية خلاف الظاهر جدّاً.

لكنّها مع مخالفتها لفتوى الأصحاب «4»، و إعراضهم عن ظاهرها مخالفة للأخبار الكثيرة الدالّة علىٰ أنّ المذكورات ذكية؛ معلّلًا في الصوف بعدم الروح فيه «5»، و هي أظهر في مفادها من تلك الموثّقة، فتحمل على الاستحباب، أو غسل موضع الملاقاة رطباً.

و منه يظهر الكلام في صحيحة الحلبي الظاهرة في اشتراط الذكاة في السنّ الذي يضعه مكان سنّه «6».

______________________________

(1) راجع وسائل

الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12 و 14.

(2) قرب الإسناد: 76/ 246، وسائل الشيعة 3: 514، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 6.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 83.

(4) تقدّم في الصفحة 136.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 513، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 7، و 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33.

(6) المحاسن: 644/ 174، وسائل الشيعة 3: 514، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 141

ثمّ إنّه قد يتراءىٰ منافاة في الروايات الواردة في استثناء المذكورات، ففي رواية يونس، عنهم (عليهم السّلام) قالوا

خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيه منافع الخلق: الإنفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر .. «1»

إلىٰ آخره.

و الظاهر منها انحصار الاستثناء بها و إن قلنا بعدم مفهوم العدد في غير المقام. و أيضاً تشعر بأنّ الاستثناء لأجل منفعة الخلق. و إن كان فيها اقتضاء النجاسة فهي بهاتين الجهتين مخالفة لغيرها.

و يمكن أن يجاب عنها: مضافاً إلىٰ أنّ اختصاصها بالذكر لعلّه لكونها ذات منافع للخلق نوعاً، بخلاف غيرها حتّى مثل لبنها. نعم في الريش أيضاً منافع، و لعلّه داخل بإلغاء الخصوصيّة في إحدى الثلاثة الأخيرة، تأمّل، و معه لا مفهوم فيه جزماً بأنّ من الممكن أن تكون

ذكيّة

صفة لخمسة، و خبرها بعدها، فيكون المراد الإخبار بأنّ في بعض المستثنيات منافع الناس، تأمّل.

و كيف كان: لا ريب في عدم صلاحيتها لمعارضة سائر النصوص، كعدم صلاحية رواية الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي

يؤكل لحمها ذكيّاً، فكتب (عليه السّلام)

لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب، و كلّ ما كان من السخال: الصوف و إن جزّ، و الشعر و الوبر و الإنفحة و القرن، و لا يتعدّىٰ إلىٰ غيرها إن شاء اللّٰه «2».

الظاهرة في أنّ جواز الانتفاع في الصوف مشروط بالجزّ، و أنّ المستثنيات

______________________________

(1) الكافي 6: 257/ 2، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 258/ 6، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 142

منحصرة بما ذكر فيها لا تتعدّى إلىٰ غيرها، بعد ضعف سندها «1»، و وهن متنها بوجوه، و مخالفتها للنصوص المعتبرة الصريحة «2»، و لفتوى الأصحاب «3». و لعلّ الاشتراط في الصوف للانتفاع به فعلًا مع الجزّ. و أمّا مع القلع فبعد الغسل، و الظاهر عدم اختصاصه بالصوف دون الشعر و الوبر.

طهارة الإنفحة من الميتة

ثمّ إنّه قد صرّح في النصوص و الفتاوىٰ بخروج أشياء أُخر ما عدا المذكورات، منها: الإنفحة، و لا إشكال نصّاً و فتوى في طهارتها، فعن «المدارك»: «أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب» «4». و عن «المنتهىٰ»: «أنّه قول علمائنا» «5». و عن «الغنية» و «كشف اللثام» دعوى الإجماع عليه «6».

و تدلّ عليها صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الإنفحة تُخرج من الجدي الميت. قال

لا بأس به .. «7»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد بن المختار و محمّد بن الحسن، عن عبد اللّٰه بن الحسن العلوي جميعاً، عن الفتح بن يزيد الجرجاني.

و الرواية ضعيفة

لأنّ عبد اللّٰه بن الحسن العلوي مجهول و الفتح بن يزيد الجرجاني مهمل.

رجال النجاشي: 311/ 853، الفهرست: 126/ 562.

(2) راجع وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33.

(3) تقدّمت في الصفحة 136.

(4) مدارك الأحكام 2: 273.

(5) منتهى المطلب 1: 165/ السطر 35.

(6) غنية النزوع 1: 401، كشف اللثام 1: 422.

(7) تهذيب الأحكام 9: 76/ 324، وسائل الشيعة 24: 182، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 143

و رواية الحسين بن زرارة أو موثّقته «1» قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أبي يسأله عن اللبن من الميتة، و البيضة من الميتة، و إنفحة الميتة، فقال

كلّ هذا ذكيّ «2».

و رواية يونس المتقدّمة «3» أو حسنته «4»، و غيرها «5».

نعم، يظهر من عدّة روايات خلاف ذلك، كرواية بكر بن حبيب قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الجبن، و أنّه توضع فيه الإنفحة من الميتة، قال

لا تصلح.

ثمّ أرسل بدرهم فقال

اشترِ من رجل مسلم، و لا تسأله عن شي ء «6».

و روايةِ عبد اللّٰه بن سليمان، عنه (عليه السّلام) في الجبن قال

كلّ شي ء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتةً «7».

______________________________

(1) سيأتي من المصنّف (رحمه اللّٰه) وجه الترديد و ما يفيد للمقام في الصفحة 154 و 156.

(2) الكافي 6: 258/ 3، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 4.

(3) تقدّمت في الصفحة 141.

(4) رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس. و وجه الترديد لوقوع إسماعيل بن مرار في

السند، لأنّ وثاقته مختلف فيها.

تنقيح المقال 1: 144/ السطر 38، و راجع أيضاً الجزء الأوّل: 92.

(5) كرواية الحسين بن زرارة، راجع تهذيب الأحكام 9: 78/ 332، وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 12.

(6) المحاسن: 496/ 598، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 4.

(7) الكافي 6: 339/ 2، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 144

و روايتِه الأُخرىٰ قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الجبن .. إلىٰ أن قال قلت: ما تقول في الجبن؟ قال

أ و لم ترني آكله؟!

قلت: بلىٰ، و لكنّي أُحبّ أن أسمعه منك، فقال

سأُخبرك عن الجبن و غيره: كلّ ما كان فيه حلال و حرام، فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه «1».

و روايةِ أبي الجارود قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة، فقال

أ مِن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم ما في جميع الأرضين؟! إذا علمت أنّه ميتة فلا تأكله، و إن لم تعلم فاشترِ و بعْ و كلْ، و اللّٰهِ إنّي لأعترض السوق، فأشتري بها اللحم و السمن و الجبن، و اللّٰهِ ما أظنّ كلّهم يسمّون: هذه البربريّة، و هذه السودان «2».

و لا شبهة في أنّ ما يجعل في الجبن و ما كان محلّ الكلام هو الإنفحة، كما نصّ عليه روايتا بكر بن حبيب المتقدّمة، و أبي حمزة الآتية.

لكنّها محمولة علىٰ بعض المحامل، كالتقيّة و المماشاة معهم، و الجدل بما هو أحسن

«3»، كما تشهد به رواية أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث: أنّ قتادة قال له: أخبرني عن الجبن فقال

لا بأس به.

فقال: إنّه ربّما جعلت فيه إنفحة الميتة، فقال

ليس به بأس؛ إنّ الإنفحة ليس لها عروق، و لا فيها دم، و لا لها عظم، إنّما تخرج من بين فرث و دم، و إنّما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أُخرجت منها بيضة ...

______________________________

(1) الكافي 6: 339/ 1، وسائل الشيعة 25: 117، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 1.

(2) المحاسن: 495/ 597، وسائل الشيعة 25: 119، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 5.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 532/ السطر 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 145

إلىٰ أن قال

فاشترِ الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلّين، و لا تسأل عنه، إلّا أن يأتيك من يخبرك عنه «1».

فإنّ الإرجاع إلى الحكم الظاهري بعد بيان الحكم الواقعي إنّما هو علىٰ طريق المماشاة و الجدل بما هو أحسن، فلا إشكال في أصل الحكم.

بيان ماهية الإنفحة

إنّما الكلام في ماهية الإنفحة، حيث اختلفت كلمات أهل اللغة في تفسيرها، ففي «الصحاح»: «و الإنفَحة: بكسر الهمزة، و فتح الفاء مخفّفة كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش، عن أبي زيد» «2».

و في «القاموس»: «الإنفحّة بكسر الهمزة و تشديد الحاء، و قد تكسر الفاء و المنفحة، و البنفحة: شي ء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفرُ، فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن، فإذا أكل الجدي فهو كرش و تفسير الجوهري الإنفحة بالكرش سهو» «3». و قريب منه في «المنجد» «4»، و عن «المغرب» «5».

و اختلفت كلمات الفقهاء علىٰ

حذو اختلاف اللغويّين.

و قد اتفقت كلمات اللغويّين فيما رأيت في مادّة «الكرش» أنّها بمنزلة المعدة للإنسان، و أنّ الإنفحة صارت كرشاً إذا رعى الجدي و أكل، ففي

______________________________

(1) الكافي 6: 256/ 1، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 1.

(2) الصحاح 1: 413.

(3) القاموس المحيط 1: 262.

(4) المنجد: 823.

(5) المغرب في ترتيب المعرب 2: 220.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 146

«الصحاح»: «الكرش لكلّ مجترّ بمنزلة المعدة للإنسان ..» إلىٰ أن قال: «و استكرشت الإنفحة؛ لأنّ الكرش تسمّى إنفحة ما لم يأكل الجدي، فإذا أكل تسمّى كرشاً» «1».

و في «القاموس»: «الكَرِش ككتف لكلّ مجترّ بمنزلة المعدة للإنسان ..» إلىٰ أن قال: «استكرشت الإنفحة صارت كرشاً، و ذلك إذا رعى الجدي النبات» «2». و قريب منهما في «المنجد»، و «المجمع»، و «البستان» «3».

و الظاهر منهما أنّ الكرش عين الإنفحة، و الفرق بينهما أنّ الإنفحة معدة الجدي قبل الرعي و الأكل، و الكرش معدته بعده. فنسبة السهو إلى الجوهري كأنّها في غير محلّها.

و توهّم: أنّ المادّة الصفراء التي هي كاللبن، و لم تكن مربوطة بالحيوان ارتباطاً حياتياً و اتصالًا حيوانياً صارت كرشاً، مقطوع الفساد.

فعلم من اتفاق أهل اللغة: بأنّ الإنفحة التي صارت كرشاً بالأكل أنّها هي الجلدة، لا المادّة التي في جوفها. غاية الأمر أنّ الجلدة في الجدي قبل الرعي رقيقة، و إذا بلغ حدّه و رعىٰ صارت غليظة مستكرشة. فالأظهر بحسب كلمات أهل اللغة أنّ الإنفحة هي الجلدة الرقيقة، لا المادّة في جوفها.

نعم، يظهر من رواية الثمالي المتقدّمة أنّها المادّة التي كاللبن، أو هي اللبن بعينه؛ و إن صارت في جوف الجدي غليظةً. كما أنّ الظاهر

أنّ تلك المادّة كانت فيها منافع الناس، و هي التي تجعل في الجبن؛ و إن احتمل أن تكون الجلدة الرقيقة بما في جوفها مادّتَه.

______________________________

(1) الصحاح 3: 1017.

(2) القاموس المحيط 2: 297.

(3) المنجد: 681، مجمع البحرين 4: 152، البستان 2: 2072/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 147

بيان حكم الإنفحة

و كيف كان: لا إشكال في طهارة المظروف؛ إمّا لطهارة ظرفه إن كان إنفحة، أو لعدم انفعاله منه إن كان المظروف إنفحة.

و لو شكّ في أنّها ظرف أو مظروف، فيمكن أن يقال بوقوع التعارض بين أصالة الإطلاق في أدلّة نجاسة أجزاء الميتة التي تحلّها الحياة، و أصالة الإطلاق في دليل منجّسية النجس، فيرجع إلىٰ أصالة الطهارة في الظرف بعد العلم تفصيلًا بطهارة المظروف.

لكن التحقيق نجاسة الظرف؛ أخذاً بإطلاق دليل نجاسة الميتة. و لا تعارض أصالة الإطلاق فيها بأصالة الإطلاق في دليل منجّسية النجس؛ لعدم جريانها فيما علم الطهارة، و شكّ في أنّه من باب التخصيص، أو التقييد، أو التخصّص، و الخروج موضوعاً؛ لأنّ تلك الأُصول العقلائية عملية يتكل عليها العقلاء في مقام الاحتجاج و العمل دون غيره، نظير أصالة الحقيقة فيما دار الأمر بينها و بين المجاز، فإنّها جارية مع الشكّ في المراد، لا مع الشكّ في نحو الاستعمال بعد العلم بالمراد.

ففيما نحن فيه بعد ما علمنا بأنّ المظروف طاهر، و شككنا في أنّ طهارته لأجل التقييد في إطلاق «النجس منجّس» أو التخصيص في عمومه، أو لأجل الخروج موضوعاً و التخصّص، لا تجري أصالة الإطلاق؛ لعدم بناء العقلاء علىٰ إجرائها في مثله بعد عدم الأثر العمليّ لها، فبقيت أصالة العموم أو الإطلاق في نجاسة الميتة علىٰ حالها. نعم لو شكّ في كونها ممّا

تحلّه الحياة فالأصل الطهارة.

هذا إذا كان ما في جوف الجلدة جامداً طبعاً، أو مائعاً كذلك، و قلنا بعدم انفعاله بملاقاة الجلدة النجسة.

و أمّا إذا كان جامداً طبعاً كالخميرة، و قلنا بانفعاله و لزوم غسل ظاهره

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 148

الملاقي للجلدة، فالأمر بالأخذ بأصالة الإطلاق في نجاسة أجزاء الميت ممّا تحلّه الحياة، و الحكم بنجاسة الجلدة أوضح؛ للعلم بدخولها فيما تحلّه الحياة، و الشكّ في ورود المخصّص عليه؛ للشكّ في كون الإنفحة الظرف أو المظروف، فمقتضى الإطلاق نجاستها و تنجيس ما في جوفها.

و هذا بوجه نظير العلم بعدم وجوب إكرام زيد، و تردّد الأمر بين كونه زيداً العالم حتّى خصّص «أكرم العلماء» أو غير العالم حتّى بقي العالم في العموم، فمقتضى العموم وجوب إكرام زيد العالم؛ للشكّ في التخصيص.

نعم، لا يستكشف بأصالة العموم و الإطلاق حال الفرد الخارج، ففيما نحن فيه لا يحرز بها أنّ الإنفحة هي ما في الجوف.

ثمّ إنّ الأظهر وجوب غسل ظاهر الإنفحة الملاقي للميت برطوبة؛ إن قلنا: بأنّها هي الجلدة، أو قلنا: بأنّها ما في جوفها، مع كونها طبعاً و نوعاً جامدةً؛ لعدم استفادة عدم انفعالها حينئذٍ من الأدلّة، لقصور دلالتها إلّا علىٰ طهارتها الذاتية، كالشعر و الوبر و الصوف، حيث نصّت الروايات بأنّها ذكية، مع الأمر بغسلها إذا قلعت من الميتة، فيظهر منها أنّ الحكم بذكاتها في مقابل الميتة التي هي نجسة ذاتاً.

و هذا بخلاف اللبن و اللباء و الإنفحة إذا كانت ممّا في الجوف، و هي مائعة فإنّ لازم نفي البأس عنها و الحكم بأنّها ذكية، عدم انفعالها؛ لعدم إمكان غسلها، و لا معنىٰ لبيان طهارتها الذاتية مع لزوم النجاسة معها.

و لا يبعد

اختصاص الحكم بالإنفحة المتعارفة التي تجعل في الجبن، و الظاهر أنّها من الجدي و العَناق و السخال و الحمل، لا من غير المأكول، و لا من المأكول كالحمار و الفرس. بل في البقر و البعير أيضاً تأمّل؛ لعدم العلم بتعارف الأخذ منهما. بل في صدق «الإنفحة» علىٰ غير المأخوذ من الجدي و الحمل

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 149

إشكال؛ لظهور كلمات اللغويّين في الاختصاص بهما «1».

نعم، في بعض الروايات شبهة الإطلاق علىٰ فرض صدق «الإنفحة» علىٰ سائر الحيوانات، كمرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام)

عشرة أشياء من الميتة ذكيّة .. «2»

و عدّ منها الإنفحة، و روايةِ الحسين بن زرارة «3».

لكنّ المظنون أنّ ما هو محلّ الكلام هي الإنفحة التي تجعل في الجبن، كما يظهر من الروايات الواردة في الجبن «4»، فإنّها التي فيها منافع الناس، و تكون مورد السؤال غالباً، و معه يشكل الإطلاق فيهما.

فالأحوط لو لم يكن الأقوىٰ اختصاص الحكم بما يتعارف جعلها في الجبن، و المتيقّن منه إنفحة الجدي و الحمل.

نعم، لو شكّ في كونها ممّا تحلّها الحياة كما تدلّ عليه رواية الثمالي «5» فالأصل طهارتها مطلقاً.

طهارة البيض المأخوذ من الميتة

و أمّا البيض، فلا إشكال في طهارته نصّاً و فتوى. بل مقتضى القاعدة طهارته؛ لعدم كونه من أجزاء الميتة بعد استقلاله و اكتسائه الجلد الأعلى، و عدم كونه ممّا تحلّه الحياة قبله، مع الشكّ في ملاقاته للميتة، فضلًا عن

______________________________

(1) تقدّمت أقوال اللغويّين في الصفحة 145 146.

(2) الفقيه 3: 219/ 1011، وسائل الشيعة 24: 182، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 9.

(3) تقدّمت في الصفحة 143.

(4) وسائل الشيعة 25: 117، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة،

الباب 61.

(5) تقدّمت في الصفحة 144.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 150

القطع به، و العلمِ بعدم سراية النجاسة من الجلدة الرقيقة، فضلًا عن الغليظة.

لكن حكي اتفاق الأصحاب على التقييد باكتسائه الجلد الأعلى أو الغليظ «1». بل عن جمهور العامّة موافقتنا في ذلك «2». فذهبوا إلىٰ عدم حيلولة الجلد الرقيق بينه و بين النجاسة.

أقول: لولا ذلك لكان للمناقشة في الحكم مجال، لا لضعف «3» رواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في بيضة خرجت من است دجاجة ميّتة، قال

إن كانت اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها «4».

فإنّها من الموثّق؛ لو لم تكن من الصحيح «5».

بل لقوّة احتمال أن يكون السؤال عن حلّيتها و حرمتها، لا نجاستها، و الجواب موافق للقاعدة؛ لأنّ البيضة قبل اكتسائها الجلد الغليظ، تكون من أجزاء الحيوان، مرتزقةً منه، متصلةً به، و بعده تصير مستقلّة منحازة، فخرجت عن جزئيّتها، فهي قبل الاكتساء جزء الميتة حرام أكلها؛ و إن كانت طاهرة لكونها ممّا لا تحلّه الحياة، و للشكّ في سراية النجاسة منها إليها؛ لقطع الارتزاق بالموت، و عدم العلم بالسراية، و بعد الاستقلال خرجت عن الجزئيّة، فحلال أكلها و طاهرة، فنفي البأس بعد الاكتساء لا يدلّ علىٰ نجاستها قبله؛ إن كانت الشبهة في الحلّية و الحرمة، و يكفي الشكّ في وجه السؤال بعد كون الطهارة موافقة للأصل.

______________________________

(1) كشف اللثام 1: 407، مفتاح الكرامة 1: 147/ السطر 10، جواهر الكلام 5: 324.

(2) المغني، ابن قدامة 1: 62.

(3) كما قاله صاحب المدارك، مدارك الأحكام 2: 273.

(4) الكافي 6: 258/ 5، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 6.

(5) راجع ما تقدّم

في الصفحة 36، الهامش 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 151

لكنّ مخالفة الأصحاب غير ممكنة. و احتمال أن يكون مستندهم الموثّقة المتقدّمة مع تخلّل اجتهاد منهم ضعيف؛ لاشتهار الحكم بين الفريقين قديماً و حديثاً علىٰ ما حكي، و في مثله لا يمكن أن يكون المستند رواية غياث فقط. مع أنّ المفهوم منها ثبوت البأس، و هو أعمّ من النجاسة، مضافاً إلىٰ ما مرّ من الاحتمال، فالأقوىٰ ما عليه الأصحاب.

لكن لا يشترط فيه صلابة الجلد؛ فإنّها تحصل علىٰ ما قيل بعد خروجها من است الدجاجة بتصرّف الهواء الخارج، و حين الخروج لا تكون صلبة و إن كانت غليظة.

و كيف كان: فالحكم مترتّب على الجلد الغليظ، لا الصلب و لو حصل في جوف الدجاجة.

طهارة اللبن في ضرع الميتة

و أمّا اللبن، فعن الصدوق و المفيد و الشيخ و القاضي و ابني زهرة و حمزة و صاحبي «كشفي الرموز و اللثام» و الشهيد «1» و غيرهم «2»، القول بالطهارة.

و عن «البيان»: «أنّه قول المشهور». و عن «الدروس»: «أنّ القائل بخبر المنع نادر» «3». و عن «الخلاف» الإجماع علىٰ طهارة ما في ضرع الشاة «4».

______________________________

(1) الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 62/ السطر 28، المقنعة: 583، النهاية: 585، المهذّب 2: 441، غنية النزوع 1: 401، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 362، كشف الرموز 2: 368، كشف اللثام 2: 265/ السطر 30 (ط. حجري)، الدروس الشرعيّة 1: 124.

(2) مدارك الأحكام 2: 274، ذخيرة المعاد: 148/ السطر 19، الحدائق الناضرة 5: 93.

(3) البيان: 90، الدروس الشرعيّة 3: 15.

(4) الخلاف 1: 519.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 152

و عن «الغنية» الإجماع علىٰ جواز الانتفاع بلبن ميتة ما يقع الذكاة عليه «1».

و

تدلّ عليه صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الإنفحة .. إلىٰ أن قال قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت، قال

لا بأس به «2».

و خبر الحسين بن زرارة أو موثّقته «3» قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أبي يسأله عن اللبن من الميتة، و البيضة من الميتة، و إنفحة الميتة، فقال

كلّ هذا ذكيّ «4».

و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام)

عشرة أشياء من الميتة ذكيّة ..

و عدّ منها اللبن «5».

و رواها في «الخصال» بسند غير نقيّ، عن ابن أبي عمير، رفعه إلىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مع مخالفة في الترتيب «6».

بل و صحيحة حَريز قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) لزرارة و محمّد بن مسلم

اللبن و اللباء ..

إلىٰ أن قال

و كلّ شي ء من الشاة و الدابّة فهو ذكيّ، و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله، و صلّ فيه «7».

______________________________

(1) غنية النزوع 1: 401.

(2) تهذيب الأحكام 9: 76/ 324، وسائل الشيعة 24: 182، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 10.

(3) سيأتي وجه الترديد و ما يفيد للمقام في الصفحة 154 و 156.

(4) تقدّم في الصفحة 143.

(5) الفقيه 3: 216/ 1006.

(6) الخصال: 434/ 19.

(7) الكافي 6: 258/ 4، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 153

خلافاً للمحكي عن أبي عليّ و أبي يعلى و العجلي و المحقّق و أبي العبّاس و العلّامة و المحقّق الثاني و الصيمري و المقداد «1».

و عن الحلّي: «أنّه لا خلاف فيه بين المحصّلين من

أصحابنا» «2».

و عن «المنتهىٰ»: «أنّه المشهور» «3».

و عن «جامع المقاصد»: «أنّه المشهور الموافق لأُصول المذهب، و عليه الفتوىٰ» «4».

و يمكن تأييده بدعوىٰ قصور الأدلّة عن إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد، بل المنكر في أذهان المتشرّعة، لا لما ذكره الشيخ الأعظم: «من أنّ طرح الأخبار الصحيحة المخالفة لأُصول المذهب غير عزيز، إلّا أن تعضد بفتوى الأصحاب، كما في الإنفحة، أو بشهرة عظيمة توجب شذوذ المخالف، و ما نحن فيه ليس كذلك» «5».

فإنّ قاعدة منجّسية النجس ليست من القواعد المعدودة من أُصول المذهب؛ بحيث لا يمكن تخصيصها بالرواية الصحيحة، فضلًا عن الروايات الصحيحة المؤيّدة بفتوىٰ من عرفت.

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 8: 333، المراسم: 211، السرائر 3: 112، شرائع الإسلام 3: 174، المهذّب البارع 4: 213 214، نهاية الإحكام 1: 270، جامع المقاصد 1: 167، انظر مفتاح الكرامة 1: 154/ السطر 17، التنقيح الرائع 4: 44.

(2) السرائر 3: 112.

(3) منتهى المطلب 1: 165/ السطر 21.

(4) جامع المقاصد 1: 167.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 343/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 154

بل لو لم يثبت إعراض الأصحاب عنها لوجب العمل بها، و لا ريب في عدم إعراضهم عنها، بل عملهم بها.

بل لاستضعاف سند روايةِ الحسين بن زرارة؛ لكونه مجهولًا و إن دعا له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) دعاءً بليغاً «1»؛ إذ لا يوجب ذلك ثقته في الحديث، و حجّية روايته. مع أنّ في نسخة من «الوسائل» بدل

اللبن

السنّ «2».

و مرسلةِ الصدوق و إن نسب إلى الصادق (عليه السّلام) جزماً، و نحن قلنا بقرب اعتبار مثل هذا الإرسال «3» و ذلك لما قال في ذيلها في «الفقيه»: «و قد ذكرت ذلك مسنداً في كتاب «الخصال»

في باب العشرات» «4» و سند «الخصال» «5» ضعيف بجهالة عليّ بن أحمد بن عبد اللّٰه و أبيه.

و لعدم الإطلاق في صحيحة حَريز. بل إشعار ذيلها بأنّ ما ذكر في صدرها هو ما يفصل من الحيّ.

فبقيت صحيحة واحدة هي صحيحة زرارة و هي مع اشتمالها على «الجلد» ممّا هو خلاف الإجماع، و اختلافِ متنها؛ لسقوط «الجلد» في رواية الصدوق «6»، و ثبوتِه في رواية الشيخ «7»، و هو يوجب نحو وهن فيها لا يمكن الاتكال عليها

______________________________

(1) راجع اختيار معرفة الرجال: 138/ 221.

(2) وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 4.

(3) راجع ما تقدّم في الجزء الأوّل: 81.

(4) الفقيه 3: 219/ 1011.

(5) الخصال: 434/ 19.

(6) الفقيه 3: 216/ 1006.

(7) تهذيب الأحكام 9: 76/ 324.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 155

في الخروج عن القاعدة. مع أنّها مخصوصة بالشاة، و لم يقل أحد بالاختصاص.

خصوصاً مع ما عن الحلّي: «أنّه نجس بغير خلاف عند المحصّلين من أصحابنا؛ لأنّه مائع في ميتة ملامس لها» قال: «و ما أورده شيخنا في «نهايته» «1» رواية شاذّة مخالفة لأُصول المذهب، و لا يعضدها كتاب و سنّة مقطوعة بها، و لا إجماع» «2».

و دعوى العلّامة الشهرة على النجاسة «3». سيّما مع اعتضادها برواية وهب، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام)

أنّ عليّاً (عليه السّلام) سئل عن شاة ماتت، فحلب منها لبن، فقال عليّ (عليه السّلام): ذلك الحرام محضاً «4».

و روايةِ الفتح بن يزيد، عن أبي الحسن (عليه السّلام) و فيها

و كلّ ما كان من السخال: الصوف و إن جزّ، و الشعر و الوبر و الإنفحة و القرن، و لا يتعدّى إلىٰ غيرها

إن شاء اللّٰه «5».

و روايةِ يونس، عنهم (عليهم السّلام) قالوا

خمسة أشياء ذكية .. «6»

و لم يعدّ اللبن منها. لكن مع ذلك الأقوىٰ هو الطهارة. و المناقشة في تلك الروايات المعمول بها، المعوّل عليها قديماً و حديثاً في غاية الفساد و الضعف.

______________________________

(1) النهاية: 585.

(2) السرائر 3: 112.

(3) تقدّمت في الصفحة 153.

(4) تهذيب الأحكام 9: 76/ 325، وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 11.

(5) الكافي 6: 258/ 6، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 7.

(6) تقدّمت في الصفحة 141.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 156

مع أنّ تضعيف رواية الحسين مع كونه إماميّاً ممدوحاً يروي عنه الأجلّة، كصفوان بن يحيىٰ «1» في غير محلّه. مضافاً إلىٰ أنّ ظاهر الكليني حيث قال: و زاد فيه عليّ بن عقبة و عليّ بن الحسن بن رباط قال

و الشعر و الصوف كلّه ذكيّ «2»

، أنّهما رويا ما روى الحسين مع زيادة عمّن روى لا عنه؛ فإنّهما لم يرويا عن الحسين. بل عليّ بن عقبة من رجال الصادق (عليه السّلام) «3» و قيل في عليّ بن الحسن أيضاً ذلك «4». و لو كان من أصحاب الرضا (عليه السّلام) «5» لا يبعد إدراكه مجلس أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و إن لم يكن راوياً عنه، فتكون الرواية صحيحة لوثاقتهما «6».

و لا شبهة في خطإ نسخة «الوسائل» لروايتها في مورد آخر و فيها

اللبن «7»

، و في «مرآة العقول» كذلك «8»، و في كتب الفروع أيضاً كذلك، فالنسخة من خطأ النسّاخ جزماً.

بل المناقشة في مرسلة الصدوق أيضاً لا تخلو من إشكال؛ بعد انتساب

الرواية جزماً إلى الصادق (عليه السّلام) و هو غير ممكن من مثل الصدوق إلّا مع وثاقة رواتها، أو محفوفيّتها بقرائن توجب جزمه بالصدور، فيمكن أن يجعل ذلك توثيقاً منه للرجلين.

______________________________

(1) راجع تنقيح المقال 1: 328/ السطر 10.

(2) الكافي 6: 258/ 3.

(3) رجال الطوسي: 245/ 302.

(4) انظر تنقيح المقال 2: 277/ السطر 31 (أبواب العين).

(5) رجال النجاشي: 251/ 659، رجال العلّامة الحلّي: 99/ 39.

(6) رجال النجاشي: 251/ 659 و 271/ 710.

(7) وسائل الشيعة 3: 513، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 2 و 3.

(8) مرآة العقول 22: 53/ 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 157

و لو نوقش فيه فلا أقلّ من كونها معتمدة عنده، و مجزوماً بها، سيّما مع ما في أوّل «الفقيه» من الضمان «1».

مضافاً إلىٰ أنّ المحكيّ عن العلّامة تصحيح بعض روايات ابن مسلم إلى الصدوق، و عليّ بن أحمد فيه «2».

و قيل: «إنّ الصدوق كثيراً ما يذكره مترضّياً عنه، و مترحّماً عليه» «3».

و عن المجلسي الأوّل توثيق أبيه؛ مستنداً إلى اعتماد الصدوق عليه في كثير من الروايات «4».

و عن الفاضل الخراساني تصحيح خبرهما في سنده، و جعلهما من مشايخ الإجازة «5».

و الظاهر أنّ لصحيحة حريز إطلاقاً. و لا يكون ذيلها قرينة علىٰ عدمه لو لم يكن مؤكّداً له؛ فإنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه

، هو ذكر أحد شقّي المذكور في الصدر، فكأنّه قال: «كلّ ما يفصل من الدابّة ذكيّ ذاتاً، لكن إذا أخذت من الميّت اغسله؛ لنجاسته العرضيّة».

و أغرب من جميع ذلك المناقشة في صحيحة زرارة بمجرّد اشتمالها على

______________________________

(1) الفقيه 1: 3.

(2) انظر تعليقات على منهج المقال،

المحقّق الوحيد البهبهاني: 225، منتهى المقال 4: 338، مختلف الشيعة 1: 145 و 4: 94 و 106.

(3) انظر تعليقات على منهج المقال، المحقّق الوحيد البهبهاني: 225، منتهى المقال 4: 338، التوحيد: 99/ 6، الخصال: 98/ 48، و: 102/ 59.

(4) روضة المتّقين 14: 255.

(5) ذخيرة المعاد: 39/ السطر 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 158

«الجلد» إمّا لاشتباه من النسّاخ، أو الرواة، أو لجهة في الصدور، مع كون سائر المذكورات فيها موافقة للنصوص و الفتاوىٰ، فلا وجه لردّها.

و أغرب من ذلك المناقشة في الصحيحة بطريق الصدوق، مع عدم اشتمالها على «الجلد» بل يكشف ذلك عن الاشتباه في رواية الشيخ، فلا وهن فيها بوجه، و هي حجّة كافية في رفع اليد عن قاعدة منجّسية النجس.

و في دعوى الحلّي ما لا يخفى، سيّما في نسبة الشذوذ إلى الرواية، مع أنّها مشهورة فتوى، متكرّرة نقلًا، موافقة لفتوى المحصّلين من أصحابنا.

و لعلّ مراد العلّامة الشهرة عند المتأخّرين، و إلّا فقد مرّت كلمات القوم، و إجماع «الخلاف»، و «الغنية». و الشهرة المتأخّرة لا تفيد جرحاً و لا جبراً، و من ذلك لا يعبأ برواية وهب بن وهب أكذب البريّة «1».

مع أنّ الحرمة غير النجاسة، فيمكن أن يكون اللبن من الميت حراماً غير نجس، فلو كانت الرواية معتمدة، يمكن الجمع بينها و بين سائر الروايات بذلك، فبقي ما دلّ على الطهارة بلا معارض.

و أمّا رواية الفتح فمع ضعفها سنداً «2»، و وهنها متناً، مخالفة للإجماع و النصوص المعتبرة.

و قد مرّ الكلام في رواية يونس «3». مع أنّ الانحصار بالخمسة ممّا لم يقل به أحد، فلا مفهوم لها جزماً.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 309/ 558.

(2) تقدّم وجه ضعفها سنداً في الصفحة

142، الهامش 1.

(3) تقدّم في الصفحة 141.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 159

عدم تأثّر أجزاء الكلب و نحوه بالموت

ثمّ إنّه يأتي الكلام إن شاء اللّٰه في نجاسة شعر الكلب و أخويه في محلّه المناسب له «1»، فإنّ الكلام هاهنا في نجاسة الميتة. نعم ينبغي الجزم بعدم تأثير الموت في تنجيس ميتتها، بعد الجزم بعدم كون النجاسة بالموت أغلظ من نجاستها الذاتيّة؛ لعدم معنى تنجّس النجس.

لكن لو كان للميت بما هو كذلك حكم، يترتّب عليها بموتها، فما يشعر به كلام الشيخ الأعظم من ارتضائه بتنجّسها بالموت، مضافاً إلىٰ نجاستها العينية، و عدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة منها بالموت، بل تكون علىٰ نجاستها الأوّلية «2»، لا يخلو عن الإشكال. و لعلّه أشار إليه بقوله: «فافهم».

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 216 و 221.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 344/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 160

تنبيه استطرادي في وجوب غسل مسّ الميّت
اشارة

ذكر المحقّق هاهنا غسل المسّ فقال: «يجب الغسل علىٰ من مسّ ميّتاً من الناس قبل تطهيره و بعد برده» «1».

و الظاهر منه أنّ محلّ الكلام موضوع واحد هو مسّه، كما هو المعروف.

لكن يظهر من الشيخ في «الخلاف» أنّ محطّ البحث بين الفريقين أمران:

الأوّل: أنّه هل يجب الغسل علىٰ غاسل الميّت؟

و الثاني: هل يجب ذلك علىٰ من مسّ ميّتاً بعد برده و قبل غسله؟

و ذلك أنّه عنون المسألة الأُولىٰ فقال: «يجب الغسل علىٰ من غسّل ميّتاً، و به قال الشافعي في «البويطي»، و هو قول عليّ (عليه السّلام) و أبي هريرة «2». و ذهب ابن عمر و ابن عبّاس و عائشة و الفقهاء أجمع مالك و أبو حنيفة و أصحابه و أحمد و إسحاق و أحد قولي الشافعي، قاله في عامّة كتبه أنّ ذلك مستحبّ» «3».

ثمّ استدلّ على الوجوب بإجماع الفرقة، و قاعدة الاحتياط، و رواية أبي هريرة:

أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

من غسّل ميّتاً فليغتسل، و من حمله فليتوضّأ «4».

ثمّ عنون الثانية، و جعل المخالف جميع الفقهاء، و استدلّ بالإجماع

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 44.

(2) المحلّى بالآثار 1: 270 271، المجموع 2: 203، و 5: 185 186.

(3) الامّ 1: 38 و 266، سنن الترمذي 2: 231/ 998، المحلّى بالآثار 1: 270 271، المجموع 2: 202 203، و 5: 185 186.

(4) سنن أبي داود 2: 218/ 3161.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 161

و الاحتياط، دون الرواية «1». و هو ظاهر في أنّ خلافهم في الأُولىٰ دون الثانية.

ثمّ إنّ الموضوع في المسألة الأُولىٰ يحتمل أن يكون عنوان «الغاسل» و لو لم يمسّ الميّت، فيكون الخلاف في أنّ الغاسل بما هو هل يجب عليه أم لا؟

و يحتمل أن يكون المسّ الحاصل بتبع الغسل؛ بمعنى أنّ للمسّ مصداقين:

الأوّل: ما هو تبع الغسل، و هو محلّ الخلاف الأوّل.

و الثاني: ما هو مستقلّ، و هو مورد الثاني.

و مقتضى الجمود علىٰ ظاهر عنوان «الخلاف» أنّ محطّ البحث الأوّلُ، كما ربّما تشهد له بعض الروايات، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال قلت: الرجل يغمّض عين الميّت، أ عليه غسل؟ قال

إذا مسّه بحرارته فلا، و لكن إذا مسّه بعد ما برد فليغتسل.

قلت: فالذي يغسّله يغتسل؟ قال

نعم «2».

و صحيحتِه الأُخرىٰ، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال

الغُسل في سبعة عشر موطناً ..

إلىٰ أن قال

و إذا غسّلت ميّتاً أو كفّنته أو مسسته .. «3»

إلىٰ آخره.

و رواها الصدوق عن أبي جعفر (عليه السّلام) باختلاف يسير، لكن عطف فيها

كفّنته

بالواو «4»، و هو الصحيح.

______________________________

(1) الخلاف 1: 700 701.

(2) الكافي 3:

160/ 2، تهذيب الأحكام 1: 428/ 1364، وسائل الشيعة 3: 289، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 114/ 302، وسائل الشيعة 3: 307، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 1، الحديث 11.

(4) هكذا رواها في الوسائل و في بعض نسخ الفقيه. راجع الفقيه 1: 77/ 172، (ط مؤسسة النشر الإسلامي)، وسائل الشيعة 3: 305، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 1، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 162

و صحيحةِ معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الذي يغسّل الميّت أ عليه غسل؟ قال

نعم.

قلت: فإذا مسّه و هو سُخْن؟ قال

لا غسل عليه، فإذا برد فعليه الغسل «1».

حيث يظهر منها أنّ عنوان «الغاسل» غير عنوان «الماسّ» و يجب علىٰ كلّ منهما الغسل.

مضافاً إلىٰ أنّ ذلك مقتضى الجمود علىٰ ظاهر ما علّق فيها الغسل على عنوان «من يغسّل الميّت» تارة، و علىٰ «من مسّه» أُخرى في سائر الروايات «2».

لكن مع ذلك لا يمكن الالتزام بوجوبه عليه و لو مع عدم المسّ؛ لعدم احتماله في كلمات القوم، فضلًا عن اختياره، فلا بدّ من حمل ما دلّ علىٰ وجوبه علىٰ من مسّه حال غسله:

أمّا حمل مثل صحيحة ابن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من غسّل ميّتاً و كفّنه اغتسل غسل الجنابة «3»

علىٰ ذلك؛ فلأنّ غسله ملازم عادة لمسّه، و قلّما يتفق التفكيك، لو لم نقل: لم يتفق.

و أمّا صحيحته الأُولى المتقدّمة؛ فلاحتمال أن يكون سؤاله لشبهة أنّ مسّه حال الغسل لا يوجبه، أو أنّ غسله موجب لسقوط غسل المسّ تبعاً. كما

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1367، وسائل الشيعة 3: 290،

كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 4.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 289 و 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1 و 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 447/ 1446، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 163

أنّ السؤال في صحيحة معاوية محمول عليه أيضاً، فلا يكون سؤاله عن عنوان «الغسل» بل عن مسّه في ضمنه، كما لعلّه المتفاهم عرفاً منها، بل هو ظاهرها.

و عليه تحمل صحيحة ابن مسلم الأُخرىٰ؛ ضرورة أنّ التكفين لا يوجب شيئاً، فيكون المقصود المسّ حال الغسل، و ذكر التكفين لعلّه لأجل أنّ الغاسل هو المكفّن، و لهذا عدّ فيها للثلاثة غسلًا واحداً، و لو لا ذلك للزم أن يكون الغسل في تسعة عشر موطناً، لا سبعة عشر، فالغسل في الثلاثة لعنوان واحد هو «المسّ» فتكون الرواية شاهدة علىٰ عدم تعدّد العنوان. و تشهد لذلك حسنة الفضل الآتية الواردة في علّة غسل من غسّل ميّتاً «1»، بل هي حاكمة علىٰ غيرها.

فموضوع البحث هو مسّ الميّت بعد برده و قبل غسله، كما عنون المحقّق «2» و غيره «3»، و قد عرفت عنوان الشيخ. و لعلّ خلاف العامّة في الغاسل الذي مسّه، لا الأعمّ، و لا أظنّ الخلاف في عدم وجوبه علىٰ من لم يمسّه.

أدلّة وجوب الغسل

و كيف كان: فالغسل واجب لمسّه إجماعاً، كما في «الخلاف» «4»، و عن «الغنية» «5». و في استفادته من كلامهما كلام. و «هو المشهور» كما عن «المختلف»، و «جامع المقاصد»، و «الكفاية» «6»، و «مذهب الأكثر» كما عن

______________________________

(1) تأتي في الصفحة 165.

(2) شرائع الإسلام 1: 44.

(3) مختلف الشيعة 1: 149، جامع المقاصد

1: 458.

(4) الخلاف 1: 701.

(5) غنية النزوع 1: 40.

(6) مختلف الشيعة 1: 149، جامع المقاصد 1: 458، كفاية الأحكام: 3/ السطر 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 164

طهارة «الخلاف» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» و «المدارك» و «الكفاية» في موضع آخر «1».

و لم يحك الخلاف صريحاً إلّا عن السيّد «2». و في «الخلاف»: «أنّ من شذّ منهم لا يعتدّ بخلافه» «3».

و تدلّ عليه روايات مستفيضة أو متواترة، فهي بين آمرةٍ بالغسل، كصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة، عن أحدهما (عليهما السّلام) «4»، و صحيحة عاصم بن حُمَيْد «5»، و صحيحة ابن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من غسّل ميّتاً و كفّنه اغتسل غسل الجنابة «6».

و صحيحةِ الحلبي و فيها

و يغتسل من مسّه «7»

، و صحيحةِ الأقطع «8»، و صحيحة حَريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «9».

______________________________

(1) الخلاف 1: 222، تذكرة الفقهاء 2: 134، منتهى المطلب 1: 127/ السطر 20، مدارك الأحكام 2: 277، كفاية الأحكام: 7/ السطر 20.

(2) انظر الخلاف 1: 222، رسائل الشريف المرتضى 3: 25.

(3) الخلاف 1: 701.

(4) تقدّمت في الصفحة 161.

(5) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1365، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 3.

(6) تقدّمت في الصفحة 162.

(7) الفقيه 1: 262/ 1197، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 9.

(8) الفقيه 1: 98/ 451، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 10.

(9) الكافي 3: 160/ 1، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 165

و معبّرةٍ

ب «أنّ عليه الغسل» كصحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الذي يغسّل الميّت أ عليه غسل؟ قال

نعم ..

إلىٰ أن قال

فإذا برد فعليه الغسل .. «1»

إلىٰ آخره.

و صحيحةِ عبد اللّٰه بن سِنان على الأصحّ «2» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها

و لكن إذا مسّه و قبّله و قد برد فعليه الغسل «3».

و صحيحةِ عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل مسّ ميّتاً، عليه الغسل؟ قال فقال

إن كان الميّت لم يبرد فلا غسل عليه، و إن كان قد برد فعليه الغسل إذا مسّه «4».

و معبّرةٍ ب «أنّه الفرض» كرواية يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الغسل في سبعة عشر موطناً، منها الفرض ثلاثة.

قلت: ما الفرض منها؟ قال

غسل الجنابة، و غسل من مسّ ميّتاً، و غسل الإحرام «5».

و معبّرةٍ بمادّة «الأمر» كحسنة الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام) قال

إنّما أُمر من يغسّل الميّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميّت؛ لأنّ

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 162.

(2) بناءً على وثاقة سهل بن زياد و قد تقدّم ما يدلّ على توثيقه في الجزء الأول: 78 و 258.

(3) الكافي 3: 160/ 3، وسائل الشيعة 3: 293، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 15.

(4) مسائل عليّ بن جعفر: 198/ 426، وسائل الشيعة 3: 293، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 18.

(5) تهذيب الأحكام 1: 105/ 271، وسائل الشيعة 2: 174، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 166

الميّت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر

آفته «1».

و معبّرةٍ بمادّة «الوجوب» كصحيحة الصفّار قال: كتبت إليه (عليه السّلام): رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقّع

إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل، فقد يجب عليك الغُسل «2».

بناءً علىٰ ضمّ المعجمة، كما لا يبعد.

و في موثّقة سَماعة أو صحيحته «3»

و غسل من مسّ الميّت واجب

«4» تأمّل.

إلىٰ غير ذلك، فلا إشكال في دلالتها علىٰ وجوبه. و الخدشة فيها من بعضهم «5» في غير محلّها.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 114/ 1، علل الشرائع: 268/ 9، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 11.

(2) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1368، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 5.

(3) رواها الشيخ الطوسي، عن الشيخ و هو المفيد (رحمه اللّٰه) قال: أخبرني أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة.

وجه الترديد لوقوع عثمان بن عيسى و سماعة في السند؛ لأنّ عثمان بن عيسى كان شيخ الواقفة و وجهها و من أصحاب الإجماع على قول، و لكنّ الظاهر رجوعه عن الوقف. و سماعة بن مهران ثقة عند النجاشي و واقفي عند الشيخ الطوسي. رجال النجاشي: 193/ 517 و 300/ 817، رجال الطوسي: 337/ 4، الفهرست: 120/ 534.

(4) الفقيه 1: 45/ 176، تهذيب الأحكام 1: 104/ 270، وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 3.

(5) ذخيرة المعاد: 91/ السطر 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص:

167

حول ما يتمسّك به لعدم وجوب الغسل

نعم، هنا روايات ربّما يتمسّك بها لعدم الوجوب «1»، كرواية سعد بن أبي خلف- و لا يبعد أن تكون صحيحة «2» قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

الغسل في أربعة عشر موطناً، واحد فريضة، و الباقي سنّة «3».

و فيه: أنّ المواطن غير مذكورة فيها، و لعلّ الباقي المراد منها الأغسال المندوبة، و إلّا فلا شبهة في وجوب أغسال أُخر. كما لا إشكال في زيادتها عن أربعة عشر.

و لو قيل: باندراج بعضها في بعض، يقال: من المحتمل اندراج الواجبات في غسل الجنابة؛ باعتبار اشتراكها في رفع الحدث الأكبر.

و مع الإغماض عنه لا بدّ من حمل «الفريضة» علىٰ ما ثبت وجوبه بالكتاب، و إلّا فلا ينحصر الواجب في غسل الجنابة بالضرورة، فسبيل هذه الرواية سبيل صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران: أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر: أحدهم جنب، و الثاني ميّت .. إلىٰ أن قال

لأنّ غسل الجنابة فريضة، و غسل الميّت سنّة «4».

______________________________

(1) انظر التنقيح الرائع 1: 128، الحدائق الناضرة 3: 331.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن أحمد بن محمّد، عن سعد بن أبي خلف. و ليس في السند من يتأمّل فيه إلّا الحسن بن الحسين اللؤلؤي، و قد تقدّم الكلام فيه من المصنّف في الجزء الثاني: 377.

(3) تهذيب الأحكام 1: 110/ 289، وسائل الشيعة 2: 176، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 11.

(4) الفقيه 1: 59/ 222، وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 168

و

قريب منها رواية الحسين بن النضر «1»، و غيرها «2»؛ ضرورة وجوب غسل الميّت.

و لو كان المراد من

أربعة عشر موطناً

هو المعدودة في محكي «الخصال» صحيحةً عن عبد اللّٰه بن سِنان «3»، لوجب حملها علىٰ ما ذكر؛ لأنّ فيها غسل الميّت، و هو واجب بلا شبهة.

و منه يظهر الجواب عن مرسلة الصدوق، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و صحيحة محمّد بن مسلم، و الظاهر كونهما واحدة كما مرّ «4»، و فيها بعد عدّ جملة من الأغسال، منها غسل المسّ قال

و غسل الجنابة فريضة.

هذا مع عدم المفهوم لها.

و منه يظهر الجواب عن رواية الأعمش، عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام)، و فيها بعد عدّ جملة منها غسل المسّ قال

و أمّا الفرض فغسل الجنابة، و غسل الجنابة و الحيض واحد «5».

مضافاً إلىٰ أنّ من جملة المعدود فيها غسل الميّت، و هو معلوم الوجوب، فلا بدّ من رفع اليد عن مفهومها لو سلّم المفهوم، أو حملها علىٰ ما تقدّم.

و من بعض ما تقدّم يظهر الجواب عن رواية عمرو بن خالد، عن زيد بن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 110/ 287، وسائل الشيعة 3: 376، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 4.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18.

(3) الخصال: 498/ 5.

(4) تقدّم في الصفحة 161.

(5) الخصال: 603/ 9، وسائل الشيعة 3: 306، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 169

عليّ، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال

الغسل من سبعة: من الجنابة، و هو واجب، و من غسّل الميّت، و إن تطهّرت أجزأك .. «1»

و ذكر غير ذلك.

فإنّ إثبات الوجوب لغسل

الجنابة، لا يدلّ علىٰ النفي عن غيره. و لو استدلّ له بقوله (عليه السّلام)

و إن تطهّرت ..

إلىٰ آخره، فلم يتّضح معناه؛ لاحتمال كون المراد من «التطهّر» غسل الجنابة، و يريد إجزاءه عن غسل المسّ. و لعلّ التعبير ب «التطهّر» تبعاً للكتاب، حيث قال وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «2».

و حملها الشيخ على التقيّة «3»، و لا بأس به لو أُغمض عمّا ذكرناه.

و أمّا رواية الحسن بن عبيد قال: كتبت إلى الصادق (عليه السّلام): هل اغتسل أمير المؤمنين حين غسّل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عند موته؟ فأجاب

النبيّ طاهر مطهّر، و لكن فعل أمير المؤمنين، و جرت به السنّة «4».

فهي ظاهرة في معروفيّة ثبوت الغسل لمسّ الميّت، و إنّما سأل عن مسّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لخصوصيّة فيه، فأجاب بما أجاب، فيظهر منها أنّ غسل مسّ المعصوم (عليه السّلام) سنّه؛ لكونه طاهراً مطهّراً، و حكمه غير حكم مسّ غيره، فلا بدّ- بعد ثبوته أن يكون واجباً، فتدلّ على المقصود؛ أي وجوبه لمسّ غير الطاهر.

و أمّا رواية «الاحتجاج» «5»، فظاهرة في المسّ حال الحرارة كما لا يخفى.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 464/ 1517، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 8.

(2) المائدة (5): 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 464، ذيل الحديث 1517.

(4) تهذيب الأحكام 1: 469/ 1541، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 7.

(5) الاحتجاج 2: 564/ 355، وسائل الشيعة 3: 296، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 4، و قد تقدّم متنها أيضاً في الصفحة 94.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 170

و تدلّ عليه مكاتبة أُخرى «1»، فراجع.

و أمّا عدّه في عداد المستحبّات «2»، فلا دلالة على استحبابه، كما عُدّ غسل الميّت و الحيض في عدادها.

و أمّا ما دلّ علىٰ حصر النواقض في غيره «3»، فمضافاً إلىٰ أنّ الكلام في وجوبه لا ناقضيّته، أنّ تلك الروايات في مقام الردّ على العامّة الذين عدّوا كثيراً من الأُمور من النواقض، فالحصر إضافي، فراجعها.

فتحصّل ممّا ذكر: أن لا معارض للروايات الدالّة علىٰ وجوبه، فلا إشكال فيه. كما لا إشكال في عدم الغسل لمسّه قبل البرد، كما صرّحت به جملة من الروايات «4»، فيحمل عليها إطلاق غيرها لو كان.

و كذا لا إشكال بعدم شي ء بمسّه بعد الغسل، كما صرّح به في صحيحة ابن مسلم «5»، و عبد اللّٰه بن سِنان «6»، فلا بدّ من حمل موثّقة عمّار، عن أبي

______________________________

(1) الاحتجاج 2: 564/ 355، وسائل الشيعة 3: 296، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 5، و قد تقدّم متنها أيضاً في الصفحة 94.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 304، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 1، الحديث 4 11.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 248، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 4 و 15 و 18.

(5) عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: مسّ الميّت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس بها بأس.

تهذيب الأحكام 1: 430/ 1370، وسائل الشيعة 3: 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 1.

(6) تهذيب الأحكام 1: 430/ 1372، وسائل الشيعة 3: 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3،

ص: 171

عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يغتسل الذي غسّل الميّت، و كلّ من مسّ ميّتاً فعليه الغسل و إن كان الميّت قد غسّل «1»

على الاستحباب، أو غير ذلك.

هذا إذا لم يجز جعل اسم

كان

ضميراً راجعاً إلىٰ

من مسّ

و جعل الجملة التي بعدها خبرها؛ بدعوىٰ عدم جواز جعل معمول الخبر تلو العامل «2»، و إلّا فتسقط عن الدلالة على الخلاف. فلا دليل على استحبابه إلّا إشعار بعض الروايات، كصحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها قال: فمن أدخله القبر؟ قال

لا، إنّما مسّ الثياب «3».

و نحوها صحيحة حَريز «4»، فهما مشعرتان أو ظاهرتان في أنّه إذا مسّ جسده فعليه الغسل، فلا بدّ من حملهما على الاستحباب جمعاً، و الأمر سهل.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 171

ناقضيّة مسّ الميّت للطهارة

ثمّ الظاهر أنّ المسّ من الأحداث الموجبة لنقض الطهارة، كما عن «النهاية»، و «الدروس»، و «الذكرى»، و «الألفية» «5».

و عن «شرح المفاتيح»: «أنّ المشهور المعروف بين الفقهاء أنّ مسّ الميّت

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 430/ 1373، وسائل الشيعة 3: 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 3.

(2) أوضح المسالك 1: 248، البهجة المرضية 1: 102.

(3) الفقيه 1: 98/ 451، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 10.

(4) الكافي 3: 160/ 1، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 14.

(5) النهاية: 18، الدروس الشرعيّة 1: 88، ذكرى الشيعة 1: 217، الألفية و النفلية: 42.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 172

من الناس حدث أكبر، كالجنابة و الحيض» «1». و عن «الحدائق» دعوى عدم الخلاف بينهم «2».

لا لمجرّد أنّ الأمر بالغُسل عند مسّه، ظاهر في أنّه مثل الجنابة من الأحداث المقتضية للطهارة؛ لأنّ الظاهر منه أنّ الغسل رافع لما يحدث بالمسّ، لكن لا يجدي ذلك في إثبات أنّ ما يحدث به حدث مانع للصلاة. و قياسه علىٰ سائر الأحداث كما ترى.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الظاهر من ترتّب وجوب الغُسل على المسّ، أنّه دخيل في ذلك، و المتفاهم منه عرفاً أنّ المسّ موجب لحدوث حالة معنوية للماسّ لا ترتفع إلّا بالغسل، و أمّا كون تلك الحالة مانعة عن الصلاة، أو أنّ الغسل منه شرط لها فلا، إلّا بالقياس على الجنابة و غيرها.

بل لدلالة جملة من الروايات كمكاتبتي الحسن بن عبيد و الصيقل قال: كتبت إلى الصادق (عليه السّلام): هل اغتسل أمير المؤمنين حين غسّل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عند موته، فأجابه

النبيّ طاهر مطهّر، و لكن فعل أمير المؤمنين، و جرت به السنّة «3».

حيث إنّ الظاهر منهما أنّ مسّ غير الطاهر المطهّر من حدث الموت، موجب للغسل، و الظاهر منه أنّ إيجابه له إنّما هو بنحو من السراية، كما أنّ الظاهر من أدلّة غسل ملاقي النجاسات ذلك، فالمفهوم منهما أنّ مسّ الأموات موجب لحصول حالة شبيهة بما في الأموات؛ أي القذارة المعنوية المقابلة للطهارة، و ترتفع بالغسل و تتطهّر به.

______________________________

(1) مصابيح الظلام 1: 345/ السطر 13 (مخطوط).

(2) الحدائق الناضرة 3: 339.

(3) تهذيب الأحكام 1: 469/ 1541، الإستبصار 1: 99/ 323، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 7.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 173

فإذا ضمّ ذلك إلىٰ قوله (عليه السّلام)

لا صلاة إلّا بطهور «1»

، يتمّ المطلوب. و يؤيّده- بل يدلّ عليه ما دلّ علىٰ أنّ غسل الأموات غسل الجنابة «2».

و كحسنة «3» الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام) قال

إنّما أُمر من يغسّل الميّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميّت .. «4»

إلىٰ آخره.

و قريب منها رواية محمّد بن سِنان، عنه (عليه السّلام). لكن في ذيلها

لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته، فلذلك يتطهّر منه و يطهّر «5».

و هما كالصريح في أنّ المسّ موجب للقذارة و الحدث المقابلين للطهارة، و هي تحصل بالغُسل، و لمّا كان بصدد بيان علّة الاغتسال فلا بدّ من حمل

ما أصابه

علىٰ قذارة معنوية مقابلة للطهور الحاصل بالغُسل بالضمّ.

و أصرح من ذلك ذيل الثانية؛ أي

يتطهّر منه و يطهّر

إذ معلوم أنّ المراد التطهير من الحدث، كتطهير الميّت منه.

بل يمكن الاستشهاد لذلك بالقول المحكي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رواية زيد بن عليّ (عليه السّلام) قال

الغسل من سبعة: من الجنابة، و هو واجب، و من غسل الميّت، و إن تطهّرت أجزأك «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 486، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 3.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 98، الهامش 1.

(4) تقدّمت في الصفحة 165.

(5) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 89/ 1، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 12.

(6) تهذيب الأحكام 1: 464/ 1517، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل

المسّ، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 174

بناءً علىٰ أنّ المراد التطهير من الجنابة، كما احتملناه «1»، أو التطهير من مسّ الميّت، كما احتمله الحرّ في «الوسائل» «2». و كيف كان: لا إشكال في كونه حدثاً مانعاً من الصلاة و غيرها ممّا هو مشروط بالطهارة.

و هل هو ناقض للوضوء، فلو كان علىٰ وضوء و مسّه، يجب عليه الغسل و الوضوء إن قلنا بعدم كفاية الأوّل عن الثاني كما هو الحقّ؟ وجهان:

لا يبعد أقربيّة الأوّل، و يمكن الاستدلال عليه برواية ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان أو غيره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة «3».

و في مرسلته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال

كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة «4».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر أنّ الحكم فعلي؛ و أنّ كلّ غسل يجب قبله أو بعده وضوء، و مقتضى الإطلاق لزومه و لو مع كونه علىٰ وضوء قبل تحقّق السبب، لا حيثي يراد به أنّ غير غسل الجنابة لا يجزي عن الوضوء، حتّى يقال: لإيراد لزوم الوضوء حتّى مع الفرض، فتدلّ علىٰ سببيّة ما يوجب الغسل للوضوء أيضاً، و عدم إجزاء الغسل عنه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 169.

(2) وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، ذيل الحديث 8.

(3) تهذيب الأحكام 1: 143/ 403، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 2.

(4) الكافي 3: 45/ 13، تهذيب الأحكام 1: 139/ 391، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 175

نعم، علىٰ ما احتملناه سابقاً من

أنّ المراد اشتراط تحقّق الغسل بالوضوء «1»، تكون أجنبية عن المقام. لكن لا يبعد دعوى كون ذلك الاحتمال خلاف الظاهر، و لهذا لم أجد احتماله في كلماتهم.

و كيف كان لو لم يكن الناقضيّة أقوى فهي أحوط.

بدليّة التيمّم عن الغسل بالنسبة للميّت في جميع الآثار

و هل يلحق المتيمّم بالمغتسل مطلقاً في رفع حدثه و خبثه، أو لا مطلقاً، أو يلحق في رفع الأوّل؟ وجوه:

أقواها الأوّل، لا لما قد يقال: «إنّه مقتضىٰ عموم أدلّة البدلية» «2»؛ لعدم الدليل علىٰ عمومها حتّى في الخليطين:

أمّا دليل تنزيل التراب منزلة الماء فظاهر.

و أمّا مثل قوله (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً «3»

؛ فلأنّ تلك الروايات ناظرة إلى الآية الكريمة «4» التي أفادت بدليته عن الماء في الوضوء و غسل الجنابة، و ليست مطلقة خرجت منها الطهارة من الأخباث في جميع الموارد إلّا ما ندر، كما لا يخفى، فسبيل تلك الطائفة سبيل دليل التنزيل.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 268 271.

(2) كشف اللثام 2: 245، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 292/ السطر 4، مصباح الفقيه، الطهارة: 385/ السطر 6.

(3) الفقيه 1: 60/ 223، وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 1.

(4) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 176

و لا لما يقال: «إنّه حيث علم أنّ غسله ليس إلّا غسل الجنابة، و أنّه يغسّل الميّت لصيرورته جنباً، فيكون الحال حينئذٍ بمنزلة ما لو بيّن الشارع للجنابة سبباً آخر غير السببين المعهودين، فلا يشكّ حينئذٍ في قيام التيمّم مقام غسلها حال الضرورة؛ بمقتضىٰ عموم ما دلّ علىٰ أنّه أحد الطهورين، فيعلم أنّ التعدّد و تشريك غير الماء معه في طهوريته لخصوصية المورد، فاعتبار ذلك لا يمنع من شمول أدلّة

البدلية. خصوصاً مع أنّ السبب الأعظم الذي يستند إلى الطهورية إنّما هو الماء، و خصوصياته المعتبرة ككونه بماء السدر و الكافور بمنزلة الأوصاف غير المقوّمة» «1».

و ذلك لأنّه بعد الاعتراف بأنّ الخليط دخيل في الرفع، و ليس الماء القُراح تمام السبب في ذلك، لا بدّ من التماس دليل علىٰ قيام التراب منزلة الماء المخلوط الذي يكون الخلط جزء سبب الرفع. و مجرّد كون الماء السبب الأعظم علىٰ فرض تسليمه لا يفيد في قيام التيمّم مقامه.

و كون غسله غسل الجنابة علىٰ فرض تسليم كون تلك الجنابة كسائر الجنابات، و الغضِّ عمّا في النصوص من خروج النطفة التي خلق منها من فمه أو غيره «2»، الدالّ علىٰ أنّ هذه من غير سنخ سائر الجنابات لا يفيد أيضاً بعد كون السبب الرافع و لو لخصوصية المورد غير الماء القراح، بل الأغسال الثلاثة بالمقرّرات الخاصّة، و معه لا بدّ من دلالة دليل علىٰ قيام التراب منزلة السبب، و هو مفقود.

بل للأدلّة الخاصّة الدالّة علىٰ وجوب تيمّم الميّت مع فقد الماء،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 385/ السطر 9.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 486، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 177

كصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران: أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر: أحدهم جنب، و الثاني ميّت، و الثالث علىٰ غير وضوء، و حضرت الصلاة، و معهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء، و كيف يصنعون؟ قال

يغتسل الجنب، و يدفن الميّت بتيمّم، و يتيمّم الذي هو علىٰ غير وضوء؛ لأنّ غسل الجنابة فريضة، و غسل الميّت سنّة، و التيمّم

للآخر جائز «1».

و في نسخة من «الوسائل» الموجودة لديّ نقلها بهذا المتن عن الشيخ، بسنده عن عبد الرحمن، عمّن حدّثه، عن الرضا (عليه السّلام) لكن عن «المدارك» نقل الصحيحة مع سقوط لفظ

بتيمّم «2».

و أورد عليه صاحب «الحدائق»: «بأنّ الصحيحة بسند الصدوق مشتملة عليه. نعم لم تشتمل عليه رواية الشيخ «3»، و هي غير صحيحة».

ثمّ قال: «إنّ صاحب «الوافي» «4» و «الوسائل» قد نقلا هذه الرواية من «التهذيب» بهذا المتن الذي ذكره؛ أي مع سقوطه ثمّ نقلاها عن «الفقيه» و أحالا المتن علىٰ ما نقلاه عن «التهذيب» و لم ينبّها على الزيادة».

ثمّ قال: «إنّي قد تتبّعت نسخاً عديدة مضبوطة من «الفقيه» فوجدت الرواية فيها كما ذكرته من الزيادة» «5» انتهىٰ.

______________________________

(1) الفقيه 1: 59/ 222، وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 1.

(2) مدارك الأحكام 2: 85.

(3) تهذيب الأحكام 1: 109/ 285.

(4) الوافي 6: 569/ 32.

(5) الحدائق الناضرة 3: 473 474.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 178

لكن في نسخة «الوسائل» عكس ما قال في «الحدائق» فإنّه نقل صحيحة ابن أبي نجران من «الفقيه» مع الزيادة، ثمّ نقل عن «التهذيب» و أحال المتن علىٰ ما نقل عن «الفقيه» «1».

و كيف كان: هذه الصحيحة المشتملة على الزيادة، حجّة قاطعة علىٰ وجوب تيمّمه مع فقد الماء.

و تدلّ علىٰ وجوبه عند العذر رواية عمرو بن خالد، عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال

إنّ قوماً أتوا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالوا: يا رسول اللّٰه، مات صاحب لنا و هو مجدور، فإن غسّلناه انسلخ، فقال: يمّموه «2».

و قد يقال بجبر سندها بفتوى الأصحاب بمضمونها،

و ذكره في المتون «3».

وجه الدلالة على المقصود: أنّ المتفاهم منهما بعد مسبوقيّة ذهن المتشرّعة بقيام التيمّم مقام الغسل في الجنابة و غيرها أنّ الأمر بالتيمّم عند فقد الماء و التعذّر؛ لأجل حصول ما يحصل بالغسل به في هذا الحال، و لا يكون التيمّم أجنبياً غير مؤثّر في تطهير الميّت؛ لمقطوعية خلافه، و مخالفته لارتكاز المتشرّعة، فالمفهوم منهما أنّه يقوم مقام الغسل في جميع الآثار و منها رفع الخبث؛ فإنّ الرافع له مع نجاسته العينية ليس الغَسل بالفتح بل الغُسل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 333/ 977، وسائل الشيعة 2: 513، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 16، الحديث 3.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 385/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 179

و بالجملة: إنّ أدلّة البدلية كتاباً و سنّة، صارت موجبة لاستظهار ما ذكرناه من الدليل الخاصّ لو فرض قصوره؛ و إن لم تكن بنفسها دالّة عليه، فالأقوىٰ قيامه مقامه في رفع الخبث أيضاً. نعم، رفعه لهما في موضوع خاصّ، أو إلىٰ أمد خاصّ، كما مرّ في باب التيمّم «1».

قيام الأغسال الاضطراريّة للميّت مقام الغسل الاختياري في جميع الآثار

و من هنا يظهر حال الأغسال الاضطرارية؛ سواء كان مستندها الأدلّة الخاصّة، كغسل المحرم بلا كافور، أو كون الغاسل كافراً أو مخالفاً، أو مستندها أدلّة التقيّة، كالغسل علىٰ طبق أهل الخلاف تقيّةً، أو دليل الميسور، أو إطلاق أدلّة الغسل مع قصور دليل اعتبار الشرط و القيد مثلًا: أمّا الأخير فواضح.

و أمّا ما عداه، فلظهور الأدلّة الخاصّة و العامّة في أنّ الطبيعة المأتي بها حينئذٍ، ليست أمراً أجنبياً عن تحصيل ما يترقّب من الغسل من رفع الحدث و الخبث، بل المتفاهم منها

أنّ الغسل الذي أوجبه اللّٰه تعالىٰ لتطهير الميّت حدثاً و خبثاً، و لملاقاته لملائكة اللّٰه طاهراً نظيفاً هو المصداق الاضطراري لدى الاضطرار، و أنّه موجب لتطهّره، فهل يمكن أن يقال: إنّ المحرم المحروم من الكافور باقٍ علىٰ جنابته و نجاسته، و يكون الأمر بغسله لا للتطهير منهما، بل لمطلوبية نفسية بلا ترتّب أثر عليه؟! و لا أظنّ التزام مثل الشيخ الأعظم المستشكل في المسألة بذلك فيه «2». و كذا فيما إذا كان الغاسل كافراً، فإنّ الظاهر من الأدلّة أنّه يأتي بالغسل الذي يترتّب عليه الآثار المطلوبة.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الثاني: 220.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 291/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 180

بل الأمر كذلك لو كان الدليل المثبت قاعدة الميسور؛ لأنّ الأرجح في معنىٰ قوله (عليه السّلام)

الميسور لا يسقط بالمعسور «1»

أنّ ميسور الطبيعة لا يسقط بمعسورها؛ بمعنى أنّ الطبيعة المأمور بها التي يكون لها فردان اختياري و اضطراري لا تسقط عن العهدة بمعسورية الاختياري، بل يؤتىٰ بها بمصداقها الميسور، فالطبيعة المأتي بها حال الاضطرار عين المأتي بها حال الاختيار، و الاختلاف في الخصوصيات الفردية، فيترتّب عليها ما يترتّب على الاختياري منها.

و قد فرغنا في رسالة التقيّة عن أنّ المأتي به حالها مجزٍ عن الواقع، و يترتّب عليه ما يترتّب على الفرد المأتي به في غير حالها «2».

فما أفاده شيخنا الأعظم: «من انصراف الغسل في الأخبار إلى الغسل الاختياري التامّ، و لا دليل علىٰ قيام الاضطراري مقام الاختياري في جميع الأحكام» «3»، غير متّجه.

حكم من لا يجب تغسيله بعد الموت

و أمّا من لا يجب تغسيله:

إمّا لتقديم غسله علىٰ موته كالمرجوم، أو لكونه شهيداً لا يغسّل كرامةً، أو لكونه كافراً لا يغسّل إهانةً، و لقصور المحلّ عن

التأثر.

فالأظهر عدم إيجاب الموت في الأوّلين الجنابة و النجاسة؛ لظهور دليل أوّلهما في أنّ غسله المعهود صار مقدّماً.

______________________________

(1) عوالي اللآلي 4: 58/ 205.

(2) التقيّة، ضمن الرسائل العشرة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 89.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 319/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 181

و لا يتوهّم عدم معقولية تأثير السبب المتقدّم في رفع أثر السبب المتأخّر زماناً؛ لأنّه بعد ظهور الدليل في أنّ غسله غسل الميّت قدّم علىٰ موته، نلتزم بمانعيته عن تأثير السبب أي الموت في الحدث و الخبث.

و بالجملة: الظاهر من دليل تقديم الغسل، أنّ الأثر المترتّب على الغسل المتأخّر مترتّب عليه و إن كان نحو التأثير مختلفاً؛ لكون المتأخّر رافعاً، و هو دافع.

و احتمال أنّ وجوب الغسل المتقدّم بملاك آخر غير ملاك سائر الأغسال، و أنّ المرجوم لا بدّ و أن يدفن جنباً و نجساً، في غاية السقوط.

و أمّا الشهيد، فلا شبهة في أنّ سقوط غسله إنّما هو لكرامة فيه؛ و أنّه لعلوّ قدره لا يصير جنباً، و لا نجساً، و معه لا يجب علىٰ من مسّه غَسل و لا غُسل.

أمّا بالفتح فواضح.

و أمّا بالضمّ؛ فلظهور الأدلّة في أنّ الموجب له مسّ غير المطهّر. فلا إشكال في المسألة و إن قال الشيخ الأعظم: «إنّ المسألة لا تخلو من إشكال» «1».

و أمّا الثالث، فيجب الغسل بمسّه؛ لإطلاق مثل صحيحة عاصم بن حُمَيْد قال: سألته عن الميّت إذا مسّه إنسان، أ فيه غسل؟ قال فقال

إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل «2».

بل الظاهر من سائر الأخبار أنّ الموجب للغسل هو المسّ؛ و أنّ الغسل غاية لرفع الحكم، لا قيد في الموضوع، فظاهر مثل قوله (عليه السّلام)

إذا أصاب يدك جسد الميّت

قبل أن يغسّل، فقد يجب عليك الغسل «3»

، أنّ مسّ جسده موجب

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 319/ السطر 13.

(2) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1365، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 3.

(3) تقدّم في الصفحة 166.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 182

لذلك، و الغسل غاية لرفع الحكم، لا أنّ مسّ جسد من يجب غسله أو من يغسّل موجب له. و تدلّ عليه رواية «العلل» «1»، و غيرها «2».

بل ربّما يتمسّك له «3» بمثل صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام): في رجل مسّ ميتة، أ عليه الغسل؟ قال

لا، إنّما ذلك من الإنسان «4».

و فيه كلام و إشكال.

عدم الفرق في الماسّ و الممسوس بين ما تحلّه الحياة و غيره إلّا في الشعر

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق بعض الروايات كصحيحتي عليّ بن جعفر «5»، و محمّد ابن مسلم «6» و غيرهما عدم الفرق في الماسّ و الممسوس بين ما تحلّه الحياة و غيره.

نعم، لا يبعد الانصراف أو عدم الصدق في الشعر، سيّما المسترسل منه. و علىٰ فرض الإطلاق يمكن القول بالتفصيل في الممسوس بينه و بين غيره؛ لصحيحة عاصم بن حميد المتقدّمة آنفاً؛ فإنّ الظاهر من ذكر الجسد سيّما بعد فرض الراوي مسّ الميّت أنّ له دخالة في الحكم، و هو (عليه السّلام) ذو عناية بذكره، و الظاهر عدم صدقه على الشعر. بل لا يبعد مساوقته للبشرة.

نعم، لا شبهة في صدقه علىٰ مثل الظفر و العظم و السنّ.

______________________________

(1) تقدمت في الصفحة 165.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 289، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 320/ السطر 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 430/ 1374، وسائل الشيعة 3: 299، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 6، الحديث 1.

(5) تقدّمت في

الصفحة 165.

(6) تقدّمت في الصفحة 161.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 183

و أمّا مكاتبة الصفّار الصحيحة قال: كتبت إليه: رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقّع (عليه السّلام)

إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل، فقد يجب عليك الغسل «1».

ففي دلالتها تأمّل ناشئ من احتمال كون

الغسل

بالفتح بمناسبة السؤال، و إن كان المظنون ضمّه، و من احتمال كون ذكر الجسد في مقابل الثوب المذكور في السؤال.

و يمكن التمسّك للتفصيل بين الشعر و غيره بمكاتبة الحسن بن عبيد المتقدّمة «2»، فإنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

النبيّ طاهر مطهّر

، أنّ علّة الغسل من المسّ نحو سراية من الممسوس إلى الماسّ، و المناسبة تقتضي أن تكون السراية في الخبثية نحوَها، و في الحدثية نحوَها، فإن قلنا: بأنّ الشعر كما أنّه لا ينجس لا يصير معروضاً للحدث، و لا يجب غسله في غسل الجنابة و لا غسل الميّت، تدلّ الرواية علىٰ عدم لزوم الغسل بمسّه؛ لعدم السراية منه. و منه يظهر دلالة رواية «العلل» و «العيون» «3» و محمّد بن سِنان عن الرضا (عليه السّلام) «4» عليه.

نعم، إن قلنا بوجوب غسل الشعر في الجنابة و غسل الميّت كما لا يبعد فلا تكون الروايات شاهدة على التفصيل.

و كيف كان: الأقوى التفصيل في الممسوس، كما لا يبعد في الماسّ أيضاً؛ لقوّة دعوى الانصراف، أو عدم الصدق.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 166.

(2) تقدّمت في الصفحة 169.

(3) تقدّمت في الصفحة 165 166.

(4) تقدّمت في الصفحة 173.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 184

و أمّا التفصيل بين ما تحلّه الحياة و غيره؛ تشبّثاً بحسنة

«1» الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام) قال

إنّما لم يجب الغسل علىٰ من مسّ شيئاً من الأموات غير الإنسان كالطيور و البهائم و السباع و غير ذلك لأنّ هذه الأشياء كلّها ملبّسة ريشاً و صوفاً و شعراً و وبراً، و هذا كلّه ذكيّ لا يموت، و إنّما يماسّ منه الشي ء الذي هو ذكيّ من الحيّ و الميّت «2».

ففي غاية الإشكال، بل غير وجيه و إن ذهب إليه الشيخ الأعظم «3»؛ فإنّ ما ذكر إن كان علّة للتفصيل بين ما تحلّه الحياة و غيره، لا بين الإنسان و غيره، فلا إشكال في مخالفتها للإجماع، بل الضرورة.

و إن كان نكتة للتشريع بمعنى أنّ الأغلب لمّا كان الملاقاة لغير الإنسان بما ذكر صار ذلك علّة لجعل عدم البأس لملاقاته مطلقاً، أو لعدم جعل الحكم له كذلك مسّ البشرة أو غيرها، يكون مقتضى المقابلة أنّ مسّ ميّت الإنسان مطلقاً موجب له.

و إن كانت نكتة التشريع غلبة المباشرة مع البشرة، فتكون شاهدة علىٰ خلاف المقصود. و لا أقلّ من عدم الدلالة على التفصيل.

و بالجملة: كيف يمكن الاستدلال للتفصيل بما يكون محلّ التفصيل منه غير مراد جزماً، فما أفاده شيخنا الأعظم في وجه التمسّك غير وجيه. و التفصيل بين ما تحلّه و غيره في الممسوس ضعيف، فضلًا عن الماسّ و إن فصّل الشهيد في «الروض» بينهما في الماسّ و الممسوس «4».

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 98، الهامش 1.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 114/ 1، علل الشرائع: 268/ 9، وسائل الشيعة 3: 300، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 6، الحديث 5.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 320/ السطر 4.

(4) روض الجنان: 115/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 3، ص: 185

فروع
الفرع الأوّل: في حكم مسّ القطعة المبانة من الميّت و الحيّ
اشارة

مقتضى الأصل: أنّ مسّ القطعة المبانة من الميّت موجب للغسل؛ سواء كانت مشتملة على العظم، أو لا، أو عظماً مجرّداً؛ حتّى السنّ و الظفر، فكلّ ما يوجب مسّه الغسل حال الاتصال يوجبه حال الانفصال؛ لاستصحاب الحكم التعليقي، و قد فرغنا عن جريانه إذا كان التعليق شرعياً «1»، كما في المقام.

و قد يتوهّم عدم جريانه «لأنّه فرع إحراز الموضوع، و القدر المتيقّن الذي علم ثبوته عند اتصال العضو بالميّت، إنّما هو وجوب الغسل بمسّ الميّت المتحقّق بمسّ عضوه، و هو مفروض الانتفاء عند الانفصال. و سببيّة العضو من حيث هو لم يعلم في السابق حتّى يستصحب» «2».

و فيه: أنّ موضوع الاستصحاب ليس عين الدليل الاجتهادي حتّى يشكّ فيه مع الشكّ في الثاني، و يعلم انتفاؤه مع العلم بانتفائه؛ ضرورة أنّ موضوع الأدلّة الاجتهادية هو العناوين الأوّلية، مثل «الميّت» و «العنب» و «العالم» و غيرها.

و أمّا الاستصحاب فجريانه يتوقّف علىٰ صدق نقض اليقين بالشكّ، و وحدة القضية المتيقّنة و المشكوك فيها.

فإذا أُشير إلىٰ موضوع خارجي كالعنب و يقال: «إنّ هذا الموجود إذا غلىٰ عصيره يحرم» ثمّ يبس و خرج عن عنوان العنبية، لكن بقيت هذيته و تشخّصه عرفاً بحيث يقال: «إنّ هذا الموجود عين الموجود سابقاً و إن تغيّر صفةً»

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 134 135.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 537/ السطر 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 186

فلا شبهة في جريان الاستصحاب فيه مع العلم بتبدّل موضوع الدليل الاجتهادي، كما في المثال؛ لأنّ موضوعه عصير العنب، و هو لا يصدق على الزبيب جزماً، لكن العنب الخارجي متيقّن الحكم بهذيته، لا بمعنى تعلّق الحكم علىٰ عنوان

«هذيته» بل بمعنى تعلّق اليقين بأنّ هذا الموجود الذي هو مصداق العنوان ذو حكم؛ بتشكيل صغرى وجدانية و كبرى اجتهادية.

ففي المقام يصحّ أن يقال مشيراً إلىٰ كفّ الميّت المتصلة به: «إذا مسست هذه يجب عليّ الغسل» فإذا قطعت منه و انفصلت لا تتغيّر إلّا في بعض الحالات، فالقضية المتيقّنة عين المشكوك فيها، و هو الميزان في جريان الاستصحاب، و أمّا تغيير موضوع الدليل الاجتهادي فأجنبي عن جريانه و لا جريانه. و هذا الخلط يسدّ باب جريانه في كثير من الموارد.

و العجب من قوله أخيراً: «إنّ سببية مسّ يده من حيث هو لم تعلم في السابق حتّى تستصحب» «1» لأنّه إذا علم سببيته من حيث هو بلا دخالة شي ء آخر، فيتمسّك بإطلاق الدليل لا الاستصحاب، إلّا مع دعوى قصور الأدلّة عن إثبات الحكم حال الانفصال و لو في الفرض.

ثمّ إنّه لا فرق في اقتضاء الاستصحاب ذلك بين القطعات، كما أشرنا إليه «2». هذا حال الجزء المبان من الميّت.

و أمّا المبان من الحيّ، فمقتضى الاستصحاب عدم إيجابه شيئاً إن قلنا بجريانه في مثل المقام، و إلّا فمقتضى البراءة ذلك. و الخروج في المسألتين عن مقتضى الأصل يحتاج إلى الدليل.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 538/ السطر 1.

(2) تقدّمت في الصفحة 185.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 187

و أمّا الأدلّة الاجتهادية، فما اشتملت علىٰ مسّ الميّت أو مسّ جسده، فلا إشكال في عدم شمولها لمسّ القطعة المنفصلة؛ لعدم صدق «الميّت» و لا «جسده» عليها عرفاً؛ سواء انفصلت من حيّ أو ميّت.

و دعوىٰ إلغاء الخصوصية عرفاً؛ إذ لم يفرّق العرف بين حال الاتصال و الانفصال، فاسدة جدّاً في مثل هذا الحكم التعبّدي المجهول العلّة.

كما أنّ التمسّك بالتعليل

الوارد في رواية «العلل» و غيرها؛ بدعوىٰ أنّ العلّة لوجوب الغسل إذا كانت إصابة نضح الميّت و آفاته، فهي متحقّقة مع الانفصال من الميّت، في غير محلّه؛ لأنّ العلّة فيها غير حقيقية، و لا يكون الحكم دائراً مدارها، و إلّا لزم الالتزام بعدم الوجوب إذا فرض العلم بنظافة الميّت، و عدمِ آفات صورية فيه، و هو كما ترى فتلك العلل ليست معمّمة و لا مخصّصة.

مع أنّ المراد فيها ليس النضح الظاهري، و لا الآفات الظاهرية؛ فإنّها ترتفع بتنظيف اليد المماسّة و تطهيرها، لا بالغسل الذي هو أمر تعبّدي، كما لا يخفى.

و قد يستدلّ «1» لإثبات الحكم للقطعة المنفصلة من الميّت [و الحيّ] بإطلاق مرسلة أيّوب بن نوح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا مقطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم، فقد وجب علىٰ من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه «2».

و لا شبهة في جبرها باتكال الأصحاب عليها قديماً و حديثاً «3»؛ ضرورة أنّ

______________________________

(1) راجع تذكرة الفقهاء 2: 135، الحدائق الناضرة 3: 426.

(2) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1369، وسائل الشيعة 3: 294، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 2، الحديث 1.

(3) راجع تذكرة الفقهاء 2: 135، مستند الشيعة 3: 66، جواهر الكلام 5: 340.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 188

الفتوىٰ بمثل هذا الحكم التعبّدي الذي هو مضمون المرسلة لا يمكن إلّا بالاتكال عليها؛ فإنّ ما في «الفقه الرضوي» «1» مخصوص بالميّت، فلم يكن مستند الحكم في الحيّ، فالخدشة فيها من جهة القطع «2» في غير محلّها.

كما أنّ إطلاقها غير بعيد، سيّما إذا قلنا: بأنّ

الرجل

بكسر

الراء و سكون المعجمة، كما لا يبعد، و لا يكون قوله (عليه السّلام)

فهي ميتة

موجباً لصرفها إلى الحيّ؛ فإنّ المراد بقوله ذلك تنزيل القطعة منزلة الميتة، و إلّا فليس صدق الميتة على العضو حقيقياً.

و كيف كان: لا يبعد الإطلاق. بل لو شكّ في الانصراف بعد شمول اللفظ، و صدق الطبيعة عليهما يشكل رفع اليد عنه بمجرّده؛ لأنّه شكّ في انصراف الكلام عن ظاهره اللغوي. إلّا أن يقال: بأنّ إحراز عدم الانصراف من مقدّمات الأخذ بالإطلاق و هو ممنوع.

و أمّا ما قيل: «من أنّ الرواية و إن انصرفت إلى الحيّ، لكن يلحق به الميّت بالأولوية القطعية» «3».

ففيه: أنّ ذلك موجّه في إيجاب الغسل في مسّ القطعة المشتملة على العظم، لا في عدم إيجاب مسّ القطعة المجرّدة، ففائدة القول بالإطلاق تظهر في ذلك الذي هو مخالف للاستصحاب.

______________________________

(1) في فقه الرضا (عليه السّلام): و إن مسست شيئاً من جسد أكيله السبع فعليك الغسل، إن كان فيما مسست عظم، و ما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسّه.

الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 174، مستدرك الوسائل 2: 492، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 2، الحديث 1.

(2) المعتبر 1: 352.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 537/ السطر 11، مستمسك العروة الوثقى 3: 473.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 189

لكن لو قلنا بانصرافها إلى الحيّ و قد عرفت عدم الأولوية في الفقرة الثانية يلزم منه أن لا تكون مستند المشهور تلك الرواية، فإمّا أن يكون مستندهم «الفقه الرضوي» و هو بعيد، أو يكون الشهرة أو الإجماع المدّعىٰ في «الخلاف» بلا استناد إلى رواية، و هي أيضاً حجّة قاطعة في مثل تلك المسألة المخالفة للقواعد و البعيدة

عن العقول.

نعم، يحتمل في عبارة الخلاف أن يكون قوله: «و كان فيها عظم» راجعاً إلىٰ ما قطعت من الحيّ، حيث قال: «إن مسّ قطعة من ميّت أو قطعة قطعت من حيّ، و كان فيها عظم، وجب عليه الغسل. و خالف جميع الفقهاء في ذلك» «1»، فتكون القطعة المبانة من الميّت مطلقاً مورد دعوى الإجماع. لكن عبارته في «النهاية» صريحة في أنّ القطعة المبانة من الميّت أيضاً مقيّدة باشتمالها على العظم «2»، و منها يرفع الاحتمال من عبارة «الخلاف» بإرجاع القيد إلىٰ كليهما، كما فهم الأصحاب، و لم أجد في كلماتهم احتمال الرجوع إلى الأخير.

فتحصّل ممّا ذكر: قوّة التفصيل بين المشتمل على العظم و بين غيره في الحيّ و الميّت، كما هو معقد إجماع «الخلاف» علىٰ ما استظهرناه.

و في «التذكرة» نسب الخلاف إلى الجمهور، مع التنصيص باشتمال القطعة على العظم من آدمي حيّ أو ميّت، و تمسّك بالمرسلة ناسباً بنحو الجزم إلى الصادق (عليه السّلام) «3»، و هو دليل علىٰ جبرها عنده، بل ثبوت الصدور لديه.

و «هو المشهور» كما عن «جامع المقاصد» «4». و في «الحدائق»

______________________________

(1) الخلاف 1: 701.

(2) النهاية: 53.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 135.

(4) جامع المقاصد 1: 459.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 190

كذلك «1». و في «التذكرة»: «عن الأكثر» «2». و في «روض الجنان»: «هو الأشهر» «3». و في «الجواهر»: «على المشهور بين الأصحاب قديماً و حديثاً، بل لا أجد خلافاً إلّا من الإسكافي، فقيّده في المبان من الحيّ بما بينه و بين سنة «4»، و إلّا من المصنّف في «المعتبر» «5»، و السيّد في «المدارك» «6» فلم يوجباه» «7» انتهىٰ.

و في طهارة شيخنا الأعظم دعوى معروفيته ممّن عدا

المحقّق في «المعتبر» تارة، و مشهوريته و مخالفته للجمهور اخرىٰ «8».

عدم وجوب الغسل بمسّ العظم المبان من الحيّ دون الميّت

ثمّ إنّ الظاهر من الرواية وجوب الغسل بمسّ القطعة المشتملة على العظم، و أمّا مسّ عظم تلك القطعة فهي قاصرة عن إثبات وجوبه به؛ فإنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب علىٰ من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه «9»

رجوع ضمير

يمسّه

إلى الموصول، فيصير المعنىٰ: إذا مسّ ما كان فيه عظم، و الظاهر منه اللحم الذي فيه عظم.

و يؤكّده قوله (عليه السّلام)

فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه

لأنّ الظاهر أنّ

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 341.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 134 135.

(3) روض الجنان: 113/ السطر 23.

(4) انظر مختلف الشيعة 1: 151.

(5) المعتبر 1: 352 353.

(6) مدارك الأحكام 2: 280.

(7) جواهر الكلام 5: 340.

(8) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 320/ السطر 25.

(9) تقدّم في الصفحة 187.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 191

الموضوع في كليهما مسّ ما كان مشتملًا عليه. و الحمل على اشتمال الكلّ على الجزء خلاف الظاهر جدّاً.

بل لا يبعد أن يكون ذلك ظاهر كلمات الفقهاء، كالشيخ و العلّامة «1» و غيرهما؛ فإنّهم عبّروا بمثل الرواية أو قريباً منها، فمسّ العظم من القطعة المبانة من الحيّ لا يوجب شيئاً على الأقرب، فضلًا عن العظم المجرّد منه.

نعم، العظم المبان من الميّت يوجبه؛ مجرّداً كان أو لا؛ لما تقدّم من الأصل «2»، و لإشعار ما دلّت علىٰ أنّ العظام يجب غسلها «3»؛ بعد ما يظهر من الروايات أنّ غسل المسّ لنحو من السراية «4».

و لا فرق بين الضرس و الظفر و غيرهما. و دعوى السيرة القطعية علىٰ عدم الغسل بملاقاتهما في الميّت «5» كما ترى،

نعم هي في الحيّ في محلّها.

توقّف وجوب الغسل علىٰ برودة القطعة المبانة من الحيّ و الميّت

ثمّ إنّ الأظهر اعتبار حصول البرد في القطعة المبانة من الحيّ أو الميّت؛ لظهور الرواية في أنّ إيجاب مسّها للغسل، متفرّع على التنزيل منزلة الميّت، فهي باعتبار كونها ميتة في نظر الشارع يوجب مسّها الغسل، فلا محالة يعتبر فيها ما يعتبر في الميّت.

______________________________

(1) النهاية: 53، تذكرة الفقهاء 2: 135.

(2) تقدّم في الصفحة 185.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 134، كتاب الطهارة، أبواب صلاة الجنازة، الباب 38، الحديث 1 و 5.

(4) راجع ما تقدّم من الروايات في الصفحة 173.

(5) جواهر الكلام 5: 342.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 192

و احتمال أن يكون التنزيل في النجاسة فقط؛ باعتبار لفظ

الميتة

التي لا تطلق على الإنسان، و باعتبار التفصيل بين ذي العظم و غيره، غير وجيه؛ لظهور الرواية في أنّ إيجاب المسّ للغسل متفرّع علىٰ كونها ميتة، و هي قرينة علىٰ أنّ

الميتة

هاهنا مستعملة في الإنسان لو سلّم عدم استعمالها فيه. مع أنّه غير مسلّم و إن لا يبعد انصرافها إليه عند الإطلاق.

و بالجملة: ظهور التفريع محكّم علىٰ ذلك و علىٰ إشعار التفصيل بأنّ الحكم ليس للميّت، فالأظهر اعتبار البرودة، كما أنّ الأظهر اعتبار كونه قبل الغسل.

الفرع الثاني في حكم ما يوجد في المقابر

لو وجد ميّت أو جزء منه في مقبرة، فإمّا أن تكون المقبرة للمسلمين، أو لغيرهم، أو مشتركة بينهما، أو غير معلومة الحال، فعلى أيّ تقدير إنّ الأصل يقتضي وجوب الغسل بمسّه؛ و إن يقع الكلام في جريانه موضوعاً أو حكماً.

توضيحه: أنّه إن قلنا بأنّ موضوع وجوبه بحسب الأدلّة مسّ الميّت قبل غسله؛ بدعوىٰ دلالة مكاتبة الصفّار عليه، إذ فيها

إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل، فقد يجب عليك الغسل «1»

، و مفهوم صحيحتي محمّد بن مسلم و

عبد اللّٰه بن سِنان، إذ قال (عليه السّلام) فيهما

لا بأس أن يمسّه بعد الغسل و يقبّله «2»

؛ لأنّ مفهومه عرفاً أنّ قبل الغسل فيه بأس، فلا يجري استصحاب

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1368، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 5.

(2) تقدّم تخريجهما في الصفحة 170.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 193

عدم غسله لإثبات كون المسّ قبل الغسل؛ لكونه مثبتاً، و أمّا الاستصحاب الحكمي التعليقي فلا مانع منه، و قد قلنا بجريانه في مثل المقام «1».

و إن قلنا: بأنّ موضوعه هو الميّت الذي لم يغسّل كما هو الأقرب فلا مانع من الاستصحاب الموضوعي، سواء في الميّت أو العضو منه؛ و إن قلنا بأنّ الغُسل من واجبات الميّت لا العضو؛ لصحّة أن يقال: «إنّ هذا العضو كان في زمان لم يغسّل صاحبه، و الآن كما كان» و الفرض أنّ عدم غسل الميّت موضوع لوجوب الغسل بمسّ أعضائه شرعاً. و بهذا يظهر جريانه فيما وجد في مقبرة الكفّار. و كذا لو وجد الميّت في المقبرة المشتركة، أو مجهولة الحال.

و أمّا إذا وجد عضو منه في المقبرة المشتركة، فيدور الأمر بين كون هذا العضو من معلوم الاغتسال، أو من معلوم العدم، فحينئذٍ إن قلنا: بأنّ الغُسل صفة الميّت لا العضو، فيقع الإشكال في الأصل الموضوعي، نظير الإشكال في أصالة عدم التذكية في العضو المردّد في أخذه من معلوم التذكية أو معلوم العدم: بأنّ الأصل غير جارٍ بالنسبة إلىٰ نفس الحيوانين؛ لعدم الشكّ فرضاً فيهما، و لا في العضو؛ لعدم كون التذكية من صفاته، و لا أصل يثبت كونه من أحد القسمين.

و قد يقال بجريان الموضوعي فضلًا عن

الحكمي؛ فإنّ هذا العضو كان في زمان لم يغسّل صاحبه، فيستصحب. و بهذا التقرير يمكن إجراؤه في المثال المتقدّم؛ فإنّ هذا العضو لم يكن صاحبه مذكّى في زمان، و الفرض أنّ عدم تذكية الحيوان موجب شرعاً لحرمة أجزائه، و عدمِ صحّة الصلاة فيها.

و فيه إشكال؛ لأنّ صاحب هذا العضو ليس مشكوكاً فيه حتّى يجري الاستصحاب فيه، بل الشكّ في أخذ هذا العضو من هذا المعلوم أو ذاك، و لا أصل محرز له.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 185.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 194

و قد يقال: بأنّ ما وجد في مقبرة المسلمين محكوم بالتغسيل؛ فإنّ الغلبة كافية في إحراز كونه منهم، و إحراز جريان يدهم عليه بمثل الدفن و الكفن، بل و إحراز كونه مغسّلًا، سيّما مع شدّة اهتمام المسلمين في أمر موتاهم و تجهيزها، و خلوّ مقابرهم من سائر الأموات، بل و شدّة اهتمام سائر الطوائف في اختصاص مقابرهم بموتاهم، و عدمِ التدفين في مقابر غيرهم، و مثل هذه الغلبة حجّة.

بل مع إحراز جريان يد المسلمين عليه من تكفينه و تدفينه يحكم بطهارته و عدم الغسل بمسّه لكون تصرّفهم من قبيل تصرّف ذي اليد فيما يتعلّق به تصرّفاً مشروطاً بالطهارة؛ فإنّه كإخباره بالطهارة حجّة شرعية حاكمة على الاستصحاب «1».

و فيه: أنّ مجرّد الغلبة أو بناء العقلاء علىٰ عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف، لا يوجب الحجّية إلّا مع انضمام عدم ردع من الشارع الكاشف عن رضائه به، و هو مفقود في المقام؛ لعدم إحراز وجوده في زمان الشارع الصادع (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو أئمّة الهدىٰ (عليهم السّلام) و عمل العقلاء على طبقه و لم يردع عنه الشارع.

و إن شئت قلت:

إمضاء بناء العقلاء ليس بدليل لفظي يتمسّك بإطلاقه، بل يحرز لأجل السكوت عمّا يعمل العقلاء بمرءىٰ و منظر من الشارع، فهو كاشف قطعي عن الرضا به، كالعمل بخبر الثقة و اليد و أصالة الصحّة، و أمّا في مثل المقام الذي يكون نادر الاتفاق، و لم يعلم تحقّقه في زمانه و ارتضائه به، فلا يمكن الحكم بحجّية الغلبة أو بناء العقلاء؛ لعدم الدليل على الإمضاء.

نعم، مع حصول الاطمئنان الشخصي لا كلام فيه؛ لأنّه علم عادي، و هو غاية للاستصحاب.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 538/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 195

و منه يظهر ما في دعوى السيرة «1»؛ لعدم إحراز اتصالها بزمنهم، على فرض تسليم تحقّقها، و عدم القول: بأنّ عدم اعتنائهم لحصول العلم و لو عاديا على اغتسال ما وجد.

و أمّا دعوى: أنّ تصرّف المسلم فيما يكون مترتّباً على الغسل كتصرّف ذي اليد، و هو بمنزلة إخباره.

ففيها: بعد تسليم كون تصرّفه كتصرّف ذي اليد، و أنّ تصرّف ذي اليد مطلقاً حجّة أنّه لا يسلّم كونه كإخباره بالطهارة؛ فإنّ غاية ما في الباب أنّ تصرّفه في الدفن كان موافقاً لوظيفته، و هو لا يكفي في دفع احتمال كون ترك الغسل و التيمّم لعذر، فلا بدّ في دفعه من التشبّث بالغلبة و بناء العقلاء علىٰ عدم الاعتناء، و قد عرفت ما فيه.

فالأحوط لو لم يكن أقوى وجوب الغسل بمسّه إلّا مع الاطمئنان، كما هو حاصل غالباً.

الفرع الثالث وجوب الغسل بمسّ السقط بعد ولوج الروح فيه لا قبله

السقط بعد ولوج الروح كغيره يجب في مسّه الغسل؛ لصدق «الميّت» عليه بلا إشكال.

كما لا إشكال في عدم الوجوب قبله؛ لعدم الصدق، فإنّ «الميّت» ما زال عنه الروح، لا ما لم يلج فيه و لو مع شأنيته.

و مقتضى الأصل طهارته و إن حكي عن

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 343.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 196

العلّامة التصريح بوجوب غسل اليد منه «1»، و عن النراقي عدم الخلاف فيه «2»، لكن إثبات الحكم به مشكل، بل ممنوع.

و دعوىٰ: أنّ نجاسته لكونه قطعة مبانة من الحيّ «3»، كما ترى؛ لأنّه ليس قطعة من امّه، و علىٰ فرضه لا يكون ممّا تحلّه الحياة.

و دعوىٰ حلول روح الامّ فيه قبل حلول روحه، و بحلوله زال روحها «4»، مجازفة مقطوعة الخلاف، و لا أقلّ من الشكّ فيه، و الأصل معه الطهارة.

كما أنّ دعوى استفادة نجاسته من قوله (عليه السّلام)

ذكاة الجنين ذكاة أُمّه «5»

؛ بدعوىٰ أنّ الظاهر منه قبول الجنين للتذكية، و أنّ ما عدا المذكّى ميتة شرعاً «6»، غير وجيهة؛ فإنّ قوله ذلك لا يثبت إلّا أنّ تذكية ما يحتاج إلى التذكية بتذكية أُمّة، لا أنّ لكلّ جنين تذكية حتّى يقال: إذا لم يذكَّ يكون ميتة.

و بالجملة: لا تدلّ الرواية علىٰ أنّ لكلّ جنين تذكيةً، بل تدلّ علىٰ أنّ ما فرض قبوله لها تكون تذكيته بتذكية امّه.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الموضوع المفروض ما يمكن أن تقع عليه التذكية، لا مطلق الجنين

.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 128/ السطر 10.

(2) اللوامع 1: 43 (مخطوط).

(3) جواهر الكلام 5: 345.

(4) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 538/ السطر 26.

(5) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 124/ 1، وسائل الشيعة 24: 36، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 18، الحديث 12.

(6) مصباح الفقيه، الطهارة: 538/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 197

الدم
اشارة

الخامس من النجاسات: الدم، و نجاسته في الجملة واضحة. بل يظهر منهم

أنّها إجماعية بين المسلمين، بل قيل: «إنّها من ضروريات الدين» «1».

لكن لمّا كان بعض مصاديقه محلّ الشبهة- كالعلقة و دم البيضة و المخلوق آية و المصنوع بتركيب أجزائه لو فرض اصطناعه إلىٰ غير ذلك فلا بدّ من النظر في الأدلّة؛ حتّى يعلم أنّ الأصل في الدم النجاسة، و الاستثناءَ يحتاج إلىٰ دليل، أو العكسُ و إلحاقَ المورد المشكوك فيه يحتاج إليه.

الاستدلال علىٰ أصالة النجاسة في الدم مطلقاً و ما فيه

و قد استدلّ «2» على نجاسته مطلقاً بالآية الكريمة قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ «3».

بناءً علىٰ كون «الرجس» بمعنى النجس، و عودِ الضمير إلىٰ جميع ما تقدّم.

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 354.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 344/ السطر 13.

(3) الأنعام (6): 145.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 198

و فيه تأمّل حتّى بعد تسليم الأمرين كما لا يبعد؛ فإنّ «الرجس» علىٰ ما نصّ عليه أهل اللغة هو القذر «1»، و هو عرفاً بمعنى النجس و إن قيل: «إنّه أعمّ» «2».

و علىٰ فرض أعمّيته لا يبعد دعوى: أنّه في الآية بمعناه، كما حكي عن شيخ الطائفة في «التهذيب»: «أنّ الرجس هو النجس بلا خلاف» «3»، و قيل: «ظاهره أنّه لا خلاف بين علمائنا في أنّه في الآية بمعنى النجس» «4».

و لا يبعد استظهاره من الآية بأن يقال:

إنّ ما قيل في معنى «الرجس» لا يناسب في الآية إلّا القذارة بالمعنى الأعمّ؛ أي ما يقابل النظافة، و لا ريب في أنّ لحم الخنزير الذي هو المتيقّن في عود الضمير إليه لا يكون غير نظيف عرفاً، و إنّما يستقذره المسلمون للتلقين الحاصل لهم تبعاً للشرع، و حكمِه بنجاسته و

حرمته، لا لقذارة فيه عند العرف و العقلاء، و ليس استقذارهم منه إلّا كاستقذارهم من الكافر و الخمر و الكلب.

فلا مجال في حمل الآية على القذارة العرفية المقابلة للنظافة، و مع عدم إرادة ذلك يتعيّن الحمل على النجاسة بالمعنى المعهود شرعاً؛ إذ لا يتناسب شي ء آخر ممّا ذكر في معناه يصحّ الانتساب إليه، كالقذارة المعنوية، مع بُعدها عن الأذهان.

______________________________

(1) راجع القاموس المحيط 2: 227، الصحاح 3: 933.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 309، ذخيرة المعاد: 149/ السطر 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 278، ذيل الحديث 816.

(4) انظر مجمع البحرين 4: 74.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 199

و يؤيّد ذلك ما ورد في الكلب: أنّه

رجس نجس «1»

، و في الخمر

لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس «2».

بل لا يبعد أن يكون «الرجس» بمعنى النجس و القذر، و إطلاقه علىٰ مثل الأوثان و الميسر و الأنصاب و الأزلام بنحو من التوسعة. بل لا يبعد أن يكون الشرع و العرف موافقين في مفهومه؛ و إن ألحق الشارع بعض ما ليس بقذر عرفاً به، و استثنىٰ بعض ما يستقذره العرف عنه.

و كيف كان: دعوى ظهور الرجس في النجس المعهود و لو بواسطة القرائن الداخلية و الخارجية غير مجازفة.

كما لا يبعد عود الضمير إلىٰ جميع المذكورات بواسطة القرينة؛ بأن يقال: إنّ الظاهر من الآية تعليل حرمة الأكل بما ذكر، و هو لا يناسب قصره على الأخير.

و دعوى عدم احتياج الأوّلين إلى التعليل؛ لاستقذار الناس منهما دون الأخير؛ ضرورة أنّ النهي عن أكلهما لردع الناس عنه، و مع استقذارهم لا يحتاج إليه كما ترى، سيّما إذا كان المراد ب «الميتة» غير المذكى، لا ما مات حتف أنفه، فإنّه ليس

بمستقذر عندهم رأساً. و في «المجمع» إرجاع الضمير إلى جميع المذكورات بلا احتمال خلاف «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 405/ 5، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 4.

(3) مجمع البيان 4: 583.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 200

لكن مع ذلك استفادة الإطلاق من الآية، مشكلة بعد كونها بصدد بيان حرمة أكل المذكورات؛ و ذلك لأنّ الدم مطلقاً و بجميع أنواعه، ليس مأكولًا أو متعارف الأكل، فالمستفاد منها بعد تسليم ما تقدّم هو نجاسة الدم المطعوم لا مطلقه.

بل لو أُغمض عن ذلك يمكن منع الإطلاق في المستثنىٰ؛ بدعوىٰ عدم كونها في مقام بيان حكمه، بل الظاهر كونها بصدد بيان العقد السلبي؛ و أنّه لم يوجد- غير المذكورات محرّم، لا بصدد بيان حرمة المذكورات حتّى يؤخذ بإطلاقها في المشتبهات.

إلّا أن يقال: إنّ تقييد الدم ب «المسفوح» و تعليل المذكورات بقوله تعالىٰ فَإِنَّهُ رِجْسٌ دليل علىٰ كونها بصدد بيان المستثنىٰ و عنايتها بحكمه أيضاً، فيؤخذ بإطلاقها.

و فيه تأمّل؛ لأنّ القيد علىٰ فرض قيديته لعلّه لأجل تعارف أكل المسفوح. و يحتمل أن يكون التعليل لبيان أنّ حرمتها ليست إلّا لنجاستها لا لعناوينها، تأمّل.

و أمّا الروايات: فعلى كثرتها لم أجد فيها ما يمكن الاتكال علىٰ إطلاقها إلّا النبوي

يغسل الثوب من المنيّ و الدم و البول «1».

و رواية «دعائم الإسلام» عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام): أنّهما قالا في الدم يصيب الثوب

يغسل كما تغسل النجاسات «2».

______________________________

(1) راجع ذكرى الشيعة 1: 111، سنن الدارقطني 1: 127، السنن الكبرى، البيهقي 1: 14.

(2) دعائم الإسلام 1: 117، مستدرك

الوسائل 2: 565، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 15، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 201

و هما ضعيفان سنداً؛ إذ لم يحرز اتكال القوم عليهما، بل الظاهر عدم استنادهم إليهما.

و ربّما يحتمل في الثانية كونها بصدد بيان كيفية غسل الدم لا أصله، و هو كما ترى، سيّما مع اختلاف النجاسات في كيفية التطهير.

و أمّا سائر الروايات فلا إطلاق فيها؛ لكونها بصدد بيان أحكام أُخر، كموثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و فيها: فقال

كلّ شي ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه، إلّا أن ترى في منقاره دماً، فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضّأ منه و لا تشرب «1».

فإنّها بصدد بيان سؤر الطيور لا نجاسة الدم، فكأنّه قال: «سؤر الطير لا بأس به إلّا أن يتنجّس بالدم».

و نظيرها رواية زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): بئر قطرت فيه قطرة دم أو خمر، قال

الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كلّه واحد؛ ينزح منه عشرون دلواً، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب «2».

فإنّها في مقام بيان حكم البئر لا الدم.

إلىٰ غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في بيان أحكام الصلاة و الماء و المكاسب المحرّمة و آنية أهل الكتاب و غيرها ممّا لا مجال لتوهّم الإطلاق فيها.

و أمّا رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ عليّاً (عليه السّلام) لا يرى بأساً

______________________________

(1) الكافي 3: 9/ 5، وسائل الشيعة 1: 230، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 4، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 241/ 697، وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 202

بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل يعني دم السمك «1».

فلا إطلاق فيها بالنسبة إلىٰ ما يذكّى؛ لأنّه بصدد بيان نفي البأس عمّا لم يذكّ، لا إثبات البأس فيما يذكّى.

ثمّ إن قلنا بعدم الإطلاق في الروايات، فكما لا يمكن التمسّك بها لإثبات نجاسة مطلق الدم، لا يمكن التمسّك بها لإثبات نجاسة دم ما له نفس سائلة، فلو شكّ في نجاسته ما دام كونه في الباطن، أو في نجاسة العلقة إن قلنا: بأنّها لذي النفس، أو في بعض أقسام الدم المتخلّف، كالمتخلّف في القلب و الكبد، أو في العضو المحرّم، أو المتخلّف في الحيوان غير المأكول، لا تصلح تلك الروايات لرفع الشكّ فيها.

و دعوىٰ: أنّ الناظر في تلك الروايات الكثيرة في الأبواب المختلفة، لا يشكّ في أنّ نجاسة الدم مطلقاً كانت معهودة مفروضة التحقّق لدى السائل و المسؤول «2»، كما تشهد به صحيحة أبي بصير قال: دخلت علىٰ أبي جعفر (عليه السّلام) و هو يصلّي، فقال لي قائدي: إنّ في ثوبه دماً، فلمّا انصرف قلت له: إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً، فقال

إنّ بي دماميل، و لست أغسل ثوبي حتّى تبرأ «3».

في غير محلّها؛ لأنّ المسلّم من معهوديتها إنّما هو بنحو الإجمال لا الإطلاق، كما هو واضح، و أمّا الرواية فلا تدلّ على معهوديتها مطلقاً؛ فإنّ الدم

______________________________

(1) الكافي 3: 59/ 4، وسائل الشيعة 3: 436، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 2.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 540/ السطر 20.

(3) الكافي 3: 58/ 1، وسائل الشيعة 3: 433، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 203

في

ثوبه لم يكن إلّا من دمه الشريف عادة أو نظيره، و لم يحتمل الناظر غير ذلك، كدم العلقة أو المخلوق آية.

كدعوىٰ: إلغاء الخصوصية عرفاً من الروايات الواردة في دم الرعاف و حكّة الجلد و غيرهما «1»؛ فإنّ إلغاء الخصوصية إنّما هو فيما لا حتمل خصوصية عرفاً، و أمّا مع احتمال أنّ للدم الظاهر أو في الأجزاء الأصلية خصوصيةً، فلا مجال لإلغائها.

مع إمكان أن يقال: إنَّ إلغاء الخصوصية إنّما هو فيما إذا كانت الروايات بصدد بيان نجاسة الدم، و أمّا بعد مفروضية نجاسته و السؤال عن حال الابتلاء به، فلا مجال لإلغائها.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأصل في الدم الطهارة إلّا أن يدلّ دليل علىٰ نجاسته.

نجاسة الدم الخارج من ذي النفس

و الظاهر أنّ دم ما له نفس سائلة مع خروجه إلى الظاهر، ممّا لا كلام و لا إشكال في نجاسته، و قد ادعي الإجماع في الدم من ذي النفس السائلة في محكي «المختلف»، و «الذكرى»، و «كشف الالتباس»، و «شرح الفاضل» «2». و عن «الغنية» و «التذكرة»: «لا خلاف فيه» «3».

و عن «المنتهىٰ» و «نهاية الإحكام» و «المعتبر» و «المدارك» و «الدلائل»

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 540/ السطر 6.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 137/ السطر 17، مختلف الشيعة 1: 314، ذكرى الشيعة 1: 112، كشف الالتباس: 206/ السطر 18 (مخطوط).

(3) غنية النزوع 1: 41، تذكرة الفقهاء 1: 56.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 204

«هو مذهب أصحابنا» «1» مع استثناء ابن الجنيد في الثلاثة الأخيرة، و نقل عنه: «الدماء كلّها تنجّس الثوب بحلولها فيه، و أغلظها نجاسةً دم الحيض» «2».

لكن يظهر من جماعة التقييد بالمسفوح، فعن الحلّي الاستدلال علىٰ طهارة دم السمك و نحوه: «بأنّه ليس بمسفوح». و

عنه أيضاً: «الدم الطاهر هو دم السمك و البراغيث و ما ليس بمسفوح» «3».

و قد نسب العلّامة في «المنتهي» التقييد به إلىٰ علمائنا قال: «قال علماؤنا: الدم المسفوح من كلّ حيوان ذي نفس سائلة أي يكون خارجاً بدفع من عرق نجس، و هو مذهب علماء الإسلام؛ لقوله تعالىٰ قُلْ لٰا أَجِدُ .. «4» إلىٰ آخره.

و قال: «دم السمك طاهر، و هو مذهب علمائنا إلىٰ أن قال-: و قوله تعالىٰ دَماً مَسْفُوحاً و دم السمك ليس بمسفوح» «5».

و الظاهر أنّ كلّ من قيّد الدم به إنّما هو بتبع الآية الكريمة، كما ترى تمسّك العلّامة بها، فالأولىٰ عطف الكلام علىٰ مفادها.

فنقول: إنّ في بادئ النظر و إن احتمل أن يكون التوصيف ب «المسفوح» للاحتراز عمّا لا يخرج من العرق صبّاً و إهراقاً بدفع، في مقابل الرشح، كدم السمك و غيره ممّا لا نفس سائلة له، أو للاحتراز عن الدم المتخلّف في الذبيحة، أو

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 137/ السطر 19، منتهى المطلب 1: 163/ السطر 3، نهاية الإحكام 1: 268، المعتبر 1: 420، مدارك الأحكام 2: 281.

(2) انظر مختلف الشيعة 1: 314.

(3) السرائر 1: 174.

(4) الأنعام (6): 145.

(5) منتهى المطلب 1: 163/ السطر 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 205

للاحتراز عن الدم في الباطن مقابل الظاهر، أو للاحتراز عن جميع المذكورات، لكنّ الأقرب عدم قيدية الوصف؛ لأنّ ما هو المتعارف أكله هو الدم المسفوح؛ أي الدم المأخوذ من الذبائح دون سائر الدماء، و معه لا يصلح القيد للاحتراز.

مضافاً إلىٰ أنّ الاستثناء لمّا كان من حرمة الأكل، لإيراد بالقيد الاحترازُ عن المذكورات و إثباتُ الحلّية لسائر أقسام الدم المقابل للمسفوح و لا أظنّ

من أحد احتمال حلّية دم خرج من عرق حيوان بلا صبّ و دفع تمسّكاً بالآية الكريمة.

نعم، لو قيل: بأنّ المراد ب «غير المسفوح» هو ما اختلط باللحم ممّا لا يتعارف الاحتراز عنه أو لا يمكن، لكان له وجه، لكنّه خلاف ظاهر القيد؛ فإنّ الظاهر منه- كما مرّ في كلام العلّامة هو ما خرج بدفع من العرق.

و الإنصاف: أنّ فهم القيدية و احترازية الوصف مشكل، و معه لا يجوز التمسّك بها لطهارة ما في الباطن أو المتخلّف في الذبيحة، و إن لا تدلّ علىٰ نجاستهما أيضاً؛ لأنّ عدم احترازية القيد لا يلازم الإطلاق.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ المدّعىٰ أنّ الآية حرّمت ما يتعارف بينهم أكله؛ أي الدم المسفوح، و التقييد للتعارف لا للاحتراز، فتكون ساكتة عن حكم غيره إثباتاً و نفياً.

هذا كلّه مع عدم المفهوم للوصف، فلا تدلّ علىٰ حلّية غير محلّ الوصف، فضلًا عن طهارته، فالاستدلال لطهارة دم السمك أو المتخلّف بالآية في غير محلّه، سيّما مع القول بحرمة دمهما إذا لم يكن تبعاً للّحم.

و بهذا كلّه ظهر عدم صلاحية القيد في الآية لتقييد قوله تعالىٰ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ «1». و للمسألة محلّ آخر.

______________________________

(1) المائدة (5): 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 206

طهارة الدم المخلوق آيةً و الصناعي و الموجود في البيضة

ثمّ إنّ المتفاهم أو المتيقّن من معاقد الإجماعات؛ نجاسة الدم الخارج من حيوان له نفس سائلة، و التقييد بالمسفوح في كلام الحلّي و العلّامة و غيرهما، ليس لإخراج مثل دم الرعاف و الدماميل بالضرورة، بل لإخراج المتخلّف و ما لا نفس له؛ ضرورة نجاسة المذكورات نصّاً و فتوى، فمثل الدم المخلوق آية أو الصناعي- فرضاً ليس مشمولًا لها، كما لا تشمل الدم الذي يوجد في البيضة؛ فإنّه

ليس دم الحيوان، و الأصل فيه الطهارة.

و دعوىٰ: غلبة الظنّ بمعهودية نجاسة مطلق الدم في الشريعة، عهدتها علىٰ مدّعيها. مع أنّ الظنّ لا يدفع الأصل إلّا أن يكون حجّة شرعية.

كدعوىٰ: مغروسية نجاسة مثله في أذهان المتشرّعة؛ بحيث أمكن دعوى تلقّيه من الشارع الأقدس «1»، فإنّها بلا بيّنة.

نجاسة العلقة من ذي النفس لا البيضة

و كذا العلقة غير معلومة الشمول للإجماع؛ لأنّ الظاهر من دم الحيوان غيرها، فإنّها نطفة تبدّلت بالعلقة، فلا تكون دم الامّ عرفاً، و لا دم الحيوان الذي تنقلب إليه بعد حين.

لكنّ الشيخ ادعىٰ في «الخلاف» إجماعَ الفرقة علىٰ نجاستها، و استدلّ لها أيضاً بإطلاق الأدلّة «2».

و يظهر من المحقّق و العلّامة و محكيّ غيرهما التمسّك لها بأنّها دم، أو دم

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 541/ السطر 1.

(2) الخلاف 1: 490.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 207

ذي نفس «1»، و من ذلك ربّما توهن دعوى إجماع «الخلاف».

و لعلّ مراد القاضي في محكيّ «المهذب» من «أنّه الذي يقتضيه المذهب» «2» ظاهر الأدلّة.

لكن مع ذلك الأحوط نجاستها، بل لا تخلو من ترجيح.

و أمّا العلقة في البيضة، فغير معلومة الشمول لإجماع «الخلاف» بل الظاهر عدم إطلاق «العلقة» عليها حقيقة، و لا أقلّ من انصرافها عنها، فالأقوىٰ طهارتها.

طهارة الدم المتخلّف في الحيوان

كما أنّ الحكم بطهارة الدم المتخلّف، لا يحتاج إلىٰ إقامة برهان بعد قصور الأدلّة اللفظية عن إثبات نجاسة مطلق دم ذي النفس، و عدم دليل آخر علىٰ نجاسته و إن قام الدليل علىٰ طهارته.

كما عن «المختلف» و «كنز العرفان» و «الحدائق» و «آيات الجواد» دعوى الإجماع عليها «3» و إن كان في معقد بعضها قيد.

و عن المجلسي و صاحب «كشف اللثام» و «الذخيرة» و «الكفاية» عدم الخلاف فيها «4».

______________________________

(1) المعتبر 1: 422، تذكرة الفقهاء 1: 57، جامع المقاصد 1: 167.

(2) القول لابن فهد الحلّي في المهذّب البارع 4: 222، و قد نسب إلى المهذّب في مفتاح الكرامة 1: 138/ السطر 7.

(3) مختلف الشيعة 1: 315، كنز العرفان 2: 300، الحدائق الناضرة 5: 45، مسالك الأفهام إلىٰ آيات الأحكام

4: 151.

(4) بحار الأنوار 77: 86، كشف اللثام 1: 407، ذخيرة المعاد: 149/ السطر 14، كفاية الأحكام: 12/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 208

بل هو الظاهر من «الجواهر» «1» أيضاً، و عن أطعمة «المسالك»: «أنّ ظاهرهم الاتفاق عليه» «2».

نعم، استثنىٰ بعضهم ما في الجزء المحرّم كالطحال «3»؛ بزعم أنّ حرمة أكله ملازمة لنجاسته، و هو كما ترى. أو بزعم إطلاق أدلّة نجاسة الدم، و قصورِ دليل الإخراج، و قد مرّ ما فيه «4».

هذا مع استقرار السيرة علىٰ عدم الاجتناب عنه و عن اللحم الملاقي له، من غير فرق بين دم القلب و الكبد و الطحال و غيرها، و بين الدم الظاهر الخارج منها و المخلوط بها، فما عن بعضهم من احتمال الفرق أو اختياره «5»، في غير محلّه.

و لو نوقش في شمول معقد الإجماع لبعض المذكورات، أو ثبوت السيرة في بعض، فلا مجال للمناقشة في الأصل بعد ما تقدّم من فقد الإطلاق «6». مع أنّ المناقشة في السيرة لعلّها في غير محلّها.

كما أنّ مقتضى الأصل طهارة المتخلّف في الحيوان المحرّم. لكن عن «البحار» و «الذخيرة» و «الكفاية» و شرح الأُستاذ: «أنّ ظاهر الأصحاب الحكم بنجاسته في غير المأكول» «7»، و ثبوت الحكم بمثله مشكل، لكنّ الاحتياط لا ينبغي تركه.

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 363.

(2) مسالك الأفهام 12: 78.

(3) انظر جواهر الكلام 5: 363، جامع المقاصد 1: 163، روض الجنان: 163/ السطر 7.

(4) تقدّم في الصفحة 202.

(5) انظر مشارق الشموس: 305/ السطر 17، مصباح الفقيه، الطهارة: 541/ السطر 35.

(6) تقدّم في الصفحة 202.

(7) بحار الأنوار 77: 86، ذخيرة المعاد: 149/ السطر 19، كفاية الأحكام: 12/ السطر 4، مصابيح الظلام 1: 433/

السطر 17 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 209

طهارة دم ما لا نفس سائلة له
اشارة

كما أنّ طهارة دم ما لا نفس سائلة له، لا تحتاج إلىٰ تجشّم استدلال بعد ما عرفت؛ و إن تكرّر نقل الإجماع عليها من السيّد، و الشيخ، و ابن زهرة، و الحلّي، و المحقّق، و العلّامة، و الشهيدين، و غيرهم «1».

و تشهد لبعضها السيرةُ المستمرّة، و روايةُ السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل يعني دم السمك- «2».

و كون التفسير من أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) غير معلوم، فتدلّ علىٰ عدم البأس في مطلق ما لم يذكّ، تأمّل.

بل لا يبعد صحّة الاستدلال ببعض الروايات الواردة في ماء البئر و المياه، كموثّقتي عمّار «3» و حفص بن غياث «4».

فما يظهر من بعضهم كالمحكي عن «المبسوط» و «الجمل» و «المراسم»

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 26، الخلاف 1: 476، غنية النزوع: 1: 41، السرائر 1: 174، المعتبر 1: 421، منتهى المطلب 1: 163/ السطر 11، ذكرى الشيعة 1: 112، روض الجنان: 163/ السطر 4، جواهر الكلام 5: 363.

(2) تقدّمت في الصفحة 205.

(3) تهذيب الأحكام 1: 230/ 665، وسائل الشيعة 3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 1، و قد تقدّم أيضاً في الصفحة 73 و 111 112.

(4) تهذيب الأحكام 1: 231/ 669، وسائل الشيعة 1: 241، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 10، الحديث 2، و قد تقدّم أيضاً في الصفحة 74 و 112.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 210

و «الوسيلة» «1» ممّا يوهم النجاسة و إن عفي

عنه علىٰ فرض ثبوته، لعلّه لزعم قصور الأدلّة عن إثبات طهارتها بعد إطلاق أدلّة النجاسة؛ لأنّ نفي البأس أعمّ من الطهارة، فلا يدلّ إلّا على العفو، و هو مقتضى الجمع بين الأدلّة و الاقتصار علىٰ تقييد المطلقات و تخصيص العمومات.

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّ المتفاهم من نفي البأس في المقام الطهارة أنّه لا إطلاق و لا عموم في الأدلّة كما مرّ مراراً «2» حتّى يأتي فيها ما ذكر.

فرع: في طهارة الدم المشكوك فيه

المشكوك في كونه دماً أو غيره، أو كونه ممّا له نفس أو غيره، أو من الدم المتخلّف أو غيره، محكوم بالطهارة؛ للأصل بعد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة الدم مطلقاً، فلا مجال للتشبّث بترك الاستفصال «3» في الروايات الكثيرة الواردة في الدم، كقوله: «بئر قطرت فيه قطرة دم» «4».

و قوله (عليه السّلام)

فإن رأيت في منقاره دماً «5».

و قوله (عليه السّلام)

إن رأيت في ثوبك دماً «6».

______________________________

(1) المبسوط 1: 35، الجمل و العقود، ضمن الرسائل العشر: 170 171، المراسم: 55، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 76.

(2) تقدّم في الصفحة 200 203.

(3) جواهر الكلام 5: 357.

(4) تقدّم في الصفحة 201.

(5) تقدّم في الصفحة 201.

(6) السرائر 3: 592، وسائل الشيعة 3: 483، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 44، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 211

و قوله: «فأصاب ثوباً نصفه دم» «1»، و غيرها.

ضرورة أنّ ترك الاستفصال دليل العموم أو الإطلاق؛ فيما إذا كان المتكلّم في مقام بيان الحكم، و تلك الروايات في مقام بيان أحكام أُخر.

و بعبارة اخرىٰ: أنّه بعد فرض نجاسة قسم من الدم، سأل فيها عن الابتلاء بما هو نجس، و في مثله لا معنىٰ للاستفصال، و لا وجه لتوهّم العموم مع تركه.

و هذا الإشكال

مشترك الورود في جميع الروايات، و يختصّ بعضها بإشكال أو إشكالات لا مجال لعدّها بعد ضعف أصل الدعوىٰ.

ثمّ علىٰ فرض تسليم كون الأدلّة أو بعضها في مقام البيان، لكن لا مجال لتوهّم العموم اللفظي فيها؛ لفقدانه جزماً، فلا يكون في المقام إلّا الإطلاق المتوهّم، و التمسّك بالشبهة الموردية في المطلقات المتقيّدة و لو بتقييد منفصل، أضعف جدّاً من التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية؛ لقرب احتمال صيرورة المطلق بعد التقييد بمنزلة المقيّد، فتكون الشبهة من قبيل الشبهة الموردية في المقيّد المتصل، بخلاف تخصيص العامّ بالمنفصل، فإنّه لا يوجب حصول عنوان أو قيد فيه؛ و إن توهّمه بعضهم قياساً بالمطلق و المقيّد «2»، و قد فرغنا عن تهجينه في محلّه «3».

و كيف كان: لا عموم في المقام حتّى يأتيَ فيه ما ذكر في بيان جواز التمسّك به في الشبهة المصداقية للمخصّص: من تمامية الحجّة بالنسبة إلى

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 224/ 884، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 5.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 525.

(3) مناهج الوصول 2: 247، تهذيب الأُصول 1: 474.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 212

الفرد المشمول للعامّ، و عدم حجّة علىٰ دفعها؛ لكون الفرد من الشبهة المصداقية لنفس المخصّص، فالعامّ حجّة بالنسبة إلى الفرد، و الخاصّ ليس بحجّة «1».

و نحتاجَ إلى الجواب عنه: بأنّ حجّية العامّ تتوقّف علىٰ مقدّمات: منها أصالة الجدّ، و بعد خروج أفراد من العامّ، يعلم عدمُ تطابق الجدّ و الاستعمال بالنسبة إلى الأفراد الواقعية من المخصّص، و تطابقُهما بالنسبة إلىٰ غير مورد التخصيص و المورد المشتبه من الشبهة المصداقية لأصالة التطابق، و ليس بناء العقلاء علىٰ جريانها في

مورده، كما لا يخفى.

أو نحتاجَ إلىٰ ما أتعب به شيخنا الأعظم نفسه الشريفة من التصدّي للجواب عن التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية «2».

و ربّما يقال في الدم المتخلّف في الذبيحة إذا شكّ في أنّه من القسم الطاهر أو النجس: «بأنّ الظاهر الحكم بنجاسته عملًا بالاستصحاب، أو بالعامّ مع لبّية المخصّص «3». و يحتمل التفصيل بين ما إذا كان الشكّ من جهة احتمال ردّ النفس، فيحكم بالطهارة؛ لأصالة عدم الردّ، و بين ما كان لأجل احتمال كون رأسه على علوّ، فيحكم بالنجاسة عملًا بأصالة عدم خروج المقدار المتعارف» «4».

و فيه: أنّ الاستصحاب في الدم غير جارٍ؛ لعدم العلم بنجاسته في

______________________________

(1) انظر مطارح الأنظار: 194/ السطر 12، كفاية الأُصول: 258، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 528.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 346/ السطر 1، مطارح الأنظار: 193/ السطر 3.

(3) العروة الوثقى 1: 64، الهامش 10، تعليقة المحقّق الرفيعي.

(4) العروة الوثقى 1: 64، المسألة 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 213

الباطن، لقصور الأدلّة عن إثباتها، و التمسّك بالعامّ في المخصّص اللّبي فرع وجوده، و هو مفقود. مع أنّ في التمسّك به مع لبّيته إذا كان الإخراج بعنوان واحد إشكالًا، بل منعاً.

و أمّا أصالة عدم ردّ النفس فلا تثبت كون هذا متخلّفاً؛ لأنّ خروج الدم بالمقدار المتعارف لازم عقلي أو عادي لعدم ردّ النفس، و كون الدم متخلّفاً لازم لهذا اللازم.

كما أنّ أصالة عدم خروج المقدار المتعارف، لا تثبت كون هذا الدم نجساً؛ لأنّ الدم النجس هو «الدم غير المتخلّف» أو «الدم المسفوح» أو نحوهما، و الأصل المتقدّم لا يثبت تلك العناوين.

بل أصالة عدم خروج الدم المتعارف، لا تثبت لمصداق الدم حكماً، نظير ما

إذا علمنا بأنّ واحداً من الشخصين الموجودين في البيت عالم، فخرج أحدهما منه، فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء العالم فيه، لكن لا يثبت به أنّ الموجود في البيت عالم حتّى يترتّب عليه أثره.

ثمّ لو حاولنا جريان أصالة عدم ردّ النفس لإثبات طهارة بقية الدم، لجرى أصل عدم كون رأسه على علوّ لإثبات طهارته، و هو حاكم علىٰ أصالة عدم خروج الدم المتعارف.

لكن التحقيق عدم جريان واحد من تلك الأُصول، و الحكم بطهارة المشكوك فيه؛ لأصالة الطهارة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 215

الكلب و الخنزير
اشارة

السادس و السابع: الكلب و الخنزير، و نجاستهما في الجملة واضحة لا تحتاج إلىٰ تجشّم استدلال؛ و إن ذهب إلىٰ طهارتهما مالك و الزهري و داود، علىٰ ما حكىٰ عنهم العلّامة في «المنتهىٰ» «1».

نجاسة الكلب
اشارة

و نقل في «التذكرة» عن أبي حنيفة القول بطهارة الكلب دون الخنزير «2». و نسب الشيخ في «الخلاف» إلىٰ أبي حنيفة القول بنجاسة الكلب حكماً لا عيناً «3»، و استدلّ «4» علىٰ طهارته بقوله تعالىٰ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ «5».

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 166/ السطر 19، المبسوط، السرخسي 1: 48، بداية المجتهد 1: 29 30، المغني، ابن قدامة 1: 41 42، المجموع 2: 567 568.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 66.

(3) الخلاف 1: 177.

(4) انظر المجموع 2: 567.

(5) المائدة (5): 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 216

و فيه ما لا يخفى من الوهن؛ ضرورة أنّها في مقام بيان حلّيته و تذكيته، و لا إطلاق فيها من جهة أُخرى، و لهذا لا يجوز التمسّك بها لجواز أكله من غير تغسيل عن دمه الخارج من موضع عضّ الكلب، و هو واضح.

و تدلّ علىٰ نجاسته مضافاً إلى الإجماع المستفيض «1» روايات مستفيضة، كقوله (عليه السّلام) في صحيحة البَقباق

رجس نجس لا يتوضّأ بفضله «2».

و كصحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل، قال

يغسل المكان الذي أصابه «3».

و في رواية معاوية بن شريح

لا و اللّٰه، إنّه نجس، لا و اللّٰه، إنّه نجس «4» ..

إلىٰ غير ذلك.

عدم الفرق في أجزاء الكلب بين ما تحلّه الحياة و غيره

و لا فرق بين ما تحلّه الحياة و غيره؛ فإنّ الكلب عبارة عن الموجود الخارجي بجميع أجزائه: من الشعر و الظفر و غيرهما. فما عن السيّد من إنكار أنّ ما لا تحلّه الحياة من جملة الحيّ و إن كان متصلًا به «5»، إن كان مراده أنّه ليس

______________________________

(1) الخلاف 1: 176 177، منتهى المطلب 1: 166/ السطر 18، جواهر الكلام

5: 366.

(2) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 260/ 758، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 1: 225/ 647، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 6.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 218/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 217

من جملته بما هو حيّ أي لا تحلّه الحياة فهو معلوم لا كلام فيه، لكن لا دليل علىٰ تخصيص النجاسة بما تحلّه الحياة في الكلب أو الخنزير.

و إن أراد أنّه ليس من أجزائه مطلقاً، فهو غير وجيه، فكيف يمكن نفي جزئية العظم و الظفر، بل الشعر؟! فإنّ الكلب في الخارج كلب بجميع أجزائه.

بل المتيقّن من قوله: «الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل»، و قوله (عليه السّلام) في صحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكلب السلوقي، فقال

إذا مسسته فاغسل يدك «1»

، و نحوِهما، ملاقاة شعره؛ لأنّه نوعي غالبي. و لو نوقش فيه فلا أقلّ من الإطلاق، بل هو الفرد الشائع.

و كيف يمكن أن يقال في مثل قول عليّ (عليه السّلام) علىٰ ما في حديث الأربعمائة

تنزّهوا عن قرب الكلاب، فمن أصاب الكلب و هو رطب فليغسله، و إن كان جافّاً فلينضح ثوبه بالماء «2»

: لإيراد منه إصابة ظاهره المحفوف بالشعر، و لا يلاقي الملاقي نوعاً إلّا شعره؟! نعم، يمكن المناقشة في دلالة مثل صحيحة أبي العبّاس قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء.

قلت: و لِمَ صار بهذه المنزلة؟

قال

لأنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمر بقتله «3».

______________________________

(1) الكافي 6: 553/ 12، وسائل الشيعة 3: 416، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 9.

(2) الخصال: 626/ 10، وسائل الشيعة 3: 417، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 11.

(3) تهذيب الأحكام 1: 261/ 759، وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 218

لاحتمال أن يكون المراد برطوبة الكلب مثلَ لعابه، لا ملاقاته رطباً؛ و إن لا يبعد الاحتمال الثاني بقرينة قوله (عليه السّلام)

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 218

أصابه جافّاً

تأمّل.

و كيف كان: لا شبهة في نجاسة شعره و سائر ما لا تحلّه الحياة. و دعوى السيّد الإجماع علىٰ طهارته «1» موهونة؛ لعدم الموافق له ظاهراً، فضلًا عن الإجماع عليها.

حكم الرطوبات الذاتية للكلب

نعم، ربّما يمكن المناقشة في استفادة نجاسة لعابه و سائر رطوباته ذاتاً من الروايات، بل من الإجماع أيضاً؛ بدعوىٰ أنّ الرطوبات خارجة عن اسمه، فكما أنّ خرءه لا يدخل فيه؛ لأنّه منفصل عنه و إن كان في جوفه، كذلك سائر رطوباته، فما دلّت علىٰ نجاسته عيناً لا تدلّ علىٰ نجاستها ذاتاً و عيناً.

بل لمّا كانت الرطوبات ملاقية له، لا يمكن استفادة نجاستها الذاتية من دليل ناطق بنجاستها؛ فإنّها أعمّ من العينية.

لكن الظاهر أنّه شبهة في مقابل المسلّم، بل البديهي. بل يمكن دعوى دخول الرطوبات في إطلاقه عرفاً كدخول دمه فيه؛ إن لم يدخل فيه خرؤه.

نجاسة كلب الصيد

و مقتضى إطلاق الأدلّة «2» و خصوص صحيحة ابن مسلم المتقدّمة «3» في الكلب السلُوقي، نجاسة كلب الصيد كسائر الكلاب، فما عن ظاهر الصدوق من

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهية: 218/ السطر 16.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 11 و 12.

(3) تقدّمت في الصفحة 217.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 219

طهارته «1» ضعيف. و ربّما كان منشأه دعوى عدم صدق «الكلب» عليه، أو انصراف الأدلّة عنه، أو إطلاق قوله تعالىٰ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ «2» و الجميع كما ترى. هذا مع عدم ورود شي ء منها على الصحيحة.

و بهذا كلّه ظهر لزوم التصرّف في صحيحة ابن مُسْكان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الوضوء ممّا ولغ الكلب فيه و السنَّوْر، أو شرب منه جمل أو دابّة أو غير ذلك، أ يتوضّأ منه أو يغتسل؟ قال

نعم، إلّا أن تجد غيره فتنزّه عنه «3»

، بتقييد إطلاقها بما فصّل في سؤر الكلب بين الماء الكثير و القليل «4». هذا كلّه في الكلب.

نجاسة الخنزير

و أمّا الخنزير، فيدلّ علىٰ نجاسته مضافاً إلى الآية الكريمة «5» و الإجماعات المتقدّمة صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله، فذكر و هو في صلاته، كيف يصنع به؟ قال

إن كان دخل في صلاته فليمضِ، و إن لم يكن

______________________________

(1) الفقيه 1: 43.

(2) المائدة (5): 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 226/ 649، وسائل الشيعة 1: 228، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 2، الحديث 6.

(4) كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها «لا يشرب سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضاً

كبيراً يستقى منه». تهذيب الأحكام 1: 226/ 650، وسائل الشيعة 1: 226، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 7.

(5) الأنعام (6): 145.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 220

دخل في صلاته فلينضح ما أصابه من ثوبه، إلّا أن يكون فيه أثر فيغسله.

قال: و سألته عن خنزير يشرب من إناء، كيف يصنع به؟ قال

يغسل سبع مرّات «1».

فإنّها ظاهرة في معهودية نجاسته، و إنّما سأل بعدها عن حكم آخر، فحينئذٍ يكون المراد من التفصيل بين ما إذا كان له أثر و لم يكن، التفصيلَ مطلقاً؛ سواء كان قبل الصلاة أو بعدها. مع أنّ ذيلها أيضاً دالّ علىٰ نجاسته، فالأمر بالمضيّ مع دخوله في الصلاة في صورة الشبهة، لا العلم بوجود الأثر.

مضافاً إلىٰ أنّ الأمر بالمضيّ لا يدلّ علىٰ طهارته، بل دليل علىٰ صحّة الصلاة مع النجس إذا تذكّر في الأثناء، كما هو واضح. و حمل الغسل على الاستحباب- بقرينة الأمر بالمضيّ بعيد جدّاً.

و رواية ابن رِئاب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الشطرنج قال

المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير.

قال قلت: ما علىٰ من قلّب لحم الخنزير؟ قال

يغسل يده «2».

و في دلالتها تأمّل.

و رواية زرارة الواردة في البئر «3».

______________________________

(1) الكافي 3: 61/ 6، وسائل الشيعة 3: 417، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 1.

(2) الكافي 6: 437/ 15، وسائل الشيعة 17: 322، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 103، الحديث 3.

(3) و هي «.. الدم و الخمر و الميّت و لحم الخنزير في ذلك كلّه واحد، ينزح منه عشرون دلواً». تهذيب الأحكام 1: 241/ 697، وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15، الحديث 3.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 221

و تدلّ علىٰ نجاسة شعره مصحّحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ رجلًا من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير، قال

إذا فرغ فليغسل يده «1».

و رواية بُرْد الإسكاف قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن شعر الخنزير يعمل به .. إلىٰ أن قال

فاعمل به، و اغسل يدك إذا مسسته عند كلّ صلاة.

قلت: و وضوء؟ قال

لا، اغسل يدك كما تمسّ الكلب «2».

و لعلّ قوله: «و وضوء» بالرفع؛ أي و وضوء عليّ إذا مسسته، أو وضوء في مسّه؟ قال

لا

و لكن

اغسل يدك كما تمسّ الكلب

فكما لا وضوء معه، فكذا مع مسّ الخنزير. و قريب منها روايته الأُخرىٰ «3».

و رواية سليمان الإسكاف قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن شعر الخنزير يخرز به، قال

لا بأس به، و لكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي «4».

فلا إشكال في نجاسته و نجاسة ما لا تحلّ الحياة منه. و يأتي في لعابه و رطوباته ما مرّ في الكلب «5»، و الظاهر نجاستها ذاتاً كما في الكلب.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 382/ 1129، وسائل الشيعة 17: 227، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 58، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 6: 382/ 1130، وسائل الشيعة 17: 228، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 58، الحديث 2.

(3) الفقيه 3: 220/ 1019، وسائل الشيعة 17: 228، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 58، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 9: 85/ 357، وسائل الشيعة 3: 418، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 3.

(5) تقدّم في الصفحة 218.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 222

طهارة كلب الماء و خنزيره

و عن «النهاية» و «التحرير» و «التذكرة» و «الذكرى» طهارة كلب الماء «1»، و عن «الكفاية»: «أنّه المشهور» «2». و عن الحلّي نجاسته «3»، و عن «المنتهىٰ» تقريب شموله له معلّلًا: «بأنّ اللفظ يقال له بالاشتراك» «4».

و الأقوى طهارة كلب الماء و خنزيره، لا لانصراف الأدلّة «5» علىٰ فرض صدق العنوان عليهما، فإنّه ممنوع. و مجرّد كون بعض الأفراد يعيش في محلّ أو يندر الابتلاء به، لا يوجب الانصراف.

بل لعدم صدق العنوانين عليهما جزماً، و عدم كونهما مع البرّي منهما من نوع واحد، و قد طبع في «المنجد» رسمهما «6»، فترى لا يوجد بينهما و بين البرّي منهما أدنىٰ شباهة؛ و إن قال في الكلب: «كلب الماء و كلب البحر: سمك بينه و بين الكلب بعض الشبه».

و قال: «خنزير البحر: جنس من الحيتان أصغر من الدلفين» «7».

و تدلّ علىٰ طهارة كلبه بل و خنزيره علىٰ وجهٍ صحيحة عبد الرحمن

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 272، تحرير الأحكام 1: 24/ السطر 10، تذكرة الفقهاء 1: 67، ذكرى الشيعة 1: 119.

(2) كفاية الأحكام: 12/ السطر 8.

(3) السرائر 2: 220.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 139/ السطر 4، منتهى المطلب 1: 166/ السطر 36.

(5) نهاية الإحكام 1: 272، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 347/ السطر 13.

(6) المنجد: 200 و 696.

(7) المنجد: 197 و 694.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 223

بن الحجّاج قال: سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) رجل و أنا عنده عن جلود الخزّ، فقال

ليس به بأس.

فقال الرجل: جعلت فداك، إنّها علاجي، و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إذا خرجت من الماء تعيش خارجةً من الماء؟

فقال الرجل: لا، قال

ليس

به بأس «1».

حكم المتولّد من نجس العين

ثمّ إنّ المتولّد من النجسين أو أحدهما إن صدق عليه اسم أحدهما، فلا إشكال في نجاسته. و إن صدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة، فلا ينبغي الإشكال في طهارته؛ إمّا لإطلاق دليل طهارته لو كان، و إمّا للأصل.

و دعوى ارتكازية نجاسة المتولّد من الكلبين أو الكلب و الخنزير عند المتشرّعة، و تبعية ولدهما لهما فيها كتبعية ولد الكافر له. أو كونِه حقيقة من جنس الوالدين و إن كان غيرهما ظاهراً، و الأحكام مترتّبة على الحقيقة، و الأسماء كاشفة عنها. أو القطعِ بالمناط «2».

غير وجيهة و إن صدرت عن الشيخ الأعظم نضّر اللّٰه وجهه لعدم ثبوت ارتكازيتها في مثل المقام، و لا دليل على التبعية هاهنا، و التبعية في الكافر لا توجب الحكم بها في غيره. و ممنوعية كون حقيقته ما ذكر بعد صدق عنوان آخر عليهما، و سلب صدق اسمهما عنه. و لو سلّم ذلك فلا دليل علىٰ أنّ الأحكام

______________________________

(1) الكافي 6: 451/ 3، وسائل الشيعة 4: 362، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 10، الحديث 1.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 347/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 224

مترتّبة على الحقائق بذلك المعنى. و ممنوعية القطع بالمناط بعد كونهما عنوانين.

و أمّا استصحاب النجاسة فيما إذا كانت امّه نجسة سواء كان أبوه طاهراً أو لا بدعوىٰ كون الجنين جزءً من الامّ، و لا يتبدّل الموضوع بنفخ الروح فيه «1»، ففيه ما لا يخفى بعد عدم الدليل علىٰ نجاسته، و ممنوعية جزئيته لُامّه.

و أضعف منه استصحاب نجاسته في حال كونه علقة أو منيّاً؛ حتّى فيما إذا كانت الامّ نجساً «2»، ضرورة تبدّل الموضوع.

و قد يقال: بجريان استصحاب الكلّي الجامع

بين الذاتي و العرضي في جميع الموارد المشكوك فيها؛ فإنّه عند ملاقاته لرطوبات امّه نعلم بنجاسته إمّا عرضاً أو ذاتاً، و مع الغسل عن العرضية نشكّ في بقاء الذاتية «3».

أقول: تارة نقول بتنجّس الجنين في الباطن؛ لملاقاته النجس، و أُخرى نقول بعدمه؛ إمّا لقصور أدلّة النجاسة عن إثبات نجاسة البواطن، أو لقصور أدلّة نجاسة الملاقى لإثبات نجاسة الملاقي في الباطن، أو لغير ذلك.

فعلى الثاني لا إشكال في جريان أصالة الطهارة في الجنين في بطن امّه مع الشكّ في نجاسته ذاتاً، فحينئذٍ إن تنجّس حين التولّد عرضاً، فلا يجري الاستصحاب بعد زوالها و تطهيرها؛ لأنّه مع جريان أصل الطهارة في الجنين، لا مجال لدعوى العلم الإجمالي بأنّه إمّا نجس ذاتاً أو عرضاً؛ للعلم بالطهارة الظاهرية و ترتّب جميع آثار الطهارة عليه، و معه ينقّح موضوع تنجّس الظاهر بالملاقاة نجاسةً عرضية؛ بناءً علىٰ عدم تنجّس النجس.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 347/ السطر 19.

(2) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 350/ السطر 13، مستمسك العروة الوثقى 1: 366.

(3) مستمسك العروة الوثقى 1: 366.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 225

و بالجملة: إنّ العلم الإجمالي بأنّ الجنين في الخارج بعد ملاقاة أُمّة؛ إمّا نجس ذاتاً أو عرضاً، ممّا لا أثر له مع جريان أصالة الطهارة في أحد طرفيه.

و إن شئت قلت: إنّ محتمل البقاء هو الذي حكم الشارع بطهارته، أو قلت بعد غسل ظاهره: نعلم بأنّه إمّا طاهر واقعاً، أو طاهر ظاهراً.

و لو حاول أحد جريان مثل هذا الاستصحاب، للزم عليه إجراؤه فيما إذا شكّ في نجاسة عينية لواحد من الحيوانات كالوزغة، فيحكم بطهارتها قبل عروض النجاسة عليها، و بنجاستها بعد عروضها و غسلها، و هو كما ترى.

و كذا

لو فرض نجاسة طرف من الثوب، و شكّ في نجاسة الباقي، فغسل موضع النجس، لزم عليه الحكم ببقاء نجاسته؛ لاحتمال البقاء.

و الجواب و الحلّ: أنّه مع هذا الاحتمال المحكوم عليه بالطهارة، لا مجرى للأصل، و لا أثر للعلم. تأمّل جيّداً حتّى لا يختلط عليك بين المقام و المقامات التي يكون الاستصحاب حاكماً علىٰ أصل الطهارة، و كذا لا يختلط بينه و بين المقامات التي قلنا بعدم جريان الأصل في الفرد المشكوك في حدوثه؛ للتحكيم على استصحاب بقاء الكلّي، فإنّ الفارق بينهما ظاهر لدى التأمّل.

و ممّا ذكرنا ظهر الحال فيما إذا قلنا بتنجّس ما في الباطن؛ فإنّ الظاهر جريان أصالة الطهارة في الجنين لإثبات طهارته العينية ظاهراً حتّى مع تنجّسها بالعرض؛ لوجود الأثر في جريانها كما عرفت.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 226

الاختلاف في نجاسة الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة و المسوخ
اشارة

ثمّ إنّه قد وقع الخلاف من قدماء أصحابنا في نجاسة جملة أُخرى غيرهما، كالثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة و المسوخ، بل و ما لا يؤكل لحمه.

فعن «المقنعة» نجاسة الأربعة الأُول «1». و عن ظاهر «الفقيه» و «المقنع» نجاسة الفأرة «2».

و عن «المراسم»: «أنّ الفأرة و الوزغة كالكلب و الخنزير في رشّ ما مسّاه بيبوسة» «3».

و عن الشيخ: «أنّ الأربعة المذكورة كالكلب و الخنزير في وجوب إراقة ما باشرته من المياه» «4».

و عن «الوسيلة» عدّها في عداد الكلب و الخنزير و الكافر و الناصب في وجوب غسل ما مسّته رطباً، و رشّه يابساً «5».

بل عن «الغنية» دعوى الإجماع في بعض المذكورات «6».

______________________________

(1) المقنعة: 70 و 150.

(2) الفقيه 1: 43/ 167، المقنع: 14.

(3) المراسم: 56.

(4) المبسوط 1: 37.

(5) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77.

(6) غنية النزوع 1: 44.

كتاب الطهارة (للإمام

الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 227

و عن الشيخ في «التهذيب» النصّ بنجاسة ما لا يؤكل لحمه «1». و عن «الاستبصار» استثناء ما لا يمكن التحرّز عنه «2».

و عن «الخلاف» القول بنجاسة المسوخ «3». و عزي في محكي «المختلف» إلىٰ سلّار و ابن حمزة «4». و عن «المعالم» حكايته عن ابن الجنيد «5».

فيما يدلّ على طهارة جميع المذكورات

و كيف كان: تدلّ علىٰ طهارة الجميع صحيحة الفضل أبي العبّاس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن فضل الهرّة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع، فلم أترك شيئاً إلّا سألت عنه، فقال

لا بأس

حتّى انتهيت إلى الكلب ..» «6» إلىٰ آخره.

لدخول الثعلب و الأرنب في الوحش و السباع؛ فإنّ الأوّل سبع بلا إشكال، و عدّ بعضهم الثاني فيه أيضاً «7». و يظهر من بعض الروايات أنّ الأرنب بمنزلة الهرّة، و له مخالب كسباع الوحش «8».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 224/ ذيل الحديث 642.

(2) الاستبصار 1: 26/ ذيل الحديث 65.

(3) الخلاف 3: 184.

(4) مختلف الشيعة 1: 307، المراسم: 55، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 78.

(5) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 548.

(6) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 1: 226، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 4.

(7) انظر جواهر الكلام 5: 369، المنجد: 9.

(8) راجع وسائل الشيعة 24: 109، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 2، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 228

بل تدخل الوزغة في الوحش، و كذا بعض أنواع الفأرة؛ إن كان «الوحش» مطلق الحيوان البرّي مقابل الأهلي، إذ الظاهر أنّ سؤاله كان عن عنوان «الوحش» و «السباع» لا عن أفرادهما تفصيلًا.

بل

المظنون أنّ الفأرة و الوزغة كانتا من جملة ما سأل عنها؛ فإنّ قوله: «فلم أترك شيئاً» و إن كان علىٰ سبيل المبالغة، لكن من البعيد جدّاً ترك السؤال عن الفأرة المبتلىٰ بها و المعهودة في الذهن و الوزغة المعروفة، سيّما في بلد السؤال و الراوي.

و يظهر ممّا مرّ جواز الاستدلال لطهارة الأوّلين بناءً علىٰ سبعيتهما بكلّ ما دلّ علىٰ طهارة السباع، كصحيحة ابن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الكلب يشرب من الإناء، قال

اغسل الإناء.

و عن السنَّوْر، قال

لا بأس أن تتوضّأ من فضلها؛ إنّما هي من السباع «1».

و صحيحة زرارة، عنه (عليه السّلام) قال

في كتاب عليّ (عليه السّلام): أنّ الهرّ سبع، و لا بأس بسؤره «2» ..

إلىٰ غير ذلك ممّا يعلم منه مفروغية طهارة السبع «3» إلّا ما استثني.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 644، الإستبصار 1: 18/ 39، وسائل الشيعة 1: 227، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 2، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 227/ 655، وسائل الشيعة 1: 227، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 2، الحديث 2.

(3) كرواية أبي الصباح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) يقول: لا تدع فضل السنّور أن تتوضّأ منه، إنّما هي سبع.

تهذيب الأحكام 1: 227/ 653، وسائل الشيعة 1: 228، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 2، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 229

طهارة الوزغة و الفأرة

و تدلّ علىٰ طهارة الوزغة و الفأرة مصحّحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) في حديث قال: سألته عن العظاية و الحيّة و الوزغ يقع في الماء فلا يموت، أ يتوضّأ منه للصلاة؟ قال

لا بأس

به.

و سألته عن فأرة وقعت في حبّ دهن، و أُخرجت قبل أن تموت، أ يبيعه من مسلم؟ قال

نعم، و يدهن منه «1».

و علىٰ طهارة الفأرة صحيحة إسحاق بن عمّار «2»، و رواية أبي البَخْتري «3»، و صدر صحيحة هارون بن حمزة الغَنوي «4»، و صحيحة سعيد الأعرج برواية الشيخ قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفأرة يقع في السمن و الزيت، ثمّ يخرج حيّاً، قال

لا بأس بأكله «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 419/ 1326، وسائل الشيعة 1: 238، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 9، الحديث 1.

(2) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ أبا جعفر (عليه السّلام) كان يقول: «لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن يشرب منه و يتوضّأ منه».

تهذيب الأحكام 1: 419/ 1323، وسائل الشيعة 1: 239، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 9، الحديث 2.

(3) عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام) أنّ عليّاً (عليه السّلام) قال: «لا بأس بسؤر الفأرة أن يشرب منه و يتوضّأ».

قرب الإسناد: 150/ 542، وسائل الشيعة 1: 241، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 9، الحديث 8.

(4) سيأتي نقل الحديث بكامله في الصفحة 233.

(5) تهذيب الأحكام 9: 86/ 362.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 230

و في رواية الكليني: «عن الفأرة و الكلب يقع ..» «1» إلىٰ آخره.

و الظاهر زيادة لفظ «الكلب» من النسّاخ، أو بعض الرواة؛ فإنّ أصالة عدم الزيادة و لو كانت أرجح من أصالة عدم النقيصة لم تسلم في مثل المقام الذي كانت نجاسة الكلب معهودة من الصدر الأوّل. مع بُعد سمن أو زيت يقع الكلب فيه، و يكون في معرض الموت، فالمظنون وقوع الزيادة، سيّما مع

إفراد الضمير.

و يدلّ علىٰ طهارة الوزغ كلّ ما دلّ علىٰ طهارة ميتة ما لا نفس له «2»؛ ضرورة أنّ الموت لو لم يؤثّر في تغليظ النجاسة، لم يؤثّر في تطهير الميت. مضافاً إلىٰ حسنة «3» يعقوب بن عُثيم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: بئر يخرج من مائها قطع جلود، قال

ليس بشي ء؛ إنّ الوزغ ربّما طرح جلده.

و قال

يكفيك دلو واحد من ماء «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 261/ 4.

(2) تقدّم في الصفحة 111 116.

(3) رواها الصدوق بإسناده، عن يعقوب بن عثيم، و قال في المشيخة: «و ما كان فيه عن يعقوب بن عثيم فقد رويته عن محمّد بن موسى بن المتوكل (رضى اللّٰه عنه)، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن يعقوب بن عثيم.

وجه كونها حسنة، وقوع يعقوب بن عُثيم في السند و يعلم حسن حاله و صحّة حديثه من عدّ العلّامة (رحمه اللّٰه) طريق الصدوق إليه في الفقيه صحيحاً و من رواية أبان و ابن أبي عمير و أضرابهما عنه و من استصحاح الأصحاب أخباراً هو في طريقها.

الفقيه، المشيخة 4: 6، منتهى المقال 7: 67، تنقيح المقال 3: 331/ السطر 36 (أبواب الياء).

(4) الفقيه 1: 15/ 30، تهذيب الأحكام 1: 419/ 1325، وسائل الشيعة 1: 189، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 231

طهارة الثعلب

و علىٰ طهارة الثعلب جملة من الروايات الواردة في لباس المصلّي الدالّة علىٰ قبوله التذكية، كرواية جعفر بن محمّد بن أبي زيد قال: سئل الرضا (عليه السّلام) عن جلود الثعالب الذكية، قال

لاتصلّ فيها «1».

و رواية الوليد بن أبان قال:

قلت للرضا (عليه السّلام): يصلّى في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال

لاتصلّ فيها «2».

فإنّ الظاهر تقريره لقبوله التذكية.

بل و صحيحة ابن أبي نجران «3»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الصلاة في جلود الثعالب فقال

إذا كانت ذكية فلا بأس «4»

، و نحوها غيرها «5».

و هي و إن صدرت تقية من جهة تجويز الصلاة فيها، لكن لا دليل علىٰ أنّ التعليق أيضاً صدر كذلك.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 210/ 824، وسائل الشيعة 4: 357، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 6.

(2) تهذيب الأحكام 2: 207/ 811، وسائل الشيعة 4: 357، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 7.

(3) كذلك في الطبعة الحجرية من الوسائل (1: 294/ السطر 35) و لكن في سائر النسخ و المصادر الروائية «جميل» بدل «ابن أبي نجران» و هو الصحيح.

(4) تهذيب الأحكام 2: 206/ 809، الإستبصار 1: 382/ 1447، وسائل الشيعة 4: 357، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 9.

(5) راجع وسائل الشيعة 4: 358، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 10 و 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 232

طهارة الأرنب

بل قد يشعر بعض الروايات بقبول الأرنب التذكية، كمكاتبة محمّد بن عبد الجبّار قال: كتبت إلىٰ أبي محمّد (عليه السّلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير محض، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب

لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّٰه «1».

و من المعلوم أنّ التذكية لا تقع علىٰ نجس العين.

فيما يستدلّ به لنجاسة المذكورات

و في مقابلها جملة من الروايات ربّما يستدلّ بها للنجاسة، كمرسلة يونس، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته هل يحلّ أن يمسّ الثعلب و الأرنب أو شيئاً من السباع حيّاً و ميّتاً؟ قال

لا يضرّه، و لكن يغسل يده «2».

و صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء، فتمشي على الثياب، أ يصلّىٰ فيها؟ قال

اغسل ما رأيت من أثرها، و ما لم تره انضحه بالماء «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 207/ 810، وسائل الشيعة 4: 377، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 14، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 60/ 4، وسائل الشيعة 3: 462، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 261/ 761، وسائل الشيعة 3: 460، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 33، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 233

و صحيحته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن الفأرة و الكلب إذا أكلا من الخبز أو شمّاه، أ يؤكل؟ قال

يطرح ما شمّاه، و يؤكل ما بقي «1».

و قريب منها موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2».

و رواية الحسين بن زيد، عن الصادق

(عليه السّلام) في حديث المناهي قال

نهىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن أكل سؤر الفأر «3».

و ذيل صحيحة هارون بن حمزة الغَنوي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الفأرة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّاً، هل يشرب من ذلك الماء و يتوضّأ به؟ قال

يسكب منه ثلاث مرّات، و قليله و كثيره بمنزلة واحدة، ثمّ يشرب منه و يتوضّأ منه، غير الوزغ، فإنّه لا ينتفع بما يقع فيه «4».

و صحيحة معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفأرة و الوزغة تقع في البئر قال

ينزح منها ثلاث دلاء «5».

و رواية «العلل» و «العيون» عن محمّد بن سِنان، عن الرضا (عليه السّلام) فيما كتب

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 229/ 663، وسائل الشيعة 3: 465، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 36، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 465، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 36، الحديث 2.

(3) الفقيه 4: 2/ 1، وسائل الشيعة 1: 240، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 9، الحديث 7.

(4) تهذيب الأحكام 1: 238/ 690، وسائل الشيعة 1: 188، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 5.

(5) تهذيب الأحكام 1: 238/ 688، و: 245/ 706، وسائل الشيعة 1: 187، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 234

إليه من جواب مسائله في العلل

و حرّم الأرنب لأنّها بمنزلة السنَّوْر، و لها مخالب كمخالب السنَّوْر و السباع الوحش، فجرت مجراها، مع قذرها في نفسها، و ما يكون منها من الدم كما يكون من النساء؛ لأنّها

مسخ «1»

؛ بدعوىٰ أنّ «القذر» النجس.

إلىٰ غير ذلك ممّا لا بدّ من حملها على استحباب الغسل و التنزّه و كراهة الارتكاب؛ جمعاً بينها و بين ما هو نصّ في الطهارة، خصوصاً في الفأرة و الوزغة.

هذا لو سلّم ظهورها في النجاسة، و هو ممنوع في جلّها؛ فإنّ المرسلة- بعد إرسالها، و كلامٍ في محمّد بن عيسىٰ، عن يونس «2» لا يمكن حملها على النجاسة بعد اقترانهما ب «شي ء من السباع حيّاً و ميّتاً» مع كون جميع السباع طاهراً حيّاً إلّا ما ندر، و استثناؤها لا يخلو من استهجان.

مضافاً إلىٰ أنّ السؤال عن حلّية المسّ، و إطلاقه شامل للمسّ يابساً، و لا ينصرف إلىٰ حال الرطوبة كما ينصرف في ملاقي النجس، و معه لا محيص عن حمل الأمر على الاستحباب، و هو أولىٰ في المقام من ارتكاب التخصيص و التقييد، كما لا يخفى.

و صحيحة عليّ بن جعفر و غيرها ممّا وردت في الفأرة، لا تحمل عليها

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 93/ 1، علل الشرائع: 482/ 1، وسائل الشيعة 24: 109، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 2، الحديث 11.

(2) إشارة إلى ما ذكره النجاشي في ترجمة محمّد بن عيسى من أنّه «ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس و حديثه لا يعتمد عليه. و رأيت أصحابنا ينكرون هذا القول و يقولون: مَن مِثل أبي جعفر محمّد بن عيسى».

رجال النجاشي: 333/ 896، تنقيح المقال 3: 167/ السطر 26 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 235

أيضاً؛ للسيرة المستمرّة علىٰ عدم التحرّز عن سؤرها، و معها لا ينقدح

في الذهن من الأمر بالغسل النجاسة.

و صحيحته الأُخرى الواردة في أكل الكلب و الفأرة و شمّهما، لا محيص عن حملها على الاستحباب أو كراهة الأكل؛ ضرورة أنّ مجرّد الشمّ بل الأكل لا يوجب النجاسة، و لم يفرض فيها سراية رطوبتهما، و مع الشكّ محكوم بالطهارة.

و صحيحة معاوية في النزح مع عدم دلالتها على النجاسة بعد كونه استحبابياً، تأمّل محمولة علىٰ موتهما فيه، كما هو مورد السؤال في باب المنزوحات غالباً.

و ذيل صحيحة الغنوي محمول على الكراهة؛ بصراحة صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة «1»، تأمّل.

و «القذر» في رواية «العلل» بعد الغضّ عن السند «2» لإيراد به النجاسة، و إلّا كان تمام الموضوع للحرمة، مع أنّ الظاهر منها أنّها جزء العلّة. و يشهد له ما رواه في «العلل»

و أمّا الأرنب، فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض و لا جنابة «3»

، و الظاهر أنّ القذارة فيه كالقذارة التي في المرأة الحائض و الجنب، و هي ليست النجاسة.

و كيف كان: لا إشكال في طهارة المذكورات، فضلًا عن طهارة المسوخ و ما لا يؤكل لحمه إلّا ما استثني؛ فإنّ نجاستهما بنحو العموم مخالف للنصّ و الإجماع، بل الضرورة، و لذا لا بدّ من تأويل ما نسب إلى الشيخ (رحمه اللّٰه) «4».

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 229.

(2) تقدّم وجه ضعفه في الصفحة 110، الهامش 3.

(3) علل الشرائع: 486/ 2.

(4) مفتاح الكرامة 1: 150/ السطر 16، تهذيب الأحكام 1: 224/ ذيل الحديث 642.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 237

المسكر المائع بالأصالة
اشارة

الثامن: المسكر المائع بالأصالة، كالخمر و غيرها، فالمشهور بيننا نجاسته، و لم ينقل من قدماء أصحابنا القول بالطهارة إلّا من الصدوق و والده في «الرسالة» و ابن أبي

عقيل و الجُعْفي «1».

لكن في «الجواهر»: «عدم ثبوت ذلك عن الثاني، بل أنكره بعض الأساطين، و عدم صراحة الأوّل فيه أيضاً، سيّما بملاحظة ما نقل عنه من إيجابه نزح البئر منه، كعدم معروفية حكاية ذلك عن الجُعْفي في كثير من كتب الأصحاب، كالعلّامة و غيره. نعم حكاه في «الذكرى» و تبعه بعض من تأخّر عنه» «2» انتهىٰ.

أقول: إنّ الصدوق نفى البأس على المحكي «3» عن الصلاة في ثوب أصابه خمر قائلًا: «إنّ اللّٰه حرّم شربها، و لم يحرّم الصلاة في ثوب أصابته» «4» و هو ظاهر

______________________________

(1) انظر الفقيه 1: 43، مختلف الشيعة 1: 310، ذكرى الشيعة 1: 114.

(2) جواهر الكلام 6: 3.

(3) مختلف الشيعة 1: 310.

(4) الفقيه 1: 43.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 238

في طهارتها. لكن من المحتمل بعيداً أن يكون مراده العفو في الصلاة، كقليل الدم.

و كذا لم ينقل من الجمهور إلّا عن داود و ربيعة «1»، و هو أحد قولي الشافعي علىٰ ما في «التذكرة» «2» لكن لم ينسبها إليه في «المنتهىٰ» «3» و ظاهره انحصار المخالف فيهم بداود، و في حكاية ربيعة.

و ربّما يظهر من البهائي عدم كون الشافعي قائلًا بها، حيث قال في «الحبل المتين»: «و قد أطبق علماء الخاصّة و العامّة علىٰ ذلك، إلّا شرذمة منّا و منهم لم يعتدّ الفريقان بمخالفتهم» «4».

بل من السيّد أيضاً حيث قال: «لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر، إلّا ما يحكىٰ عن شذّاذ لا اعتبار بقولهم» «5»، فإنّ الشافعي ليس من الشذّاذ الذين لا اعتداد بقولهم، و لم يعتدّ الفريقان بمخالفتهم.

و أمّا الصدوق منّا فلم يصرّح بالطهارة كما مرّ.

بل لعلّ المجتهدين كالسيّد و المفيد و الشيخ و

أضرابهم لم يعتدّوا برأيه و إن اعتدّوا بنقله و نفسه، و لهذا حكي عن الشيخ: «أنّ الخمر نجس بلا خلاف» «6» و لم يستثن أحداً.

______________________________

(1) الجامع لأحكام القرآن 6: 288، المجموع 2: 563.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 64.

(3) منتهى المطلب 1: 166/ السطر الأخير.

(4) الحبل المتين: 102/ السطر 7.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 34.

(6) المبسوط 1: 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 239

الاستدلال علىٰ نجاسة الخمر بالإجماع و الكتاب

و كيف كان: قد تكرّر نقل الإجماع بيننا بل بين المسلمين علىٰ نجاسة الخمر «1».

و تدلّ عليها الآية الكريمة إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «2».

بناءً علىٰ أنّ «الرجس» بمعنى النجس إمّا مطلقاً، أو في المقام؛ إمّا لنقل الإجماع في محكي «التهذيب» علىٰ أنّه هاهنا بمعنى النجس «3»، أو لمناسبة المقام؛ فإنّ اللّٰه تعالىٰ فرّع وجوب الاجتناب عن المذكورات علىٰ كونها رجساً من عمل الشيطان، و لا يناسب التفريعَ علىٰ مطلق الرجس المشترك بين ما لا بأس به و لا يجب الاجتناب عنه، و بين ما به بأس، فرفع اليد عن ذات العناوين و التفريع على الرجس، لا يناسب إلّا كونه بمعنى النجس المعهود الذي كان وجوب الاجتناب عنه معهوداً بينهم.

و يؤيّده إطلاق «الرجس» علىٰ لحم الخنزير، أو عليه و على الميتة و الدم في آية أُخرى «4»، و إطلاقه علىٰ لحم الخنزير و الخمر في بعض الروايات «5». و لا يبعد أن يكون ذلك تبعاً للآية.

______________________________

(1) راجع المبسوط 1: 36، غنية النزوع 1: 41، السرائر 1: 178، جواهر الكلام 6: 2.

(2) المائدة (5): 90.

(3) تهذيب الأحكام 1: 278/ ذيل الحديث 816.

(4) الأنعام (6): 145.

(5) وسائل الشيعة 3: 418، كتاب

الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 240

و بناءً علىٰ أنّ باب المجازات مطلقاً، ليس من قبيل استعمال اللفظ في غير ما وضع له، بل من قبيل ادعاء ما ليس بمصداق الماهية حقيقةً مصداقَها، و تطبيق المعنى الحقيقي الذي استعمل اللفظ فيه عليه، كما حقّق في محلّه «1».

ففي المقام استعمل «الرجس» في النجس الذي هو أحد معانيه بالتقريب المتقدّم، و ادعي كون الثلاثة التي بعد الخمر مصداقاً له؛ تنزيلًا لما ليس بنجس منزلته، لقيام القرينة العقلية عليه، و لم تقم قرينة على التنزيل و الادعاء في الخمر، فيحمل على الحقيقة، فتثبت نجاستها.

لكن بعد اللتيا و التي، إثبات نجاستها بالآية محلّ إشكال و مناقشة لا مجال للتفصيل حولها.

الاستدلال علىٰ نجاسة الخمر بالروايات

و أمّا الروايات فعلى طوائف:

منها: ما هي ظاهرة في النجاسة، و هي التي أُمر فيها بغسل ملاقيها، أو النهي عن الصلاة فيما يلاقيها، و هي كثيرة، كموثّقة عمّار بن موسى قال: سألته عن الدَّنّ يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء كامخ أو زيتون؟ قال

إذا غسل فلا بأس.

و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر، أ يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال

إذا غسل فلا بأس.

و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال

تغسله ثلاث مرّات.

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 104 107، تهذيب الأُصول 1: 43 45.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 241

و سئل: أ يجزيه أن يصبّ فيه الماء؟ قال

لا يجزيه حتّى يدلكه بيده، و يغسله ثلاث مرّات «1».

و الفقرات منها ظاهرة في النجاسة، و الأخيرة كالنصّ فيها.

و موثقتِه الأُخرىٰ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لاتصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر، و اغسله إن عرفت موضعه، فإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، فإن صلّيت فيه فأعد صلاتك «2».

و نحوها مرسلة يونس، عنه (عليه السّلام) «3».

و رواية أبي جميلة البصري قال: كنت مع يونس ببغداد و أنا أمشي في السوق، ففتح صاحب الفُقّاع فُقّاعه، فقفز فأصاب ثوب يونس، فرأيته قد اغتمّ لذلك حتّى زالت الشمس، فقلت له: يا أبا محمّد، إلا تصلّي؟ قال: فقال لي: ليس أُريد أن أُصلّي حتّى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي.

فقلت له: رأي رأيته، أو شي ء ترويه؟ فقال: أخبرني هشام بن حكم: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفُقّاع، فقال

لا تشربه، فإنّه خمر مجهول، فإذا أصاب ثوبك فاغسله «4».

و لا تخفىٰ دلالتها على النجاسة من وجوه.

______________________________

(1) الكافي 6: 427/ 1، وسائل الشيعة 3: 494، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 51، الحديث 1.

(2) هذه محكيّة في الحدائق و غيره، و لم أجدها الآن عاجلًا في كتب الحديث. [منه (قدّس سرّه)]

(3) الكافي 3: 405/ 4، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 3.

(4) الكافي 6: 423/ 7، تهذيب الأحكام 1: 282/ 828، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 242

و صحيحة عليّ بن جعفر المنقولة في الأشربة المحرّمة، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن النَّضُوح يجعل فيه النبيذ، أ يصلح للمرأة أن تصلّي و هو علىٰ رأسها؟ قال

لا، حتّى تغتسل منه «1».

و صحيحته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن الشرب في الإناء يشرب فيه الخمر قدحاً عيدان أو باطية، قال

إذا

غسله فلا بأس.

قال: و سألته عن دَنّ الخمر يجعل فيه الخلّ و الزيتون أو شبهه، قال

إذا غسل فلا بأس «2» ..

إلىٰ غير ذلك.

بل يظهر من بعضها مفروغية النجاسة، كصحيحة معاوية بن عمّار الواردة في الثياب يعملها المجوس «3».

و منها: ما هي كصريحة أو صريحة فيها، كرواية أبي بصير في حديث أُمّ خالد العبدية في التداوي بالنبيذ، قال في ذيلها: ثمّ قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

ما يبلّ الميل ينجّس حبّا من ماء

يقولها ثلاثاً «4».

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 151/ 200، قرب الإسناد: 225/ 878، وسائل الشيعة 25: 380، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 37، الحديث 3.

(2) مسائل عليّ بن جعفر: 154/ 212 و 155/ 216، وسائل الشيعة 25: 369، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30، الحديث 5 و 6.

(3) تهذيب الأحكام 2: 362/ 1497، وسائل الشيعة 3: 518، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 73، الحديث 1.

(4) الكافي 6: 413/ 1، وسائل الشيعة 25: 344، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 20، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 243

و حسنةِ خَيْران الخادم أو صحيحته «1» قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير، أ يصلّىٰ فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صلّ فيه؛ فإنّ اللّٰه إنّما حرّم شربها، و قال بعضهم: لاتصلّ فيه. فوقّع

لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس .. «2»

إلىٰ آخره.

ضرورة أنّ «الرجس» في الحديث بمعنى النجس؛ فإنّ اختلاف الأصحاب لم يكن في استحباب غسله، بل في نجاسته كما هو واضح.

و صحيحةِ عبد اللّٰه بن سِنان قال: سأل أبي أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام)

و أنا حاضر: إنّي أعير الذمّي ثوبي، و أنا أعلم أنّه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن أُصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك؛ فإنّك أعرته إيّاه و هو طاهر، و لم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه «3».

فإنّ الظاهر منها مفروغية نجاسة الخمر و لحم الخنزير، و إنّما سأل عن الشبهة الموضوعية، فأجاب بما أجاب، حيث يعلم منه أنّه مع ملاقاته يصير نجساً، سيّما مع اقترانه بلحم الخنزير.

و صحيحةِ هارون بن حمزة الغَنوي بناءً علىٰ وثاقة يزيد بن إسحاق، كما لا تبعد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل اشتكىٰ عينيه، فنعت له بكحل يعجن

______________________________

(1) تقدّم وجه الترديد في الصفحة 12، الهامش 4.

(2) الكافي 3: 405/ 5، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 2: 361/ 1495، وسائل الشيعة 3: 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 74، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 244

بالخمر، فقال

هو خبيث بمنزلة الميتة، فإن كان مضطرّاً فليكتحل به «1».

فإنّ التنزيل منزلة الميتة إمّا يكون في النجاسة، أو مع الحرمة، لا في الحرمة فقط، سيّما مع قوله (عليه السّلام)

خبيث

و سيّما أنّ الاكتحال ليس بأكل، و أنّ الخمر مستهلك في الكحل، فالأنسب فيه النجاسة، و لا أقلّ من إطلاق التنزيل.

و منه يظهر صحّة الاستدلال برواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن دواء يعجن بالخمر لا يجوز أن يعجن إلّا به، إنّما هو اضطرار، فقال

لا و اللّٰه، لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه، فكيف

يتداوىٰ به؟! و إنّما هو بمنزلة شحم الخنزير الذي يقع في كذا و كذا .. «2»

إلىٰ آخره، تأمّل.

و يمكن عدّ الروايات الواردة في باب المنزوحات «3» من تلك الطائفة؛ فإنّ الناظر فيها لا يشكّ في أنّ نجاستها كانت مفروغاً عنها، و إنّما وقع بعدها السؤال عن حال البئر.

بل جميع الروايات في منزوحات البئر إلّا ما شذ منها واردة في ملاقاته لنجاسات مفروغ عنها، فلا شبهة في دلالتها عليها، سيّما مع إردافها بالدم و الميتة و لحم الخنزير، و تسويتها معها، فجعلها كالصريحة في المطلوب.

كما أنّ منها: موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّه سأله عن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 114/ 493، وسائل الشيعة 25: 350، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 21، الحديث 5.

(2) بحار الأنوار 59: 88/ 15، وسائل الشيعة 25: 346، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 20، الحديث 10.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 245

الإناء يشرب فيه النبيذ، فقال

تغسله سبع مرّات، و كذلك الكلب «1».

فإنّ اقترانه بالكلب و تنظير الكلب به، جعله كالصريح في النجاسة و إن قلنا بأنّ السبع استحبابي.

و منها: ما أُمر فيها بإهراق ملاقيها، كرواية زكريّا بن آدم قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر، قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير، قال

يهراق المرق، أو تطعمه أهل الذمّة أو الكلب، و اللحم اغسله و كله.

قلت: فإنّه قطر فيه دم، قال

الدم تأكله النار إن شاء اللّٰه.

قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم، قال فقال

فسد.

قلت: أبيعه من اليهود و النصارى و أُبيّن لهم؟ قال

نعم؛ فإنّهم يستحلّون شربه.

قلت: و الفُقّاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شي ء من ذلك؟ قال فقال

أكره أن آكله إذا قطر في شي ء من طعامي «2».

و اشتمالها علىٰ أكل النار الدم، لا يضرّ بالمطلوب مع احتمال كون الدم مردّداً بين النجس و غيره، سيّما مع تعقيبه بأنّه مع تقطير الدم في العجين يوجب الفساد. و دلالتها على النجاسة لا تكاد تخفىٰ؛ فإنّ إهراق المرق الكثير لأمر استحبابي بعيد.

نعم، فيها إشعار بأنّ حرمة الخمر صارت موجبة للإهراق، علىٰ تأمّل؛ إذ لا يبعد أن يكون قوله (عليه السّلام)

يستحلّون شربه

إشارة إلىٰ ملازمة الحرمة و النجاسة، و إلّا فمجرّد حرمة الخمر أو الدم مع استهلاكهما لا يوجب التحريم.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 116/ 502، وسائل الشيعة 25: 377، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 35، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 279/ 820، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 246

و حسنة «1» عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتّى تذهب عاديته، و يذهب سكره؟ فقال

لا و اللّٰه، و لا قطرة قطرت في حبّ إلّا أُهريق ذلك الحبّ «2».

و إطلاقها يقتضي لزوم إهراق كلّ ما لاقاها و لو مثل الزيت و الدبس، و مع عدم النجاسة يكون الإهراق بعيداً مع استهلاكها. و احتمال أن يكون ذلك لأجل المبالغة في أمر الخمر و شربها، أيضاً بعيد؛ لإمكان بيان حرمتها و المبالغة فيها بنحو آخر غير الأمر بإهراق مال محترم.

الاستدلال علىٰ طهارة الخمر بالروايات و ردّه

و في

مقابلها روايات استدلّ بها للطهارة ربّما يقال ببلوغها اثنتي عشرة «3»، و هو غير ظاهر، إلّا أن يلحق بها بعض أدلّة النجاسة، كرواية إعارة الثوب لمن يعلم أنّه يشرب الخمر، حيث أجاز الصلاة فيه قبل غسله، و روايةٍ دلّت علىٰ جواز الصلاة فيما يعمله المجوس و هم يشربون الخمر،

______________________________

(1) رواها الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، و عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعاً، عن علي بن حكم، عن أبي المغراء، عن عمر بن حنظلة. و ليس في السند من يتأمّل فيه إلّا عمر بن حنظلة، و هو حسن لوجود الشواهد الكثيرة المذكورة في محلّه، فإنّها لو لم تدلّ على وثاقته فلا أقلّ من دلالتها على حسنه، كما قال المصنّف في كتاب «البيع».

منتهى المقال 5: 128، تنقيح المقال 2: 342/ السطر 15 (أبواب العين)، البيع 2: 639.

(2) الكافي 6: 410/ 15، وسائل الشيعة 25: 341، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 18، الحديث 1.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 360/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 247

و غيرهما، و قد مرّ أنّها ظاهرة في مفروغية نجاستها.

فممّا استدلّ بها صحيحة أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أصاب ثوبي نبيذ، أ أُصلّي فيه؟ قال

نعم.

قلت: قطرة من نبيذ قطر في حبّ، أشرب منه؟ قال

نعم؛ إنّ أصل النبيذ حلال، و أصل الخمر حرام «1».

و فيه: أنّها تدلّ علىٰ خلاف مطلوبهم إن جعلت العلّة مربوطة بالفقرتين؛ لدلالتها علىٰ ملازمة حرمة المشروب لنجاسته، و لا محيص عن حمل قوله (عليه السّلام)

أصل النبيذ حلال ..

إلىٰ آخره، علىٰ حلّية نفس النبيذ، و حرمة نفس الخمر، و إلّا

فما يؤخذ منه الخمر حلال بالضرورة. إلّا أن يراد من «الأصل» حال الغليان قبل صيرورته خمراً، و هو كما ترى.

و لا تدلّ علىٰ مطلوبهم إن جعلت علّة للأخيرة؛ فإنّها قرينة علىٰ أنّ المراد من

النبيذ

في الفقرة المتقدّمة قسم الحلال منه. و لا يبعد شيوع النبيذ الحلال في تلك الأزمنة؛ بحيث كان اللفظ منصرفاً إليه، و لهذا ترى في بعض الروايات تقييده بالمسكر «2»، و في بعضها سئل عنه بلا قيد، فأجاب بأنّه حلال، كرواية الكلبي النسّابة: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن النبيذ، فقال

حلال.

فقال: إنّا ننبذه، فنطرح فيه العَكَر و ما سوىٰ ذلك، فقال

شه، شه، تلك الخمرة المنتنة .. «3»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 279/ 821، وسائل الشيعة 3: 471، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 3: 468، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 3 و 8 و 14.

(3) الكافي 6: 416/ 3، وسائل الشيعة 1: 203، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 2، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 248

و موثّقة حنان بن سَدير قال: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في النبيذ، فإنّ أبا مريم يشربه، و يزعم أنّك أمرته بشربه؟ فقال

صدق أبو مريم، سألني عن النبيذ، فأخبرته أنّه حلال، و لم يسألني عن المسكر «1».

فيظهر منهما شيوع استعماله في القسم الحلال، و معه لا مجال للاستدلال بها للطهارة في القسم الحرام.

و العجب من الأردبيلي حيث اقتصر علىٰ نقل صدرها لمطلوبه، و ترك ذيلها الذي هو قرينة على الصدر، أو دالّ علىٰ خلاف مطلوبه «2».

و أعجب منه توهّم «3» انحصار الصحيحة في الروايات الدالّة

على النجاسة بصحيحة ابن مهزيار «4»، مع أنّ فيها جملةً من الصحاح تدلّ عليها، كصحيحتي «5» عبد اللّٰه بن سِنان في باب إعارة الثوب الذمّيَّ، و معاوية بن عمّار في باب طهارة ما يعمله الكفّار من الثياب ما لم يعلم تنجيسهم لها و غيرها.

مع أنّ الموثّق سيّما مثل موثّق عمّار «6» لا يقصر في إثبات الحكم عن الصحاح.

و العجب منه أيضاً تصحيح رواية الحسين بن أبي سارة بمجرّد ظنّه بأنّ

______________________________

(1) الكافي 6: 415/ 1، وسائل الشيعة 25: 352، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 22، الحديث 5.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 310.

(3) نفس المصدر.

(4) ستأتي في الصفحة 256.

(5) تقدّمتا في الصفحة 242 243.

(6) تقدّم في الصفحة 240.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 249

ما وقع في «التهذيب» في موضعين «1»، من اشتباه النسّاخ، و أنّ الصحيح: «الحسن بن أبي سارة» لوقوعه في «الاستبصار» مكبّراً «2»، و عدم ذكر من الحسين في الرجال «3»، فإنّ مجرّد وقوعه فيه كذلك و إهمال الحسين، لا يوجب الاطمئنان به، و الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً مع أنّ إهمال الراوي في كتب الرجال ليس بعزيز، و من المحتمل أنّ لأبي سارة ولداً آخر يسمّىٰ ب «الحسين» و قد أهمله أصحاب الرجال لجهالته.

نعم لو قيل: بأنّ ذلك لا يوجب جواز طرح رواية «الإستبصار» التي في سندها الحسن الثقة، لكان له وجه.

لكنّه غير وجيه؛ لعدم احتمال كون ما في «الاستبصار» حديثاً ثالثاً غير ما في «التهذيب» مع اتحادهما من جميع الجهات إلّا الاختلاف في الحسن مكبّراً و مصغّراً، و مع ما يقال: إنّ «الاستبصار» قطعة من «التهذيب» «4».

و قد قلنا في محلّه: أن لا

دليل علىٰ حجّية أخبار الثقة إلّا بناء العقلاء الممضى من الشارع المقدّس «5»، و ليس بناؤهم على الاحتجاج بمثل هذه الرواية مع هذه الحال. مضافاً إلىٰ أنّ متنها أيضاً لا يخلو من نحو اختلال، و هو هذا: قال قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إن أصاب ثوبي شي ء من الخمر، أُصلّي فيه قبل أن أغسله؟

قال

لا بأس؛ إنّ الثوب لا يسكر «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 280/ 822 و 824.

(2) الاستبصار 1: 189/ 664 و 666.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 311.

(4) وسائل الشيعة، (الخاتمة) 30: 542.

(5) أنوار الهداية 1: 313، تهذيب الأُصول 2: 133.

(6) تهذيب الأحكام 1: 280/ 822، وسائل الشيعة 3: 471، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 250

فإنّ هذا التعليل غير المناسب للسؤال و الحكم، ربّما يوجب وهناً فيها، سيّما في المقام؛ سواء كان

لا يُسكر

من باب الإفعال؛ و يراد به أنّ الثوب لا يوجب سكر لابسه حتّى لا تصحّ صلاته لأجل كونه سكرانَ، أو يراد به أنّ الثوب لا يكون مسكراً حتّى لا تصحّ الصلاة فيه، أو من المجرّد؛ و يراد به أنّ الثوب لا يصير سكرانَ؛ فإنّ أفاده طهارة الثوب أو الخمر بتلك العلّة البعيدة عن الأذهان و غير المناسبة للمقام، توجب وهناً فيها، و ينقدح في الذهن أنّها معلّلة. مع أنّه على الاحتمال الثاني تشعر بنجاسة الخمر، أو تدلّ عليها.

و أضعف منها سنداً و دلالة روايته الأُخرىٰ:

قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّا نخالط اليهود و النصارى و المجوس، و ندخل عليهم و هم يأكلون و يشربون، فيمرّ ساقيهم، و يصبّ علىٰ ثيابي الخمر، فقال

لا بأس به،

إلّا أن تشتهي أن تغسله لأثره «1».

فإنّها مضافاً إلى اشتراكها مع ما قبلها في الحسين بن أبي سارة في سندها صالح بن سَيابة، و هو مجهول.

مع أنّ في متنها أيضاً وهناً:

من جهة تقريره حضورهم في مجلس شربهم، و المخالطة معهم حتّى في المجالس التي يشربون فيها، و يدور الساقي حولها، مع أنّه حرام منهي عنه.

و من جهة دلالتها علىٰ طهارة الطوائف الثلاث؛ فإنّ الظاهر أنّ الخمر التي أصابت ثيابه من يد ساقيهم، كانت من فضلهم، و من الكأس الدائر بينهم للشرب،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 280/ 824، وسائل الشيعة 3: 471، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 251

فتعارض ما دلّت علىٰ نجاستهم آيةً و روايةً و إجماعاً «1»، و سيأتي محمل لمثلها «2».

و يتلوهما في ذلك رواية الصدوق قال: سئل أبو جعفر و أبو عبد اللّٰه (عليهما السّلام) فقيل لهما: إنّا نشتري ثياباً يصيبه الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها، أ نصلّي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا

نعم، لا بأس؛ إنّ اللّٰه إنّما حرّم أكله و شربه، و لم يحرّم لبسه و لمسه و الصلاة فيه «3».

إذ اشتمالها علىٰ «ودك الخنزير» أي شحمة و دسمه الذي لا يجوز الصلاة فيه بما أنّه نجس العين، و بما أنّه ميتة، و بما أنّه من غير المأكول، موجب لوهنها و عدم جواز التمسّك بها. و التفكيك في مثله كما ترى.

و نظيرهما في ضعف السند بل الدلالة رواية حفص الأعور قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الدَّنّ يكون فيه الخمر، ثمّ يجفّف فيجعل فيه الخلّ، قال

نعم «4».

لجهالة حفص، و قوّةِ احتمال أن يكون السائل بصدد السؤال عن

أنّ الدنّ الذي هو وعاء من خزف ينفذ فيه الخمر إذا جفّف يجعل فيه الخلّ، و لا ينفذ من جوفه الخمر؛ فتسري إلى الخلّ فتفسده و تنجّسه؟ و لم يكن في مقام السؤال عن طهارة الخمر و نجاستها.

بل تشعر الرواية أو تدلّ علىٰ نجاستها من حيث مفروغيتها، و السؤال عن نفوذها و تنجيسها، تأمّل. و كيف كان؛ الظاهر عدم الإطلاق فيها.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 391 416.

(2) سيأتي في الصفحة 252 253.

(3) الفقيه 1: 160/ 752، وسائل الشيعة 3: 472، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 13.

(4) الكافي 6: 428/ 2، وسائل الشيعة 3: 495، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 51، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 252

و بالجملة: لمّا كانت الظروف التي تصنع فيها الخمر من نظائره، منهياً عنها في الروايات كما في رواية أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

نهىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن كلّ مسكر، فكلّ مسكر حرام.

قلت: فالظروف التي يصنع فيها منه؟ قال

نهىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الدباء و المُزَفَّت و الحَنْتَم و النقير .. «1»

إلىٰ آخره فلعلّ ذلك صار سبباً للسؤال عن نحوها، فلا يكون لها إطلاق يتمسّك به للطهارة؛ لو لم نقل بدلالتها علىٰ خلافها.

و منه يظهر الكلام في حسنة «2» عليّ الواسطي قال: دخلت الجويرية- و كانت تحت عيسىٰ بن موسى علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و كانت صالحة، فقالت: إنّي أتطيّب لزوجي، فيجعل في المشطة التي أمتشط بها الخمر، و أجعله في رأسي، قال

لا بأس «3».

لقرب احتمال أن تكون شبهتها في حلّية الانتفاع

بالخمر، و جواز التمشّط بها؛ ضرورة أنّه مع تلك التشديدات في أمر الخمر و المسكر كقوله (عليه السّلام)

لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه «4»

، و قوله (عليه السّلام)

ما أُحبّ أن أنظر إليه، و لا

______________________________

(1) الكافي 6: 418/ 3، وسائل الشيعة 3: 496، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 52، الحديث 2.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العبّاس بن معروف، عن سعدان بن مسلم، عن علي الواسطي، و الرواية حسنة بسعدان بن مسلم.

راجع تنقيح المقال 1: 23/ السطر 6، منتهى المقال 3: 331.

(3) تهذيب الأحكام 9: 123/ 530، وسائل الشيعة 25: 379، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 37، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 25: 346، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 20، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 253

أشمّه «1»

، و النهي عن الانتفاع بها «2»، و تحريم الأكل علىٰ مائدة تشرب عليها الخمر «3»، و النهي عن الجلوس عند شرّاب الخمر «4»، و عن الصلاة في بيت فيه خمر «5»، و عن الظروف التي يصنع فيها الخمر «6»، و عن التداوي بها «7» .. إلىٰ غير ذلك «8» ينقدح في الأذهان عدم جواز التطيّب بها، بل و سائر الانتفاعات. بل لعلّه تنقدح فيها شبهة جواز مسّها و لمسها، و لبس الثوب الذي أصابها.

و عليه لا يبقى لمثل قوله (عليه السّلام)

لا بأس

ظهور في الطهارة مع قرب احتمال نفي الحرمة النفسية، فإذن فرق بين الخمر و المسكر، و بين سائر الموارد ممّا لا يحتمل الحرمة النفسية احتمالًا معتدّاً به، حيث يقال فيها: بظهور

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 345، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب

الأشربة المحرّمة، الباب 20، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 25: 280، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 1، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 25: 374، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 33، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 25: 374، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 7.

(6) وسائل الشيعة 25: 357، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 25، الحديث 1.

(7) وسائل الشيعة 25: 343، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 20، الحديث 1.

(8) مثل تحريم الاكتحال بالخمر، راجع وسائل الشيعة 25: 349، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 254

نفي البأس في نفي المانعية أو النجاسة، فإنّه مع هذا الاحتمال القريب، لا يبقى لنفي البأس ظهور في الغيرية حتّى يستفاد منه ذلك.

و عليه لا يبعد إنكار ظهور موثّقة ابن بكير قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا عنده عن المسكر و النبيذ يصيب الثوب، قال

لا بأس «1»

، في نفي البأس الغيري حتّى يستفاد منه الطهارة، أو عدم المانعية؛ بعد احتمال أن يكون نفيه عن لبس ما يصيبه الخمر، كما نفى البأس عنه في موثّقته الأُخرى المتقدّمة، و فيها

نعم لا بأس، إنّ اللّٰه حرّم أكله و شربه، و لم يحرّم لبسه و لمسه و الصلاة فيه «2»

، فإنّها تشعر أو تدلّ علىٰ أنّ جواز اللبس و اللمس، أيضاً كان مورد الشبهة و النظر، فلا يبقى ظهورها في الطهارة بعد ما عرفت. و هذا ليس ببعيد بعد التأمّل فيما مرّ، و

التدبّر فيما ورد في الخمر؛ و إن كان بعيداً بدواً.

و أمّا صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن البيت يبال علىٰ ظهره، و يغتسل من الجنابة، ثمّ يصيبه المطر، أ يؤخذ من مائه فيتوضّأ به للصلاة؟ فقال

إذا جرىٰ فلا بأس به.

قال: و سألته عن الرجل يمرّ في ماء المطر و قد صبّ فيه خمر، فأصاب ثوبه، هل يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ فقال

لا يغسل ثوبه و لا رجله، و يصلّي فيه، و لا بأس به «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 280/ 823، وسائل الشيعة 3: 471، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 11.

(2) تقدّم في الصفحة 251، لكن رواها الصدوق مرسلة في الفقيه و مسندة في العلل بسند صحيح إلىٰ بكير دون ابن بكير. الفقيه 1: 160/ 752، علل الشرائع: 357/ 1.

(3) الفقيه 1: 7/ 6 و 7، وسائل الشيعة 1: 145، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 255

و عن «كتاب عليّ بن جعفر» مثله، و زاد: و سألته عن الكنيف يكون فوق البيت، فيصيبه المطر، فيكفّ فيصيب الثياب، أ يصلّىٰ فيها قبل أن تغسل؟ قال

إذا جرىٰ من ماء المطر لا بأس، و يصلّى فيه «1».

فهي من أدلّة نجاسة الخمر لا طهارتها؛ ضرورة أنّ السؤال عنها كالسؤال عن البول و الكنيف بعد الفراغ عن نجاستها إنّما هو عن حال إصابة المطر لها.

و الإنصاف: أنّ الاستدلال بمثلها للطهارة، ليس إلّا لتكثير سواد الدليل، و إلّا فهي من أدلّة نجاستها.

و أمّا رواية «فقه الرضا» «2» فمع ضعفها بل عدم ثبوت كونها رواية «3» مشتملة علىٰ ما لا

نقول به، فراجعها.

فما بقي في الباب إلّا صحيحة ابن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي، فأغسله، أو أُصلّي فيه؟ قال

صلّ فيه، إلّا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر؛ إنّ اللّٰه تعالىٰ إنّما حرّم شربها «4»

،

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 192/ 398.

(2) و هي هكذا «لا بأس أن تصلّي في ثوب أصابه خمر لأنّ اللّٰه حرّم شربها و لم يحرم الصلاة في ثوب أصابته و إن خاط خياط ثوبك بريقه و هو شارب الخمر إن كان يشرب غبّاً فلا بأس و إن كان مدمناً للشرب كل يوم فلا تصلّ في ذلك الثوب حتّى يغسل».

الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 281، مستدرك الوسائل 2: 584، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 4.

(3) لوجود الشواهد علىٰ أنّ هذا الكتاب من تصنيف بعض العلماء، و ليس كتاب مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) كما قاله المصنّف (قدّس سرّه) في الجزء الأوّل: 528.

(4) قرب الإسناد: 163/ 595، وسائل الشيعة 3: 472، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 256

فإنّها سليمة سنداً و دلالةً من الخدشة.

بل يمكن أن يقال: إنّ قوله (عليه السّلام)

إلّا أن تقذره فتغسل منه ..

إلىٰ آخره، نحو تفسير للأوامر الواردة في غسل الثوب منها. بل لقوله

رجس

و

نجس

بدعوىٰ: أنّ القذارة فيها بالمعنى العرفي، فتكون شاهدة للرجس و النجس في غيرها.

بل قوله (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه إنّما حرّم شربها ..

إلىٰ آخره، حاكم علىٰ ما تقدّم لولا صحيحة عليّ بن مَهْزِيار قال: قرأت في كتاب عبد اللّٰه بن محمّد إلىٰ أبي الحسن (عليه السّلام): جعلت فداك، روىٰ زرارة، عن أبي

جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام): في الخمر يصيب ثوب الرجل، أنّهما قالا

لا بأس بأن تصلّي فيه؛ إنّما حرّم شربها.

و روى غير زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ- يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه، و إن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، و إن صلّيت فيه فأعد صلاتك.

فأعلمني ما آخذ به؟

فوقّع (عليه السّلام) بخطّه و قرأته

خذ بقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1».

و حسنة خَيْران الخادم أو صحيحته المتقدّمة «2»، فإنّهما حاكمتان عليها و علىٰ جميع الروايات في الباب؛ علىٰ فرض تسليم دلالتها.

و العجب من الأردبيلي، حيث ردّ الأُولىٰ تارة: باحتمال أنّ المراد من الأخذ بقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) هو الأخذ بقوله المشترك مع أبي جعفر (عليه السّلام)،

______________________________

(1) الكافي 3: 407/ 14، تهذيب الأحكام 1: 281/ 826، وسائل الشيعة 3: 468، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 2.

(2) تقدّم وجه الترديد في الصفحة 12، الهامش 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 257

و أُخرى: بأنّ المشافهة خير من المكاتبة «1»، و أنت خبير بما فيه من الضعف.

ثمّ إنّه علىٰ فرض تسليم دلالة الروايات المذكورة على الطهارة، و الغضّ عمّا مرّ، فلا شبهة في تعارض الطائفتين من غير جمع مقبول بينهما؛ ضرورة وقوع المعارضة و المخالفة بين قوله (عليه السّلام)

لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس

، و قوله (عليه السّلام)

ما يبلّ الميل ينجّس حبّا من ماء

، و قوله (عليه السّلام)

لا و اللّٰه، و لا قطرة قطرت في حبّ إلّا أُهريق ذلك الحبّ

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى

قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 257

، و قوله (عليه السّلام)

إنّه خبيث بمنزلة الميتة، و إنّه بمنزلة شحم الخنزير

، و قوله (عليه السّلام)

تغسل الإناء منه سبع مرّات، و كذلك الكلب ..

إلىٰ غير ذلك.

و بين قوله (عليه السّلام)

لا بأس بالصلاة فيه

، و قوله (عليه السّلام)

صلّ فيه

معلّلًا ب

أنّ اللّٰه إنّما حرّم شربها ..

إلىٰ غير ذلك.

و لو حاول أحد الجمع بينهما؛ بحمل الطائفة الأُولىٰ على الاستحباب «2»، أو حمل «الرجس» و «النجس» علىٰ غير ما هو المعهود «3»، لساغ له الجمع بين جميع الروايات المتعارضة، فإنّه ما من مورد إلّا و يمكن حمل الروايات علىٰ ما يخرجها عن التعارض، فبقيت أخبار العلاج بلا مورد، و قد حقّق في محلّه: أنّ ميزان الجمع هو الجمع العرفي لا العقلي «4»، و هو مفقود في المقام.

و قد قلنا في محلّه: إنّ الشهرة التي أُمرنا في مقبولة عمر بن حنظلة «5» في

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 1: 310.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 312، مدارك الأحكام 2: 292، مستمسك العروة الوثقى 1: 401.

(3) انظر مدارك الأحكام 2: 291.

(4) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 59 60.

(5) الكافي 1: 67/ 10، وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 258

باب التعارض بالأخذ بها، و ترك الشاذّ النادر المقابل لها، هو الشهرة في الفتوىٰ، لا في النقل، و تلك الشهرة و مقابلها معيار تشخيص الحجّة عن اللاحجّة، و المشهور بين الأصحاب بيّن رشده، و مقابله بيّن غيّه، و المقام من هذا القبيل، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «1».

سريان حكم الخمر في جميع المسكرات المائعة بالأصالة

ثمّ إنّ

حكم الخمر سارٍ في جميع المسكرات المائعة بالأصالة، و لا يختصّ بالخمر و النبيذ المنصوص عليهما في الروايات:

لا لصدق «الخمر» عليها لغة أو عرفاً؛ ضرورة عدم ثبوت ذلك لو لم نقل بثبوت خلافه.

و لا للحقيقة الشرعية كما ادعاها صاحب «الحدائق» مستدلّاً بجملة من الروايات، كرواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في قوله تعالىٰ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ .. «2» الآية

أمّا الخمر: فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر، و ما أسكر كثيره فقليله حرام ..

ثمّ ذكر قضيّة أبي بكر.

ثمّ قال

إنّما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البُسْر و التمر، فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقعد في المسجد، ثمّ دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفاها، و قال: هذه كلّها خمر حرّمها اللّٰه، فكان أكثر شي ء اكفئ في ذلك اليوم الفضيخ، و لم أعلم اكفئ يومئذٍ من خمر العنب شي ء إلّا إناء واحد كان

______________________________

(1) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 175.

(2) المائدة (5): 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 259

فيه زبيب و تمر جميعاً، و أمّا عصير العنب فلم يكن منه يومئذٍ بالمدينة شي ء، و حرّم اللّٰه الخمر قليلها و كثيرها، و بيعها و شراءها، و الانتفاع بها .. «1»

إلىٰ آخره.

و بما عن ابن عبّاس في تفسير الآية قال: «يريد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر» «2».

و بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) المحكي في رواية عطاء بن يسار، عن الباقر (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): كلّ مسكر حرام، و كلّ مسكر خمر «3».

و بجملة من الروايات المصرّحة بأنّ

الخمر من خمسة أو ستّة أشياء، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال:

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل، و المِزْر من الشعير، و النبيذ من التمر «4»

، و نحوها غيرها «5».

قال في «الحدائق»: «فقد ظهر بما نقلناه من الأخبار، تطابق كلام اللّٰه تعالىٰ و رسوله علىٰ أنّ الخمر أعمّ ممّا ذكروه من التخصيص بالمتخذ من

______________________________

(1) تفسير القمّي 1: 180، وسائل الشيعة 25: 280، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 1، الحديث 5.

(2) انظر مجمع البيان 3: 370.

(3) الكافي 6: 408/ 3، وسائل الشيعة 25: 326، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 15، الحديث 5.

(4) الكافي 6: 392/ 1، وسائل الشيعة 25: 279، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 1، الحديث 1.

(5) راجع وسائل الشيعة 25: 279، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 1، الحديث 2 و 3 و 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 260

العنب، فيكون حقيقة شرعية في ذلك بلا إشكال» «1».

و أنت خبير بما فيه؛ ضرورة أنّ تلك الروايات و قول ابن عبّاس، لا يثبت بها إلّا إطلاق «الخمر» علىٰ غير المتخذ من العنب أحياناً، و أمّا كونه علىٰ وجه الحقيقة فغير ظاهر. و التمسّك بأصالة الحقيقة مع معلومية المراد و الشكّ في الوضع لإثباته كما ترى. مع أنّ شأن الرسول و الأئمّة صلوات اللّٰه عليهم ليس بيان اللغة و وضعها.

و العجب منه كيف غفل عن سائر الروايات الظاهرة في أنّ الخمر مختصّة بالمتخذ من العنب، و

أنّ ما حرّم اللّٰه تعالىٰ هو ذلك بعينه، و أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حرّم غيره من المسكرات؟! كرواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

وضع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دية العين و دية النفس، و حرّم النبيذ و كلّ مسكر.

فقال له رجل: وضع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من غير أن يكون جاء فيه شي ء؟ فقال

نعم؛ ليعلم من يطيع الرسول ممّن يعصيه «2».

فانظر كيف صرّح فيها بعدم ورود شي ء في حرمة المسكرات، مع ورود حكم الخمر في الكتاب العزيز.

و روايةِ أبي الربيع الشامي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه حرّم الخمر بعينها، فقليلها و كثيرها حرام، كما حرّم الميتة و الدم و لحم الخنزير، و حرّم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الشراب من كلّ مسكر، و ما حرّمه رسول اللّٰه فقد حرّمه اللّٰه عزّ و جلّ «3».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 113 114.

(2) الكافي 1: 210/ 7، وسائل الشيعة 25: 354، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 408/ 2، وسائل الشيعة 25: 325، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 15، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 261

و روايةِ الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن النبيذ، فقال

حرّم اللّٰه الخمر بعينها، و حرّم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من الأشربة كلّ مسكر

«1». و أوضح منها صحيحة عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال

إنّ اللّٰه لم يحرّم الخمر

لاسمها، و لكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر «2».

فإنّها صريحة في أنّ اسم «الخمر» لا يطلق علىٰ غيرها من المسكرات، لكنّها خمر عاقبة و أثراً و حكماً، و هي شاهدة للمراد في الروايات التي تمسّك بها صاحب «الحدائق» «3» بأنّ المراد من كون الخمر من خمسة: أنّها خمر لأجل كون عاقبتها عاقبة الخمر، فهي خمر حكماً، لا اسماً و لغة.

و لا تنافي بينها و بين ما تقدّم من أنّ تحريم غيرها من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فإنّ الظاهر منها أيضاً أنّ اللّٰه إنّما حرّم الخمر، لكن سرّ تحريمه عاقبتها، و رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حرّم كلّ ما فيه هذا السرّ.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ اللّٰه تعالىٰ حرّم الخمر فقط، لكن حكمة الجعل إسكاره، و رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حرّم كلّ ما فيه هذه الحكمة.

و لا لكون «النبيذ» حقيقة في جميع الأنبذة؛ و إن ظهر ذلك من بعض

______________________________

(1) الكافي 6: 408/ 5، وسائل الشيعة 25: 326، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 15، الحديث 6.

(2) الكافي 6: 412/ 2، وسائل الشيعة 25: 342، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 19، الحديث 1.

(3) الحدائق الناضرة 5: 113 114.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 262

اللغويين، قال في «القاموس»: «النبيذ: الملقى، و ما نبذ من عصير و نحوه» «1».

و في «المجمع»: «و النبيذ: ما يعمل من الأشربة من التمر و الزبيب و العسل و الحنطة و الشعير و غير ذلك» «2».

و في «المنجد»: «النبيذ: المنبوذ، الخمر المعتصر من العنب أو التمر، الشراب

عموماً» «3».

و ذلك لأنّ الشائع في عصر صدور الروايات و محلّه؛ هو استعماله في النبيذ من التمر، و قد يطلق على الزبيب، فكان المستعمل فيها منصرفاً عن سائر الأنبذة جزماً، و عن الزبيب ظاهراً، و قد تقدّم عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أنّ

الخمر من خمسة .. «4»

و خصّ النبيذ بالتمر، و النقيع بالزبيب، و لعلّ شيوع استعماله فيه لأجل كون التمر في محيط صدور الروايات شائعاً جدّاً، و ما كانوا ينبذون من غيره إلّا نادراً.

و كيف كان: لا يمكن استفادة حكم سائر المسكرات من روايات النبيذ.

بل لروايات خاصّة مضافاً إلىٰ عدم الخلاف فيه ممّن قال بحرمته «5»، و قد مرّ عدم الاعتداد بخلاف من خالف في المسألة المتقدّمة «6» كموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لاتصلّ في بيت فيه خمر و لا مسكر؛ لأنّ الملائكة

______________________________

(1) القاموس المحيط 1: 372.

(2) مجمع البحرين 3: 189.

(3) المنجد: 785.

(4) تقدّم في الصفحة 259.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 35.

(6) تقدّم في الصفحة 238.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 263

لا تدخله، و لا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى تغسله «1».

و الخدشة فيها: بأنّ اشتمالها على النهي عن الصلاة في بيت فيه خمر المحمول على الكراهة، يوهن دلالتها على الحرمة الوضعية «2».

مدفوعة أوّلًا: بأنّ مجرّد ورود نهي في صدرها قام الدليل علىٰ عدم حرمته، لا يوجب الوهن في نهي آخر مستقلّ مستأنف.

و ثانياً: اقتران «المسكر» ب «الخمر» و عطفه عليها يدفع توهّم الوهن لو فرض؛ فإنّ النهي عن الصلاة في ثوب أصابه خمر، تحريميّ كما مرّ «3»، و لأجل نجاستها، كما صرّحت بها

رواية خَيْران الخادم «4»، و كذلك في «المسكر» المعطوف عليه.

و حسنةِ «5» عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتّى تذهب عاديته، و يذهب سكره؟ فقال

لا و اللّٰه، و لا قطرة قطرت في حبّ إلّا أُهريق ذلك الحبّ «6».

بل و صحيحة عليّ بن مَهْزِيار «7»؛ بناءً علىٰ أنّ قوله: «يعني المسكر» لم يكن تفسيراً للنبيذ، بل يكون المراد التعميم في السؤال، و هو و إن كان للراوي ظاهراً، لكن تقرير أبي الحسن (عليه السّلام) إيّاه، و إرجاعه إلىٰ قول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 278/ 817، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 7.

(2) مشارق الشموس: 331/ السطر 24.

(3) تقدّم في الصفحة 240.

(4) تقدّم في الصفحة 243.

(5) تقدّم وجهها في الصفحة 246، الهامش 1.

(6) تقدّم في الصفحة 246.

(7) تقدّمت في الصفحة 256.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 264

من غير التعرّض للتفسير، دالّ على ارتضائه به.

لكن للخدشة فيها مجال؛ لاحتمال أن يكون التفسير للنبيذ؛ فإنّه علىٰ قسمين: محلّل، و محرّم مسكر.

و الإنصاف: أنّ روايات النبيذ مع التقييد بالمسكر، أو التفسير به، و ما وردت في الخمر كقوله (عليه السّلام)

إنّ الثوب لا يسكر

، و قوله (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه لم يحرم الخمر لاسمها، لكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر

ممّا تؤيّد نجاسة مطلق المسكر.

بل لأحد أن يقول: إنّ المستفاد من الأخيرة عموم التنزيل و إطلاقه. و مجرّد كون صدرها في مقام بيان التحريم، لا يوجب صرف الإطلاق.

إلّا أن يقال: إنّ المعروف من خاصّة الخمر في تلك الأزمنة هو حرمتها لا نجاستها،

فإنّها كانت محلّ خلاف و كلام، فينزّل على الخاصّة المعروفة في زمان الصدور. و هو لا يخلو من تأمّل و كلام.

و أمّا التمسّك لإثبات النجاسة بما دلّت علىٰ أنّ الخمر من خمسة أشياء «1»؛ بدعوىٰ أنّ الحمل إمّا حقيقي كما قد يدّعى «2»، و إمّا لثبوت أحكام الحقيقة، فغير تامّ؛ لأنّ الحمل ليس بحقيقي كما تقدّم «3»، و ليس في تلك الروايات إطلاق جزماً، فهي أسوأ حالًا من الرواية المتقدّمة؛ و إن عكس الأمر شيخنا الأعظم (رحمه اللّٰه) «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 259.

(2) الحدائق الناضرة 5: 114.

(3) تقدّم في الصفحة 258.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 360/ السطر 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 265

طهارة المسكر الجامد بالأصالة

ثمّ إنّ مقتضى الأصل طهارة المسكر الجامد بالأصالة و إن صار مائعاً بالعرض، كما نصّ عليها في محكي «التذكرة»، و «الذكرى»، و «جامع المقاصد»، و «الروض»، و «المسالك»، و «المدارك»، و «الذخيرة» «1».

بل عن الأخير: «أنّ الحكم بنجاسة المسكرات مخصوص عند الأصحاب بما هو مائع بالأصالة». و عن «المدارك»: «أنّ الحكم به مقطوع به في كلام الأصحاب».

بل عن «الدلائل» نقل الإجماع عليه «2». و عن «الحدائق» اتفاق كلّهم عليه «3». و عن «شرح الدروس» عدم ظهور الخلاف فيه «4».

و قد يتوهّم شمول بعض الروايات الدالّة على النجاسة له أيضاً «5»، كعموم التنزيل في الرواية المتقدّمة «6»، و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

كلّ مسكر حرام، و كلّ مسكر خمر «7» ..

إلىٰ غير ذلك.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 65، ذكرى الشيعة 1: 118، جامع المقاصد 1: 161، روض الجنان: 163/ السطر 27، مسالك الأفهام 1: 122، مدارك الأحكام 2: 289، ذخيرة المعاد: 154/ السطر 39.

(2) انظر مفتاح الكرامة

1: 139/ السطر 27.

(3) الحدائق الناضرة 5: 117.

(4) مشارق الشموس: 335/ السطر الأخير.

(5) مشارق الشموس: 335/ السطر الأخير، مستمسك العروة الوثقى 1: 404.

(6) تقدّمت في الصفحة 261.

(7) تقدّم في الصفحة 259.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 266

و فيه: أنّها منصرفة إلى المائعات، خصوصاً مع حصر الخمر في الروايات التي تقدّم بعضها بالأشياء التي كلّها مائعات بالأصالة. مضافاً إلىٰ قوله (عليه السّلام) في رواية أبي الجارود

فكلّ مسكر من الشراب فهو خمر.

هذا مع عدم الجزم بعموم التنزيل في تلك الروايات، فلا ينبغي التأمّل في قصورها عن إثباتها.

نجاسة المسكر المنجمد المائع بالأصالة

كما لا ينبغي التأمّل في نجاسة المنجمد من المسكر المائع بالأصالة؛ للأصل، بل إطلاق الأدلّة، ضرورة أنّه لو جمد الخمر أو المسكر، لا يسلب عنه الاسم، فتكون خمراً جامدة و مسكرة كذلك؛ لعدم انقلاب الحقيقة بالجمود عمّا هي عليه.

نعم، لو زال عن غير الخمر و النبيذ إسكاره، يتشبّث فيه بالاستصحاب لإثبات نجاسته، و لا شبهة في جريانه، و أمّا الخمر و النبيذ فالحكم تابع لعنوانهما.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 267

تنبيه في حكم العصير العنبي
اشارة

قد وقع الخلاف بين أصحابنا قديماً و حديثاً في نجاسة عصير العنب الذي غلىٰ و لم يذهب ثلثاه، و لم يعرض له إسكار، بعد عدم الإشكال و الريب في حرمته.

ثمّ اعلم: أنّه لا يجوز الاتكال في المسألة على دعاوي الشهرة و عدم الخلاف و الاتفاق؛ لتراكم الأقوال و الدعاوى فيها من الطرفين:

فربّما يدّعي الشهرة علىٰ نجاسته بين المتأخّرين «1»، أو مطلقاً «2». أو يدّعىٰ «3» عدم الوقوف على القول بها إلّا من أبي حمزة من القدماء «4»، و المحقّق في «المعتبر» «5». أو يقال: «إنّ القول بالنجاسة بين الطبقة الاولىٰ من فقهائنا أمّا قليل أو معدوم» «6» و هو كذلك ظاهراً، كما يظهر بالمراجعة إلىٰ كتبهم، ك «الناصريات»،

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 123، مدارك الأحكام 2: 292.

(2) جامع المقاصد 1: 162، روض الجنان: 164/ السطر 4.

(3) ذكرى الشيعة 1: 115.

(4) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 365.

(5) المعتبر 1: 424.

(6) مستند الشيعة 1: 214.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 268

و «النهاية»، و «المراسم»، و «الغنية»، بل و «الوسيلة» «1». بل هو الظاهر من كلّ من قيّده بالاشتداد «2».

و أمّا الصدوقان و إن يظهر منهما أنّ العصير المغلي خمر «3»،

لكن قد مرّ أنّ الظاهر منهما عدم نجاسة الخمر «4».

و بالجملة: إنّ المسألة ممّا لا يمكن تحصيل الشهرة و الإجماع فيها؛ فإنّ في كثير من عبارات الأصحاب التقييدَ بالاشتداد، حتّى قيل: «إنّ نجاسته إذا غلىٰ و اشتدّ مشهورة بين الأصحاب» «5» و حكي ذلك عن «الذكرى»، و «جامع المقاصد»، و غيرهما «6». بل في «المجمع» و عن «كنز العرفان» دعوى الإجماع علىٰ نجاسته و حرمته مع الاشتداد «7».

و الظاهر أو المحتمل أن يكون مرادهم من «الاشتداد» السكر، كما احتمله جمع، منهم النراقي «8»، و تبعهم بعض أهل التتبّع و التحقيق، و أصرّ عليه «9»، فحينئذٍ تكون المسألة خارجة عن بحثنا؛ أي إلحاق العصير المغلي غير المسكر بالمسكر.

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217، النهاية: 591، المراسم: 55، غنية النزوع 1: 41، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 365.

(2) السرائر 1: 66، شرائع الإسلام 1: 44، منتهى المطلب 1: 167/ السطر 32.

(3) الفقيه 4: 40/ 131، المقنع: 453.

(4) تقدّم في الصفحة 237.

(5) مفتاح الكرامة 1: 141/ السطر 20.

(6) ذكرى الشيعة 1: 115، (و ليس فيه القول بالشهرة لكن نقلها عنه في مفتاح الكرامة 1: 141/ السطر 20)، جامع المقاصد 1: 162، روض الجنان: 164/ السطر 4.

(7) مجمع البحرين 3: 407، كنز العرفان 1: 53.

(8) مستند الشيعة 1: 215.

(9) إفاضة القدير: 37 و 41.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 269

تعيين المراد من «العصير» المبحوث عنه

و كيف كان: لا بأس قبل الاشتغال بالاستدلال بتحصيل المراد من

العصير

الوارد في النصّ و الفتوىٰ.

فنقول: لا شبهة في أنّ المراد منه فيهما هو العصير العنبي، لا لأنّه موضوع لخصوصه وضعاً جامداً؛ فإنّه غير ثابت.

كما أنّ وضعه لمطلق عصارة الأجسام غير ثابت؛ و إن يوهمه بعض

تعبيرات اللغويين، أو يظهر منه ذلك:

ففي «القاموس»: «عصر العنب و نحوه يعصره، فهو معصور و عصير- إلىٰ أن قال و عصارته و عصاره و عصيره: ما تحلب منه» «1».

و في «المنجد»: «العصير و العصيرة و العصار: ما تحلب ممّا عصر، العصير أيضاً: المعصور» «2».

و المستفاد منهما ظاهراً أنّه موضوع له نحو موضوعية «العصارة» له، لا أنّه يطلق عليه نحو إطلاق العنوان الاشتقاقي عليه.

نعم، في «المجمع»: «عصرت العنب عصراً من باب ضرب-: استخرجت ماءه، و اسم الماء العصير فعيل بمعنى مفعول» «3».

و مراده من اسمه بقرينة قوله: «فعيل بمعنى مفعول» أنّه يطلق عليه وصفاً.

______________________________

(1) القاموس المحيط 2: 93.

(2) المنجد: 509.

(3) مجمع البحرين 3: 407.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 270

كلام المحقّق شيخ الشريعة في المقام و نقده

و لعلّه منه أخذ بعض أهل التحقيق، حيث ذهب في رسالته المعمولة في عصير العنب إلىٰ أنّ «العصير» أُطلق على الماء المستخرج من العنب و غيره بالمعنى الوصفي، و من قبيل استعمال «فعيل» بمعنى مفعول.

و وجّهه تارة: بأنّ العصر إذا وقع على الشي ء المتضمّن للماء، فقد وقع علىٰ جميع أجزائه التي منها الماء.

و أُخرى: بأنّ إطلاق «الفعيل» بمعنى المفعول حقيقةً، لا يختصّ بما إذا كان مفعولًا من غير تقييد، بل يصحّ إذا كان مفعولًا مع التقييد بحرف، كالنبيذ و النقيع و المريس، فإنّ «النبيذ» استعمل في الماء الذي ينبذ فيه التمر، و النقيع فيما نقع فيه الزبيب، و المريس في الماء الذي دلك فيه التمر أو الزبيب، فهي «فعيل» بمعنى المفعول مع التقييد، و العصير أيضاً يستعمل في الماء المستخرج استعمال «الفعيل» في المفعول المقيّد. و قد جعل ذلك دقيقة لغوية.

و قال أيضاً في تقريبه:

إنّه إذا تحقّق العصر فالفاعل عاصر، و ذلك

الشي ء معصور، و الماء معصور منه، و قد يؤدّىٰ هذا المعنىٰ بالفعل المجهول، فيقال: «عُصِر هذا من ذاك» و قد يؤدّىٰ بصيغة المفعول، فيقال: «إنّه معصور منه» فالعنب و ماؤه كلاهما معصور منه، لكن كلمة «منه» في الأوّل نائب الفاعل، و في الثاني الضمير المستتر في المعصور الراجع إلى الماء، هو نائب الفاعل «1»، انتهىٰ ملخّصاً.

و فيه مواقع للنظر

______________________________

(1) إفاضة القدير: 7 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 271

منها: ما يدعي من أنّ العصر إذا وقع على العنب، وقع علىٰ مائه الذي في جوفه، لأنّ الماء و نحوه من المائعات لا يقع عليها العصر، و لا تصير معصوراً حقيقة في العرف و اللغة، فإذا وقع العصر علىٰ شي ء كان في جوفه الماء، يقع العصر علىٰ ذلك الشي ء، و يفرّ الماء من تحت يد العاصر، و ربّما يخرج من المعصور.

فالماء لا يقبل العصر و لا يقع عليه، إلّا ببعض الآلات الحديثة ممّا توجب تكاثفه، و أمّا الماء في جوف العنب أو الثوب فلا يصير معصوراً، و إلّا لكان «العصير» صادقاً على الماء الذي في جوف العنب إذا عصر العنب رقيقاً؛ بحيث لا يخرج ماؤه، و لكان «المعصور» و «العصير» صادقاً على الماء في جوف القربة إذا عصرت، و هو كما ترى. و السرّ فيه عدم قبول المائعات العصر.

و منها: أنّ ما جعله دقيقة لغوية في العصير و النبيذ و مثلهما من إطلاق «الفعيل» بمعنى المفعول مع التقييد يخالف الموازين الأدبية و الدقائق اللغوية، و مغالطة نشأت من الخلط بين المفعول الصرفي و المفعول النحوي، فإنّ «الفعيل» يجي ء بمعنى المفعول الصرفي لا النحوي، و المفعول الصرفي مقابل الفاعل الصرفي لا يصدق حقيقة

إلّا علىٰ ما وقع عليه الفعل، فهل ترى صحّة إطلاق «الفعيل» على المفعول فيه حقيقة، فيقال: «الجريح» علىٰ زمان الجرح و مكانه، و علىٰ سائر المفاعيل، كالمفعول المطلق و المفعول له؟! ففي المقام ما وقع عليه العصر هو العنب، و لأجله خرج الماء من جوفه، فالعنب معصور و عصير؛ بمعنى المعصور، و الماء مستخرج منه، لا معصور منه.

بل لا محصّل عند التأمّل للمعصور منه، إلّا أن يراد أنّه معصور من قِبَله. مع أنّ الماء ليس معصوراً لا من قِبَل العاصر، كما عرفت، و لا من قِبَل العنب، فلو أُطلق على الماء «المعصور منه» يكون المراد أنّه مستخرج من العنب بالعصر

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 272

الواقع عليه، لا على الماء. نعم لا مانع من الإطلاق الاستعاري و المجازي.

و منها: أنّ دعواه أنّ العنب معصور منه و كذا الماء؛ مستشهداً بصدق «عصر هذا من ذاك» في غير محلّها؛ لأنّ العنب معصور، لا معصور منه؛ فإنّ «عصر» متعدٍّ، يقال: «عصر العنب يعصره، فهو عاصر، و ذاك معصور» و لا معنىٰ لتعديته ب «من».

و أمّا الماء فلا يطلق عليه: «أنّه معصور منه» بمعنى وقع عليه العصر من العاصر، فلا يصحّ إطلاق «العصير» عليه، إلّا أن يراد أنّه يستخرج من العنب عصراً؛ بمعنى وقوعه على العنب، لا وقوعه عليه، و كذا الحال في «عصر هذا من ذاك» يراد به أنّه خارج منه عصراً، لا أنّه معصور منه، فإنّه لا يرجع إلىٰ محصّل، فما زعمه دقيقة ففي الحقيقة غفلة عن دقيقة.

نعم، لا إشكال في أنّ

العصير

في الأخبار علىٰ كثرتها لم يعهد استعماله في غير الماء المستخرج من العنب، كما أنّ استعماله فيه شائع كثير الورود

فيها «1»؛ بحيث لا يبقى شبهة للمتتبّع فيها في أنّ

العصير

فيها ليس إلّا الماء المستخرج من العنب، و هذا كافٍ في حمل المطلقات عليه و لو قلنا: بأنّ استعماله حقيقة في مطلق المعتصر من الأجسام، فضلًا عن القول: بأنّه ليس علىٰ نحو الحقيقة؛ لأنّ المتيقّن منه حينئذٍ عصير العنب، و إرادة غيره مشكوك فيها.

و الإنصاف: أنّه لا مجال للتشكيك في أنّ المراد من المطلقات و العمومات هو خصوص العنبي منه.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2 و 4 و 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 273

الروايات الدالّة علىٰ إرادة خصوص العنبي من العصير

هذا مع أنّ جملة من الروايات شاهدة علىٰ أنّ ما هو محطّ النظر فيها هو خصوص ذلك، كرواية أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أصل الخمر، كيف كان بدء حلالها و حرامها، و متى اتخذ الخمر؟ فقال

إنّ آدم لمّا اهبط من الجنّة اشتهىٰ من ثمارها، فأنزل اللّٰه عليه قضيبتين من عنب فغرسهما ..

ثمّ ساق قضيّة منازعته مع إبليس، إلىٰ أن قال

فرضيا بينهما بروح القدس، فلمّا انتهيا إليه قصّ آدم عليه قصّته، فأخذ روح القدس ضغثاً من نار فرمى به عليهما و العنب في أغصانهما، حتّى ظنّ آدم أنّه لم يبقَ منهما شي ء، و ظنّ إبليس مثل ذلك.

قال

فدخلت النار حيث دخلت و قد ذهب منهما ثلثاهما، و بقي الثلث، فقال الروح: أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس، و ما بقي فلك يا آدم «1».

و موثّقةِ زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إنّ نوحاً لمّا هبط من السفينة غرس غرساً، فكان فيما غرس الحَبَلَة، فجاء إبليس فقلعها ..

إلىٰ أن قال

فجعل له الثلثين.

فقال أبو جعفر (عليه السّلام)

إذا أخذت عصيراً فاطبخه حتّى يذهب الثلثان، و كل و اشرب، فذاك نصيب الشيطان.

كذا في «الكافي» «2».

______________________________

(1) الكافي 6: 393/ 1، وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 394/ 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 274

و قال المجلسي: «و في بعض النسخ: النخلة» «1».

و نقلها في «الوسائل» باختلاف ما، و ذكر بدل

الحَبَلَة

«النخلة» «2».

أقول: و الأصحّ

الحَبَلَة

لأنّ الظاهر من المجلسي أنّ النسخة المشهورة كذلك. مضافاً إلىٰ أنّ سائر الروايات قرينة عليها، كموثّقة سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ إبليس لعنه اللّٰه نازع نوحاً في الكرم، فأتاه جبرئيل فقال له: إنّ له حقّا فأعطه، فأعطاه الثلث فلم يرضَ إبليس، ثمّ أعطاه النصف فلم يرضَ، فطرح جبرئيل ناراً، فأحرقت الثلثين، و بقي الثلث، فقال: ما أحرقت النار فهو نصيبه، و ما بقي فهو لك يا نوح «3».

و في رواية وهب بن مُنبِّه ذكر قضيّة نوح قال

و كان آخر شي ء أخرج حَبَلَة العنب ..

ثمّ ساق القضيّة فقال

فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس، و هو حظّه، و ما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح، و هو حظّه، و ذلك الحلال الطيّب يشرب منه «4».

يظهر من تلك الروايات أنّ أصل قضيّة التثليث، و النزاع بين إبليس و آدم (عليه السّلام) تارة، و بينه و بين نوح (عليه السّلام) اخرىٰ، إنّما هو في الكرم و الحَبَلَة

______________________________

(1) مرآة العقول 22: 249.

(2) وسائل الشيعة 25: 284، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 4.

(3) الكافي 6: 394/ 4، وسائل الشيعة

25: 284، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 5.

(4) علل الشرائع: 477/ 3، وسائل الشيعة 25: 286، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 275

و العصير هو العنبي المورد للنزاع. و تدلّ عليه طوائف أُخرى من الروايات:

منها: ما حكي عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أنّ

الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب .. «1»

إلىٰ آخره.

و منها: ما وردت في جواز بيع العصير ممّن يعمل خمراً، مثل رواية أبي كَهْمَس قال: «سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن العصير فقال: لي كرم، و أنا أعصره كلّ سنة و أجعله في الدنان ..» «2» إلىٰ آخره.

و صحيحةِ رِفاعة بن موسى قال: «سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن بيع العصير ممّن يخمّره ..» «3» إلىٰ غير ذلك.

و منها: ما سئل فيه عن بيعه، فيصير خمراً قبل قبض الثمن «4».

و منها: ما حكي فيها لعن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الخمر و عاصرها و معتصرها .. إلىٰ آخره «5».

و منها: أخبار متفرّقة، كصحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه قال في الرجل إذا باع عصيراً، فحبسه السلطان حتّى صار خمراً، فجعله

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 259.

(2) الكافي 5: 232/ 12، وسائل الشيعة 17: 230، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 59، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 7: 136/ 603، وسائل الشيعة 17: 231، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 59، الحديث 8.

(4) الكافي 5: 230/ 1، وسائل الشيعة 17: 229،

كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 59، الحديث 1.

(5) الكافي 6: 398/ 10، وسائل الشيعة 17: 224، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 55، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 276

صاحبه خلّا، فقال

إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس «1».

و صحيحةِ عبد العزيز قال: «كتبت إلى الرضا (عليه السّلام): جعلت فداك، العصير يصير خمراً فيصبّ عليه الخلّ ..» «2» إلىٰ آخره.

وجه دلالة تلك الروايات: هو أنّ «الخمر» كما عرفت اسم لما يختمر من العنب «3»، و غيره لا يسمّى «خمراً» عرفاً و لغة، كما هو الظاهر من الروايات أيضاً «4».

إرادة العصير العنبي أيضاً من «الطلاء» و «البختج»

كما أنّ

الطلاء

الوارد في الأخبار كصحيحة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا زاد الطلاء على الثلث فهو حرام «5»

هو العصير العنبي، إمّا المطبوخ منه إلىٰ ذهاب الثلثين، كما في بعض كتب اللغة، أو أعمّ من ذلك، كما في بعض: ففي «الصحاح»: «الطلاء: ما طبخ من عصير العنب حتّى ذهب ثلثاه، و تسمّيه العجم: المَيْبُخْتُج» «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 117/ 507، وسائل الشيعة 25: 371، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 9: 118/ 509، وسائل الشيعة 25: 372، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 8.

(3) تقدّم في الصفحة 258 262.

(4) راجع ما تقدّم في الصفحة 260.

(5) الكافي 6: 420/ 3، وسائل الشيعة 25: 285، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 8.

(6) الصحاح 6: 2414.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 277

و في «المجمع» و «المنجد» تفسيره بذلك «1». و عن «النهاية» تفسيره بالشراب المطبوخ من

عصير العنب «2».

و في «دعائم الإسلام»: «روينا عن عليّ (عليه السّلام): أنّه كان يروِّق الطلاء؛ و هو ما طبخ من عصير العنب حتّى يصير له قوام» «3». و الظاهر أنّ التفسير من صاحب «الدعائم» و لعلّ مراده من «القوام» ذهاب الثلثين.

و كيف كان: لا شبهة في أنّ «الطلاء» هو العصير العنبي المطبوخ، كما يظهر أيضاً من قصّة ورود عمر بالشام، و توصيف أهله ما صنعوا من العنب شراباً يشبه العسل، فجعل عمر يرفعه بإصبعه يتمدّد كهيئة العسل، فقال: «كأنّ هذا طِلاء الإبل» «4» و لعلّ هذا صار سبباً لتسميته به.

كما أنّ «البُخْتُج» الوارد في بعض الروايات هو العصير المطبوخ، لا مطلق المطبوخ، و هو واضح، و لا المطبوخ من سائر العصارات التي تجعل خمراً؛ لتعارف الطبخ في العصير دون غيره. و لأنّ الطبخ على الثلث كما في بعض رواياته هو التثليث المعهود في عصير العنب، و لم يعهد وروده في الروايات في غيره إلّا في شاذّ غير معتمد عليه «5». و لتفسيره به، فعن «النهاية»: «البُخْتُج العصير المطبوخ، واصلة بالفارسية: مَيْ پُخْتَه» «6». و فسّره في

______________________________

(1) مجمع البحرين 1: 277، المنجد: 471.

(2) النهاية، ابن الأثير 3: 137.

(3) دعائم الإسلام 2: 128/ 441، مستدرك الوسائل 17: 39، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 3.

(4) الموطأ 2: 847/ 14.

(5) كرواية خليلان بن هاشم، التي تأتي في الصفحة 373.

(6) النهاية، ابن الأثير 1: 101.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 278

«المجمع» أيضاً به «1». بل قد يقال: «إنّه مفسّر في كلام الكلّ بالعصير المطبوخ» «2». و قد يقال: «باتفاق اللغويين علىٰ ذلك» «3».

و لعلّ مراده اتفاق المتعرّض لتفسيره، و إلّا

فلم يتعرّض الكلّ لذكره أو تفسيره. نعم الفقهاء المستدلّون «4» علىٰ نجاسة العصير المغلي بصحيحة معاوية بن عمّار الآتية، لم يعهد استدلالهم بها علىٰ نجاسة سائر العصارات.

فقد تحصّل ممّا مرّ: أنّ العناوين الثلاثة الواردة في الأخبار حرمتها قبل ذهاب الثلثين أي العصير و الطلاء و البُخْتُج هي خصوص العصير العنبي؛ حتّى المطلقات و العمومات، كصحيحة عبد اللّٰه بن سِنان قال: ذكر أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أنّ العصير إذا طبخ حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، فهو حلال «5».

و صحيحته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال

كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه «6»

، و غيرهما «7».

______________________________

(1) مجمع البحرين 2: 276.

(2) إفاضة القدير: 13.

(3) نفس المصدر: 101.

(4) انظر الحدائق الناضرة 5: 123، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 361/ السطر 14.

(5) الكافي 6: 420/ 2، وسائل الشيعة 25: 288، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 1.

(6) الكافي 6: 419/ 1، وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 1.

(7) راجع وسائل الشيعة 25: 285 و 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 7، و الباب 3، الحديث 1 و 2 و 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 279

حول ما استدلّ به لنجاسة العصير المغلي

و كيف كان: فقد استدلّ «1» علىٰ نجاسة العصير المغلي تارة: بالإجماع و الشهرة، و قد عرفت حالهما «2».

و أُخرى: بموثّقة معاوية بن عمّار أو صحيحته «3» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ، يأتيني بالبُخْتُج و يقول: قد طبخ على الثلث، و أنا أعرفه أنّه يشربه على النصف، أ فأشربه بقوله و

هو يشربه على النصف؟ فقال

خمر، لا تشربه.

قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث، و لا يستحلّه على النصف، يخبرنا أنّ عنده بُخْتُجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه، و بقي ثلثه، يشرب منه؟ قال

نعم «4».

______________________________

(1) انظر الحدائق الناضرة 5: 123، مصباح الفقيه، الطهارة: 550/ السطر 36، مستمسك العروة الوثقى 1: 405.

(2) تقدّم في الصفحة 267 268.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن يونس بن يعقوب، عن معاوية بن عمّار.

وجه الترديد لوقوع يونس بن يعقوب في السند، فإنّه ثقة و لكن اختلفوا في مذهبه بين كونه إمامياً أو فطحياً.

رجال النجاشي: 446/ 1207، تنقيح المقال 3: 344/ السطر 9 (أبواب الياء).

(4) تهذيب الأحكام 9: 122/ 526، مستدرك الوسائل 17: 41، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 4، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 280

بتقريب: أنّ الحمل إمّا حقيقي، كما هو المحكي عن جمع من الفريقين: «أنّ «الخمر» اسم للعصير» «1»، و إمّا تنزيلي «2»، فمقتضىٰ إطلاق التنزيل ثبوت جميع أحكامه له.

و الجواب: أنّ الحمل لا يمكن أن يكون حقيقياً؛ لأنّ الموضوع هو المغلي المشتبه بين كونه على الثلث أو النصف، و لا يجوز حمل «الخمر» حقيقةً علىٰ مشتبه الخمرية، فضلًا عن العصير المشتبه. مع أنّ خمرية العصير بمجرّد الغليان ممنوعة؛ لعدم صدق «الخمر» عليه عرفاً و لغة، و سيأتي الكلام في ذلك «3».

و لا يمكن أن يكون تنزيلياً؛ لأنّ المشتبه لا يكون منزّلًا منزلته واقعاً؛ بحيث يكون محرّماً و نجساً واقعاً و لو كان مطبوخاً على الثلث. بل الظاهر من الرواية صدراً و ذيلًا هو السؤال عن

الحكم الظاهري؛ و عن حال شهادة ذي اليد بالتثليث، فالمراد بقوله (عليه السّلام)

خمر

أي خمر ظاهراً يجب البناء علىٰ خمريته؛ للاستصحاب، و هو و إن يكشف عن كون المغلي قبل التثليث نازلًا منزلة الخمر في الجملة، لكن لا يكشف عن إطلاق دليل التنزيل.

و بعبارة اخرىٰ: أنّها ليست في مقام بيان التنزيل و حكم العصير حتّى يتمسّك بإطلاقها، بل بعد الفراغ عن حكمه كانت بصدد بيان حال الشكّ، فدعوى إمكان استكشاف دليل مطلق من الحكم الظاهري ممنوعة.

و ليس لأحد أن يقول: إنّه يمكن أن تكون بصدد أمرين؛ أحدهما: تنزيل

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 14، الفقيه 4: 40/ 131، المهذّب البارع 5: 79، صحيح البخاري 7: 198.

(2) انظر الحدائق الناضرة 5: 123، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 361/ السطر 16.

(3) يأتي في الصفحة 284 286.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 281

العصير منزلة الخمر، و الآخر: التعبّد ببقاء خمريته، لأنّ ذلك غير معقول بجعل واحد. بل هو أسوأ حالًا من استفادة قاعدة الطهارة و الاستصحاب من مثل قوله (عليه السّلام)

كلّ شي ء حلال حتّى تعرف أنّه حرام «1»

؛ لأنّ القائل بها إنّما قال باستفادة الثاني من الغاية «2»، و المقام ليس كذلك.

و أمّا احتمال أن يكون قوله (عليه السّلام)

خمر

خبراً عن العصير المغلي قبل ذهاب ثلثيه؛ إفادةً للحكم الواقعي بالتنزيل، و قوله (عليه السّلام)

لا تشربه

يكون نهياً عن شرب المشتبه، فهو كما ترى لا يستأهل جواباً. و علىٰ فرض كونها بصدد التنزيل فإطلاقه أيضاً لا يخلو من مناقشة.

ثمّ إنّ ذلك مع الغضّ عمّا في الرواية من الإشكال؛ فإنّها في «الكافي» بل و النسخة من «التهذيب» التي كانت عند الحرّ و الكاشاني «3» خالية من لفظة

خمر «4»

مع إتقان «الكافي»

و شدّة ضبط الكليني، و ما يقال: من الاغتشاش و التحريف و الزيادة و النقيصة في «التهذيب» «5».

و يؤيّد ذلك: مضافاً إلىٰ ما قيل: من عدم تمسّك الفقهاء بها لنجاسته، و أوّل من تمسّك بها الأسترآبادي «6» أنّ هذا التعبير غير معهود في أدلّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 87، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1 و 4، و 25: 117، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 1 و 7.

(2) كفاية الأُصول: 452.

(3) راجع وسائل الشيعة 25: 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 4، الوافي 20: 655/ 33.

(4) الكافي 6: 421/ 7.

(5) الحدائق الناضرة 5: 124.

(6) الحدائق الناضرة 5: 123، إفاضة القدير: 39.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 282

الاستصحاب علىٰ كثرتها عموماً و خصوصاً، بل التعبير فيها ب «عدم نقض اليقين بالشكّ» و ما يشبهه.

بل الزيادة في مثل الرواية ليست بذلك البعد؛ لأنّ خمرية عصير العنب لمّا كانت مورداً للبحث و الجدال، فربّما تنسبق إلىٰ ذهن الراوي أو الناسخ، فيأتي بها ارتكازاً، كما قلنا «1» نظيره في قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

لا ضرر و لا ضرار في الإسلام «2».

فما يقال: «من تقدّم أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة» «3»، ليس مسلّماً مطلقاً لو سلّم في الجملة.

و كذا ما أفاد شيخنا الأعظم: «من أنّ الظاهر عدم الزيادة حتّى من الشيخ الذي يكثر منه الخلل» «4» غير موجّه إن أراد ب «الظاهر» غير الأصل العقلائي؛ لعدم الدليل عليه. و قد عرفت عدم ثبوت الأصل العقلائي في مثل المقام.

كما أنّ تأييده وجودَ لفظ «الخمر» في الرواية بتعبير والد

الصدوق بمضمونها في رسالته إلىٰ ولده «5» التي هي كالروايات المنقولة بالمعنى، غير وجيه؛ لأنّ تعبير والد الصدوق غير مضمون الرواية؛ فإنّه بصدد بيان حكم العصير العنبي إذا غلىٰ أو نشّ بنفسه، و هي بصدد بيان الحكم الظاهري؛ و أنّ المشتبه محكوم بحرمة الشرب، فأين أحدهما من الآخر؟! إلّا أن يراد به مجرّد اشتماله علىٰ لفظة

خمر

و هو كما ترى.

______________________________

(1) بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 55.

(2) الفقيه 4: 243/ 777، وسائل الشيعة 26: 14، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 10.

(3) جواهر الكلام 6: 14.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 361/ السطر 18.

(5) ستأتي في الصفحة 293.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 283

أو يراد أنّ والد الصدوق عثر علىٰ رواية بذلك المضمون، و هو كذلك؛ لأنّ عبارته عين عبارة «الفقه الرضوي» «1» لو كان رواية. لكن لا يوجب ذلك تأييد اشتمال الموثّقة عليها مع اختلافهما في المضمون.

و قد يستدلّ بصحيحة عمر بن يزيد بناءً علىٰ كونه بيّاع السابري، كما لا يبعد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يهدي إليّ البُخْتُج من غير أصحابنا، فقال

إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه، و إن كان ممّن لا يستحلّ شربه فاقبله

أو قال

اشربه «2».

احتجّ بها صاحب «الجواهر» «3». و العجب من بعض أهل التتبّع من دعوى عدم وجدان الاحتجاج بها من أحد «4».

و تقريبه: أنّ المنع عن شرب ما في يد المستحلّ إنّما هو لخوف الإسكار، فيظهر منه أنّ للعصير المطبوخ قسمين: مسكر، و غيره، و المستحلّ لا يأبى عن هدية المسكر منه، فلا يقبل هديته. و ليس المراد من ذكر الاستحلال بيان فسقه

جزماً، بل ذكر لمناسبة بينهما، كما لا يخفى.

و فيه أوّلًا: أنّ غاية ما تدلّ الرواية عليه وجود قسم مسكر للبُخْتُج، و هو لا يدلّ علىٰ أنّ مطلق المغلي قبل التثليث مسكر، و لعلّ المستحلّ كان يطبخ عصيراً و يعالجه حتّى يصير مسكراً، كما كانوا يعالجون النبيذ.

و ثانياً: أنّ الإسكار كما هو الظاهر من الروايات و غيرها إنّما يحصل

______________________________

(1) ستأتي في الصفحة 287.

(2) الكافي 6: 420/ 4، وسائل الشيعة 25: 292، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 1.

(3) جواهر الكلام 6: 16.

(4) إفاضة القدير: 106.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 284

بالاختمار و الفساد، لا بالغليان بالنار و الطبخ المانع منهما، و معه لا خوف من الإسكار إذا كان منشأ الشكّ طبخه على الثلث أو أزيد. فلا بدّ من حمل الرواية علىٰ أنّ المستحلّ للمسكر لمّا لا يبالي بالعصير المطبوخ، و لا يرىٰ غير الخمر حراماً، لا يجوز الاعتماد عليه في هديته، بخلاف غير المستحلّ.

مضافاً إلىٰ أنّ المستحلّ لا يبالي بإبقاء العصير قبل تثليثه للشرب مدّة؛ حتّى يعرض عليه الاختمار المطلوب لأصحابه.

و أمّا الاستدلال عليها بالروايات الحاكية لقضيتي آدم و نوح (عليهما السّلام) مع إبليس «1»؛ بدعوىٰ دلالتها علىٰ أنّ تلك الواقعة منشأ تحريم الخمر، و فيها دلالة واضحة علىٰ أنّ عصير العنب إذا غلىٰ بالنار أو نشّ بنفسه، حكمه حكم الخمر، إلّا أن يذهب ثلثاه، أو يصير خلّا، كما أفاده الشيخ الأعظم «2».

ففيه: أنّه لا دلالة فيها رأساً، فضلًا عن وضوح الدلالة:

أمّا رواية أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أصل الخمر، كيف كان بدء حلالها و حرامها، و متى اتخذ الخمر؟ فقال

إنّ آدم لمّا اهبط من الجنّة .. «3»

ثمّ ساق القضية في بيان حرمة عصير العنب المغلي قبل ذهاب ثلثيه.

ففيها إشعار بأنّ العصير المغلي خمر حقيقة، حيث تصدّى لبيان حرمته عند السؤال عن بدو حرمة الخمر، لكن لمّا كانت خمرية العصير المغلي خلاف الوجدان و الضرورة، و أنّ فرض مسكريته مع ممنوعيتها أيضاً، فلا محالة لا يريد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 361/ السطر 27.

(3) تقدّمت في الصفحة 273.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 285

بذكر القضية بيان خمريته، بل أراد بيان بدو القضية و مقدّماتها؛ حتّى انجرّ إلىٰ حرمة الخمر، فكأنّ نزاع آدم مع إبليس في الكرم صار موجباً لتحريم الخمر، لا أنّ محلّ النزاع هو الخمر، فإنّه خلاف الواقع.

و أمّا احتمال كونه بصدد بيان أنّ حكم العصير حكم الخمر، ففي غاية البعد؛ لعدم تطابق السؤال و الجواب، فإنّه سأل عن بدو حرمة الخمر، فالجواب: بأنّ عصير العنب خمر حكماً، غير مربوط به.

و بالجملة: هذه الرواية محمولة علىٰ أنّه بصدد بيان أنّ الخمر كانت حراماً من لدن زمن آدم (عليه السّلام) كما وردت به روايات، و بدو قصّتها نزاع آدم (عليه السّلام) مع إبليس في الكرم و عصيره، لا بصدد بيان أنّ العصير خمر أو في حكمه، كما يظهر بالتأمّل في سائر روايات الباب.

هذا مع ما فيها من الضعف سنداً «1». و أمّا سائر الروايات الواردة في تلك القضية أو قضية نوح (عليه السّلام) «2» فلا إشعار فيها بما ذكره (رحمه اللّٰه).

و أمّا الاستدلال عليها بقوله (عليه السّلام)

فلا خير فيه «3»

، و قوله (عليه السّلام)

فمن

______________________________

(1) رواها الكليني، عن علي بن

إبراهيم، عن أبيه و عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد و سهل بن زياد جميعاً، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي. و الرواية ضعيفة بأبي الربيع الشامي فإنّه مجهول.

رجال النجاشي: 153/ 403، الفهرست: 186/ 817، تنقيح المقال 3: 16/ السطر 17 (فصل الكُنى).

(2) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2.

(3) وسائل الشيعة 25: 285، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 286

هنا طاب الطلاء على الثلث «1»

، و قوله (عليه السّلام)

و ذلك الحلال الطيّب «2»

، و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الخمر من خمسة: العصير من الكرم «3»

ففيه ما لا يخفى.

نعم، يمكن الاستدلال عليها برواية «فقه الرضا (عليه السّلام)» قال

الخمر حرام بعينها ..

إلىٰ أن قال

و لها خمسة أسامٍ، فالعصير من الكرم، و هي الخمرة الملعونة «4».

بأن يقال: إنّ العصير لمّا لم يكن وجداناً الخمرة الملعونة، لا بدّ من الحمل على التنزيل، و إطلاقه و إن اقتضىٰ كونه بمنزلتها حتّى قبل الغليان و بعد التثليث، لكنّهما خارجان نصّاً و فتوى، و بقي الباقي، و مقتضى إطلاق التنزيل ثبوت جميع الأحكام له.

و فيه: مضافاً إلىٰ ضعفها «5» أنّ ظاهرها بقرينة قوله

و لها خمسة أسامٍ

و سائرِ فقرأتها، أنّ المراد بها الخمرة الواقعية لا التنزيلية، كما يشعر به توصيفها ب

الملعونة

و لمّا كان العصير قبل غليانه و بعده إذا كان بالنار ليس خمراً حقيقة بلا شبهة، فلا محالة يراد بذلك العصير الخاصّ المختمر.

و يمكن الاستدلال عليها ب «الفقه الرضوي» أيضاً، قال فيه

اعلم: أنّ أصل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 286،

كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 25: 286، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 11.

(3) تقدّم في الصفحة 259.

(4) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 280، مستدرك الوسائل 17: 37، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 1، الحديث 2.

(5) تقدّم وجه الضعف في الصفحة 255، الهامش 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 287

الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلىٰ من غير أن تصيبه النار، فهو خمر و لا يحلّ شربه إلّا أن يذهب ثلثاه .. «1»

إلىٰ آخره. و هو بعينه عبارة والد الصدوق (رحمهما اللّٰه) «2».

بأن يقال: إنّ حمل

الخمر

عليه بعد ما لم يكن حقيقياً يحمل على التنزيل، و عمومه يقتضي ترتّب جميع الآثار. لكنّه غير صالح للاستناد عليه؛ لضعفه. بل عدم ثبوت كونه رواية. مع احتمال أن يكون التنزيل في حرمة شربه، كما قيل «3» في موثّقة ابن عمّار «4».

تأييد صاحب «الجواهر» للقول بالنجاسة و جوابه

و ممّا جعله صاحب «الجواهر» مؤكّداً لنجاسته قوله:

«إنّه قد استفاضت الروايات بل كادت تكون متواترة بتعليق الحرمة في النبيذ و غيره على الإسكار، و عدمها علىٰ عدمه، مع استفاضة الروايات بحرمة عصير العنب إذا غلىٰ قبل ذهاب الثلثين. و حملها على التخصيص، ليس بأولى من حملها علىٰ تحقّق الإسكار فيه. بل هو أولىٰ؛ لأصالة عدم التجوّز، بل لعلّه متعيّن؛ لعدم القرينة. بل قد يقطع به؛ لعدم ظهور شي ء من روايات الحرمة في خروج ذلك عن تلك الكلّية، بل و لا إشارة» «5» انتهىٰ.

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 280، مستدرك الوسائل 17: 39، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 5.

(2) ستأتي

في الصفحة 293.

(3) انظر الحدائق الناضرة 5: 124، مصباح الفقيه، الطهارة: 552/ السطر 7، و 29، مستمسك العروة الوثقى 1: 408.

(4) تقدّم في الصفحة 279.

(5) جواهر الكلام 6: 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 288

و هو لا يخلو من غرابة؛ لعدم ورود رواية في مطلق الأشربة و لا في الخمر أو العصير أو النبيذ بنحو ما ذكره من التعليق، فضلًا عن استفاضتها.

نعم، وردت روايات كثيرة بأنّ كلّ مسكر حرام، و أنّ المسكر حرام «1»، و في النبيذ روايات بأنّ المسكر منه حرام «2». و أمّا ورود روايات بأنّ ما ليس بمسكر فليس بحرام فكلّا، لا بنحو الإطلاق أو العموم، و لا في موضوع خاصّ، فدوران الأمر بين التخصيص و التخصّص لا موضوع له جزماً.

ثمّ لو فرض ورود روايات في النبيذ بذلك المضمون، فلا ربط له بالعصير العنبي الذي هو عنوان خاصّ مغاير له، فما معنىٰ تخصيص ما ورد في النبيذ بما ورد في العصير؟! مضافاً إلىٰ أنّ أولوية التخصّص من التخصيص فيما إذا علم المراد ممنوعة، فإذا علم عدم وجوب إكرام زيد، و لم يعلم أنّه عالم و خارج عن وجوب إكرام العلماء تخصيصاً، أو ليس بعالم، فخرج تخصّصاً، لا دليل علىٰ تقديم الثاني، فأصالة عدم التخصيص كأصالة الحقيقة غير معوّل عليها مطلقاً في نحو المقام. و أمّا تشبّثه بأصالة عدم التجوّز فلا يخفى ما فيه. و في كلامه موارد أُخر للمناقشة.

فتحصّل من جميع ما ذكر عدم دليل علىٰ نجاسته، فالأصل طهارته؛ من غير فرق بين ما غلىٰ بنفسه، أو بالنار و غيرها.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 25: 336، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 17.

(2) راجع وسائل الشيعة 25:

355، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 5 و 6 و 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 289

حول تفصيل ابن حمزة بين ما غلىٰ بنفسه و غيره

و قد فصّل ابن حمزة في «الوسيلة» بين ما غلىٰ بنفسه، فذهب إلىٰ نجاسته و حرمته إلىٰ أن يصير خلّا، و بين ما غلىٰ بالنار، فذهب إلىٰ حرمته إلىٰ ذهاب الثلثين دون نجاسته «1».

و ربّما يتوهّم: أنّ تفصيله ليس في الحكم الشرعي، بل لإحراز مسكرية ما غلىٰ بنفسه، فحكمه بالنجاسة لمسكريته، لا للتفصيل في العصير. و لقد أصرّ علىٰ ذلك بعض أهل التتبّع، حتّى نسب الغفلة إلىٰ أساطين العلم و جهابذة الفنّ، و أرعد و أبرق في رسالته المعمولة لحكم العصير، و لم يأتِ بشي ء مربوط بجوهر المسألة الفقهية.

و قد وقع منه فلتأت عجيبة، من جملتها دعوى عدم تفرّد ابن حمزة في ذلك التفصيل، و زعم أنّ مرجع أقوال عدا من شذّ إلىٰ هذا القول، و عدّ منهم شيخ الطائفة و الحلّي و القاضي صاحب «دعائم الإسلام» و القاضي ابن البرّاج في «المهذّب» و الشهيد في «الدروس». بل استظهر من «رسالة عليّ بن بابويه» و من عبارة «فقه الرضا».

ثمّ قال: «إنّ المحقّق و العلّامة و الفاضل المقداد كلّهم، موافقون لما عزي إلى ابن حمزة من التفصيل، و إنّ عدّ قولهم مقابلًا لقوله ناشئ من عدم تدقيق النظر و تحديد البصر، فانتظر لهذه الفائدة التي لم يتنبّه لها أحد في الحديث و القديم، و لا ينبّئك مثل الخبير العليم» «2»، انتهىٰ.

______________________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 365.

(2) إفاضة القدير: 28 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 290

و أنا أقول: لم أرَ من وافق ابن حمزة؛ حتّى صاحب

هذه الرسالة نفسه، و لتوضيح ذلك لا بدّ من تحرير المسألة حتّى يتضح موضع الخلط.

فنقول: إنّ محطّ البحث في هذه المسألة بعد الفراغ عن حكم المسكر و نجاسته في أنّ العصير العنبي هل هو ملحق بالمسكرات في النجاسة مطلقاً، أو لا مطلقاً، أو ملحق بها إذا غلىٰ بنفسه، دون ما إذا غلىٰ بالنار؟ و الأقوال إنّما تتقابل في المسألة الفقهية إذا كان محطّ كلامهم العصير الذي لا يسكر، أو لم يحرز إسكاره، و أمّا إذا ادعىٰ أحد مسكريته فحكم بنجاسته، و الآخر عدمها فذهب إلىٰ طهارته، و المفصّل يرىٰ مسكرية قسم منه، فلا تتقابل في المسألة الفقهية. و لو فرض اختلاف كلامهم موضوعاً فلا تتقابل الأقوال رأساً.

حول الاختلاف في غاية حرمة العصير

ثمّ إنّه قد وقع خلاف آخر بين الفقهاء في غاية حرمة العصير لا نجاسته، فذهب جمع إلىٰ أنّ غايتها ذهاب الثلثين، و جمع آخر إلى التفصيل بين ما غلىٰ بنفسه فغايتها انقلابه خلّا، و ما غلىٰ بالنار فذهاب الثلثين.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ ابن حمزة قائل بالتفصيل في المسألتين، و لم يوافقه أحد فيما أعلم في المسألة الأُولىٰ، و وافقه جملة من الأساطين في الثانية، و الخلط بين المسألتين صار سبباً لنسبة التفصيل في المسألة الأُولىٰ إليهم، و قلّة التأمّل في كلام ابن حمزة بل و في المسألة أيضاً صارت منشأً لتوهّم أنّ ابن حمزة قائل بنجاسة ما غلىٰ بنفسه؛ لصيرورته مسكراً. كما أنّ قلّة التدبّر في كلمات القوم، صارت منشأً لزعم موافقتهم مع ابن حمزة في التفصيل بما زعم أنّه قائل به.

و نحن نحكي كلام ابن حمزة و الشيخ حتّى يتّضح مورد خلط صاحب الرسالة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 291

في كلامهما،

ثمّ راجع غيرهما من كلمات الأصحاب حتّى يتّضح لك الأمر:

قال ابن حمزة في «الوسيلة» بعد ذكر الأشربة التي تؤخذ من الحيوان هذه العبارة: «و أمّا ما يؤخذ من الأشربة من غير الحيوان فضربان: مسكر، و غير مسكر، فالمسكر نجس حرام ..». ثمّ قال: «و غير المسكر ضربان: ربّ، و غيره ..» «1». ثمّ قال: «و غير الربّ ضربان: إمّا جعل فيه شي ء من المسكرات، و يحرم شربه، و ينجس بوقوع المسكر فيه، أو لم يجعل فيه شي ء منها: فإن كان عصيراً لم يخلُ إمّا غلىٰ، أو لم يغلِ: فإن غلىٰ لم يخلُ إمّا غلىٰ من قِبَل نفسه، أو بالنار: فإن غلىٰ من قِبَل نفسه حتّى يعود أسفله أعلاه حرم و نجس، إلّا أن يصير خلّا بنفسه أو بفعل غيره، فيعود حلالًا طيّباً. و إن غلىٰ بالنار حرم شربه حتّى يذهب على النار نصفه و نصف سدسه، و لم ينجس أو يخضب الإناء و يعلق به و يحلو» «2» انتهىٰ.

و ظاهر كلامه كالصريح في أنّ التفصيل بين المغلي بنفسه و غيره، بعد الفراغ عن عدم كونه مسكراً، فإنّه من قسم غير المسكر الذي لم يقع فيه مسكر، كما هو واضح، فهو مفصّل في مسألتنا، و قائل بنجاسة العصير الذي غلىٰ بنفسه، و لم يكن مسكراً، و جعل غاية النجاسة الانقلاب بالخلّ.

كما أنّه مفصّل في المسألة الثانية بأنّ غاية الحلّية «3» فيما إذا غلىٰ بنفسه، صيرورته خلّا، و فيما إذا غلىٰ بالنار التثليث.

و كثير من الأصحاب وافقوه في المسألة الثانية دون الاولىٰ؛ حتّى أنّ

______________________________

(1) في المصدر: «و غير المسكر ضربان: فقاع و غيره فالفقاع حرام نجس و غير الفقاع ضربان: ربّ و غيره».

(2) الوسيلة إلى نيل

الفضيلة: 364 365.

(3) و الصحيح في أمثال هذه الموارد هو «غاية الحرمة» كما هو الظاهر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 292

صاحب الرسالة أيضاً لم يوافقه فيها، و لم يلتزم بالنجاسة لو فرض عدم إسكاره، لكنّه مدّعٍ لذلك، و سيأتي الكلام فيه «1».

و قال الشيخ في «النهاية»: «كلّ ما أسكر كثيره فالقليل منه حرام؛ لا يجوز استعماله بالشرب، و التصرّف فيه بالبيع و الهبة، و ينجس ما يحصل فيه؛ خمراً كان أو نبيذاً أو تبعاً أو نقيعاً أو مزراً، أو غير ذلك من أجناس المسكرات.

و حكم الفُقّاع حكم الخمر على السواء في أنّه حرام شربه و بيعه و التصرّف فيه.

و العصير لا بأس بشربه و بيعه ما لم يغلِ. و حدّ الغليان الذي يحرّم ذلك هو أن يصير أسفله أعلاه، فإذا غلىٰ حرم شربه و بيعه إلىٰ أن يعود إلىٰ كونه خلّا، و إذا غلى العصير على النار لم يجز شربه إلىٰ أن يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه» «2»، انتهىٰ.

و أنت خبير: بأنّ الظاهر منه موافقة ابن حمزة في غاية الحلّية، لا في النجاسة. بل الظاهر منه عدم نجاسة العصير مطلقاً، حيث جعله مقابل النجس، و لم يحكم بالتسوية فيه كما حكم في الفُقّاع؛ و إن كانت عبارته في الفُقّاع لا تخلو من نوع إجمال.

و علىٰ هذا المنوال أو قريب منه العبارات المحكيّة عن ابن إدريس، و صاحب «الدعائم»، و القاضي ابن البرّاج، و الشهيد «3»، فإنّها أيضاً بصدد بيان المسألة الثانية لا الاولىٰ، فراجع.

و أعجب من ذلك إرجاع كلمات المحقّق و العلّامة و الفاضل المقداد إلى ما فصّل ابن حمزة، مع أنّ المتأمّل في عباراتهم لا ينبغي أن يشكّ في خلافه؛

______________________________

(1)

سيأتي في الصفحة 294.

(2) النهاية: 590.

(3) السرائر 3: 130، دعائم الإسلام 2: 127/ 440، المهذّب 2: 433، الدروس الشرعيّة 3: 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 293

و أنّهم في طرف النقيض منه:

قال المحقّق في «المعتبر»: «و في نجاسة العصير بغليانه قبل اشتداده تردّد أمّا التحريم فعليه إجماع فقهائنا، ثمّ منهم من اتبع التحريم النجاسة. و الوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتّى يذهب الثلثان، و وقوف النجاسة على الاشتداد» «1».

و هو صريح في خلاف ابن حمزة القائل بالنجاسة مع عدم السكر؛ إن أراد ب «الاشتداد» السكر، كما قال به صاحب الرسالة «2».

و نحوه في ذلك كلام العلّامة، و المحكي عن الفاضل المقداد «3».

و أمّا والد الصدوق، فقال في وصيّته إلى ابنه: «اعلم يا بنيّ: أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار، أو غلىٰ من غير أن تصيبه النار فيصير أسفله أعلاه، فهو خمر لا يحلّ شربه إلىٰ أن يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه، فإن نشّ من غير أن تصيبه النار فدعه حتّى يصير خلّا من ذاته من غير أن تلقي فيه شيئاً فإذا صار خلّا من ذاته حلّ أكله، فإن تغيّر بعد ذلك و صار خمراً فلا بأس أن تلقي فيه ملحاً أو غيره حتّى يتحوّل خلّا» «4»، انتهى.

و هو كما ترى مخالف لابن حمزة و موافقيه في المسألة الثانية؛ أي غاية الحلّية.

و أمّا قوله: «فإن نشّ ..» إلىٰ آخره، فمسألة أُخرى غير مربوطة بما ذكرها أوّلًا، كما لا يخفى على المتأمّل في قوله: «من غير أن تلقي ..» إلىٰ آخره، لكن صاحب الرسالة لم يرتضِ إلّا بأن يأوّل كلامه و كذا عبارة «فقه الرضا» «5»

______________________________

(1) المعتبر 1: 424.

(2) إفاضة القدير:

40 41.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 65، كنز العرفان 1: 53.

(4) انظر الفقيه 4: 40/ 131.

(5) تقدّمت في الصفحة 286 287.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 294

الموافقة له بما لا يرضى به صاحبهما، و لا منصف متأمّل «1».

فتبيّن ممّا مرّ: أنّ ابن حمزة متفرّد في تفصيله في مسألتنا؛ بذهابه إلى النجاسة في المغلي بنفسه مع عدم إسكاره، و عدمها في المغلي بالنار.

ثمّ إنّ تفصيله خالٍ عن الوجه.

بل لو فصّل أحد بعكس ما فصّل أي ذهب إلىٰ نجاسة ما يغلي بالنار، دون ما يغلي بنفسه لكان أوجه؛ بدعوىٰ أنّ عمدة ما يمكن أن يتمسّك بها للنجاسة موثّقةُ معاوية بن عمّار و صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمتان «2»، و هما واردتان في البُخْتُج؛ و هو العصير المطبوخ، بل غالب ما يستدلّ به لها إنّما هو في العصير المغلي بالنار.

و كيف كان: فالأقوىٰ طهارة العصير؛ سواء غلىٰ بالنار أو بنفسه، إلّا أن يحرز مسكريته، و هو أمر آخر.

حول مسكرية العصير المغلي بنفسه

ثمّ إنّه لا يلزم علينا دفع الشبهة الموضوعية، و ليس تحقيق مسكرية ما غلىٰ بنفسه شأن الفقيه، لكن لا بأس في البحث عنها علىٰ سبيل الاختصار؛ دفعاً لتوهّم دلالة الروايات عليها.

و العجب من صاحب الرسالة! أنّه لمّا سمع أنّ قائلًا من معاصريه قال: «إنّ البحث في الشبهة الموضوعية ليس بمهمّ للفقيه»، اعترض عليه، و نسبه إلى الغرور و الغفلة، و البعد عن تلك المسائل بمراحل، و أنّه عدوّ لما جهله، و قال:

«إنّ الذي لا يهمّ الفقيه أن يتكلّم في موضوع و همي فرضي، من قبيل

______________________________

(1) إفاضة القدير: 33.

(2) تقدّمتا في الصفحة 279 و 283.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 295

اتصاف الشي ء بنقيضه،

أو سلب الشي ء عن نفسه، أو يتعرّض لحكم الكوسج العريض اللحية، أو العنّين المستهتر بالجماع» «1»، انتهىٰ.

و أنت خبير بما في كلامه من الوهن، و كيف غفل عن أمر واضح: و هو أنّ تنقيح الموضوعات؛ و إثبات كون شي ء خمراً أو خلّا، أو أنّ الأدوية الكذائية مسكرة، أو ليست بمسكرة، أو أنّ المسافة الكذائية ثمانية فراسخ أو لا و هكذا، ليس من المسائل الفقهية التي للفقيه البحث عنها، و ليس رأي الفقيه فيها حجّة علىٰ غيره، و إنّما شأنه البحث عن الأحكام الكلّية و مداركها، لا عن موضوعاتها؟!

إعضالات المحقّق شيخ الشريعة و حلّها
اشارة

و كيف كان: فقد زعم أنّ في المسألة إعضالات لا تنحلّ إلّا بالالتزام بمسكرية العصير المغلي بنفسه:

الإعضال الأوّل:

أنّ الروايات المتضمّنة لحرمة العصير المطبوخ، كلّها مغيّاة بذهاب الثلثين «2»، و لم يتفق التحديد بذهابهما إلّا فيما تضمّن لفظ «الطبخ»، أو ما يساوقه، ك «البُخْتُج»، و «الطلاء»، و أمّا الروايات الحاكمة بتحريم العصير بالغليان «3»، فكلّها خالية من التحديد بهما «4».

فجعل هذا شاهداً علىٰ أنّ العصير المغلي بنفسه مسكر، و شاهداً على

______________________________

(1) إفاضة القدير: 34 35.

(2) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2 و 4 و 5 و 8.

(3) وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3.

(4) إفاضة القدير: 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 296

التفصيل المتقدّم. بعد التنبيه علىٰ أنّ الغليان و النشيش إذا أُسندا إلى الأشياء التي يحدثان فيها تارة بسبب، و أُخرى باقتضاء نفسها من غير ذكر السبب، كان المراد بهما حصولهما بنفسها لا بالسبب، و بعد دعوى حصول السكر بمجرّد الغليان «1».

و فيه: أنّه بعد تسليم كون الروايات كما زعمها، لا تدلّ هي إلّا علىٰ أنّ غاية الحرمة فيما نشّ بنفسه، ليست التثليث، و هو موافق للتفصيل في المسألة الثانية المشار إليها في صدر البحث، و غير مربوط بالمسألة الأُولىٰ، و لا هي شاهدة علىٰ حصول السكر في المغلي بنفسه. مع أنّ دعاويه بجميع شعبها ممنوعة، أو غير مسلّمة.

أمّا دعوى كون الغليان إذا لم يسند إلىٰ سبب و مؤثّر خارجي، يكون المراد ما حصل بذاته، ففيها مضافاً إلىٰ كونها مجرّدة من الدليل ما لا يخفى؛ فإنّ المتبادر من «الغليان» عرفاً و لغةً هو الفوران و القلب بقوّة،

و لا يبعد أن يكون مأخوذاً من الصوت في الأصل، ثمّ اشتقّ منه:

ففي «المجمع»: «غلت القدر غلياناً: إذا اشتدّ فورانها» «2».

و في «المنجد»: «غلت القدر: جاشت بقوّة الحرارة» «3». و لم يفسّره في «الصحاح» و «القاموس» «4» لوضوحه عرفاً.

و معلوم: أنّ الفوران و اشتداده لا يحصل فيما إذا غلى العصير بنفسه، بل ما حصل بنفسه هو النشّ و الجيش الضعيف، فإذن لأحد أن يقول: إنّ «الغليان» و سائر تصاريفه إذا أُسند إلى شي ء بلا إضافة إلىٰ نفسه، يتبادر منه الفوران

______________________________

(1) إفاضة القدير: 20.

(2) مجمع البحرين 1: 319.

(3) المنجد: 558.

(4) الصحاح 6: 2448، القاموس المحيط 4: 373.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 297

الشديد بقوّة الحرارة النارية و غيرها، و إذا قيل: «غلىٰ بنفسه» يراد منه القلب الضعيف غالباً.

و لعلّ «النشّ» المستعمل في الروايات «1» فيما إذا غلى العصير بنفسه، عبارة عن الصوت الحاصل من الجيش الضعيف للعصير المغلي بنفسه؛ و إن كان لغةً أعمّ منه «2».

و كيف كان: لا بيّنة علىٰ دعواه، بل علىٰ خلافها، و لا أقلّ من أن يكون «الغليان» أعمّ.

و أمّا دعوى حصول الإسكار بمجرّد الغليان، فسيأتي الكلام فيها «3».

و ممّا ذكرنا يظهر حال مستنده: و هو أنّ كلّ ما ذكر فيه «الغليان» لم يذكر فيه الثلثان لإثبات أنّ الغليان بنفسه موجب للإسكار. مع أنّ الواقع ليس كما ذكره:

أمّا صحيحة حمّاد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يحرم العصير حتّى يغلي «4»

فمع الغضّ عمّا ذكرناه آنفاً، و الغضّ عن احتمال كون يغلّى مجهولًا من باب «التفعيل» و لا دافع له إلّا الظنّ الخارجي غير الحجّة، و الغضّ عن أنّ المراد في المقام الذي بصدد بيان الكبرى

الكلّية هو مطلق الغليان بنفسه أو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 4، مستدرك الوسائل 17: 38، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 1 و 5.

(2) القاموس المحيط 2: 301.

(3) سيأتي في الصفحة 308 314.

(4) الكافي 6: 419/ 1، وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 298

بغيره جزماً، و لا تعارض بينها و بين ما دلّ علىٰ حرمة العصير المغلي بالنار، و أنّ الاختصاص موجب لمخالفته للواقع نصّاً و فتوى فلا معنىٰ لذكر الثلثين فيها؛ لأنّها بصدد بيان غاية الحلّية، لا غاية الحرمة كما هو واضح.

و منه يظهر الحال في روايته الأُخرىٰ قال: سألته عن شرب العصير، قال

تشرب ما لم يغلِ، فإذا غلىٰ فلا تشربه.

قلت: أيّ شي ء الغليان؟ قال

القلب «1».

فإنّها أيضاً بيان غاية الحلّية صدراً و ذيلًا، فلا معنىٰ لذكر التثليث فيها.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 298

و أمّا موثقة ذَريح- قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

إذا نشّ العصير أو غلىٰ حرم «2»

فهي كالنصّ في خلاف دعواه، و لهذا تشبّث بدعوىٰ اخرىٰ: و هي أنّ الرواية في النسخ المصحّحة من «الكافي» بالواو، و في «التهذيب»

أو

بدلها.

قال: «و الأوّل أصحّ؛ لأضبطية «الكافي» و أنّه لا وجه لجعل النشيش- و هو الصوت الحاصل بالغليان مقابلًا له، إلّا علىٰ وجه راجع إلىٰ عدم المقابلة» «3»،

انتهىٰ.

و فيه: أنّ الرواية علىٰ ما هو الموجود في كتب الأخبار و الفقه و اللغة ك «المرآة»، و «الوسائل»، و «الحدائق»، و «الجواهر»، و «المستند»، و «طهارة الشيخ»، و «مصباح الفقيه»، و «مجمع البحرين» إنّما هي ب

أو

لا بالواو «4»، و لم

______________________________

(1) الكافي 6: 419/ 3، وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 3.

(2) الكافي 6: 419/ 4، وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 4.

(3) إفاضة القدير: 4.

(4) مرآة العقول 22: 282/ 4، وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 4، الحدائق الناضرة 5: 127، جواهر الكلام 6: 19، مستند الشيعة 15: 174، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 365/ السطر 32، لم نجدها في مصباح الفقيه، مجمع البحرين 4: 154.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 299

يشر أحدهم- حتّى المجلسي إلى اختلاف نسخ «الكافي» فضلًا عن كون النسخ المصحّحة كذلك، فأضبطية «الكافي» إنّما تفيد إذا ثبت كونها كذلك فيه، و أمّا مع اختلاف نسخه علىٰ فرض التسليم و اتفاق نسخ «التهذيب» بذكر

أو

موافقةً للنسخ المشهورة المتداولة من «الكافي» فلا وجه لرجحان ما ذكر.

مع أنّ الأصحّ بحسب الاعتبار نسخة «التهذيب» لما أشرنا إليه من أنّ «النشّ» كلّما أُطلق في الأخبار أُريد به الجيش بنفسه، و «الغليان» عند الإطلاق- بمناسبة ما ذكرناه «1» هو ما حصل بالنار، و لا أقلّ من كونه أعمّ، لكن في الرواية بعد عدم معنى لذكر «النشّ» و «الغليان» معاً بعد كون أحدهما موضوعاً للحكم، لا بدّ و أن يراد ب «النشّ» ما ذكرناه، كما في سائر الروايات، و

ب «الغليان» ما غلىٰ بغيره، فلا بدّ من العطف ب

أو

لا الواو، لكن صاحب الرسالة لمّا اغترّ بإصابة رأيه فتح باب التأويل و التحريف في الروايات المخالفة له.

و أمّا دعواه: بأنّ كلّ ما ورد بلفظ «الطبخ» أو ما يساوقه، فهو مغيّا بذهاب الثلثين، ففيها: أنّه إن أراد بذلك أنّ ما ذكر فيها ذهاب الثلثين منحصر بالمطبوخ- كما هو الظاهر منه، و لهذا ادعىٰ أمراً آخر: و هو أنّ المغلي بنفسه إذا ذهب ثلثاه بالنار يكون حراماً، و لا يفيد التثليث إلّا في العصير الذي طبخ قبل نشيشه بنفسه ففيها منع؛ فإنّ الظاهر من غير واحد من الروايات أنّ التثليث غاية مطلقاً، ففي رواية أبي الربيع الشامي بعد ذكر منازعة آدم (عليه السّلام) و إبليس لعنه اللّٰه قال

فرضيا بروح القدس، فلمّا انتهيا إليه قصّ آدم (عليه السّلام) عليه قصّته، فأخذ روح

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 296.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 300

القدس ضغثاً من نار فرمى به عليهما

أي على القضيبين

و العنب في أغصانهما؛ حتّى ظنّ آدم أنّه لم يبقَ منهما شي ء، و ظنّ إبليس مثل ذلك

قال

فدخلت النار حيث دخلت، و قد ذهب منهما ثلثاهما، و بقي الثلث، فقال الروح: أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس، و ما بقي فلك يا آدم «1».

فإنّ الظاهر منها أنّ التثليث مطلقاً موجب للحلّية؛ لأنّ إحراق نفس القضيبين إنّما هو لتعيين حظّ آدم و إبليس، و هو غير مربوط بطبخ عصير العنب و تثليثه بالنار، فبعد تعيين ذلك و تحديد الحدود قال الروح

أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس

أي مقدار ما ذهب من القضيبين و هو الثلثان فحظّ إبليس من العصير الذي نشّ أو غلىٰ

بالنار، و إنّما قيّدناه بذلك لقيام الإجماع و الضرورة بعدم حظّ لإبليس في نفس العنب، و لا في عصيره قبل الغليان.

فاتّضح ممّا ذكر من فقه الحديث: أنّ مقتضىٰ إطلاقه أنّ الثلثين من العصير المغلي بنفسه أو بغيره لإبليس، و بعد ذهابهما يتخلّص سهم آدم (عليه السّلام) و يحلّ ما بقي. و منه يظهر الكلام في موثّقة سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2».

و كأنّ صاحب الرسالة حمل الطبخ في الروايتين و نحوهما علىٰ طبخ العصير، فصار ذلك موجباً لدعواه المتقدّمة، مع أنّهما صريحتان في أنّ الإحراق وقع في نفس القضيبين و الكرم لتعيين الحظّين، لا في العصير للتثليث.

و في موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) بعد ذكر معارضة إبليس نوحاً (عليه السّلام) في الحَبَلَة-

فقال جبرئيل: أحسن يا رسول اللّٰه، فإنّ منك الإحسان، فعلم نوح

______________________________

(1) الكافي 6: 393/ 1، وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 394/ 4، وسائل الشيعة 25: 284، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 5، و تقدّم أيضاً في الصفحة 278.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 301

أنّه قد جُعل له عليها سلطان، فجعل له الثلثين

فقال أبو جعفر (عليه السّلام)

فإذا أخذت عصيراً فطبخته حتّى يذهب الثلثان نصيب الشيطان فكل و اشرب «1».

و هو أيضاً ظاهر في أنّ حظّ إبليس هو الثلثان، و أمّا قول أبي جعفر (عليه السّلام) فتفريع علىٰ قول نوح لا ينبغي أن يتوهّم منه اختصاص الغاية بذهاب الثلثين بالنار، كما لا يتوهّم منه اختصاص الحرمة بالغليان بها.

و في حسنة «2» محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه

السّلام)

كان أبي (عليه السّلام) يقول: إنّ نوحاً حين أُمر بالغرس كان إبليس إلىٰ جانبه، فلمّا أراد أن يغرس العنب قال: هذه الشجرة لي، فقال له نوح: كذبت، فقال إبليس: فما لي منها؟ فقال نوح: لك الثلثان، فمن هناك طاب الطلاء على الثلث «3».

و هي أوضح في تفريع قوله

فمن هناك ..

إلىٰ آخره، علىٰ كلّية: هي كون الثلثين من العصير المغلي لإبليس لعنه اللّٰه، و الثلثِ لنوح (عليه السّلام). و من هنا يظهر حال رواية وهب بن منبّه «4».

و في مرسلة محمّد بن الهيثم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن العصير

______________________________

(1) الكافي 6: 394/ 3، وسائل الشيعة 25: 284، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 4.

(2) رواها الصدوق في العلل، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم. و الرواية حسنة بإسماعيل بن مرار الذي لم يرد فيه توثيق.

راجع الجزء الأوّل: 92، تنقيح المقال 1: 144/ السطر 38.

(3) علل الشرائع: 477/ 2، وسائل الشيعة 25: 286، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 10.

(4) تقدّمت في الصفحة 274.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 302

يطبخ بالنار حتّى يغلي من ساعته، أ يشربه صاحبه؟ فقال

إذا تغيّر عن حاله و غلى فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه «1».

و هي أوضح فيما ذكرناه؛ فإنّ فاعل

تغيّر

و

غلىٰ

ضمير راجع إلى العصير، لا هو مع قيد الطبخ و الغليان، و هو واضح، فحينئذٍ إعراضه عن الموضوع المفروض في السؤال، و استئناف الكلام بأنّه

«إذا تغيّر العصير عن حاله و غلى» لإعطاء قاعدة كلّية: و هي أنّ مطلق التغيّر عن حاله و الغليان موجب للحرمة إلىٰ ذهاب الثلثين.

مع أنّ قوله (عليه السّلام)

تغيّر عن حاله

لا يبعد أن يكون ظاهراً في الفساد الذي يحصل من الجيش بنفسه. و كيف كان لا وجه لاختصاصه بالنار.

و في «فقه الرضا»

اعلم: أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار، أو غلىٰ من غير أن تصيبه النار، فهو خمر، و لا يحلّ شربه إلّا أن يذهب ثلثاه على النار، و بقي ثلثه، فإن نشّ من غير أن تصيبه النار فدعه حتّى يصير خلّا من ذاته من غير أن يلقىٰ فيه شي ء «2».

و هي ظاهرة في أنّ ما غلىٰ بنفسه يحلّ إذا ذهب ثلثاه على النار، و أمّا قوله

فإذا نشّ .. فدعه ..

إلىٰ آخره، فمتعرّض لفرع آخر: و هو عدم جواز إلقاء شي ء خارجي فيما يجعل خلّا، بل لا بدّ من أن يدعه حتّى يصير خلّا بذاته من دون إلقاء شي ء فيه.

و إنّما قيد ذهاب الثلثين بكونه على النار؛ لأجل أنّ التثليث بغير النار قلّما

______________________________

(1) الكافي 6: 420/ 1، وسائل الشيعة 25: 285، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 7.

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 280، مستدرك الوسائل 17: 39، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 303

يتفق. بل العصير إذا غلىٰ بنفسه يصير خلّا أو خمراً بعلاج أو بغيره قبل أن يذهب ثلثاه. لا أقول: إنّه يصير خمراً أو مسكراً بمجرّد الغليان بنفسه، بل أقول: قبل ذهاب الثلثين يتبدّل إليه أو إلى الخلّ، و لهذا

قيّده بقوله

على النار.

و لعلّه لأجل ما ذكرناه من عدم دخالة النار في الحلّية لو اتفق التثليث بغيرها أسقطها عليّ بن بابويه، فقال: «لا يحلّ شربه إلىٰ أن يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه» «1» مع أنّ كلامه عين ما في «فقه الرضا» تقريباً، لكن صاحب الرسالة نقل كلام ابن بابويه، ثمّ قال:

«و الذي أُحصّله من هذا الكلام: أنّ عصير الكرم إذا أصابته النار و لم يذهب ثلثاه، و ترك علىٰ هذا الحال، أو غلىٰ من غير أن يصيبه النار، فهو خمر، و إن لم يترك طبخه حتّى ذهب ثلثاه كان حلالًا، و إن غلىٰ بنفسه كان خمراً لا يفيد فيه التثليث إلّا أن ينقلب خلّا» «2» انتهىٰ.

و ليت شعري، من أين حصل له هذا الأمر المخالف لظاهر الكلام، بل صريحه، و من أين لفّق بالعبارة قولَه: «و ترك علىٰ هذا الحال» و قولَه: «و إن لم يترك طبخه حتّى يذهب ثلثاه كان حلالًا» حتّى وافقت مذهبه بعد مخالفتها له؟! مع أنّه علىٰ فرض كون مراده ذلك لا يتضح موافقته لمذهبه؛ لما مرّ من أنّ هؤلاء إنّما يكون كلامهم في مسألة الحلّية و الحرمة، لا النجاسة و الطهارة «3»، و لم يتضح أنّ مراده من كونه خمراً أنّه هو تكويناً، و لعلّه تبع بعض النصوص «4» في إطلاق «الخمر» عليه، كما هو دأبه، و لم يظهر منه و لا من الفقهاء ملازمة النشيش

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 293.

(2) إفاضة القدير: 33.

(3) تقدّم في الصفحة 290 و ما بعدها.

(4) تقدّم في الصفحة 279.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 304

و الغليان من قِبَل نفسه للإسكار؛ و إن نسب صاحب الرسالة ذلك أيضاً إليهم «1»

من غير حجّة. بل مع الحجّة علىٰ خلافه، كما لعلّنا أشرنا إليها من ذي قبل «2».

الإعضال الثاني:

أنّه قد ورد في صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقىٰ ثلثه «3».

هذا التقييد لا يتضح وجهه مع أنّه بصدد إعطاء القاعدة، و موضوع الحكم مطلق ما غلىٰ بنفسه أو بالنار، فالتقييد مخلّ إن قلنا بمفهوم الوصف، و موجب لعدم دلالته علىٰ حكم ما غلىٰ بنفسه إن لم نقل به، فالمناسب أو المتعيّن أن يقول: «كلّ عصير غلىٰ فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه».

و جعل وجه حلّه: أنّ الحديث في مقام بيان الحرمة المحدودة بذهاب الثلثين، و ليست إلّا في العصير المطبوخ، فالتقييد في موقعه، و الضابطة تامّة، و القاعدة محكمة «4»، انتهىٰ ملخّصاً.

و فيه أوّلًا: أنّه بعد تسليم ما ذكره، لا تدلّ إلّا علىٰ أنّ غاية الحرمة في المغلي بالنار ذهاب الثلثين، لا في المغلي بنفسه، و هو غير مربوط بمدعاه الذي ذكر الإعضالات و الانحلالات المتوهّمة لأجله؛ و هي مسكرية ما غلىٰ بنفسه، دون ما غلىٰ بالنار.

و قد عرفت: أنّ مورد البحث و محطّ كلام الفقهاء في مسألتين:

إحداهما: في النجاسة و الطهارة.

و ثانيتهما: في غاية الحلّية.

______________________________

(1) إفاضة القدير: 40.

(2) يأتي في الصفحة 308 و ما بعدها.

(3) تقدّمت في الصفحة 278.

(4) إفاضة القدير: 17 و 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 305

فالرواية علىٰ فرض تمامية مدعاه مربوطة بالثانية، و هو يريد الاستدلال بها للأُولىٰ علىٰ زعمه في طرح المسألة.

و ثانياً: أنّه لا إشكال في أنّ الصحيحة بصدد بيان حرمة ما أصابته النار، لا مطلق العصير المغلي، كما لا إشكال

في أنّ ذهاب الثلثين غاية للحرمة فيه، و أمّا عدم ذكر العصير المغلي بنفسه مع حرمته بنحو الإطلاق، فهو إشكال مشترك لو فرض وروده.

و العذر بأنّها بصدد بيان العصير الذي يصير حلالًا بذهاب الثلثين، تسليم للإشكال، لا دافع له.

إلّا أن يقال: إنّها بصدد بيان الغاية فقط، و هو كما ترى.

هذا مع عدم ورود الإشكال رأساً؛ لأنّ السكوت عن بعض أنواع موضوع بعد عدم المفهوم للقيد هنا جزماً، غير عزيز، سيّما إذا كان المذكور أخفىٰ حكماً، كما في المقام.

و الظاهر أنّه غفل عمّا التزم به من اختصاص مثل رواية حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يحرم العصير حتّى يغلي «1»

، بما يغلي بنفسه «2»، مع أنّها بصدد بيان الضابطة و القاعدة الكلّية جزماً، و الضابطة مع ذلك الاختصاص مخلّة بالمقصود جزماً؛ لأنّ ما غلىٰ بالنار حرام أيضاً، و لم يذكر فيها الغاية حتّى يتوهّم أنّها بصدد بيان ما كانت غايته التخليل.

اللهمّ إلّا أن يقول: الذي أحصّله منها ذلك، كما قال في عبارة الصدوق «3»، فلا كلام لنا حينئذٍ.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 297.

(2) إفاضة القدير: 20 21.

(3) تقدّم في الصفحة 303.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 306

و ثالثاً: أنّه لقائل أن يقول: إنّ إطلاق ذيل الصحيحة يقتضي أن يحلّ ما أصابته النار بذهاب الثلثين و لو بغير النار، و مجرّد كون الغليان بالنار لا يوجب صرفه إلىٰ كون التثليث بها. و لو توهّم الانصراف فهو بدوي. كما أنّ ندرة الوجود لا توجبه.

بل مقتضىٰ إطلاق صدرها أنّ ما أصابته النار أعمّ ممّا كانت الإصابة بعد النشّ بنفسه أو لا، و أوّل مراتب النشّ ليس بنادر في العصير الذي يتهيّأ

للطبخ، سيّما إذا كان كثيراً، و يعصر بتدريج، و سيّما إذا كان في المناطق الحارّة، و ليس ظهور الصحيحة في حدوث الحرمة بإصابة النار ظهوراً يدفع الإطلاق، سيّما مع قوّة احتمال أن يكون المقصود الأصلي فيها بيان غاية التحريم.

فتكون دالّة علىٰ خلاف مدعاه من وجهين:

أحدهما: دعواه بأنّ ما غلىٰ بنفسه لا يحلّ و لا يطهر إلّا بصيرورته خلّا، و لا يفيده ذهاب الثلثين بالنار، و هي دالّة علىٰ خلافها.

و ثانيهما: دعواه بأنّ ما غلىٰ بالنار لا يحلّ إلّا بذهاب ثلثيه بها، و هي دالّة علىٰ خلافها.

الإعضال الثالث:

أنّه قد وقع في موثّقة عمّار ما لم يهتدِ إلىٰ وجهه و سرّه أغلب الواقفين عليها، قال عمّار: وصف لي أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالًا، فقال

تأخذ ربعاً من زبيب و تنقّيه، ثمّ تصبّ عليه اثني عشر رطلًا من ماء، ثمّ تنقعه ليلة، فإذا كان أيّام الصيف و خشيت أن ينشّ جعلته في تنوّر مسجور قليلًا حتّى لا ينشّ ...

إلىٰ أن قال

ثمّ تغليه بالنار، فلا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان، و يبقى الثلث «1».

______________________________

(1) الكافي 6: 424/ 1، وسائل الشيعة 25: 289، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 307

فإنّ هذه الفقرة ممّا تحيّر الناظر من وجهين:

أحدهما: أنّه إذا نشّ خارج التنُّور فهو بأن ينشّ فيه أولىٰ، فكيف داواه بما يضاعفه؟! ثانيهما: أنّه أمره بعد ذلك بالتثليث، فالنشيش ليس فيه محذور يخاف منه. و لو فرض خوف فيندفع بعد الغليان و التثليث «1».

ثمّ حلّ هذه المعضلة: بأنّه إذا نشّ بنفسه حدث فيه الإسكار، و بطل المقصود؛ إذ لا بدّ

من إراقته أو تخليله، بخلاف تعجيل غليانه بالتنُّور المسجور، فإنّه يمنع من تسارع الفساد إليه «2»، انتهىٰ بتلخيص.

و فيه: بعد الغضّ عن تسميتها «موثّقة» مع تردّدها بين موثّقة و مرسلة «3»، و بعد الغضّ عن أنّ ذلك بعد تسليم المقدّمات لا ينتج مقصوده؛ لأنّ غاية ما يستفاد منها أنّه مع النشيش بنفسه لا يحلّله التثليث، و هو المسألة الثانية من المسألتين المتقدّمتين «4»، و هو استدلّ بها للأُولىٰ.

أنّ هذه الرواية لا يمكن التعويل عليها حتّى في حرمة ما ينشّ بنفسه لولا دليل آخر؛ ضرورة أنّ القيود الكثيرة المأخوذة فيها، ممّا لا دخالة لها في الحلّية تمنع عن الاستدلال بها، فمن المحتمل قريباً أن يكون الأمر بجعله في التنُّور لئلّا

______________________________

(1) إفاضة القدير: 18 و 19.

(2) إفاضة القدير: 22.

(3) رواها الكليني، عن محمّد بن يحيىٰ، عن عليّ بن الحسن أو عن رجل، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى الساباطي.

(4) تقدّمت في الصفحة 289 و 290.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 308

ينشّ؛ لأجل أنّ النشيش بنفسه يوجب الفساد تكويناً، فلا يحصل معه المقصود من تحصيل مشروب لذيذ طبّي مطبوخ له خواصّ و آثار، لا لما ذكره من لزوم إراقته أو تخليله.

إلّا أن يقول: الذي أحصّله ذلك، و لا كلام معه.

نعم، لا إشكال في أنّ الرواية دالّة علىٰ أنّه بعد ما عمل بدستوره، حصل له مطبوخ حلال، و أمّا لو نشّ فلم يصر حلالًا لإسكاره و لا يحلّ إلّا بالتخليل، فلا تدلّ عليه بوجه.

هذا مع أنّ هذه الفقرة غير مذكورة في روايته الأُخرى الموثّقة «1»، مع أنّ الناظر فيهما يرىٰ أنّهما رواية

واحدة نقلتا بالمعنى لحكاية قضية واحدة، نعم ترك في الثانية ذيل الاولىٰ، فلو كان النشّ موجباً لحرمته و عدم حلّيته بالتثليث، كان عليه ذكره. إلّا أن يقال بوقوع السقط في الثانية اشتباهاً، أو بتوهّم الساباطي عدم الدخالة.

و أولى بالدلالة علىٰ عدم الدخالة ما لو كانت الموثّقة رواية مستقلة أُخرى.

الإعضال الرابع:

أنّه قد ورد في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال: سألته عن نبيذ قد سكن غليانه، قال

كلّ مسكر حرام.

وجه الإشكال: أنّه قد دلّ الجواب سيّما مع ترك الاستفصال علىٰ أنّ مطلق الغليان في النبيذ يوجب إسكاره؛ غلىٰ بنفسه أو بالنار، بل يدلّ علىٰ أنّ اندراجه في موضوع الجواب مفروغ عنه عند السائل، و هو مع مخالفته للوجدان، و صريح رواية وفد اليمن يشكل: بأنّه لو كان الغليان موجباً

______________________________

(1) الكافي 6: 425/ 2، وسائل الشيعة 25: 290، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 309

لإسكاره، لم يكن معنى لجعل ذهاب الثلثين محلّلًا؛ فإنّ تسخين المسكر و تغليظه لا يزيل إسكاره «1».

ثمّ أجاب عنه: بأنّ المراد من «الغليان» ما كان بنفسه، فاندراجه تحت الكبرى لمّا كان مفروغاً عنه أجاب بما أجاب «2».

و فيه: بعد إصلاح الرواية؛ فإنّ صحيحة ابن مسلم ليست كما نقلها، بل هي هكذا: محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن نبيذ سكن غليانه، فقال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): كلّ مسكر حرام «3».

و بعد تسليم اندراج مورد السؤال في موضوع الجواب، بل مفروغيته لدى السائل، و الغضّ عن احتمال أنّ إلقاء الكبرى لأجل إفادة أنّ الحرمة دائرة

مدار السكر، فإن كان ما و صفته مسكراً فهو حرام، و إلّا فلا، كما في رواية وفد اليمن، حيث إنّ فيها قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بعد توصيفهم ما صنعوا-

يا هذا، قد أكثرت عليّ، أ فيسكر؟

قال: نعم، فقال

كلّ مسكر حرام «4».

أنّ مضمون الرواية غير مرتبط بدعواه التي من أجلها أسّس أساس المعضلات المتوهّمة؛ أي مسكرية العصير إذا نشّ و غلى بنفسه، لو لم نقل: إنّه ضدّها، لا لأنّها واردة في النبيذ، و كلامنا في العصير، بل لأنّ موضوع السؤال نبيذ سكن غليانه، لا حدث فيه الغليان، فلو فرض كون النبيذ الذي غلىٰ بنفسه

______________________________

(1) إفاضة القدير: 19.

(2) نفس المصدر: 22.

(3) الكافي 6: 418/ 1، وسائل الشيعة 25: 357، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 25، الحديث 1.

(4) الكافي 6: 417/ 7، وسائل الشيعة 25: 355، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 310

و بقي حتّى سكن غليانه مسكراً، لم يثبت به مسكرية ما غلىٰ في أوّل غليانه فيه، فضلًا عن العصير.

بل يمكن أن يقال: إنّ عدم مسكرية ما غلىٰ بنفسه مفروغ عنه لدى السائل، و إنّما شبهته فيما سكن غليانه.

و هذه الصحيحة نظير جملة أُخرى من الروايات التي تمسّك بها لإثبات مدعاه بعد عدّة مقالات، كرواية إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السّلام) فقلت: يا جارية، اسقيني ماءً، فقال لها

اسقيه من نبيذي

فجاءت بنبيذ مَرِيس في قدح من صفر.

قلت: لكنّ أهل الكوفة لا يرضون بهذا، قال

فما نبيذهم؟

قلت: يجعلون فيه القعوة، قال

و ما القعوة؟

قلت: الدازي، قال

و

ما الدازي؟

قلت: ثفل التمر يفري به الإناء حتّى يهدر النبيذ فيغلي، ثمّ يسكن فيشرب، قال

ذاك حرام «1».

و قريب منها رواية إبراهيم بن أبي البلاد، عن [ابن] الرضا (عليه السّلام) «2».

و في نسخة «مرآة العقول»: «ثمّ يسكر» بدل «ثمّ يسكن» «3» فعليها تدلّ الرواية علىٰ ضدّ مقصوده، لمكان «ثمّ».

و كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: استأذنت لبعض أصحابنا علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فسأله عن النبيذ، فقال

حلال.

______________________________

(1) الكافي 6: 416/ 4، وسائل الشيعة 25: 353، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 1.

(2) الكافي 6: 416/ 5، وسائل الشيعة 25: 354، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 3.

(3) مرآة العقول 22: 277/ 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 311

فقال: إنّما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر، [فيغلي] ثمّ يسكن، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): كلّ مسكر حرام «1».

و في نسخة المرآة: «فيغلي حتّى يسكر» «2» فعليها تدلّ علىٰ ضدّ مقصوده؛ فإنّ الظاهر منها أنّه يغلي إلىٰ أن ينتهي إلى السكر، فتدلّ علىٰ أنّ السكر بعد الغليان بمدّة.

و في رواية وفد اليمن في وصف النبيذ: يؤخذ التمر فينبذ في إناء، ثمّ يصبّ عليه الماء حتّى يمتلئ، ثمّ يوقد تحته حتّى ينطبخ، فإذا انطبخ أخرجوه فألقوه في إناء آخر، ثمّ صبّوا عليه ماءً، ثمّ مرس، ثمّ صفّوه بثوب، ثمّ القي في إناء، ثمّ صبّ عليه من عكر ما كان قبله، ثمّ هدر و غلى، ثمّ سكن علىٰ عكره، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

يا هذا، قد أكثرت عليّ، أ

فيسكر؟

قال: نعم، فقال

كلّ مسكر حرام «3».

و هذه الروايات كما ترى تدلّ علىٰ أنّ النبيذ بعد العلاج و إلقاء العكر فيه و الغليان و السكون بعده، صار مسكراً، فتدلّ علىٰ أنّ الإسكار إنّما هو بعد تلك المقدّمات لا بمجرّده، فتكون دالّة علىٰ ضدّ مقصوده.

و لو منعت دلالتها علىٰ ذلك فلا شبهة في عدم دلالتها بل و لا إشعارها بحصول السكر بمجرّد الغليان. لكنّ صاحب الرسالة لا يبالي بعدم الدلالة؛ حتّى استدلّ بها علىٰ حصول السكر بمجرّده.

______________________________

(1) الكافي 6: 417/ 6، وسائل الشيعة 25: 355، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 5.

(2) مرآة العقول 22: 278/ 6.

(3) تقدّمت في الصفحة 309.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 312

كما استدلّ عليه بروايات أُخر نظيرها في عدم الدلالة، كذيل رواية إبراهيم في باب تحريم العصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ثمّ إنّ إبليس ذهب بعد وفاة آدم (عليه السّلام) فبال في أصل الكرم و النخلة، فجرى الماء في عودهما ببول عدوّ اللّٰه، فمن ثمّ يختمر العنب و التمر، فحرّم اللّٰه علىٰ ذرّية آدم كلّ مسكر؛ لأنّ الماء جرىٰ ببول عدوّ اللّٰه في النخلة و العنب، و صار كلّ مختمر خمراً؛ لأنّ الماء اختمر في النخلة و الكرمة من رائحة بول عدوّ اللّٰه «1».

و استشهد لإتمام الدلالة بقول ابن الأعرابي «2»: «سمّيت الخمر خمراً؛ لأنّها تركت و اختمرت»، قال: «و اختمارها تغيّر ريحها» «3».

أقول: أمّا الرواية فلا دلالة لها علىٰ منظورة بوجه؛ فإنّ صيرورة الخمر حراماً لجريان بول عدوّ اللّٰه في عود النخلة و الكرم، و صيرورةَ كلّ مختمر خمراً لاختمار الماء فيهما من رائحة بوله، لا تدلّ علىٰ أنّ

العصير بمجرّد غليانه بنفسه صار مسكراً أو خمراً، و أيّ ربط بين تلك الفقرات و دعواه؟! إلّا أن يقال: إنّ رائحة الخمر إذا كانت في شي ء، تكشف عن بول عدوّ اللّٰه و اختماره ببوله. و هو حسن لمن أراد الدعابة و المزاح. مع أنّ موافقة رائحة الخمر لرائحة العصير إذا نشّ، غير معلومة، بل معلومة العدم.

و أمّا التشبّث بقول ابن الأعرابي و غيره من أئمّة اللغة «4»، فمع الغضّ عن

______________________________

(1) الكافي 6: 393/ 2، وسائل الشيعة 25: 283، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 3.

(2) انظر الصحاح 2: 649.

(3) إفاضة القدير: 51.

(4) راجع الصحاح 2: 649، المصباح المنير 1: 182، تاج العروس 3: 188.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 313

عدم حجّية قولهم في غير المعاني اللغوية، و ذكر وجه التسمية غير داخل في فنّهم، بل من قبيل الاجتهاد في أصل اللغة، أنّ العبارة المنقولة عنه غير دالّة علىٰ أنّ كلّ ما تغيّر ريحها تسمّى «خمراً» بل تدلّ علىٰ أنّ الخمر سمّيت بذلك لهذا الوجه، و الافتراق بينهما ظاهر لا يخفى.

و أمّا قوله: «اختمارها تغيّر ريحها» فإن أراد به الإخبار عن حقيقة كيمياوية، فهو غير مسموع منه؛ لعدم كونه داخلًا في فنّه. إلّا أن يدّعي التجربة، و هي كما ترى.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من تلك العبارة أنّ الخمر سمّيت «خمراً» لأنّها- أي الخمر تركت و اختمرت و تغيّرت حالها، لا أنّ العصير إذا ترك و تغيّر حاله يصير خمراً و يسمّى بها، فلعلّ مراده أنّ وجه تسمية الخمر أنّها إذا تركت تتغيّر في ريحها. و تأويل كلامه بما يرجع إلىٰ ما أراد المستدلّ بلا حجّة لا

داعي له.

و استدلّ أيضاً «1» بما دلّ علىٰ حرمة ما تغيّر من العصير و غيره إذا نشّ و غلى بنفسه «2». و أمر النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بإهراق ما تغيّر و نشّ «3». و الأمرِ بغسل الإناء الذي ينبذ فيه لكيلا يغتلم «4». و بروايات النهي عن الانتباذ في جملة من الأواني، أو مطلق استعمالها، كالدباء و المزَّفَت و الحَنْتَم و النقير «5».

______________________________

(1) إفاضة القدير: 50 63.

(2) راجع وسائل الشيعة 25: 283، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 3.

(3) دعائم الإسلام 2: 128/ 444.

(4) الكافي 6: 415/ 1، وسائل الشيعة 25: 352، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 22، الحديث 5.

(5) وسائل الشيعة 25: 357، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 25.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 314

و أنت خبير بما في الاستدلال بها لإثبات مسكرية ما غلىٰ بنفسه من الوهن؛ بعد التأمّل فيما مرّ، و التمييز بين المسألتين المتقدّمتين؛ أي مسألة حرمة ما نشّ و غلى و الاختلاف في غايتها، و مسألة نجاسة العصير المغلي التي تفرّد بالتفصيل فيها ابن حمزة كما مرّ «1»، و مع جعل ذلك نصب عينيك، تهتدي إلىٰ أنّ ما تمسّك به لمدّعاه من الأخبار و كلمات الأصحاب، إمّا مخالف لمذهبه، أو غير مربوط به، إلّا بعض إشعارات في بعض الكلمات.

و لو كان الوقت متسعاً، و الحال مقتضياً، و المسألة مهمّة، لسردت عليك موارد خلطه حتّى لا تغترّ بعباراته و دعاويه، و اتضح لك وهن اعتراضاته علىٰ أئمّة الفقه و مهرة الفنّ، و اللّٰه العاصم.

فاتضح ممّا مرّ عدم قيام دليل علىٰ نجاسته مطلقاً؛ لا

ما غلىٰ بنفسه، و لا ما غلىٰ بغيره.

حول المراد بالاشتداد

ثمّ إنّ «الاشتداد» الواقع في كلام جملة من الأصحاب- كالمحقّق و العلّامة «2» إن كان المراد منه الإسكار فالتعبير ب «الإلحاق بالمسكر» غير مناسب.

و إن كان المراد الثخانة و الخثورة، فلا دليل على اعتباره إلّا ما احتمله الشيخ الأعظم: من «أنّ عمدة الدليل على النجاسة لمّا كانت الموثّقة المتقدّمة المختصّة بما بعد الثخونة المحسوسة، و فتوى المشهور المتيقّن منها ذلك،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 289.

(2) المعتبر 1: 424، منتهى المطلب 1: 167/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 315

كان الاقتصار في مخالفة الأصل عليها أولىٰ؛ و إن كان الإطلاق لا يخلو من قوّة» «1» انتهىٰ.

و هو غير وجيه؛ فإنّه على فرض كون المستند هو الموثّقة، لا يظهر منها الاختصاص، بل الظاهر منها و لو بالقرائن الداخلية و الخارجية هو الإطلاق.

مضافاً إلىٰ أنّ في كونها مستندهم إشكالًا؛ بعد كونها في مقام بيان الحكم الظاهري كما مرّ «2»، و بعد ما قيل: «من عدم معهودية التمسّك بها إلىٰ زمان الأسترآبادي» «3».

و لو قيل باستنادهم إلىٰ مثل الرضوي المتقدّم «4»، و صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة «5»، كان أولىٰ، و لم يظهر منهما الاختصاص:

أمّا الرضوي فظاهر.

و أمّا الصحيحة، فلأنّ «البُخْتُج» صادق علىٰ أوّل مراتب الطبخ الحاصل بالغليان. و يحتمل أن يكون المراد به الاشتداد في الغليان و إن كان بعيداً بل غير وجيه.

و كيف كان: فبعد بطلان أصل الدعوىٰ، لا داعي للبحث في متفرّعاتها و قيودها.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 1.

(2) تقدّم في الصفحة 280 281.

(3) انظر الحدائق الناضرة 5: 123، إفاضة القدير: 39.

(4) تقدّم في الصفحة 287.

(5) تقدّمت في الصفحة 283.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 316

في طهارة عصير الزبيب
اشارة

و أمّا عصير الزبيب، فلا ينبغي الإشكال في طهارته، و إن قلنا بنجاسة عصير العنب. بل في «الحدائق»: «الظاهر أنّه لا خلاف في طهارته و عدم نجاسته بالغليان؛ فإنّي لم أقف علىٰ قائل بالنجاسة هنا» «1». و حكي ذلك عن «الذخيرة» أيضاً «2». لكن يظهر من بعضهم وجود قول بها «3»، بل عن أطعمة «مجمع البرهان»: «أنّه يظهر من «الذكرى» اختيار نجاسة عصير التمر و الزبيب» «4».

لكن في «مفتاح الكرامة» ليس لذلك في «الذكرى» عين و لا أثر، قال: «و في «الذكرى» بعد أن نسب الحكم بالنجاسة إلى ابن حمزة و المحقّق في «المعتبر»، و ذكر أنّ المصنّف تردّد في «النهاية» قال: و لم نقف لغيرهم علىٰ قول بالنجاسة «5». نعم اختار في «الألفية» النجاسة «6»» «7»، انتهىٰ.

أقول: و لم أرَ في «الوسيلة» و «المعتبر» ما نسب إليهما. إلّا أن يقال: إنّ العصير شامل للأقسام، و هو غير ظاهر، سيّما بعد معروفية اختصاصه عند الإطلاق بالعنبي و تسميةِ غيره بأسماء أُخر.

و كيف كان: فالأصل فيه الطهارة إلىٰ قيام دليل علىٰ نجاسته.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 125.

(2) ذخيرة المعاد: 155/ السطر 3.

(3) جامع المقاصد 1: 162، روض الجنان: 164/ السطر 9، الدرّة النجفيّة: 50.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 11: 203.

(5) ذكرى الشيعة 1: 115.

(6) الألفية و النفلية: 47.

(7) مفتاح الكرامة 1: 141/ 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 317

التمسّك بالاستصحاب لإثبات النجاسة و جوابه

و ربّما يتمسّك لنجاسته بعد البناء علىٰ نجاسة العصير العنبي المغلي بالاستصحاب التعليقي تارة، و بالتنجيزي اخرىٰ؛ و هو استصحاب سببية غليانه للحرمة و النجاسة، أو استصحاب ملازمته لهما «1».

أقول: إنّ ظواهر الأدلّة المستدلّ بها لنجاسة العصير مختلفة، و يختلف حال الاستصحاب حسب اختلاف

المستند، فإنّ ظاهر موثّقة معاوية بن عمّار «2»، و صحيحة عمر بن يزيد «3»، جعل الحكم التنجيزي للعصير المطبوخ؛ لأنّ موضوع السؤال فيهما البُخْتُج؛ و هو العصير المطبوخ، فقد نزّله في الموثّقة منزلة الخمر في الآثار فرضاً، و منها النجاسة، فكأنّه قال: «البُخْتُج حرام و نجس» و كذا الحال في الصحيحة، فإنّ الحكم فيها أيضاً تنجيزي لا تعليقي.

و أمّا ظاهر مرسلة محمّد بن الهيثم «4»، و خبر «فقه الرضا» «5»، بل خبر أبي بصير «6»، المستدلّ بكلّ منها عليها، فهو إنشاء قضايا تعليقية؛ أي «إذا تغيّر

______________________________

(1) المصابيح في الفقه: 193 (مخطوط).

(2) تقدّمت في الصفحة 279.

(3) تقدّمت في الصفحة 283.

(4) تقدّمت في الصفحة 302.

(5) تقدّم في الصفحة 301.

(6) عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و سئل عن الطلاء فقال: إن طبخ حتّى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال، و ما كان دون ذلك فليس فيه خير.

الكافي 6: 420/ 1، وسائل الشيعة 25: 285، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 318

العصير و غلى فلا خير فيه» أو «إذا أصابته النار أو غلىٰ من غير أن تصيبه النار فهو خمر» فإنّ المستفاد من مثلهما جعل حكم على العصير معلّقاً على الغليان.

و لا يرجع ذلك إلى الحكم التنجيزي مطلقاً؛ لا في الجعل، و لا في الاعتبار، و لا في الواقع، لا قبل حصول المعلّق عليه، و لا بعده؛ لاختلاف موضوعهما اعتباراً و واقعاً، و كذا حكمهما؛ لأنّ المجعول في القضايا التنجيزية أي مفاد الطائفة الاولىٰ هو الحكم الفعلي المنجّز علىٰ موضوع مقيّد؛ أي العصير المغلي و لو تحليلًا؛

فإنّ البُخْتُج هو العصير المغلي أو المطبوخ، و في القضايا التعليقية يكون الموضوع ذات العصير، و الغليان واسطةً و معلّقاً عليه الحكم، و هو أمر تعليقي يتوقّف فعليته علىٰ حصول المعلّق عليه.

فقبل حصول المعلّق عليه و بعده، لا يفترق الموضوع و لا الحكم المجعول؛ فإنّ القضية لا تنقلب عمّا هي عليها؛ حصل المعلّق عليه، أو لم يحصل.

نعم، بعد حصول المعلّق عليه يصير الحكم فعلياً منجّزاً على العبد، و حجّة عليه، لا بانقلاب القضية التعليقية إلى التنجيزية، أو انقلاب موضوعها إلىٰ موضوع آخر؛ فإنّه غير معقول، فالموضوع في القضية التعليقية هو العصير لا العصير المغلي و لو بعد حصول المعلّق عليه، فالغليان ليس قيداً له في وعاء من الأوعية.

و ما قرع الأسماع: من «أنّ الجهات التعليلية ترجع إلى التقييدية» «1»، إنّما هو في القضايا العقلية، لا القضايا العرفية و الظواهر اللفظية، و هو ظاهر لدى التأمّل.

______________________________

(1) نهاية الدراية 2: 131، بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 387، مناهج الوصول 1: 390.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 319

ثمّ إنّ الظاهر من القضايا التعليقية؛ هو جعل الحكم على الموضوع علىٰ تقدير وجود المعلّق عليه، ففي المقام جعل النجاسة و الحرمة علىٰ تقدير وجود الغليان، و ينتزع منه سببية الغليان لهما، أو ملازمتهما معه.

لا أقول: لا يمكن جعل السببية أو الملازمة ثبوتاً، بل أقول: إنّ الظاهر منها في مقام الإثبات جعل الحكم، لا جعل السببية أو الملازمة، فهما منتزعتان من جعل الحكم عقلًا، لا مجعولتان شرعاً.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّه إن قلنا: بأنّ النجاسة في العصير العنبي مستفادة من القضية التعليقية، فإن قلنا: بأنّ المستفاد منها هو سببية الغليان لها، أو ملازمته لها، فاستصحابهما

و إن كان تنجيزياً، و السببية و الملازمة شرعية، لكن تحقّق المسبّب بتحقّق سببه و كذا تحقّق الملازم بتحقّق صاحبه عقلي، فاستصحاب السببية المجعولة لعصير العنب، لا يثبت نجاسة عصير الزبيب المغلي إلّا بالأصل المثبت، و كذا استصحاب الملازمة، فصِرف كون السببية أو الملازمة شرعية، لا يوجب التخلّص من المثبتية.

و إن قلنا: بأنّ المستفاد منها الحكم التعليقي، فيجري استصحابه من غير شبهة المثبتية؛ لأنّ حصول الحكم بحصول المعلّق عليه شرعي، فكأنّ الشارع المقدّس قال: «تعبَّدْ بأنّه إذا وجد غليان عصير الزبيب، وجدت النجاسة» أو «تعبَّدْ بوجودها عند وجوده» فلا إشكال من هذه الجهة.

و كذا لو قلنا: «بأنّ السببية الشرعية ليست علىٰ مثابة السببية التكوينية، بل ترجع إلى التعبّد بوجود المسبّب عند وجود سببه، يكون استصحابها كاستصحاب الحكم التعليقي جارياً.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 320

اعتراضات الاستصحاب التعليقي و بيان الصحيح منها

لكن قد يستشكل في الاستصحاب:

تارة: بعدم بقاء الموضوع؛ فإنّ «العنب» و «الزبيب» عنوانان مختلفان عرفاً و عقلًا، و كذا مصاديقهما، و لهذا لا يمكن التمسّك بدليل حكم العنب علىٰ حكم الزبيب «1».

و فيه: أنّ المعتبر في الاستصحاب وحدة القضية المتيقّنة مع القضية المشكوك فيها، لا وحدة المستصحب مع موضوع الدليل الاجتهادي، و لمّا كان الزبيب في الخارج مسبوقاً بالعنبية، فحين كان عنباً يقال: «هذا الموجود في الخارج إذا غلىٰ عصيره ينجس و يحرم» و ذلك بالاستنتاج من كبرىٰ كلّية اجتهادية، و صغرىٰ وجدانية.

فموضوع القضية المتيقّنة فيه ليس عنوان «العنب» الكلّي، بل الموجود الخارجي المشار إليه؛ لانطباق الكبرى عليه، فإذا جفّ رطوبته لم يصر موجوداً آخر؛ و إن صدق عليه عنوان آخر، و سلب عنه عنوانه الأوّلي، فالرطوبة و اليبوسة فيه نظير الكبر و الصغر و المرض

و الصحّة في الشخص الخارجي، حيث بقيت شخصيته عرفاً و عقلًا مع تبادل العناوين و العوارض عليه، فموضوع القضية المتيقّنة باقٍ مع العلم بعدم بقاء موضوع الدليل الاجتهادي.

و أُخرى: بأنّ الحكم التعليقي و التقديري ليس بشي ء، و لا بدّ في

______________________________

(1) فرائد الأُصول 2: 654، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 8، مصباح الفقيه، الطهارة: 553/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 321

الاستصحاب من ثبوت حكم وضعي أو تكليفي أو موضوع ذي حكم، و الشكّ في بقائه «1».

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّ الحكم التكليفي أو الوضعي المشروط، أمر مجعول محقّق في وعائه، و ليس معدوماً و لا شي ء أنّه لا يشترط في الاستصحاب كون المستصحب أمراً موجوداً، بل ما يعتبر فيه هو فعليةُ الشكّ و اليقين، لا فعلية المتيقّن و المشكوك فيه، و كونُ المتعلّق ذا أثر قابل للتعبّد في زمان الشكّ.

فلو تعلّق اليقين بعدم شي ء، و كان له أثر في زمان الشكّ، يجري الاستصحاب بلا شبهة، فضلًا عن المقام؛ فإنّ اليقين متعلّق بقضية شرعية هي «أنّه إذا نشّ العصير أو غلىٰ يحرم» أو «إذا أصابته النار فهو خمر» و شكّ في بقائها بعد انطباقها على العنب الخارجي لأجل صيرورته زبيباً، و التعبّد به ذو أثر في زمان الشكّ، و هو الحكم بالنجاسة و الحرمة إذا تحقّق الغليان.

و أمّا ما قيل: بأنّ معنى الاستصحاب التعليقي؛ هو الشكّ في بقاء الحكم المرتّب علىٰ موضوع مركّب من جزءين عند فرض وجود أحد جزءيه، و تبدّل بعض حالاته قبل فرض وجود الجزء الآخر.

ثمّ استشكل على الاستصحاب التعليقي تارة: بأنّ الحكم المرتّب على الموضوع المركّب، إنّما يكون وجوده و تقرّره بوجود الموضوع بما له من

الأجزاء و الشرائط؛ لأنّ الموضوع كالعلّة للحكم، و لا يعقل تقدّم الحكم عليه، فلا معنىٰ لاستصحاب ما لا وجود له.

و تارة: بأنّه ليس للجزء الموجود من المركّب أثر إلّا إذا انضمّ إليه الغليان، و هذا ممّا لا شكّ فيه، فلا معنىٰ لاستصحابه.

______________________________

(1) انظر فرائد الأُصول 2: 653، المناهل: 652/ السطر 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 322

و تارة: بأنّ هذه القضية التعليقية عقلية؛ لأنّها لازم جعل الحكم على الموضوع المركّب «1».

فلا ينبغي أن يصغى إليه؛ بعد خلطه بين القضايا التعليقية التي موضوعها نفس العناوين، و حكمها تعليقي، و المعلّق عليه واسطة في ثبوت الحكم للموضوع، و بين القضايا التنجيزية التي موضوعها أمر مركّب من جزءين: أي العصير، و الغليان، و هو مبنىٰ إشكاله الأوّل.

و أعجب منه إشكاله الثاني، فإنّ ما لا شكّ فيه هو عصير العنب إذا ضمّ إليه الغليان، لا عصير الزبيب.

و أعجب من ذلك إشكاله الثالث، حيث أرجع القضايا التعليقية الواردة في الشرع إلى القضايا التنجيزية المركّبة الموضوع، ثمّ قال: «إنّ القضية التعليقية لازمة عقلًا لجعل الحكم على الموضوع المركّب».

و ثالثة: بأنّ الاستصحاب التعليقي معارض دائماً باستصحاب تنجيزي «2»؛ فإنّ العصير الزبيبي المغلي، كما هو محكوم بالنجاسة و الحرمة للاستصحاب التعليقي و بعد حصول المعلّق عليه، كذلك محكوم بالطهارة و الحلّية الثابتتين له قبل الغليان.

فأجابوا عنه: بحكومة الأصل التعليقي السببي على التنجيزي المسبّبي، و ذكروا في وجهها ما لا يخلو من مناقشة أو مناقشات «3».

______________________________

(1) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 463 469.

(2) المناهل: 653/ السطر 2، فرائد الأُصول 2: 654، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 13، نهاية النهاية 2: 203.

(3) فرائد الأُصول 2: 654، الطهارة، الشيخ الأنصاري:

362/ السطر 13، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 473 477.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 323

و التحقيق في تقريرها أن يقال: إنّ الاستصحاب التعليقي جارٍ بلحاظ حال قبل الغليان، و المستصحب فيه هو القضية التعليقية، فإذا شكّ في بقائها يستصحب، و أمّا مفاد القضية المستصحبة فهو: أنّ هذا العصير إذا غلىٰ ينجس و يحرم، و بعد حصول الغليان و ضمّ الوجدان إلى القضية المستصحبة تصير النتيجة: أنّ هذا العصير نجس و حرام، لا أنّ العصير المشكوك في نجاسته أو حرمته كذا؛ لأنّ الاستصحاب لم يجرِ في المغلي المشكوك فيه، بل يجري في التعليقي بلحاظ قبل الغليان، فيحرز الدليل الاجتهادي في ظرفه.

و أمّا استصحاب الحلّ و الطهارة، فإنّما يجري في العصير المغلي المشكوك في حلّيته و طهارته.

فالدليل الاجتهادي المستصحب لسانه نجاسة هذا العصير إذا غلىٰ، و بعد الغليان ينتج نجاسة هذا العصير من غير قيد الشكّ، و لسان استصحاب الحلّ و الطهارة الجاري في المغلي: أنّ المشكوك فيه طاهر و حلال، فالأوّل بلسانه مقدّم على الثاني.

و هذا هو السرّ في تقدّم الأصل السببي على المسبّبي في جميع الموارد، مثلًا إذا شكّ في نجاسة الثوب المغسول بما شكّ في كرّيته، فاستصحاب الكرّية ينقّح موضوع الدليل الاجتهادي تعبّداً، فينطبق عليه الدليل الاجتهادي؛ أي أنّ الكرّ مطهّر لما أصابه و غسل فيه، و ليس مفاده: إذا شككت فيما غسل فيه فهو طاهر، بخلاف مفاد استصحاب نجاسة الثوب، فإنّ مفاده: إذا شكّ في نجاسته فهو باقٍ عليها، فمفاد الأوّل بعد تطبيق الدليل: أنّ هذا طاهر، و مفاد الثاني: إذا شكّ في نجاسته فهو نجس.

و إن شئت قلت: إنّ استصحاب الكرّية في المثال، لا يعارض

استصحاب النجاسة؛ لتعدّد موضوعهما، و إنّما التعارض بين مفاد الدليل الاجتهادي المنطبق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 324

على المستصحب تعبّداً بعد ضمّ الوجدان، و بين مفاد استصحاب نجاسة الثوب، و الأوّل مقدّم بلسانه على الثاني و حاكم عليه؛ و لو كان تنقيحه ببركة التعبّد ببقاء الكرّية بالاستصحاب، و كذا الحال في المقام، فتدبّر و اغتنم.

و رابعة: بأنّ الحكم إنّما تعلّق بالعصير، لا بالعنب حتّى يقال ببقاء الموضوع. و هذا الإشكال يقرّر بوجهين:

أحدهما: أنّ موضوع الدليل الاجتهادي عصير العنب لا نفسه، و هو غير باقٍ؛ فإنّ الزبيب لمّا كان مسبوقاً بالعنبية صحّ أن يقال: «إنّ هذا الموجود كان كذا، و الآن كما كان» لكنّ عصيره لم يكن مسبوقاً بعصيرية العنب حتّى يجي ء فيه ما ذكر، فإسراء الحكم من عصير العنب إلىٰ عصيره، إسراء له من موضوع إلىٰ موضوع مباين له في المفهوم و الحقيقة و الوجود «1».

و فيه: أنّه بعد فرض تعلّق الحكم بعصير العنب، يصحّ أن يقال عليه: «إنّ عصير هذا الموجود إذا غلىٰ يحرم و ينجس» فإذا يبس و صار زبيباً يقال: «إنّ هذا الموجود كان عصيره كذا، و الآن كما كان».

و ثانيهما: أنّه ليس للزبيب عصير، فإنّ العنب بعد جفاف ما في جوفه من الماء صار زبيباً، و ما بقي فيه هو الجرم اللزج، و هو ليس بعصير جزماً، و موضوع الحكم في العنب هو عصيره لا نفسه، فإذا صار زبيباً لا يبقى فيه ماء يعتصر و يغلي، و الماء الخارجي الذي يراق فيه لإخراج حلاوته غير العصير العنبي جزماً، فالقضية المتيقّنة غير القضية المشكوك فيها يقيناً «2».

و هذا الإشكال متين، و هو الجواب عن الاستصحاب التعليقي.

______________________________

(1) فوائد

الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 472 473، إفاضة القدير: 119.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 8، مصباح الفقيه، الطهارة: 553/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 325

هذا كلّه إذا كان المستند للنجاسة و الحرمة هو القضايا التعليقية.

و أمّا إذا كان المستند لهما القضايا التنجيزية، كقوله: «البُخْتُج خمر» أو «لا تشرب البُخْتُج من يد مستحلّ المسكر» فعدم جريان الاستصحاب واضح؛ لأنّ الحكم التنجيزي على الموضوع المقيّد، لا يتحقّق إلّا بعد تحقّق موضوعه بجميع قيوده، و قبله لا وجود له و لو بنحو الاعتبار في الخارج حتّى يشكّ في بقائه و يستصحب.

و توهّم إجراء الاستصحاب التعليقي بتقريب: أنّ العنب كان إذا انضمّ إليه الغليان محكوماً بالحرمة و النجاسة، فإذا صار زبيباً يستصحب الحكم التعليقي، فاسد؛ فإنّ هذا التعليق عقلي لا شرعي؛ لأنّ المفروض أنّه ليس للشارع إلّا حكم تنجيزي على العصير المغلي، فالحكم التعليقي غير مجعول، بل من اللوازم العقلية، و في مثله لا يجري الاستصحاب.

مضافاً إلىٰ ورود الإشكال الأخير- أي عدم بقاء الموضوع عليه أيضاً.

فتحصّل ممّا ذكر عدم جريان الأصل، و عدم الدليل علىٰ نجاسة العصير الزبيبي.

و دعوىٰ صدق «العصير» عليه قد مرّ جوابها «1».

هذا كلّه علىٰ فرض تسليم نجاسة عصير العنب، و إلّا فقد عرفت عدم نجاسته «2»، فضلًا عن نجاسة عصير الزبيب.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 316.

(2) تقدّم في الصفحة 319.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 326

في حلّية عصير الزبيب
اشارة

ثمّ إنّه لا بأس بصرف الكلام إلىٰ حكم عصير الزبيب من جهة الحرمة و إن كان خارجاً عن محطّ البحث لكونه محلّا للابتلاء.

فنقول: المشهور كما في «الحدائق» حلّيته «1». بل في طهارة شيخنا الأعظم عن جماعة دعوى الشهرة

عليه «2». بل عن «الرياض»: «كادت تكون إجماعية» «3».

و هي مقتضى الأصل السالم عن المعارض:

أمّا الاستصحاب فقد عرفت الكلام فيه. و أمّا غيره:

حول التمسك برواية زيد النرسي للحرمة
اشارة

فعمدة المستند للحرمة رواية زيد النرْسي في أصله قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الزبيب يدقّ و يلقى في القدر، ثمّ يصبّ عليه الماء، و يوقد تحته، فقال

لا تأكله حتّى يذهب الثلثان، و يبقى الثلث؛ فإنّ النار قد أصابته.

قلت: فالزبيب كما هو في القدر، و يصبّ عليه الماء، ثمّ يطبخ و يصفّى عنه الماء، فقال

كذلك هو سواء، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء، فصار حلواً بمنزلة العصير، ثمّ نشّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم، و كذلك إذا أصابته النار فأغلاه فسد «4».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 152.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 15.

(3) رياض المسائل 2: 291/ السطر 30 (ط. حجري).

(4) أصل زيد النرسي: 58، مستدرك الوسائل 17: 38، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 327

تحقيق في حجية أصل زيد النرسي
حول محاولة العلّامة الطباطبائي

و قد حاول العلّامة الطباطبائي تصحيح سندها تبعاً للمجلسي (رحمه اللّٰه) «1» و استند في ذلك:

تارة: علىٰ قول النجاشي: «له كتاب يرويه عنه جماعة، قال: أخبرنا أحمد بن عليّ بن نوح السيرافي، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد الصفواني، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي بكتابه» «2».

و علىٰ نصّ الشيخ رواية ابن أبي عمير كتابه «3». و عن «البحار» و غيره طريق إليه بتوسّط ابن أبي عمير «4».

قال: «و روايته لهذا الأصل تدلّ علىٰ صحّته و اعتباره و الوثوق بمن رواه؛ فإنّ المستفاد من تتبّع الحديث و كتب الرجال، بلوغه الغاية في الثقة و العدالة و الورع و الضبط، و التحذّر عن التخليط، و الرواية عن الضعفاء و المجاهيل، و لهذا ترى

أنّ الأصحاب يسكنون إلىٰ روايته، و يعتمدون علىٰ مراسيله، و قد ذكر

______________________________

(1) بحار الأنوار 1: 43.

(2) رجال النجاشي: 174/ 460.

(3) الفهرست: 71/ 290.

(4) بحار الأنوار 1: 43، تهذيب الأحكام، المشيخة 10: 79، الفهرست: 71/ 290.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 328

الشيخ في «العدّة»: «أنّه لا يروي و لا يرسل إلّا عمّن يوثق به» «1»، و هذا توثيق عامّ لمن روىٰ عنه، و لا معارض له هاهنا».

ثمّ ذكر إجماع الكَشّي علىٰ تصحيح ما يصحّ عنه «2»، و أجال القلم حوله «3».

و أُخرى: علىٰ قول الشيخ: «له أصل» «4» قال «و عدّ النَّرْسي من أصحاب الأُصول، و تسمية كتابه «أصلًا» ممّا يشهد بحسن حاله و اعتبار كتابه؛ فإنّ «الأصل» في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر، و ليس بمعنى مطلق الكتاب، فإنّه قد يجعل مقابلًا له فيقال: له كتاب، و له أصل».

ثمّ حكى الكلام المنقول عن المفيد طاب ثراه بأنّه صنّفت الإمامية من عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلىٰ عهد أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري (عليه السّلام) أربعمائة كتاب تسمّى: الأُصول. قال: «و هذا معنىٰ قولهم: له أصل» «5».

«و معلوم أنّ مصنّفات الإمامية فيما ذكر من المدّة، تزيد علىٰ ذلك بكثير، كما يشهد به تتبّع كتب الرجال، فالأصل أخصّ من الكتاب.

و لا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر و إن لم يكن معتمداً، فإنّه يؤخذ في كلام الأصحاب مدحاً لصاحبه، و وجهاً للاعتماد علىٰ ما تضمّنه، و ربّما

______________________________

(1) عدّة الأُصول 1: 154.

(2) اختيار معرفة الرجال: 556/ 1050.

(3) الفوائد الرجالية، بحر العلوم 2: 362 367.

(4) الفهرست: 71/ 289 290.

(5) انظر معالم العلماء:

3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 329

ضعّفوا الرواية لعدم وجدان متنها في شي ء من الأُصول» «1».

و ثالثة: بسكوت ابن الغضائري عن الطعن فيه، مع طعنه في جملة من المشايخ و أجلّاء الأصحاب، حتّى قيل: «السالم من رجال الحديث من سلم منه». بل قال: «زيد الزرّاد و زيد النَّرْسي: رويا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أبو جعفر بن بابويه: «إنّ كتابهما موضوع وضعه محمّد بن موسى السمّان»، و غلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من محمّد بن أبي عمير» «2»، انتهىٰ.

قال: «و لو لا أنّ هذا الأصل من الأُصول المعتمدة المتلقّاة بالقبول بين الطائفة، لما سلم من طعنه و من غمزه؛ علىٰ ما جرت به عادته في كتابه الموضوع لهذا الغرض» «3».

و رابعة: بإخراج الكليني في جامعه «الكافي» الذي ذكر أنّه قد جمع الآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهم السّلام) «4» روايتين عنه:

إحداهما: في باب التقبيل من كتاب الإيمان و الكفر «5».

و ثانيتهما: في كتاب الصوم في باب صوم العاشوراء «6».

و أخرج الشيخ عنه حديثاً في كتاب الوصايا من «التهذيب» «7»، مع إيراده

______________________________

(1) الفوائد الرجالية، بحر العلوم 2: 367.

(2) انظر مجمع الرجال 3: 84.

(3) الفوائد الرجاليّة، بحر العلوم 2: 369.

(4) الكافي 1: 8.

(5) الكافي 2: 185/ 3.

(6) الكافي 4: 147/ 6.

(7) تهذيب الأحكام 9: 228/ 896.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 330

الرواية الأخيرة في كتابي الأخبار بإسناده عن الكليني «1»، فلا تخلو الكتب الأربعة من أخباره «2».

بل روىٰ جعفر بن قولويه، عن عليّ بن الحسين و غيره، بسندهم عن النرسي «3»، و منه يعلم رواية عليّ بن بابويه والد الصدوق أصل النرسي.

و يظهر منه أنّ أصل نسبة اعتقاد وضعهما إلى الصدوق تبعاً لشيخه ضعيف، أو رجع عنه بعد ما ذكره في فهرسته «4»، فإنّ والده شيخ القمّيين و فقيههم و ثقتهم و الذي خاطبه الإمام العسكري (عليه السّلام) بقوله في توقيعه

يا شيخي و معتمدي ..

يروي الأصل المذكور، و ولده يعتقد كونه موضوعاً؟! هذا ممّا لا ينبغي نسبته إليه «5»، انتهىٰ ملخّصاً.

و هو تفصيل ما أفاده المجلسي علىٰ ما حكي عنه تقريباً، قال بعد نقل كلمات الجماعة في الأصلين و صاحبيهما: «أقول: و إن لم يوثّقهما أصحاب الرجال، لكن أخذُ أكابر المحدّثين من كتابهما، و اعتمادهم عليهما حتّى الصدوق في «معاني الأخبار» و غيره، و رواية ابن أبي عمير عنهما، و عدّ الشيخ كتابهما من الأُصول، لعلّها تكفي لجواز الاعتماد عليهما» «6» انتهىٰ، ثمّ ذكر حال نسخته العتيقة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 301/ 912، الاستبصار 2: 135/ 443.

(2) إلى هنا تمّ كلام العلّامة الطباطبائي و بقية الكلام من صاحب المستدرك، الفوائد الرجاليّة، بحر العلوم 2: 372 374.

(3) كامل الزيارات: 510/ 10.

(4) الفهرست: 71/ 290.

(5) خاتمة مستدرك الوسائل 1: 72.

(6) بحار الأنوار 1: 43.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 331

التحقيق في أخبار أصحاب الإجماع و هو الجواب عمّا تشبّث به أوّلًا

أقول: لا بأس بصرف الكلام إلىٰ حال ما تشبّثا به، سيّما إجماع الكَشّي الذي هو العمدة في المقام و غيره من الموارد الكثيرة المبتلىٰ بها.

فعن الكَشّي:

في حقّ فقهاء أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام): «اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) و انقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة ..» «1». ثمّ ساق أسماءهم.

و في فقهاء أصحاب أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام):

«أجمعت العصابة علىٰ تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، و تصديقهم لما يقولون، و أقرّوا لهم بالفقه ..» «2». ثمّ ساق أسماءهم.

و في فقهاء أصحاب أبي إبراهيم و أبي الحسن (عليهما السّلام): «اجتمع أصحابنا علىٰ تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء و تصديقهم، و أقرّوا لهم بالفقه و العلم ..» «3». ثمّ ذكر أسماءهم.

و يقع الكلام تارة: في المفهوم المراد من تلك العبارات.

و أُخرى: حول كلمات الأصحاب، و فهمهم المعنى المراد منها، و حال دعوى تلقّيهم هذا الإجماع بالقبول.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 238/ 431.

(2) نفس المصدر: 375/ 705.

(3) اختيار معرفة الرجال: 556/ 1050.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 332

المراد من تصديق أصحاب الإجماع و تصحيح ما يصحّ عنهم

أمّا الأوّل: ففيها احتمالات، أظهرها أنّ المراد تصديقهم بما أخبروا عنه، و ليس أخبارهم في الإخبار مع الواسطة إلّا الإخبار عن قول الواسطة و تحديثه، فإذا قال محمّد بن أبي عمير: «حدّثني زيد النَّرْسي قال: حدّثني عليّ بن مَزْيَد قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) كذا» لا يكون إخبار ابن أبي عمير إلّا بتحديث زيد. و هذا فيما ورد في الطبقة الأُولىٰ واضح.

و كذلك الحال في الطبقتين الأخيرتين؛ أي الإجماع علىٰ تصحيح ما يصحّ عنهم؛ لأنّ ما يصحّ عنهم ليس متن الحديث في الإخبار مع الواسطة؛ لو لم نقل مطلقاً. فحينئذٍ إن كان المراد من الموصول مطلق ما صحّ عنهم، يكون لازمه قيام الإجماع علىٰ صحّة مطلق إخبارهم؛ سواء كان مع الواسطة أو لا، إلّا أنّه في الإخبار مع الواسطة لا يفيد تصديقهم و تصحيح ما صحّ عنهم بالنسبة إلى الوسائط، فلا بدّ من ملاحظة حالهم و وثاقتهم و عدمها.

و إن كان المراد منه متن الحديث بدعوىٰ: أنّ الصحّة و الضعف من صفات

المتن و لو بلحاظ سنده، فلازمه قيام الإجماع علىٰ تصحيح الإخبار بلا واسطة؛ فإنّ ما يصحّ عنهم من المتن هو الذي أخبروا عن نفسه، و أمّا الإخبار مع الواسطة فليس إخبارهم عن متنه، بل عن تحديث الغير ذلك.

و إن شئت قلت: ما صحّ عنهم الذي يجب تصحيحه، لا بدّ و أن يكون الإخبار عن واقع حتّى يجوز فيه الصدق و الكذب، و التصحيح و عدمه، فإذا قال ابن أبي عمير: «حدّثني النرسي قال: حدّثني عليّ بن مَزْيَد: قال الصادق (عليه السّلام) كذا» فما أخبر به ابن أبي عمير و يصحّ أن يكون كاذباً فيه و صادقاً و يمكن الحكم بصحّته و الإجماع علىٰ تصحيحه، هو إخباره بأنّ زيداً حدّثني، و أمّا قول النرسي

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 333

و عليّ بن مَزْيَد و كذا قول الصادق (عليه السّلام) فليس من إخباره، و لهذا لو كان أخبار النرسي أو عليّ بن مَزْيَد كاذباً لا يكون ابن أبي عمير كاذباً، و ليس ذلك إلّا لعدم إخباره به، و صحّة سلبه عنه.

و هو واضح جدّاً، فهل ترى من نفسك لزوم تصديق الجماعة حتّى فيما لا يقولون، بل قالوا: «إنّا لم نقله»؟! فإذا كذب عليّ بن مزيد مثلًا على الصادق (عليه السّلام) و نقل ابن أبي عمير قوله، ثمّ قيل له: «لِمَ كذبت على الصادق (عليه السّلام)؟» يصحّ له أن يقول: «إنّي لم أكذب عليه، بل نقلت عن زيد، و هو عن عليّ بن مزيد، و هو كاذب، لا أنا، و لا زيد» و إنّما كرّرنا هذا الأمر الواضح لما هو مورد الاشتباه كثيراً.

فما قد يقال في ردّ هذا الاحتمال: «من أنّه لا يخفى

ما فيه من الركاكة؛ خصوصاً بالنسبة إلىٰ هؤلاء الأعلام، و لو كان المراد ما ذكر اكتفي بقوله: «أجمعت العصابة علىٰ تصديقهم» بل هنا دقيقة اخرىٰ: و هي أنّ الصحّة و الضعف من أوصاف متن الحديث، تعرضه باعتبار اختلاف حالات رجال السند» «1».

لا يخفى ما فيه من الغفلة عن أنّ ذلك من قبيل الفرار من المطر إلى الميزاب، فإنّه يلزم منه عدم قيام الإجماع علىٰ تصديقهم في الإخبار مع الواسطة؛ حتّى بالنسبة إلىٰ تحديث الوسائط، إلّا بدعوىٰ تنقيح المناط. نعم لازم تصديقهم وثاقتهم و صداقتهم في النقل، و هو واضح.

و أمّا دعوى ركاكة دعوى الإجماع علىٰ صِرْف تصديقهم، سيّما في هؤلاء العظماء، ففيها أنّه إذا قام الإجماع علىٰ تصديق هؤلاء، فأيّة ركاكة

______________________________

(1) خاتمة مستدرك الوسائل 7: 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 334

في نقله؟! كما لا ركاكة في نقل الإجماع علىٰ فقاهتهم و الإقرار لهم بالعلم، كما نقله أيضاً «1».

و دعوىٰ عدم اختصاص هذا الإجماع بهم «2» بعد تسليمها يمكن أن لا يكون عند الكَشّي ثابتاً في غيرهم.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ لزوم الركاكة في ظاهر لفظ، لا يوجب جواز صرفه عن ظاهره، و حملِه علىٰ ما لا تلزم منه الركاكة كائناً ما كان.

و قوله: «لو كان المراد ذلك لاكتفىٰ بقوله: «أجمعت العصابة علىٰ تصديقهم».

فيه أوّلًا: اكتفىٰ به في الطبقة الأُولىٰ، و من في الطبقتين الأخيرتين ليسوا بأوثق و أورع ممّن في الأُولىٰ، و من ذلك يمكن أن يقال: إنّ مراده في الجميع واحد، و حيث لم يرد في الأُولىٰ إلّا تصديقهم و توثيقهم لم يرد في غيرها إلّا ذلك.

إلّا أن يقال: إنّ الطبقة الأُولىٰ لمّا لم يكن إخبارهم مع الواسطة، لم

يحتج إلىٰ دعوى الإجماع علىٰ تصحيح ما يصحّ عنهم، و هو كذلك نوعاً. لكن دعوى الإجماع علىٰ تصديقهم لو كانت ركيكة، كانت بالنسبة إليهم ركيكة أيضاً، بل أشدّ ركاكة.

و ثانياً: لنا أن نقول: لو كان المراد من العبارة ما ذكرتم من تصحيح الرواية مع توثيق من بعده، لكان عليه أن يقول: «اجتمعت العصابة علىٰ وثاقة من نقل عنه واحد من هؤلاء» أو نحو ذلك من العبارات، حتّى لا يشتبه الأمر على الناظر، و ما الداعي إلىٰ ذكر تلك العبارة التي هي ظاهرة في خلاف المقصود؟! و ربّما يقال: «إنّ بناء فقهاء أصحاب الأئمّة (عليهم السّلام) نقل فتواهم بالرواية،

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 556/ 1050.

(2) انظر خاتمة مستدرك الوسائل 7: 25.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 335

فكلّ ما روىٰ أحد هؤلاء العظماء كان مضمونها فتواه، فكما صحّ من أصحاب الإجماع التحديث بالمعنى الذي تقدّم، صحّ منهم الفتوىٰ علىٰ مضمون حديثه، و مقتضى تصديقهم و تصحيح ما صحّ عنهم، تصديق التحديث و مضمون الحديث جميعاً، فيتمّ المطلوب» «1».

و فيه: بعد تسليم ذلك، و بعد الغضّ عن أنّ ذلك الإجماع لو ثبت، فإنّما قام علىٰ تصديقهم في النقل لا الفتوىٰ، كما هو الظاهر من معقده أنّ ما ينتج لإتمام المطلوب إثبات أنّ كلّ ما رووا موافق لفتواهم، و هو مقطوع البطلان؛ ضرورة وجود رواية المتعارضين من شخص واحد في مرويّاتنا، و رواية ما هو خلاف المذهب أُصولًا أو فروعاً فيها ممّا لا يمكن مطابقتها لفتواهم.

و أمّا إثبات كون فتواهم بنحو الرواية فلا ينتج المطلوب، فإذا علمنا أنّ بعض ما روى ابن أبي عمير مطابق لفتواه، لا ينتج ذلك لزوم الأخذ بجميع رواياته، و كذا لو

علمنا أنّ كلّ ما أفتىٰ به فهو بنحو الرواية. و هذا مغالطة نشأت من إيهام الانعكاس. مع أنّ في أصل الدعوىٰ أيضاً كلاماً.

في وجه حجّية هذا الإجماع

ثمّ إنّهم ذكروا في وجه حجّية هذا الإجماع بعد عدم كونه بالمعنى المصطلح أحد الأمرين:

الأوّل: اطلاع العصابة على احتفاف جميع الأخبار التي هي منقولة بتوسّطهم بقرائن خارجية، يوجب الاطلاع عليها العلم بصحّة الخبر «2».

______________________________

(1) خاتمة مستدرك الوسائل 7: 60.

(2) نفس المصدر 7: 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 336

و هذا غير ممكن عادة؛ ضرورة عدم حصر تلك الأخبار، و عدم إمكان اطلاع جميع العصابة على القرائن الموجبة لكلّ ناظر في كلّ واحد من الأخبار التي لا تحصى، فهذا محمّد بن مسلم أحد الجماعة روي عن الكَشّي، عن حَريز، عنه أنّه قال: «ما شجرني رأي قطّ إلّا سألت عنه أبا جعفر (عليه السّلام) حتّى سألته عن ثلاثين ألف حديث، و سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن ستّة عشر ألف حديث» «1».

و الظاهر أنّ أحاديث زرارة لم تقصر عنها؛ لو لم تكن أزيد، و من المحال اطلاع جميع الأصحاب علىٰ جميع ما روىٰ هؤلاء مع اطلاعهم علىٰ قرائن موجبة للقطع، بل من المحال عادة احتفاف جميع أخبارهم بالقرائن الكذائية، فهذا ليس وجه إجماعهم، و لا ذاك وجه حجّيته.

الثاني: اطلاعهم علىٰ جميع مشايخ هؤلاء و من يروون عنهم مسنداً و مرسلًا، و العلم بوثاقة جميعهم، فحكموا بصحّة أحاديثهم لأجل صحّة سندها إلى المعصوم (عليه السّلام) «2». هذا وجه إجماعهم، و منه يظهر وجه حجّيته.

و هو و إن كان دون الأوّل في البطلان، لكنّه يتلوه فيه:

أمّا أوّلًا: فلأنّ اطلاع جميع العصابة علىٰ جميع الأفراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة

و مع الواسطة، بعيد في الغاية، بل غير ممكن عادة، مع عدم تدوين كتب الحديث و الرجال في تلك الأعصار؛ بنحو يصل الكلّ إلى الكلّ، و بُعْد وصول أخبار البلاد البعيدة بعضها إلىٰ بعض. و تصوير تهيئة الأسباب جميعاً لجميعهم، مجرّد تصوّر لا يمكن تصديقه.

و أمّا ثانياً: فلأنّ مشايخ الجماعة و من يروون عنهم، لم يكن كلّهم ثقاة، بل

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 163/ 276.

(2) انظر خاتمة مستدرك الوسائل 7: 54 و 5: 127.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 337

فيهم من كان كاذباً وضّاعاً ضعيفاً لا يعتنى برواياته و بكتبه:

هذا ابن أبي عمير و هو أشهر الطائفة في هذه الخاصّة يروي عن يونس بن ظَبْيان الذي قال النجاشي فيه علىٰ ما حكي عنه-: «ضعيف جدّاً، لا يلتفت إلىٰ ما رواه، كلّ كتبه تخليط» «1». و عن ابن الغضائري: «أنّه غالٍ وضّاع للحديث» «2». و عن الفضل في بعض كتبه: «الكذّابون المشهورون: أبو الخطّاب، و يونس بن ظبيان، و يزيد الصائغ ..» «3» إلىٰ آخره.

و قد ورد فيه عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) اللعن البليغ «4».

و عن عبد اللّٰه بن القاسم الحضرمي، الذي قال فيه ابن الغضائري: «ضعيف غالٍ متهافت» «5». و قال النجاشي: «كذّاب غالٍ يروي عن الغلاة، لا خير فيه، و لا يعتدّ بروايته» «6». و قريب منه بل أزيد عن «الخلاصة» «7».

و عن عليّ بن أبي حمزة البطائني، الذي قال فيه أبو الحسن عليّ بن الحسن بن فضّال على المحكي-: «عليّ بن أبي حمزة كذّاب متّهم ملعون، قد رويت عنه أحاديث كثيرة، و كتبت عنه تفسير القرآن من أوّله إلىٰ آخره، إلّا أنّي لا أستحلّ أن أروي عنه

حديثاً واحداً» «8».

______________________________

(1) رجال النجاشي: 448/ 1210.

(2) مجمع الرجال 6: 284.

(3) انظر اختيار معرفة الرجال: 546/ 1033.

(4) نفس المصدر: 363/ 673.

(5) مجمع الرجال 4: 35.

(6) رجال النجاشي: 226/ 594.

(7) رجال العلّامة الحلّي: 236/ 9.

(8) انظر اختيار معرفة الرجال: 404/ 756.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 338

نعم، عن صاحب «المعالم» أنّ ذلك في حقّ ابنه الحسن بن عليّ بن أبي حمزة «1».

و عن ابن الغضائري: «أنّه لعنه اللّٰه أصل الوقف، و أشدّ الخلق عداوة للمولىٰ» يعني الرضا (عليه السّلام) «2».

و نقل عنه نفسه: قال لي أبو الحسن موسى (عليه السّلام)

إنّما أنت يا عليّ و أصحابك أشباه الحمير «3».

و روى الكَشّي روايات في ذمّه:

منها: ما رواه بسنده عن يونس بن عبد الرحمن قال: «مات أبو الحسن و ليس من قوّامه أحد إلّا و عنده المال الكثير، و كان ذلك سبب وقفهم و جحودهم موته، و كان عند عليّ بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار».

و منها: ما رواه بسنده عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) حديثاً، و فيه: و سمعته يقول في ابن أبي حمزة

أما استبان لكم كذبه؟! ..

إلىٰ غير ذلك «4».

و الاعتذار بأنّ رواية ابن أبي عمير عنه كانت قبل وقفه، غير مقبول؛ لظهور ما تقدّم و غيره في سوء حاله قبل الوقف، و أنّ الوقف لأجل حطام الدنيا، و لهذا لم يستحلّ عليّ بن الحسن بن فضّال أن يروي عنه رواية واحدة، فلو كان قبل الوقف صحيح الرواية، لم يستحلّ له ترك روايته؛ بناءً علىٰ كون ذلك في حقّه كما عن ابن طاوس و العلّامة «5». و عمل الطائفة برواياته لا يوجب توثيقه.

______________________________

(1) التحرير الطاوسي: 354/ 245.

(2)

مجمع الرجال 4: 157.

(3) اختيار معرفة الرجال: 404/ 757.

(4) نفس المصدر: 403 405/ 755 و 759 و 760.

(5) التحرير الطاوسي: 353/ 245، رجال العلّامة الحلّي: 232 233.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 339

مع أنّه غير مسلّم بعد ما نقل عن المشهور عدم العمل بها «1»، تأمّل.

و عن أبي جميلة الذي ضعّفه النجاشي «2»، و قال ابن الغضائري و العلّامة: «إنّه ضعيف كذّاب يصنع الحديث» «3».

و عن عليّ بن حديد الذي قال الشيخ في محكي «الاستبصار»: «إنّه ضعيف جدّاً لا يعوّل علىٰ ما ينفرد بنقله» «4». و ضعّفه في محكي «التهذيب» أيضاً «5».

و عن الحسين بن أحمد المِنْقَري الذي ضعّفه الشيخ و النجاشي و العلّامة و غيرهم .. «6»، إلىٰ غير ذلك «7».

و أمّا نقله عن غير المعتمد و المجهول و المهمل و من ضعّفه المتأخّرون- أمثال محمّد بن ميمون التميمي «8»، و هاشم بن حيّان «9» فكثير يظهر للمتتبّع.

و أمّا صفوان بن يحيىٰ، فقد روىٰ عن عليّ بن أبي حمزة، و أبي جميلة

______________________________

(1) تنقيح المقال 2: 262/ السطر 7 (أبواب العين).

(2) رجال النجاشي: 128/ 332.

(3) مجمع الرجال 6: 122، رجال العلّامة الحلّي: 358.

(4) الاستبصار 3: 95/ 325.

(5) تهذيب الأحكام 7: 101/ 435.

(6) رجال الطوسي: 334/ 8، رجال النجاشي: 53/ 118، رجال العلّامة الحلّي: 216/ 2، مجمع الرجال 2: 166.

(7) كأبي البختري وهب بن وهب الذي قال النجاشي فيه «كان كذّاباً»، رجال النجاشي: 430/ 1155، و راجع تهذيب الأحكام 3: 150/ 325.

(8) رجال ابن داود: 276/ 487، رجال العلّامة الحلّي: 255.

(9) رجال العلّامة الحلّي: 214، تنقيح المقال 3: 287/ السطر 26 (أبواب الهاء).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص:

340

المفضّل بن صالح المتقدّمين، و عن محمّد بن سِنان الذي ضعّفوه «1»، بل عن المفضّل: «أنّه من الكذّابين المشهورين» «2» و عن عبد اللّٰه بن خِداش الذي قال فيه النجاشي: «ضعيف جدّاً» «3» .. إلىٰ غير ذلك.

و أمّا البَزَنْطي، فروى عن أبي جميلة المتقدّم، و أحمد بن زياد الخزّاز الضعيف «4»، و الحسن بن عليّ بن أبي حمزة الضعيف المطعون، فعن ابن الغضائري: «أنّه واقفي ابن واقفي، ضعيف في نفسه، و أبوه أوثق منه. و قال الحسن بن علي بن فضّال: إنّي لأستحيي من اللّٰه أن أروي عن الحسن بن عليّ» «5».

و قد مرّ أنّ ما حكي عن ابن فضّال في عليّ بن أبي حمزة ذهب صاحب «المعالم» إلىٰ أنّه في ابنه الحسن. و حكى الكَشّي عن بعضهم: «أنّ الحسن بن عليّ بن أبي حمزة كذّاب» «6».

و أمّا الحسن بن محبوب، فروى عن أبي الجارود الضعيف جدّاً، الوارد فيه عن الصادق (عليه السّلام): أنّه كذّاب مكذّب كافر عليه لعنة اللّٰه «7». و عن محمّد بن سِنان أنّه قال: «أبو الجارود لم يمت حتّى شرب المسكر، و تولّى الكافرين» «8».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 389/ 729، رجال النجاشي: 328/ 888، الفهرست: 143/ 609.

(2) اختيار معرفة الرجال: 546/ 1033، رجال العلّامة الحلّي: 251.

(3) رجال النجاشي: 228/ 604.

(4) رجال العلّامة الحلّي: 201، تنقيح المقال 1: 62/ السطر 4.

(5) مجمع الرجال 2: 122.

(6) اختيار معرفة الرجال: 552/ 1042.

(7) نفس المصدر: 230/ 416.

(8) الفهرست، ابن النديم: 227، تنقيح المقال 1: 460/ السطر 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 341

و عن صالح بن سهل الهمداني، الذي قال ابن الغضائري فيه: «إنّه غالٍ كذّاب وضّاع للحديث، روىٰ عن

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) لا خير فيه و لا في سائر ما رواه» «1» و قد روي أنّه قال بالوهية الصادق (عليه السّلام) «2».

و عن عمرو بن شمر، الذي قال فيه النجاشي: «إنّه ضعيف جدّاً، زيّد أحاديث في كتب جابر الجعفي» «3».

و غيرِهم، كعبد العزيز العبدي، و أبي جميلة، و محمّد بن سِنان، و مقاتل بن سليمان من الضعاف و الموصوفين بالوضع «4»، فقد حكي أنّه قيل لأبي حنيفة: «قدم مقاتل بن سليمان» قال: «إذن يجيئك بكذب كثير» «5» فويل لمن .. «6».

و أمّا يونس بن عبد الرحمن، فقد روىٰ عن صالح بن سهل، و عمرو بن جميع «7»، و أبي جميلة، و محمّد بن سِنان، و محمّد بن مصادف «8» .. إلىٰ غير ذلك من الضعفاء.

و كذا حال غيرهم، كرواية ابن بُكير و ابن مُسْكان عن محمّد بن مصادف و جميل و أبان بن عثمان عن صالح بن الحكم النيلي «9» .. إلىٰ غير ذلك.

______________________________

(1) مجمع الرجال 3: 205.

(2) اختيار معرفة الرجال: 341/ 632.

(3) رجال النجاشي: 287/ 765.

(4) رجال النجاشي: 244/ 641 و 128/ 332 و 328/ 888.

(5) تنقيح المقال 3: 244/ السطر 9 (أبواب الميم).

(6) إشارة إلى ما يقال: ويل لمن كفّره نمرود.

(7) رجال النجاشي: 288/ 769.

(8) مجمع الرجال 6: 55.

(9) رجال النجاشي: 200/ 533.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 342

و أمّا روايتهم عن المجاهيل و غير الموثّقين فإلىٰ ما شاء اللّٰه.

و ممّا ذكرنا يظهر الجواب عن دعوى شيخ الطائفة، قال في محكي «العدّة»:

«إذا كان أحد الراويين مسنِداً، و الآخر مرسِلًا، نظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة موثوق به، فلا

ترجيح لخبر غيره علىٰ خبره، و لأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما رواه محمّد بن أبي عمير و صفوان بن يحيىٰ و أحمد بن محمّد بن أبي نصر و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون و لا يرسلون إلّا عمّن يوثق به و بين ما يسنده غيرهم، و لذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم» «1»، انتهىٰ.

فإنّ هذا الإجماع المدّعىٰ معلّل، و نحن إذا وجدنا خلاف ما وجدوا أو ادعوا لا يمكننا التعويل علىٰ إجماعهم، فضلًا عن دعواه.

و ما قيل: من عدم منافاة خروج فرد أو فردين للظنّ بل الاطمئنان بالوثاقة «2».

مدفوع: بأنّ الخارج كثير، سيّما مع انضمام المجهول و المهمل إلى الضعيف، و معه كيف يمكن حصول الاطمئنان بذلك؟! و الظنّ لو حصل لا يغني من الحقّ شيئاً.

هذا مع عدم إحراز اتكال أصحابنا علىٰ دعوى إجماع الكَشّي، و لا علىٰ إجماع الشيخ.

______________________________

(1) عدّة الأُصول 1: 154.

(2) خاتمة مستدرك الوسائل 5: 124.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 343

دعوى اتكال الأصحاب علىٰ إجماع الكشّي و جوابها

و قد يقال: باتكالهم على إجماع الكشّي، فإنّ شيخ الطائفة قال في أوّل كتابه المختار من «رجال الكشّي» هذه العبارة:

«فإنّ هذه الأخبار اختصرتها من كتاب «الرجال» لأبي عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي، و اخترت ما فيها» «1»، انتهى.

بدعوىٰ ظهورها أو صراحتها في أنّ ما في الكتاب مختاره و مرضيه «2».

و أيضاً: عبارته المتقدّمة المحكية عن «العدّة» إشارة إلى الإجماع المذكور.

و أيضاً: نقل الشهيد في «الروضة» عنه: «أنّ العصابة أجمعت علىٰ تصحيح ما يصحّ عن عبد اللّٰه بن بكير، و أقرّوا له بالفقه و الثقة» «3».

و فيه: أنّ ما ذكر في أوّل الرجال لا إشعار فيه بكون ما

فيه مختاره؛ لو لم نقل بإشعاره بخلافه، فضلًا عن الظهور أو الصراحة فيه؛ فإنّ الضمير المؤنّث في قوله: «ما فيها» يرجع إلى الأخبار المذكورة قبله، فيظهر منه أنّ مختاره بعض الأخبار التي اختصرها من كتابه، و إلّا لكان عليه أن يقول: «و اخترناها» أو «اخترنا ما فيه» مع أن الاختيار في مقام التصنيف غير الارتضاء و الاختيار بحسب الرأي، كما هو ظاهر بعد التدبّر.

ثمّ إنّ «رجال الكشّي» علىٰ ما يظهر من مختاره و مختصره مشحون

______________________________

(1) انظر فرج المهموم: 30.

(2) خاتمة مستدرك الوسائل 7: 12.

(3) الروضة البهيّة 6: 38 39.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 344

بالروايات و الأحاديث، و إنّما قال الشيخ: «إنّ هذه الأخبار اختصرتها من كتابه» و ظاهره الأخبار المصطلحة، فأيّ ربط لهذا الكلام مع ما ذكر من اختياره لدعاوي الكشّي و سائر ما في الكتاب؟! مع أنّ الضرورة قائمة علىٰ عدم كون جميع ما في الكتاب الذي اختصره من «كتاب الكشّي» مرضياً له؛ فإنّ فيه روايات الطعن علىٰ زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و بُرَيْد بن معاوية من مشايخ أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) و غيرهم، و فيه الأخبار المتناقضة، فهل يمكن أن تكون تلك الأخبار مختاراً له؟! و لو كان كذلك لزم منه هدم إجماع الكشّي.

و أمّا عبارته المتقدّمة «1»، فمفادها غير مفاد إجماع الكشّي، علىٰ ما تقدّم مستقصى مفاده «2». إلّا أن يقال: إنّه اتكل علىٰ إجماعه؛ و نقله بالمعنى، و أخطأ في فهم المراد منه. و فيه ما فيه.

بل الظاهر عدم اعتماده علىٰ إجماع الكشّي، و قد طعن علىٰ عبد اللّٰه بن بكير بجواز وضعه الرواية و الكذب

علىٰ زرارة؛ نصرةً لمذهبه، في محكي كتاب الطلاق من «التهذيب»، و «الاستبصار»، قال بعد ذكر روايته عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في هدم كلّ طلاق ما قبله إذا تركت الزوجة حتّى تخرج العدّة و لو كان مائة مرّة هذه العبارة:

«هذه الرواية في طريقها ابن بكير، و قد قدّمنا أنّه قال حين سئل عن هذه المسألة: «هذا ممّا رزق اللّٰه من الرأي» و لو كان سمع ذلك لكان يقول: «نعم، رواية زرارة» و يجوز أن يكون أسند إلىٰ زرارة نصرةً لمذهبه لمّا رأى

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 342.

(2) تقدّم في الصفحة 331.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 345

أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه. و قد وقع منه من اعتقاد الفطحية ما هو أعظم من ذلك» «1»، انتهىٰ.

و أنت خبير: بأنّ ما ذكره فيه لا يجتمع مع تصديقه إجماع الكشّي؛ لما عرفت «2» أنّ لازم إجماعه وثاقة الجماعة، أو مع من بعدهم علىٰ زعم بعضهم، و لا يمكن دعوى احتفاف جميع رواياتهم بالقرائن الموجبة للاطمئنان أو القطع بالصدور سوىٰ هذه الرواية من ابن بكير.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 345

هذا مع ما يأتي من شواهد أُخر علىٰ عدم اعتماده علىٰ إجماعه.

و أمّا العبارة المحكية عن «الروضة» «3» فمع عدم وجودها في كتب الشيخ، كما قال بعض أهل التتبّع «4»، و احتمال أن يكون النقل بالمعنى من العبارة المتقدّمة؛ بزعم كونها إشارة إلىٰ إجماع الكشّي، أو زعم أنّ ما في مختصر الكشّي مختاره و

مرضيه، و منه دعوى الإجماع، كما زعمها غيره «5» فلا يمكن الاتكال عليها في نسبة تصديق الإجماع إليه مع وجود الشواهد علىٰ خلافه، كما مرّ و يأتي. هذا حال شيخ الطائفة.

و أمّا النجاشي الذي هو أبو عُذْرة هذا الفنّ، و سابق حلبته، و مقدّم على الكلّ فيه فلم ترَ منه إشارة ما إلىٰ هذا الإجماع، و لم يظهر منه أدنى اتكال عليه، مع شدّة حرصه على توضيح أحوال الرجال، و الفحص عن وثاقتهم، و عنايته بنقل توثيق الثقات، و لو كان هذا الإجماع صالحاً للاتكال عليه لما غفل

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 8: 35/ ذيل الحديث 107، الاستبصار 3: 276/ ذيل الحديث 982.

(2) تقدّم في الصفحة 332.

(3) تقدّمت في الصفحة 343.

(4) خاتمة مستدرك الوسائل 7: 14.

(5) نفس المصدر 7: 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 346

عنه، بل لما خفي عليه إجماعهم مع تضلّعه و كثرة اطلاعه، و تقدّمه عليه في سعة الباع و الإحاطة، و قرب عهده منه، فلو ثبت عنده ما ثبت عند الكشّي، أو كان نقله معتمداً عنده، لما صحّ منه التوقّف في أحد من الجماعة و رجالهم، فضلًا عن تضعيف بعض رجالهم.

فعدم التعرّض لهذا الإجماع، و عدم توثيق بعض أصحابه، كأبان بن عثمان و عبد اللّٰه بن بكير «1»، و تضعيف بعض رجالهم، و رميه بالكذب و الوضع كما تقدّم منه «2»، كاشف قطعي عن عدم ثبوت الإجماع عنده، و عدم اعتنائه بنقل الكشّي، لا لعدم اتكاله على الإجماع المنقول بخبر الواحد، بل لوجدان خلافه مع قربه منه، و كان كتاب الكشّي موجوداً عنده.

قال في ترجمته: «محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي أبو عمرو: كان ثقة عيناً، و

روى عن الضعفاء كثيراً إلىٰ أن قال-: له كتاب «الرجال» كثير العلم، و فيه أغلاط كثيرة، أخبرنا أحمد بن عليّ بن نوح و غيره، عن جعفر بن محمّد، عنه بكتابه» «3»، انتهىٰ.

سيّما مع تعرّضه في ترجمة ابن أبي عمير لسكون الأصحاب إلىٰ مرسلاته، فلو كان إجماعه ثابتاً، أو كان متكلًا عليه في ابن أبي عمير، لأشار إليه في سائر الرجال المشاركين له فيه، قال في ترجمة ابن أبي عمير:

«و كان حبس في أيّام الرشيد إلىٰ أن قال-: و قيل: «إنّ أُخته دفنت كتبه في حال استتاره و كونه في الحبس أربع سنين، فهلكت الكتب» و قيل: «بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت» فحدّث من حفظه و ممّا سلف له في أيدي

______________________________

(1) رجال النجاشي: 13/ 8، و: 222/ 581.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 337 341.

(3) رجال النجاشي: 372/ 1018.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 347

الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلىٰ مراسيله» «1»، انتهىٰ.

و هو واضح الدلالة علىٰ أنّ الأمر ليس كما ذكره الكشّي أو نسب إليه، بل هذا خاصّة ابن أبي عمير عنده.

نعم، صِرْف ضياع الكتب ليس موجباً لعملهم علىٰ مراسيله؛ لو كان السكون بمعنى العمل و الاعتماد، و فيه كلام، بل لا بدّ من علمهم أو ثقتهم بأنّه لا يرسل إلّا عن ثقة، و هو يدلّ علىٰ أنّ مرسلاته فقط مورد اعتماد أصحابنا، دون غيرها.

بل المتيقّن منها ما إذا أسقط الواسطة، و رفع الحديث إلى الإمام (عليه السّلام) لا ما ذكره بلفظ مبهم ك «رجل» أو «بعض أصحابنا» و كون المرسلة في تلك الأزمنة أعمّ غير واضح عندي عُجالةً، و لا بدّ من الفحص و التحقيق.

فاتضح بما ذكر:

أنّ النجاشي لم يكن مبالياً بإجماع الكشّي، و كان يرىٰ سكون الأصحاب إلىٰ خصوص مرسلات ابن أبي عمير، دون مسنداته، و لا بمرسلات غيره و مسنداته.

و كذا لم يظهر من ابن الغضائري المعاصر لشيخ الطائفة بل له نحو شيخوخة و تقدّم عليه أدنى اعتماد علىٰ ذلك الإجماع، تأمّل.

و كذا المفيد و غيره ممّن هو في عصر الكشّي أو قريب منه. و قد ضعّف القمّيون يونس بن عبد الرحمن، و طعنوا فيه «2»، و بهذا يظهر المناقشة في دعوى إجماع شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة «3». هذا حال تلك الأعصار.

و أمّا الأعصار المتأخّرة عنها التي اشتهر هذا الإجماع فيها، و كلّما مضى الزمان قوي الاشتهار، فلا حجّية في شهرتهم و إجماعهم، لا في مثل المسألة،

______________________________

(1) رجال النجاشي: 326/ 887.

(2) رجال الطوسي: 346/ 11.

(3) تقدّم في الصفحة 342.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 348

و لا في المسائل الفرعية؛ لعدم شي ء عندهم غير ما عندنا.

و مع ذلك فإنّ المحقّق اختلفت كلماته، فربّما مال إلىٰ حجّية مرسلات ابن أبي عمير، أو قال بها «1»، و ربّما صرّح بعدمها، فعن موضع من «المعتبر» قال: «الجواب: الطعن في السند؛ لمكان الإرسال، و لو قال قائل: مراسيل ابن أبي عمير تعمل بها الأصحاب، منعنا ذلك؛ لأنّ في رجاله من طعن الأصحاب فيه، فإذا أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم» «2»، انتهىٰ.

هذا بالنسبة إلى ابن أبي عمير، فما حال مرسلات غيره، كصفوان و البَزَنْطي، فضلًا عن غيرهما؟! و عنه في زكاة المستحقّين: «أنّ في أبان بن عثمان ضعفاً» «3». و قريب منه عن العلّامة و الفخر و المقداد و الشهيد «4».

و عن الشهيد الثاني: «أنّ ظاهر كلام الأصحاب قبول

مرسلات ابن أبي عمير؛ لأجل إحراز أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة، و دون إثباته خرط القَتَاد، و قد نازعهم صاحب «البشرىٰ» في ذلك؛ و منع تلك الدعوىٰ» «5» انتهىٰ.

و مع كون العلّامة اتكل كثيراً على الإجماع المذكور «6»، حكىٰ عنه

______________________________

(1) المعتبر 1: 47.

(2) نفس المصدر: 165.

(3) المعتبر 2: 580.

(4) انظر تنقيح المقال 1: 7/ السطر 17، منتهى المطلب 1: 523/ السطر 9، إيضاح الفوائد 4: 631، التنقيح الرائع 1: 324، البيان: 315.

(5) الرعاية في علم الدراية: 138.

(6) انظر خاتمة مستدرك الوسائل 7: 16، رجال العلّامة الحلّي: 21/ 3، و: 107/ 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 349

فخر الدين قال: «سألت والدي عن أبان بن عثمان قال: الأقرب عدم قبول روايته؛ لقوله تعالىٰ إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ .. «1» الآية، و لا فسق أعظم من عدم الإيمان» «2».

و ردّ ابن طاوس رواية ابن بكير «3»، و ضعّفه المحقّق و الفاضل المقداد و الشهيد، و طعنوا في روايات هو في سندها لأجله «4». و يظهر من ابن طاوس نحو تردّد في جميل بن درّاج «5». و الاختلاف في الأسدي و المرادي معروف «6».

و لم يتعرّض النجاشي لمعروف بن خَرَّبوذ، و لم يوثّقه الشيخ «7» و العلّامة، و قال الثاني: «روى الكشّي فيه مدحاً و قدحاً» «8». و قال ابن داود: «و ثقته أصحّ» «9»، و هو ظاهر أو مشعر بوجود الخلاف فيه.

و عن ابن داود في بُرَيد بن معاوية: «مدحه الكشّي ثمّ ذمّه، و يقوى عندي أنّ ذمّه إنّما هو لإطباق العامّة علىٰ مدحه و الثناء عليه، فساء ظنّ بعض أصحابنا به» «10» و هو ظاهر في أنّ الذامّ غير منحصر بالكشّي.

______________________________

(1)

الحجرات (49): 6.

(2) ذكر ذلك الشهيد الثاني (رحمه اللّٰه) في تعليقته على الخلاصة: 15.

(3) لم نعثر عليه.

(4) المعتبر 1: 210، التنقيح الرائع 1: 105، و 3: 320، مسالك الأفهام 9: 128.

(5) التحرير الطاوسي: 118/ 85.

(6) اختيار معرفة الرجال: 238/ 431. رسالة في أحوال أبي بصير، ضمن الجوامع الفقهيّة: 64.

(7) رجال الطوسي: 311/ 644.

(8) رجال العلّامة الحلّي: 170/ 10.

(9) رجال ابن داود: 190/ 1576.

(10) نفس المصدر: 233/ 72.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 350

هذا حال أصحاب الإجماع، و قد تقدّم حال جملة من رجالهم و مشايخهم، و عليك بالفحص في حال سائرهم حتّى يتضح لك حال إجماع الكشّي و الشيخ. هذا شطر من الكلام في أوّل ما تشبّث به الطباطبائي في إصلاح حال النَّرْسي و كتابه.

المراد من «الأصل» و «الكتاب» و هو الجواب عمّا تشبّث به ثانياً

و أمّا ما تشبّث به ثانياً من أنّه ذو أصل «1»، و هو في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر .. إلىٰ آخر ما تقدّم منه، فهو ينحلّ إلىٰ دعويين، أو دعاوٍ ثلاث إن حاول به إصلاح حال النرسي الراوي له:

الدعوى الاولىٰ: أنّ الأصل عبارة عن كتاب معتمد، لا مطلق الكتاب.

و يرد عليها أوّلًا: أنّه لا مستند له في ذلك من قول متقدّمي أصحابنا إلّا قول المفيد المتقدّم «2»؛ أي انحصار الأُصول بالأربعمائة، مع كون الكتب أكثر من ذلك، و أنت خبير بأنّ مجرّد ذلك لا يدلّ علىٰ مطلوبه، بل يدلّ علىٰ أخصّية الأصل من الكتاب، فيمكن أن يكون الأصل عبارة عن كتاب جامع لعدّة كتب يكون نسبته إليها كنسبة كتاب «الشرائع» إلىٰ كتاب الطهارة و الصلاة .. إلى الديات، فتكون تلك الكتب متفرّعة عن الكتاب الأصل، و عددها

أكثر من الأصل بكثير.

و يمكن أن يكون الأصل كتاباً غير مأخوذ من كتاب آخر من غير قيد الاعتماد فيه، و الكتاب أعمّ منه، و لا دليل علىٰ أكثرية الكتب بلا واسطة من أربعمائة، سيّما إذا قلنا: بأنّ الأصل عبارة عن مجموع كتب غير مأخوذ من آخر؛ أي أخذنا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 328.

(2) تقدّم في الصفحة 328.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 351

فيه القيدين، و سيجي ء احتمال أقرب منها، فانتظر «1». و بالجملة دليله أعمّ.

و ثانياً: يظهر من التصفّح في كتب الرجال خلاف ما أفاده؛ لأنّ جعل الاصطلاح علىٰ فرضه لا يمكن أن يكون لمحض التفنّن لغواً و العياذ باللّٰه سيّما من مثل هؤلاء الأعاظم، بل لا بدّ أن يكون لتمييز من تأخّر منهم الكتبَ المعتمدة من غيرها، فحينئذٍ كان عليهم التصريح به في كتبهم الموضوعة في الرجال و الحديث، مع عدم نقله منهم، و عدم تصريح أو إشارة إليه فيها، و إلّا لما اختلفت كلمة المتأخّرين في معنى الأصل هذا الاختلاف، و لكان عليهم عدّ جميع الكتب التي بهذه الخاصّية أصلًا.

مع أنّه خلاف ما نجد في الفهارس و كتب الرجال؛ لعدم إطلاقهم «الأصل» علىٰ كتب أصحاب الإجماع في جميع الطبقات غير «كتاب جميل بن درّاج» فإنّ الشيخ قال: «له أصل» «2» و أثبت النجاشي له كتاباً و أصلًا «3»، و غير أبان بن عثمان، فأثبت الشيخ له أصلًا «4»، و قال النجاشي: «له كتاب» «5».

و كذا لا يطلقون «الأصل» علىٰ نوع كتب أصحاب الأئمّة أكابرهم و غيرهم، و إنّما أطلق النجاشي علىٰ كتب معدودة منهم لعلّها لم تتجاوز عدد الأصابع «6».

و الشيخ و إن أطلقه علىٰ كتب جمع منهم كثيراً

نسبةً، لكن نسبته إلىٰ ما لا يطلق عليه بل أُطلق «الكتاب» عليه كنسبة القطرة إلى البحر، فممّن لم

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 360.

(2) الفهرست: 44/ 143.

(3) رجال النجاشي: 126/ 328. (و الموجود فيه إثبات «الكتاب» دون «الأصل»).

(4) الفهرست: 19/ 52.

(5) رجال النجاشي: 13/ 8.

(6) رجال النجاشي: 51/ 113، و: 104/ 260 261 و: 106/ 267.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 352

يذكر له أصل من كبار أصحاب الأئمّة غير من تقدّم من أصحاب الإجماع أبو بصير ليث المرادي، و الحسن بن عليّ بن فضّال، و فضالة بن أيّوب، و عثمان بن عيسىٰ و هؤلاء من أصحاب الإجماع علىٰ نقل بعضهم «1» و جعفر بن بشير، و صفوان الجمّال، و عبد الرحمان بن الحجّاج، و عبّاس بن معروف، و عبد الرحمان بن أبي نجران، و عبد اللّٰه بن سِنان، و محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، و عليّ بن الحسن بن فضّال، و محمّد الحلبي، و عبيد اللّٰه الحلبي، و عمّار بن موسى الساباطي، و عليّ بن النعمان، و الحسن بن موسى الخشّاب، و حَريز بن عبد اللّٰه، و سعد بن سعد، و عليّ بن يقطين، و الصفّار، و الحِمْيري .. إلىٰ غير ذلك من المشايخ و أصحاب الكتب المتعدّدة و الأُصول المعوّل عليها ممّن يطول ذكرهم، كثعلبة بن ميمون، و معاوية بن وهب، و معاوية بن عمّار، و معاوية بن حكيم، و الحسين بن سعيد، و سعد بن عبد اللّٰه و غيرهم.

فهل ترى من نفسك أنّ هؤلاء المشايخ اصطلحوا علىٰ أنّ الأصل الكتاب المعتمد، ثمّ لم يعدّوا كتب جميع المشايخ و الأصحاب مع كونها معتمدة في الأُصول إلّا نادراً منها، فما عذر

هذا الإغراء بالجهل؟! و ثالثاً: ربّما أُطلق «الأصل» علىٰ كتب غير معتمدة من قوم ضعاف بتصريح منهم:

كالحسن بن صالح بن حيّ. قال الشيخ: «إنّه زيدي، إليه تنسب الصالحية منهم» «2»، و عن «التهذيب»: «أنّه زيدي بتري، متروك العمل بما يختصّ بروايته» «3»، و مع ذلك قال في «الفهرست»: «الحسن الرباطي له

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 238/ 431، و: 556/ 1050.

(2) رجال الطوسي: 130/ 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 408/ 1282.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 353

أصل» «1»، و «الحسن بن صالح بن حيّ له أصل»، و الرباطي أيضاً غير موثّق، و «سعيد الأعرج له أصل» «2». و قال العلّامة: «لا حجّة في روايته» «3».

و زكريّا بن مؤمن عدّه الشيخ في ترجمة أحمد بن الحسين المفلّس من صاحب الأُصول «4»، و قال النجاشي: «حكي عنه ما يدلّ علىٰ أنّه كان واقفاً، و كان مختلط الأمر في حديثه» «5».

و قال الشيخ في أحمد بن عمر الحلّال: «إنّه كوفي رديّ الأصل ثقة» «6». و توقّف العلّامة في قبول روايته لقوله هذا «7».

و الغرض من ذكره: أنّ الأصل لو كان بحسب اصطلاحهم الكتاب المعتمد، لم يتوقّف العلّامة في ذلك، بل كان يحمل «رديّ الأصل» علىٰ محامل أُخر.

و أثبت الشيخ الأصل لجماعة أُخر من الضعاف، أو غير الموثّقين، كعليّ بن أبي حمزة، و سفيان بن صالح «8»، و عليّ بن بُزُرْج «9»، و شهاب بن عبد ربّه «10»،

______________________________

(1) الفهرست: 49/ 164.

(2) نفس المصدر: 50/ 165، و: 77/ 313.

(3) مختلف الشيعة 8: 347.

(4) رجال الطوسي: 409/ 26.

(5) رجال النجاشي: 172/ 453.

(6) رجال الطوسي: 352/ 19.

(7) رجال العلّامة الحلّي: 14/ 4.

(8) الفهرست: 96/ 408، و 81/ 334.

(9) رجال الطوسي:

430/ 20.

(10) الفهرست: 83/ 345.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 354

و عبد اللّٰه بن سليمان «1»، و سعدان بن مسلم، و زيد الزرّاد، و زيد النَّرْسي، و إبراهيم بن عمر اليماني، و إبراهيم بن يحيىٰ «2» .. إلىٰ غير ذلك ممّن يطلع عليه المتتبّع، فهل تكون كتب تلك الجماعة المتقدّمة غير معتبرة عندهم، دون هذه الجماعة من الضعفاء و المردودين، أو اصطلحوا علىٰ أمر، و خالفوه في غالب الموارد؟! اللهمّ لا، و لكن ..

و أيضاً: بعض تعابيرهم تشعر أو تدلّ علىٰ خلاف هذه الدعوىٰ، كقول الشيخ في الساباطي: «له أصل، و كان فطحياً، إلّا أنّه ثقة، واصلة معتمد عليه» «3».

و كالمحكي عن الشيخ البهائي في «مشرق الشمسين» في الأُمور الموجبة لحكم القدماء بصحّة الحديث: «منها: وجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة المشهورة، أو تكرّره في أصل أو أصلين منها بأسانيد مختلفة متعدّدة، أو وجوده في أصل رجل واحد من أصحاب الإجماع» «4»، انتهىٰ.

و لو كان الأصل هو الكتاب المعتمد عليه، لكان وجوده في أصل واحد من أيّ شخص موجباً للحكم بالصحّة؛ و إن كان في كلام البهائي كلام من جهة أُخرى.

و كالمحكي عن «رواشح المحقّق الداماد»: «و ليعلم: أنّ الأخذ من الأُصول المصحّحة المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية» «5».

و أنت خبير: بأنّ التقييد ب «المصحّحة المعتمدة» مع كون الأصل الكتاب المعتمد، بشيع مخلّ بالمقصود.

______________________________

(1) لم يذكره الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)، و قد نسب النجاشي إليه، رجال النجاشي: 225/ 592.

(2) الفهرست: 79/ 326، و: 71/ 289، و: 71/ 290، و: 9/ 20، و: 9/ 23.

(3) الفهرست: 15/ 52.

(4) مشرق الشمسين: 26 و 27.

(5) الرواشح السماوية: 99/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 3، ص: 355

الدعوى الثانية: أنّ الأصل هو الكتاب الذي لم ينتزع من كتاب.

و فيها أوّلًا: مضافاً إلىٰ أنّه علىٰ فرض صحّتها، لا تنتج المدعىٰ إلّا مع ضمّ الدعوى الأُولىٰ إليها، و قد عرفت ما فيها «1» أنّها مجرّد دعوى خالية عن البيّنة. و كون كتب أصحابنا أكثر من الأُصول المنحصرة بالأربعمائة، أعمّ من مدعاه، كما مرّ في دعواه الاولىٰ «2».

و قد يقال: إنّ الأصل بمعناه اللغوي، و هو مقابل الفرع، فإن كان الكتاب مأخوذاً من كتاب آخر يكون ذلك فرع ما أُخذ منه، و هو أصله «3».

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّه أيضاً دعوى بلا بيّنة، و التمسّك بأصالة عدم النقل كما ترى أنّه أعمّ من المدعىٰ؛ لصحّة أن يقال لكتاب كبير مشتمل علىٰ كتب كثيرة- ككتاب الشرائع المشتمل علىٰ عدّة كتب-: «إنّ هذه فروع، و ذاك أصل».

بل يصحّ إطلاق «الأصل» حقيقةً علىٰ كتاب مشتمل علىٰ أخبار أُصول الدين و المذهب، ككتاب التوحيد و الإمامة، مقابل كتب الفروع.

كما يصحّ إطلاق «الأصل» أو «الأُصول» علىٰ مطلق كتب الأخبار في مقابل كتب الفروع المستنبطة منها، كالكتب الفقهية، كما يظهر من البهائي «4».

و ثانياً: أنّ المحدّثين أطلقوا «الأصل» علىٰ كتاب منتزع من كتب آخر: قال الشيخ البهائي في «الوجيزة» بعد ذكر الأُصول الأربعمائة-: «ثمّ تصدّى جماعة من المتأخّرين شكر اللّٰه سعيهم لجمع تلك الكتب و ترتيبها تقليلًا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 350.

(2) تقدّم في الصفحة 350.

(3) مقباس الهداية 3: 26، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2: 125.

(4) الوجيزة، ضمن الحبل المتين: 6/ 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 356

للانتشار، و تسهيلًا علىٰ طالبي تلك الأخبار، فألّفوا كتباً مبسوطة مبوّبة، و أُصولًا مضبوطة مهذّبة،

مشتملة على الأسانيد المتصلة بأصحاب العصمة سلام اللّٰه عليهم، ك «الكافي» و كتاب «من لا يحضره الفقيه» و «التهذيب» و «الاستبصار» و «مدينة العلم» و «الخصال» و «الأمالي» و «عيون أخبار الرضا» و غيرها، و الأُصول الأربعة الأُوَل هي التي عليها المدار في هذه الأعصار».

إلىٰ أن قال: «فجمعت في كتاب «الحبل المتين» خلاصة ما تضمّنه الأُصول الأربعة من الأحاديث الصحاح و الحسان و الموثّقات التي منها تستنبط أُمّهات الأحكام الفقهية، و إليها تردّ مهمّات المطالب الفرعية» «1» انتهىٰ.

و ظاهره أنّ الأُصول عبارة عن كتب الأخبار مطلقاً، مقابل الفروع التي هي الكتب المشتملة علىٰ ما يستنبط منها مثل الكتب الفقهية.

و قد تكرّر من المحدّث الكاشاني إطلاق «الأُصول» على الكتب الأربعة في مقدّمات «الوافي» «2». و قال المحدّث المجلسي في أوّل «مرآة العقول»: «أنّ «الكافي» أضبط الأُصول و أجمعها» «3». و عن السيّد الجزائري: «أنّ هذه الأُصول الأربعة لم تستوفِ الأحكام» «4».

و قال شيخ الطائفة في ترجمة أحمد بن محمّد بن زيد: «إنّه لم يروِ عنهم» و قال: «روىٰ عنه حُمَيْد أُصولًا كثيرة» «5».

______________________________

(1) الوجيزة، ضمن الحبل المتين: 6/ 27.

(2) الوافي 1: 4 و 28 و 29.

(3) مرآة العقول 1: 3.

(4) انظر الحدائق الناضرة 1: 25.

(5) رجال الطوسي: 408/ 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 357

و عدّ أحمد بن محمّد بن عمّار في باب من لم يروِ عنهم «1»، و مع ذلك قال في «الفهرست»: «إنّه كثير الحديث و الأُصول، و صنّف كتباً». و عن الحسين بن عبيد اللّٰه: «أنّه مات سنة ستّ و أربعين و ثلاثمائة» «2».

و عدّ عليّ بن بُزُرْج ممّن لم يروِ عنهم، و قال: «روىٰ عنه حُمَيْد كتباً كثيرة

من الأُصول» «3».

و من البعيد جدّاً لو لم نقل: مقطوع الخلاف أن تكون تلك الأُصول الكثيرة من الجماعة، رواياتٍ بلا واسطة، أو مع الواسطة سماعاً، لا من كتاب مدوّن قبلهم، مع شدّة حرص أصحابنا علىٰ ضبط أخبار الأئمّة (عليهم السّلام) و كتابتها.

و احتمال أن لا تكون تلك الأُصول من الجماعة بل من غيرهم، في غاية البعد، بل كخلاف الصريح في مثل قوله: «كثير الحديث و الأُصول».

مضافاً إلىٰ أنّ عدمَ إنهاء الكتب و الأُصول إلىٰ صاحبها و الروايةَ عن الواسطة، خلاف المعهود بينهم و المتعارف، كما لا يخفى، و عليه يمكن الاستدلال لضدّ مطلوبهم بكلّ من كان كذلك، ك [عبيد اللّٰه بن] أحمد بن نَهِيك و عليّ بن إبراهيم الخيّاط و غيرهما ممّن لم يرووا عنهم، و روى عنهم أُصول أو أصل «4».

فتحصّل من جميع ما تقدّم: عدم وجاهة دعوييه، بل دعاويه الثلاث لو حاول إثبات وثاقة النرسي أو حسنه.

______________________________

(1) رجال الطوسي: 416/ 98.

(2) الفهرست: 29/ 78.

(3) رجال الطوسي: 430/ 20.

(4) نفس المصدر: 430/ 19 و 21، و: 408/ 21 و 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 358

تحقيق في المراد من الأصل

ثمّ بعد ما لم يثبت كون الأصل في اصطلاح متقدّمي أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد المعوّل عليه أو ثبت خلافه، لا نتيجة معتدّ بها في التحقيق عن مرادهم من «كون الرجل ذا أصل» أو «له أُصول» لكن لمّا بلغ الكلام إلىٰ هذا المجال، لا بأس بالإشارة إلى احتمالين منقدحين في ذهني القاصر:

أحدهما: الذي انقدح في ذهني لأجل بعض التعبيرات و القرائن؛ من أنّه عبارة عن كتاب معدّ لتدوين ما هو مرتبط بأُصول الدين أو المذهب، كالإمامة و العصمة و البداء و الرجعة و بطلان الجبر

و التفويض .. إلىٰ غير ذلك من المطالب الكثيرة الأصلية التي كان التصنيف فيها متعارفاً في تلك الأزمنة، كما يظهر من الفهارس و التراجم، و الكتاب أعمّ منه.

و الذي أوقعني في هذا الاحتمال إثباتهم الأصل لكثير من أصحابنا المتكلّمين، كهشام بن الحكم و هشام بن سالم و جميل بن درّاج و سعيد بن غزوان الذي يظهر من ترجمته أنّه أيضاً منهم «1»؛ روى الكشّي بإسناده عن جعفر بن الحكيم الخَثْعَمي قال: «اجتمع هشام بن سالم و هشام بن الحكم و جميل بن درّاج و عبد الرحمان بن الحجّاج و محمّد بن حُمْران و سعيد بن غزوان و نحو من خمسة عشر رجلًا من أصحابنا، فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما اختلفوا فيه من التوحيد و صفة اللّٰه عزّ و جلّ؛ لينظروا أيّهما أقوى» «2».

و يؤيّد هذا الاحتمال قول الشيخ في «الفهرست» في ترجمة أبي منصور

______________________________

(1) راجع الفهرست: 174/ 770 771، و: 44/ 143، و: 77/ 314.

(2) اختيار معرفة الرجال: 279/ 500.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 359

الصرّام: «إنّه من جملة المتكلّمين من أهل نيسابور، و كان رئيساً مقدّماً، و له كتب كثيرة: منها كتاب في الأُصول سمّاه: بيان الدين» «1».

و قال في ترجمة هشام بن الحكم: «له مباحث كثيرة مع المخالفين في الأُصول و غيرها، و له أصل» «2».

و عن منتجب الدين في ترجمة أبي الخير بركة بن محمّد: «أنّه فقيه ديّن، قرأ علىٰ شيخنا أبي جعفر الطوسي، و له كتاب «حقائق الإيمان في الأُصول» و كتاب «الحجج في الإمامة» «3» .. إلىٰ غير ذلك من التعبيرات.

ثانيهما: ثمّ عدلت عن هذا الاحتمال، و قوي في نفسي

احتمال آخر لعلّ المنصف يجزم به بعد الفحص الأكيد؛ و هو أنّ لأصحابنا- كما يظهر من كلماتهم تعبيراتٍ عن مؤلّفات أصحاب الكتب، فقد يعبّر عنها ب «الكتاب» فيقال: «لفلان كتاب» أو «له كتب» و هو أكثر تداولًا و إطلاقاً.

و قد يعبّر ب «الأصل» فيقال: «له أصل» أو «له أُصول» كما مرّ «4»، و هو أقلّ تداولًا.

و قد يعبّر ب «المصنَّف» فيقال: «له مصنّفات» أو «له من المصنّفات كتاب كذا».

و قد يعبّر ب «النوادر» و قد يقال: «له روايات» أو «أخبار».

كما أنّ لأصحاب الأئمّة (عليهم السّلام) و من بعدهم و غيرهم كتباً مختلفة؛ فربّما كان الكتاب ممحّضاً في نقل الرواية لا غيرها. و ربّما كان لمقصد آخر، كالتأريخ

______________________________

(1) الفهرست: 190/ 862.

(2) الفهرست: 174/ 771.

(3) الفهرست، منتجب الدين: 42/ 54.

(4) تقدّم في الصفحة 353 354 و 358.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 360

و الأدب و الرجال و التفسير و إثبات المعراج و الرجعة و البداء .. إلىٰ غير ذلك ممّا شاع تصنيفها في تلك الأعصار، كما يظهر بأدنى مراجعة إلىٰ تراجمهم، و تلك المصنّفات و إن عملت لأجل إثبات مقصد، لكنّها كانت مشحونة بالآيات و الروايات، و كان مصنّفوها استشهدوا بها كثيراً.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الظاهر المقطوع به أنّ الكتاب أعمّ من المصنّفات و الأُصول، و هما قسمان منه، و كلٌّ قسيم الآخر.

و الظاهر أنّ الأصل: عبارة عن كتاب معمول لنقل الحديث؛ سواء كان مسموعاً عن الإمام (عليه السّلام) بلا واسطة أو معها، و سواء كان مأخوذاً من كتاب و أصل آخر أو لا. و لا يبعد أن يكون غالب استعماله فيما لم يؤخذ من كتاب آخر.

و المصنّف: عبارة عن كتاب

معمول لأجل مقصد ممّا تقدّم؛ و إن أُطلق أحياناً علىٰ مطلق الكتاب.

و الشاهد علىٰ ما ذكرناه ما عن الشيخ في «الفهرست» قال: «إنّي رأيت جماعة من أصحابنا من شيوخ طائفتنا من أصحاب التصانيف، عملوا فهرست كتب أصحابنا، و ما صنّفوه من التصانيف، و رووه من الأُصول، فلم أجد أحداً استوفىٰ ذلك إلّا أحمد بن الحسين الغضائري، فإنّه عمل كتابين؛ أحدهما: ذكر فيه المصنّفات، و الآخر: فيه الأُصول» «1» انتهىٰ.

و هذا كما ترى ظاهر الدلالة في أنّ الكتاب أعمّ من التصانيف و الأُصول، و هما متقابلان.

بل يمكن أن يقال: إنّ ظاهر قوله: «ما صنّفوه من التصانيف، و رووه من الأُصول» أنّ كلمة «من» في الفقرتين بيانية، فتدلّ علىٰ أنّ مطلق كتب الرواية أصل.

______________________________

(1) الفهرست: 1 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 361

و يشهد له أيضاً ما قال في ترجمة أبان بن عثمان: «و ما عرفت من مصنّفاته إلّا كتابه الذي يجمع المبدأ و المبعث و المغازي و الوفاة و السقيفة و الردّة ..».

ثمّ ذكر طرقه إليه، ثمّ أنهىٰ طريقه إلىٰ أصل له إلىٰ محسن بن أحمد و ابن أبي نصر «1»، فترى كيف جعل المعروف من مصنّفاته منحصراً في كتابه الكذائي، و أثبت له أصلًا، و أنهى طريقه إليه. و فيه شهادة علىٰ مقابلة التصنيف بالأصل، و علىٰ سنخ الكتب المصنّفة.

و عنه في ترجمة هشام بن الحكم: «كانت له مباحث كثيرة مع المخالفين في الأُصول و غيرها، و كان له أصل أخبرنا به جماعة إلىٰ أن قال و له من المصنّفات كتب كثيرة» ثمّ عدّ ثمانية و عشرين كتاباً «2»، انتهىٰ.

و مع الأسف، ليس عندي «فهرست الشيخ» حتّى أنظر في تلك الكتب،

و إنّما أنقل عنه بواسطة. و علىٰ أيّ حال يظهر منه مقابلة المصنّف بالأُصول.

و عنه في ترجمة أحمد بن محمّد بن عمّار: «أنّه كثير الحديث و الأُصول، و صنّف كتباً: منها كتاب «أخبار آل النبي و فضائلهم» و «إيمان أبي طالب (عليه السّلام)» و كتاب «المبيضة» «3» و هي علىٰ ما حكي الفرقة المخالفة لبني العبّاس في البيعة و الرأي «4». و عدّ النجاشي من كتبه كتاب «الفلك» [ «العلل» و كتاب «الممدوحين و المذمومين» «5» و يظهر منه مضافاً إلى

______________________________

(1) الفهرست: 18/ 52.

(2) انظر تنقيح المقال 3: 294/ السطر 27 (أبواب الهاء)، الفهرست: 174/ 761.

(3) الفهرست: 29/ 78.

(4)] تنقيح المقال 1: 89/ السطر 35.

(5) رجال النجاشي: 95/ 236.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 362

التقابل بين المصنّف و الأصل سنخ المصنّفات.

و عن المفيد بعد ذكر جماعة من الأصحاب قال: «هم أصحاب الأُصول المدوّنة و المصنّفات المشهورة» «1».

و قال الشيخ الصدوق في «الفقيه» بعد ذكر جملة من الكتب: «و رسالة أبي (رضى اللّٰه عنه) إليّ، و غيرها من الأُصول و المصنّفات» «2».

و قال النجاشي في ترجمة أحمد بن عبيد اللّٰه بن يحيىٰ: «ذكره أصحابنا في المصنّفين، و أنّ له كتاباً يصف فيه سيّدنا أبا محمّد (عليه السّلام)» «3» .. إلىٰ غير ذلك. فاتضح ممّا مرّ مقابلة المصنّف بالأصل.

ثمّ إنّك لو تصفّحت مليّاً، تجد أنّ «التصنيف» يطلق غالباً في لسانهم على الكتاب الذي عمل لمقصد غير جمع الأخبار؛ و إن ذكرت فيه استشهاداً بها مثل بيان الفروع، ككتاب عليّ بن الحسين إلى ابنه، أو لغير ذلك، كالرجال و الطبّ و النجوم و ما يرتبط بأُصول المذهب و نحوها، فالكتاب أعمّ من الصنفين.

ثمّ

لا يبعد أن يقال: إنّ سرّ عدم إطلاق «الأصل» علىٰ كتب من في الطبقة الاولى من أصحاب الإجماع و أضرابهم إلّا ما استثني عدم كونهم من المصنّفين، و تعارف التصنيف في الطبقات المتأخّرة عنهم، و إنّما أُطلق علىٰ كتاب أبان بن عثمان لكونه ذا تصنيف، مضافاً إلىٰ أنّه ذو أصل «4»، و كذا يظهر من ترجمة جميل بن درّاج أنّ له أصلًا، و له كتاباً «5».

______________________________

(1) جوابات أهل الموصل، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 9: 25.

(2) الفقيه 1: 5.

(3) رجال النجاشي: 87/ 213.

(4) الفهرست: 18/ 52.

(5) رجال النجاشي: 126/ 328، الفهرست: 44/ 143.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 363

هذه جملة حول الأصل و الكتاب، و قد اتضح عدم دلالة قولهم: «إنّ له أصلًا» على الاعتماد عليه أو علىٰ صاحبه، فضلًا عن قولهم: «له كتاب».

الجواب عمّا تشبّث به العلّامة الطباطبائي ثالثاً

و أمّا ما تشبّث به ثالثاً لإصلاح حال زيد: من عدم طعن ابن الغضائري عليه «1»، ففيه ما لا يخفى:

أمّا تغليطه الشيخ الصدوق، فهو غير مرتبط بوثاقة النَّرْسي أو صحّة أصله، بل غايته أنّه غير مجعول، و لم يكذب محمّد بن موسى الهمداني علىٰ زيد النرسي، ففي الحقيقة هو دفاع عن الهمداني.

و أمّا سكوته فلا يدلّ علىٰ شي ء، و لعلّه لم يطلع علىٰ طعن فيه، و كان عنده من المجاهيل، و هو لا يكفي في الاعتماد عليه.

الجواب عمّا تشبّث به العلّامة الطباطبائي رابعاً

و أمّا ما تشبّث به رابعاً: من عدم خلوّ الكتب الأربعة من أخبار «أصل النرسي» «2» فهو عجيب منه؛ فإنّه لو لم يكن إلّا هذا الأمر في سلب الوثوق عن أصله لكان كافياً؛ لأنّ اقتصار المشايخ الثلاثة من روايات أصله علىٰ حديثين أو ثلاثة أحاديث، دليل علىٰ عدم اعتمادهم علىٰ أصله من حيث هو أصله، أو من حيث رواية ابن أبي عمير عنه، فكانت لما نقلوا منه خصوصية خارجية، و إلّا فلأيّ علّة تركوا جميع أصله، و اقتصروا علىٰ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 329.

(2) تقدّم في الصفحة 329.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 364

روايتين منه، مع كون الأصل عندهم، و بمرءىٰ و منظرهم؟! بل لو ثبت أنّ كتاباً كان عندهم، فتركوا الرواية عنه إلّا واحدة أو اثنتين مثلًا، صار ذلك موجباً لعدم الاكتفاء بتوثيق أصحاب الرجال صاحبه في جواز الأخذ بالكتاب. و هذا واضح جدّاً، و موجب لرفع اليد عن كتاب النرسي جزماً.

بل تركهم الرواية عنه مع كون الراوي عنه ابن أبي عمير، دليل علىٰ عدم تمامية ما قيل في شأن ابن أبي عمير: «من أنّه لا يروي إلّا عن ثقة» «1» تأمّل.

حول التمسّك برواية زيد الزرّاد لحرمة العصير الزبيبي

و بما ذكرنا في حال «أصل النرسي» يظهر الكلام في «أصل زيد الزرّاد» فإنّهما مشتركان غالباً فيما ذكر.

هذا كلّه مع عدم وصول النسخة التي عند المحدّث المجلسي إليه بسند يمكن الاتكال عليه؛ لجهالة منصور بن الحسن الآبي الذي كانت النسخة بخطّه مؤرّخة بأربع و سبعين و ثلاثمائة «2». و هو غير منصور بن الحسين الآبي الذي ترجمه منتجب الدين، و قال: «فاضل عالم فقيه، و له نظم حسن، قرأ علىٰ شيخنا المحقّق أبي جعفر الطوسي» «3» انتهىٰ، لتأخّره

عن كتابة النسخة عصراً بناءً علىٰ ما ترجمه؛ و إن صرّح بعض بأنّه معاصر الصاحب بن عبّاد «4». مضافاً إلى اختلافهما في الأب.

______________________________

(1) عدّة الأُصول 1: 154.

(2) بحار الأنوار 1: 43.

(3) الفهرست، منتجب الدين: 104/ 376.

(4) معجم البلدان 1: 51.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 365

هذا مع عدم ثبوت وثاقة الثاني أيضاً، و عدم كفاية ما قال منتجب الدين فيها. هذا مع ما حكي من اشتمال أصله على المناكير و ما يخالف المذهب «1»، تأمّل.

أضف إلىٰ كلّ ذلك أنّ الرواية مغشوشة المتن؛ فإنّ المحكي عن جملة من المشايخ كسليمان بن عبد اللّٰه البحراني (رحمه اللّٰه) و الوحيد البهبهاني و صاحب «البرهان» «2» و الموجود في «الحدائق» «3» و «الجواهر» «4» و «طهارة شيخنا الأعظم» «5» نقلها بغير المتن الذي نقله المجلسي «6» و تبعه جملة أُخرى من المشايخ «7».

و العجب من بعض أهل التتبّع! حيث رأى صراحة الرواية بذلك المتن علىٰ خلاف مدعاه الذي قد فرغنا عن فساده، فأخذ في الإشكال بل الطعن علىٰ أكابر المشايخ، فقال: «هذا الذي اتفق من هؤلاء الأكابر، أمر ينبغي الاسترجاع عند تذكّر مثله، و الاستعاذة باللّٰه العاصم من الوقوع في شبهه» «8».

ثمّ نقل الرواية علىٰ طبق رواية المجلسي من النسخة المتقدّمة،

______________________________

(1) انظر قاموس الرجال 4: 549/ 3041.

(2) انظر إفاضة القدير: 22 و 24، البرهان القاطع 1: 462/ السطر الأخير.

(3) الحدائق الناضرة 5: 158.

(4) جواهر الكلام 6: 34.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 32.

(6) بحار الأنوار 76: 177.

(7) كالعلّامة الطباطبائي في المصابيح و المحقّق الكاظمي في الوسائل و العلّامة النراقي في المستند. انظر إفاضة القدير: 24، مستند الشيعة 15: 220.

(8) إفاضة القدير: 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 366

و قد سبقه إلىٰ ذكر هذا الاختلاف المحدّث النوري في «مستدركة» «1».

ثمّ ذكر موارد الاختلاف بين المتنين مسمّياً لما يخالف مذهبه ب «التصحيف و الزيادة الباطلة».

ثمّ قال: «و الذي نقلناه مطابق لجميع نسخ «أصل زيد» المصحّحة الموجودة في عصرنا المنتشرة في بلاد مختلفة».

ثمّ قال بعد كلام: «و أوّل من عثرت عليه ممّن وقع في تلك الورطة الموحشة و الهوّة المظلمة: الشيخ الفاضل المتبحّر الشيخ سليمان الماحوزي البحراني، فتبعه من تبعه ممّن لا يراجع إلىٰ «أصل زيد» و لا «البحار» كالذين سمّيناهم أوّلًا، و سلم منه من راجعه أو «البحار» كالذين سمّيناهم أخيراً».

ثمّ ذكر وصيّة الفاضل الهندي في آخر «كشف اللثام» تتميماً لإشكاله و طعنه «2».

أقول: لأحد أن يسترجع عند تذكّر مثله من مثله من إطالة اللسان علىٰ هؤلاء الأكابر من غير دليل وثيق علىٰ خطئهم؛ فإنّ الشيخ الأجلّ أبا الحسن سليمان بن عبد اللّٰه البحراني كما يظهر من ترجمته، و شهدت له الأكابر كان زميلًا للمحدّث المجلسي، و عديلًا له عصراً و ثقة و حفظاً و إحاطةً و علماً و خبراً؛ فعن المولى الوحيد:

«أنّه العالم العامل و الفاضل الكامل المحقّق المدقّق الفقيه النبيه نادرة العصر و الزمان المحقّق الشيخ سليمان» «3».

و عن تلميذه أي تلميذ الشيخ سليمان الشيخ عبد اللّٰه بن صالح في

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 17: 38/ ذيل الحديث 1.

(2) إفاضة القدير: 23 24.

(3) انظر تنقيح المقال 2: 63/ السطر 35 (أبواب السين)، منتهى المقال 3: 400.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 367

إجازاته: «كان هذا الشيخ أُعجوبةً في الحفظ و الدقّة و سرعة الانتقال في الجواب و المناظرة و طلاقة اللسان، لم أرَ مثله

قطّ، و كان ثقة في النقل ضابطاً، إماماً في عصره، وحيداً في دهره، أذعنت له جميع العلماء، و أقرّت بفضله جميع الحكماء، و كان جامعاً لجميع العلوم، علّامة في جميع الفنون، حسن التقرير، عجيب التحرير، خطيباً شاعراً مفوّهاً، و كان أيضاً في غاية الإنصاف، و كان أعظم علومه الحديث و الرجال و التواريخ» «1» انتهىٰ.

و قريب منهما عن صاحب «الحدائق» مع ذكر تأريخ وفاته، و هو سنة سبع و ثلاثين و مائة و ألف «2».

فكان هذا الشيخ معاصراً للمولى المجلسي، و هو يروي هذا الحديث علىٰ ما حكي بمتن روىٰ صاحب «الحدائق» و غيره «3»، و كيف يمكن تغليطه و نسبة التصحيف و الخطأ إليه بمجرّد مخالفة حديثه نسخة المحدّث المجلسي، و هل هذا إلّا مثل تغليط المجلسي في رواية روىٰ بعض معاصريه علىٰ خلافها؛ و لو من نسخة عتيقة أو غيرها؟! مع احتمال كون ما روىٰ من نسخة غيرها، سيّما مثل هذا الشيخ الذي كان عمدة علومه الحديث و الرجال، كيف يمكن منه رواية حديث و الاستناد إليه من غير إسناد إلىٰ كتاب و نسخة أصل؟! بل المحدّث صاحب «الحدائق» أيضاً مثله في ذلك. و شأن الوحيد البهبهاني و تقدّمه في العلوم، معلوم لا يحتاج إلىٰ إطالة الكلام فيه.

______________________________

(1) انظر لؤلؤة البحرين: 7 8، تنقيح المقال 2: 63/ 35 (أبواب السين).

(2) لؤلؤة البحرين: 9.

(3) انظر إفاضة القدير: 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 368

نعم، لا يبعد من صاحب «الجواهر» و شيخنا المرتضىٰ نقل رواية اتكالًا علىٰ نقل صاحب «الحدائق».

و ليت شعري، كيف لغير العالم بالغيب الاطلاع علىٰ جميع نسخ كتاب سيّما مثل «أصل النرسي» حتّى يحكم بخطإ هؤلاء الأكابر؟! و

العجب أنّه ادعىٰ: «أنّ ما نقلناه مطابق لجميع نسخ أصل زيد ..» «1» إلىٰ آخره! لا لأنّ الاطلاع علىٰ جميعها بل غالبها غير ممكن، سيّما لمن لم يخرج من سور بلد، و هل هذه الدعوىٰ إلّا من سذوجة النفس و صفاء الضمير، حيث رأى أو سمع كون بعض النسخ كذلك، فجزم بمطابقته لجميع النسخ المتفرّقة في البلاد؟! بل لأنّ الآلاف من النسخ المصحّحة إذا انتهت إلىٰ نسخة المجلسي، لا تفيد شيئاً إلّا الجزم بأنّها موافقة لما في «البحار» و عند المجلسي، و أنّها فيه بعين هذه الألفاظ، و لا يكشف منها عدم نسخة اخرىٰ عند الشيخ سليمان و غيره.

هذا مضافاً إلى اختلاف بعض ما حكي عن «أصل زيد» في «الكافي» مع ما هو الموجود عند المجلسي «2»، و هو دليل على اختلاف في النسخ، فراجع.

فاتضح من جميع ذلك: عدم إمكان الاتكال علىٰ أصلي الزيدين و ما هو من قبيلهما.

و أمّا مع الغضّ عنه فالإنصاف: أنّ الخدشة في دلالتها في غير محلّها؛ لظهورها صدراً و ذيلًا في حرمة عصير الزبيب إذا غلىٰ بالنار أو بنفسه.

و ما يقال: «من أنّ التعبير في ذيلها عن الحكم ب «الفساد» دون التحريم، لا يبعد أن يكون الوجه فيه أنّه بعد إصابة النار صار مَعْرضاً لطروّ الفساد

______________________________

(1) إفاضة القدير: 23.

(2) راجع الكافي 7: 21/ 1، بحار الأنوار 100: 208/ 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 369

و الإسكار لا لحرمته» «1» لا ينبغي الإصغاء إليه؛ لأنّ مجرّد الاحتمال لا يوجب جواز رفع اليد عن الظاهر المتفاهم عرفاً. و إطلاقُ «الفاسد» علىٰ ما يكون مَعْرضاً للإسكار علىٰ فرض تسليم دعوى: أنّ إصابة النار توجب تسريع الإسكار و المعرضية

له مجازٌ لا يصار إليه بلا وجه، و لم يظهر و لو إشعاراً التفكيك بين ما غلىٰ بنفسه و غيره، بل ظاهرها عدم التفكيك كما لا يخفى، فالعمدة ما مرّ.

حول التمسّك بباقي الروايات لحرمة العصير الزبيبي

ثمّ إنّه قد يتمسّك للتحريم بوجوه مخدوشة «2»، كعموم قوله (عليه السّلام)

كلّ عصير أصابته النار فهو حرام .. «3»

إلىٰ آخره.

و فيه ما مرّ في أوائل البحث: من أنّ «العصير» في الروايات هو العنبي منه لا غير «4». مضافاً إلىٰ أنّ مطلق العصير لا يكون موضوعاً للحكم بالضرورة.

و لو كان المدعى الأخذ بالعموم بعد خروج ما خرج منه «5»، ففيه: أنّه من تخصيص الأكثر البشيع، فلا بدّ أن يحمل علىٰ عصير معهود، و المتيقّن هو العنبي، و غيره مشكوك فيه.

______________________________

(1) إفاضة القدير: 127.

(2) انظر مجمع الفائدة و البرهان 1: 313، الحدائق الناضرة 5: 156، مستند الشيعة 15: 188، إفاضة القدير: 120.

(3) الكافي 6: 419/ 1، وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 1.

(4) تقدّم في الصفحة 273.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 313.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 370

مع أنّ العصير بنفسه ليس موضوع الحكم، فلا محيص من أن يقال: إنّ الموضوع عصير العنب و نحوه، و من الواضح أنّه ليس للزبيب و التمر بلا نقع في الماء عصير، و معه يَجذب الماءَ الخارجي، و هو ليس عصير الزبيب؛ فإنّ المتفاهم من «عصير الشي ء» هو عصيره بالذات، لا بمداخلة شي ء أجنبي فيه و إخراجه منه.

نعم، لو دلّ دليل علىٰ «أنّ عصير الزبيب أو التمر إذا غلىٰ يحرم» لا يكون بدّ إلّا بالحمل على الماء الخارجي المعصور منه بعد نقعه فيه، و هو مفقود، و إطلاق

«العصير» لا يحمل إلّا علىٰ ما بنفسه عصير الشي ء، فالعصير منحصر بالعنب أو ما يشبهه.

مضافاً إلىٰ أنّ الزبيب المنقوع في الماء، لا يجذب من الماء ما يمكن أن يعصر منه شي ء معتدّ به، بل دائماً يكون المعصور منه مستهلكاً في الماء المصبوب فيه، فلا يطلق على المجموع «العصير».

و كالروايات الواردة في خصوص الزبيب، كمرسلة الساباطي أو موثّقته «1» قال: «وصف لي أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالًا ..» «2».

و موثّقته عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «سئل عن الزبيب كيف طبخه حتّى يشرب حلالًا ..» «3» إلىٰ آخره.

فذكر فيهما كيفية طبخه، و أمر بالإغلاء حتّى يذهب الثلثان.

______________________________

(1) تقدّم وجه الترديد في الصفحة 307، الهامش 3.

(2) الكافي 6: 424/ 1، وسائل الشيعة 25: 289، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 425/ 2، وسائل الشيعة 25: 290، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 371

و فيه: أنّ الرواية الأُولىٰ و إن كانت ظاهرة في أنّ المفروض لدى الساباطي؛ أنّ المغلي من الزبيب حرام إلىٰ غاية، و يصير حلالًا بما وصف أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)، لكن لم يظهر منها أنّ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) أفتىٰ بحرمته و صيرورته حلالًا بالتثليث، بل فيها توصيف أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) طبخه من غير ذكر الحرمة و الحلّية، و لعلّ الساباطي توهّم من ذكر التثليث أنّ الغليانَ موجب للحرمة، و التثليثَ لرفعها؛ قياساً علىٰ عصير العنب المعهود فيه ذلك. مع أنّها مردّدة بين المرسلة و الموثّقة، و لا اعتماد عليها.

و الثانية و إن

كانت موثّقة، لكن لا ظهور فيها في المدعىٰ؛ للفرق الظاهر بين قوله: «كيف يطبخ حتّى يصير حلالًا؟» و بين قوله: «كيف طبخه حتّى يشرب حلالًا؟» لأنّ المتعارف في طبخ الزبيب مع تلك التفصيلات و التشريفات المذكورة في الروايتين طبخ مقدار كثير حتّى بقي عدّة أيّام كثيرة، بل إلى شهور أو سنة أو أزيد، كما قال في رواية عليّ بن جعفر الآتية، فيشرب منه السنة، فإذا لم يذهب الثلثان لا يبعد أن يعرض عليه الفساد و الإسكار إذا طال بقاؤه، سيّما في تلك الآفاق، فإذا أُريد أن يشرب ذاك المشروب حلالًا من غير عروض الإسكار عليه، فلا بدّ من طبخه حتّى يذهب ثلثاه، فيشرب حلالًا إلىٰ آخر أمده.

و الإنصاف: أنّ هذا الاحتمال لو لم يكن ظاهراً فيها، فلا أقلّ من عدم مرجوحيته بالنسبة إلى احتمال آخر يوافق دعوى المدعي.

و يشهد لرجحانه بل تعيّنه ذيل رواية إسماعيل الهاشمي، حيث قال بعد وصف النبيذ: «و هو شراب طيّب لا يتغيّر إذا بقي إن شاء اللّٰه» «1».

______________________________

(1) الكافي 6: 426/ 3، وسائل الشيعة 25: 290، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 372

و لعلّ «الطيّب» مقابل «الخبيث» الذي أُطلق على الخمر و المسكر.

و كذا تشهد له صحيحة عليّ بن جعفر بناءً علىٰ وثاقة سهل بن زياد، كما هو الأصحّ «1» عن أخيه موسى أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن الزبيب، هل يصلح أن يطبخ حتّى يخرج طعمه، ثمّ يؤخذ الماء، فيطبخ حتّى يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه، ثمّ يرفع فيشرب منه السنة؟ فقال

لا بأس به «2».

فإنّ الظاهر أنّ عليّ بن جعفر لم يكن شكّه

إلّا في أنّ ماء الزبيب المطبوخ كذلك إذا بقي سنة، يحلّ شربه، أو يعرضه الفساد و الإسكار، و إلّا فحلّيته بعد ذهاب الثلثين كانت واضحة، فتصير شاهدة لسائر الروايات أيضاً.

و بما ذكرناه يظهر ضعف الاستدلال بها علىٰ حرمة عصير الزبيب قبل التثليث بتوهّم دلالتها علىٰ معهوديتها «3»؛ و ذلك لما عرفت من أنّ السؤال لم يكن عن حلّيته بالتثليث، بل عن بقائه حلالًا إلىٰ آخر السنة؛ لاحتمال عروض الفساد عليه.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ غاية ما تدلّ عليه هذه الصحيحة- بل سائر الروايات معهودية التثليث، و أمّا كونه لرفع الحرمة فلا، و الظاهر أنّ تعارفه لأجل عدم عروض الفساد و الإسكار عليه.

و يشهد لذلك مضافاً إلىٰ ما تقدّم ورود التثليث في السفرجل

______________________________

(1) تقدّم الكلام في سهل بن زياد في الجزء الأوّل: 78 و 258 259.

(2) الكافي 6: 421/ 10، وسائل الشيعة 25: 295، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 8، الحديث 2.

(3) انظر الدروس الشرعيّة 3: 16 17، الحدائق الناضرة 5: 155، إفاضة القدير: 9089.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 373

و العسل في رواية خليلان بن هاشم قال: كتبت إلىٰ أبي الحسن (عليه السّلام): جعلت فداك، عندنا شراب يسمّىٰ: «المَيْبِهْ» نعمد إلى السفرجل فنقشره و نلقيه في الماء، ثمّ نعمد إلى العصير فنطبخه على الثلث، ثمّ ندقّ ذلك السفرجل و نأخذ ماءه، و نعمد إلىٰ هذا المثلّث و هذا السفرجل فنلقي فيه المسك و الأفاوي و الزعفران و العسل، فنطبخه حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، أ يحلّ شربه؟ فكتب

لا بأس به ما لم يتغيّر «1».

مع وضوح عدم حرمة عصير السفرجل و العسل بالغليان بالنار.

و وروده في دستور

الطبيب أيضاً في رواية إسحاق بن عمّار «2»، و ليس ذلك ظاهراً إلّا لعدم عروض الفساد أو الإسكار عليه بطول المدّة.

و ربّما يتمسّك «3» للحرمة بالروايات الحاكية لمشاجرة إبليس لعنه اللّٰه آدم و نوحاً (عليهما السّلام) «4» بدعوىٰ إعطائهما إبليس من ثمرة الحَبَلة الثلثين.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ الأخذ بظاهر تلك الروايات، مستلزم لمالكية إبليس ثلثي جميع شجرة الكرم، كما هو مقتضىٰ بعضها «5»، و لزوم تثليث ماء العنب بإغلائه و إخراج حظّ إبليس، و عدم جواز شربه قبل غليانه، و هو كما ترى،

______________________________

(1) الكافي 6: 427/ 3، وسائل الشيعة 25: 367، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 29، الحديث 3.

(2) الكافي 6: 426/ 4، وسائل الشيعة 25: 291، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 5.

(3) انظر مستند الشيعة 15: 211 212، جواهر الكلام 6: 34، إفاضة القدير: 121.

(4) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2.

(5) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 2 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 374

فلا بدّ من حملها علىٰ بيان سرّ حرمة الخمر أو عصير العنب المغلي، كما هو المتيقّن منها، بل الظاهر من بعضها «1».

و بعبارة اخرىٰ: لا يستفاد الإطلاق من هذه الروايات التي هي بصدد بيان سرّ مخفي، و حكمةٍ غير معقولة لنا لحرمة شي ء معهود، كما لا يخفى.

و أضعف منه التمسّك «2» بموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّه سأل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، قال

إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس

أن يشرب «3».

و نحوها رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه «4» لأنّها بصدد بيان حكم آخر، فلا إطلاق فيها.

فتحصّل من جميع ذلك: حلّية عصير الزبيب المغلي و طهارته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 3 و 11.

(2) انظر مستند الشيعة 15: 201، إفاضة القدير: 121.

(3) تهذيب الأحكام 9: 116/ 502، وسائل الشيعة 25: 294، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 6.

(4) تهذيب الأحكام 9: 122/ 528، وسائل الشيعة 25: 294، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 375

حلّية العصير التمري و طهارته

و أمّا العصير التمري فأولىٰ بهما؛ لفقد الأصل الذي تمسّك به للزبيبي، و عدم دليل علىٰ حرمته عدا ما عن «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام) أنّه قال

الحلال من النبيذ أن تنبذه و تشربه من يومه و من الغد، فإذا تغيّر فلا تشربه، و نحن نشربه حلواً قبل أن يغلي «1».

و فيه: مضافاً إلىٰ ضعف سنده و إرساله، و نقل الإجماع علىٰ خلافه «2»، و معارضته بما يأتي «3» أنّ المراد ب «التغيّر» يمكن أن يكون الإسكار، لا مطلق التغيّر أو الغليان. و يمكن الاستشهاد عليه بقوله (عليه السّلام)

نحن نشربه ..

إلىٰ آخره، حيث يشعر بأنّ عدم الشرب بعد الغليان ليس حكماً إلزامياً على الناس، بل أهل البيت (عليهم السّلام) كانوا لا يشربونه.

و نحو هذا التعبير غير عزيز في الروايات، كرواية زرارة قال قلت: في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال

ثلاث لا أتقي فيهنّ أحداً: شرب المسكر، و مسح الخفّين، و متعة الحجّ

قال زرارة: و لم يقل: «الواجب عليكم أن لا

تتقوا فيهنّ أحداً» «4».

______________________________

(1) دعائم الإسلام 2: 129/ 445، مستدرك الوسائل 17: 39، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 2.

(2) الحدائق الناضرة 5: 141.

(3) يأتي في الصفحة 377.

(4) الكافي 3: 32/ 2، وسائل الشيعة 1: 457، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 38، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 376

و ورد نظيره في إتيان أدبار النساء «1» .. إلىٰ غير ذلك، فحينئذٍ يكون التغيّر مقابلًا للغليان، فيرجع إلى الاستحالة و صيرورته خمراً و مسكراً، تأمّل.

و لا علىٰ نجاسته إلّا بعض الروايات الشاذّة المشعرة بها كموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّه سئل عن النَّضُوح المُعَتَّق، كيف يصنع به حتّى يحلّ؟ قال

خذ ماء التمر فأغله حتّى يذهب ثلثا ماء التمر «2»

و موثّقته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن النَّضُوح، قال

يطبخ التمر حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، ثمّ يمتشطن «3»

ممّا يجب طرحها علىٰ فرض دلالتها؛ لقيام الشهرة علىٰ طهارته. بل حكىٰ شيخنا المرتضى الأنصاري خمسة إجماعات عليها «4»، و لو ضمّ إليها ما حكي علىٰ حلّيته «5» المستلزم للطهارة لزاد عددها.

مع ما في دلالتهما من الإشكال:

أمّا الثانية فواضح.

و أمّا الاولىٰ، فبعد القطع بأنّ المراد من «الحلّية» ليس حلّية الشرب؛ لكونه من الطيّب، بل إمّا حلّية الاستعمال تكليفاً، أو حلّية الصلاة فيه وضعاً، أنّ الوصف ب «المُعتَّق» مشعر أو دالّ علىٰ أنّ المراد أنّه كيف يصنع النَّضُوح- أي

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 415/ 1663، راجع وسائل الشيعة 20: 145، كتاب النكاح، أبواب مقدّماته و آدابه، الباب 73، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 9: 116/ 502، وسائل الشيعة 25: 373، كتاب الأطعمة و الأشربة،

أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 32، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 9: 123/ 531، وسائل الشيعة 25: 379، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 37، الحديث 1.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 363/ السطر 29.

(5) الحدائق الناضرة 5: 141.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 377

الطيب الخاصّ حتّى يحلّ استعماله معتقاً؟

و بعبارة اخرىٰ: كيف يصنع حتّى لا يصير مع صيرورته عتيقاً فاسداً و مسكراً؟ فالأمر بإذهاب الثلثين حينئذٍ لأجل عدم طروّ الفساد عليه. و يظهر من الروايات تعارف جعل الخمر أو النبيذ في النَّضُوح في تلك الأزمنة «1».

مضافاً إلىٰ دلالة بعض الأخبار علىٰ أنّ حرمته و نجاسته تابعة لإسكاره، كخبر وفد اليمن، و فيها بعد توصيفهم النبيذ من التمر لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و تصريحهم بطبخه قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

قد أكثرت عليّ، أ فيسكر؟

قال: نعم، قال

كلّ مسكر حرام «2».

يظهر منها أنّه مع طبخه و عدم عروض الإسكار عليه ليس بحرام، و لازمه عدم نجاسته، فالمسألة واضحة بحمد اللّٰه.

______________________________

(1) كرواية عليّ بن جعفر، قال: سألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ، أ يصلح للمرأة أن تصلّي و هو على رأسها؟ قال: لا، حتى تغتسل منه.

مسائل عليّ بن جعفر: 151/ 200، وسائل الشيعة 25: 380، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 37، الحديث 3.

(2) الكافي 6: 417/ 7، وسائل الشيعة 25: 355، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 379

عدم خمرية الفقّاع و مسكريته

نعم، يأتي الكلام في جهة أُخرى: و هي أنّ الفقّاع ليس خمراً حقيقة، و لم يسمّ باسمها عرفاً و لغة،

و الدليل عليه مضافاً إلىٰ وضوحه وفاق أهل الخلاف في عدم حرمته و نجاسته «2»، مع أنّ كثيراً منهم من أهل اللسان و علماء العربية و أئمّة الأدب و اللغة، فلو كان «الخمر» صادقاً عليه حقيقة لما اتفق بينهم هذا الاتفاق مع حرمتها بنصّ الكتاب «3».

مضافاً إلى استفادة ذلك من الأخبار و كلمات أصحابنا:

أمّا الأخبار فقد تقدّم الكلام فيها: من أنّ الظاهر منها أنّ «الخمر» اسم للمادّة الخبيثة المأخوذة من العنب، و هي التي حرّمها اللّٰه تعالىٰ، و إنّما حرّم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سائر المسكرات، و في بعضها

إنّ اللّٰه لم يحرّم الخمر لاسمها، بل حرّمها لعاقبتها

و هو كالنصّ في أنّ الاسم مختصّ بالمتخذ من

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 279/ 820، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 8، و قد تقدّم في الصفحة 248.

(2) انظر الخلاف 5: 490، المغني، ابن قدامة 10: 341، الشرح الكبير، ذيل المغني 10: 342.

(3) و هو قوله تعالىٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ. المائدة (5): 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 382

العنب. و إطلاقها علىٰ غيرها بضرب من التأويل «1»، فراجع.

و أمّا كلمات الأصحاب فبين ظاهرة في ذلك؛ لأنّ مقابلة المسكرات مع الفقّاع في كلماتهم في أبواب النجاسات و الأشربة المحرّمة و المكاسب المحرّمة و الحدود ظاهرة في أنّه بعنوانه موضوع الحكم لا لإسكاره، و لا لصدق «الخمر» عليه.

مضافاً إلىٰ أنّه لم نرَ استدلالهم علىٰ خلاف العامّة في حرمته بظاهر القرآن، فقد استدلّوا عليه تارة: بروايات من طرقهم، و أُخرى: بدليل الاحتياط، و

لو أمكن الاستدلال عليه بظاهر الآية و لو بوجه لاستدلّوا عليه، سيّما علم الهدىٰ (رضى اللّٰه عنه) الذي عمل «الانتصار» لانتصار الحقّ و إزهاق الباطل، جزاه اللّٰه عن الإسلام أفضل جزاء، و من دأبه التشبّث بظواهر الآيات عليهم حيثما أمكن. مع أنّه من أئمّة الأدب و اللسان. و كذا شيخ الطائفة في «خلافه» بل و ابن زهرة «2».

و قد تمسّك الشيخ في حدود «نهايته» لإثبات أحكام الخمر له بثبوت سوائيته مع الخمر من أئمّة آل محمّد عليهم الصلاة و السلام «3».

و بالجملة: يظهر من كلمات أصحابنا عدم كونه خمراً أو مسكراً، و ليست حرمته لهما؛ ففي «النهاية» بعد ذكر المسكرات: «و حكم الفقّاع حكم الخمر على السواء» «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 260.

(2) الانتصار: 197، الخلاف 5: 489 490، غنية النزوع 1: 41.

(3) النهاية: 713.

(4) النهاية: 591.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 383

و في «المراسم»: «و الخمر و سائر المسكرات و الفقّاع» «1».

و في «الغنية»: «و كلّ شراب مسكر نجس، و كلّ فقّاع نجس» «2».

و كذا سائر الكتب و المصنّفات علىٰ هذا المنوال قديماً و حديثاً.

و بين ناصّة علىٰ عدم مسكريته مطلقاً، أو قسم منه، المتفاهم منه عدم خمريته أيضاً؛ لبعد تسميته «خمراً» مع عدم الإسكار.

ففي «الانتصار»: «و قد روىٰ أصحاب الحديث من طرق معروفة: أنّ قوماً من العرب سألوا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الشراب المتخذ من القمح، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

هل يسكر؟

قالوا: نعم، فقال

لا تقربوه «3»

و لم يسأل من الشراب المتخذ من الشعير عن الإسكار، بل حرّم ذلك على الإطلاق، و حرّم الشراب الآخر إذا كان مسكراً» «4».

و

قال قبل ذلك: «و ممّا انفردت به الإمامية القول بتحريم الفقّاع؛ و أنّه جارٍ مجرى الخمر في جميع الأحكام» «5».

و هو كالنصّ في أنّه بمنزلة الخمر لا نفسها.

و في «الوسيلة»: «و غير المسكر ضربان: فقّاع، و غيره، و الفقّاع حرام نجس» «6».

و عن «فقه الرضا»

و اعلم: أنّ كلّ صنف من صنوف الأشربة التي

______________________________

(1) المراسم: 55.

(2) غنية النزوع 1: 41.

(3) مسند الإمام أحمد بن حنبل 4: 232، السنن الكبرى، البيهقي 8: 292.

(4) الانتصار: 199.

(5) الانتصار: 197.

(6) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 364.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 384

لا يغيّر العقل شرب الكثير منها لا بأس به، سوى الفقّاع، فإنّه منصوص عليه لغير هذه العلّة «1».

و عن الأُستاذ في حاشية «المدارك»: «أنّهم صرّحوا بأنّ حرمة الفقّاع و نجاسته يدوران مع الاسم و الغليان لا للسكر، فهو حرام و نجس و إن لم يكن مسكراً؛ لأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حكم بالحرمة من دون استفصال» «2».

و في «المجمع»: «الفُقّاع كرُمّان-: شي ء يشرب، يتخذ من ماء الشعير فقط، ليس بمسكر، و لكن ورد النهي عنه» «3».

نعم، ظاهر «المعتبر» «4» أنّه خمر اسماً و إن لم يكن مسكراً، متمسّكاً بالتسمية الشرعية، و أصالة الحقيقة و هو كما ترى و بقول أبي هاشم الواسطي المحكي في «الانتصار»: «الفُقّاع نبيذ الشعير، فإذا نشّ فهو خمر» «5».

و هو أيضاً غير وجيه؛ لأنّ الظاهر أنّ مراده من كونه خمراً أنّه مسكر، لا أنّه مسمّىٰ بها. مع أنّ التعويل علىٰ قوله مع ما عرفت في غير محلّه، و لهذا لم يعوّل عليه علم الهدىٰ، و إلّا لأستدلّ علىٰ حرمته بظاهر الكتاب.

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه

السّلام): 255، مستدرك الوسائل 17: 72، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 19، الحديث 8.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 17، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 367/ السطر 19.

(3) مجمع البحرين 4: 376.

(4) المعتبر 1: 425.

(5) الانتصار: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 385

إلّا أن يقال: إنّ الكتاب منصرف عنه. و هو غير معلوم، بل ممنوع بعد الصدق حقيقة.

ثمّ إنّه بعد العلم بعدم خمريته حقيقة، لا بدّ من حمل الروايات الحاكمة بأنّه

خمر بعينها «1»

أو

من الخمر «2»

أو

خمرة استصغرها الناس «3»

علىٰ نحو من التنزيل، فيدور الأمر بين احتمالين:

إمّا البناء على التنزيل باعتبار الحكم؛ بمعنى أنّ الأئمّة (عليهم السّلام) لمّا رأوا ثبوت جميع آثار الخمر له، أطلقوها عليه ادعاء و مجازاً.

و إمّا البناء على التنزيل باعتبار الخاصّية؛ و أنّه لمّا كان عاقبته عاقبة الخمر و فعله فعلها، نزّلوه منزلتها.

و الفرق بينهما: أنّه على الأوّل يحكم بترتّب الأحكام بمجرّد صدق الفُقّاع و إن لم يكن مسكراً؛ لأنّ التنزيل ليس بلحاظ إسكاره، و على الثاني يترتّب الأحكام علىٰ قسم المسكر؛ لأنّ التنزيل باعتبار مسكريته.

و لا شبهة في أنّ مقتضى إطلاق الأخبار البناء على الوجه الأوّل، و لا وجه لرفع اليد عن إطلاقها بلا دليل مقيّد، و دعوى الانصراف إلى القسم المسكر ممنوعة.

______________________________

(1) الكافي 6: 423/ 4، وسائل الشيعة 25: 361، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 27، الحديث 7.

(2) الكافي 6: 422/ 3، وسائل الشيعة 25: 361، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 27، الحديث 6.

(3) الكافي 6: 423/ 9، وسائل الشيعة 25: 365، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 28، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 386

فالأقوىٰ حرمته و نجاسته و ترتّب سائر الآثار عليه بمجرّد صدق الاسم و لو لم يكن مسكراً، كما نصّ عليه الأصحاب في كلماتهم المتقدّمة، و أرسلوه إرسال المسلّمات «1».

حلّية الفقّاع في صورة عدم غليانه

نعم، الظاهر عدم ترتّبها قبل الغليان؛ لصحيحة ابن أبي عمير، عن مُرازِم قال: «كان يعمل لأبي الحسن (عليه السّلام) الفقّاع في منزله» قال ابن أبي عمير: «و لم يعمل فقّاع يغلي» «2».

و الظاهر أنّ ابن أبي عمير كان بصدد دفع توهّم عمل الفقّاع الحرام.

و موثّقةِ عثمان بن عيسىٰ قال: كتب عبد اللّٰه بن محمّد الرازي إلىٰ أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): إن رأيت أن تفسّر لي الفقّاع، فإنّه قد اشتبه علينا، أ مكروه هو بعد غليانه، أم قبله؟ فكتب (عليه السّلام)

لا تقرب الفقّاع إلّا ما لم يضرّ آنيته، أو كان جديداً.

فأعاد الكتاب إليه: كتبت أسأل عن الفقّاع ما لم يغلِ، فأتاني: أن اشربه ما كان في إناء جديد، أو غير ضارٍّ، و لم أعرف حدّ الضراوة و الجديد، و سأل أن يفسّر ذلك له، و هل يجوز شرب ما يعمل في الغَضارة و الزجاج و الخشب و نحوه من الأواني؟ فكتب (عليه السّلام)

يفعل الفقّاع في الزجاج و في الفخّار الجديد إلىٰ قدر ثلاث عملات، ثمّ لا يعد منه بعد ثلاث عملات إلّا في إناء جديد، و الخشب مثل ذلك «3».

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 379 و 382 384.

(2) تهذيب الأحكام 9: 126/ 545، وسائل الشيعة 25: 381، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 39، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 9: 126/ 546، وسائل الشيعة 25: 381، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 39، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 387

و الظاهر منها أنّ النهي عن هذه الظروف لأجل حصول النشيش و الغليان له إذا نبذ فيها. و يمكن أن يكون لحصول الإسكار له، لكن هذا مجرّد احتمال لا يمكن رفع اليد به عن إطلاق الأدلّة و كلمات الأجلّة.

و صحيحةِ عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال: سألته عن شرب الفقّاع الذي يعمل في السوق و يباع، و لا أدري كيف عمل، و لا متى عمل، أ يحلّ أن أشربه؟ قال

لا أُحبّه «1».

و الظاهر منها وجود قسمين منه: حلال، و حرام، و الظاهر من الروايتين المتقدّمتين أنّ الحلال منه قبل غليانه و نشيشه، و الحرامَ بعده، و كذا الأخيرة أيضاً؛ لإشعار قوله: «متى عمل» أو ظهوره في شكّه في بقائه إلىٰ حال التغيّر و النشيش، و لا يبعد حمل إطلاق كلمات الأصحاب علىٰ ما بعده، كما مرّ ما عن الأُستاذ في «حاشية المدارك»: «أنّهم صرّحوا بأنّ حرمة الفقّاع و نجاسته تدوران مع الاسم و الغليان» «2».

بل الظاهر من اللغويين عدم صدقه علىٰ ما لم ينشّ؛ قال في «القاموس»: «الفُقّاع كرمّان-: هذا الذي يشرب، سمّي به لما يرتفع في رأسه من الزبَد» «3» و نحوه في «المنجد» و «معيار اللغة» «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 126/ 547، وسائل الشيعة 25: 382، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 39، الحديث 3.

(2) تقدّم في الصفحة 384.

(3) القاموس المحيط 3: 66.

(4) المنجد: 590، معيار اللغة 2: 125.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 388

و في «المجمع»: «قيل: سمّي «فقّاعاً» لما يرتفع في رأسه من الزبَد» «1».

و يظهر من الشهيد في محكي «الروض» اعتباره في الصدق

«2».

اختصاص حكم الفقّاع بالمتخذ من الشعير دون غيره

ثمّ إنّ المتيقّن منه ما أُخذ من الشعير، و الظاهر عدم الكلام فيه، و إنّما الكلام و الإشكال فيما يؤخذ من سائر الأشياء، كالقمح و الذرة و الزبيب و غيرها. و قد مرّ كلام الطريحي في «المجمع» في انحصاره بما يؤخذ من الشعير «3». و هو ظاهر السيّد في «الانتصار» حيث استدلّ علىٰ حرمة الفقّاع مطلقاً بعدم استفصال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فيما يؤخذ من الشعير، دون ما يؤخذ من القمح «4»، فما نسب إليه من أخذه من القمح أيضاً «5» مخالف لذلك.

نعم، حكىٰ هو من طريق الناس، عن أُمّ حبيبة زوجة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أنّ أُناساً من أهل اليمن قدموا علىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ليعلّمهم الصلاة و السنن و الفرائض، فقالوا: يا رسول اللّٰه، إنّ لنا شراباً نعمله من القمح و الشعير، فقال

الغُبَيْراء؟

قالوا: نعم، قال

لا تطعموه .. «6»

إلىٰ آخره.

ثمّ حكىٰ تفسير زيد بن أسلم «الغُبَيْراء» بالسكْرُكة، و هي بالفقّاع «7».

______________________________

(1) مجمع البحرين 4: 376.

(2) روض الجنان: 164/ السطر 24.

(3) تقدّم في الصفحة 384.

(4) الانتصار: 199.

(5) مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 12.

(6) مسند الإمام أحمد بن حنبل 6: 427/ 9، السنن الكبرى، البيهقي 8: 292.

(7) الانتصار: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 389

و لعلّ

الغُبَيْراء

في كلام النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان مربوطاً بالمتخذ من الشعير المتأخّر في الذكر في كلام السائل، لا منه و من القمح، تأمّل. و يظهر من السيّد اختصاص الغُبَيْراء بما يؤخذ من الشعير، فراجع «الانتصار» بتعمّق «1».

و عن «المدنيات»: «أنّه شراب معمول من الشعير» «2»

و حكى السيّد عن الواسطي: «أنّ الفقّاع نبيذ الشعير، و إذا نشّ فهو خمر» «3».

و عن بعض آخر عدم الاختصاص به؛ فعن «رازيات السيّد» و «الانتصار»: «كان يعمل من الشعير و من القمح» «4» و قد عرفت حال ما في «الانتصار» و ليس عندي «الرازيات».

و عن «مقداديات الشهيد»: «كان قديماً يتخذ من الشعير غالباً، و يحصَّل حتّى يحصل فيه التنشّر، و كأنّه الآن يتخذ من الزبيب» انتهىٰ. كذا في «مفتاح الكرامة» «5» و لعلّ مراده أنّه يبقىٰ حتّى ينشّ.

و عن أبي عبيدة: «أنّ السكْرُكة من الذرة» «6».

و عن «مخزن الأدوية»: «أنّ الفقّاع اسم لنوع من النبيذ مركّب طعمه من حلاوة قليلة و حموضة و مرارة، و يصنع من أكثر الحبوب، كالشعير و الأرُزّ و الدخن و الذرة و الخبز الحواري و الزبيب و التمر و السكّر و العسل، و قد يضيفون

______________________________

(1) الانتصار: 198 199.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 13.

(3) الانتصار: 199.

(4) مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 12، رسائل الشريف المرتضىٰ 1: 102، الانتصار: 199.

(5) مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 13.

(6) لسان العرب 6: 307.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 390

إليه الفلفل و سنبل الطيب و القرنفل» «1» انتهىٰ.

و المتحصّل من الجميع: أنّ ما يؤخذ من الشعير فقّاع بلا ريب، و صدقَه علىٰ ما عداه مشكوك فيه، و مقتضى الأصل الحلّية و الطهارة بعد كون الشكّ في المفهوم و الوضع. و مجرّد إطلاقه في الأزمنة المتأخّرة على المأخوذ من غيره، لا يفيد. و أصالة عدم النقل و الاشتراك علىٰ فرض جريانهما لا تفيد في إثبات الوضع و لو كانت عقلائية.

______________________________

(1) قرابادين كبير (مخزن الأدوية): 314/ السطر 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 391

الفُقّاع

التاسع: الفُقّاع، و لا ريب في نجاسته، و قد حكي الإجماع عليها مستفيضاً، كما في «الانتصار» و «الخلاف» و محكي «الغنية» و «المنتهىٰ» و «المهذّب البارع» و «التنقيح» و «كشف الالتباس» و «إرشاد الجعفرية» و ظاهر «المبسوط» و «التذكرة» و «الذكرى» «1».

و عن «المدارك» تأمّل في نجاسته، حيث قال: «وردت به رواية ضعيفة» «2».

أراد رواية «الكافي» عن أبي جميلة البصري قال: كنت مع يونس ببغداد و أنا أمشي معه في السوق، ففتح صاحب الفُقّاع فُقّاعه، فقفز «3» فأصاب يونس، فرأيته قد اغتمّ لذلك حتّى زالت الشمس، فقلت له: يا أبا محمّد، إلا تصلّي؟ قال: فقال لي: ليس أُريد أن أُصلّي حتّى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 15، الانتصار: 197، الخلاف 5: 489 490، غنية النزوع 1: 41، منتهى المطلب 1: 167/ السطر 22، المهذّب البارع 5: 79، التنقيح الرائع 1: 145، كشف الالتباس: 211/ السطر 11 (مخطوط)، المبسوط 1: 36، تذكرة الفقهاء 1: 65، ذكرى الشيعة 1: 115.

(2) مدارك الأحكام 2: 293.

(3) قفز بالقاف ثمّ الزاء: وثب (الوافي). [منه (قدّس سرّه)].

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 380

فقلت له: هذا رأي رأيته، أو شي ء ترويه؟

فقال: أخبرني هشام بن الحكم: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفُقّاع، فقال

لا تشربه؛ فإنّه خمر مجهول، فإذا أصاب ثوبك فاغسله «1».

و لا مجال للتردّد في الحكم بعد ذلك الاشتهار و تلك الإجماعات. و لو نوقش في الرواية بضعف السند بل و عدم العلم بالجبر؛ لاشتراطه بإحراز الاستناد، و هو ممنوع لما تصحّ المناقشة في دلالة الروايات المتظافرة الآتية

«2» الحاكمة بأنّه

خمر بعينها

أو

من الخمر

أو

خمرة استصغرها الناس

إلىٰ غير ذلك، فإنّها: إمّا تدلّ علىٰ خمريته و مسكريته واقعاً، فقد فرغنا عن نجاسة المسكرات المائعة «3».

و إمّا تدلّ على التنزيل منزلته حكماً، فلا شبهة في استفادة عموم التنزيل مع هذه التعبيرات و التأكيدات، و لو لا كونه بمنزلته في جميع الآثار، لما صحّ هذا التنزيل بهذا اللسان الأكيد.

و الشاهد عليه ثبوت حكم شارب الخمر عليه «4» فلا ينبغي الإشكال في نجاسته و حرمته.

______________________________

(1) الكافي 6: 423/ 7، تهذيب الأحكام 1: 282/ 828، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 5.

(2) يأتي في الصفحة 385.

(3) تقدّم في الصفحة 237.

(4) كما في رواية ابن فضّال، قال: كتبت إلىٰ أبي الحسن (عليه السّلام) أسأله عن الفقّاع فقال: هو الخمر و فيه حدّ شارب الخمر.

راجع وسائل الشيعة 25: 360، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 27، الحديث 2 و 11، و الباب 28، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 381

فما في رواية زكريّا بن آدم، عن أبي الحسن (عليه السّلام) «1» ممّا يشعر أو يدلّ على الخلاف، لا يعوّل عليه. مع ضعفها سنداً بابن المبارك، و وهنها متناً باشتمالها علىٰ حكم في الدم لا نقول به، و موافقتها للناس، و مخالفتها للإجماع و النصوص.

الكافر
اشارة

العاشر: الكافر بجميع أنواعه؛ ذمّيا كان أو غيره، أصلياً أو مرتدّاً، إجماعاً كما في «الانتصار» و «الناصريات» مع التصريح بالكلّية «1». و في «الخلاف» دعواه في المشرك الذمّي و غيره «2».

و في «الغنية» ادعى الإجماع المركّب، و قال: «التفرقة بين نجاسة المشرك و غيره خلاف الإجماع» «3».

و ادعى الإجماع صريحاً في «المنتهىٰ» «4»

و ظاهراً في «التذكرة» «5» و هو المحكي عن «السرائر» و «البحار» و «الدلائل» و «شرح الفاضل» «6» و ظاهر «نهاية الإحكام» «7».

______________________________

(1) الانتصار: 10، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 216/ السطر 24.

(2) الخلاف 1: 70.

(3) غنية النزوع 1: 44.

(4) منتهى المطلب 1: 168/ السطر 12.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 67.

(6) انظر مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 22، السرائر 3: 124، بحار الأنوار 77: 44.

(7) نهاية الإحكام 1: 273.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 392

و عن «التهذيب»: «إجماع المسلمين» «1» و لعلّ مراده المؤمنون الذين هم المسلمون حقّا. و حكي تأويله عن الفاضل الهندي بما هو أبعد ممّا ذكرناه «2».

و عن «حاشية المدارك»: «أنّ الحكم بالنجاسة شعار الشيعة يعرفه علماء العامّة منهم، بل و عوامّهم يعرفون أنّ هذا مذهب الشيعة، بل و نساؤهم و صبيانهم يعرفون ذلك، و جميع الشيعة يعرفون أنّ هذا مذهبهم في الأعصار و الأمصار» «3».

و عن القديمين القول بعدم نجاسة أسآر اليهود و النصارى «4»، و كذا عن ظاهر المفيد «5»، و عن موضع من «النهاية» «6».

لكن عن «حاشية المدارك»: «لا يحسن جعل ابن أبي عقيل من المخالفين مع تخصيصه عدم النجاسة بأسآرهم؛ لأنّه لا يقول بانفعال الماء القليل، و السؤر هو الماء الملاقي لجسم حيوان».

قال: «و الكراهة في كلام المفيد لعلّه يريد منها المعنى اللغوي» «7» انتهىٰ. و هو حسن.

و أمّا ما نسب إلىٰ «نهاية الشيخ» ففي غير محلّه جزماً، قال فيها

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 223، ذيل الحديث 637.

(2) كشف اللثام 1: 399.

(3) حاشية المدارك، ضمن مدارك الأحكام: 105، ذيل قوله: «بل ادعي عليه» (ط. حجري).

(4) انظر مختلف الشيعة 8: 316.

(5) انظر المعتبر 1: 96، مفتاح الكرامة

1: 142/ السطر 28.

(6) انظر مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 29، النهاية: 589 590.

(7) حاشية المدارك، ضمن مدارك الأحكام: 105، ذيل قوله: «و نقل عن ابن الجنيد و عن ابن أبي عقيل» (ط. حجري).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 393

«و لا يجوز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم، و لا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها بالماء، و كلّ طعام تولّاه بعض الكفّار بأيديهم و باشروه بنفوسهم لم يجز أكله؛ لأنّهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إيّاه».

قال بعد أسطر: «و يكره أن يدعو الإنسان أحداً من الكفّار إلىٰ طعامه فيأكل منه، و إن دعاه فليأمره بغسل يديه» «1» انتهىٰ.

و هو كما ترى محمول كما عن «نكتها» «2» على الطعام اليابس، كالتمر و الخبز و نحوهما؛ بقرينة ما تقدّم، و الأمر بغسل يدهم لدفع القذارة العرفية. و أمّا ما عن ابن إدريس من أنّه ذكر ذلك إيراداً لا اعتقاداً «3» فبعيد.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 393

و الظاهر استناد الشيخ فيما ذكره إلىٰ صحيحة عِيص بن القاسم «4»، فإنّها بمضمون ما ذكره ظاهراً.

و لم يحضرني كلام ابن الجنيد، و ما نقل عنه «5» غير ظاهر في المخالفة.

و نسب إلىٰ صاحب «المدارك» و «المفاتيح» الميل إلىٰ طهارتهم «6»، لكن لم يظهر من «المدارك» ذلك فراجع «7»، و لم يحضرني «المفاتيح» «8».

نعم، قد يظهر من «الوافي» ذلك؛ لأنّه بعد ذكر الأخبار قال

______________________________

(1) النهاية: 589 590.

(2) النهاية و نكتها 3: 107.

(3) السرائر 3: 123.

(4) يأتي في الصفحة 408.

(5) مختلف

الشيعة 8: 316.

(6) مفتاح الكرامة 1: 143/ السطر 1.

(7) مدارك الأحكام 2: 294 298.

(8) مفاتيح الشرائع 1: 70 71.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 394

«و قد مضى في باب طهارة الماء خبر في جواز الشرب من كوز شرب منه اليهودي «1»، و التطهير من مسّهم ممّا لا ينبغي تركه» «2» و فيه إشعار برجحان التطهير منه لا لزومه.

التمسّك بالإجماع و السيرة لإثبات نجاسة الكفّار

و كيف كان: فالعمدة هو الإجماعات المتقدّمة، و المعروفية بين جميع طبقات الشيعة؛ بحيث صار شعارهم عند الفريقين، كما تقدّم عن الأُستاذ الوحيد. و لا يمكن أن يقال: إنّ ذلك لتخلّل اجتهاد من الفقهاء، و تبعهم العوامّ:

أمّا أوّلًا: فلأنّ الأخبار كما تأتي جملة منها «3» ظاهرة الدلالة علىٰ طهارة أهل الكتاب، و لها جمع عقلائي مقبول مع غيرها لا يمكن خفاؤه علىٰ فاضل، فضلًا عن جميع الطبقات من أهل الحلّ و العقد من الطائفة، و هو دليل علىٰ أنّ استنادهم إلىٰ بعض الآيات و الأخبار «4» ليس مبنىٰ فتواهم، بل المبنىٰ هو المعلومية من الصدر الأوّل؛ و أخذ كلّ طبقة لاحقة عن سابقتها.

و احتمال تخلّل الاجتهاد و خطأ جميع طبقات الفقهاء في هذه المسألة الواضحة المأخذ بحسب الرواية، ممّا تبطله الضرورة. و لا تقاس هذه المسألة بمسألة المنزوحات التي اختلفت الآراء و الأخبار فيها؛ بحيث تكون مظنّة تخلّل الاجتهاد، كما يظهر بالرجوع إليها.

______________________________

(1) الوافي 6: 26/ 26.

(2) الوافي 6: 211، ذيل الحديث 31.

(3) تأتي في الصفحة 405.

(4) راجع ما يأتي في الصفحة 399 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 395

و أمّا ثانياً: فلأنّ احتمال كون المعروفية عند جميع الطبقات من النساء و الصبيان و الحاضر و البادي

من فتوى فقهائهم، بعيد جدّاً، بل غير وجيه؛ فإنّ المسائل الاجتهادية التي أجمعت الفقهاء عليها غير عزيزة، مع عدم معروفيتها لدى العامّة؛ حتّى فيما تكون محلّ الابتلاء، كحرمة العصير العنبي، و حرمة كثير من أجزاء الذبيحة.

هذا مع أنّ كثيراً ممّن يكون الحكم واضحاً عندهم، لعلّه لا عهد لهم بالفقهاء و آرائهم.

و بالجملة: هذه الشهرة و المعروفية في جميع الطبقات في الأعصار و الأمصار، تكشف جزماً عن رأي أئمّتهم (عليهم السّلام) و لا يبقىٰ فيها محلّ تشكيك و ريب، سيّما مع مخالفة العامّة جميعاً، فذهبوا إلىٰ طهارة الكفّار مطلقاً، قال السيّد:

«و ممّا انفردت به الإمامية القول بنجاسة سؤر اليهودي و النصراني و كلّ كافر، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، و حكى الطحاوي عن مالك في سؤر النصراني و المشرك: «أنّه لا يتوضّأ به» و وجدت المحصّلين من أصحاب مالك يقولون: «إنّ ذلك علىٰ سبيل الكراهة لا التحريم» لأجل استحلالهم الخمر و الخنزير، و ليس بمقطوع علىٰ نجاسته، فالإمامية منفردة بهذا المذهب» «1» انتهىٰ.

هذا أيضاً يؤكّد البناء علىٰ نجاستهم، و علىٰ معلّلية ما دلّت علىٰ طهارتهم من الأخبار، و قد تكرّر منّا «2»: أنّه لا دليل معتدّ به علىٰ حجّية خبر الثقة إلّا بناء العقلاء، و التي وردت في هذا المضمار آيةً و روايةً لا يستشعر منها

______________________________

(1) الانتصار: 10.

(2) تقدّم في الصفحة 19 و 249.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 396

التأسيس، بل كلّها أو جلّها دالّة علىٰ إمضاء ما لدى العقلاء، و ليس للشارع المقدّس طريق خاصّ و تعبّد في ذلك، و لو وجد فيها ما يشعر بخلاف ذلك لم تصل إلىٰ حدّ الدلالة.

و لا شبهة في عدم بناء العقلاء على

العمل بمثل الروايات التي أعرض عنها الأصحاب مع كونها بمرءىٰ و منظر منهم، و كونهم متعبّدين بالعمل بما وصل إليهم من طريق أهل البيت (عليهم السّلام) فيكون إعراضهم إمّا موجباً للوهن في سندها، أو مع عدم إمكان ذلك لكثرة الروايات، و القطع بصدور بعضها فلا محالة يوجب الوهن في جهة صدورها مع اتفاق أهل الخلاف علىٰ طهارتهم «1».

فالقول «2»: «بأنّ مجرّد وثاقة الراوي يكفي في العمل بالرواية» تارة، و «بأنّ احتمال صدورها تقيّة في المقال في مقام بيان الحكم، بعيد عن مساق الأخبار» اخرىٰ، لا ينبغي أن يصغى إليه.

كما أنّ القول: «بحدوث هذه السيرة و المعروفية بعد عصر الأئمّة (عليهم السّلام) و لم يكن الحكم معروفاً في زمانهم؛ لشهادة جلّ الروايات بخلوّ أذهان السائلين- الذين هم من عظماء الشيعة و رواة الأحاديث من احتمال نجاستهم الذاتية، و أنّ الذي أوقعهم في الريبة الموجبة للسؤال عدم تجنّبهم عن النجاسات؛ حتّى أنّ محمّد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري الذي كتب إلىٰ صاحب الزمان في عصر الغيبة استشكل في الصلاة في الثياب المتخذة من المجوس؛ لأجل أنّهم كانوا يأكلون الميتة، و لا يغتسلون من الجنابة «3»، فيستفاد منه عدم انقداح نجاستهم

______________________________

(1) المغني، ابن قدامة 1: 43، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 6.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 561/ السطر 24.

(3) الاحتجاج 2: 570، وسائل الشيعة 3: 520، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 73، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 397

الذاتية في ذهنه، فيظنّ منه حدوث المعروفية لدى العلماء للاجتهاد، ولدي العوام للتقليد» «1».

في غاية الضعف:

أمّا أسئلة الرواة، فلا تدلّ علىٰ عدم المعروفية لدى الشيعة؛ فإنّ المتتبّع في أسئلتهم في المسائل الفقهية، يرىٰ أنّ

كثيراً ما لم تكن الأسئلة الصادرة من فقهاء أصحابهم لرفع شبهة، بل كان بناؤهم على السؤال لضبط الجواب عن كلّ إمام في أُصولهم و كتبهم، فمثل مشايخ أصحاب أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) نظير زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير، و غيرهم ممّن أدركوا عصر أبي جعفر (عليه السّلام) و أخذوا المسائل منه سألوا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن تلك المسائل بعينها، و ربّما سألوا عن مسائل واضحة لا يمكن خفاؤها عليهم إلىٰ زمان الصادق (عليه السّلام) ككيفية غسل الجنابة و غسل الميّت و الوضوء و جواز المسح على الخفّين بل و عدد الصلوات الفرائض .. إلىٰ غير ذلك ممّا لا تحصى، حيث كان السؤال لمقاصد أُخر، كالحفظ في الكتب للبقاء و الوصول إلى الطبقة المتأخّرة، و كثرة الانتشار، و غير ذلك.

و أمّا دعوى: أنّ جلّ الروايات شاهدة علىٰ خلوّ أذهان السائلين عن نجاستهم ذاتاً، ففيها: أنّ الواقع خلاف ذلك؛ فإنّ جلّها خالية من الإشعار بما ذكر، فضلًا عن الشهادة به، كما يظهر للمراجع إليها في كتاب الطهارة و الأطعمة.

نعم، في بعضها إشعار بذلك، كرواية الحميري المتقدّمة. لكن ليس محطّ نظره السؤال عن نجاسة المجوس، بل نظره إلى السؤال عن حال الثوب المنسوج بيدهم. و لا يبعد أن يكون بعد الفراغ عن نجاستهم، و لهذا خصّهم بالذكر، و إنّما ذكر أكلهم الميتة و عدم اغتسالهم من الجنابة؛ لفرض قوّة احتمال تنجّس

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 562/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 398

الثوب، و أنّه مع كونهم نجساً كانوا كذلك، و لأجله صار ما بأيديهم أقرب إلى التنجّس، و لهذا أضاف إلىٰ أكل الميتة عدم اغتسالهم من

الجنابة.

فهي نظير صحيحة معاوية بن عمّار قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الثياب السابرية يعملها المجوس، و هم أخباث، و هم يشربون الخمر، و نساؤهم علىٰ تلك الحال، ألبسها و لا أغسلها ..» «1» إلىٰ آخره.

و الظاهر أنّ المراد ب «الأخباث» الأنجاس؛ فإنّ الخبث الباطني النفساني لا يناسب المقام، و ذكر النجاسة العرضية غير مناسب لقوله بعده: «و هم يشربون الخمر» فالظاهر فرض قوّة احتمال تلوّث الثياب و تنجّسها بفرض نجاسات ذاتاً و عرضاً فيهم و فيما بأيديهم.

و نحوها صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان «2» حيث فرض فيها إعارة الذمّي الثوب، و يعلم أنّه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير.

بل الأسئلة الكثيرة في الروايات عن ثياب المجوس و النصارى و اليهود و بواريهم و ما يعملونه و غير ذلك «3»، ظاهرة الدلالة في معهودية نجاستهم في ذلك العصر.

إلّا أن يقال: اختصاصهم بالذكر لكثرة ابتلائهم بها، كما ربّما يشهد به بعضها.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 362/ 1497، وسائل الشيعة 3: 518، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 73، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 2: 361/ 1495، وسائل الشيعة 3: 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 74، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 419، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، و: 518، الباب 73.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 399

التمسّك بالكتاب لإثبات نجاسة الكفّار

ثمّ إنّه قد استدلّ «3» علىٰ نجاستهم بقوله تعالىٰ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «2».

و يمكن تقريبه بنحو لا يرد عليه بعض الإشكالات: و هو أنّ المستفاد من كلمة الحصر و حمل المصدر؛ أنّ المشركين ليسوا إلّا حقيقة النجاسة بالمعنى المصدري، و هو مبني على الادعاء و التأوّل، و هو لا يناسب طهارتهم و نظافتهم ظاهراً

التي هي بنظر العرف أوضح مقابل للنجاسة و أظهره، فلا يجوز الحمل على القذارة الباطنية: من كفرهم أو جنابتهم؛ لبشاعة أن يقال: «إنّ الكافر ليس إلّا عين القذارة، لكنّه طاهر نظيف في ظاهره، كسائر الأعيان الطاهرة».

بل لو منع من إفادة كلمة «إنّما» الحصر، يكون حمل المصدر الدالّ على الاتحاد في الوجود، موجباً لذلك أيضاً، كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام.

نعم، لو قرن الكلام بدعوىٰ أُخرى: هي دعوى أنّ المشركين ليسوا إلّا بواطنهم، لكان لإنكار الدلالة وجه، لكنّها علىٰ فرض صحّتها خلاف الأصل.

و الحمل على القذارة الصورية العرفية غير جائز؛ لعدم مطابقته للواقع إن أُريد الحقيقة، فلا بدّ من ارتكاب تجوّز؛ و هو دعوى: أنّه من هو نظيف بينهم كالعدم، و هي لا تصحّ إلّا إذا كان النظيف بينهم نادراً يلحق بالعدم، و هو غير معلوم، بل معلوم العدم. مع أنّ المجاز خلاف الأصل، و لا قرينة عليه.

و كذا إن أُريد نجاستهم عرضاً لا بدّ من ارتكاب التجوّز، و هو أيضاً خلاف الأصل لو فرض كثرة ابتلائهم بحدّ تصحّح الدعوىٰ.

______________________________

(3) المعتبر 1: 96، الحدائق الناضرة 5: 164، جواهر الكلام 6: 42.

(2) التوبة (9): 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 400

مضافاً إلىٰ أنّ دعوى كونهم عين النجاسة بالمعنى المصدري أو حاصله، أيضاً لا تتناسب في النجاسة العرضية إلّا في بعض الأحيان، كما لو تلوّث جميع البدن تحقيقاً أو تقريباً، و إلّا فمع الملاقاة ببعض البدن لا يصحّ دعوى أنّه عين القذارة، و تلوّث جميع أفراد المشركين أو أكثرهم بنحو تصحّ دعوى أنّ جميعهم نجاسة و نجَس بالفتح معلوم العدم. مع أنّ المجاز خلاف الأصل.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ حمل الآية علىٰ إرادة القذارة

المعنوية فقط، غير صحيح لا يناسب البلاغة، و حملَها على القذارة العرفية حقيقة، غير موافق للواقع، و على التأوّل غير صحيح، و مع فرض الصحّة مخالف للأصل، و كذا على القذارة العرضية.

فبقي احتمال أن يكون المراد به النجاسة الجعلية الاعتبارية، فهو إمّا محمول على الإخبار عن الواقع، فلا بدّ من مسبوقيته بجعل آخر، و هو بعيد.

أو على الإخبار في مقام الإنشاء، فيصحّ دعوى أنّهم عين القذارة و النجاسة بعد كون جميع أبدانهم قذراً، سيّما إذا أُريد نجاستهم الباطنية أيضاً، فتكون دعوى أنّهم عين القذارة بعد كونهم ظاهراً و باطناً ملوّثين بالكفر و الخباثة و الجنابة و القذارة في غاية البلاغة، فإبقاء المصدر علىٰ ظاهره أبلغ في إفادة المطلوب من حمله علىٰ خلاف ظاهره مرادفاً للنجِس بالكسر.

و بما ذكرناه يندفع الإشكال: «بأنّه نمنع كون «النجَس» في زمان صدور الآية حقيقة في المعنى المصطلح، بل المتبادر منه هو المعنى اللغوي الذي هو أعمّ من الاصطلاحي» «1» لما عرفت من أنّ الحمل على المعنى الحقيقي- أي القذارة العرفية غير ممكن، كما تقدّم.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 557/ السطر 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 401

و لو قيل: إنّه يدور الأمر بين حمل «النجَس» على المعنى الحقيقي، و التصرّف و التأويل في «المشركين» أو العكس، و لا ترجيح.

يقال: إنّ الترجيح مع حمل «النجَس» على الجعلي الاعتباري؛ لمساعدة العرف. مع أنّ مصحّح الادعاء في المشركين غير محقّق؛ لما تقدّم.

هذا مضافاً إلىٰ ما أشرنا إليه «1» في هذا المختصر: بأنْ ليس للشارع اصطلاح خاصّ في النجاسة و القذارة مقابل العرف، بل وضع أحكاماً لبعض القذارات العرفية، و أخرج بعضها عنها، و ألحق أُموراً بها، فالبول و الغائط و

نحوهما قذرة عرفاً و شرعاً، و وضع الشارع لها أحكاماً، و أخرج مثل النخامة و القيح و نحوهما من القذارات العرفية عنها حكماً بلسان نفي الموضوع في بعضها، و ألحق مثل الكافر و الخمر و الكلب بها بجعلها نجَساً؛ أي اعتبر القذارة لها.

ففي الحقيقة أخرج مصاديق من المفاهيم تعبّداً، و أدخل مصاديق فيه كذلك؛ من غير تصرّف في المفهوم، فإن أُريد من الاصطلاح الشرعي ذلك فلا كلام، و إن أُريد أنّ مفهوم «القذارة» عند الشرع و العرف مختلفان، فهو ممنوع.

و لا إشكال في أنّ الأحكام الشرعية كانت مترتبة علىٰ قذارات كالأخبثين و غيرهما في عصر الشارع الأقدس، فقوله تعالىٰ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «2» محمول على النجاسة بمفهومها، لكن لا بمعنى الإخبار عن الواقع، فإنّه غير محقّق، و مع فرض تحقّقه لا يكون الإخبار به وظيفة الشارع، بل بمعنى جعل ما ليس بمصداق مصداقاً تعبّداً، و هو الأقرب بعد قيام القرينة العقلية و العادية، كما عرفت الكلام فيها مستقصى «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 11.

(2) التوبة (9): 28.

(3) تقدّم في الصفحة 11 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 402

فتحصّل من ذلك: أنّ دلالة الآية الكريمة بالنسبة إلى المشركين تامّة.

و أمّا بالنسبة إلى الذمّي:

فقد يقال بانسلاكه فيهم «1»؛ لقوله تعالىٰ وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ .. إلىٰ قوله سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ «2».

و فيه: أنّ تلك الآية مسبوقة بأُخرى؛ و هي اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ.

و المراد باتخاذهم أرباباً ليس ما هو ظاهرها؛ لعدم قولهم بالوهيتهم، ففي «مجمع البيان» عن الثعلبي، عن عدي

بن حاتم في حديث قال: انتهيت إليه أي إلىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و هو يقرأ من سورة البراءة هذه الآية اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ .. حتّى فرغ منها، فقلت له: لسنا نعبدهم، فقال

أ ليس يحرّمون ما أحلّ اللّٰه فتحرّمونه، و يحلّون ما حرّم اللّٰه فتستحلّونه؟

قال قلت: بلىٰ، قال

فتلك عبادتهم «3».

و قريب منها في رواياتنا «4»، فعليه لا يكون الشرك بمعناه الحقيقي.

إلّا أن يقول النصارى: بأنّ المسيح اللّٰه، كما قال تعالىٰ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّٰاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلٰهَيْنِ «5».

و قال تعالىٰ في الآية المتقدّمة وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ و لم ينفه

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 166.

(2) التوبة (9): 30 31.

(3) مجمع البيان 5: 37.

(4) تفسير العيّاشي 2: 86 87، مجمع البيان 5: 37.

(5) المائدة (5): 116.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 403

عدي بن حاتم، بل الظاهر نفي عبادتهم للأحبار و الرهبان.

و قال تعالىٰ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ «1».

قال في «المجمع»: «القائلون بهذه المقالة جمهور النصارى: من الملكانية، و اليعقوبية، و النسطورية؛ لأنّهم يقولون بثلاثة أقانيم» «2».

و في «مجمع البحرين»: «قيل: هو ردّ على النصارى لإثباتهم قدم الاقْنوم» «3» انتهىٰ.

و قال تعالىٰ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَ قٰالَ الْمَسِيحُ يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ اعْبُدُوا اللّٰهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّٰهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ «4».

حيث يظهر منها شركهم. و لعلّه لقولهم، بأنّ المسيح هو الربّ المتجسّد في الناسوت؛ حتّى أنّ صاحب «المنجد» المسيحي قال: «المسيح: لقب الربّ، يسوع ابن اللّٰه المتجسّد» و قال: «المسيحي: المنسوب إلى المسيح الربّ» «5».

تعالى اللّٰه عمّا يقول

الظالمون علوّاً كبيراً.

و في «مجمع البيان»: «هذا مذهب اليعقوبية منهم؛ لأنّهم قالوا: إنّ اللّٰه اتحد بالمسيح اتحاد الذات، فصار شيئاً واحداً، و صار الناسوت لاهوتاً، و ذلك قولهم: إنّه الإلٰه» «6».

______________________________

(1) المائدة (5): 73.

(2) مجمع البيان 3: 353.

(3) مجمع البحرين 2: 239.

(4) المائدة (5): 72.

(5) المنجد (الطبعة الثانية): 560.

(6) مجمع البيان 3: 352.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 404

و كيف كان: لا يمكن لنا إثبات الشرك لجميع طوائفهم، و لا إثباته لليهود مطلقاً.

و ليس في قول النصارى ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ «1» إشعار بأنّ اليهود قائلون: إنّه ثاني اثنين، و مجرّد القول: بأنّ عزيزاً ابن اللّٰه لا يوجب الشرك و إن لزم منه الكفر. مع أنّ القائلين بذلك علىٰ ما قيل «2» طائفة منهم قد انقرضوا.

و أمّا المجوس:

فإن قالوا بإلهية النور و الظلمة، أو يزدان و أهْرمن، فهم مشركون داخلون في إطلاق الآية الكريمة. مع احتمال أن يكون المراد بالمشركين في الآية هو مشركو العرب؛ أي الوثنيون.

كما أنّ الطبيعيين من الكفّار و المنتحلين للإسلام، خارجون عن الشرك، فالآية الشريفة غير وافية لإثبات تمام المدعىٰ؛ أي نجاسة تمام صنوف الكفّار.

و استدلّ المحقّق لنجاستهم «3» بقوله تعالىٰ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ «4».

و هو مشكل مع اشتراكه بين العذاب و اللعنة و غيرهما؛ و إن حكي عن الشيخ في «التهذيب»: «أنّ الرِّجْسَ هو النجس بلا خلاف» «5».

و قال في «المجمع»: «ظاهره أنّه لا خلاف بين علمائنا في أنّه في الآية بمعنى النجس» «6» انتهىٰ.

______________________________

(1) المائدة (5): 73.

(2) مجمع البيان 5: 36.

(3) المعتبر 1: 96.

(4) الأنعام (6): 125.

(5) تهذيب الأحكام 1: 278، ذيل الحديث 816.

(6) مجمع البحرين 4: 74.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 3، ص: 405

و لعلّ دعواه ناشئة من عدم الخلاف في نجاستهم، و إلّا فلم يفسّره المفسّرون به، كما يظهر من المحقّق «1»، و لم يحتمله في «مجمع البيان» و لم ينقله من أحد «2»، مع أنّ بناءه علىٰ نقل الأقوال.

التمسّك بطوائف من الروايات لإثبات نجاسة أهل الكتاب و ما فيه

و استدلّ علىٰ نجاسة أهل الكتاب بروايات مستفيضة، و هي علىٰ طوائف:

منها: ما وردت في النهي عن مصافحتهم، و الأمر بغسل اليد إن صافحهم، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام): في رجل صافح رجلًا مجوسياً، فقال

يغسل يده، و لا يتوضّأ «3».

و صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن مؤاكلة المجوسي في قَصْعة واحدة، و أرقد معه علىٰ فراش واحد، و أُصافحه، قال

لا «4».

و قريب منها صحيحته الأُخرىٰ «5».

فإنّ الأمر بالغسل محمول علىٰ ما إذا كان في اليد رطوبة سارية، فهو ظاهر في نجاستهم، كالأمر بغسل الثوب من ملاقاة الكلب «6».

______________________________

(1) المعتبر 1: 96.

(2) راجع مجمع البيان 4: 562.

(3) الكافي 2: 650/ 12، وسائل الشيعة 3: 419، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 3.

(4) الكافي 6: 264/ 7، وسائل الشيعة 3: 420، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 6.

(5) يأتي في الصفحة 407.

(6) راجع وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 406

و فيه: أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلىٰ صحيحة ابن مسلم لولا سائر الروايات، و أمّا مع ملاحظتها فالظاهر منها أنّ مصافحة الذمّي مرجوح نفساً؛ لأجل ترك المحابّة معهم، و الأمر بالغسل محمول على الاستحباب لإظهار التنفّر و الانزجار عنهم؛ سواء كانت اليد مرطوبة أو

لا.

و الدليل على المرجوحية مطلقاً مضافاً إلىٰ رواية الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السّلام) عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

أنّه نهىٰ عن مصافحة الذمّي «1»

صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة، و صحيحته الأُخرى الظاهرتان في أنّ المصافحة معهم مطلقاً مرجوح. و حمل النهي فيها على الغيري خلاف الظاهر، سيّما في مثل المقام ممّا يعلم مرجوحية إظهار الموادّة معهم بأيّ نحو كان.

و يؤيّده بل يدلّ عليه إرداف النهي عن المصافحة بالرقود مع المجوس علىٰ فراش واحد، و بالنهي عن إقعاد اليهودي و النصراني علىٰ فراشه و مسجده في صحيحته الأُخرىٰ.

و تدلّ علىٰ أنّ الغسل ليس للتطهير بل لإظهار التنفّر- مضافاً إلىٰ ما تقدّم رواية خالد القَلانسي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ألقى الذمّي فيصافحني، قال

امسحها بالتراب أو بالحائط.

قلت: فالناصب، قال

اغسلها «2».

فإنّ الظاهر منها أنّ الموضوع في الموردين واحد، فيكون المسح بالتراب أو الحائط لإظهار نفرة و انزجار منهم، و هو في الناصب أشدّ. و يمكن أن يكون

______________________________

(1) الفقيه 4: 4/ 1، وسائل الشيعة 12: 225، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 127، الحديث 7.

(2) الكافي 2: 650/ 11، وسائل الشيعة 3: 420، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 407

الغسل في الناصب للنجاسة، و المسح في الذمّي لإظهار النفرة، فالرواية دالّة علىٰ طهارتهم.

و موثّقة أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السّلام): في مصافحة المسلم اليهودي و النصراني قال

من وراء الثوب، فإن صافحك بيده فاغسل يدك «1».

و الظاهر منها أنّ غسل اليد ليس للنجاسة، و إلّا لكان يأمر بغسل الثوب أيضاً، بل لأجل التماسّ مع يدهما، و

هو نحو انزجار و نفور. و الحمل علىٰ عرق اليدين مشترك، و التفكيك كما ترى، فتلك الطائفة أجنبية عن الدلالة على النجاسة.

و منها: ما دلّت على النهي عن مؤاكلتهم في قَصْعة واحدة، كصحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة و صحيحته الأُخرىٰ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن فراش اليهودي و النصراني، ينام عليه؟ قال

لا بأس، و لا يصلّى في ثيابهما، و لا يأكل المسلم مع المجوسي في قَصْعة واحدة، و لا يقعده علىٰ فراشه، و لا مسجده، و لا يصافحه .. «2»

إلىٰ آخره.

و صحيحة هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أُخالط المجوس، فآكل من طعامهم؟ فقال

لا «3».

و الظاهر منها النهي عن المؤاكلة، فتدلّ علىٰ نجاستهم.

______________________________

(1) الكافي 2: 650/ 10، وسائل الشيعة 3: 420، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 263/ 766، وسائل الشيعة 3: 421، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 10.

(3) الكافي 6: 264/ 8، وسائل الشيعة 3: 420، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 408

و فيه: أنّه لا دلالة لها على النجاسة؛ لقوّة احتمال مرجوحية المؤاكلة معهم مطلقاً، لا للسراية، كما أنّه مقتضىٰ إطلاقها الشامل لليابس، سيّما مع اشتمالها على النهي عن الإقعاد على الفراش و المسجد و نحوهما.

و تشهد له حسنة الكاهلي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قوم مسلمين يأكلون، و حضرهم رجل مجوسي، أ يدعونه إلىٰ طعامهم؟ فقال

أمّا أنا فلا اواكل المجوس، و أكره أن أُحرّم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم «1».

و المراد من التحريم المنع، و ظاهرها أنّ الحكم

علىٰ سبيل التنزّه لا الحرمة، كما هو ظاهر هذا التعبير في غير واحد من المقامات.

و صحيحةُ عِيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن مؤاكلة اليهودي و النصراني و المجوسي، فقال

إن كان من طعامك و توضّأ فلا بأس «2».

و صحيحتهُ الأُخرىٰ قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن مؤاكلة اليهودي و النصراني، فقال

لا بأس إذا كان من طعامك.

و سألت عن مؤاكلة المجوسي، فقال

إذا توضّأ فلا بأس «3».

و لعلّ المراد بالتوضّي الاستنجاء بالماء، أو غسل يده. و هما ظاهرتا الدلالة في عدم نجاستهم، و النهي عن مؤاكلتهم علىٰ سبيل الكراهة مطلقاً، أو في بعض الصور.

______________________________

(1) الكافي 6: 263/ 4، وسائل الشيعة 3: 419، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 263/ 3، وسائل الشيعة 24: 208، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 53، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 9: 88/ 373، وسائل الشيعة 24: 209، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 53، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 409

و منها: ما وردت في النهي عن آنيتهم، كصحيحة إسماعيل بن جابر قال: قال لي أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا تأكل ذبائحهم، و لا تأكل في آنيتهم

يعني أهل الكتاب «1» و نحوها روايته الأُخرىٰ «2» و كذا رواية عبد اللّٰه بن طلحة «3».

و صحيحةِ محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن آنية أهل الذمّة و المجوس، فقال

لا تأكلوا في آنيتهم، و لا من طعامهم الذي يطبخون، و لا في آنيتهم الذي يشربون فيه الخمر «4».

بدعوىٰ: أنّ النهي عنه ظاهر في نجاستهم.

و فيها: أنّ هاهنا احتمالين آخرين

أقرب ممّا ذكر:

أحدهما: احتمال المرجوحية النفسية؛ لكون الأكل في آنيتهم أيضاً نحو عِشْرة معهم.

و الدليل عليه مضافاً إلىٰ أنّ إطلاقها يقتضي منع الأكل من مطلق أوانيهم؛ سواء كان المأكول يابساً أو لا، و الآنية يابسة أو لا رواية زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في آنية المجوس، فقال

إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء «5».

______________________________

(1) الكافي 6: 240/ 13، وسائل الشيعة 24: 55، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 27، الحديث 10.

(2) الكافي 6: 240/ 11، وسائل الشيعة 24: 54، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 27، الحديث 7.

(3) المحاسن: 584/ 72، وسائل الشيعة 24: 212، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 7.

(4) الكافي 6: 264/ 5، وسائل الشيعة 24: 210، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 3.

(5) المحاسن: 584/ 73، وسائل الشيعة 24: 212، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 410

فإنّ الظاهر منها أنّ المنع ليس لنجاستهم، و إلّا لما قيّده بالاضطرار.

نعم، ظاهر الأمر بالغسل نجاسة إنائهم، و إطلاقه يقتضي نجاستهم؛ و إن أمكن أن يقال: إنّ إطلاقه يقتضي لزوم غسل إنائهم و لو لم يستعملوه في المائعات، أو شكّ فيه، فيكون الغسل نحو نفور و انزجار عنهم، تأمّل.

ثانيهما: أنّ الأمر بالغسل لكونها مستعملة في أكل النجس و شربه، و تدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن آنية أهل الكتاب، فقال

لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير «1».

و صحيحةُ إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما

تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال

لا تأكله

ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال

لا تأكله

ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال

لا تأكله، و لا تتركه، تقول: إنّه حرام، و لكن تتركه تتنزّه

تنزّهاً

خ. ل

عنه؛ إنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير «2».

و هما مفسّرتان لسائر الروايات، و ظاهرتان في طهارتهم، و شاهدتان للجمع بين جميع الروايات؛ لو فرضت دلالتها على النجاسة في نفسها.

و منها: ما وردت في سؤرهم، كصحيحة سعيد الأعرج بناءً علىٰ كونه ابن عبد الرحمن، كما هو الظاهر قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن سؤر اليهودي و النصراني، فقال

لا «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 88/ 371، وسائل الشيعة 24: 211، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 6.

(2) الكافي 6: 264/ 9، وسائل الشيعة 24: 210، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 4.

(3) الكافي 3: 11/ 5، وسائل الشيعة 1: 229، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 3، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 411

و مرسلة الوشّاء، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أنّه كره سؤر ولد الزنا، و سؤر اليهودي و النصراني و المشرك، و كلّ من خالف الإسلام، و كان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب» «1».

بناءً علىٰ كون الكراهة الانزجار علىٰ نحو الالتزام.

و فيه: مضافاً إلىٰ معارضتهما بما هو كالصريح في الطهارة؛ أعني موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه علىٰ أنّه يهودي؟ فقال

نعم

فقلت: من ذلك الماء الذي يشرب منه؟! قال

نعم «2».

و الظاهر أنّ المراد بقوله: «علىٰ أنّه يهودي» أنّه

علىٰ فرض كون الرجل يهودياً. و الحمل على الظنّ بكونه يهودياً خلاف الظاهر.

و صحيحةَ إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا (عليه السّلام): الجارية النصرانية تخدمك، و أنت تعلم أنّها نصرانية؛ لا تتوضّأ، و لا تغتسل من جنابة، قال

لا بأس، تغسل يديها «3».

و مقتضى الجمع بينهما و بين ما تقدّم حمل النهي على الكراهة؛ لاحتمال النجاسة العرفية. بل الصحيحة الأخيرة شاهدة للجمع بين الروايات المتفرّقة كما هو واضح أنّه يمكن منع دلالتهما

______________________________

(1) الكافي 3: 11/ 6، وسائل الشيعة 1: 229، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 3، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 223/ 641، وسائل الشيعة 1: 229، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 3، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 399/ 1245، وسائل الشيعة 3: 422، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 412

أمّا الثانية: فهي علىٰ خلاف المطلوب أدلّ، سيّما مع اقترانه بولد الزنا.

و أمّا الاولىٰ: فلأنّ استفادة نجاستهم منها، إنّما هي بمدد ارتكاز العقلاء علىٰ أنّ النهي عن سؤرهم لانفعال الماء منه، كما تستفاد النجاسة في سائر النجاسات من الأمر بالغسل، أو النهي عن الصلاة فيها، أو نحو ذلك، و هو في المقام ممنوع بعد الاحتمال العقلائي المعوّل عليه بأنّ الشرب من سؤرهم و فضلهم بما أنّهم أعداء اللّٰه كان منهياً عنه و منفوراً، سيّما مع ورود النهي عن مؤاكلتهم و مصافحتهم، و النوم معهم علىٰ فراش واحد، و إقعادهم على الفراش و المسجد «1»، فإنّها توجب قوّة احتمال أن تكون النواهي الواردة فيهم، نواهيَ نفسية لتجنّب المسلمين و نفورهم عنهم، لا لنجاستهم العرضية أو الذاتية، بل لمحض كونهم مخالفين للإسلام و أعداء

اللّٰه و رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و يؤيّده قوله في المرسلة: «و كان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب».

و بالجملة: لو لم نقل بأنّ تلك النواهي ظاهرة في ذلك، فلا أقلّ من الاحتمال الراجح أو المساوي، فلا يستفاد منها نجاستهم بوجه.

و ممّا ذكرناه يظهر الكلام في روايات أُخر، كموثّقة عبد اللّٰه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال:

و إيّاك أن تغتسل من غُسالة الحمّام؛ ففيها يجتمع غُسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهلَ البيت، و هو شرّهم؛ فإنّ اللّٰه تبارك و تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، و إنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه «2».

______________________________

(1) راجع ما تقدّم من الروايات في الصفحة 405.

(2) علل الشرائع: 292/ 1، وسائل الشيعة 1: 220، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 413

فإنّ استفادة نجاستهم منها لمقارنتهم بالناصب، مع تصريحه بأنّهم

أنجس من الكلب

و هي لم تصل إلىٰ حدّ الدلالة، فضلًا عن معارضة غيرها.

و لو سلّمت دلالتها فمقتضى الجمع بينها و بين ما هو كالصريح في طهارتهم، حملها على الكراهة، أو على ابتلائهم بالنجاسات.

مضافاً إلىٰ قيام شواهد علىٰ ذلك في روايات المنع عن الاغتسال بغسالة الحمّام، أو على الحمل على الكراهة، كالتعليل بأنّ فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلىٰ سبعة آباء «1»؛ لمعلومية أنّ الطهارة فيها غير ما تقابل نجاسة ظاهر أبدانهم، كرواية محمّد بن عليّ بن جعفر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال

من اغتسل من الماء الذي قد اغتُسل فيه فأصابه الجُذام، فلا يلومنّ إلّا نفسه.

فقلت لأبي الحسن: إنّ أهل

المدينة يقولون: إنّ فيه شفاء من العين، فقال

كذبوا، يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرّهما و كلّ من خلق اللّٰه، ثمّ يكون فيه شفاء من العين؟! «2».

بناءً علىٰ أنّ المراد، الغسل من غسالة الحمّام.

و عنه (عليه السّلام) في حديث أنّه قال

لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا، و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت، و هو شرّهم «3».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 219، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 4.

(2) الكافي 6: 503/ 38، وسائل الشيعة 1: 219، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 498/ 10، وسائل الشيعة 1: 219، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 414

و غيرها ممّا تشعر أو تدلّ على الكراهة. هذا إذا كان المراد من «الغسالة» غير ماء الحمّام، كما لا يبعد.

و أمّا لو كان المراد ذلك، فلا إشكال في كونها محمولة على الكراهة؛ للمستفيضة الدالّة علىٰ عدم انفعال ماء الحمّام، و أنّه

كماء النهر «1»

و

لا ينجّسه شي ء «2»

فعليها أيضاً تحمل صحيحة عليّ بن جعفر: أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام، قال

إذا علم أنّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمّام، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض، فيغسله ثمّ يغتسل.

و سأله عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء، أ يتوضّأ منه للصلاة؟ قال

لا، إلّا أن يضطرّ إليه «3».

فإنّ الظاهر منها الاغتسال بماء الحمّام، لا غسالته المجتمعة في البئر، فلا محيص عن الحمل على الكراهة؛ لعدم انفعاله. مع

أنّ الظاهر من ذيلها طهارتهم. و الحمل على الاضطرار للتقيّة، كما ترى.

و منها: ما وردت فيما يعملون من الثياب أو يستعيرونها «4» فإنّها و إن اشتملت علىٰ نفي البأس غالباً، لكن يظهر منها معهودية نجاستهم.

______________________________

(1) الكافي 3: 14/ 1، وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 7.

(2) قرب الإسناد: 309/ 1205، وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 8.

(3) تهذيب الأحكام 1: 223/ 640، وسائل الشيعة 3: 421، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 9.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 518 و 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 73 و 74.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 415

و فيه: أنّها أعمّ من الذاتية، كما تشعر أو تدلّ على العرضية نفس الروايات. مع أنّها لا تقاوم الأدلّة الصريحة أو كالصريحة بطهارتهم، كما مرّت «1».

فتحصّل من جميع ذلك: أنْ لا دليل علىٰ نجاسة أهل الكتاب و لا الملحدين ما عدا المشركين، بل مقتضى الأصل طهارتهم. بل قامت الأدلّة علىٰ طهارة الطائفة الاولىٰ. بل هي مقتضى الأخبار الكثيرة الدالّة علىٰ جواز تزويج الكتابية «2» و اتخاذها ظِئراً «3»، و تغسيل الكتابي للميّت المسلم بعض الأحيان «4» .. إلىٰ غير ذلك. و يؤيّدها مخالطة الأئمّة (عليهم السّلام) و خواصّهم للعامّة غير المتحرّزين عن معاشرتهم.

فالمسألة مع هذه الحال التي تراها لا ينبغي وقوع خطأ عمّن له قدم في الصناعة فيها، فضلًا عن أكابر أصحاب الفنّ و مهرة الصناعة، فكيف بجميع طبقاتهم؟! و من ذلك يعلم: أنّ المسألة معروفة بينهم من الأوّل، و أخذ كلّ طائفة من سابقتها .. و هكذا إلى عصر الأئمّة (عليهم السّلام) و التمسّك

بالأدلّة أحياناً ليس لابتناء الفتوىٰ عليها.

و لقد أجاد العلَم المحقّق صاحب «الجواهر» قدّس اللّٰه نفسه حيث قال: «فتطويل البحث في المقام تضييع للأيّام في غير ما أعدّ له الملك العلّام» «5» و تعريض بعض الأجلّة عليه «6» وقع في غير محلّه، و خروجٌ عن الحدّ في حقّ

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 411.

(2) راجع وسائل الشيعة 20: 536، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالكفر، الباب 2.

(3) راجع وسائل الشيعة 21: 464، كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد، الباب 76.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 515، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 19.

(5) جواهر الكلام 6: 44.

(6) مصباح الفقيه، الطهارة: 562/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 416

من عجز البيان عن وصفه، و عقم الدهر عن الإتيان بمثله في التحقيق و التدقيق، و الكرّ و الفرّ، و الرتق و الفتق، و جودة الذهن، و ثقابة الفكر، و الإحاطة بأطراف المسائل و الآثار و الدلائل، شكر اللّٰه سعيه، و نضّر اللّٰه وجهه، و جزاه اللّٰه عنّا و عن الإسلام أفضل الجزاء.

عدم الفرق في نجاسة الكفّار بين ما تحلّه الحياة و غيره

ثمّ إنّه لا فرق في نجاسة الكفّار بين ما تحلّه الحياة و ما لا تحلّه، لا للآية الكريمة المتقدّمة «1» الظاهرة في نجاسة المشرك الذي هو الموجود الخارجي بجميع أجزائه، ك «الكلب» الذي هو اسم للموجود كذلك، و تتميمه بعدم القول بالفصل.

و لا لما دلّ علىٰ نجاسة الناصب بعنوانه الشامل لما ذكر «2»، و تتميمه بما ذكر؛ و إن كان لهما وجه.

بل لإطلاق معاقد الإجماعات و إطلاق فتاوى الأصحاب «3»؛ لعدم تعقّل طهارة ما لا تحلّه الحياة من الكفّار و عدم استثناء الفقهاء، مع شمول اللفظ للموجود بجميع أجزائه، و هل هذا إلّا الفتوىٰ

بغير ما أنزل اللّٰه تعالىٰ، و هل ترى أنّ استثناء ما لا تحلّ في الميتة وقع من باب الاتفاق، كعدم الاستثناء هاهنا؟! و لو كان اللفظ غير شامل له عندهم، و احتمل خطأ الكلّ في مثل هذا الأمر

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 399.

(2) تقدّمت في الصفحة 412 413.

(3) تقدّمت في الصفحة 391 392.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 417

الواضح، فلِمَ استثنوها في الميتة «1»، و تركوها هاهنا؟! بل ليس ذلك إلّا لعدم كونها مستثناةً عندهم.

نعم، مقتضىٰ كلام السيّد في «الناصريات» و استدلاله في خروج ما لا تحلّه الحياة في الكلب و الخنزير «2»، جريان بحثه هاهنا أيضاً، لكنّه ضعيف.

إلحاق ولد الكافر به في النجاسة

و يلحق بالكافر ما تولّد من الكافرين، كما عن «المبسوط» و «التذكرة» و «الإيضاح» و «كشف الالتباس» «3» و عن الأُستاذ: «أنّ الصبيّ الذي يبلغ مجنوناً نجس عند الأصحاب» «4» و هو مؤذن بالإجماع.

و عن «الكفاية»: «أنّه مشهور» «5» و قرّبه العلّامة «6»، قيل: «و هو مؤذن بالخلاف» «7» و هو غير معلوم. و في جهاد «الجواهر» دعوى الإجماع بقسميه علىٰ تبعية الولد لوالديه في النجاسة و الطهارة «8».

و عن جملة من الكتب دعوى الإجماع صريحاً علىٰ تبعية الولد المسبيّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 136.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 218/ السطر 24.

(3) المبسوط 3: 342، تذكرة الفقهاء 1: 68، إيضاح الفوائد 2: 141، كشف الالتباس: 210/ السطر 17 (مخطوط).

(4) مصابيح الظلام 1: 450/ السطر 7 (مخطوط).

(5) كفاية الأحكام: 12/ السطر 11.

(6) نهاية الإحكام 1: 274.

(7) مفتاح الكرامة 1: 144/ السطر 4.

(8) جواهر الكلام 21: 134 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 418

مع أبويه لهما في النجاسة «1». و

الدليل عليها مضافاً إلىٰ ذلك، و إلى احتمال صدق «اليهودي» و «النصراني» و «المجوسي» علىٰ أولادهم، كما جزم به النراقي حتّى في الناصب «2»؛ و إن لا يخلو من نظر، بل منع، سيّما في الأخير، و إلى صدق العناوين علىٰ أطفالهم المميّزين المظهرين لدين آبائهم، سيّما مع قربهم بأوان التكليف، مع عدم القول بالفصل جزماً السيرة القطعية علىٰ معاملة الطائفة الحقّة معهم معاملة آبائهم في الاحتراز عنهم، و إلحاقهم بآبائهم، و عدم التفريق بينهم.

و أمّا سائر الاستدلالات فغير تامّ، كالاستصحاب، و تنقيح المناط عند أهل الشرع، حيث إنّهم يتعدّون من نجاسة الأبوين ذاتاً إلىٰ أولادهما، و هو شي ء مركوز في أذهانهم «3»؛ إن لم يرجع إلىٰ ما تقدّم من السيرة القطعية.

و كقوله تعالىٰ وَ لٰا يَلِدُوا إِلّٰا فٰاجِراً كَفّٰاراً «4» «5».

و قولِه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

أبواه يهوّدانه «6»

بدعوىٰ أنّ المراد منه يجعلانه تبعاً لهما في التهوّد «7».

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقى 1: 381 و 384، الخلاف 5: 533، مجمع الفائدة و البرهان 10: 414، جواهر الكلام 21: 138، و 38: 184.

(2) مستند الشيعة 1: 209.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 562/ السطر 36، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 381.

(4) نوح (71): 27.

(5) انظر إيضاح الفوائد 2: 141، جواهر الكلام 6: 45 46.

(6) عوالي اللآلي 1: 35/ 18، وسائل الشيعة 15: 125، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو و ما يناسبه، الباب 48، الحديث 3 (مع اختلاف)، صحيح مسلم 5: 212 214.

(7) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 351/ السطر الأوّل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 419

و صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان «1» و غيرها «2» ممّا وردت في أولاد الكفّار «3».

و رواية حفص

بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب، فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك، فقال

إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار، و هم أحرار، و ولده و متاعه و رقيقه له، و أمّا الولد الكبار فهم في ء للمسلمين، إلّا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك .. «4»

إلىٰ آخره.

لما مرّ في نظائره: من أنّ الطفل في بطن امّه ليس من أجزائها «5».

و استصحاب الكلّي الجامع بين الذاتية و العرضية، قد عرفت ما فيه «6».

و تنقيح المناط إن لم يرجع إلى السيرة المتقدّمة ممنوع بعد عدم كفر الصغار و عدم نصبهم.

و لا يراد من عدم توليدهم إلّا فاجراً كفّاراً، هو كونهم كذلك لدى الولادة؛ ضرورة عدم كونه فاجراً، بل المراد أنّهم يصيرون كذلك بسوء تربيتهم و تلقيناتهم،

______________________________

(1) قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث، قال: كفّار .. إلىٰ آخره. الفقيه 3: 317/ 1544.

(2) كرواية وهب بن وهب عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام) قال: قال عليّ (عليه السّلام): أولاد المشركين مع آبائهم في النار .. إلىٰ آخره.

الفقيه 3: 317/ 1543.

(3) الحدائق الناضرة 5: 198، جواهر الكلام 6: 44، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 381.

(4) تهذيب الأحكام 6: 151/ 262، وسائل الشيعة 15: 116، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 43، الحديث 1.

(5) تقدّم في الصفحة 223.

(6) تقدّم في الصفحة 224.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 420

و هو المراد من تهويد الوالدين.

و الروايات المشار إليها مع مخالفتها لأُصول العدلية غير مربوطة بعالم التكليف. مضافاً إلىٰ معارضتها لجملة أُخرى من الروايات الدالّة على امتحانهم في الآخرة بتأجيج

النار، و أمرهم بالدخول فيها «1».

و رواية حفص مع الغضّ عن سندها لا تدلّ على المقصود؛ لأنّ قوله (عليه السّلام)

إسلامه إسلام ..

إلىٰ آخره، ليس علىٰ وجه الحقيقة، بل علىٰ نحو التنزيل، و لم يتضح التنزيل من جميع الجهات و إن لا يبعد. ثمّ لو سلّم ذلك لا تدلّ علىٰ عمومه للكفر أيضاً، كما لا يخفى.

و أمّا الاستدلال علىٰ طهارتهم بالأصل «2»، و قوله تعالىٰ فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا «3» المفسّر بفطرة التوحيد و المعرفة و الإسلام «4».

و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

كلّ مولود يولد علىٰ فطرة الإسلام ثمّ أبواه يهوّدانه ..

«5». ففيه ما لا يخفى؛ لانقطاع الأصل بما تقدّم، و عدم كون المراد من فطرة التوحيد أو الإسلام هو كونهم موحّدين مسلمين، بل المراد ظاهراً أنّهم مولودون علىٰ وجهٍ لولا إضلال الأبوين و تلقيناتهما، لاهتدوا بنور فطرتهم إلىٰ تصديق الحقّ و رفض الباطل عند التنبّه علىٰ آثار التوحيد و أدلّة المذهب الحقّ، و هو المراد من النبوي المعروف.

______________________________

(1) راجع الكافي 3: 248/ 1 و 2 و 6 و 7.

(2) انظر غنائم الأيّام 1: 420، مستند الشيعة 1: 209.

(3) الروم (30): 30.

(4) الكافي 2: 12، باب فطرة الخلق على التوحيد.

(5) كما استدل به الشيخ الأعظم (قدّس سرّه). راجع الطهارة، الشيخ الأنصاري: 351/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 421

إلحاق الولد الكافر بأشرف أبويه

و لو أسلم أحد الأبوين الحق به ولده، لا لقوله (عليه السّلام)

الإسلام يعلو، و لا يعلىٰ عليه «1» «2»

لمنع دلالته علىٰ ذلك؛ لاحتمال أن يكون المراد منه غلبة حجّته علىٰ سائر الحجج. أو يكون المراد منه عدم علوّ غير المسلم على المسلم، نظير قوله وَ لَنْ يَجْعَلَ

اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «3».

و لا لقوله تعالىٰ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ .. «4» «5» لكونه أجنبياً عمّا نحن بصدده.

و لا للنبوي

كلّ مولود .. «6» «7»

؛ لما تقدّم «8».

و لا لكون عمدة دليل الحكم بالتبعية الإجماع و السيرة، فليقتصر على القدر المتيقّن منهما؛ و هو ثبوت الحكم مع تبعيته لهما، و مقتضى الأصل الطهارة «9»؛ لما يأتي من جريان استصحاب النجاسة فيه و في المسبي «10».

______________________________

(1) الفقيه 4: 243/ 778، وسائل الشيعة 26: 14، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 11.

(2) كما استدلّ به في جواهر الكلام 21: 136 و مصباح الفقيه، الطهارة: 563/ السطر 2.

(3) النساء (4): 141.

(4) الطور (52): 21.

(5) كما استدلّ به في الخلاف 3: 591.

(6) تقدّم تخريجه في الصفحة 418، الهامش 6.

(7) كما استدلّ به في الخلاف 3: 591.

(8) تقدّم في الصفحة 420.

(9) مصباح الفقيه، الطهارة: 563/ السطر 2.

(10) يأتي في الصفحة 422.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 422

بل لعدم نقل الخلاف في المسألة، و دعوى الشيخ الإجماع عليها في لقطة «الخلاف».

قال: «إذا أسلمت الامّ و هي حبلىٰ من مشرك، أو كان منه ولد غير بالغ، فإنّه يحكم للولد و الحمل بالإسلام و يتبعانها» ثمّ قال: «دليلنا: إجماع الفرقة» و في نسخة: «و أخبارهم» «1».

و في جهاد «الجواهر» «2» نفى وجدان الخلاف عنها، كما اعترف به بعضهم، و استدلّ برواية حفص بن غياث المتقدّمة «3»، و لا يبعد دعوى عموم التنزيل فيها تمسّكاً بإطلاقه.

حكم ولد الكافر المسبي

و أمّا المسبي، فإن انفرد عن أبويه ففي إلحاقه بالسابي المسلم في مطلق الأحكام، أو في الطهارة فقط، أو عدم الإلحاق

مطلقاً، وجوه أوجهها الأخير؛ لاستصحاب نجاسته المتيقّنة قبل السبي، و كذا غيرها من الأحكام.

و استشكل الشيخ الأعظم فيه:

«بأنّ الدليل علىٰ ثبوت النجاسة للطفل هو الإجماع، و لم يعلم ثبوتها لنفس الطفل أو الطفل المصاحب للأبوين، فلعلّ لوصف المصاحبة مدخلًا في الموضوع الذي يعتبر القطع ببقائه في جريان الاستصحاب» «4».

______________________________

(1) الخلاف 3: 591.

(2) جواهر الكلام 21: 135 136.

(3) تقدّمت في الصفحة 419.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 350/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 423

و إليه يرجع ما في كلام بعض أهل التحقيق في الإشكال على استصحاب نجاسة من أسلم أحد أبويه: «بتبدّل الموضوع و عدم بقائه عرفاً؛ لأنّ وصف التبعية من مقوّمات الموضوع عرفاً في مثل هذه الأحكام الثابتة له بالتبع».

و أضاف إليه: «أنّ الاستصحاب فيه من قبيل الشكّ في المقتضي» «1».

و الجواب عنه ما مرّ مراراً «2»: من أنّ المعتبر في جريان الاستصحاب وحدة القضية المتيقّنة و المشكوك فيها؛ من غير مدخلية لبقاء موضوع الدليل الاجتهادي و عدمه، بل و مع القطع بعدم بقاء ما أُخذ في موضوعه، فلو علمنا بأنّ المأخوذ في الدليل الاجتهادي هو الطفل المصاحب لأبويه، لكن كان الدليل قاصراً عن نفي الحكم عمّا بعد المصاحبة، و شككنا في بقاء الحكم؛ لاحتمال أن يكون وصف المصاحبة واسطة في الإثبات و دخيلًا في ثبوت الحكم، لا في بقائه، فلا إشكال في جريانه؛ لأنّا علىٰ يقين من أنّ الطفل الموجود في الخارج، كان نجساً ببركة الكبرى الكلّية المنضمّة إلى الصغرى الوجدانية، فيشار إلى الطفل الموجود و يقال:

«هذا كان مصاحباً لأبويه الكافرين، و كلّ طفل كان كذلك كان نجساً و لو لأجل مصاحبته، فهذا كان نجساً» و هو القضيّة المتيقّنة المتحدة

مع القضيّة المشكوك فيها.

و لو قيل: إنّ القضيّة المتيقّنة ببركة الدليل الاجتهادي، لا بدّ و أن تكون

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 563/ السطر 9.

(2) تقدّم في الصفحة 118 و 185.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 424

علىٰ طبقه، و هو لم يثبت الحكم علىٰ نفس الذات، بل على الذات الموصوفة، و هي غير باقية.

يقال له: إنّ الذات الموصوفة متّحدة الوجود في الخارج مع الذات، و لا يعقل حصول القطع بنجاسة الذات الموصوفة الخارجية، و عدم حصول القطع بنجاسة الذات.

و التفكيك بين العناوين الكلّية، لا يستلزم التفكيك في الموجود الخارجي عرفاً. فإذا كان زيد عالماً في الخارج، يحصل القطع بأنّ ابن عمرو و ابن أخ خالد عالم؛ لمكان الاتحاد و لو كانت العناوين مختلفة.

و بالجملة: إنكار العلم بأنّ الطفل الموجود المسمّى بفلان نجس مكابرة، فالقضية المتيقّنة موضوعها الطفل المسمّى بكذا، و هو باقٍ بعينه عقلًا و عرفاً.

مع أنّ ما ذكر مستلزم للبناء علىٰ طهارة من انقطعت عنه هذه المصاحبة و لو بغير السبي، كما لو فرّ الطفل من حجر أبويه، أو مات الأبوان، أو أخذه الوالي و سلّمه إلىٰ دار الرضاعة من غير البناء علىٰ إعادته إليهما .. إلىٰ غير ذلك ممّا لا يمكن الالتزام به.

و دعوىٰ دخالة السبي في الحكم بالطهارة مع خلوّها عن الدليل خروج عن محطّ البحث، و فرار عن المبنىٰ.

و الاستدلال «1» للتبعية ببعض ما تقدّم من النبوي و غيره، كما ترى.

فالأقوىٰ عدم تبعيته مطلقاً إذا سبي منفرداً، فضلًا عمّن سبي مع أبويه أو أحدهما.

______________________________

(1) انظر مجمع الفائدة و البرهان 7: 465، جواهر الكلام 21: 136.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 425

حكم اللقيط

و أمّا اللقيط،

فمقتضى الأصل طهارته، و عدم جريان الأحكام المخالفة للقواعد عليه.

نعم، لا يبعد جريان حكم المسلم عليه إذا غلب على البلد المسلمون؛ بحيث يكون غيرهم نادراً، و حكم الكافر إذا غلبت الكفّار كذلك؛ لعدم اعتناء العقلاء في أمثال ذلك على الاحتمال، كما في الشبهة غير المحصورة و نحوها.

إلّا أن يقال: مجرّد الغلبة لا يكون حجّة ما لم يحصل العلم العادي و الاطمئنان، إلّا إذا كان بناء العقلاء على العمل، و أحرزنا إمضاء الشارع، و هو مشكل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 426

تنبيه في تحصيل مفهوم الكفر

و الظاهر مقابلته مع الإسلام تقابل العدم و الملكة، و الكافر و غير المسلم متساوقان، فمن لم يعتقد بالالوهية و لو لم يعتقد بخلافها، و لم ينقدح في ذهنه شي ء من المعارف و مقابلاتها يكون كافراً.

و ما ذكرناه هو المرتكز عند المتشرّعة، و المستفاد من الأدلّة، فما في بعض الروايات ممّا يوهم خلاف ذلك، لا بدّ من توجيهه، كقوله (عليه السّلام) في رواية عبد الرحيم القصير

و لا يخرجه إلى الكفر إلّا الجحود و الاستحلال «1».

و في صحيحةِ زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا «2».

و روايةِ محمّد بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) جالساً عن يساره، و زرارة عن يمينه، إذ دخل أبو بصير فقال: يا أبا عبد اللّٰه، ما تقول فيمن شكّ في اللّٰه تعالىٰ؟ قال

كافر، يا أبا محمّد.

قال: فشكّ في رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟ فقال

كافر.

ثمّ التفت إلىٰ زرارة فقال

إنّما يكفر إذا جحد «3».

______________________________

(1) الكافي 2: 27/ 1، وسائل الشيعة 28: 354، كتاب الحدود

و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 50.

(2) الكافي 2: 388/ 19، وسائل الشيعة 27: 158، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 12، الحديث 11.

(3) الكافي 2: 399/ 3، وسائل الشيعة 28: 356، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 56.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 427

و لعلّ المراد أنّه لا يحكم بكفره إلّا مع الجحود.

و من المحتمل أن يكون

يُكفَّر

من التفعيل مبنيّاً للمفعول، بل هو مقتضى الجمع بين صدرها و ذيلها، و مقتضى الجمع بينها و بين غيرها ممّا حكم فيه بكفر الشاكّ، كصحيحة منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): من شكّ في رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

كافر.

قال قلت: فمن شكّ في كفر الشاكّ فهو كافر؟ فأمسك عنّي، فرددت عليه ثلاث مرّات، فاستبنت في وجهه الغضب «1».

و عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خطبة

لا ترتابوا فتشكّوا، و لا تشكّوا فتكفروا «2».

و في صحيحة ابن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من شكّ في اللّٰه تعالىٰ و في رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو كافر «3».

و بالجملة: لا إشكال بحسب ارتكاز المتشرّعة في مقابلة الكفر و الإسلام؛ و أنّ الكافر من لم يكن مسلماً و من شأنه ذلك، فلا بدّ في تحصيل معنى الكفر من تحصيل مفهوم الإسلام حتّى يتضح هو بمقابلته.

فنقول: إنّ المسلم بحسب ارتكاز المتشرّعة هو المعتقد باللّٰه تعالىٰ، و وحدانيته، و رسالة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، أو الشهادة بالثلاثة، على احتمالين يأتي

______________________________

(1) الكافي 2: 387/ 11، وسائل الشيعة 28: 355، كتاب الحدود

و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 53.

(2) الكافي 2: 399/ 2.

(3) الكافي 2: 386/ 10، وسائل الشيعة 28: 355، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 52.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 428

الكلام فيهما «1». و هذه الثلاثة ممّا لا شبهة و لا خلاف في اعتبارها في معنى الإسلام.

و يحتمل أن يكون الاعتقاد بالمعاد إجمالًا أيضاً مأخوذاً فيه لدى المتشرّعة، علىٰ تأمّل يأتي وجهه «2».

في حكم المخالفين
اشارة

و أمّا الاعتقاد بالولاية فلا شبهة في عدم اعتباره فيه، و ينبغي أن يعدّ ذلك من الواضحات لدى كافّة الطائفة الحقّة؛ إن أُريد بالكفر المقابل له ما يطلق علىٰ مثل أهل الذمّة: من نجاستهم و حرمة ذبيحتهم و مساورتهم و تزويجهم، ضرورة استمرار السيرة من صدر الإسلام إلىٰ زماننا علىٰ عشرتهم و مؤاكلتهم و مساورتهم و أكل ذبائحهم و الصلاة في جلودها، و ترتيب آثار سوق المسلمين علىٰ أسواقهم؛ من غير أن يكون ذلك لأجل التقيّة.

و ذلك واضح لا يحتاج إلىٰ مزيد تجشّم، لكن اغترّ بعض «3» من اختلّت طريقته ببعض ظواهر الأخبار و كلمات الأصحاب من غير غور في مغزاها، فحكم بنجاستهم و كفرهم، و أطال في التشنيع على المحقّق القائل بطهارتهم «4» بما لا ينبغي له و له، غافلًا عن أنّه حفظ أشياء هو غافل عنها.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 443 و ما بعدها.

(2) يأتي في الصفحة 445.

(3) و هو صاحب الحدائق.

(4) المعتبر 1: 97.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 429

تمسّك صاحب «الحدائق» بالأخبار لإثبات نجاسة المخالفين و ردّه

فقد تمسّك لنجاستهم بأُمور «1»؛ منها روايات مستفيضة دلّت علىٰ كفرهم، كموثّقة الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إنّ اللّٰه تعالىٰ نصب عليّاً علماً بينه و بين خلقه، فمن عرفه كان مؤمناً، و من أنكره كان كافراً، و من جهله كان ضالّاً، و من نصب معه شيئاً كان مشركاً، و من جاء بولايته دخل الجنّة، و من جاء بعداوته دخل النار «2».

و روايةِ أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

إنّ عليّاً باب فتحه اللّٰه تعالىٰ، من دخله كان مؤمناً، و من خرج منه كان كافراً «3»

و نحوهما أخبار كثيرة «4».

و فيه: أنّ كفرهم

علىٰ فرض تسليمه لا يفيد ما لم يضمّ إليه كبرىٰ كلّية هي: «كلّ كافر نجس» و لا دليل عليها سوىٰ توهّم إطلاق معاقد إجماعات نجاسة الكفّار «5»، و هو وهم ظاهر؛ ضرورة أنّ المراد من «الكفّار» فيها مقابل المسلمين الأعمّ من العامّة و الخاصّة، و لهذا ترى إلحاقهم

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 177 179.

(2) الكافي 2: 388/ 20، وسائل الشيعة 28: 353، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 48.

(3) الكافي 2: 388/ 16، وسائل الشيعة 28: 354، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 49.

(4) راجع الكافي 2: 388/ 17 و 18 و 21.

(5) تقدّمت الإجماعات في الصفحة 391.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 430

بعض المنتحلين للإسلام- كالخوارج و الغلاة بالكفّار «1»، فلو كان مطلق المخالف نجساً عندهم فلا معنىٰ لذلك.

بل يمكن دعوى الإجماع أو الضرورة علىٰ عدم نجاستهم. و تخيّل أنّ المحقّق أوّل من قال بطهارتهم «2» باطل؛ لقلّة مصرّح بنجاستهم قبله أيضاً.

نعم، قد صرّح جمع بكفرهم، منهم المحقّق في أوصاف المستحقّين من كتاب الزكاة، قال: «و كذا لا يعطى غير الإمامي و إن اتّصف بالإسلام، و نعني بهم كلّ مخالف في اعتقادهم الحقّ، كالخوارج و المجسّمة، و غيرهم من الفرق الذين يخرجهم اعتقادهم عن الإيمان ..».

إلىٰ أن قال: «إنّ الإيمان هو تصديق النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في كلّ ما جاء به، و الكفر جحود ذلك، فمن ليس بمؤمن فهو كافر» «3» انتهىٰ.

و مع ذلك قد صرّح بطهارتهم في كتاب الطهارة «4»، فالقول بكفرهم و طهارتهم غير متناقضين؛ لعدم الدليل علىٰ نجاسة مطلق الكفّار.

و العلّامة أيضاً مع ظهور كلامه

في محكي شرحه لكتاب «فصّ الياقوت» تصنيف الشيخ ابن نوبَخْت في كفرهم بالمعنى المعروف «5»، علىٰ تأمّل لم يحكم بنجاستهم في طهارة «القواعد» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» «6» بل صرّح في

______________________________

(1) راجع شرائع الإسلام 1: 45، تذكرة الفقهاء 1: 68، جامع المقاصد 1: 164.

(2) الحدائق الناضرة 5: 178.

(3) المعتبر 2: 579.

(4) المعتبر 1: 97.

(5) انظر الحدائق الناضرة 5: 175، أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 204 205، المسألة الثانية عشر في حكم المخالفين (مخطوط).

(6) قواعد الأحكام 1: 7/ السطر 17، تذكرة الفقهاء 1: 68، منتهى المطلب 1: 25/ السطر 21، و: 168/ السطر 27 و 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 431

«التذكرة» بطهارة من عدا النواصب منهم «1»، فيظهر منه أنّ كفرهم لا يلازم نجاستهم.

و من ذلك يعلم عدم استفادة النجاسة من مثل قول ابن نوبَخْت: «دافِعو النصّ كفرة عند جمهور أصحابنا، و من أصحابنا من يفسّقهم» «2».

و لا من قول ابن إدريس المحكي عن «السرائر» بعد اختيار عدم جواز الصلاة على المخالف تبعاً للمفيد «3» «و هو أظهر، و يعضده القرآن، و هو قوله تعالىٰ وَ لٰا تُصَلِّ عَلىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً «4» يعني الكفّار، و المخالف لأهل الحقّ كافر بلا خلاف بيننا» «5» انتهىٰ.

و لعلّ السيّد المرتضىٰ أيضاً حكم بكفرهم دون نجاستهم «6»؛ و إن كان ما نقل عنه خلاف ذلك «7». و هكذا حال سائر العبارات الموجبة لاغترار الغافل.

و بالجملة: لو التزمنا بكفرهم لا يوجب ذلك الالتزام بنجاستهم؛ بعد عدم الدليل عليها و لا علىٰ نجاسة مطلق الكفّار الشامل لهم.

بل مع قيام الأدلّة علىٰ طهارتهم من النصوص المتفرّقة في أبواب الصيد و الذباحة «8»

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1:

68.

(2) أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 204، المسألة الثانية عشر في حكم المخالفين (مخطوط).

(3) المقنعة: 85.

(4) التوبة (9): 84.

(5) السرائر 1: 356.

(6) الانتصار: 82.

(7) الحدائق الناضرة 5: 176.

(8) وسائل الشيعة 24: 44، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 23، الحديث 6 و 7 و 11، و الباب 26، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 432

و سوق المسلم «1» و غيرها «2».

و توهّم أنّ المراد من «المسلم» في النصوص و الفتاوىٰ في تلك الأبواب خصوص الشيعة الاثني عشرية «3»، من أفحش التوهّمات.

هذا كلّه لو سلّم أنّهم كفّار، مع أنّه غير مسلّم؛ لتطابق النصوص و الفتاوىٰ في الأبواب المتفرّقة على إطلاق «المسلم» عليهم، فلا يراد ب «ذبيحة المسلمين» و لا «سوقهم» و «بلادهم» إلّا ما هو الأعمّ من الخاصّة و العامّة؛ لو لم نقل باختصاصها بهم؛ لعدم السوق في تلك الأعصار للشيعة، كما هو ظاهر.

كما أنّ المراد من «إجماع المسلمين» في كتب أصحابنا، هو الأعمّ من الطائفتين.

هذا مع ما تقدّم من ارتكاز المتشرّعة خلفاً بعد سلف علىٰ إسلامهم «4».

و أمّا الأخبار المتقدّمة «5» و نظائرها، فمحمولة علىٰ بعض مراتب الكفر؛ فإنّ «الإسلام» و «الإيمان» و «الشرك» أُطلقت في الكتاب و السنّة بمعانٍ مختلفة، و لها مراتب متفاوتة، و مدارج متكثّرة، كما صرّحت بها النصوص، و يظهر من التدبّر في الآيات، ففي آية قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 24: 70، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 29.

(2) وسائل الشيعة 3: 490، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50.

(3) الحدائق الناضرة 5: 181.

(4) تقدّم في الصفحة 428.

(5) تقدّمت في

الصفحة 429.

(6) الحجرات (49): 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 433

و في آية فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً «1».

و في آية إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّٰهِ الْإِسْلٰامُ «2».

و في آية فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا «3».

و في آية فَمَنْ يُرِدِ اللّٰهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلٰامِ «4».

و في رواية

الإسلام ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها.

و في اخرىٰ

و الإسلام: شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و التصديق برسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و في ثالثة

إنّ اللّٰه خلق الإسلام فجعل له عرصة، و جعل له نوراً، و جعل له حصناً، و جعل له ناصراً ..

إلىٰ آخره.

و في رابعة

الإسلام عريان، فلباسه الحياء، و زينته الوفاء، و مروّته العمل الصالح، و عماده الورع، و لكلّ شي ء أساس، و أساس الإسلام حبّنا أهلَ البيت.

و في خامسة: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي، و لا ينسبه أحد بعدي إلّا بمثل ذلك: إنّ الإسلام هو التسليم، و التسليم هو اليقين، و اليقين هو التصديق، و التصديق هو الإقرار، و الإقرار هو العمل، و العمل هو الأداء .. «5»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) الجنّ (72): 14.

(2) آل عمران (3): 19.

(3) نفس المصدر: 20.

(4) الأنعام (6): 125.

(5) الكافي 2: 26/ 5 و 2: 25/ 1 و 2: 46/ 3 و 2: 46/ 2 و 2: 45/ 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 434

و كذا للإيمان مراتب، لو حاولنا ذكرها خرجنا عمّا هو مقصدنا الآن، و بإزاء كلّ مرتبة من مراتب الإسلام و الإيمان مرتبة من مراتب الكفر و الشرك، فراجع

أبواب أُصول «الكافي» و غيره، كباب وجوه الكفر، و باب وجوه الشرك، و باب أدنى الكفر و الشرك، ترى أنّهما أُطلقا علىٰ غير الإمامي «1» و على الكافر بالنعمة «2» و علىٰ تارك ما أمر اللّٰه به «3» و علىٰ تارك الصلاة و علىٰ تاركها مع الجحد «4» و علىٰ تارك عمل أقرّ به «5» و علىٰ من عصىٰ عليّاً (عليه السّلام) «6» و على الزاني و شارب الخمر «7» و من ابتدع رأياً، فيحبّ عليه و يبغض «8» و من سمع عن ناطق يروي عن الشيطان «9» و علىٰ من قال للنواة: إنّها حصاة، و للحصاة: إنّها نواة، ثمّ دان به «10».

و قد استفاضت الروايات في إطلاق

المشرك

على المرائي «11» بل يستفاد

______________________________

(1) الكافي 2: 401/ 1.

(2) الكافي 2: 389/ 1.

(3) نفس المصدر.

(4) وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11.

(5) الكافي 2: 384/ 5.

(6) الكافي 1: 437/ 7.

(7) الكافي 5: 123/ 4 و 6: 405/ 9.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 434

(8) الكافي 2: 397/ 2.

(9) انظر الكافي 6: 434/ 24.

(10) الكافي 2: 397/ 1.

(11) الكافي 2: 293/ 3 و 4 و 9، وسائل الشيعة 1: 68، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 13، و الباب 12، الحديث 2 و 4 و 6 و 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 435

من بعض الروايات أنّ من لقي اللّٰه و في قلبه غيره تعالىٰ فهو مشرك «1» ..

إلىٰ غير ذلك.

فهل لصاحب «الحدائق» و أمثاله أن يقولوا: إنّ كلّ من أُطلق في الروايات عليه

المشرك

أو

الكافر

فهو نجس، و ملحق بالكفّار و أهل الكتاب، فهلّا تنبّه إلىٰ أنّ الروايات التي تشبّث بها، لم يرد في واحدة منها أنّ من عرف عليّاً (عليه السّلام) فهو مسلم، و من جهله فهو كافر، بل قوبل في جميعها بين المؤمن و الكافر، و الكافر المقابل للمسلم غير المقابل للمؤمن؟! و الإنصاف: أنّ سِنخ هذه الروايات الواردة في المعارف، غير سنخ ما وردت في الفقه، و الخلط بين المقامين أوقعه فيما أوقعه، و لهذا فإنّ صاحب «الوسائل» لم يورد تلك الروايات في أبواب النجاسات في جامعه؛ لأنّها أجنبية عن إفادة الحكم الفقهي.

ثمّ مع الغضّ عن كلّ ذلك، فقد وردت روايات أُخر حاكمة عليها لا يشكّ معها ناظر في أنّ إطلاق «الكافر» عليهم ليس علىٰ ما هو موضوع للنجاسة و سائر الآثار الظاهرة، كموثّقة سَماعة قال قلت: لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أخبرني عن الإسلام و الإيمان، إنّهما مختلفان؟ فقال

إنّ الإيمان يشارك الإسلام، و الإسلام لا يشارك الإيمان.

فقلت: فصفهما لي، فقال

الإسلام: شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و التصديق برسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث، و علىٰ ظاهره جماعة الناس .. «2»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) الكافي 2: 295/ 9 و 10.

(2) الكافي 2: 25/ 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 436

و حسنةِ حُمران بن أعين أو صحيحته «1»، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

الإيمان: ما استقرّ في القلب، و أفضى به إلى اللّٰه، و صدّقه العمل بالطاعة للّٰه، و التسليم لأمر

اللّٰه، و الإسلام: ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المواريث، و جاز النكاح ..

إلىٰ أن قال: فهل للمؤمن فضل على المسلم في شي ء من الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك؟ فقال

لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحد، و لكن للمؤمن فضل على المسلم .. «2»

إلىٰ آخره.

و بعض فقرأت هذا الحديث لا يخلو من تشويش، فراجع.

و روايةِ سفيان بن السمْط قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الإسلام و الإيمان، ما الفرق بينهما؟ فلم يجبه، ثمّ سأله فلم يجبه، ثمّ التقيا في الطريق و قد أزف من الرجل الرحيل، فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

كأنّه قد أزف منك رحيل؟

فقال: نعم، قال

فالقني في البيت

فلقيه، فسأل عن الإسلام و الإيمان، ما الفرق بينهما؟ فقال

الإسلام: هو الظاهر الذي عليه الناس؛ شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و أنّ محمّداً رسول اللّٰه، و إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و حجّ البيت، و صيام شهر رمضان، فهذا الإسلام.

و قال

الإيمان: معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقرّ بها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلماً، و كان ضالّاً «3».

______________________________

(1) رواها الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن حمران بن أعين. و الترديد لأجل وقوع حُمران بن أعين في السند.

منتهى المقال 3: 126، تنقيح المقال 1: 370/ السطر 16.

(2) الكافي 2: 26/ 5.

(3) الكافي 2: 24/ 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 437

و روايةِ قاسم

الصيرفي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

الإسلام يحقن به الدم، و تؤدّىٰ به الأمانة، و تستحلّ به الفروج، و الثواب على الإيمان «1».

و قريب منها روايات أُخر يظهر منها بنحو حكومة أنّ الناس مسلمون، و أنّ الإسلام عبارة عن الشهادتين، و بهما حقنت الدماء، و جرت الأحكام؛ و إن كان الثواب على الإيمان و الفضل له «2».

هذا مع ما مرّ «3» من أنّ الكفر يقابل الإسلام تقابل العدم و الملكة؛ حسب ارتكاز المتشرّعة، و أنّ ما أُخذ في ماهية الإسلام ليس إلّا الشهادة بالوحدانية، و الرسالة، و الاعتقاد بالمعاد، بلا إشكال في الأوّلين، و على احتمال اعتبار الأخير أيضاً و لو بنحو الإجمال، و لا يعتبر فيها سوىٰ ذلك؛ سواء فيه الاعتقاد بالولاية و غيرها، فالإمامة من أُصول المذهب، لا الدين.

فالعامّة العمياء من المسلمين؛ بشهادة جميع الملل مسلمة و غيرها، و إنكاره إنكار لأمر واضح عند جميع طبقات الناس.

فما وردت في أنّهم كفّار لإيراد به الحقيقة بلا إشكال، و لا التنزيل في الأحكام الظاهرة؛ لأنّه مع مخالفته للأخبار المستفيضة، بل المتواترة التي مرّت جملة منها واضح البطلان؛ ضرورة معاشرة أهل الحقّ معهم أنواع العشرة من لدن عصر الأئمّة (عليهم السّلام) إلى الحال من غير نكير، و من غير شائبة تقيّة.

فلا بدّ من حملها إمّا على التنزيل في الأحكام الباطنة، كالثواب في الآخرة، كما صرّحت به رواية الصيرفي، أو علىٰ بعض المراتب التي هي غير مربوطة بالأحكام الظاهرة.

______________________________

(1) الكافي 2: 24/ 1.

(2) الكافي 2: 24 27.

(3) تقدّم في الصفحة 426 427.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 438

و أمّا الحمل علىٰ أنّهم كفّار حقيقة، لكن يجري عليهم أحكام الإسلام ظاهراً

و لو من باب المصالح العالية؛ و عدم التفرقة بين جماعات المسلمين «1» فغير وجيه بعد ما تقدّم من أنّه لا يعتبر في الإسلام إلّا ما مرّ ذكره «2».

تمسّك صاحب «الحدائق» بدعوىٰ كونهم نصّاباً و ردّها

و ممّا ذكرناه يتضح الجواب عن دعوى صاحب «الحدائق» بأنّهم نصّاب، و كلّ ناصب نجس «3»:

أمّا الصغرىٰ، فلروايات:

منها: رواية عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس الناصب من نصب لنا أهلَ البيت؛ لأنّك لا تجد رجلًا يقول: أنا أبغض محمّداً و آل محمّد، و لكنّ الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنّكم تتولّونا، و أنّكم من شيعتنا «4»

و نحوها عن المعلّى بن خُنيس «5».

و منها: مكاتبة محمّد بن عليّ بن عيسىٰ المنقولة عن «السرائر» قال: كتبت إليه يعني عليّ بن محمّد (عليهما السّلام) أسأله عن الناصب: هل أحتاج في

______________________________

(1) انظر الحدائق الناضرة 5: 184، مصباح الفقيه، الطهارة: 564/ السطر 9.

(2) تقدّم في الصفحة 427 428.

(3) الحدائق الناضرة 5: 185 188.

(4) ثواب الأعمال: 247/ 4، وسائل الشيعة 9: 486، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 3.

(5) صفات الشيعة: 9/ 17، وسائل الشيعة 9: 486، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، ذيل الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 439

امتحانه إلىٰ أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت، و اعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب

من كان علىٰ هذا فهو ناصب «1».

و أمّا الكبرى، فللإجماع و الأخبار علىٰ نجاسة الناصب «2».

و الجواب: بمنع المقدّمة الأُولىٰ؛ لضعف مستندها:

أمّا الرواية الأُولىٰ: فمضافاً إلىٰ ضعف سندها «3» بجميع طرقها، في متنها وهن:

أمّا أوّلًا: فلورود روايات تدلّ علىٰ وجود الناصب لهم أهل البيت (عليهم السّلام) «4» و

حملها على الناصب لشيعتهم بعيد جدّاً. مع أنّ الواقع علىٰ خلاف ذلك، فكم لهم ناصب و عدوّ في عصرهم! و أمّا ثانياً: فلأنّ الظاهر منها أنّ كلّ من نصب لمن يعلم أنّه يتولّاهم و شيعتهم فهو ناصب، و لا يمكن الالتزام به.

إلّا أن يقال: إنّ من نصب لجميع الشيعة التي تتولّى الأئمّة (عليهم السّلام) مع علمه بذلك فهو ناصب؛ أي ناصب للشيعة و للموالي بما هم كذلك، لكنّه ملازم لعداوتهم، سيّما مع ضمّ تولّيهم؛ فإنّ البغض لمن يتولّاهم بما هو كذلك يرجع إلى

______________________________

(1) السرائر 3: 583، وسائل الشيعة 9: 490، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 14.

(2) راجع الحدائق الناضرة 5: 187 188.

(3) و الرواية ضعيفة بجميع طرقها بإبراهيم بن إسحاق فإنّه كان ضعيفاً في حديثه و متهماً في دينه.

الفهرست: 7/ 9، رجال النجاشي: 19/ 21، تنقيح المقال 1: 13/ السطر 21.

(4) وسائل الشيعة 1: 218، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف و المستعمل، الباب 11، الحديث 1 و 3 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 440

البغض لهم، و لعلّ المراد أنّ الناصب لم يصرّح بعداوتنا، و لو نصب لكم بما أنتم من موالينا يكون ذلك دليلًا علىٰ نصبه.

و أمّا الرواية الثانية: فمع ضعفها سنداً «1»، أيضاً مخالفة للواقع إن كان المراد أنّ كلّ من قدّمهما فهو ناصب لهم حقيقة، كيف؟! و كثير منهم لا يكونون ناصبين لهم و إن قدّموا الجبت و الطاغوت، فيحتمل التنزيل بحسب الآثار في يوم القيامة، و أمّا بحسب الآثار ظاهراً فلا؛ لما تقدّم «2».

و بمنع المقدّمة الثانية:

أمّا دعوى الإجماع على الكلّي بحيث يشمل محلّ البحث، فواضحة الفساد، بل يمكن دعوى

الإجماع علىٰ خلافها، بل الإجماع العملي من جميع الطبقات علىٰ خلافها.

و أمّا الأخبار فصرّح في جملة منها ب

الناصب لنا أهلَ البيت «3»

و ما اشتملت على

الناصب

بلا قيد «4» فمحمول عليه؛ لتبادر الناصب للناصب لهم لا لشيعتهم. بل مع تلك السيرة القطعية و الإجماع العملي، لا يمكن العمل برواية علىٰ خلافهما لو وردت كذلك، فضلًا عن فقدانها.

و ممّا ذكرنا: يظهر الحال في غير الاثني عشري من سائر فرق الشيعة،

______________________________

(1) و الرواية ضعيفة بمحمّد بن علي الكوفي و هو الصيرفي أبو سمينة فإنّه ضعيف جدّاً.

رجال النجاشي: 332/ 894، تنقيح المقال 3: 157/ السطر 23 و 159/ السطر 27 (أبواب الميم).

(2) تقدّم في الصفحة 437.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 218، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 1 و 3 و 5.

(4) وسائل الشيعة 3: 420، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 441

كالزيدي و الواقفي. نعم لو كان فيهم من نصب لأهل البيت فمحكوم بحكمه، و سيأتي الكلام فيه «1»، و أمّا مجرّد الزيدية و الواقفية فلا يوجب الكفر المقابل للإسلام، و حال الأخبار الواردة فيهم «2» حال ما وردت في الناس، و قد عرفت الكلام فيها «3».

تمسّك صاحب «الحدائق» بدعوى إنكارهم للضروري و ردّها

و من بعض ما ذكر يظهر حال الدعوى الأُخرىٰ لصاحب «الحدائق»: و هي أنّهم منكرون للضروري من الإسلام، و من كان كذلك فكافر «4»، لكنّه خلط بين مطلق العامّة، و نصّابهم من قبيل يزيد و ابن زياد عليهما لعائن اللّٰه.

و فيها أوّلًا: أنّ الإمامة بالمعنى الذي عند الإمامية، ليست من ضروريات الدين، فإنّها عبارة عن أُمور واضحة بديهية عند جميع طبقات المسلمين، و لعلّ الضرورة عند كثير

علىٰ خلافها، فضلًا عن كونها ضرورة. نعم هي من أُصول المذهب، و منكرها خارج عنه، لا عن الإسلام.

و أمّا التمثيل بمثل قاتلي الأئمّة (عليهم السّلام) و ناصبيهم، فغير مربوط بالمدعى.

و ثانياً: أنّ منكر الضروري بوجه يشمل منكر أصل الإمامة، لا دليل علىٰ نجاسته من إجماع أو غيره، بل الأدلّة علىٰ خلافها، كما تقدّم الكلام فيها «5».

______________________________

(1) سيأتي في الصفحة 455 458.

(2) اختيار معرفة الرجال: 228 229/ 409 411، و: 456/ 861 و 862 و 867، بحار الأنوار 48: 256/ 10، و: 263/ 18 و 19.

(3) تقدّم في الصفحة 432 و 437.

(4) الحدائق الناضرة 5: 180.

(5) تقدّم في الصفحة 428 432.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 442

تنبيه آخر
في كفر منكر الضروري و نجاسته
اشارة

قد اختلفت كلماتهم في كفر منكر الضروري و نجاسته، فلا بدّ من تمحيص البحث في منكره بما هو؛ في مقابل منكر الأُلوهية و النبوّة.

و أمّا البحث عن المنكر الذي يرجع إنكاره إلىٰ إنكار اللّٰه تعالىٰ أو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو خارج عن محطّ البحث؛ ضرورة أنّ الموجب للكفر حينئذٍ هو إنكار الأصلين لا الضروري، و هو بأيّ نحو موجب له، نعم أحد مبرزاته إنكار الضروري أحياناً.

فالبحث المفيد هاهنا: هو أنّ إنكاره مستقلا موجب للكفر كإنكارهما أو لا؟

ثمّ إنّ القائل: بأنّ إنكاره موجب له إذا رجع إلىٰ إنكار أحد الأصلين، من المنكرين لموجبيته له.

حول استدلال الشيخ الأعظم على كفره

فقد استدلّ الشيخ الأعظم علىٰ كفره بوجوه:

منها: أنّ الإسلام عرفاً و شرعاً عبارة عن التديّن بهذا الدين الخاصّ الذي يراد منه مجموع حدود شرعية منجّزة على العباد، كما قال اللّٰه تعالىٰ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّٰهِ الْإِسْلٰامُ «1» ثمّ تمسّك بروايات يأتي حالها «2».

______________________________

(1) آل عمران (3): 19.

(2) يأتي في الصفحة 447.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 443

ثمّ قال: «و أمّا ما دلّ من النصوص و الفتاوىٰ علىٰ كفاية الشهادتين في الإسلام، فالظاهر أنّ المراد به حدوث الإسلام ممّن ينكرهما من غير منتحلي الإسلام؛ إذ يكفي منه الشهادة بالوحدانية و الرسالة المستلزمة للالتزام بجميع ما جاء به النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إجمالًا، فلا ينافي ما ذكرنا: من أنّ عدم التديّن ببعض الشريعة أو التديّن بخلافه، موجب للخروج عن الإسلام.

و كيف كان: فلا إشكال في أنّ عدم التديّن بالشريعة كلّا أو بعضاً، مخرج عن الدين و الإسلام».

ثمّ ذكر أقسام المنكرين، و ساق الكلام إلىٰ أن قال في تأييد عموم كلام الفقهاء

في نجاسة الخوارج و النواصب للقاصر و المقصّر: «و يؤيّدها ما ذكرنا: من أنّ التارك للتديّن ببعض الدين خارج عن الدين» «1» انتهىٰ ملخّصاً.

و فيه: أنّ لازم دليله من أنّ الإسلام عبارة عن مجموع الأحكام، و التديّن بالمجموع إسلام، و عدم التديّن به كفر هو كفر كلّ من لم يتديّن بمجموع ما جاء به النبي واقعاً؛ أصلًا و فرعاً، ضرورياً و غيره، منجّزاً على المكلّف أو لا؛ لأنّ عدم التنجّز العقلي لا يوجب خروج غير المنجّز عن قواعد الإسلام، فلا وجه للتقييد بالمنجّز.

مع أنّ هذا التقييد ينافي التأييد في ذيل كلامه؛ لعدم تنجّز التكليف على القاصر.

كما لا ينبغي معه الفرق بين الأُمور الاعتقادية و العملية؛ بعد كون الإسلام عبارة عن مجموع ما ذكر، فالتفصيل بين الأمرين كما وقع في خلال كلامه منافٍ لدليله.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 355 356.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 444

و مجرّد أنّ المطلوب في الأحكام العملية ليس إلّا العمل، لا يوجب خروجها عن ماهيته التي ادعىٰ أنّها مجموع هذه الحدود الشرعية، و بترك التديّن ببعضها يخرج عن الإسلام.

و الإنصاف: أنّ كلامه في تقرير هذا المدعىٰ، لا يخلو من تدافع و اغتشاش.

و التحقيق: أنّ ما يعتبر في حقيقة الإسلام بحيث يقال للمتديّن به: «إنّه مسلم» ليس إلّا الاعتقاد بالأُصول الثلاثة، أو الأربعة؛ أي الأُلوهية، و التوحيد، و النبوّة، و المعاد على احتمال، و سائر القواعد عبارة عن أحكام الإسلام، و لا دخل لها في ماهيته؛ سواء عند الحدوث أو البقاء، فإذا فرض الجمع بين الاعتقاد بتلك الأُصول و عدم الاعتقاد بغيرها لشبهة بحيث لا يرجع إلىٰ إنكارها يكون مسلماً.

نعم، لا يمكن الجمع بين الاعتقاد بالنبوّة، مع عدم الاعتقاد

بشي ء من الأحكام، و هذا بخلاف بعضها ضرورياً كان أو غيره لأجل بعض الشبهات و الإعوجاجات، فإذا علم أنّ فلاناً اعتقد بالأُصول، و التزم بما جاء به النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إجمالًا الذي هو لازم الاعتقاد بنبوّته، لكن وقع في شبهة من وجوب الصلاة أو الحجّ، و تخيّل أنّهما كانا واجبين في أوّل الإسلام مثلًا، دون الأعصار المتأخّرة، لا يقال: «إنّه ليس بمسلم» في عرف المتشرّعة.

و تدلّ علىٰ إسلامه الأدلّة المتقدّمة «1» الدالّة علىٰ أنّ الإسلام هو الشهادتان.

و دعوىٰ: أنّهما كافيتان في حدوث الإسلام، و أمّا المسلم فيعتبر في إسلامه أُمور أُخر زائداً عليهما، خالية عن الشاهد، بل الشواهد في نفس تلك الروايات

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 435 437.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 445

علىٰ خلافها، كما في حسنة حُمران

و الإسلام: ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، و به حقنت الدماء «1»

و غيرها ممّا تقدّم ذكرها.

و الإنصاف: أنّ دعوى كون الإسلامِ عبارةً عن مجموع ما جاء به النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و تركِ الالتزام ببعضها بأيّ نحو موجباً للكفر، ممّا لا يمكن تصديقها، و لهذا فإنّ الشيخ الأعظم لم يلتزم به بعد الكرّ و الفرّ.

و مع الإغماض عمّا تقدّم، يلزم من دليله كفر كلّ من أنكر شيئاً ممّا يطلب فيه الاعتقاد و لو لم يكن ضرورياً، كبعض أحوال القبر و البرزخ و القيامة، و كعصمة الأنبياء و الأئمّة (عليهم السّلام) و نظائرها. و التفكيك بين الضروري و غيره خروج عن التمسّك بهذا الدليل.

ثمّ إنّ اندراج منكر المعاد أيضاً في الكفّار حقيقة، و دعوىٰ

كون الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالأركان الأربعة، و الاعتقاد بالمعاد داخل في ماهيته، أيضاً لا يخلو من إشكال، بل منع؛ لإطلاق الأدلّة المتقدّمة الشارحة لماهية الإسلام الذي به حقنت الدماء «2»، و قوّةِ احتمال أن يكون الارتكاز المدعىٰ لأجل وضوح عدم الجمع بين الاعتقاد بالنبوّة و إنكار المعاد، الذي لأجل كمال بداهة كونه من الإسلام عدّ في الأُصول.

فدعوى كون الإسلام هو الاعتقاد بالالوهية و التوحيد و النبوّة، غير بعيدة.

و كلامنا هاهنا في مقام الثبوت و الواقع، و إلّا فمنكر الضروري سيّما مثل المعاد محكوم بالكفر ظاهراً، و يعدّ منكراً للُالوهية أو النبوّة. بل لا يقبل قوله إذا

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 436.

(2) تقدّمت في الصفحة 435 437.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 446

ادعى الشبهة إلّا في بعض أشخاص، أو بعض أُمور، يمكن عادة وقوع الشبهة منه أو فيه، كما أنّ إنكار البديهيات لدى العقول لا يقبل من متعارف الناس، فلو ادعىٰ أحد: أنّ اعتقاده أنّ الاثنين أكثر من الألف، لا يقبل منه، بل يحمل علىٰ أنّه خلاف الواقع، إلّا أن يكون خلاف المتعارف.

و يمكن أن يقال: إنّ أصلَ الإمامة كان في الصدر الأوّل من ضروريات الإسلام، و الطبقةَ الاولى المنكرين لإمامة المولى أمير المؤمنين صلوات اللّٰه و سلامه عليه و لنصّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) علىٰ خلافته و وزارته، كانوا منكرين للضروري من غير شبهة مقبولة من نوعهم، سيّما أصحاب الحلّ و العقد، و سيأتي الكلام فيهم «1».

ثمّ وقعت الشبهة للطبقات المتأخّرة؛ لشدّة وثوقهم بالطبقة الاولىٰ، و عدم احتمال تخلّفهم عمداً عن قول رسول اللّٰه (صلّى الهّٰث عليه و آله و سلّم) و نصّه على المولى

سلام اللّٰه عليه، و عدم انقداح احتمال السهو و النسيان من هذا الجمّ الغفير.

و لعلّ ما ذكرناه هو سرّ ما ورد من ارتداد الناس بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلّا أربعة أو أقلّ أو أكثر «2».

و الظاهر عدم إرادة ارتداد جميع الناس؛ سواء كانوا حاضرين في بلد الوحي أو لا.

و يحتمل أن يكون المراد من «ارتداد الناس» نكث عهد الولاية و لو ظاهراً و تقيّة، لا الارتداد عن الإسلام، و هو أقرب.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 455.

(2) اختيار معرفة الرجال: 8/ 17، و: 11/ 24، بحار الأنوار 28: 238 239/ 25 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 447

استدلال الشيخ الأعظم بالروايات على كفر منكر الضروري

و ممّا استدلّ به علىٰ كفره جملة من الروايات؛ منها مصحّحة أبي الصباح، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قيل لأمير المؤمنين (عليه السّلام): من شهد أن لا إله إلّا اللّٰه، و أنّ محمّداً رسول اللّٰه كان مؤمناً؟ قال: فأين فرائض اللّٰه؟!

قال: و سمعته يقول

كان عليّ (عليه السّلام) يقول: لو كان الإيمان كلاماً لم ينزّل فيه صوم و لا صلاة و لا حرام.

قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّ عندنا قوماً يقولون: إذا شهد أن لا إله إلّا اللّٰه، و أنّ محمّداً رسول اللّٰه، فهو مؤمن، قال

فلِمَ يضربون الحدود، و لم يقطع أيديهم و ما خلق اللّٰه تعالى خلقاً أكرم على اللّٰه من مؤمن؛ لأنّ الملائكة خدّام المؤمنين، و أنّ جوار اللّٰه تعالىٰ للمؤمنين، و أنّ الجنّة للمؤمنين، و أنّ الحور العين للمؤمنين؟!.

ثمّ قال

فما بال من جحد الفرائض كان كافراً! «1».

قال الشيخ الأعظم: «فهذه الرواية واضحة الدلالة علىٰ أنّ التشرع بالفرائض، مأخوذ في الإيمان المرادف للإسلام،

كما هو ظاهر السؤال و الجواب، كما لا يخفى» «2» انتهىٰ.

أقول: بل هي واضحة الدلالة علىٰ أنّ المراد من

الإيمان

فيها هو الإيمان الكامل المنافي لترك ما فرضه اللّٰه، و لفعل ما يوجب إجراء الحدّ عليه،

______________________________

(1) الكافي 2: 33/ 2، وسائل الشيعة 1: 34، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 13.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 355/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 448

و المؤمن الذي هذا صفته و ملائكة اللّٰه خدّامه و جوار اللّٰه له، هو المؤمن الكامل، لا المرادف للمسلم الذي لا ينافي إسلامه ارتكاب المعاصي و إجراء الحدود عليه .. إلىٰ غير ذلك.

نعم، ذيلها يدلّ علىٰ أنّ جحد الفرائض موجب للكفر، فهو محمول بقرينة صدرها علىٰ أنّ الجحد موجب للكفر المقابل للإيمان لا الإسلام، فيكون شاهداً على الحمل في سائر الروايات، فإنّها علىٰ كثرتها طائفتان:

إحداهما: ما دلّت علىٰ أنّ ترك الفرائض أو ترك ما أمر اللّٰه به، موجب للكفر، و هي كثيرة جدّاً، كرواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

من اجترىٰ على اللّٰه في المعصية و ارتكاب الكبائر فهو كافر، و من نصب ديناً غير دين اللّٰه فهو مشرك «1».

و روايةِ حُمران بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قول اللّٰه عزّ و جلّ إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً «2» قال

إمّا آخذ فهو شاكر، و إمّا تارك فهو كافر «3».

و روايةِ عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ «4» فقال

ترك العمل الذي أقرّ به، منه

______________________________

(1) المحاسن: 209/ 75، وسائل الشيعة 1: 38،

كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 21.

(2) الإنسان (76): 3.

(3) الكافي 2: 384/ 4، وسائل الشيعة 1: 31، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 5.

(4) المائدة (5): 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 449

الذي يدع الصلاة متعمّداً، لا من سكر، و لا من علّة «1».

و روايةِ أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الكفر في كتاب اللّٰه خمسة أوجه ..

إلىٰ أن قال

و الوجه الرابع من الكفر: ترك ما أمر اللّٰه عزّ و جلّ به، و هو قول اللّٰه عزّ و جلّ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتٰابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ «2» فكفّرهم بترك ما أمر اللّٰه عزّ و جلّ به «3».

و في كثير من الروايات ورد كفر تارك الصلاة «4» و مانع الزكاة «5» و تارك الحجّ «6» .. إلىٰ غير ذلك.

و ثانيتهما: ما دلّت علىٰ أنّ تركها مع الجحود أو الاستكبار أو نفس الجحد موجب له، و هي كثيرة أيضاً:

كصحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

كلّ شي ء يجرّه الإقرار و التسليم فهو الإيمان، و كلّ شي ء يجرّه الإنكار و الجحود فهو الكفر «7».

______________________________

(1) الكافي 2: 387/ 12، وسائل الشيعة 1: 31، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 6.

(2) البقرة (2): 85.

(3) الكافي 2: 389/ 1، وسائل الشيعة 1: 32، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 9.

(4) راجع وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11.

(5) وسائل الشيعة 9: 34، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 4، الحديث 7.

(6) وسائل الشيعة 11: 29، كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ، الباب 7.

(7) الكافي

2: 387/ 15، وسائل الشيعة 1: 30، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 450

و روايةِ داود بن كثير الرقّي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): سنن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) .. إلىٰ أن قال

فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها و جحدها كان كافراً «1».

و روايةِ عبد الرحيم القصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها

و لم يخرجه إلى الكفر إلّا الجحود و الاستحلال، فإذا قال للحلال: هذا حرام، و للحرام: هذا حلال، و دان بذلك، فعندها يكون خارجاً من الإيمان و الإسلام إلى الكفر «2».

و روايةِ زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا «3».

و روايةِ عبد اللّٰه بن سِنان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) .. إلىٰ أن قال فقال

من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال، أخرجه ذلك من الإسلام، و عذّب أشدّ العذاب، و إن كان معترفاً أنّه ذنب و مات عليها، أخرجه من الإيمان، و لم يخرجه من الإسلام، و كان عذابه أهون من عذاب الأوّل «4».

و روايةِ زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال في حديث

الكفر أقدم من الشرك ..

ثمّ ذكر كفر إبليس.

______________________________

(1) الكافي 2: 383/ 1، وسائل الشيعة 1: 30، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 2.

(2) التوحيد: 229/ 7، وسائل الشيعة 1: 37، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 18.

(3) الكافي 2: 388/ 19، وسائل الشيعة 1: 32، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث

8.

(4) الكافي 2: 285/ 23، وسائل الشيعة 1: 33، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 451

ثمّ قال

فمن اجترىٰ على اللّٰه فأبى الطاعة و أقام على الكبائر، فهو كافر

يعني مستخفّ كافر «1» .. إلىٰ غير ذلك «2».

و يمكن الجمع بينها: إمّا بحمل الجميع علىٰ مراتب الكفر و الشرك و الإيمان و الإسلام؛ فأوّل مراتب الإسلام هو ما يحقن به الدماء، و يترتّب عليه أحكام ظاهرة، و هو شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و أنّ محمّداً رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كما في موثّقة سَماعة و نحوها «3»، و أكمل مراتبه هو ما عرّفه أمير المؤمنين (عليه السّلام) علىٰ ما في مرفوعة البرقي قال

لأنسبنّ الإسلام .. «4»

إلىٰ آخره.

و لعلّه المراد بقوله تعالىٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً «5».

فهذه المرتبة من الإسلام أعلىٰ من كثير من مراتب الإيمان. و بين المرتبتين مراتب إلىٰ ما شاء اللّٰه، و بإزاء كلّ مرتبة مرتبة من الكفر أو الشرك. و كذا للإيمان درجات و مراتب كثيرة يشهد بها الوجدان و الروايات «6».

و بذلك يجمع بين جميع الروايات الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرّقة، و له شواهد كثيرة في نفس الروايات، فخرجت الروايات المستشهد بها لكفر منكر

______________________________

(1) الكافي 2: 384/ 3، وسائل الشيعة 1: 31، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 1: 33، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 11 و 13.

(3) تقدّمت في الصفحة 435 436.

(4) تقدّمت في الصفحة 433.

(5) البقرة (2): 208.

(6) الكافي 2: 42، باب درجات الإيمان.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 3، ص: 452

الضروري عن صلاحية الاستشهاد بها، و عن صلاحية تقييد مثل موثّقة سَماعة المتقدّمة و غيرها.

و إمّا بحمل الطائفة الأُولى المتقدّمة على الثانية، و حمل الطائفة الثانية علىٰ ما إذا جحد حكماً علم أنّه من الدين، لكن لا لكونه موجباً للكفر بنفسه، بل لكونه مستلزماً لإنكار الأُلوهية أو النبوّة و تكذيب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بدعوىٰ عدم ملاءمة تصديق النبوّة مع إنكار ما أعلم أنّه جاء به منتسباً إلى اللّٰه، من غير فرق بين الضروري منها و غيره.

و هذا أقرب إلىٰ حفظ ظواهرها من حملها علىٰ إنكار الضروري. بل حملها عليه خالٍ من الشاهد، بل مخالف لكثير منها، سيّما إذا قيل بالتسوية بين الجحد عن علم و غير علم؛ و إن لم نقل: بأنّ الجحد هو الإنكار عن علم، و إلّا فالأمر أوضح.

و هنا احتمال ثالث بعد حمل المطلقات على المقيّدات-: و هو حملها على الحكم الظاهري؛ و أنّ الجاحد لمّا علم أنّه من الدين محكوم بالكفر. لكنّه لا يلائم جميع الروايات و إن لاءم بعضها.

كما أنّ الجمع الثاني كذلك و إن كان أقرب من الثالث. و أقرب منهما الجمع الأوّل.

و كيف كان: لا دلالة لها علىٰ كفر منكر الضروري من حيث هو.

عدم قيام الإجماع أو الشهرة على نجاسة منكر الضروري

و الظاهر أنّ غالب كلمات الأصحاب في الأبواب المختلفة سيّما أبواب الحدود ناظر إلى الحكم الظاهري، و بعضها محتمل للوجه الثاني، أو محمول عليه، فلا يمكن تحصيل الشهرة أو الإجماع على المدعىٰ؛ ففي

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 453

كتاب المرتدّ من «الخلاف»: «من ترك الصلاة معتقداً أنّها غير واجبة، كان كافراً يجب قتله بلا خلاف» «1».

و في «النهاية»: «من

استحلّ الميتة و الدم و لحم الخنزير ممّن هو مولود علىٰ فطرة الإسلام، فقد ارتدّ بذلك عن دين الإسلام، و وجب عليه القتل بالإجماع» «2».

و في حدود «الشرائع»: «من شرب الخمر مستحلا استتيب، فإن تاب أُقيم عليه الحدّ، و إن امتنع قتل. و قيل: «يكون حكمه حكم المرتدّ» و هو قوي. و أمّا سائر المسكرات فلا يقتل مستحلّها؛ لتحقّق الخلاف بين المسلمين».

و قال: «من استحلّ شيئاً من المحرّمات المجمع عليها- كالميتة و الدم و لحم الخنزير ممّن ولد على الفطرة يقتل» «3».

و يحتمل في هذه العبارات أحد الوجهين، و لهذا قال المحقّق في حدود «الشرائع»: «كلمة الإسلام أن يقول: أشهد أن لا إله إلّا الهّٰذ، و أنّ محمّداً رسول اللّٰه» «4».

نعم، صريح بعض «5» و ظاهر جمع «6» حصول الارتداد بإنكار الضروري، أو ما يعلم أنّه من الدين مطلقاً، و أنّه سبب مستقلّ. كما أنّ صريح بعض «7» و ظاهر

______________________________

(1) الخلاف 5: 359.

(2) النهاية: 713.

(3) شرائع الإسلام 4: 157 158.

(4) نفس المصدر: 172.

(5) جواهر الكلام 6: 47 و 41: 601.

(6) شرائع الإسلام 1: 45، تحرير الأحكام 1: 24/ السطر 14، الروضة البهية 1: 286.

(7) مصباح الفقيه، الطهارة: 567/ السطر 28، العروة الوثقى 1: 67، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 378 380.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 454

جمع «1» أنّه ليس سبباً مستقلا، بل هو لأجل رجوعه إلىٰ إنكار الأصلين. و لم يظهر من قدماء أصحابنا شي ء من الوجهين يمكن الوثوق بمرادهم، فضلًا عن تحصيل الشهرة في المسألة.

نعم قد يقال: بأنّ تسالمهم علىٰ نجاسة الخوارج و النصّاب، مع استدلالهم لها: بأنّهم منكرو الضروري من الدين، دليل علىٰ تسالمهم علىٰ أنّ إنكاره مطلقاً

موجب للكفر؛ ضرورة أنّ كثيراً منهم بل غالبهم كانوا يتقرّبون إلى اللّٰه تعالىٰ بالنصب لهم و الحرب معهم؛ لجهلهم بما ورد في حقّهم من الكتاب و السنّة «2».

و فيه: أنّ التمسّك لنجاستهم بإنكارهم الضروري، إنّما وقع من بعضهم، و لم يظهر تسالمهم عليه، بل الظاهر أنّ نجاسة الطائفتين مسلّمة عندهم بعنوان النصب و الحرب، و لهذا لم ينقل الخلاف في نجاستهما، مع وقوع الخلاف في منكر الضروري.

فالأقوىٰ عدم نجاسة منكر الضروري، إلّا أن يرجع إلىٰ إنكار الأصلين و لو قلنا: بأنّ الإنكار مطلقاً موجب للكفر؛ لعدم الدليل علىٰ نجاسة الكفّار بحيث يشمل المرتدّ بهذا المعنىٰ:

أمّا الآية «3» فواضح.

و أمّا الروايات فقد مرّ الكلام فيها «4».

و أمّا الإجماع فلم يقم عليها.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 3: 199، كشف اللثام 1: 402.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 354/ السطر 29، و: 356/ السطر 6.

(3) التوبة (9): 28.

(4) تقدّمت في الصفحة 405.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 455

بل لا يبعد أن يراد من دعوى الشيخ الإجماع علىٰ كفر مستحلّ الميتة و الدم و لحم الخنزير و ارتداده تارةً، و دعوىٰ عدم الخلاف في كفر من ترك الصلاة معتقداً أنّها غير واجبة أُخرى مضافاً إلىٰ ما تقدّم هي ارتداده بحسب بعض الآثار كالقتل و غيره، دون النجاسة، تأمّل.

و كيف كان: لا يمكن إثبات نجاسته بالإجماع أو الشهرة.

في كفر النواصب و الخوارج و نجاستهم

و أمّا الطائفتان فالظاهر نجاستهما، كما نقل الإجماع و عدم الخلاف و عدم الكلام فيها من جملة من الأعاظم، و إرسالهم إيّاها إرسال المسلّمات «1».

و يمكن الاستدلال عليها بموثّقة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و إيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام؛ ففيها يجتمع

غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهلَ البيت، و هو شرّهم؛ فإنّ اللّٰه تبارك و تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، و إنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه «2».

فإنّه بعد ثبوت نجاسة الطوائف الثلاث بما مرّ مستقصى «3»، جعل هذه الطائفة الخبيثة قرينةً لهم، يشعر أو يدلّ علىٰ كونها نجسة.

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 387، جامع المقاصد 1: 164، روض الجنان: 163/ السطر 23، جواهر الكلام 6: 50.

(2) علل الشرائع: 292/ 1، وسائل الشيعة 1: 220، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 5.

(3) تقدّم في الصفحة 404 416.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 456

هذا مع التصريح بأنّهم

أنجس من الكلب

الظاهر بمناسبة الحكم و الموضوع في النجاسة الظاهرية. و مجرّد جعلهم أنجس من الكلب، لا يوجب رفع اليد عن الظاهر الحجّة.

و لا ينافي ذلك ما مرّ منّا من الخدشة في الاستدلال عليها لنجاسة الطوائف الثلاث «1»؛ لأنّ الاستدلال هناك كان لمقارنتهم مع النصّاب، و قلنا: إنّ صِرف ذلك لا يدلّ على المطلوب، و هاهنا بعد ثبوت النجاسة للطوائف، يستدلّ من المقارنة علىٰ أنّ المراد بتلك النجاسة هي النجاسة الظاهرة التي للطوائف و الكلب بالدليل الخارجي، تأمّل.

و أمّا الاستدلال لها برجوع إنكارهم فضائل أهل البيت الواردة من النبي الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلىٰ تخطئته و اعتقاد الغفلة و الجهل بعواقب أُمورهم في حقّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و هو كفر «2»، فغير تامّ صغرى و كبرى؛ لمنع عموم المدعىٰ في جميع طبقاتهم، و منع صيرورته موجباً للكفر و النجاسة، سيّما مع ذهاب بعض أصحابنا كابن الوليد إلىٰ أنّ

نفي السهو عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أوّل مراتب الغلوّ «3»، و ظهور بعض الآيات «4» و الروايات «5» في سهوه.

و كيف كان: لا ينبغي الإشكال في كفر الطائفتين و نجاستهما.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 413.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 567/ 18.

(3) انظر الفقيه 1: 235.

(4) كقوله تعالىٰ «وَ إِمّٰا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطٰانُ فَلٰا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرىٰ»، الأنعام (6): 68.

(5) كرواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) سها فسلّم في ركعتين ثمّ ذكر .. إلىٰ آخره، راجع بحار الأنوار 17: 97 129.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 457

ثمّ إنّ المتيقّن من الإجماع هو كفر النواصب و الخوارج؛ أي الطائفتين المعروفتين، و هم الذين نصبوا للأئمّة (عليهم السّلام) أو لأحدهم بعنوان التديّن به؛ و أنّ ذلك وظيفة دينية لهم، أو خرجوا علىٰ أحدهم كذلك، كالخوارج المعروفة، و الظاهر أنّ

الناصب

الوارد في الروايات- كموثّقة ابن أبي يعفور المتقدّمة أيضاً يراد به ذلك؛ فإنّ النواصب كانوا طائفة معهودة في تلك الأعصار، كما يظهر من الموثّقة أيضاً، حيث نهي فيها عن الاغتسال في غسالة الحمّام التي يغتسل فيها الطوائف الثلاث و الناصب، و ليس المراد منه المعنى الاشتقاقي الصادق علىٰ كلّ من نصب بأيّ عنوان كان، بل المراد هو الطائفة المعروفة، و هم النصّاب الذين كانوا يتديّنون بالنصب، و لعلّهم من شعب الخوارج.

طهارة الناصب و الخارج لغرض دنيوي و نحوه

و أمّا سائر الطوائف من النصّاب بل الخوارج، فلا دليل علىٰ نجاستهم و إن كانوا أشدّ عذاباً من الكفّار، فلو خرج سلطان علىٰ أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا بعنوان التديّن، بل للمعارضة في الملك، أو غرض آخر،

كعائشة و الزبير و طلحة و معاوية و أشباههم، أو نصب أحد عداوة له أو لأحد من الأئمّة (عليهم السّلام) لا بعنوان التديّن، بل لعداوة قريش، أو بني هاشم، أو العرب، أو لأجل كونه قاتل ولده أو أبيه، أو غير ذلك، لا يوجب ظاهراً شي ءٌ منها نجاسة ظاهرية و إن كانوا أخبث من الكلاب و الخنازير؛ لعدم دليل من إجماع أو أخبار عليه.

بل الدليل علىٰ خلافه؛ فإنّ الظاهر أنّ كثيراً من المسلمين بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)- كأصحاب الجمل و صفّين و أهل الشام و كثير من أهالي الحرمين الشريفين كانوا مبغضين لأمير المؤمنين و أهل بيته الطاهرين صلوات اللّٰه عليهم و تجاهروا فيه، و لم ينقل مجانبة أمير المؤمنين و أولاده المعصومين (عليهم السّلام) و شيعته

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 458

المنتجبين عن مساورتهم و مؤاكلتهم و سائر أنواع العشرة.

و القول: بأنّ الحكم لم يكن معلوماً في ذلك الزمان، و إنّما صار معلوماً في عصر الصادقين (عليهما السّلام) «1» كما ترى. مع عدم نقل مجانبة الصادقين (عليهما السّلام) و أصحابهما و شيعتهما و كذا سائر الأئمّة (عليهم السّلام) المتأخّرة عنهما و شيعتهم عن مساورة شيعة بني أُميّة و بني العبّاس، و لا من خلفاء الجور.

و الظاهر أنّ ذلك لعدم نجاسة مطلق المحارب و الناصب، و أنّ الطائفتين- لعنهما اللّٰه لم تنصبا للأئمّة (عليهم السّلام) لاقتضاء تديّنهما ذلك، بل لطلب الجاه و الرياسة و حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة، أعاذنا اللّٰه منه بفضله.

بل المنقول عن بعض خلفاء بني العبّاس أنّه كان شيعياً، و نقل عن المأمون أنّه قال: «إنّي أخذت التشيّع من أبي»

«2» و مع ذلك كان هو و أبوه علىٰ أشدّ عداوة لأبي الحسن موسى بن جعفر و ابنه الرضا (عليهما السّلام) لمّا رأيا توجّه النفوس إليهما، فخافا علىٰ ملكهما من وجودهما.

و بالجملة: لا دليل علىٰ نجاسة النصّاب و الخوارج إلّا الإجماع و بعض الأخبار، و شي ء منهما لا يصلح لإثبات نجاسة مطلق الناصب و الخارج؛ و إن قلنا بكفرهم مطلقاً، بل وجوب قتلهم في بعض الأحيان.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 358/ 9.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1: 88/ 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 459

حكم سائر الطوائف من المنتحلين للإسلام أو التشيّع

ثمّ إنّ المتحصّل من جميع ما تقدّم: أنّ المحكوم بالنجاسة هو الكافر المنكر للُالوهية، أو التوحيد، أو النبوّة، و خصوص النواصب و الخوارج بالمعنى المذكور.

و أمّا سائر الطوائف من المنتحلين للإسلام أو التشيّع كالزيدية و الواقفة و الغلاة و المجسّمة و المجبّرة و المفوّضة و غيرهم إن اندرجوا في منكري الأُصول أو في إحدى الطائفتين، فلا إشكال في نجاستهم، كما يقال: «إنّ الواقفة من النصّاب لسائر الأئمّة من بعد الصادق (عليه السّلام)» «1».

و أمّا مع عدم الاندراج فلا دليل علىٰ نجاستهم؛ فإنّ بعض الأخبار الواردة في كفر بعضهم كقوله (عليه السّلام)

من شبّه اللّٰه بخلقه فهو مشرك، و من نسب إليه ما نهي عنه فهو كافر «2»

و قوله (عليه السّلام)

من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر مشرك «3»

و قوله (عليه السّلام)

و القائل بالجبر كافر، و القائل بالتفويض مشرك «4»

و غير

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 229/ 410 411، الحدائق الناضرة 5: 189.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1: 114/ 1، وسائل الشيعة 28: 339، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 1.

(3) عيون أخبار الرضا

(عليه السّلام) 1: 143/ 45، وسائل الشيعة 28: 340، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 5.

(4) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1: 124/ 17، وسائل الشيعة 28: 340، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 460

ذلك «1» فسبيله سبيل الأخبار الكثيرة المتقدّمة «2» و غيرها ممّا لا يحصى ممّا أُطلق فيها

الكافر

و

المشرك

علىٰ كثير ممّن يعلم عدم كفرهم و شركهم في ظاهر الإسلام، و قد حملناها علىٰ مراتب الشرك و الكفر «3»، كما قامت الشواهد في نفس الروايات عليه.

و الإنصاف: أنّ كثرة استعمال اللفظين في غير الكفر و الشرك الظاهريين، صارت بحيث لم يبقَ لهما ظهور يمكن الاتكال عليه لإثبات الكفر و الشرك الموجبين للنجاسة فيمن أُطلقا عليه، و لا لإثبات التنزيل في جميع الآثار، و هو واضح جدّاً لمن تتبّع الروايات، و لا دليل آخر من إجماع أو غيره علىٰ نجاستهم.

حكم الغلاة

و أمّا الغلاة، فإن قالوا بإلهية أحد الأئمّة (عليهم السّلام) مع نفي إله آخر أو إثباته، أو قالوا بنبوّته، فلا إشكال في كفرهم.

و أمّا مع الاعتقاد بالوهيته تعالىٰ، و وحدانيته، و نبوّة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فلا يوجب شي ء من عقائدهم الفاسدة كفرَهم و نجاستهم؛ حتّى القول بالاتحاد أو الحلول إن لم يرجع إلىٰ كون اللّٰه تعالىٰ هو هذا الموجود المحسوس و العياذ باللّٰه فإنّه يرجع إلىٰ إنكار اللّٰه تعالىٰ، بل يراد بهما ما عند بعض الصوفية: من فناء العبد في اللّٰه و اتحاده معه نحو فناء الظلّ في ذيه، فإنّ تلك الدعاوي لا توجب الكفر و إن كانت فاسدة.

______________________________

(1) راجع وسائل

الشيعة 28: 339، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10.

(2) تقدّم في الصفحة 448 450.

(3) تقدّم في الصفحة 451.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 461

و كالاعتقاد بأنّ اللّٰه تعالىٰ فوّض أمر الخلق مطلقاً إلىٰ أمير المؤمنين (عليه السّلام) فهو بتفويض اللّٰه تعالىٰ إليه خالق ما يرىٰ و ما لا يرى، و رازق الورىٰ، و أنّه محي و مميت .. إلىٰ غير ذلك من الدعاوي الفاسدة، فإنّ شيئاً منها لا يوجب الكفر و إن كان غلوّاً، و كان الأئمّة (عليهم السّلام) يبرأون منها، و ينهون الناس عن الاعتقاد بها.

و دعوىٰ: أنّ إثبات ما هو مختصّ باللّٰه تعالىٰ لغيره، إنكار للضروري «1»، ممنوعة إن أُريد به ضروري الإسلام؛ فإنّ تلك الأُمور من ضروري العقول لا الإسلام. مع أنّ منكر الضروري ليس بكافر، كما مرّ «2».

حكم المجسّمة

و أمّا المجسّمة، فإن التزموا بأنّه تعالىٰ جسم حادث كسائر الحوادث، فلا إشكال في كفرهم؛ لإنكار الوهيته تعالىٰ، و لا أظنّ التزامهم به.

و مع عدمه: بأن اعتقد بجسميته تعالىٰ؛ بمعنى أن يعتقد أنّ الإلٰه القديم الذي يعتقد به كافّة الموحّدين جسم لنقص معرفته و عقله فلا يوجب ذلك كفراً و نجاسة.

هذا إن ذهب إلىٰ أنّه جسم حقيقة، فضلًا عمّا إذا قال: بأنّه جسم لا كالأجسام، كما نسب إلىٰ هشام بن الحكم الثقة الجليل المتكلّم «3» و لقد ذبّ أصحابنا عنه، و قالوا: «إنّما قال ذلك معارضةً لطائفة لا اعتقاداً» «4» و بعض الأخبار

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 569/ السطر 18.

(2) تقدّم في الصفحة 451 452.

(3) انظر الشافي في الإمامة 1: 82 84، الملل و النحل 1: 164 165.

(4) انظر الشافي في الإمامة 1: 82 84،

تنقيح المقال 3: 294/ السطر 23 (أبواب الهاء).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 462

و إن كان ينافي ذلك «1»، لكن ساحة مثل هشام مبرّأ عن مثل هذا الاعتقاد السخيف. مع أنّ مراده غير معلوم علىٰ فرض ثبوت اعتقاده به.

حكم المجبّرة و المفوّضة

و أمّا القول بالجبر أو التفويض، فلا إشكال في عدم استلزامه الكفر- بمعنى نفي الأُصول إلّا علىٰ وجه دقيق يغفل عنه الأعلام، فضلًا عن عامّة الناس، و مع عدم الالتفات إلى اللازم لا يوجب الكفر جزماً.

و دعوى استلزام الجبر لنفي العقاب و الثواب، و ذلك إبطال للنبوّات «2»، لو فرضت صحّتها لم يلتزم المجبّرة به، و لا إشكال في أنّ القائل بهما ليس منكراً للضروري؛ لعدم كون الأمر بين الأمرين من ضروريات الدين، بل و لا من ضروريات المذهب؛ و إن كان ثابتاً بحسب الأخبار «3»، بل البرهان كما حقّق في محلّه «4».

و الإنصاف: أنّ الأمر بين الأمرين- بالمعنى المستفاد من الأخبار، و القائم عليه البرهان الدقيق لا يمكن تحميل الاعتقاد به علىٰ فضلاء الناس، فضلًا عن عوامّهم و عامّتهم، و لهذا ترى أنّه قلّما يتّفق لأحد تحقيق الحقّ فيه و سلوك مسلك الأمر بين الأمرين من دون الوقوع في أحد الطرفين؛ أي الجبر و التفويض سيّما الثاني.

______________________________

(1) الكافي 1: 104/ 1 و 4 و 5 و 6 و 7.

(2) كشف اللثام 1: 404، جواهر الكلام 6: 54.

(3) الكافي 1: 155، باب الجبر و القدر و الأمر بين الأمرين، التوحيد: 359، الباب 59.

(4) الطلب و الإرادة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 35.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 463

فتحصّل ممّا ذكر عدم كفر الطوائف المتقدّمة، فما عن غير واحد: «من

أنّ نجاسة الغلاة إجماعية» «1» أو «لا خلاف» «2» و «لا كلام فيها» «3» فالقدر المتيقّن منه هو الغلوّ بالمعنى الأوّل، لا بمعنى التجاوز عن الحدّ مطلقاً. و ما عن الشيخ و غيره من نجاسة المجسّمة «4» و عن «حاشية المقاصد» و «الدلائل»: «لا كلام في نجاستهم» «5» لعلّ المراد لهم مَن توجّه و التفت إلىٰ لازمه، و إلّا فلا دليل عليها كما تقدّم، و كذا الكلام في المجبّرة و المفوّضة.

حكم المنافقين

بقي الكلام في المنافقين الذين يظهرون الإسلام و يبطنون الكفر، فإن قلنا: بأنّ الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالأُصول الثلاثة، و كلمة الشهادتين طريق إثباته في الظاهر، أو أنّه عبارة عن الإقرار باللسان، و الاعتقاد بالجنان، فيكون موضوع الأحكام مركّباً من جزءين، و جُعل أحدهما طريقاً للآخر، فلا إشكال في كفرهم واقعاً و إن رتّبت عليهم أحكام الإسلام ظاهراً ما لم يثبت خلافه.

فإذا علمنا بنفاقهم لا يجوز إجراء الأحكام عليهم، فحينئذٍ يقع الإشكال في المنافقين الذين كانوا في صدر الإسلام، و كان النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الوصي (عليه السّلام) يتعاملان معهم معاملة الإسلام.

______________________________

(1) روض الجنان: 163/ السطر 23.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 144/ السطر 14.

(3) جامع المقاصد 1: 164.

(4) المبسوط 1: 14، منتهى المطلب 1: 168/ السطر 27.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 145/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 464

و طريق دفعه إمّا بأن يقال: إنّ مصالح الإسلام اقتضت جعل أحكام ثانوية واقعية نظير باب التقيّة، فجريان أحكام الإسلام عليهم واقعاً لمصلحة تقوية الإسلام في أوائل حدوثه، فإنّه مع عدم إجرائها في حال ضعفه و نفوذ المنافقين و قوّتهم، كان يلزم منه الفساد و التفرقة،

فأجرى اللّٰه تعالىٰ أحكامه عليهم واقعاً، و أمّا بعد قوّة الإسلام و عدم الخوف منهم و عدم لزوم تلك المفسدة، فلا تجري الأحكام عليهم.

و إمّا بأن يقال: إنّ ترتيب الآثار كان ظاهراً لخوف تفرقة المسلمين، فهم مع كفرهم و عدم محكوميتهم بأحكامه واقعاً، كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و وصيّه (عليه السّلام) يتعاملان معهم معاملة المسلمين ظاهراً؛ حفظاً لشوكة الإسلام.

و الالتزام بالثاني في غاية الإشكال. بل مقطوع الخلاف بالنسبة إلىٰ بعض الأحكام.

و إمّا بأن يقال: إنّ العلم غير العادي كالعلم من طريق الوحي لم يكن معتبراً، لا بمعنى نفي اعتباره حتّى يلزم منه الإشكال، بل بالتزام تقييد في الموضوع. و هو أيضاً بعيد.

و إن قلنا: بأنّ الإسلام عبارة عن صِرف الإقرار ظاهراً و الشهادة باللسان، و هو تمام الموضوع لإجراء الأحكام واقعاً، فلا إشكال في طهارتهم و إجراء الأحكام عليهم، و لا يرد الإشكال علىٰ معاملة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) معهم معاملة الإسلام، فإنّهم مسلمون حقيقة، إلّا أن يظهر منهم مخالفة الإسلام؛ بأن يقال: إنّ الإسلام عبارة عن التسليم و الانقياد ظاهراً، مقابل الجحد و الخروج عن السلم، فمن ترك عبادة الأوثان مثلًا، و دخل في الإسلام بالإقرار بالشهادتين، و انقاد لأحكامه، كان مسلماً منقاداً يجري عليه أحكامه واقعاً، إلّا أن يظهر منه ما يخالف الأُصول. هذا بحسب مقام الثبوت.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 465

و أمّا بحسب مقام الإثبات و التصديق:

فقد عرفت في صدر المبحث: أنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة أنّ الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالأُصول الثلاثة «1»، فلو علمنا بأنّ نصرانياً أظهر الإسلام من غير اعتقاد، بل يبقىٰ على اعتقاد

التنصّر، لم يكن في ارتكازهم مسلماً.

لكن يظهر من الكتاب و الأخبار خلاف ذلك؛ قال تعالىٰ قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ «2».

في «المجمع»: «هم قوم من بني أسد أتوا النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في سنة جَدْبة، و أظهروا الإسلام، و لم يكونوا مؤمنين في السرّ».

ثمّ قال: «قال الزجّاج: الإسلام: إظهار الخضوع و القبول لما أتى به الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بذلك يحقن الدم، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد و تصديق بالقلب فذلك الإيمان إلىٰ أن قال-: و روى أنس، عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

الإسلام علانية، و الإيمان في القلب

أشار إلىٰ صدره» «3» انتهىٰ.

و في موثّقة أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سمعته يقول قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا فمن زعم أنّهم آمنوا فقد كذب، و من زعم أنّهم لم يسلموا فقد كذب «4».

و في موثّقة جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قول اللّٰه تعالىٰ قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 427.

(2) الحجرات (49): 14.

(3) مجمع البيان 9: 207 208.

(4) الكافي 2: 25/ 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 466

فقال لي

أ لا ترى أنّ الإيمان غير الإسلام! «1».

و في حسنة «2» حُمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

الإيمان: ما استقرّ في القلب، و أفضى به إلى اللّٰه، و صدّقه العمل بالطاعة للّٰه، و التسليم لأمر اللّٰه،

و الإسلام: ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المواريث و جاز النكاح.

ثمّ استشهد بالآية المتقدّمة و قال:

فقول اللّٰه أصدق القول «3».

و تدلّ عليه أيضاً جملة من الروايات الأُخر، كموثّقة سَماعة المتقدّمة «4»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها: فقلت: فصفهما لي، فقال

الإسلام: شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و التصديق برسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث، و علىٰ ظاهره جماعة الناس، و الإيمان: الهدىٰ و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام، و ما ظهر من العمل به، و الإيمان أرفع من الإسلام بدرجة؛ إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر، و الإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن؛ و إن اجتمعا في القول و الصفة «5».

و هي بحسب ذيلها كالصريحة أو الصريحة في المقصود.

و يمكن المناقشة في صدرها بأن يقال: إنّ الشهادة لا تصدق إلّا مع الموافقة للقلوب، و لهذا كذّب اللّٰه تعالى المنافقين مع شهادتهم برسالة

______________________________

(1) الكافي 2: 24/ 3.

(2) تقدّم وجهها في الصفحة 436، الهامش 1.

(3) الكافي 2: 26/ 5.

(4) تقدّمت في الصفحة 435.

(5) الكافي 2: 25/ 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 467

النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ «1» و الظاهر أنّ تكذيبهم لعدم موافقة شهادتهم لقلوبهم.

و يمكن دفعها: بأنّ «الشهادة» صادقة بصِرف الشهادة ظاهراً، و لهذا تجعل مقسماً للصادقة و الكاذبة بلا تأوّل، و لعلّ التكذيب في الآية كان لقرينة علىٰ دعواهم موافقة القلوب للظاهر.

و كيف كان:

لا إشكال في دلالتها عليه.

و في صحيحة الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

إنّ الإيمان يشارك الإسلام، و لا يشاركه الإسلام؛ إنّ الإيمان ما وقر في القلوب، و الإسلام ما عليه المناكح و المواريث، و حقن الدماء «2».

و في رواية حفص بن خارجة قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) .. إلىٰ أن قال

فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان، و يجري عليه أحكام المؤمنين، و هو عند اللّٰه كافر، و قد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله و عمله! «3» ..

إلىٰ غير ذلك.

و حمل تلك الروايات علىٰ لزوم جريان الأحكام في الظاهر لو أمكن في بعضها، لكن يأبىٰ عنه أكثرها.

______________________________

(1) المنافقون (63): 1.

(2) الكافي 2: 26/ 3.

(3) الكافي 2: 39/ 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 468

طهارة ولد الزنا و إسلامه

ثمّ إنّ المشهور علىٰ ما حكاه جماعة «1» طهارة ولد الزنا و إسلامه. بل عن «الخلاف» الإجماع علىٰ طهارته «2»، و لعلّه مبنيّ علىٰ أنّ فتوى السيّد بكفره «3» لا تلازم فتواه بنجاسته، كما أنّ فتوى الصدوق بعدم جواز الوضوء بسؤره «4» لا تستلزم القول بها.

و لم يحضرني كلام السيّد و لا الحلّي، و اختلف النقل عنهما؛ ففي «الجواهر»: «في «السرائر»: «أنّ ولد الزنا قد ثبت كفره بالأدلّة بلا خلاف بيننا» بل يظهر منه أنّه من المسلّمات، كما عن المرتضى الحكم بكفره أيضاً» «5» انتهىٰ.

و يظهر ذلك أيضاً من الشيخ سليمان البحراني، كما في «الحدائق» «6».

و هو لا يدلّ علىٰ حكمهما بنجاسته؛ لعدم الملازمة بينهما بعد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة مطلق الكافر. إلّا أن يقال: إنّ السيّد قائل بنجاسة كلّ كافر، كما يظهر من

«انتصاره» «7» و «ناصرياته» «8».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 190، جواهر الكلام 6: 68، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 359/ السطر 10.

(2) انظر جواهر الكلام 6: 68، الخلاف 1: 713.

(3) الانتصار: 273.

(4) الفقيه 1: 8/ 11.

(5) جواهر الكلام 6: 68.

(6) الحدائق الناضرة 5: 191.

(7) الانتصار: 10.

(8) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 216/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 469

و كيف كان: تدلّ علىٰ إسلامه الأخبار الشارحة للإسلام الذي عليه المناكح و المواريث «1»، و إطلاقها شامل له بلا شبهة، و دعوىٰ عدم الإطلاق «2» في غاية الضعف، و هي حاكمة علىٰ جميع ما ورد في حقّ ولد الزنا، فإنّ غاية ما في الباب تصريح الأخبار بكفره، فتكون حالها حال الأخبار التي وردت في كفر كثير من الطوائف و شركهم ممّا مرّ الكلام فيها «3»، مع عدم دليل عليه أيضاً، كما سنشير إليه.

ثمّ إنّ القائل بكفره إن أراد منه أنّه لا يمكن منه الإسلام عقلًا، أو لا يقع منه خارجاً، فلا بدّ من طرح إظهاره للشهادتين؛ للعلم بتخلّفه عن الواقع.

ففيه: مضافاً إلىٰ عدم الدليل علىٰ ذلك لو لم نقل: إنّ الدليل علىٰ خلافه أنّه لو سلّم لا يوجب كفره؛ لما مرّ من أنّ الإسلام الذي يجري عليه الأحكام ظاهراً، ليس إلّا التسليم الظاهري و الانقياد بإظهار الشهادتين، فما لم يظهر منه شي ء مخالف لذلك، يكون محكوماً بالإسلام و لو علم عدم اعتقاده، كما قلنا في المنافقين «4».

و إن أراد منه أنّه محكوم بأحكام الكفر من عدم جواز التزويج و غيره، فهو ممكن، لكن يحتاج إلىٰ قيام دليل عليه، و هو مفقود؛ لأنّ الأخبار الواردة فيهم «5» الدالّة علىٰ عدم دخولهم في الجنّة فإنّها للمطهّرين لا

تدلّ علىٰ كفرهم، بل فيها ما تدلّ علىٰ صحّة إيمانهم، مثل ما دلّ علىٰ بناء بيت في النار لولد الزنا

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 435 436.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 570/ السطر 20.

(3) تقدّم في الصفحة 448 451.

(4) تقدّم في الصفحة 464.

(5) راجع المحاسن: 139/ 28 و 29، بحار الأنوار 5: 287/ 10 و 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 470

العارف، و كان منعّماً فيها، و محفوظاً عن لهيبها «1»، و هذا دليل علىٰ صحّة إيمانه.

و لا يجب على اللّٰه تعالىٰ أن يدخله الجنّة؛ فإنّ ما يحكم به العقل امتناع تعذيب اللّٰه تعالىٰ أحداً من غير كفر أو عصيان، و أمّا لزوم إدخاله في الجنّة بل لزوم جزائه و استحقاقه على اللّٰه تعالىٰ شيئاً فلا دليل عليه، بل العقل حاكم علىٰ خلافه.

نعم، لا يمكن تخلّف وعده، لكن لو دلّ دليل على اختصاص وعده بطائفة خاصّة، لا ينافي حكم العقل.

و كيف كان: هذه الطائفة من الأخبار أجنبية عن الأحكام الظاهرية، كأجنبية سائر ما تشبّث به في «الحدائق» «2» كما وردت في مساواة ديتهم لدية أهل الكتاب «3»، مع عدم عمل الطائفة بهذه الأخبار علىٰ ما حكي «4».

و ما وردت من «أنّ حبّ عليّ (عليه السّلام) علامة طيب الولادة و بغضه علامة خبثها» «5».

و ما وردت من «أنّ لبن أهل الكتاب أحبّ إليّ من لبن ولد الزنا» «6».

و ما وردت من «أنّ نوحاً (عليه السّلام) لم يحمل في السفينة ولد الزنا، مع حمله الكلب و الخنزير» «7».

______________________________

(1) المحاسن: 149/ 64، بحار الأنوار 5: 287/ 12.

(2) الحدائق الناضرة 5: 194 196.

(3) وسائل الشيعة 29: 222، كتاب الديات، أبواب ديات النفس، الباب 15.

(4) جواهر

الكلام 6: 70.

(5) بحار الأنوار 38: 189، الباب 63، الغدير 4: 322 323.

(6) الكافي 6: 43/ 5، وسائل الشيعة 21: 462، كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد، الباب 75، الحديث 2.

(7) تفسير العيّاشي 2: 148/ 27 و 28، وسائل الشيعة 27: 377، كتاب الشهادات، الباب 31، الحديث 9 و 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 471

و ما وردت من عدم قبول شهادته، و عدم جواز توليته القضاء و الإمامة «1» .. إلىٰ غير ذلك ممّا لا دخل لها بكفره و نجاسته «2»، كما لا يخفى.

نعم، ربّما يتمسّك لنجاسته بأخبار غسالة الحمّام و بكفره «3»؛ بدعوىٰ ملازمتها مع كفره، و في المقدّمتين إشكال و منع.

أمّا الثانية: فلعدم الدليل عليها.

و أمّا الاولىٰ: فللإشكال في روايتها سنداً و دلالةً:

أمّا رواية حمزة بن أحمد، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته أو سأله غيري عن الحمّام، قال

ادخله بمئزر، و غضّ بصرك، و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام؛ فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا و الناصب لنا أهلَ البيت، و هو شرّهم «4».

فمع ضعفها و إرسالها «5»، أنّ الظاهر منها أنّ اغتسال الجنب بما هو، مانع عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 374، كتاب الشهادات، الباب 31، و 8: 321، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 1 و 2 و 4 و 6.

(2) مثل رواية زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: لا خير في ولد الزنا و لا في بشره و لا شعره و لا لحمه و لا في دمه و لا في شي ء منه.

المحاسن: 108/ 100، بحار الأنوار 5: 285/ 6.

(3) و الظاهر أنّ

الصحيح «لكفره».

(4) تهذيب الأحكام 1: 373/ 1143، وسائل الشيعة 1: 218، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 1.

(5) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن عدّة من أصحابنا، عن محمّد بن عبد الحميد، عن حمزة بن أحمد. و الرواية ضعيفة بحمزة بن أحمد فإنّه مهمل. رجال الطوسي: 335/ 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 472

الاغتسال بغسالة الحمّام لا للنجاسة، و لعلّه لكون البقيّة هو الماء المستعمل، فلا يمكن الاستدلال بها لنجاسة ولد الزنا و لو كان الناصب نجساً.

و قريب منها رواية عليّ بن الحكم، عن رجل، عن أبي الحسن (عليه السّلام) في حديث أنّه قال:

لا تغتسل من غسالة الحمّام؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا، و يغتسل فيه ولد الزنا، و الناصب لنا أهلَ البيت، و هو شرّهم «1».

و الظاهر منها أنّ غسالة الغسل من الزنا بما هي من غسل الزنا مانع، و هو غير نجس بالضرورة. و الحمل علىٰ نجاسة عرقه خلاف ظاهرها.

و أمّا رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال:

لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمّام؛ فإنّ فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلىٰ سبع آباء «2».

فمع ضعفها و إرسالها «3»، تدلّ علىٰ خلاف مطلوبه؛ ضرورة أنّ قوله (عليه السّلام)

لا يطهر إلىٰ سبع آباء

بمنزلة التعليل للمنع، مع قيام الضرورة علىٰ عدم نجاسة آباء ولد الزنا أو أبنائه، فيعلم أنّ ما أوجب النهي عن غسالته هو خباثته المعنوية، لا النجاسة الصورية.

______________________________

(1) الكافي 6: 498/ 10، وسائل الشيعة 1: 219، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 14/ 1، وسائل الشيعة 1: 219، كتاب

الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 4.

(3) رواها الكليني، عن بعض أصحابنا، عن ابن جمهور، عن محمّد بن القاسم، عن ابن أبي يعفور.

و الرواية ضعيفة بمحمّد بن القاسم فإنّه مجهول.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 473

و لو كان المراد منه المبالغة فلا تناسب إلّا الخباثة المعنوية.

بل هي شاهدة علىٰ صرف سائر الروايات علىٰ فرض دلالتها، فأخبار هذا الباب ينبغي أن تعدّ من أدلّة طهارة ولد الزنا لا نجاسته.

فما في «الحدائق» من دعوى دلالة الأخبار الصحيحة الصريحة غير القابلة للتأويل علىٰ كفره أو نجاسته «1» علىٰ فرض إرادتها أيضاً، في غاية الغرابة؛ بعد ما عرفت من عدم دلالة رواية واحدة علىٰ مطلوبه. بل عرفت دلالتها علىٰ خلافه.

و أغرب منه توهّم عدم وقوف علمائنا الأعلام علىٰ هذه الأخبار «2» التي خرجت من لديهم إليه و إلى مثله، و هو عيال عليهم في العثور عليها، و كم له من نظير!

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 193.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 475

تتميم يذكر فيه بعض ما هو محلّ خلاف بين الأصحاب
منها: عرق الجنب من الحرام

فعن جملة من المتقدّمين كالصدوقين و الشيخين و القاضي و ابن الجنيد القول بالنجاسة «1». و عن «الخلاف» الإجماع عليه «2». و عن الأُستاذ دعوى الشهرة العظيمة عليه «3»، و عن «الرياض» الشهرة العظيمة بين القدماء «4».

و عن «المراسم» و «الغنية» نسبته إلىٰ أصحابنا «5». و عن «المبسوط» إلىٰ رواية أصحابنا «6». و عن «أمالي الشيخ الصدوق»: «أنّه من دين الإمامية» «7».

______________________________

(1) المقنع: 43 نقله عن رسالة أبيه إليه، الفقيه 1: 40/ 153، المقنعة: 71، النهاية: 53، المهذّب 1: 51، انظر الحدائق الناضرة 5: 214.

(2) الخلاف 1: 483.

(3) مصابيح الظلام 1: 456/ السطر 13 (مخطوط).

(4) رياض المسائل

2: 366.

(5) المراسم: 56، غنية النزوع 1: 45.

(6) المبسوط 1: 37 38.

(7) أمالي الصدوق: 516.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 476

و استدلّ عليه بجملة من الروايات:

كرواية إدريس بن زياد الكَفَرْتوثي: أنّه كان يقول بالوقف، فدخل سرّ من رأى في عهد أبي الحسن (عليه السّلام) و أراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب، أ يصلّي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره حرّكه أبو الحسن (عليه السّلام) بمقرعة، و قال مبتدئاً

إن كان من حلال فصلّ فيه، و إن كان من حرام فلا تصلّ فيه «1».

و عن «إثبات الوصيّة» لعليّ بن الحسين المسعودي نقل الرواية بتفصيل آخر، و في آخرها:

فقال لي

يا إدريس، أما آن لك؟

فقلت: بلىٰ يا سيّدي، فقال

إن كان العرق من الحلال فحلال، و إن كان من الحرام فحرام

من غير أن أسأله، فقلت به، و سلمت لأمره «2».

و عن «البحار»: «وجدت في كتاب عتيق من مؤلّفات قدماء أصحابنا رواه عن أبي الفتح غازي بن محمّد الطريفي، عن عليّ بن عبد اللّٰه الميموني، عن محمّد بن عليّ بن معمر، عن عليّ بن يقطين بن موسى الأهوازي، عن الكاظم (عليه السّلام) مثله، و قال

إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال، و إن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام «3».

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 1: 120، وسائل الشيعة 3: 447، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 12.

(2) إثبات الوصيّة: 201، مستدرك الوسائل 2: 571، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 7.

(3) بحار الأنوار 77: 118/ 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 477

كذا في «مفتاح الكرامة» «1» و في «المستدرك» ذكره بعد رواية

«المناقب» نقلًا عن «البحار» «2».

و عن «مناقب ابن شهرآشوب»: أنّ عليّ بن مَهْزِيار كان أراد أن يسأل أبا الحسن (عليه السّلام) عن ذلك و هو شاكّ في الإمامة .. إلىٰ أن قال: ثمّ قلت: أُريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقلت في نفسي: إن كشف عن وجهه فهو الإمام، فلمّا قرب منّي كشف وجهه، ثمّ قال

إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام، لا تجوز الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس

فلم يبقَ في نفسي بعد ذلك شبهة «3».

و عن «الفقه الرضوي»

إن عرقت في ثوبك و أنت جنب فكانت الجنابة من الحلال، فتجوز الصلاة فيه، و إن كان حراماً فلا تجوز الصلاة فيه حتّى يغسل «4».

نقله في «الحدائق» «5» و لم ينقله صاحب «المستدرك».

و قد يؤيّد بما ورد في غسالة الحمّام، كرواية عليّ بن الحكم، عن رجل، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال

لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا «6».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 1: 151/ السطر 7.

(2) مستدرك الوسائل 2: 569 570، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 5.

(3) المناقب 4: 413.

(4) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 84.

(5) الحدائق الناضرة 5: 217.

(6) تقدّمت في الصفحة 472.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 478

و في الكلّ نظر:

أمّا الإجماع أو الشهرة، فغير ثابت لا بالنسبة إلى النجاسة، و لا المانعية؛ لأنّ عبارات القدماء إلّا الشاذّ منهم خالية عن التصريح بالنجاسة، بل و لا ظهور فيها يمكن الاتكال عليه، ففي «الأمالي» فيما يملي من دين الإمامية: «و إذا عرق الجنب في ثوبه و كانت الجنابة من حلال، فحلال الصلاة

في الثوب، و إن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه» «1».

و في «الفقيه»: «و متىٰ عرق في ثوبه و هو جنب، فليستنشف فيه إذا اغتسل، و إن كانت الجنابة من حلال فحلال الصلاة فيه، و إن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه» «2».

و هما كما ترى ظاهران في المانعية لا النجاسة. بل الظاهر من الثاني الطهارة مع المانعية؛ لأنّ الظاهر أنّ الضمير المجرور في ذيله راجع إلى الثوب الذي أجاز التنشيف به.

و في «الخلاف»: «عرق الجنب إذا كان الجنابة من حرام يحرم الصلاة فيه، و إذا كان من حلال فلا بأس بالصلاة فيه».

ثمّ قال: «دليلنا: إجماع الفرقة، و دليل الاحتياط، و الأخبار التي ذكرناها في الكتابين المتقدّم ذكرهما» «3».

و هو كما ترى نقل الإجماع علىٰ حرمة الصلاة، و هي أعمّ من النجاسة، كحرمة الصلاة في وبر ما لا يؤكل.

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 516.

(2) الفقيه 1: 40/ 153.

(3) الخلاف 1: 483.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 479

و توهّم: أنّ مراده النجاسة؛ بقرينة تصريحه في «نهايته» بنجاسته «1»، و تظهر من «تهذيبه» أيضاً «2»، في غير محلّه حتّى بالنسبة إلىٰ فتواه، فضلًا عن نقل فتوى الفرقة؛ لاحتمال عدوله عن الفتوىٰ بالنجاسة. كما يظهر من محكي «مبسوطه» التوقّف في الحكم «3».

و في «التهذيب» في ذيل كلام المفيد حيث قال: «و لا يجب غسل الثوب منه أي من عرق الجنب- إلّا أن تكون الجنابة من حرام، فتغسل ما أصابه من عرق صاحبها من جسد و ثوب، و يعمل في الطهارة بالاحتياط» «4».

قال بهذه العبارة: «فأمّا ما يدلّ علىٰ أنّ الجنابة من حرام فإنّه يغسل الثوب منها احتياطاً، فهو ما أخبرني ..» ثمّ نقل صحيحة الحلبي قال:

«قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل أجنب في ثوبه ..» إلىٰ آخره، ثمّ حمل الرواية علىٰ عرق المجنب من حرام.

ثمّ قال: «مع أنّه يحتمل أن يكون المعنىٰ فيه أن يكون أصاب الثوب نجاسة، فحينئذٍ يصلّي فيه و يعيد» «5» انتهىٰ.

فترى أنّ كلام الشيخين مبني على الاحتياط.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 479

نعم يظهر منهما سيّما الأوّل أنّه لاحتمال النجاسة.

و في «المراسم»: «و أمّا غسل الثياب من ذرق الدجاج و عرق الجلّال و عرق

______________________________

(1) النهاية: 53.

(2) تهذيب الأحكام 1: 271/ ذيل الحديث 799.

(3) المبسوط 1: 37 38.

(4) تهذيب الأحكام 1: 268/ ذيل الحديث 785.

(5) تهذيب الأحكام 1: 271/ ذيل الحديث 798.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 480

الجنب من الحرام، فأصحابنا يوجبون إزالته، و هو عندي ندب» «1».

و الظاهر أنّ المسألة لم تكن إجماعية؛ لمخالفته صريحاً، و ذكرِ ذرق الدجاج. مضافاً إلىٰ عدم ظهور معتدّ به لكلامه في النجاسة.

و في «الغنية»: «و قد ألحق أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلّالة، و عرق الجنب إذا أجنب من حرام» «2».

و هو غير صريح، بل و لا ظاهر في النجاسة؛ لاحتمال أن يكون مراده الإلحاق الحكمي مطلقاً، أو في خصوص الصلاة، فيمكن تأييد شارح «الموجز» فعنه: «أنّ القول بالنجاسة للشيخ، و هو متروك» «3» بل تصديقه. بل تصديق دعوى الحلّي الإجماع على الطهارة؛ بدعوىٰ رجوع الشيخ عن القول بها «4»، فضلًا عن تصديق دعوى صاحب «المختلف» و «الذكرى» و «الكفاية» و «الدلائل» الشهرة عليها «5».

و أمّا الأخبار،

فلا دلالة لشي ء منها على النجاسة، نعم ظاهرها مانعيته عن الصلاة، و هي أعمّ منها.

نعم ما عن «الفقه الرضوي» «6» لا يخلو من إشعار بها، لكن كون هذا

______________________________

(1) المراسم: 56.

(2) غنية النزوع 1: 45.

(3) كشف الالتباس: 211/ السطر 13 (مخطوط).

(4) السرائر 1: 181.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 150/ السطر 28، مختلف الشيعة 1: 303، ذكرى الشيعة 1: 120، كفاية الأحكام: 12/ السطر 15.

(6) تقدّم في الصفحة 477.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 481

الكتاب رواية غير ثابت، فضلًا عن اعتباره.

فلو ثبت اعتماد الأصحاب علىٰ تلك الروايات الدالّة علىٰ عدم جواز الصلاة فيه، فلا محيص عن العمل بها. لكنّه أيضاً محلّ إشكال، سيّما مع ما في «الخلاف» كما تقدّم «1»، حيث تمسّك في الحكم بالأخبار التي في «التهذيبين» «2» فلو كان اعتماده علىٰ تلك الأخبار لم يقل ذلك، و لم يكن وجه لترك التمسّك بها في الكتابين، و سيّما مع نقل «الدلائل» عن «المبسوط» نسبة كراهة الصلاة فيه إلى الأصحاب «3»؛ و إن قال صاحب «مفتاح الكرامة»: «و لم أجد ذكر ذلك فيه» «4» فإنّ عدم وجدانه أعمّ.

فإثبات المانعية بتلك الروايات الضعيفة غير المجبورة، مشكل بل ممنوع، و الاتكال علىٰ نفس الشهرة و الإجماع المنقول في «الخلاف» و غيره أيضاً لا يخلو من إشكال؛ لإعراض المتأخّرين عنه من زمن الحلّي.

مضافاً إلىٰ أنّ مدّعي الإجماع كالشيخ توقّف أو مال إلى الخلاف، علىٰ ما في محكي «مبسوطه» «5».

و يظهر من «تهذيبه» «6» و الناسب إلى الأصحاب توقّف، كابن زهرة «7»، أو

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 478.

(2) تهذيب الأحكام 1: 271/ 799، الاستبصار 1: 187/ 655.

(3) راجع المبسوط 1: 91.

(4) مفتاح الكرامة 1: 151/ السطر

3.

(5) المبسوط 1: 91.

(6) تهذيب الأحكام 1: 271/ ذيل الحديث 799.

(7) غنية النزوع 1: 45.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 482

أفتىٰ بالخلاف، كأبي يعلى سلّار بن عبد العزيز «1».

و أمّا ما في «الأمالي» فالظاهر أنّ ما أدّى إليه نظره عدّه من دين الإمامية، كما يظهر بالرجوع إلىٰ أحكام ذكرها في ذلك المجلس.

هذا مع ما في جملة من الروايات المصرّحة بعدم البأس عن عرق الجنب، و لا يبعد دعوى تحكيم بعضها علىٰ تلك الأخبار:

مثل ما عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال

سألت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الجنب و الحائض يعرقان في الثوب حتّى يلصق عليهما، فقال: إنّ الحيض و الجنابة حيث جعلهما اللّٰه عزّ و جلّ، ليس في العرق، فلا يغسلان ثوبهما «2».

و عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا يجنّب الثوب الرجل، و لا يجنّب الرجل الثوب «3».

فلو كان عرق الجنب موجباً للنجاسة أو المانعية في الجملة، لم يعبّرا بمثل ما ذكر فيهما.

هذا و لكن الاحتياط لا ينبغي أن يترك، سيّما بالنسبة إلى المانعيّة.

______________________________

(1) المراسم: 56.

(2) تهذيب الأحكام 1: 269/ 792، وسائل الشيعة 3: 447، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 9.

(3) الكافي 3: 52/ 4، وسائل الشيعة 3: 445، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 483

و منها: عرق الإبل الجلّالة
اشارة

و الأقوى نجاسته، وفاقاً للمحكي عن الصدوقين «1» و الشيخين في «المقنعة» و «النهاية» و «المبسوط» و القاضي و العلّامة في «المنتهىٰ» و صاحب «كشف اللثام» و «الحدائق» و «اللوامع» «2» و عن «الرياض»: «أنّها الأشهر بين القدماء» «3».

و قد تقدّم ما في «الغنية» و «المراسم» من

نسبة إلحاقه بالنجاسات في الأوّل و نسبة وجوب إزالته عن الثياب في الثاني إلى الأصحاب «4».

و ما قلنا في المسألة السابقة: «إنّ المحتمل في الأوّل الإلحاق الحكمي، و لم يكن الثاني صريحاً في النجاسة» «5» لدفع تحصيل الشهرة أو الإجماع بإبداء الاحتمال لا ينافي تشبّثنا بكلامهما في المقام؛ للفرق بين المسألتين: بأنّ هناك لم يدلّ دليل معتمد على النجاسة، بل و لا على المانعية، فاحتجنا في إثباتها إليهما و لو لجبر سند بعض ما تقدّم، و المناقشة في تحقّقهما أو جبر الإسناد بهما بما تقدّم كافية فيه.

و هاهنا تدلّ الرواية الصحيحة علىٰ نجاسته، فلا يجوز رفع اليد عنها إلّا بإثبات إعراض الأصحاب عنها، و مع المناقشة فيه باحتمال كون مراد صاحب

______________________________

(1) نسبه في اللوامع إلى الصدوقين على ما في الجواهر. انظر جواهر الكلام 6: 77، الفقيه 3: 214/ 991، المقنع: 421.

(2) المقنعة: 71، النهاية: 53، المبسوط 1: 38، المهذّب 1: 51، منتهى المطلب 1: 170/ السطر 12، كشف اللثام 1: 416، الحدائق الناضرة 5: 221، اللوامع 1: 141 (مخطوط).

(3) رياض المسائل 2: 368.

(4) تقدّم في الصفحة 479 480.

(5) تقدّم في الصفحة 479 480.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 484

«الغنية» و «المراسم» ذهابَ الأصحاب إلى نجاسته تبقى الصحيحة سليمة عن الموهن، و هي صحيحة حفص بن البَخْتَري، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا تشرب من ألبان الإبل الجلّالة، و إن أصابك شي ء من عرقها فاغسله «1».

و إطلاق صحيح هشام بن سالم، عنه (عليه السّلام) قال قال

لا تأكل اللحوم الجلّالة، و إن أصابك من عرقها فاغسله «2».

و عن «الفقيه»: نهىٰ (عليه السّلام) عن ركوب الجلّالات و شرب ألبانها

و

إن أصابك من عرقها فاغسله «3».

و خلافاً «للمراسم» «4» و عن الديلمي «5» و الحلّي «6» و جمهور المتأخّرين «7». بل عن «كشف الالتباس» و «الذكرى» و «البحار» و غيرها نسبته إلى الشهرة من غير تقييد «8». بل عن «كشف الالتباس»: «أنّ القول بالنجاسة للشيخ، و هو متروك» «9».

______________________________

(1) الكافي 6: 251/ 2، وسائل الشيعة 3: 423، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 15، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 250/ 1، تهذيب الأحكام 1: 263/ 768، وسائل الشيعة 3: 423، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 15، الحديث 1.

(3) الفقيه 3: 214/ 991.

(4) المراسم: 56.

(5) نفس المصدر.

(6) السرائر 1: 181.

(7) انظر ذخيرة المعاد: 155/ السطر 29.

(8) كشف الالتباس: 211/ السطر 12 (مخطوط)، ذكرى الشيعة 1: 120، بحار الأنوار 77: 120، كفاية الأحكام: 12/ السطر 15.

(9) كشف الالتباس: 211/ السطر 12 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 485

حول كلام صاحب الجواهر في المقام

و قد بالغ المحقّق صاحب «الجواهر» في تشييده و تأييده بما لا مزيد عليه، و لم يأتِ بشي ء مقنع يتجه معه ترك العمل بالحجّة الظاهرة في النجاسة:

أمّا تمسّكه بالأُصول، فمع الإشكال في بعضها فظاهر، كتمسّكه بعمومات طهارة الحيوان أو سورة. و كون الجلّال طاهر العين. و ملازمة طهارة سؤره لطهارة عرقه؛ لعدم الانفكاك غالباً. و استبعاد الفرق بينه و بين ما حرّم أكله أصالة، بل و بين سائر الجلّالات، بل و بين سائر فضلات نفسه. و ما دلّ علىٰ حلّ أكله بعد الاستبراء من غير ذكر نجاسته. و بفحوىٰ عدم حرمة استعماله في الركوب و حمل الأثقال مع استلزامه للعرق غالباً من غير الأمر بالتجنّب «1».

إذ العمومات علىٰ فرض وجودها قابلة للتخصيص. مع أنّ الظاهر عدم عموم

لفظي يدلّ علىٰ طهارة الجلّال أو سورة، بل لو كان شي ء يكون إطلاقاً. مع أنّه أيضاً محلّ تأمّل و مناقشة، و علىٰ فرضه قابل للتقييد.

و قضيّة ملازمة طهارة سؤره لطهارة عرقه علىٰ فرضها إنّما هي متّجهة لورود دليل في خصوص سؤر الجلّال، و هو مفقود، و العمومات و الإطلاقات لا تقتضي ما ذكر، مع أنّها مخصّصة أو مقيّدة.

و الاستبعاد المذكور غير معتمد في الأحكام التعبّدية، مع عدم بُعْد في بعض، و عدم إطلاق فيما دلّ علىٰ حلّ الأكل بعد الاستبراء؛ لكونها في مقام بيان حكم آخر.

و منه يظهر حال الفحوى المدعاة .. إلىٰ غير ذلك من مؤيّداته.

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 78 79.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 486

و أمّا ما أفاده: «من أنّ صحيحة هشام و مرسل «الفقيه» لا اختصاص فيهما بالإبل و لا قائل غير «النزهة» بالأعمّ «1»، و التخصيص إلىٰ واحد غير جائز و الحمل على العهد تكلّف، فلا بدّ من الحمل علىٰ غير الوجوب، و إلّا لكان الخبر من الشواذّ. و مجاز الندب أولىٰ من عموم المجاز؛ لشيوعه حتّى قيل: «إنّه مساوٍ للحقيقة» «2» فيكون قرينة علىٰ إرادة الندب أيضاً بالنسبة إلى الإبل في حسنة حفص» «3».

ففيه: بعد تسليم جميع المقدّمات أنّه لا يوجب رفع اليد عن الحسنة، و دعوى قرينية ما ذكر لإرادة الندب فيها ممنوعة، بل هي مخصّصة أو مقيّدة للصحيح و المرسل.

مع أنّ ما ذكر من المقدّمات غير سليمة عن المناقشة، بل المنع؛ لمنع لزوم الاستهجان لو قلنا بعدم نجاسة غير عرق الإبل، فإنّ هيئة الأمر علىٰ ما ذكرنا في محلّه لا تدلّ على الوجوب دلالة لفظية وضعية، بل هي موضوعة للبعث و الإغراء «4»،

كما أنّ هيئة النهي موضوعة للزجر «5»، فهي في عالم الألفاظ كالإشارة المغرية أو الزاجرة.

نعم، مع عدم قيام دليل على الترخيص تكون حجّة على العبد؛ لحكم العقل و العقلاء بلزوم تبعية إغراء المولى و زجره مع عدم الدليل على الترخيص، كما ترى في الإشارة الإغرائية أو الزاجرة مع عدم وضعها لشي ء.

فحينئذٍ نقول: إنّ الترخيص إلىٰ واحد، لا يوجب الاستهجان مع بقاء أصل

______________________________

(1) نزهة الناظر: 19.

(2) معالم الدين: 53.

(3) جواهر الكلام 6: 79.

(4) مناهج الوصول 1: 243، تهذيب الأُصول 1: 135.

(5) مناهج الوصول 2: 104، تهذيب الأُصول 1: 373.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 487

البعث بالنسبة إلىٰ سائر الأفراد؛ فإنّ الترخيص ليس مخصّصاً للدليل، بل يكون كاشفاً عن عدم الإرادة الإلزامية بالنسبة إلى مورد الترخيص، مع بقاء البعث بحاله من غير ارتكاب خلاف ظاهر.

نعم، لو دلّ دليل علىٰ عدم استحباب غسل عرق سائر الجلّالات، لا يبعد القول بالاستهجان.

هذا لو لم نقل: بأنّ كثرة ابتلاء أهالي محيط ورود الروايات بالإبل، دون سائر الجلّالات، فإنّها بالنسبة إلى غير الإبل كانت قليلة؛ بحيث توجب الانصراف أو عدم استهجان التخصيص، و إلّا فالأمر أوضح.

و الإنصاف: عدم قيام الحجّة بما ذكره لرفع اليد عن الحجّة القائمة على النجاسة، فالأقوىٰ نجاسته.

طهارة عرق سائر الجلّالات

كما أنّ الأقوىٰ طهارة عرق سائر الجلّالات، و الأحوط التجنّب منه أيضاً.

و قد وقع من الشيخ الأعظم هنا أمر ناشئ عن الاستناد إلىٰ حافظته الشريفة و التعجيل في التصنيف: و هو أنّه نقل حسنة ابن البَخْتَري مع إسقاط لفظة

الإبل

فقال: «إنّ ظاهر الصحيحة الأُولىٰ كالحسنة عدم اختصاص الحكم بالإبل» «1».

مع أنّ جميع النسخ الموجودة عندي و كذا الكتب الفرعية التي راجعتها، مشتملة عليها، و من هنا

لزم علىٰ كلّ باحث أن يراجع المدارك عند التأليف و الفتوىٰ، و لا يكتفي بالكتب الاستدلالية لنقل الرواية، و لا يتكل عليها، فضلًا عن حفظ نفسه؛ بعد ما رأى وقوع مثله مِن مثل مَن هو تألى العصمة و فقيهُ الأُمّة، و اللّٰه العاصم.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 367، السطر 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 488

ثمّ إنّه قد تقدّم الكلام في المسوخ «1»، فلا نطيل بالإعادة.

و هنا بعض أُمور أُخر قد ذهب بعض إلىٰ نجاسته، و دلّت بعض الأخبار عليها، كلبن الجارية «2» و الحديد «3» و أبوال البغال و الحمير «4»، و غيرها «5» ممّا هي ضعيفة المستند بعد كون طهارتها كأمر ضروري، فلا نطيل بذكرها.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 226.

(2) ذهب ابن حمزة إلى نجاسة لبن الجارية. الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 78. و الرواية التي يستدلّ عليها، هو خبر السكوني و فيه «لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ..» إلىٰ آخره.

تهذيب الأحكام 1: 250/ 718، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 4.

(3) لم نقف على قائل بنجاسته و لكن قد ورد في بعض الأخبار «لا تجوز الصلاة في شي ء من الحديد فإنّه نجس ممسوخ».

راجع الحدائق الناضرة 5: 233، جواهر الكلام 6: 84، وسائل الشيعة 3: 530، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 83، الحديث 5 و 6 و 7.

(4) و المنقول عن ابن الجنيد و عليه الشيخ في النهاية: نجاسة أبوال البغال و الحمير. انظر المعتبر 1: 413، النهاية: 51، و أمّا الروايات فقد ورد في بعضها «يغسل بول الحمار و الفرس و البغل ..» إلىٰ آخره وسائل الشيعة 3: 406، كتاب الطهارة،

أبواب النجاسات، الباب 9.

(5) كالقي ء كما نقل عن بعض الأصحاب نجاسته، انظر الحدائق الناضرة 5: 233، و قد ورد في بعض الروايات «يجزيك من الرعاف و القي ء أن تغسله و لا تعيد الوضوء».

تهذيب الأحكام 1: 349/ 1026، وسائل الشيعة 1: 266، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 7، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 489

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً، و ظاهراً و باطناً، و قد وقع الفراغ من مبيضة هذه الوريقات في صبيحة العاشر من ذي الحجّة الحرام سنة 1373 ه

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الجزء الرابع

[تتمة مباحث النجاسات]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين، و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله أجمعين، و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم إلىٰ يوم الدين

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 7

الفصل الثاني في أحكام النجاسات

اشارة

و فيه مطالب

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 9

المطلب الأوّل في سراية النجاسة إلى الملاقيات

المعروف بينهم القول بسراية النجاسة ممّا هو محكوم بها شرعاً إلىٰ ما يلاقيه و هكذا؛ بلغ ما بلغ «1».

فهاهنا جهات من البحث، بعد الفراغ عن أنّ السراية من الأعيان النجسة إلىٰ ملاقياتها، تتوقّف على الرطوبة السارية، كما مرّ الكلام فيه مستقصى «2»:

الجهة الاولىٰ: في سراية النجاسة من الأعيان النجسة
اشارة

الكلام في سرايتها إلى الملاقيات، مقابل من أنكر ذلك إمّا مطلقاً، أو في الجملة، و هو لازم كلام علم الهدىٰ، حيث حكي عنه في مقام الاستدلال لجواز استعمال المائعات الطاهرة غير الماء في تطهير الثوب: «بأنّ تطهيره ليس إلّا إزالة النجاسة عنه، و قد زالت بغير الماء مشاهدةً» «3».

و أوضح منه ما حكي عنه من جواز تطهير الأجسام الصقيلة بالمسح

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 576/ السطر 6.

(2) تقدّم في الجزء الثالث: 91 و 94 و 104.

(3) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 219/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 10

بحيث تزول عنها العين؛ معلّلًا لذلك بزوال العلّة «1».

و الظاهر منهما أنّ الأعيان النجسة، لا تؤثّر في تنجيس ملاقياتها حكماً، و أنّ الطهارة للأشياء ليست إلّا زوال عين النجاسة منها، فإذا زالت العلّة و لا يبقىٰ أثر منها تصير طاهرة؛ إذ ليست النجاسة إلّا تلطّخها بأعيانها، و هذا مساوق للقول بعدم سراية النجاسة من الأعيان إليها.

و عن المحدّث الكاشاني: «أنّه لا يخلو من قوّة؛ إذ غاية ما يستفاد من الشرع وجوب اجتناب أعيان النجاسات، و أمّا وجوب غسلها بالماء من كلّ جسم فلا، فما علم زوال النجاسة عنه قطعاً حكم بتطهّره، إلّا ما خرج بدليل يقتضي اشتراط الماء، كالثوب و البدن.

و من هنا يظهر طهارة البواطن بزوال العين، و طهارة أعضاء الحيوان النجسة- غير الآدمي به، كما يستفاد من الصحاح» «2»

انتهىٰ.

و لعمري، إنّ قول السيّد أظهر في هذا المقال من قول الكاشاني، أو مثله حيث تبعه في ذلك، فلا وجه للطعن عليه بتفرّده «3».

فيما استدلّ به لعدم سراية النجاسة
اشارة

و يمكن أن يستدلّ علىٰ مطلوبهما بطوائف من الأخبار:

منها: ما دلّت علىٰ أنّ اللّٰه جعل الأرض مسجداً و طهوراً،

و ورودها في مقام الامتنان يؤكّد إطلاقها،

فعن «الخصال» بإسناده عن أبي امامة قال: قال

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 450.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 77.

(3) الحدائق الناضرة 5: 266، مصباح الفقيه، الطهارة: 577/ السطر 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 11

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «فضّلت بأربع: جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» «1».

و

في مرسلة أبان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إنّ اللّٰه تبارك و تعالى أعطىٰ محمّداً (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) شرائع نوح و إبراهيم و موسى و عيسىٰ ..» إلىٰ أن قال: «جعل له الأرض مسجداً و طهوراً ..» «2»

إلىٰ آخره.

و دعوىٰ عدم إطلاقها؛ فإنّها في مقام الإخبار بالتشريع، كأنّها في غير محلّها؛ فإنّ حكايته إنّما هي للعمل، لا لنقل قضيّة كنقل التأريخ، فلو كانت أرض خاصّة طهوراً لكان عليه البيان، سيّما مع اقتضاء المقام التعميم، كدعوى اختصاصها برفع الحدث، لعدم الدليل عليه. و مجرّد اشتمال بعضها علىٰ ذكر التيمّم لا يوجب الاختصاص.

و من هذا القبيل

صحيحة جميل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «3»

سيّما إذا أُريد التشبيه. و مجرّد كون صدرها في مورد التيمّم، لا يوجب تقييد الكبرى الكلّية التي في مقام الامتنان المقتضي للتعميم.

و تقريب الاستدلال بهذه الطائفة للمطلوب بأن يقال: إنّ الطهارة لدى العرف عبارة عن خلوّ الأشياء و نقائها عن القذارات، و الأرض كالماء مؤثّرة في إزالتها و إرجاعها إلىٰ حالها الأصلية و زوالِ العلّة، و هي بعينها دعوى السيّد،

______________________________

(1) الخصال: 201/ 14، وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب

التيمّم، الباب 7، الحديث 3.

(2) المحاسن: 287/ 431، الكافي 2: 17/ 1، وسائل الشيعة 3: 349، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 1.

(3) الفقيه 1: 60/ 223، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1264، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 12

و لازمه عدم سراية القذارات في الأشياء؛ إذ الأرض لا تؤثّر إلّا في زوال الأعيان، و هو بعينه الطهارة عرفاً و عقلًا.

و بالجملة: هذه الطائفة تدلّ علىٰ ما ذهب إليه من عدم اختصاص الطهور بالماء، و يثبت بها لازمه، و شاهدة أيضاً علىٰ ما لدى العقلاء في ماهية الطهارة و القذارة.

فما قد يمكن أن يقال: إنّ التعبير ب «الطهور» دليل علىٰ أنّ الأشياء تصير قذرة محتاجة إلى المطهّر، غاية الأمر كما يكون الماء مطهّراً تكون الأرض مطهّرة، و هو مخالف لمذهب السيّد.

مدفوع: بأنّ العرف لا يرى الطهارة إلّا إزالة النجاسة عن الجسم و إرجاعَه إلىٰ حالته الذاتية، و طهورية الأرض كطهورية الماء ليست إلّا ذلك، و هي معلومة بالمشاهدة، كما قال السيّد في كلامه المتقدّم.

و منها: ما دلّت علىٰ مطهّرية غير الماء لبعض النجاسات،

كصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل وطأ علىٰ عَذِرة، فساخت رجله فيها، أ ينقض ذلك وضوءه، و هل يجب عليه غسلها؟ فقال: «لا يغسلها إلّا أن يَقذِرها، و لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها، و يصلّي» «1».

و لا يخفىٰ قوّة دلالتها علىٰ مذهب السيّد؛ فإنّ «العَذِرة» ظاهرة وضعاً أو انصرافاً فيما للإنسان، أو الأعمّ منها و ممّا لغير المأكول من السباع، كالكلب و السنَّوْر. و حملها علىٰ عذرة مأكول اللحم خلاف الظاهر جدّاً.

كما أنّ حمل «المسح» على المسح بالأرض خلاف ظاهرها، بل الظاهر

______________________________

(1)

تهذيب الأحكام 1: 275/ 809، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 13

منها أنّ كلّ ما أذهب أثرها كافٍ، و الميزان فيه ذهاب الأثر بأيّ طريق كان، و هو عين مدعاه، و لازمه عدم السراية حكماً مطلقاً.

بل يمكن دعوى حكومة هذه الرواية على الروايات الواردة في غسل ملاقي القذارات «1»؛ بدعوىٰ أنّ قوله (عليه السّلام): «لا يغسلها إلّا أن يَقذِرها» دليل علىٰ أنّ الأمر بالغسل فيها؛ لرفع القذارة العرفية بجميع مراتبها، لا لكون الماء ذا خصوصية شرعاً، بل المعتبر لدى الشارع ليس إلّا ذهاب الأثر بأيّ نحو اتفق.

و

كموثّقة الحلبي أو صحيحته «2» قال: نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زقاق قذر، فدخلت علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال: «أين نزلتم؟» فقلت: في دار فلان. فقال: «إنّ بينكم و بين المسجد زُقاقاً قذراً» أو قلنا له: إنّ بيننا و بين المسجد زُقاقاً قذراً، فقال: «لا بأس؛ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «3».

و مقتضى إطلاقها أنّ الأرض بإزالتها للعين موجبة للتطهّر من غير اختصاص بالمشي أو بالرجل و غير ذلك.

و بما ذكرنا من أنّ الطهارة في الأشياء عرفاً و عقلًا، ليست إلّا زوالَ القذارات عنها و رجوعَها إلىٰ حالتها الأصلية؛ من غير حصول صفة وجودية فيها يظهر صحّة الاستدلال بروايات تدلّ علىٰ مطهّرية الشمس أو هي و الريح في بعض ما يذهب أثره بإشراق الشمس و تبخيرها «4».

______________________________

(1) يأتي تخريجها في الصفحة 18، الهامش 2.

(2) رواها الكليني، عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن محمّد الحلبي. و الترديد لوقوع إسحاق بن عمّار في

السند.

(3) الكافي 3: 38/ 3، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 4.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 451، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 14

و بما هو كالضروري؛ من أنّ زوال عين النجاسة عن بدن الحيوان بأيّ نحو موجب لطهارته.

و بما دلّ علىٰ طهارة بصاق شارب الخمر «1» و ما دلّ علىٰ أنّه ليس للاستنجاء حدّ إلّا النقاء «2» و بموثّق غياث الدالّ علىٰ جواز غسل الدم بالبصاق «3».

و

بمرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في عجين عجن و خبز، ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة، قال: «لا بأس؛ أكلت النار ما فيه» «4».

و بما دلّ علىٰ طهارة الدَّنّ الذي كان فيه الخمر، ثمّ يجفّف و يجعل فيه الخلّ «5» .. إلىٰ غير ذلك، فإنّ كلّ تلك الموارد موافق للقواعد، و ليس للشارع إعمال تعبّد فيها بعد عدم كون الطهارة أمراً مجعولًا تعبّدياً، بل هي بمعنى النظافة، و هي تحصل بإزالة القذارة بأيّ نحو كان.

و نحوها أو أوضح منها

رواية عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الحجامة، أ فيها وضوء؟ قال: «لا، و لا يغسل مكانها؛ لأنّ الحجّام مؤتمن إذا كان ينظّفه، و لم يكن صبيّاً صغيراً» «6».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 473، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 39.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 322، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 13، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 425/ 1350، وسائل الشيعة 1: 205، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 4، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 1: 414/ 1304، وسائل الشيعة 1: 175، كتاب الطهارة،

أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 18.

(5) وسائل الشيعة 3: 495، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 51، الحديث 2.

(6) تهذيب الأحكام 1: 349/ 1031، وسائل الشيعة 3: 499، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 56، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 15

فإنّ الظاهر منها أنّ التنظيف بأيّ نحو، يقع مقام الغسل في تحصيل الطهارة، و ليس المراد منه الغسل بالماء جزماً:

أمّا أوّلًا: فلعدم تعارف غسل الحجّام محلّ الحجامة، بل المتعارف تنظيفه بثوب أو خرقة، فحملها عليه حمل على الفرد النادر، أو غير المحقّق.

و أمّا ثانياً: فلأنّ تبديل الغسل بالتنظيف و جعله مقابلًا له مع أنّ المناسب ذكر الغسل دليل علىٰ مغايرتهما، فهي دالّة علىٰ أنّ الغسل لم يؤمر به إلّا للتنظيف، و الحجّام إذا كان ينظّفه يحصل المقصود به.

و منه يعرف سرّ الأمر بالغسل في سائر النجاسات؛ و هو تحصيل النظافة عرفاً.

و من ضمّ تلك الروايات الكثيرة و غيرها ممّا لم نذكره، يحصل الجزم لو خلّيت الواقعة عن دليل تعبّدي بأنّ التنظيف عند الشارع ليس إلّا ما لدى العقلاء، و أنّ الأمر بالغسل بالماء فيما ورد؛ إنّما هو لسهولة تحصيل الطهور به و لوفوره، و لكونه مع مجّانيته أوقع و أسهل في تحصيله.

و معه لا يفهم من الأدلّة الآمرة بغسل الأشياء بالماء، خصوصية تعبّدية، و لا يفهم العرف أنّ التطهير و التنظيف لدى الشارع، غير ما لدى العقلاء، و أنّ الطهارة عنده ليست عبارة عن خلوّ الشي ء عن القذارة العارضة، بل هي أمر آخر ليس للعقلاء إلىٰ فهمه سبيل، فإنّ كل ذلك بعيد عن الأفهام، مخالف لتلك الروايات الكثيرة، يحتاج إثباته إلىٰ دليل تعبّدي رادع للعقلاء عن ارتكازهم، و لا تصلح

الروايات الآمرة بالغسل لذلك؛ لما عرفت.

و منها: روايات متفرّقة في الأبواب ظاهرة في عدم السراية،

كصحيحة حكم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أبول فلا أُصيب الماء. و قد أصاب يدي شي ء من البول، فأمسحه بالحائط و بالتراب، ثمّ تعرق يدي،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 16

فأمسح بها وجهي، أو بعض جسدي، أو يصيب ثوبي، قال: «لا بأس به» «1».

و هي أيضاً موافقة لما تقدّم.

و نحوها

رواية سَماعة قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السّلام): إنّي أبول فأتمسّح بالأحجار، فيجي ء منّي البلل ما يفسد سراويلي. قال: «ليس به بأس» «2».

و

رواية زيد الشحّام: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الثوب يكون فيه الجنابة، فتصيبني السماء حتّى يبتلّ عليّ، فقال: «لا بأس به» «3».

و حملها علىٰ تطهّر الثوب بالمطر «4» كما ترى.

و

رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الكنيف يصبّ فيه الماء، فينضح على الثياب، ما حاله؟ قال: «إذا كان جافّاً فلا بأس» «5».

و

صحيحة أبي أُسامة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): تصيبني السماء و عليّ ثوب، فتبلّه و أنا جنب، فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المنيّ، أ فأُصلّي فيه؟ قال: «نعم» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 55/ 4، وسائل الشيعة 3: 401، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 6، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 51/ 150، وسائل الشيعة 1: 283، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 13، الحديث 4.

(3) الفقيه 1: 40/ 153، وسائل الشيعة 3: 425، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 3: 425، ذيل الحديث 7.

(5) قرب الإسناد: 281/ 1113، وسائل الشيعة 3: 501، كتاب الطهارة،

أبواب النجاسات، الباب 60، الحديث 2.

(6) الكافي 3: 52/ 2، وسائل الشيعة 3: 445، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 17

بناءً علىٰ أنّ المراد إصابة الثوب لنفس المنيّ الذي في الجسد، لا للجسد الملاقي له.

و

رواية عليّ بن أبي حمزة قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه، فقال: «ما أرىٰ به بأساً».

فقال: إنّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره، قال: فقطب أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في وجه الرجل، فقال: «إن أبيتم فشي ء من ماء فانضحه» «1».

و الظاهر أنّ السؤال عن الثوب الذي فيه أثر الجنابة إذا عرق فيه، و معلوم أنّ العرق بالوجه المسئول عنه يوجب ملاقاة البدن للأثر. و الحمل على السؤال عن عرق الجنب كما ترى.

و

موثّقة أبي أُسامة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الثوب الذي فيه الجنابة، فتصيبني السماء حتّى يبتلّ عليّ، قال: «لا بأس» «2».

و توجيهها بأنّ المطر طهّره «3» بعيد؛ فإنّ إزالة المنيّ تحتاج إلى الدلك و نحوه.

و أوضح منها

صحيحة زرارة قال: سألته عن الرجل يجنب في ثوبه، أ يتجفّف فيه من غسله؟ قال: «نعم، لا بأس به، إلّا أن تكون النطفة فيه رطبة، فإن كانت جافّة فلا بأس» «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 52/ 3، تهذيب الأحكام 1: 268/ 787، وسائل الشيعة 3: 445، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 53/ 5، وسائل الشيعة 3: 446، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 3: 445 و 446، ذيل الحديث 3 و 6.

(4) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1332،

وسائل الشيعة 3: 446، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 18

و الظاهر أنّ التفصيل بين الرطبة و غيرها؛ لكون التجفيف بالرطبة موجباً لتلوّث البدن بها، دون اليابسة التي لا يوجب ذلك معها إلّا الملاقاة له بلا تلوّث بالنطفة. إلىٰ غير ذلك ممّا يعثر عليه المتتبّع «1».

و ليس في مقابلها غير الروايات المستفيضة

بل المتواترة الآمرة بالغسل بالماء أو بالغسل «2» المنصرف إلىٰ كونه بالماء في أنواع النجاسات، و هي لا تصلح لمعارضتها:

أمّا أوّلًا: فلأنّ المفهوم منها بعد ما تقدّم من أنّ الطهارة ليست لدى العقلاء إلّا إزالة النجاسة «3» أنّ الأمر بالغسل بالماء ليس إلّا للتطهير و التنظيف من غير خصوصية للماء، و إنّما خصّ بالذكر لسهولته و كثرته و أوقعيته للتطهير غالباً.

و أمّا ثانياً: فلعدم المفهوم لتلك الروايات، فلا تنافي بينها و بين ما تقدّم من جواز التنظيف بغيره، كالأرض و التراب و البصاق و نحوها. بل لبعض الأخبار المتقدّمة نحو حكومة عليها، كما تقدّم «4».

نعم، ما دلّ علىٰ أنّ الاستنجاء في محلّ البول لا بدّ له من الماء،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 284، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 13، الحديث 7، و: 320، أبواب أحكام الخلوة، الباب 11، الحديث 2، و 3: 401، أبواب النجاسات، الباب 6، الحديث 2.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9 و 26 و 28 و 29 و 31 و 34، و 3: 395، أبواب النجاسات، الباب 1 و 2 و 4 و 5 و 7 و 8 و 12 و 13 و 14 و 16 و 19 و 21 و 24 و 25 و 34 و

38 و 40 و 51 و 53 و 68.

(3) تقدّم في الصفحة 11.

(4) تقدّم في الصفحة 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 19

و لا يجوز بغيره «1» مخصوص بمورده، و لا يتعدّىٰ منه إلى البول في سائر الموارد، فضلًا عن غيره. مع احتمال أن يكون اللّابدية إضافية في مقابل التحجّر، لا سائر المائعات.

و غير ما دلّ علىٰ تغسيل ملاقي مثل الكلب و الخنزير و الكافر «2» ممّا لا يتلوّث الملاقي به، و هو دليل علىٰ عدم كون النجاسة و الطهارة لدى الشارع ما لدى العرف، و لهذا حكم بنجاسة أُمور لا يستقذرها العرف، و عدمِ نجاسة أُمور يستقذرها.

و يمكن أن يجاب عنه: بأنّ النجاسات الإلحاقية كالكافر و الكلب و غيرها ممّا لا يستقذرها العقلاء بما هم كذلك ليست نجاستها لكشف قذارة واقعية في ظاهر أجسامها من سنخ القذارات الصورية؛ لعدم قذارة كذائية فيها، بل الظاهر أنّ انسلاكها في سلك القذارات بجهات و علل اخرىٰ سياسية أو غيرها، و ليس الحكم بغسل ملاقياتها للسراية كما في سائر النجاسات المستقذرة، بل لأُمور أُخر و علل شتّىٰ غير السراية، كتجنّب المسلمين عن الكفّار، و عدم اختلاطهم بهم، و كدفع مضرّات لم نطّلع عليها.

فإذا لم يكن الأمر بالغسل للسراية، لم تكن تلك الروايات شاهدة علىٰ أنّ سائر النجاسات كذلك؛ و أنّ الطهارة و النجاسة مطلقاً في عرف الشرع و نظر الشارع المقدّس، غير ما عند العقلاء.

و بعبارة اخرىٰ: مجرّد إلحاق أشياء بها و إخراج أشياء منها، لا يدلّ علىٰ مخالفة نظره مع العرف في أصل ماهية النجس و الطاهر.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1 و 6.

(2)

راجع وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12 و 13 و 14 و 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 20

و غير الأدلّة الدالّة على انفعال الماء القليل و سائر المائعات «1» و هي تبلغ في الكثرة حدّ التواتر.

و فيه: أنّ تلك مسألة برأسها لا تكون أوضح من هذه المسألة، و لا ملازمة بينهما كما لا يخفى. هذا غاية ما يمكن لنا ذكره في هذا المختصر لتأييد مذهبهما.

التحقيق في المقام

لكن الإنصاف: عدم خلوّ كثير من تلك الأخبار من المناقشة إمّا في السند، أو في الدلالة، أو الجهة، لو حاولنا ذكرها تفصيلًا لطال بنا البحث.

كما أنّ الإنصاف خلوّ بعضها منها، لكن مع ذلك كلّه لا يمكن الاتكال في تلك المسألة التي عدّت من الضروريات علىٰ تلك الأخبار المعرض عنها أو عن إطلاقها خلفاً عن سلف، و قد مرّ منّا مراراً: أنّ دليل حجّية أخبار الثقة ليس إلّا بناء العقلاء مع إمضاء الشارع «2»، و معلوم أنّ العقلاء لا يتكلون علىٰ أخبار أعرض عنها نقلتها و غيرهم، بل ادعىٰ جمع من الأعاظم الإجماع علىٰ تنجيس المتنجّس، فضلًا عن النجس «3».

فهذه المسألة من المسائل التي يقال فيها: «إنّه كلّما ازدادت الأخبار فيها كثرة و صحّةً، ازدادت وهناً و ضعفاً».

هذا مع تظافر الأخبار علىٰ سراية النجاسة من المتنجّس كما تأتي، فضلًا عن النجس.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، و: 205، أبواب الماء المضاف، الباب 5.

(2) تقدّم في الجزء الثالث: 249، 395.

(3) انظر مستمسك العروة الوثقى 1: 484، مستند الشيعة 1: 241، جواهر الكلام 2: 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 21

الجهة الثانية: في أصل سراية النجاسة من المتنجّس

بعد الفراغ عن السراية من الأعيان النجسة، يقع الكلام في السراية من المتنجّس إلىٰ ملاقيه، إمّا في الجملة، أو مطلقاً و لو بلغ ما بلغ، و هي الجهة الثالثة.

و قد نسب الخلاف في أصل السراية إلى ابن إدريس «1»، و اختاره صريحاً المحدّث الكاشاني «2»، لكن لم يظهر من الحلّي الإنكار مطلقاً أي في مطلق المتنجّسات لاحتمال اختصاص كلامه بميّت الإنسان؛ و إن كان ظاهر تعليله العموم، لكن يظهر منه في بعض الموارد عدم العموم «3»،

و لهذا عدّ ذلك من متفرّدات الكاشاني «4». نعم لازم كلام السيّد «5» ذلك أيضاً، كما لا يخفى.

قال الكاشاني في محكي «المفاتيح»: «إنّما يجب غسل ما لاقىٰ عين النجاسة، و أمّا ما لاقى الملاقي لها بعد ما أُزيل عنه بالتمسّح و نحوه بحيث لا يبقى فيه شي ء منها فلا يجب غسله، كما يستفاد من المعتبرة. علىٰ أنّا نحتاج إلىٰ دليل علىٰ ذلك ..» «6» إلىٰ آخره.

أقول: أمّا ما ادعىٰ من عدم الدليل، ففيه: أنّ الأدلّة المتفرّقة في الأبواب بلغت حدّ التواتر أو قريباً منه؛ إن أراد عدم الدليل حتّى بالنسبة إلى المائعات،

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 5: 307، السرائر 1: 163.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 75.

(3) راجع السرائر 1: 180.

(4) الحدائق الناضرة 5: 244 و 266، جواهر الكلام 2: 15.

(5) تقدّم في الصفحة 9.

(6) مفاتيح الشرائع 1: 75.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 22

كما هو مقتضىٰ إطلاقه، و إلّا فهي أيضاً كثيرة، نذكر جملة منها مع الإشارة إلىٰ مقدار دلالتها بالنسبة إلى الوسائط؛ حتّى يظهر حال الملاقيات مع الوسائط.

منها:

صحيحة الفضل أبي العبّاس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن فضل الهرّة إلىٰ أن قال-: حتّى انتهيت إلى الكلب، فقال: «رجس نجس، لا يتوضّأ بفضله، و اصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أوّل مرّة، ثمّ بالماء» «1».

و الظاهر منها أنّ الماء الملاقي للكلب صار نجساً، و الإناء الملاقي للماء كذلك، و أمر بغسله لسراية النجاسة منه إلىٰ ما يلاقيه بعد ذلك.

و دعوىٰ: أنّ غاية ما يمكن استفادته منها و من مثلها بعد البناء علىٰ ظهورها في الوجوب الغيري، كما هو المتعيّن إنّما هو حرمة استعمالها حال كونها متنجّسة في المأكول و المشروب، المطلوب

فيهما النظافة و الطهارة في الجملة و لو بالنسبة إلى المائعات التي يتنفّر الطبع من شربها في إناء يستقذره، و أمّا تأثيرها في نجاسة ما فيها فلا «2».

مدفوعة: بأنّ العرف لا يشكّ في أنّ الأمر بغسل الإناء سيّما مع تفرّعه علىٰ قوله (عليه السّلام): «رجس نجس» ليس إلّا لتأثير الإناء في المائع المصبوب فيه، و لا يشكّ في الفرق بين الأمر بغسل خارج الإناء الذي لا يلاقي المائع، و داخله الملاقي.

و هل يكون استقذار العقلاء من المائعات المصبوبة في الإناء غير النظيف دون الجامدات؛ إلّا لتأثّر الاولىٰ منه دون الثانية؟! فالاعتراف بتنفّر الطباع من الشرب في إناء مستقذر دون أكل الجوامد، اعتراف بالسراية عرفاً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 1: 226، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 4.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 578/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 23

و بالجملة: يظهر من هذه الرواية تنجّس الملاقي للنجس و ملاقيه و ملاقي ملاقيه، و من تعليله أنّ ذلك حكم النجس من غير اختصاص بالكلب. و اختصاصُ كيفية الغسل به بدليل آخر، لا يوجب اختصاص سائر الأحكام به.

و منها:

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن الكلب يشرب في الإناء، قال: «اغسل الإناء» «1».

و نحوها ما دلّ علىٰ غسل الإناء من شرب الخنزير، كصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) «2».

و منها:

حسنة «3» المعلّى بن خُنيس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء، أمرّ عليه حافياً؟ فقال: «أ ليس وراءه شي ء جافّ؟» قلت: بلىٰ، قال: «فلا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «4».

و هي كالصريح في نجاسة الرجل

الملاقية لملاقي النجس.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 644، وسائل الشيعة 1: 225، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 261/ 760، وسائل الشيعة 1: 225، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 2.

(3) رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن المعلّى بن خنيس.

و الرواية حسنة بالمعلّى بن خنيس فإنّه قد اختلفت الأنظار و الأخبار الواردة في شأنه.

راجع رجال الكشي: 376/ 702، رجال النجاشي: 417/ 1114، تنقيح المقال 3: 230/ السطر 2 (أبواب الميم).

(4) الكافي 3: 39/ 5، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 24

و منها: ما دلّت علىٰ وجوب غسل آنية اليهود «1» و آنية يشرب فيها الخمر «2» و غسل أواني الخمر «3» و غسل ما فيه الجُرَذ ميتاً «4» و غسل الفراش و البساط و ما فيه الحشو «5» و غسل لحم القدر الذي قطرت فيه قطرة من الخمر «6» و غسل الثوب الذي لاقى الطين الذي نجّسه شي ء بعد المطر «7» و غسل الفخذ الملاقي للذكر بعد مسحه بالحجر «8».

و ما دلّ علىٰ عدم جواز الصلاة على البواري التي يبلّ قصبها بماء قذر قبل الجفاف «9».

______________________________

(1) المحاسن: 584/ 72، وسائل الشيعة 24: 212، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 7.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 494، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 51.

(3) راجع وسائل الشيعة 25: 368، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30.

(4) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 496، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب

53، الحديث 1.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 400، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 5.

(6) الكافي 6: 422/ 1، وسائل الشيعة 25: 358، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 26، الحديث 1.

(7) الكافي 3: 13/ 4، وسائل الشيعة 3: 522، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 75، الحديث 1.

(8) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1333، وسائل الشيعة 3: 441، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 26، الحديث 1.

(9) راجع وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 2 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 25

و منها: موثّقة الساباطي الآمرة بغسل كلّ ما أصابه ماءٌ مات فيه الفأرة «1».

و رواية العِيص الآمرة بغسل الثوب الذي أصابه قطرة من طَسْت فيه وَضوء من بول أو قذر «2».

و صحيحة معاوية بن عمّار الآمرة بغسل الثوب الملاقي للبئر النتن «3».

و ما دلّت على انفعال الماء القليل ببعض المتنجّسات «4» .. إلىٰ غير ذلك.

الجهة الثالثة: في تنجيس المتنجّس مع كثرة الوسائط
اشارة

نعم، لا يظهر من تلك الروايات علىٰ كثرتها إلّا التنجيس بواسطة أو واسطتين، فلا بدّ من التماس دليل علىٰ تنجّس الوسائط الكثيرة، سيّما إذا كانت الكثرة معتدّاً بها. و التشبّث بإلغاء الخصوصية من واسطة أو واسطتين إلىٰ الوسائط- سيّما الكثيرة في غير محلّه بعد وضوح الفرق بين الكثرة و القلّة في الوسائط.

و غاية ما يمكن الاستدلال علىٰ تنجّسها بالغة ما بلغت أن يقال: إنّ الظاهر من كثير من الروايات أنّ ملاقي النجس يصير نجساً، و بالملاقاة ينسلك الملاقي- بالكسر تحت عنوان «النجس»

كقوله (عليه السّلام) في المستفيضة: «إذا بلغ

______________________________

(1) الفقيه 1: 14/ 26، وسائل الشيعة 1: 142، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 4، الحديث 1.

(2) ذكرى الشيعة 1: 84،

وسائل الشيعة 1: 215، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9، الحديث 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 232/ 670، وسائل الشيعة 1: 173، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 10.

(4) راجع وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 26

الماء قدر كرّ لا ينجّسه شي ء» «1»

فإنّه بمفهومه يدلّ علىٰ أنّ ملاقاة الماء للنجس، موجبة لصيرورته نجساً.

و

قولِه (عليه السّلام): «خلق اللّٰه الماء طهوراً لا ينجّسه شي ء إلّا ما غيّر لونه ..» «2»

إلىٰ آخره.

و

كقوله (عليه السّلام) في الثوب الذي يستعيره الذمّي: «أعرته إيّاه و هو طاهر، و لم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه» «3».

و

قولِه (عليه السّلام) في النبيذ: «ما يبلّ الميل ينجّس حبّا من ماء» «4» ..

إلىٰ غير ذلك.

فإذا ضمّ ذلك إلى التعليل في بعض الروايات المتقدّمة «5» لغسل الملاقي بكونه نجساً، و ضمّ إليه ارتكاز العرف علىٰ أنّ الأمر بغسل الملاقي للسراية، ينتج المطلوب؛ بأن يقال: لو فرضت سلسلة مترتّبة من الملاقيات رأسها عين النجس، فالملاقي الأوّل محكوم بأنّه نجس؛ لأنّ العين نجّسته بارتكاز العرف و دلالة الروايات، و بمقتضى التعليل بأنّ النجس يغسل ملاقيه، و بضميمة الارتكازِ بأنّ لزوم الغسل ليس لتعبّد محض، بل للسراية و صيرورة الملاقي نجساً

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 158 و 159، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 1 و 2 و 5 و 6.

(2) المعتبر 1: 40، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9.

(3) تهذيب الأحكام 2: 361/ 1495، وسائل الشيعة 3: 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب

74، الحديث 1.

(4) الكافي 6: 413/ 1، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 6.

(5) تقدّم في الصفحة 22.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 27

و التأييدِ بالروايات الحاكمة بصيرورته نجساً، يحكم بنجاسة ملاقي الملاقي.

و هكذا في جميع السلسلة يحكم بلزوم غسل ملاقي كلّ نجس، و بالارتكاز و الروايات المتقدّمة يحكم بصيرورة الملاقي نجساً.

و بعبارة اخرىٰ: يستفاد من التعليل و الارتكاز و ضميمة الروايات قاعدة كلّية هي «أنّ كلّ نجس منجّس» أي موجب لتحقّق مصداق آخر للنجس، و هو أيضاً منجّس، و هلمّ جرّاً.

لكنّ الإنصاف: عدم خلوّه عن إشكال بل منع، بعد ما علمنا اختصاص الحكم المذكور في الرواية المشتملة على العلّة بولوغ الكلب، و عدم الإسراء إلىٰ سائر ملاقياتها، فضلًا عن سائر النجاسات. و دعوىٰ أنّ ورود التقييد أو التخصيص في حكم لا يوجب رفع اليد عن عموم العلّة، غير وجيهة؛ فإنّه مع اختصاص هذا الحكم الظاهر به، لا يبقى وثوق بعموم التعليل، و لا ظهور له.

مضافاً إلى الإشكال في كون قوله (عليه السّلام): «رجس نجس» تعليلًا يمكن الاتكال عليه لإسراء الحكم، نعم فيه إشعار بأنّ التغليظ في نجاسة الكلب ربّما يوجب اختصاص الأحكام به، أو بما هو من قبيله، و لا دليل علىٰ كون سائر النجاسات مغلّظة نحوها، فضلًا عن ملاقياتها و لو مع الوسائط المعلوم عدم غلظتها كذلك.

مضافاً إلىٰ أنّ التعليل الآخر

في صحيحة أُخرى لأبي العبّاس، يورث وهناً فيه، قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء».

قلت: و لِمَ صار بهذه المنزلة؟ قال: «لأنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و

سلّم) أمر بقتلها» «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 261/ 759، وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 28

هذا مع أنّ ما دلّت من الروايات علىٰ صيرورة الملاقي نجساً، إنّما هو في ملاقي أعيان النجاسات، لا ملاقي ملاقيها .. و هكذا. و التشبّث بارتكاز العرف في الوسائط الكثيرة محلّ إشكال و منع، فاستفادة نجاستها ممّا تقدّم مشكلة بل ممنوعة.

بيان حال الإجماعات المنقولة في المقام و ضعفها

بقي الكلام في حال الإجماعات المنقولة، فليعلم: أنّ هذه المسألة بهذا الوجه لم تكن معنونة في كتب القدماء من أصحابنا؛ علىٰ ما تتبّعت الكتب الموجودة عندي، و لم أرَ النقل عنهم فيما هو معدّ لنقل الأقوال.

نعم، عنون الشيخ في «الخلاف» مسألتين:

إحداهما: مسألة (136): «إذا ولغ الكلب في الإناء نجس الماء الذي فيه، فإن وقع ذلك الماء علىٰ بدن الإنسان أو ثوبه وجب عليه غسله إلىٰ أن قال-: دليلنا: أنّ وجوب غسله معلوم بالاتفاق؛ لنجاسة الماء».

ثانيتهما: مسألة (137): «إذا أصاب الماء الذي يغسل به الإناء من ولوغ الكلب ثوبَ الإنسان أو جسدَه، لا يجب غسله؛ سواء كان من الدفعة الأُولىٰ، أو الثانية، أو الثالثة».

ثمّ قال: «دليلنا: أنّ الحكم بنجاسة ذلك يحتاج إلىٰ دليل، و ليس في الشرع ما يدلّ عليه» ثمّ تمسّك بالدليل العقلي المعروف في الغُسالة «1».

أقول: لم يتضح من قوله في المسألة الأُولىٰ إلّا دعوى الاتفاق علىٰ

______________________________

(1) الخلاف 1: 181.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 29

وجوب غسله، و أمّا التعليل بنجاسة الماء فليس من معقد الاتفاق؛ حتّى يتوهّم الإجماع علىٰ أنّ كلّ نجس يجب غسل ملاقيه، و يضمّ إليه ارتكازية السراية بالتقريب المتقدّم «1».

بل الظاهر من المسألة الثانية:

أنّ مسألة تنجيس ملاقي ملاقيه ليست ثابتةً بإجماع أو غيره، و هي و إن كانت في الغُسالة التي وقعت محلّ البحث، لكنّ تعليله بعدم الدليل دليلٌ علىٰ عدم قيام الإجماع على الكلّية.

مع أنّ الدليل العقلي في الغُسالة علىٰ فرض صحّته إنّما يجري في الغسلة الأخيرة لا مطلقاً، و قد صرّح بعدم الفرق بين الغسلات، و من هنا يظهر أنّ استدلاله بالدليل العقلي لبعض المقصود؛ و هو الغسلة الأخيرة.

و ممّا يدلّ علىٰ عدم إجماعية المسألة و عدم وضوحها في تلك الأعصار، قوله في كتاب الصلاة في مسألة (222):

«الجسم الصقيل مثل السيف و المرآة و القوارير إذا أصابته نجاسة، فالظاهر أنّه لا يطهر إلّا بأن يغسل بالماء، و به قال الشافعي.

و في أصحابنا من قال: «يطهر بأن يمسح ذلك منه، أو يغسل بالماء» اختاره المرتضىٰ، و لست أعرف به أثراً و به قال أبو حنيفة.

دليلنا: أنّا قد علمنا حصول النجاسة في هذا الجسم، و الحكم بزوالها يحتاج إلىٰ شرع، و ليس في الشرع ما يدلّ علىٰ زوال هذا الحكم ممّا قالوه» ثمّ تمسّك بدليل الاحتياط «2» انتهىٰ.

و قد تقدّم أنّ لازم كلام السيّد بل صريح ما نقل عنه في دليل مذهبه أنّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 26.

(2) الخلاف 1: 479.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 30

ملاقي النجس ليس بنجس «1»، فضلًا عن ملاقي المتنجّس، و مع ذلك قد ترى أنّ ظاهر كلام الشيخ وجود القائل غير السيّد فيها، و عدم إجماع أو دليل آخر علىٰ خلافه، و إلّا لتمسّك به، و لم يقل: «و الظاهر كذا» ممّا يظهر منه عدم الجزم بالمسألة، و لم يتمسّك بالأصل و الاحتياط، و لم يقل: «لست أعرف

به أثراً» فيظهر منه أنّ المسألة حتّى في ملاقي عين النجس لم تكن إجماعية في عصره، فضلًا عن ضروريتها، فضلًا عن إجماعية نجاسة الملاقي مع الوسائط بالغة ما بلغت، أو ضروريتها.

و ظاهر ابن إدريس أنّ ملاقي ملاقي النجس لا يحكم بنجاسته؛ لعدم الدليل عليها «2»، و لو كانت المسألة إجماعية لما قال ذلك.

نعم، قد يقال: إنّ كلامه مختصّ بالميت مع الملاقاة بيبوسة «3». لكنّ الظاهر من كلامه عدم الاختصاص باليابس، بل يظهر منه أنّ النجاسات الحكمية مطلقاً، لا تؤثّر في تنجيس الملاقي. و لا يبعد بقرينة المقام أن يكون مراده من «الحكميات» من قبيل الملاقي الذي لا أثر فيه من الملاقاة، مقابل الأعيان النجسة.

كما أنّ استدلال المحقّق في «المعتبر» في ردّ الحلّي بقوله: «لمّا اجتمع الأصحاب علىٰ نجاسة اليد الملاقية للميّت، و أجمعوا علىٰ نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة، لزم من مجموع القولين نجاسة ذلك المائع» «4» انتهىٰ، دليل علىٰ عدم إجماعية نجاسة الملاقيات و لو بلا واسطة، و إلّا لتمسّك به من غير

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 10.

(2) السرائر 1: 163.

(3) مفتاح الكرامة 1: 179/ السطر 8، و: 515/ السطر 24.

(4) المعتبر 1: 350.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 31

احتياج إلى التمسّك بالإجماعين علىٰ نحو لا يخلو من إشكال و مصادرة.

و أمّا دعاوي متأخّري المتأخّرين الإجماع أو الضرورة:

فجملة منها في مقابل المحدّث الكاشاني، كالاستاذ الأكبر و المحقّق القمّي و النراقي و صاحب «الجواهر» و الشيخ الأعظم «1» و غيرهم «2».

و البعض منها الظاهر أو المصرّح بعدم الخلاف في الوسائط و هلمّ جرّاً- كالطباطبائي صاحب البرهان «3» لا وثوق بها؛ بعد ما عرفت من عدم كون المسألة معنونة في كتب

القدماء، و من غير ذلك ممّا تقدّم ذكره.

و من جملة ثالثة لم يظهر دعوى الإجماع على الوسائط كذلك، كالشهيد في «الروض» بناءً على استفادة الإجماع منه لأجل استثناء ابن إدريس فقط، قال في حكم مسّ الميّت: «فإن كان من الرطوبة فهي عينية محضة، فلو لمس اللامسُ له برطوبةٍ آخرَ برطوبةٍ نجس أيضاً، و هلمّ جرّاً، و خلاف ابن إدريس في ذلك ضعيف» «4» انتهىٰ.

فإنّه بعد تسليم الاستفادة لا يظهر منه إلّا الإجماع في مقابل ابن إدريس القائل بعدم تنجيس المتنجّس مطلقاً. مع أنّ في الاستفادة أيضاً إشكالًا.

نعم، لا يبعد ظهور كلام صاحب «المعالم» في الوسائط قال فيما حكي عنه: «إنّ كلّ ما حكم بنجاسته شرعاً، فهو يؤثّر التنجيس في غيره أيضاً مع الرطوبة عند جمهور الأصحاب، لا نعرف فيه الخلاف إلّا من العلّامة

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 180/ السطر 9، غنائم الأيّام 1: 452، مستند الشيعة 1: 241، جواهر الكلام 1: 134، و 2: 15، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 46/ السطر 7.

(2) انظر مستمسك العروة الوثقى 1: 479.

(3) البرهان القاطع 1: 429/ السطر 2.

(4) روض الجنان: 116/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 32

و ابن إدريس» «1» بأن يقال: إنّ التأثير في التنجيس، عبارة أُخرى عن صيرورة الملاقي محكوماً بنجاسته شرعاً، فلا بدّ من تأثيره، و هلمّ جرّاً.

و فيه: مضافاً إلىٰ إمكان أن يكون الكلام في مقابل ابن إدريس و العلّامة، فمن البعيد استفادة الوسائط الكثيرة منه أنّ دعوى عدم معرفة الخلاف غير دعوى عدم الخلاف أو الإجماع.

هذا مع ما تقدّم من عدم كون المسألة إجماعية في الطبقة الأُولىٰ، و عدم تعرّض تلك الطبقة بل الطبقة الثانية أيضاً للمسألة.

الشواهد الداخلية و الخارجية في المقام
اشارة

ثمّ

إنّ هاهنا شواهد داخلية و خارجية علىٰ عدم تنجّس الملاقيات مع الوسائط المتعدّدة:

أمّا الاولىٰ: فيمكن الاستشهاد عليه بروايات:

منها:

موثّقة عمّار الساباطي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يجد في إنائه فأرة، و قد توضّأ من ذلك الإناء مراراً، أو اغتسل منه، أو غسل ثيابه، و قد كانت الفأرة متسلّخة، فقال: «إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه، ثمّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء، فعليه أن يغسل ثيابه، و يغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء، و يعيد الوضوء و الصلاة ..» «2»

إلىٰ آخره.

فإنّ الظاهر أنّ الإناء المسئول عنه، هو مثل الحبّ الذي كان متعارفاً في

______________________________

(1) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 572.

(2) الفقيه 1: 14/ 26، تهذيب الأحكام 1: 418/ 1322، وسائل الشيعة 1: 142، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 4، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 33

تلك الأمكنة أن يصبّ فيه الماء لرفع الحوائج؛ من الوضوء و الغسل و غسل الثياب و غيرها، و قد اتفق رؤية الفأرة المتسلّخة فيه، و من الواضح أنّه لو تنجّس يوماً يوجب ذلك نجاسة كثير ممّا في الأيدي؛ لو قلنا بسراية النجاسة من الملاقيات هلمّ جرّاً، فضلًا عن تنجّسه أيّاماً، كما هو مقتضىٰ ظاهر الرواية أو إطلاقها.

و بالجملة: لا شبهة في ابتلاء صاحب الحبّ بملاقيات الماء، و ملاقيات ملاقياته .. و هكذا بعد مضي أيّام، فلو صار الملاقاة مطلقاً موجبةً للنجاسة، كان على الإمام (عليه السّلام) الأمر بغسل ملاقي ملاقي الماء .. و هكذا، فسكوتُه عنها مع العلم عادة بالابتلاء، و تخصيصُ التطهير بملاقي ذلك الماء المشعر بعدم لزوم تطهير غيره لو لم نقل بدلالة نحو التعبير

عليه دليلٌ علىٰ عدم السراية مع الوسائط؛ فإنّ الماء تنجّس بالفأرة، و ملاقي الماء تنجّس به، و الأمرُ بغسل ملاقيه مطلقاً- الذي منه الأواني و الظروف دليلٌ علىٰ تنجّس ملاقي ذلك الملاقي.

و أمّا الملاقي لذلك الملاقي الأخير فلا يؤثّر ذلك في نجاسته، و إلّا لأمر بغسلها مع الجزم بالابتلاء عادة، بل كان عليه البيان بعد السؤال عن تكليف الرجل الذي ابتلىٰ بذلك، مع احتمال ابتلائه بملاقي الملاقي للماء، فضلًا عن الجزم به، فعدم البيان دليل علىٰ عدم التنجيس، فضلًا عن الإشعار المذكور الموجب للإغراء، و العياذ باللّٰه.

و منها:

رواية بكّار بن أبي بكر قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحبّ في مكان قذر، ثمّ يدخله الحبّ، قال: «يصبّ من الماء ثلاثة أكفّ، ثمّ يدلك الكوز» «1».

______________________________

(1) الكافي 3: 12/ 6، وسائل الشيعة 1: 164، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 34

بناءً علىٰ أنّ المراد ب «المكان القذر» المتنجّس، لا المكان الذي فيه عين النجس، كما لا يبعد أن يكون منصرفاً إليه، و إلّا لخرجت عن الاستشهاد بها للمقام، و تنسلك في الأدلّة الدالّة علىٰ كلام المحدّث الكاشاني.

و هنا احتمال آخر في الرواية: هو أنّ المراد من قوله: «ثمّ يدخله» إرادة إدخاله فيه، و قوله (عليه السّلام): «يصبّ ..» إلىٰ آخره، بيان تطهير الكوز، لكنّه بعيد.

و منها: الروايات التي تعرّضت لإكفاء الماء و إراقته، مع السكوت عن حكم الإناء، مع اقتضاء المقام بيانه لو تنجّس،

كصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة، قال:

«يكفئ الإناء» «1»

و صحيحة أبي بصير «2» و غيرهما «3».

و نظيرها

موثّقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام): «إنّ عليّاً (عليه السّلام) سئل عن قدر طبخت، و إذا في القدر فأرة، قال: يهراق مرقها، و يغسل اللحم و يؤكل» «4».

و

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت، فإن كان جامداً فألقها و ما يليها، و كل ما بقي، و إن كان ذائباً

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 39/ 105، وسائل الشيعة 1: 153، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 38/ 103، الإستبصار 1: 20/ 46، وسائل الشيعة 1: 154، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 11.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 151، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 2 و 4 و 7 و 10 و 14.

(4) الكافي 6: 261/ 3، وسائل الشيعة 24: 196، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 44، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 35

فلا تأكله، و استصبح به، و الزيت مثل ذلك» «1» ..

إلىٰ غير ذلك «2».

و السكوت في مقام سئل عن التكليف في القضيّة المبتلىٰ بها عن حال الأواني و سائر الملاقيات، دليل علىٰ عدم تنجّسها، سيّما في مثل الرواية الأخيرة؛ فإنّ الاستصباح بالسمن و الدهن في مدّة كثيرة مع كثرتهما، لا يتخلّف عن الابتلاء بالملاقيات بلا وسط و معه.

و دعوىٰ كون الحكم معهوداً أو مرتكزاً تردّها نفس الروايات، كدعوىٰ كونهما في مقام بيان حكم آخر.

و أمّا الثانية فكثيرة،

منها أنّ فقهاء العامّة الذين كانوا مرجعاً للناس في تلك الأعصار من زمن الصادقين (عليهما السّلام) إلىٰ زمن الهادي و العسكري

(عليهما السّلام) قلّما اتفق موافقتهم معنا في أعيان النجاسات و كيفية تطهيرها، فما لك و الشافعي في الجديد خالفانا في نجاسة المنيّ «3».

و أبو حنيفة قال بإجزاء فركه إذا كان يابساً «4».

و الشافعي في أحد وجهيه و الزهري ذهبا إلىٰ طهارة الميتة «5».

و مالك و داود و الزهري إلىٰ طهارة الكلب «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 261/ 1، تهذيب الأحكام 9: 85/ 360، وسائل الشيعة 24: 194، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 43، الحديث 2.

(2) راجع وسائل الشيعة 24: 194، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 43.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 53، المحلّى بالآثار 1: 35، بداية المجتهد 1: 84.

(4) بداية المجتهد 1: 84، المجموع 2: 554/ السطر 6.

(5) تذكرة الفقهاء 2: 131، المجموع 1: 217، و 2: 561 562.

(6) تذكرة الفقهاء 1: 66، المجموع 2: 567.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 36

و داود إلىٰ طهارة الخمر «1». و أبو حنيفة إلىٰ طهارة المسكرات «2»، و جمهورهم إلىٰ طهارة الفُقّاع و حلّيته «3»، و طهارة الكفّار «4».

و قال أبو حنيفة: «تطهر جلود الميتة بالدباغ إلّا الخنزير» «5» و عن مالك: «حتّى الخنزير» «6». و عن الشافعي: «الحيوان الطاهر» «7».

و قال أبو حنيفة: «لا يجب العدد في النجاسات» «8» و عن داود و مالك و الزهري: «إناء الولوغ طاهر» «9».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 64، المجموع 2: 563.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 65، بداية المجتهد 1: 34، فتح العزيز، ذيل المجموع 1: 158، المجموع 1: 93، و 2: 564.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 65، المبسوط، السرخسي 24: 17/ السطر 19، المغني، ابن قدامة 10: 341.

(4) منتهى المطلب 1: 25/ السطر 30، المغني، ابن

قدامة 1: 68 69، و 211 212.

(5) تذكرة الفقهاء 2: 464، أحكام القرآن، الجصّاص 1: 115/ السطر 12، بداية المجتهد 1: 81، التفسير الكبير 5: 17/ السطر 17، المجموع 1: 217.

(6) تذكرة الفقهاء 2: 464، التفسير الكبير 5: 17/ السطر 16، المجموع 1: 217، حاشية الدسوقي 1: 54.

(7) تذكرة الفقهاء 2: 463، الامّ 1: 9/ السطر 7، أحكام القرآن، الجصّاص 1: 115/ السطر 13، بداية المجتهد 1: 81، التفسير الكبير 5: 17/ السطر 17، المجموع 1: 217.

(8) الخلاف 1: 175، المحلّى بالآثار 1: 124، المغني، ابن قدامة 1: 45/ السطر الأخير، المجموع 2: 580.

(9) تذكرة الفقهاء 1: 66، المبسوط، السرخسي 1: 48/ السطر 14، المجموع 2: 567.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 37

و عن كثير منهم كالشافعي في أحد قوليه و مالك في إحدى الروايتين عدم نجاسة الماء القليل إلّا بالتغيّر «3». و اختلفوا معنا في تحديد الكرّ أيضاً «4».

و عن أبي حنيفة جواز إزالة النجاسة بالمضاف «5». و عن أحمد روايتان. و عنه في إحدى الروايتين عدم تنجّس المضاف إن بلغ قلّتين «6»، و في الأُخرىٰ: «ما أصله الماء- كالخلّ التمري فكالماء» «7».

و قال أبو حنيفة: «لا يجب الاستنجاء من البول و الغائط بالماء و غيره» و هو إحدى الروايتين عن مالك «1». و قال الشافعي و مالك في الأُخرىٰ و أحمد: «يكفي في البول الحجر» «2» .. إلىٰ غير ذلك.

فهذه جملة من موارد اختلافهم معنا في أبواب النجاسات و الطهارات، فلو كان أمر الملاقي و ملاقي ملاقيه و هلمّ جرّاً كما ذكر في السراية، لما بقي من الناس طاهر، و مع اختلاط الخاصّة معهم في تلك الأعصار صارت حالهم

كذلك،

______________________________

(3) تذكرة الفقهاء 1: 22، بداية المجتهد 1: 24، المغني، ابن قدامة 1: 24 25، المجموع 1: 113.

(4) المغني، ابن قدامة 1: 27 28، المجموع 1: 119 120.

(5) منتهى المطلب 1: 20/ السطر 35، المبسوط، السرخسي 1: 96/ السطر 5، المغني، ابن قدامة 1: 8/ السطر 15، المجموع 1: 95/ السطر 11.

(6) منتهى المطلب 1: 22/ السطر 2، المغني، ابن قدامة 1: 29/ السطر 6، و 11: 86/ السطر 6.

(7) منتهى المطلب 1: 22/ السطر 2، المغني، ابن قدامة 11: 86/ السطر 10.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 123، بدائع الصنائع 1: 19، المغني، ابن قدامة 1: 141/ السطر 11، المجموع 2: 95/ السطر 3.

(2) منتهى المطلب 1: 42/ السطر 35، الامّ 1: 22، المغني، ابن قدامة 1: 143/ السطر 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 38

و مع ذلك لم يسأل أحد من أصحاب الأئمّة (عليهم السّلام) عن حال الملاقيات لهم مطلقاً، و لم يكن ذلك إلّا لما رأوا أنّ الأئمّة (عليهم السّلام) تعاشروا معهم كعشرتهم مع غيرهم.

أضف إلىٰ ذلك ما هو المشاهد من حال أهل البوادي؛ و عدم احترازهم غالباً عن النجاسات و ملاقياتها، و كانت تلك الطوائف في زمن الأئمّة (عليهم السّلام) متردّدين في البلاد، سيّما الحرمين الشريفين، و لم يعهد من أحد من الأئمّة (عليهم السّلام) و أصحابهم و شيعتهم التنزّه عنهم، أو السؤال عن حالهم و عن ملاقياتهم.

و هذه الأُمور و غيرها ممّا توجب الجزم: بأنّ قضيّة الملاقي ليست كما ذكر من السراية هلمّ جرّاً، سيّما مع سهولة الملّة و سماحتها.

و الإنصاف: أنّ الفتوىٰ بالنجاسة سيّما مع الوسائط الكثيرة جرأة على المولى، و الأشبه عدم النجاسة مع الوسائط الكثيرة،

و الاحتياط سيّما فيما علم تفصيلًا بالملاقاة و لو مع الوسائط لا ينبغي تركه.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 39

المطلب الثاني في إزالة النجاسة للصلاة

حول ما ذكروا من الوجوب الشرطي لإزالة النجاسة
اشارة

قالوا: «يجب إزالة النجاسة عينية كانت أو حكمية عن الثياب عدا ما استثني و عن ظاهر البدن للصلاة واجبة كانت أو مندوبة بالوجوب الشرطي الذي يتبعه الوجوب الشرعي المقدّمي عند وجوب ذيها أصلًا أو عارضاً» «1».

أقول: أمّا الوجوب الشرعي المقدّمي، فقد فرغنا عن بطلانه بل عدم تعقّله في محلّه «2». و أمّا الوجوب الشرطي فهو موقوف علىٰ كون الشرط للصلاة إزالة النجاسة، أو عدمَ النجاسة، و هو محلّ بحث و نظر، و لا بأس ببسط الكلام فيه؛ لترتّب ثمرات مهمّة عليه.

فنقول: يحتمل ثبوتاً أن تكون الطهارة شرطاً للصلاة، أو عدم القذارة شرطاً لها أو القذارة مانعة عنها.

و الفرق بين الأوّلين واضح و إن كان في صحّة جعل العدم شرطاً كلام.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 45، الحدائق الناضرة 5: 290، جواهر الكلام 6: 89.

(2) مناهج الوصول 1: 410 411.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 40

الفرق بين الشرطية و المانعية

و أمّا الفرق بين الشرطية و المانعية: فهو أنّ الشرط ما هو دخيل في الملاكات الواقعية؛ إن كان المراد به شرط الماهية، كما في المقام الذي لا يحتمل أن يكون الطهور شرطاً لوجودها، لا دخيلًا في ماهيتها.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الشرط لبّا من مقوّمات حمل الملاك، و الصلاة بلا طهور لا تكون حاملة للملاك؛ بناءً علىٰ شرطية الطهور. و بناءً علىٰ شرطية عدم القذارة فإنّ ماهية الصلاة المجرّدة عن القذارة حاملة له.

و أمّا المانع فلا يتصوّر للماهية، و لا يرجع إلىٰ محصّل، بل المانعية مطلقاً ترجع إلىٰ مقام الوجود، و منشأها الضدّية بين الشيئين، و تصويرها في المقام بأن يقال: إنّ الملاك الذي في ماهية الصلاة من غير دخالة لعدم القذارة، أو وجود الطهارة فيه مضادّ لوجود القذارة

أو المفسدة الواقعية الحاصلة منه، و هذه المضادّة موجبة لمانعية الملاك الأقوىٰ للملاك الأضعف، من غير تقييد وجود أحدهما بعدم الآخر؛ حتّى ترجع المانعية إلى الاشتراط بعدم المانع.

و بعبارة اخرىٰ: كما أنّ البياض و السواد متضادّان، و يكون وجود كلٍّ مانعاً عن وجود الآخر من غير اشتراط وجود أحدهما بعدم الآخر، و لا مقدّمية له، بل نفس المضادّة موجبة للتمانع، فإذا كان أحدهما أقوى مقتضياً يمنع عن تحقّق الآخر، كذلك يتصوّر ذلك في الملاكات الواقعية، فمع تحقّق المانع و الملاك المضادّ الذي هو أقوى، لا يمكن تحقّق الممنوع، و مع عدم تحقّقه تقع الصلاة بلا ملاك و باطلة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 41

و لا تتوهّم: أنّ ذلك مستلزم للقول بالاشتغال في الشكّ في المانع، و هو خلاف مختارك في مباحث البراءة و الاشتغال «1»، قائلًا: إنّ احتمال عدم سقوط الأمر- لاحتمال عدم حصول الملاك الواقعي و أخصّية الغرض لا يصير حجّة على العبد.

ضرورة أنّ ما ذكرناه في مباحث البراءة، إنّما هو في مقام الإثبات و تمامية الحجّة، و قلنا: إنّ العقل يحكم بالبراءة مع عدم تمامية حجّة المولى، و احتمال بقاء الأمر لأجل احتمال بقاء الملاك لا يوجب تمامية حجّته بعد قيام العبد بما هو حجّة عليه، و الكلام هاهنا في الملاكات الواقعية و تصوّر المانعية و الشرطية بحسب الثبوت، فلا تناقض بين الكلامين.

ثمّ إنّه بعد تصوّر المانعية بنحو لا ترجع إلىٰ شرطية العدم، لو قام دليل ظاهر في المانعية لا يجوز رفع اليد عنه، و إنّما نطرح الظاهر إن قلنا بعدم تعقّل المانعية، و قد عرفت تعقّلها.

امتناع الجمع بين شرطية شي ء و مانعية ضدّه

ثمّ إنّ ما ذكرناه من تردّد الأمر بين شرطية الطهارة أو عدم

القذارة، و بين مانعية القذارة الراجعة إلىٰ منع الجمع بينهما، إنّما يصحّ لو امتنع الجمع بين شرطية الضدّ و مانعية ضدّه فيما لا ثالث لهما، و كذا بين شرطية الشي ء و مانعية نقيضه، و إلّا لما بقي مجال للتردّد، و لا تتعارض الأدلّة لو فرض فيها ما هو ظاهرها الشرطية و ما ظاهرها المانعية، كما لا يخفى.

و التحقيق امتناع ذلك، و عدم إمكان الجمع بين شرطية شي ء و مانعية

______________________________

(1) أنوار الهداية 2: 68 69، تهذيب الأُصول 2: 171 172.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 42

نقيضه أو ضدّه الذي لا ثالث له؛ لأنّ اشتراط شي ء لماهية المأمور به، لا يعقل- بحسب الملاكات الواقعية إلّا مع دخالته في حاملية الملاك؛ لئلا يلزم جُزافية الإرادة، و كذا لا يمكن تعلّق الإرادة بالفاقد لما هو دخيل في تحصيل الملاك، و كذا الحال في تعلّق الأمر الواقعي.

فحينئذٍ لو كان عدم النجاسة مثلًا شرطاً لماهية المأمور به، لا يعقل وقوع التمانع بين الملاك الواقعي لها مع وجود النجاسة؛ إذ قد عرفت أنّ التمانع إنّما يكون بين الوجودين لا الماهيتين، و أمّا الشرطية فترجع إلىٰ قيد في الماهية مع عدمه لا تكون حاملة للملاك، و مع عدم الملاك لا يعقل التمانع بين الملاكين.

و بالجملة: الماهية المشروطة بشرط مع فقده لا تكون ذات ملاك، و لا متعلّقة للإرادة و لا للأمر، و معه لا يعقل التمانع الذي طرفه الوجود بعد تمامية الملاك. هذا كلّه بحسب التصوّر و الثبوت.

المأخوذ في الصلاة مانعية النجاسة لا شرطية الطهارة

و أمّا حال مقام الإثبات و دلالة الأدلّة، فتتضح بعد التنبيه إلىٰ ما مرّ منّا من أنّ الطهارة الخبثية ليست أمراً وجودياً مضادّاً للقذارة، بل هي عبارة عن خلوّ الجسم

من القذارات و نقائه عنها «1»، لا بمعنى دخالة هذا العنوان، بل الطهارة عدمُ تلوّث الجسم الموجود بشي ء من القذارات و كونُه علىٰ حالته الأصلية؛ فإنّ الضرورة قاضية بأنّه لم يكن في الجسم غير أوصافه الذاتية و العرضية شي ء وجودي هو الطهارة مقابل القذارة، فالطهارة عبارة أُخرى عن عدم القذارة، و كذا النظافة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 43

بل الطهارة من الأخباث المعنوية و الصفات الخبيثة، ليست إلّا خلوّ النفس منها، و أمّا حصول كمالات مقابلات لها فهي أُمور أُخر غير الطهارة منها، كما يظهر بالتأمّل.

و ما ذكرناه هو الموافق للعرف و اللغة. فما ادعىٰ بعض الأعيان من وضوح كون الطهارة ضدّاً وجودياً للقذارة الخبثية «1»، في غير محلّه، بل مدعي وضوح خلافه غير مجازف.

فحينئذٍ نقول: لا يعقل شرطية حيثية العدم للماهية المأمور بها؛ لا بحسب الملاكات الواقعية، و لا بحسب تعلّق الإرادة الجدّية، و لا بحسب الأوامر المتعلّقة بمتعلّقاتها:

أمّا الأُولىٰ، فلعدم إمكان مؤثّرية العدم و لو بنحو جزء الموضوع في شي ء. و ما يتوهّم ذلك في بعض الأمثلة العرفية، ناشئ من الخلط و قلّة التدبّر، و إلّا فما ليس بشي ء أصلًا كيف يمكن تأثيره و دخالته في أمر؟! فإنّ التأثير و نحوه من الأُمور الوجودية لا يمكن اتصاف العدم به.

و من هنا يظهر امتناع تعلّق الإرادة و الأمر به؛ أي بما هو عدم حقيقة، لا بمفهوم العدم الذي هو وجود بالحمل الشائع.

و ما ذكرناه ليس أمراً دقيقاً عقلياً خارجاً عن فهم العرف؛ حتّى يقال: إنّ الميزان في هذه الأبواب هو الفهم العرفي.

و بعد امتناع شرطية العدم، لا محيص عن إرجاع ما يظهر منه الشرطية إلىٰ مانعية

الوجود التي قد عرفت تعقّلها. مع أنّ غالب الأدلّة ظاهرة في مانعية النجاسة، لا شرطية الطهارة أو عدم النجاسة،

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 75/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 44

كقوله (عليه السّلام) في مكاتبة خَيْران الخادم في الخمر: «لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس» «1».

و

في رواية أبي يزيد القسمي في جلود الدارِش: «لاتصلّ فيها؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب» «2».

و مثلِ ما دلّت علىٰ نفي البأس عن الدم ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم «3» حيث يظهر منها البأس في مقداره، و هو عين المانعية. و ما دلّت علىٰ نفي البأس عن القذارة فيما لا تتمّ فيه الصلاة وحدها «4» و ما دلّت علىٰ إعادة الصلاة مع إتيانها في النجس في الموارد الخاصّة «5» و هي كثيرة، و المتفاهم منها عرفاً أنّ النجس موجب للإعادة. بل ما دلّت علىٰ وجوب الغسل و الإعادة إذا صلّىٰ في النجس «6» و هي كثيرة. بل لك أن تتمسّك

بقوله (عليه السّلام): «لا تجوز الصلاة في شي ء من الحديد؛ فإنّه نجس ممسوخ» «7»

فإنّه يظهر منها كراهة الصلاة في النجس الذي صار ممسوخاً، و يستأنس منه عدم الجواز في النجس غير الممسوخ، تأمّل.

______________________________

(1) الكافي 3: 405/ 5، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 403/ 25، وسائل الشيعة 3: 516، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 71، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 429، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 455، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 428، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2118 و 4440.

(6) نفس المصدر.

(7) الكافي 3: 400/ 13،

تهذيب الأحكام 2: 227/ 894، وسائل الشيعة 4: 419، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 32، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 45

حول الروايات الظاهرة في شرطية الطهارة

نعم، بإزائها روايات ربّما تكون ظاهرة في شرطيّة الطهارة،

كقوله (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور» «1»

بناءً علىٰ شمولها للطهارة الخبثية، أو ظهورها فيها بقرينة ذيلها.

و صحيحة زرارة الثانية «2» من أدلّة الاستصحاب.

و

قوله (عليه السّلام): «الصلاة ثلثها الطهور» «3».

و

قوله (عليه السّلام): «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس ..» «4»

و عدّ منها الطهور.

و ما عدّ الطهور من فروض الصلاة «5» بناءً علىٰ أعمّيته من الطهور من الخبث.

و هو محلّ إشكال في كثير منها. مع أنّ قوله (عليه السّلام) مثلًا:

«لا صلاة إلّا بطهور»

بناءً علىٰ ما تقدّم من أنّ «الطهور» ليس إلّا خلوَّ المحلّ من القذارة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(2) يأتي في الصفحة 47.

(3) الكافي 3: 273/ 8، الفقيه 1: 22/ 66، وسائل الشيعة 1: 366، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 8.

(4) الفقيه 1: 225/ 991، وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.

(5)

كصحيحة زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الفرض في الصلاة، فقال: الوقت و الطهور و القبلة»

، راجع وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 46

و كونَه علىٰ حالته الأصلية معناه: لا صلاة إلّا بإزالة القذارة و التطهّر منها، و هو غير ظاهر في شرطية الطهور، بل غير ظاهر في شرطية الإزالة. بل لا يبعد دعوى ظهورها

في أنّ النجاسة لمّا كانت مانعة عن الصلاة قال: «لا صلاة إلّا بإزالتها».

و لو نوقش في ذلك، فرفع اليد عن مثله أولىٰ من رفع اليد عن الأدلّة الكثيرة الدالّة علىٰ مانعية النجاسة؛ لو لم نقل بتعيّنه بلحاظ ما تقدّم «1»، فالأقرب أنّ النجاسة مانعة، لا الطهارة أو إزالة النجاسة شرط، فما قيل: «من أنّ إزالة النجاسات واجبة شرطاً للصلاة» «2» لا يخلو من تسامح.

عموم الحكم لمطلق النجاسات من غير فرق بين الثوب و البدن

نعم، يجب عقلًا إزالتها؛ لمانعيتها عن الصلاة من غير فرق بين الواجبة و المندوبة؛ لإطلاق الأدلّة. و من غير فرق بين أنواع النجاسات؛ للإجماع المنقول عن جملة من الأصحاب «3». بل لزومها في الجملة من الواضحات، و النصوص في الموارد الخاصّة مستفيضة أو متواترة؛ بحيث لا يبقى للناظر فيها شكّ في مانعية مطلق النجاسات بإلغاء الخصوصية عن الموارد المنصوصة، من غير احتياج إلىٰ دعوى الإجماع المركّب «4».

بل المستفاد من جملة من الروايات عموم الحكم لمطلق النجاسات،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42.

(2) تقدّم في الصفحة 39.

(3) انظر جواهر الكلام 6: 89، الخلاف 1: 476 477، السرائر 1: 179 180، تذكرة الفقهاء 1: 71.

(4) جواهر الكلام 6: 89.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 47

كصحيحة عبد اللّٰه بن سِنان قال: سأل أبي أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر: إنّي أعير الذمّي ثوبي، و أنا أعلم أنّه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن أُصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «صلّ فيه، و لا تغسله من أجل ذلك؛ فإنّك أعرته إيّاه و هو طاهر، و لم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه» «1».

يعلم منها: أنّ غاية جواز الصلاة

فيه العلم بتنجّسه، و مقتضى الإطلاق ثبوت الحكم لمطلق النجاسات.

و

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من المنيّ إلىٰ أن قال-: فإن ظننت أنّه قد أصابه، و لم أتيقّن ذلك، فنظرت فلم أرَ شيئاً، ثمّ صلّيت فيه فرأيت فيه؟ قال: «تغسله و لا تعيد الصلاة».

قلت: لِمَ ذلك؟ قال: «لأنّك كنت علىٰ يقين من طهارتك ثمّ شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً».

قلت: فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه، و لم أدرِ أين هو فأغسله، قال: «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتّى تكون علىٰ يقين من طهارتك ..» «2»

إلىٰ آخره.

فإنّ المستفاد منها أنّ الطهارة من جميع القذارات، لازمة في الصلاة. بل

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 361/ 1495، وسائل الشيعة 3: 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 74، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 48

الظاهر من صدرها أنّ المذكور فيها من قبيل المثال لمطلق النجاسات. و كيف كان فلا إشكال في استفادة حكم مطلق النجاسات منها .. إلىٰ غير ذلك ممّا سيأتي الكلام في بعضها، كرواية خَيْران الخادم «1».

و من غير فرق بين الثوب و البدن؛ للإجماع المتقدّم و لفحوىٰ ما دلّت علىٰ لزوم إزالتها عن الثوب «2» و للمستفيضة الدالّة علىٰ إعادة الصلاة علىٰ من نسي غسل البول عن فخذه، أو جسده، أو ذكرِه، أو نسي الاستنجاء فصلّى، أو دخل في الصلاة «3».

و

لصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا صلاة إلّا بطهور، و

يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنّة من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و أمّا البول فلا بدّ من غسله» «4».

حيث يظهر منها لزوم طهارة البدن بل الثوب عن النجاسات، و سيأتي تتمّة لفقه الحديث «5».

و

لرواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن النَّضُوح يجعل فيه النبيذ، أ يصلح أن تصلّي المرأة و هو علىٰ رأسها؟ قال: «لا،

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 49.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 404، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8 و 16 و 19 و 42.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 294، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 18، و: 317، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10.

(4) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(5) يأتي في الصفحة 55.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 49

حتّى تغتسل منه» «1» ..

إلىٰ غير ذلك. و يظهر منها عدم الفرق بين الشعر و غيره، كما أنّ مقتضىٰ إطلاق ما تقدّم كصحيحة زرارة عدم الفرق بين الظفر و الشعر و غيرها.

و من غير فرق بين ما صدق عليه اسم «الثوب» عرفاً، أو لا إذا كان للمصلّي نحو تلبّس به، كالقطن و الصوف غير المنسوجين الملفوفين بالبدن، و الحصير و الحشيش كذلك؛ لإمكان دعوى أنّ «الثوب» الوارد في الأدلّة من باب المثال، أو لجرى العادة على السؤال عنه.

و

لرواية خَيْران الخادم الحسنة أو الصحيحة «2» قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير، أ يصلّىٰ فيه أم لا؛ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صلّ فيه؛

فإنّ اللّٰه إنّما حرّم شربها، و قال بعضهم: لا تصلّ فيه؟ فوقّع: «لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس ..» «3»

إلىٰ آخره.

يظهر من التعليل عدم جواز الصلاة في الرجس مطلقاً.

هل الظرفية في «لاتصلّ في النجس» راجعة إلى الصلاة أو المصلّي؟

نعم، يقع الكلام في هذه الظرفية هل هي للمصلّي، فيكون المعنىٰ: لا يصلّ المصلّي و هو في رجس، فلا تصدق في مثل الخاتم و السيف و الخفّ و الجَوْرَب و التكّة، و غيرها ممّا لا تتمّ فيها الصلاة، فتكون خارجة تخصّصاً؛ ضرورة

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 151/ 200، وسائل الشيعة 25: 380، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 37، الحديث 3.

(2) تقدّم وجه الترديد في الجزء الثالث: 12، الهامش 4.

(3) الكافي 3: 405/ 5، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 50

عدم صدق «كون الإنسان في الخاتم و السيف» و نحوهما ممّا ليس لها نحو اشتمال على البدن، كالقميص و الرداء و القَباء ممّا هي صادقة فيها عرفاً بخلاف ما قبلها؟

بل التأويل و الادعاء فيها أيضاً لا يخلو من إشكال و نحو ركاكة، إلّا في بعض الأحيان الذي ليس المقام منه.

أو هي للصلاة بالمعنى المصدري أو حاصله بنحو من الادعاء و التخيّل، فيكون المعنىٰ: لا تجعل صلاتك في النجس؟

و هو نحو ادعاء و اعتبار ليس للعرف تشخيص مراده إلّا ببيان من المتكلّم؛ و إقامة قرينة علىٰ مراده.

و يمكن دعوى أقربية الاحتمال الثاني بالنظر إلى الروايات و موارد الاستعمال في خصوص المقام؛ لشيوع استعمال الظرفية في مثل الخفّ و النعل و الجَوْرَب و الجُرْمُوق و التكّة و الكمرة و المنديل و القَلَنْسوة و الفصّ و السيف و أشباه ذلك.

و قد عرفت أنّ

دعوى ظرفية هذه الأُمور للمصلّي و لو بنحو من التأويل بعيدة، و أمّا ظرفيتها لفعل الصلاة و حاصله فمبتنية علىٰ نحو اعتبار و ادعاء، فلو قامت قرينة على اعتبار ظرفية تلك الأُمور له، يتبع بمقدار دلالتها.

و الذي يمكن دعواه: أنّ شيوع استعمال الظرفية فيما يتلبّس المصلّي بنحو تلبّس كالتختّم و التقلّد، و التلبّس بنحو التكّة و الكمرة و أشباهها يوجب حمل ما يستفاد من الرواية المتقدّمة أي «لا تصلّ في النجس» على الأعمّ من الثياب و من مثل هذا النحو من المتلبّسات، فالاستعمال الشائع الكثير و المتعارف قرينة علىٰ إرادة الأعمّ، فيكون خروج ما لا تتمّ فيه الصلاة من قبيل الاستثناء.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 51

جواز الصلاة مع المحمول النجس
اشارة

و أمّا إلحاق المحمول بها، فلا بدّ من قيام دليل آخر غير ذلك؛ لعدم الظرفية: لا للمصلّي، و هو واضح، و لا للصلاة؛ لعدم قيام قرينة عليه بعد عدم تشخيص العرف؛ لإناطته على اعتبار المعتبر، و هو يحتاج إلىٰ قيام القرينة.

نعم، لو كان استعمال الظرف في المحمول أيضاً شائعاً كاستعماله في الملبوس و ما يتلبّس به بنحو ما تقدّم كان الإلحاق وجيهاً، لكن لم يثبت ذلك.

بل التعبير في لسان الأدلّة سؤالًا و جواباً في المحمول و المصاحب، علىٰ خلافه في اللباس و ما يتلبّس به،

ففي صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي، و هو في جيبه أو ثيابه، فقال: «لا بأس بذلك» «1»

و نحوها مكاتبة عبد اللّٰه بن جعفر الآتية «2».

و

في صحيحته الأُخرىٰ: سألته عن الرجل يصلّي و معه دَبّة من جلد حمار أو بغل، قال: «لا يصلح أن يصلّي و هو

معه» «3»

و نحوها صحيحته الأُخرىٰ «4».

______________________________

(1) الفقيه 1: 165/ 775، تهذيب الأحكام 2: 362/ 1499، وسائل الشيعة 4: 433، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 41، الحديث 1.

(2) يأتي في الصفحة 53.

(3) الفقيه 1: 164/ 775، وسائل الشيعة 4: 461، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 60، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 2: 373/ 1553، وسائل الشيعة 4: 462، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 60، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 52

و علىٰ هذا التعبير ورد في الطير و الدراهم في جملة من الروايات «1» و في المفتاح و السكّين «2» .. إلىٰ غير ذلك.

فيما يستدلّ به علىٰ عدم جواز الصلاة مع المحمول النجس

و أمّا

مرسلة عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال: «كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه و إن كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكّة و الكمرة و النعل و الخفّين و ما أشبه ذلك» «3».

فلا تدلّ على استعمال الظرف فيما مع الإنسان أو عليه، بل الظاهر استعمالها فيما يتلبّس به المصلّي، كالأمثلة المذكورة، فإنّها مع الإنسان، و بعضها عليه، لكن مع نحو من التلبّس. و يشهد له قصر الأمثلة في الملبوسات، فلو كان ما معه مختصّاً بالمحمول أو الأعمّ منه، كان عليه ذكر مثال له، سيّما على الأوّل.

و أمّا

قوله (عليه السّلام) في موثّقة ابن بكير: «الصلاة في وبره و روثه و بوله ..» «4»

إلىٰ آخره و

قوله (عليه السّلام) في رواية فارس عن ذرق الدجاج: «يجوز الصلاة فيه» «5»

فليس في مورد المحمول، بل فيما تلوّث اللباس بها، فاستعمال

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 4: 437، كتاب الصلاة،

أبواب لباس المصلّي، الباب 45، الحديث 3، و الباب 60، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 4: 417، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 32.

(3) تهذيب الأحكام 1: 275/ 810، وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 5.

(4) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

(5) تهذيب الأحكام 1: 266/ 782، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 53

الظرف باعتبار الصلاة في الثوب المتلوّث بها.

فتحصّل من جميع ذلك: عدم صحّة الاستدلال بمثل رواية خَيْران الخادم «1» لعدم صحّة الصلاة في المحمول.

و ربّما يستدلّ على المنع فيه بروايات أجنبية عن المقام، كمكاتبة عبد اللّٰه بن جعفر الواردة في فأرة المسك «2»، و صحيحة علي بن جعفر الواردة في دَبّة من جلد الحمار و البغل «3»، فإنّهما علىٰ فرض دلالتهما غير مربوطتين بالمقام، بل ترجعان إلىٰ مانعية الميتة و أجزائها.

نعم، لو كان المراد ب «الذكيّ» الطاهر كان له وجه، لكنّه خلاف ظاهره. و قد مرّ الكلام في الرواية في نجاسة الميتة «4».

و

كرواية رِفاعة و فيها: أ يصلّي في حِنّائه؟ قال: «نعم، إذا كانت خرقته طاهرة» «5».

فإنّ الخرقة إذا كانت نجسة، تسري لا محالة إلى البدن. بل لا يبعد صدق «الصلاة فيها و في الحِنّاء» مع هذا التلبّس نحو التلبّس بالكمرة و التكّة.

و

كرواية وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام): «إنّ عليّاً (عليه السّلام)

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 49.

(2) تهذيب الأحكام 2: 362/ 1500، وسائل الشيعة 4: 433، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 41، الحديث 2.

(3) تقدّمت في

الصفحة 51.

(4) تقدّم في الجزء الثالث: 132 133.

(5) الفقيه 1: 173/ 819، تهذيب الأحكام 2: 356/ 1470، وسائل الشيعة 4: 429، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 39، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 54

قال: السيف بمنزلة الرداء تصلّي فيه ما لم ترَ فيه دماً، و القوس بمنزلة الرداء» «1».

فإنّها أيضاً مربوطة بما يتلبّس به؛ فإنّ المراد منه السيف المتقلَّد و الصلاة فيه لا المحمول، و لهذا قال (عليه السّلام): إنّه «بمنزلة الرداء» و كذا القوس. و لو لا ضعف سندها «2» لما كانت روايات ما لا تتمّ فيه الصلاة متعارضة معها؛ لحكومتها عليها بواسطة التنزيل منزلة الرداء، فخرج السيف و القوس عمّا لا تتمّ. مع أنّها أخصّ من تلك الروايات.

و

كرواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: و سألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العَذِرة، فتهبّ الريح فتسفي عليه من العَذِرة، فيصيب ثوبه و رأسه، يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال: «نعم، ينفضه و يصلّي فلا بأس» «3».

فإنّ الظاهر أنّه من قبيل المتلبّسات التي يصدق معها «الصلاة فيه» فإنّ سفيَ الريح من العَذِرة على الثوب و الرأس، و صيرورتَهما مغبّرين بما هو نحو الذرّ، يوجب نحو تلبّس بالنجاسة يصدق معه «الصلاة فيه» فلا تجوز الصلاة كذلك، فلا يستفاد منها حكم المحمول الذي عرفت عدم صدق «الصلاة فيه» هذا مع ضعف سندها.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 131/ 460، تهذيب الأحكام 2: 371/ 1546، وسائل الشيعة 4: 458، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 57، الحديث 2.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد، عن أبيه، عن وهب بن وهب. و الرواية ضعيفة بوهب بن

وهب.

رجال النجاشي: 430/ 1155، الفهرست: 173/ 757.

(3) مسائل عليّ بن جعفر: 155/ 214، وسائل الشيعة 3: 443، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 26، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 55

و قد يقال: لا يدلّ قوله (عليه السّلام): «ينفضه» علىٰ وجوب النفض؛ لجريانه مجرى العادة، و الرواية بصدد بيان نفي الغسل «1».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 55

و فيه ما لا يخفى، سيّما إن قلنا: بأنّ المستفاد من قوله (عليه السّلام): «فلا بأس» أنّه جواب شرط، فكأنّه قال: «إن ينفضه و يصلّي فلا بأس».

و بالجملة: رفع اليد عن ظاهر الدليل الموافق لارتكاز مانعية النجاسة- و لو في الجملة بمجرّد احتمال الجري مجرى العادة، ممّا لا وجه له، فالوجه ما ذكرناه. بل مع احتماله لا تدلّ الرواية علىٰ مطلق المحمول بعد كون موردها غيره عرفاً.

و يمكن الاستدلال عليه

بصحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور» «2»

الشاملة للطهور من الخبث؛ بدعوىٰ شمولها للمحمول بمناسبة الحكم و الموضوع بأن يقال: إنّ المصلّي المناجي لربّه القائم بين يدي الجبّار، لا بدّ و أن يكون طاهراً نقيّاً عن الأدناس و الأرجاس مطلقاً في بدنه و ثوبه و مصاحباته.

كما ربّما يستأنس به من رواية «العلل» عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام) قال: «إنّما أُمر بالوضوء و بدئ به؛ لأن يكون العبد إذا قام بين يدي الجبّار عند مناجاته إيّاه، مطيعاً له فيما أمره، نقيّاً عن الأدناس و النجاسة» «3».

و مع نجاسة شي ء منها لا تكون الصلاة بطهور؛ ضرورة

أنّ المراد منه مطلق وجود الطهور، لا صِرف وجوده، و هو لا يتحقّق إلّا مع كون المصلّي طاهراً بجميع ما معه و عليه.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 583/ السطر 18.

(2) تقدّمت في الصفحة 45.

(3) علل الشرائع: 257/ 9، وسائل الشيعة 1: 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 56

هذا، و لكنّ الإنصاف عدم جواز التعويل علىٰ هذه الاستحسانات و الاعتبارات في تعميم الصحيحة للبدن و الثوب، فضلًا عن المحمول، مع ما نرىٰ من إعمال تعبّدات في العبادة بعيدة عن العقول، كجواز الصلاة فيما لا تتمّ الصلاة فيه و لو كان متلطّخاً بالقذارة، و جوازها في الدم القليل غير الدماء الثلاثة، و إجزاء الأحجار في الغائط دون البول، مع أقذريته عرفاً، فأمثال ما ذكر و غيرها ممّا هو وارد في باب التعبّديات، توجب عدم الاتكال على الاعتبارات و المقايسات العقلية، كمقايسة محضر الربّ الجليل بمحاضر أشراف البشر.

و أمّا رواية «العلل» فلا تكون بمثابة يمكن التعدّي عن موردها الذي هو الطهارة عن الحدث إلىٰ غيره.

و أمّا دعوى: أنّ المراد من «الطهور» هو مطلق الوجود الشامل للمحمول، فخالية عن الشاهد. نعم الظاهر و لو بمساعدة فهم العرف مطلق وجوده بالنسبة إلى البدن، و عدم الاختصاص بمحلّ النجو. لكنْ أسراؤه إلى اللباس- فضلًا عن المحمول محلّ إشكال.

و إن شئت قلت: إن كان المراد من

قوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور»

أنّ الصلاة لا بدّ و أن تكون طاهرة، فلا تتصف هي بالطهارة. مع أنّ العقول قاصرة عن إدراك كيفية طهارتها.

و إن كان المراد غير ذلك كما أنّ الأمر كذلك فلا بدّ من تقدير، مثل «لا صلاة إلّا بطهور بدن

المصلّي» أو «نفس المصلّي» أو «بدنه و لباسه» أو «مع ملابساته» أو «مع محموله» و لا طريق إلىٰ إثبات شي ء منها إلّا بدنه الذي يدلّ عليه ذيل الصحيحة، و غاية ما يمكن دعواه هو التعميم بالنسبة إلىٰ ما يصلّي فيه، فيكون مساوقاً لقوله: «لاتصلّ في النجس» و هو غير شامل للمحمول الذي كالأجنبي عن الصلاة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 57

و أضعف ممّا تقدّم أو نحوها التمسّك بصحيحة زرارة المعروفة في الاستصحاب، و فيها: فإنّي قد علمت أنّه أصابه، و لم أدرِ أين هو فأغسله،

قال: «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه أصابها؛ حتّى تكون علىٰ يقين من طهارتك» «1».

بأن يقال: إنّ انتساب الطهارة إليه، دالّ علىٰ لزوم طهارته و طهارة جميع ما عليه و فيه و معه.

و فيه ما لا يخفىٰ من الوهن؛ ضرورة أنّ الانتساب إلى اللابس إنّما يكون بنحو من التأويل و الدعوىٰ، و هما في اللباس صحيحان؛ لأنّ المصحّح هو التلبّس، فيصحّ أن يقال مع نجاسة اللباس: «إنّي نجس» و مع طهارته: «إنّي طاهر» دون مثل المحمول، فهل يصحّ لمن يكون في جيبه سكّين نجس أن يقول: «إنّي نجس» أو كان بيده سيف نجس يقول ذلك؟! بل لا تصحّ الدعوىٰ في بعض الألبسة و الملابسات، كالخاتم و السيف المتقلّد. مضافاً إلىٰ أنّ فرض صحّة الدعوىٰ لا يوجب وقوعها. فلا تدلّ الرواية إلّا علىٰ لزوم طهارة الإنسان و لباسه، لا مطلق متلبّساته، فضلًا عن محمولاته التي لا يصحّ إطلاق «طهارتك» حتّى مجازاً و ادعاءً بالنسبة إليها.

فمقتضى الأصل جواز الصلاة مع المحمول النجس؛ من غير فرق بين كونه عين النجاسة أو لا.

قال الشيخ في «الخلاف» في قارورة مشدودة الرأس

بالرصاص فيها بول أو نجاسة: «ليس لأصحابنا فيه نصّ، و الذي يقتضيه المذهب أنّه لا ينقض الصلاة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 402، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 7، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 58

به» و هو كذلك؛ للأصل السالم عن الدليل الحاكم.

و قوله بعد ذلك: «و لو قلنا: إنّه يبطل الصلاة لدليل الاحتياط، كان قويّاً» مبني على القول بالاشتغال في الشكّ في القيود و الموانع، و هو ضعيف.

و أمّا قوله: «و لأنّ على المسألة الإجماع؛ فإنّ خلاف ابن أبي هريرة لا يعتدّ به» «1» فالظاهر منه إجماع القوم بدليل ما تقدّم منه، و بدليل استثناء ابن أبي هريرة. و أمّا احتمال أن يكون مراده الإجماع على القاعدة فبعيد.

الاستدلال علىٰ جواز الصلاة في المحمول الذي هو عين نجاسة

بل يمكن الاستدلال علىٰ الجواز في عين النجاسة

بصحيحة عليّ بن جعفر: أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يكون به الثؤْلول أو الجرح، هل له أن يقطع الثؤْلول و هو في صلاته، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال: «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس، و إن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله» «2».

فإنّ اللحم الذي على الجرح أو حوله، ليس مثل الثؤْلول الذي ترفضه الطبيعة بإذن اللّٰه تعالىٰ، و قلنا في محلّه بعدم نجاسته، و عدمِ كونه ميتة أو في حكمها «3»، لأنّ اللحم الفاسد بتبع الجرح ممّا تحلّه الحياة، و ذهاب حياته لأجل الفساد لو فرض لا يوجب عدم كونه ممّا تحلّه الحياة، فنفي البأس عنه دليل علىٰ عدم مانعية المحمول النجس.

______________________________

(1) الخلاف 1: 503 504.

(2) الفقيه 1: 164/ 775، تهذيب الأحكام 2: 378/ 1576،

وسائل الشيعة 7: 284، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 27، الحديث 1.

(3) تقدّم في الجزء الثالث: 125.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 59

و توهّم: أنّ قوله (عليه السّلام): «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم» كناية عن عدم كونه ممّا تحلّه الحياة، و الخوف من السيلان كناية عمّا تحلّه، كما ترى.

كتوهّم عدم صدق المحمول على النتف و الرمي، فإنّ قلّة زمان الحمل لا يوجب نفي الصدق. إلّا أن يقال بانصراف الدليل، فيلزم منه الالتزام بعدم مانعية سائر الموانع مع قلّته، فيقال بجواز لبس ما لا يؤكل و النجس عمداً و طرحه فوراً، و هو كما ترى.

مع أنّ الطرح الذي في لسان السائل ليس به غايته؛ أي ليس نظره إلىٰ قلّة الزمان، بل نظره إلىٰ جواز الأخذ في حال الصلاة، فلا يبعد فهم جوازه و لو مع حفظ القطعة المأخوذة من الرواية، تأمّل.

و لك الاستدلال للمطلوب

بموثّقة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام): في الرجل يمسّ أنفه في الصلاة فيرىٰ دماً، كيف يصنع أ ينصرف؟ قال: «إن كان يابساً فليرمِ به، و لا بأس» «1».

بتقريب: أنّ التفصيل بين الرطب و اليابس، دليل علىٰ أنّ الدم لو كان رطباً كان مانعاً، فالمفروض فيه ما كان بمقدار غير معفوّ عنه، و مع ذلك نفى البأس عن يابسه.

إلّا أن يقال: إنّ التفصيل لأجل أنّه مع عدم يبسه، يمكن أن يسري إلى اللباس و البدن، فصار زائداً عن المعفوّ عنه، دون ما إذا كان يابساً. مضافاً إلىٰ بُعد كون الدم اليابس المأخوذ بمسّ الأنف، زائداً عنه.

______________________________

(1) الكافي 3: 364/ 5، وسائل الشيعة 7: 239، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام

الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 60

إلّا أن يقال: إنّ التعرّض للفرد النادر لا مانع منه. و حملها علىٰ عدم بيان الحكم الشرعي بعيد.

و كيف كان: لا فرق بين عين النجاسة و غيرها، و التفصيل ضعيف «1»، لعلّ منشأه رواية الفأرة و الدبّة و قد عرفت حالهما «2». و لو قال أحد بالتفصيل بين عينها و غيرها بعكس ما ذهب إليه المفصّل و قال بالعفو في العين كان أوجه؛ لمكان الروايتين المتقدّمتين، لكنّ الوجه عدم التفصيل.

و لا فرق في المحمول بين ما تتمّ فيه الصلاة و غيره، و لا وجه للتفريق بينهما إلّا تخيّل صدق «الصلاة فيه» في المحمول مطلقاً، و قد خرج ما لا تتمّ بالأدلّة الآتية، و بقي غيره، و قد عرفت بطلانه «3».

و إلّا توهّم دلالة مرسلة عبد اللّٰه بن سِنان المتقدّمة «4» عليه؛ بدعوىٰ أنّ المراد من قوله: «معه» هو المحمول، و قد فصّل فيها بين ما تتمّ الصلاة فيه و غيره، و قد مرّ ما فيها، فراجع «5».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 583/ السطر 35، العروة الوثقى 1: 105، «الرابع فيما يعفىٰ عنه في الصلاة».

(2) تقدّم في الصفحة 53.

(3) تقدّم في الصفحة 52 53.

(4) تقدّمت في الصفحة 52.

(5) تقدّم في الصفحة 52.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 61

جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه منفرداً مع نجاسته
اشارة

ثمّ إنّه لا إشكال نصّاً و فتوى في الجملة في استثناء ما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً، و قد حكي عليه الإجماع أو الاتفاق في «الانتصار» و «الخلاف» و عن «السرائر» و نسبه في «التذكرة» إلىٰ علمائنا «1». و عن «المختلف» و «المدارك» نسبته إلى الأصحاب «2»، و عن «الذخيرة» و «الكفاية» و شرح الأُستاذ: «لا أعلم في

أصل الحكم خلافاً بين الأصحاب» «3».

و به يجبر ضعف الروايات سنداً، و دلالةً إن كان ضعف في دلالة ما هي معتبرة الإسناد، فإنّه قد يقال «4»: إنّ الروايات في الباب بين ما هي ضعيفة دلالة مع اعتبار سندها،

كصحيحة زرارة أو موثّقته «5»، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه

______________________________

(1) الانتصار: 38، الخلاف 1: 480، السرائر 1: 264، تذكرة الفقهاء 2: 481 482.

(2) مختلف الشيعة 1: 325، مدارك الأحكام 2: 322.

(3) ذخيرة المعاد: 160/ السطر 31، كفاية الأحكام: 12/ السطر 31، مصابيح الظلام 2: 67/ السطر 5 (مخطوط).

(4) مدارك الأحكام 2: 322.

(5) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن علي بن عقبة، عن زرارة.

و الترديد لوقوع علي بن أسباط في السند لأنّه اختلف في رجوعه عن الفطحية.

رجال النجاشي: 252/ 663، رجال الكشي: 345/ 639 و 562/ 1061، تنقيح المقال 2: 268/ السطر 14 (أبواب العين).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 62

الشي ء، مثل القَلَنْسوة و التكّة و الجَوْرَب» «1».

فإنّ في قوله (عليه السّلام): «عليه الشي ء» إجمالًا غير معلوم المراد. كما أنّ كونه «عليه» غير متضح المقصود.

و بين ما هي واضحة الدلالة غير معتبرة الإسناد، كمرسلة إبراهيم «2» و ابن سِنان «3» و حمّاد «4» و كرواية زرارة «5» و حفص بن أبي عيسىٰ «6» و «فقه الرضا» «7».

لكن الإنصاف: عدم ورود الإشكال بشي ء مع استفاضة الروايات و عمل الأصحاب بها قديماً و حديثاً؛ لا في الإسناد، و لا في دلالة الموثّقة؛ فإنّه لا يشكّ أحد في أنّ المراد قذارة المذكورات،

لا حمل القذر؛ لعدم التناسب معها،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 358/ 1482، وسائل الشيعة 3: 455، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 358/ 1481، وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 2: 275/ 810، وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 5.

(4) تهذيب الأحكام 2: 274/ 807 و 2: 357/ 1479، وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 2.

(5) تهذيب الأحكام 1: 357/ 1480، وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 3.

(6) تهذيب الأحكام 1: 274/ 808، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 6.

(7) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 95، مستدرك الوسائل 2: 575، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 63

و لا حمل سائر الموانع، و التشكيك فيه وسوسة، و لهذا لم يعهد من أحد الإشكال فيها من هذه الجهة، فالمسألة لا إشكال فيها إجمالًا.

كما أنّ الحكم عامّ لجميع مصاديق ما لا تتمّ؛ سواء كانت من المذكورات أو غيرها، فما عن القطب من الحصر «1» ضعيف. بل لا يبعد عدم استفادة الحصر من عبارته المحكية في «مفتاح الكرامة» «2». و نسب ذلك إلىٰ أبي الصلاح و سلّار «3». و لعلّهم اقتصروا علىٰ مورد اتفاق النصّ و الفتوىٰ بعد الخدشة في الروايات بما مرّت منّا، تأمّل.

فروع
الأوّل: في تحقيق المراد ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده

يحتمل في بادئ النظر أن يكون المراد من قوله (عليه السّلام): «كلّ ما كان لا يجوز فيه الصلاة وحده» أنّه كلّ ما لا تجوز مطلقاً و بنحو السلب الكلّي، في

مقابل جوازها في الجملة و بنحو الإيجاب الجزئي؛ بمعنى أنّ الموضوع للعفو ما لا تتمّ الصلاة فيه؛ لا من الرجال، و لا من النساء، و لا من صغير الجثّة، و لا كبيرها، فإذا صحّ الصلاة في الجملة يرتفع العفو.

و أن يكون المراد: أنّه كلّ ما لا تجوز في الجملة بنحو السلب الجزئي، يكون موضوعاً للعفو، في مقابل الإيجاب الكلّي، فإذا لم تصحّ و لو من مكلّف،

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 325.

(2) مفتاح الكرامة 1: 164/ السطر 11.

(3) انظر جواهر الكلام 6: 129، الكافي في الفقه: 140، المراسم: 56.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 64

يكون معفوّاً عنه من جميع المكلّفين، و لازمه العفو عن كلّ ثوب لا يصحّ الصلاة فيه و لو من النساء للرجال و النساء.

و أن يكون المراد ما لا تتمّ بالقياس إلىٰ صنف الرجال و صنف النساء، فيكون مثل المقنعة و القميص غيرَ معفوّ عنه للرجال؛ لجواز صلاتهم فيه منفرداً، و معفوّاً عنه للنساء.

و أن يكون عدم التمام بالقياس إلىٰ أشخاص المكلّفين، فيكون بعض الثياب معفوّاً عنه عن صغير الجثّة لا كبيرها.

وجوه أوجهها الأوّل، لا للأمثلة المذكورة في الروايات؛ فإنّها لا توجب التقييد في موضوع الحكم بصِرف كونها من قبيله. نعم يمكن تأييد الوجه الآتي بها، بل لا يبعد أن تكون الأمثلة مرجّحة له.

بل لأجل أنّ الظاهر أنّ الحكم لطبيعة الصلاة، و عدمها بعدم جميع الأفراد عرفاً، كما أنّ وجودها بوجود فرد ما، فما لا تتمّ الصلاة فيه إنّما يصدق إذا لم تتمّ فيه مطلقاً، و إلّا فيصدق أنّه ممّا تتمّ فيه، و هو الموافق لفهم العرف.

ثمّ الثالث بدعوىٰ: أنّ الروايات متعرّضة لحال الرجال، كنوع الأحكام المشتركة بينهم و

بين النساء، كقوله: «رجل شكّ بين كذا و كذا» لكنّ العرف- بإلغاء الخصوصية يفهم أنّ الحكم أعمّ و مشترك بين الصنفين، و مقتضى ذلك أنّ ما لا تتمّ الصلاة فيه للرجال، تصحّ صلاتهم فيه مع القذارة، و ما لا تتمّ للنساء تصحّ صلاتهنّ فيه.

أو يقال: إنّ العرف لمّا علم أنّ ما لا تتمّ للرجال مغاير لما لا تتمّ للنساء، لا ينقدح في ذهنه إلّا أنّ لكلّ صنف حكمه، فكلّ صنف لا تتمّ صلاته في شي ء تصحّ صلاته فيه مع القذارة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 65

و أمّا الاحتمالان الآخران فضعيفان، سيّما الأخير.

و الأقوى هو الوجه الأوّل و إن كان الثاني لا يخلو من قوّة. و لو شككنا في ترجيح أحد الوجهين، كان المرجع عموم عدم جواز الصلاة في النجس؛ لإجمال المخصّص المنفصل، و المتيقّن منه مورد الأمثلة المذكورة و أشباهها.

الثاني: في عدم كون العمامة ممّا لا تتمّ الصلاة فيها

عن الصدوقين عدّ العمامة ممّا لا تتمّ الصلاة فيها «1»، و هو موافق «للفقه الرضوي» «2» و ربّما يحمل كلامهما على العمامة التي تكون كذلك لصغرها «3».

و قد يقال: إنّ العمامة بالهيئة الفعلية المعهودة لا تتمّ فيها، و هو الميزان فيما لا تتمّ، و إلّا لأمكن تغيير القَلَنْسوة أيضاً بنحو يتمّ الصلاة فيها «4».

و التحقيق: أنّ الظاهر من الروايات أنّ الثياب علىٰ نوعين:

منها: ما يصدق عليها أنّها موصوفة بجواز الصلاة فيها وحدها.

و منها: ما هي بخلاف ذلك.

و الموضوع لجواز الصلاة مع القذارة، هو الثوب الذي له هذا الوصف العنواني من غير لحاظ كونه على المصلّي، و لا لحاظ إتيان الصلاة معه فعلًا، فالقلنسوة متصفة فعلًا بأنّها ممّا لا تجوز الصلاة فيها وحدها؛ سواء صلّىٰ فيها

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 327،

الفقيه 1: 42/ 167، المقنع: 14.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 62 الهامش 7.

(3) انظر المعتبر 1: 435، تذكرة الفقهاء 2: 482.

(4) انظر مدارك الأحكام 2: 322، جواهر الكلام 6: 130.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 66

مصلٍّ أو لا، و الرداء متصف بجواز الصلاة فيه؛ صلّى فيه مصلٍّ أو لا، و العمامة من الثياب التي تتصف بالوصف العنواني أي جواز الصلاة فيها بأيّة هيئة كانت، كما أنّ الرداء كذلك؛ كان ملفوفاً أو لا.

و بالجملة: لم يلحظ في الثياب هيئة فعلية، بل الملحوظ نفس الثياب، و لا شبهة في أنّ العمامة كالمئزر في صدق جواز الصلاة فيها.

فما قد يقال: إنّ الروايات لولا الأمثلة المذكورة لا يبعد دلالتها علىٰ قول الصدوق؛ لظهورها في أنّ المدار جواز الصلاة فيها وحدها بالفعل لا بالفرض «1».

غير وجيه؛ لأنّ الظاهر منها النظر إلىٰ ذات الثياب لا هيئاتها، فكما أنّ الرداء بذاته يصدق عليه جواز الصلاة فيه و لو كان ملفوفاً، كذلك العمامة، فهي قطعة كرباس مثلًا يجوز الصلاة فيها؛ أي يمكن جعلها ساتراً، و هو ثابت لها بأيّة هيئة كانت. فلو لوحظ فعلية جواز الصلاة فيها حقيقة، لا يصدق ذلك علىٰ شي ء إلّا مع جعله مئزراً بالفعل، و اعتبار ذلك مع كونه خلاف الضرورة؛ للزوم البناء على العفو عن سائر الألبسة عدا الساتر الفعلي خلاف المتفاهم من الروايات.

و بالجملة: الجواز الفعلي لا يصدق إلّا مع فعلية التلبّس و التستّر به و هو غير مقصود بالبداهة، و الوصف العنواني صادق حتّى مع لفّه و كونه علىٰ هيئة العمامة.

و أمّا النقض بالقلنسوة: بأنّه يمكن تغييرها بنحو يجوز الصلاة فيها فهو كما ترى.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه الطهارة: 597/ السطر 11.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 67

الثالث: في عدم اعتبار كون الملابس المعفوّ عنها في محالّها

اعتبر العلّامة و جمع آخر- منهم الشيخ الأعظم أن تكون الملابس المعفوّ عنها في محالّها مدعياً: «أنّه المتبادر من إطلاق النصّ و معاقد الإجماعات، فلو شدّ تكّته في وسطه أو حملها علىٰ عاتقه لم تجز الصلاة» «1».

أقول: أمّا لو أخذها من محالّها و حملها من غير تلبّس، فعدم الجواز مبني علىٰ عدم جواز حمل المتنجّس، و قد مرّ جوازه «2».

و أمّا مع التلبّس بها في غير محلّها فالظاهر أيضاً الجواز؛ لأنّ الظاهر من الروايات أنّ ما له هذا الوصف العنواني لصغره، يكون تمام الموضوع لجواز الصلاة فيه من غير دخالة شي ء آخر فيه. و لم يلحظ فيها حال الصلاة و المصلّي فعلًا حتّى يقال: «إنّ المتبادر تلبّسه بها في محلّها».

و توهّم: أنّ الحكم مبني على العفو، كما هو ظاهر تعبير الفقهاء، و هو مناسب لكون تلك الألبسة في محلّها.

و بالجملة: معنى «العفو» أنّ المقتضي للمنع موجود، لكن مصلحة التسهيل على المكلّف أوجبت العفو عنها، فيقتصر علىٰ ما إذا كانت في محلّها.

مدفوع أوّلًا: بأن لا إشعار في شي ء من روايات الباب بالعفو، و لم يتضح من تعبير بعض الفقهاء بذلك أن يكون مراده وجود الاقتضاء فيها، بل الظاهر جريانه

______________________________

(1) تحرير الأحكام 1: 24/ السطر 24، قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 4، البيان: 96، كشف اللثام 1: 434، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 376/ السطر 10.

(2) تقدّم في الصفحة 51.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 68

مجرى العادة؛ و تبعاً لذكر دم الجروح و القروح الذي يظهر من نفس الواقعة فيه العفو، فدعوى العفو في المقام بهذا المعنىٰ خالية عن الشاهد.

و ثانياً: لو فرض العفو، لكن

لا يلزم منه رفع اليد عن ظاهر الرواية و إطلاقها. و دعوى الانصراف ممنوعة، و إلّا فلقائل أن يدعي الانصراف في دليل المنع أيضاً، فالأقوىٰ عدم الفرق بين كونها في المحالّ و عدمه.

الرابع: حكم ما لا تتمّ فيه بناءً علىٰ عدم جواز حمل المتنجّس

بناءً علىٰ عدم جواز حمل المتنجّس، لا فرق بين ما تتمّ فيه الصلاة و غيره؛ إن قلنا باستفادة عدم جوازه من غير ما دلّ علىٰ عدم جواز الصلاة في النجس، كصحيحة زرارة «1» و غيرها، و منعنا صدق «الصلاة فيه» بالنسبة إلى المحمول؛ لأنّ أدلّة التجويز إنّما أجازت فيما لا تتمّ الصلاة فيها إذا كانت قذرة، و المحمول خارج عنه فرضاً.

نعم، لو قلنا بصدق «الصلاة فيه» و قلنا باستفادة حكمه من الكبرى الدالّة علىٰ عدم جواز الصلاة في النجس، فمقتضىٰ أدلّة العفو التفصيل في المحمول أيضاً، كالتفصيل في الملبوس.

الخامس: جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه مهما كان جنسه و نجاسته

قيل: «مقتضىٰ إطلاق النصّ و الفتوىٰ، عدم الفرق في العفو بين النجاسات التي من فضلات غير مأكول اللحم أو غيرها، و كذا عدم الفرق بين ما يكون ما لا تتمّ من أعيان النجاسات كالخفّ المتخذ من جلد الميتة،

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 45.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 69

و القَلَنْسوة المنسوجة من شعر الكلب و الخنزير أو غيرها» «2».

أقول: ما هو المناسب بالبحث عنه هاهنا هو حيثية إطلاق نصوص العفو لما ذكر.

و أمّا البحث عن أدلّة عدم الجواز فيما لا يؤكل أو في الميتة و نجس العين و مقدار دلالتها و معارضتها، فهو موكول إلىٰ محلّ آخر.

و الظاهر عدم الإطلاق في الأدلّة:

أمّا غير موثّقة زرارة «3»، فلأنّ الظاهر منه هو العفو من حيث النجاسة، لا الموانع الأُخر، و لهذا لا يتوهّم إطلاقها لما إذا كان ما لا تتمّ مغصوباً.

و بالجملة: إطلاق العفو عن النجس حيثي؛ لا يقتضي رفع مانعية أُخرى تكون مستقلّة في المانعية، كغير المأكول، و الميتة بناءً علىٰ مانعيتها من غير جهة النجاسة.

و أمّا الموثّقة «1»، فلأنّ قوله (عليه السّلام): «بأن

يكون عليه الشي ء» ليس له إطلاق، بل الظاهر أنّه إشارة إلىٰ شي ء خاصّ، و إلّا لقال: «عليه شي ءٌ» منكّراً، و هو إمّا القذر، كما هو الظاهر و لو بقرينة سائر الروايات، أو مجمل لا يدلّ على المقصود.

______________________________

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 597/ السطر 29 و 37.

(3) تقدّم في الصفحة 62.

(1) تقدّمت في الصفحة 61.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 70

فصل في العفو عن دم الجروح و القروح في الصلاة
اشارة

لا إشكال نصّاً و فتوى في العفو عن دم القروح و الجروح في الجملة، و عليه الإجماع في محكي «الخلاف» و «الغنية» و غيرهما «1»، لكن عبارات القوم مختلفة في اعتبار الدوام و السيلان و عدمه، و مشقّةِ الإزالة و عدمها، و وجوبِ التقليل و عدمه، و وجوبِ إبدال الخرقة مع الإمكان و عدمه. و العفوِ لو ترشرش عليه من دمِ غيره و عدمه، و وجوبِ العصب و عدمه، و أنّ الغاية هي الاندمال، أو قطع الدم .. إلىٰ غير ذلك.

هل المانع صِرف وجود النجاسة، أو الطبيعة السارية؟
اشارة

و قبل الورود في أصل المسألة، لا بأس بذكر أمر يبتني عليه بعض فروعها، و يترتّب عليه ثمرات في غير المقام: و هو أنّه بعد ما فرغنا فيما سلف عن أنّ النجاسة مانعة عن الصلاة، لا أنّ الطهارة شرط فيها «2»، يقع الكلام في المانع و كيفية مانعيته؛ بمعنى أنّ المانع هل هو عنوان «النجس» الجامع بين أنواع النجاسات، فيكون المانع شيئاً واحداً هو النجس، أو كلّ نوع من أنواعها مانع مستقلّ بنحو تمام الموضوع أو بعضه، فيكون المني بعنوانه مانعاً، و البول كذلك بناءً علىٰ تمام الموضوعية، أو المني أو البول النجسين كذلك بناءً علىٰ جزء الموضوعية؟

______________________________

(1) الخلاف 1: 252، غنية النزوع 1: 41، كشف اللثام 1: 431.

(2) تقدّم في الصفحة 42.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 71

و علىٰ أيّ تقدير: هل يكون المانع بعنوان صِرف الوجود أو الطبيعة السارية؟

و لوازم الصور معلومة، فإنّه إن كان المانع النجس الجامع بعنوان صِرف الوجود، لو اضطرّ المكلّف إلىٰ بعض النجاسات في صلاته، لا يجب التطهير من سائر الأنواع، و لا تقليل ما يضطرّ إليها، بخلاف ما لو كان بالوجود الساري، فيجب

عليه التطهير و التقليل.

و كذا الحال بالنسبة إلىٰ كلّ نوع لو قلنا بمانعيته مستقلا، أو بنحو جزء الموضوع، فإن قلنا بمانعية كلّ نوع بنحو صِرف الوجود، فإذا اضطرّ إلى ارتكاب نوع منها، لا يجب تقليله، لكن يجب تطهير سائر الأنواع غير المضطرّ إليها، بخلاف ما إذا كان بنحو الوجود الساري، فإنّه يجب عليه التقليل و التطهير.

و يمكن أن يكون الاعتبار في بعض الأنواع بنحو صِرف الوجود و في بعضها بنحو الوجود الساري، و لوازمه معلومة. هذا بحسب مقام الثبوت.

الاستدلال على مانعية النجاسة بعنوانها

و أمّا بحسب مقام الدلالة و الإثبات، فيمكن أن يستدلّ برواية خَيْران الخادم المتقدّمة «1» علىٰ أنّ المانع هو النجاسة بعنوانها؛ بأن يقال: إنّ قوله (عليه السّلام): «لاتصلّ فيه» أي في الثوب الذي أصابه الخمر- «فإنّه رجس» يدلّ علىٰ أنّ تمام الموضوع لعدم جواز الصلاة، هو الرجس من غير دخالة الخمر فيه، لا بنحو تمام الموضوع، و لا جزئه.

و مقتضى عموم العلّة: أنّ النجس بعنوانه مانع في جميع أنواع النجاسات و مع مانعية النجاسة التي هي صفة زائدة على الذات لازمة لها، لا يكون المانع

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 49.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 72

ذات العناوين، و إلّا نسبت المانعية إليها؛ لأولوية الانتساب إلى الذات من الانتساب إلى الصفة الزائدة، أو تعيّنه، فالانتساب إلى الرجس بعنوانه الظاهر في أنّه مانع، دليل علىٰ أن لا مانعية لذوات العناوين، و لا دخالة لها رأساً.

و تدلّ عليه

صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الثوب الذي يستعيره الذمّي، و فيها «و لا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه» «1».

و يدلّ عليه أيضاً بعض ما ورد فيما لا

تتمّ الصلاة فيه «2».

الاستدلال على مانعية الطبيعة السارية و جوابه

و كذا يمكن الاستدلال برواية خَيْران الخادم علىٰ أنّ المانع هو الطبيعة السارية؛ بأن يقال: إنّ النهي إذا تعلّق بطبيعة، يكون ظاهره الزجر عن تلك الطبيعة، و لازمه العرفي مبغوضيتها بأيّ وجود تحقّقت به، بخلاف الأمر كما حقّق في محلّه «3». هذا في الأوامر و النواهي النفسيتين.

و كذا الحال في الإرشاديتين مثل المقام، فإنّ النهي عن الصلاة في النجس و إن كان إرشاداً إلىٰ مانعيته، لكن ليس معناه: أنّه مستعمل في عنوان المانع؛ بحيث يكون معنىٰ «لاتصلّ في النجس»: أنّ النجس مانع؛ حتّى يتوهّم ظهوره في صِرف الوجود، علىٰ تأمّل فيه أيضاً.

بل هو مستعمل في معناه الموضوع له؛ أي الزجر عن الصلاة في النجس لكن المتفاهم العرفي من الزجر الكذائي هو أنّه لمانعية النجس، لا للمبغوضية النفسية.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 47.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 455، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 2 و 4 و 5.

(3) مناهج الوصول 2: 104 105.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 73

و لا ريب في أنّ الزجر عن الصلاة في النجس كالزجر عن شرب الخمر لازمه الزجر عن الطبيعة بأيّ وجود وجدت، و لازمه مانعيتها لجميع أنحاء تحقّقها.

و تدلّ عليه في الجملة

رواية أبي يزيد القسمي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام): أنّه سأله عن جلود الدارِش التي يتخذ منها الخفاف، قال: «لاتصلّ فيها؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب» «1»

و يتمّ المطلوب بعدم الفصل جزماً.

بل يمكن أن يقال: إنّ المتفاهم من التعليل و لو بضميمة الارتكاز أنّ خرء الكلاب لنجاسته منهي عنه. بل لا ينبغي الشكّ فيه بعد دلالة الأدلّة المتقدّمة علىٰ أنّ المانع هو القذارة، لا العناوين الذاتية، فيصير مفادها

كرواية خَيْران.

و منه يعلم الوجه في دلالة

موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها: «لاتصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى يغسل» «2»

بالتقريب المتقدّم، سيّما مع إشعار به في نفسها.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب مانعية الطبيعة السارية.

لكن مع ذلك لا تخلو من إشكال بل منع؛ لأنّ الظاهر من تلك الروايات تعلّق النهي بطبيعة الصلاة؛ بمعنى أنّ المنهي عنه هو الصلاة في النجس، أو ثوب أصابه الخمر، و لازمه بالتقريب المتقدّم النهي عن جميع مصاديق الصلاة في النجس، لا في جميع مصاديق النجس.

فمعنى

قوله (عليه السّلام): «لاتصلّ في وبر ما لا يؤكل» «3»

علىٰ فرض الانحلال،

______________________________

(1) الكافي 3: 403/ 25، تهذيب الأحكام 2: 373/ 1552، وسائل الشيعة 3: 516، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 71، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 278/ 817، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 7.

(3) انظر علل الشرائع: 342/ 1، وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 74

أو على التقريب المتقدّم هو النهي عن إيجاد المكلّف الصلاة مطلقاً و بأيّ مصداق منها في وبر ما لا يؤكل، لا عدم التلبّس بأيّ مصداق من الوبر؛ ضرورة أنّ ما يقال في الانحلال «1» أو ما قلنا في لازم النهي «2»، إنّما هو في الطبيعة التي جعلت تلو النهي، و صارت منهياً عنها، و هي الصلاة في الوبر علىٰ أن يكون ظرفاً لها.

فتحصّل من ذلك: أنّ المتفاهم من الروايات مانعية النجس عن كلّ صلاة، لا مانعية كلّ مصداق منه عن الصلاة.

مضافاً إلى الفرق بين النواهي النفسية و الإرشادية؛

فإنّ وقوع جميع مصاديق الطبيعة في الأُولىٰ علىٰ صفة المبغوضية الفعلية، لا مانع منه، بخلاف الثانية؛ لعدم إمكان اتصاف المصداق الثاني بالمانعية الفعلية مع اتصاف المصداق المتقدّم بها، فلا بدّ من الالتزام بالمانعية الشأنية أو التقديرية، و هو خلاف ظاهر الأدلّة.

و لا يرد النقض بالموانع الأُخر من غير سنخ النجاسة؛ لأنّ الأدلّة في كلّ نوع غير ناظرة إلىٰ حال الأدلّة الأُخرىٰ، فضلًا عن حال تقدّم بعض المصاديق و تأخّرها، و هذا بخلاف الدليل الواحد الظاهر في النهي الفعلي عن الصلاة في النجس الظاهر في فعلية المانعية، و هي تناسب مانعية صِرف الوجود، و لهذا يمكن دعوى ظهور الأدلّة في مانعية صِرف الوجود من النجس لطبيعة الصلاة السارية.

و لو نوقش في هذا الأخير، فلا أقلّ من عدم دلالة الروايات علىٰ مانعية الوجود الساري بما تقدّم.

نعم، لرواية أبي يزيد القسمي نوع إشعار به لا يبلغ حدّ الظهور و الدلالة،

______________________________

(1) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 395، نهاية الأُصول: 248.

(2) مناهج الوصول 2: 104 105، و راجع ما تقدّم أيضاً في الصفحة 72 73.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 75

مع ضعف سندها جدّاً «1»، كالإشعار في صحيحة عليّ بن جعفر الواردة في الثؤْلول و الجرح «2».

و أمّا صحيحة الحلبي «3» و موثّقة ابن سِنان «4» الواردتان في كيفية غسل الجرح فلا ينبغي توهّم الإشعار فيهما، فضلًا عن الدلالة. مع أنّهما غير واردتين في الصلاة.

فتحصّل ممّا ذكر: عدم الدليل علىٰ أنّ المانع هو الوجود الساري للنجاسة.

الاستدلال ببعض الروايات على عدم مانعية الوجود الساري

بل يمكن الاستدلال بجملة من الروايات علىٰ عدم مانعيته، مثل ما وردت في جواز الصلاة في الثوب النجس مع تعذّر الإزالة،

كصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه

السّلام) عن رجل أجنب في ثوبه، و ليس معه ثوب غيره، قال: «يصلّي فيه، فإذا وجد الماء غسله» «5».

______________________________

(1) رواها الكليني، عن محمّد بن أحمد، عن السيّاري، عن أبي يزيد القسمي. و الرواية ضعيفة بالسيّاري و أبي يزيد القسمي؛ فإنّ الأوّل منهما ضعيف الحديث و فاسد المذهب عند الشيخ و النجاشي، و الثاني منهما مجهول لم نعرفه.

رجال النجاشي: 180/ 192، الفهرست: 23/ 60.

(2) الفقيه 1: 164/ 775، تهذيب الأحكام 2: 378/ 1576، وسائل الشيعة 3: 504، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 63، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 33/ 3، وسائل الشيعة 3: 437، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 3.

(4) الكافي 3: 32/ 2، وسائل الشيعة 3: 438، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 4.

(5) الفقيه 1: 40/ 155، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 76

و نحوها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «1» و غيرها.

و

كصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل عريان، و حضرت الصلاة، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم، يصلّي فيه، أو يصلّي عرياناً؟ قال: «إن وجد ماءً غسله، و إن لم يجد ماءً صلّىٰ فيه، و لم يصلّ عرياناً» «2».

فإنّ عدم الأمر بفرك المني و الدم عن الثوب مع أنّ لهما عيناً قابلة له- سيّما الثوب الذي كلّه أو نصفه دم دليلٌ علىٰ عدم لزوم فركهما و تقليلهما، و لازمه كون المانع صِرف الوجود، لا الساري منه.

و منها ما وردت في المقام؛ أي دم القرح و الجرح،

كصحيحة أبي بصير قال: دخلت علىٰ أبي جعفر (عليه السّلام)

و هو يصلّي، فقال قائدي: إنّ في ثوبه دماً، فلمّا انصرف قلت له: إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً، فقال: «إنّ بي دماميل، و لست أغسل ثوبي حتّى تبرأ» «3».

و

موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الجرح يكون في مكان لا يقدر علىٰ ربطه، فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي، فقال: «دعه، فلا يضرّك أن لا تغسله» «4».

______________________________

(1) الفقيه 1: 160/ 754، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 2: 224/ 884، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 5.

(3) الكافي 3: 58/ 1، وسائل الشيعة 3: 433، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 259/ 751، وسائل الشيعة 3: 435، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 77

و

صحيحة ليث المرادي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يكون به الدماميل و القروح، فجلده و ثيابه مملوءة دماً و قيحاً، و ثيابه بمنزلة جلده، فقال: «يصلّي في ثيابه و لا يغسلها، و لا شي ء عليه» «1».

و

رواية سَماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه، فلا يغسله حتّى يبرأ و ينقطع الدم» «2» ..

إلىٰ غير ذلك.

فإنّ أقرب الاحتمالات فيها: هو أنّه بعد الابتلاء بالدم زائداً على المقدار المعفوّ عنه و حرجية غسل الدماميل نوعاً أو شخصاً، لا يكون الدم في الثوب و البدن مانعاً عن الصلاة.

و أمّا احتمال حرجية غسل الثوب نوعاً أو شخصاً فواضح البطلان، سيّما إلىٰ أن يبرأ

القرح و الجرح؛ ضرورة أنّ البرء و الاندمال تدريجي التحقّق و قبله يوماً أو أزيد لا يكون الدم سائلًا، و لا تعويض الثوب أو غسله حرجياً؛ لا نوعاً و لا شخصاً.

فعدم لزوم الغسل و التعويض إلىٰ زمان البرء، إمّا للعفو عن المانع بعد فرض مانعية الطبيعة السارية، أو لعدم مانعية الزائد عن صِرف وجود الزائد عن مقدار الدرهم بعد الابتلاء به و حرجية غسله.

و العفو مع فرض المانعية بلا جهة موجبة له؛ من الحرج نوعاً أو شخصاً، بل مع سهولة التعويض، كما هو كذلك نوعاً بعيد في نفسه، بل عن سوق الروايات؛ فإنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «لا يضرّك» و قوله (عليه السّلام): «لست أغسله حتّى تبرأ» لا يبعد أن يكون عدم اقتضائه للمانعية، لا العفو عن المقتضي.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 258/ 750، وسائل الشيعة 3: 434، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 259/ 752، وسائل الشيعة 3: 435، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 78

بل إقامة الدليل علىٰ أنّ المانع صِرف الوجود، غير لازمة، و عدم الدليل علىٰ مانعية الطبيعة السارية كافٍ؛ بعد جريان الأصل أو الأُصول.

الاستدلال علىٰ مانعية الطبيعة السارية ببعض الروايات و جوابه

نعم، يمكن أن يستدلّ لمانعية الطبيعة السارية

بموثّقة سَماعة قال: سألته عن الرجل به الجرح و القرح، فلا يستطيع أن يربطه، و لا يغسل دمه، قال: «يصلّي و لا يغسل ثوبه كلّ يوم إلّا مرّة واحدة؛ فإنّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة» «1».

و

روايةِ محمّد بن مسلم عن «مستطرفات السرائر» قال قال: «إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها و لا حبس دمها يصلّي، و لا يغسل

ثوبه في اليوم أكثر من مرّة» «2».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر منهما لزوم غسل الثوب مرّة في اليوم، و لو لا مانعية الطبيعة السارية لما كان وجه للزومه. بل الظاهر من تعليل الاولىٰ أنّ عدم لزوم الغسل زائداً علىٰ مرّة واحدة لعدم استطاعته، و إلّا فالمقتضي له محقّق، و هو لا يتمّ إلّا مع مانعية الوجود الساري.

و فيه: أنّ دلالتهما علىٰ ما ذكر فرع لزوم الغسل في اليوم مرّة واحدة، و لا يمكن الالتزام به؛ إمّا لإعراض الأصحاب عن ظاهرهما و عدم الإفتاء بهما. و إمّا لأنّ مقتضى الجمع بينهما و بين ما تقدّم حملهما على الاستحباب؛ ضرورة عدم إمكان حمل صحيحة أبي بصير المتقدّمة «3» علىٰ غسل

______________________________

(1) الكافي 3: 58/ 2، وسائل الشيعة 3: 433، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 2.

(2) السرائر 3: 558.

(3) تقدّم في الصفحة 76.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 79

أبي جعفر (عليه السّلام) ثوبَه كلّ يوم مرّة؛ فإنّها ليست من قبيل المطلق القابل للتقييد، بل هو إخبار منه عن عدم غسله إلىٰ زمان البرء، فاللازم حملهما على الاستحباب، فيكون التعليل لأمر استحبابي لا لزومي، فدلّت الاولى علىٰ أنّه لو كان مستطيعاً لكان الراجح عليه الغسل لا اللازم، و هو لا يتمّ إلّا بما ذكرناه.

التفصيل بين النوع المبتلىٰ به من النجاسات و غيره

لكن لازم ما ذكرناه أمر لا يمكن الالتزام به؛ لمخالفته لارتكاز المتشرّعة، بل من البعيد التزام أحد من الأصحاب به؛ و هو عدم مانعية سائر النجاسات عن الصلاة بعد ابتلاء المكلّف بواحدة منها، فيقال فيما نحن فيه: لا يكون البول و المني و غيرهما مانعة، و يجوز للمكلّف الصلاة مع التلوّث بها عمداً، و الالتزام به في النوع غير المبتلىٰ به

غير ممكن، و أمّا في المبتلىٰ به فليس بذلك البعد، كما هو مورد الروايات المتقدّمة في الدم و المني «1».

و قد التزم به في الجملة بعضهم مدعياً عليه الإجماع؛ قال في «مفتاح الكرامة»: «و في «نهاية الإحكام» و «المنتهىٰ»: لو ترشرش عليه من دمِ غيره فلا عفو «2»، و نقله الأُستاذ الآقا أيّده اللّٰه تعالىٰ عن بعض من قرب زمانه، و ردّه بالإجماع علىٰ عدم الفرق بين الدمين، و بمطلقات أخبار العفو. و إليه أشار في «المبسوط» «3» حيث قال: و ما نقص عنه .. من سائر الحيوان» «4» انتهىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 76.

(2) نهاية الإحكام 1: 287، منتهى المطلب 1: 172/ السطر 25.

(3) المبسوط 1: 36.

(4) مفتاح الكرامة 1: 163/ السطر 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 80

و عن «المدارك» تقريب ثبوت العفو إن أصاب الدم ماءً، فأصاب الماء الثوب «1»، و عن «الذكرى» تقويته «2».

نعم، عن شرح الأُستاذ دعوى الاتفاق علىٰ عدم العفو إن أصاب الدم نجاسة خارجية «3».

فالتفصيل بين النوع المبتلىٰ به و غيره غير بعيد؛ و إن كان الاحتياط سيّما في بعض الفروع لازم المراعاة.

المحتملات في العفو عن دم القروح و الجروح
اشارة

إذا عرفت ذلك، فالمحتملات في باب دم القرح و الجرح كثيرة، ككون الحكم مطلقاً في نفس القروح و الجروح و ما يتلوّث بدمهما دائراً مدار الحرج الشخصي، فلا يكون في الباب تعبّد خاصّ، و يكون ممّا

قال فيه أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه» «4».

أو الحرج النوعي، فيكون التعبّد في المقام لأجله.

أو كون حكم نفس القرح و الجرح دائراً مداره شخصاً أو نوعاً، دون الثياب و ما يتلوّث بالدم، فلا يكون فيهما مانعاً كما تقدّم «5».

أو

يكون معفوّاً عنه علىٰ فرض المانعية.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 310.

(2) ذكرى الشيعة 1: 138.

(3) مصابيح الظلام 2: 61/ السطر 10 (مخطوط).

(4) الكافي 3: 33/ 4، تهذيب الأحكام 1: 363/ 1097، وسائل الشيعة 1: 464، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 5.

(5) تقدّم في الصفحة 77.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 81

أو كون حكم نفسهما العفو مع الاستمرار و اللزوم. أو مطلقاً مع فرض عدم المانعية في غيرهما. أو العفو.

أو كون الحكم فيهما و ما يتلوّث بدمهما مبنيّاً على العفو إمّا مطلقاً، أو مع الاستمرار. و الاستمرار أينما يعتبر يمكن أن يكون المراد منه الاستمرار الفعلي في جميع الأوقات. أو شأنيته؛ أي تكون له مادّة قابلة لدفع الدم و جريانه .. إلىٰ غير ذلك من الاحتمالات.

ثمّ إنّ بعضَها مقطوع الفساد بحسب مفاد الأدلّة، كالاحتمالين الأوّلين؛ ضرورة عدم حرجية غسل الثياب أو تبديلها إلىٰ زمان البرء؛ لا شخصاً و لا نوعاً. و بعضَها مبني علىٰ عدم مانعية الدم بطبيعته السارية، و قد مرّ الكلام فيه «1».

و الأولى عطف الكلام علىٰ بعض الاحتمالات المعتدّ بها:

في احتمال اختصاص العفو بصورة حرجية الغسل نوعاً

منها: أنّ موضوع العفو هل القرح و الجرح إذا كان غسلهما حرجياً؛ بمعنى أنّه مع حرجية غسلهما يعمّ العفو الثيابَ و غيرها ممّا يتلوّث به عادة مطلقاً؛ حرجياً كان غسلهما أو لا؟

فنقول: بناءً علىٰ مانعية الطبيعة السارية، لا بدّ في رفع اليد عن دليل المانعية من دليل، و الظاهر قصور الأدلّة عن إفادة العفو عن مطلق دم القروح و الجروح، و المتيقّن منها ما يلزم منه الحرج:

أمّا صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) «2» فمع كونها قضيّة شخصية، و لم يتضح أنّ دماميله (عليه السّلام) علىٰ

أيّة كيفية، أنّ الظاهر أنّ الدماميل مع كثرتها

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 75 78.

(2) تقدّم في الصفحة 76.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 82

يعسر عادة غسلها، و يكون تطهيرها حرجياً و لو نوعاً، سيّما في اليدين.

بل لا يبعد أن يكون الدُّمَّل غير مطلق الجراح عرفاً، بل ما له مادّة معتدّ بها.

و كيف كان: لا يستفاد منها العفو عن مطلق القروح.

و في موثّقة سَماعة «1» يكون عدم استطاعة الغسل مفروضاً، و المراد منه غسل نفس الجرح و القرح، لا غسل الدم عن الثوب، كما يظهر من الجواب. أو غسل جميع الدم الحاصل منهما باعتبار عدم إمكان غسلهما.

و في موثّقة عبد الرحمن «2» كان المفروض سيلان الدم و القيح، و غسل مثله في مَعْرض الضرر، و يكون فيه الحرج و لو نوعاً.

مع أنّ قوله: «لا يقدر علىٰ ربطه» دالّ على احتياجه إلى الربط، و مثله يكون معتدّاً به، و غسله حرجياً نوعاً.

و المفروض في صحيحة محمّد بن مسلم «3» أنّها لا تزال تدمي، و غسل مثلها حرجي بلا شبهة.

و كذا مورد صحيحة ليث المرادي «4». و كذا ظاهر «جرح سائل» في رواية سَماعة «5».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 78.

(2) تقدّم في الصفحة 76.

(3)

عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي، كيف يصلّي؟ فقال: يصلّي و إن كانت الدماء تسيل.

تهذيب الأحكام 1: 256/ 744، وسائل الشيعة 3: 434، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 4.

(4) تقدّمت في الصفحة 77.

(5) تقدّمت في الصفحة 77.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 83

و رواية عمّار «1» مع ضعفها بعليّ بن خالد، ظاهرة فيما يكون

معتدّاً به؛ فإنّ «الانفجار» لا يصدق إلّا مع مادّة كثيرة معتدّ بها، فيكون غسله حرجياً.

فتحصّل من ذلك: اعتبار الحرج النوعي في غسل نفس الجرح و القرح. لكن لا بمعنى دوران الحكم مدار الحرج حتّى يلزم منه وجوب الغسل عند قرب الاندمال؛ لعدم الحرج فيه نوعاً، بل بمعنى أنّ المعتبر كونهما علىٰ وجه يكون غسلهما و لو في زمان طغيانهما حرجياً، فحينئذٍ يكون الدم مطلقاً معفوّاً عنه و لو في زمان لا يكون الغسل حرجياً، و الثوب كذلك.

و توهّم: أنّ ذلك مستلزم للعفو عن مطلق الجرح و القرح؛ لعدم الفرق بين ما هو قريب بالاندمال و ما هو في رتبته مدفوع بكونه قياساً ممنوعاً.

في احتمال اعتبار الاستمرار و تحديده

و منها: أنّ الاستمرار هل هو معتبر أم لا؟

لا شبهة في أنّ الاستمرار الفعلي و عدم الفتور في جميع الأوقات غير معتبر، كما هو ظاهر النصوص؛ فإنّ الظاهر من صحيحة أبي بصير «2»، أنّ الغاية لعدم وجوب الغسل هي البرء، و معلوم أنّه تدريجي الحصول، و ينقطع الدم و سيلانه قبله بيوم أو أيّام حسب اختلاف الدماميل.

و أمّا

رواية سَماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كان بالرجل جرح سائل

______________________________

(1)

عن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة؟ قال: يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض، و لا يقطع الصلاة.

تهذيب الأحكام 1: 349/ 1028، وسائل الشيعة 3: 435، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 8.

(2) تقدّم في الصفحة 76.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 84

فأصاب ثوبه من دمه، فلا يغسله حتّى يبرأ و ينقطع الدم» «1».

فالظاهر أنّ البرء غاية لا الانقطاع، و ذكره جارٍ مجرى

العادة؛ لكونه لازم البرء، فلا يظهر منه القيدية و ليس المراد بقوله (عليه السّلام): «جرح سائل» السيلان الفعلي في كلّ زمان، بل المراد الذي له مادّة سائلة يسيل منه الدم دفعة بعد دفعة، و إلّا فليس في الجروح ما يكون دائم السيلان فعلًا إلىٰ زمان البرء.

هذا مضافاً إلىٰ عدم المفهوم للقيد و لا للشرطية؛ لكونها محقّقة للموضوع.

و لا يراد من قوله

في صحيحة ابن مسلم: «فلا تزال تدمي» «2»

السيلان الدائمي الفعلي؛ لما عرفت. مع أنّه في السؤال، لا في كلامه (عليه السّلام).

و بالجملة: اعتبار السيلان الفعلي ضعيف.

نعم، المتيقّن من مورد الروايات كونهما داميتين؛ بمعنى أن يكون لهما مادّة معتدّ بها يكون لها شأنية السريان و الإدماء، فتكون صاحبة الدم و المادّة، فلا يشمل العفو مطلق الدماميل.

و هذا هو المراد من «الجرح السائل» و من قوله: «لا تزال تدمي» و لا إطلاق في الباب يشمل غير الداميات و السائلات بالمعنى المتقدّم؛ أمّا صحيحة أبي بصير فواضح؛ لكون القضيّة شخصية، مع أنّ خروج الدماميل ملازم نوعاً لشأنية السيلان و كونها ذا مادّة قابلة له، سيّما في الأبدان السمينة البدينة. و ظاهر موثّقة سَماعة ذلك؛ لأنّ ما يحتاج إلى الربط ملازم لها.

و كذا الحال في سائر الروايات حتّى رواية عمّار «3»؛ لأنّ «الانفجار» لا يقال إلّا في ما له مادّة سائلة.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 77.

(2) تقدّمت في الصفحة 82، الهامش 3.

(3) تقدّمت في الصفحة 83، الهامش 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 85

ثمّ إنّه بناءً علىٰ مانعية النجاسات بطبائعها السائلة، لا يكون سائر النجاسات معفوّاً عنها إذا أصابت الدم المعفوّ عنه؛ حتّى دم نفسه، فضلًا عن دم غيره، فضلًا عن سائر النجاسات.

بل الظاهر عدم

العفو عن الماء الواصل لهذا الدم فتنجّس به.

نعم، الرطوبات الملازمة للقرح و الجرح كالعرق و القيح و كذا الدواء الموضوع عليهما، معفوّ عنها.

حكم الدم المشكوك كونه من القروح

و لو شكّ في دم أنّه من القروح أو لا، فالأحوط عدم العفو و إن كان العفو لا يخلو من وجه لأنّ المانع عن الصلاة ليس مطلق الدم، بل الدم المسفوح، و قد خرج منه ما سفح بالجرح و القرح، فصار الموضوع بحسب الواقع و اللبّ الدم المسفوح لا منهما علىٰ نحو القضية المعدولة، أو الدم الذي لا يكون مسفوحاً منهما علىٰ نعت القضية الموجبة السالبة المحمول و لا حالة سابقة لهما.

و استصحاب العدم الأزلي لإثبات القضيّة علىٰ أحد النحوين مثبت، كاستصحاب عدم خروجه منهما، أو استصحاب كون هذا الدم غير خارج منهما، أو لم يكن خارجاً منهما؛ فإنّ هذه العناوين ليست موضوعة للحكم.

بل الموضوع الدم المسفوح بالقيد المتقدّم، و تلك الاستصحابات لا تثبته إلّا على الأصل المثبت، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «1».

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 152 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 86

فصل العفو عن الدم القليل
اشارة

و عفي عن قليل الدم غير ما استثني يكون في الثوب بلا إشكال، و حكي عليه الإجماع مستفيضاً «1». و هو العمدة في إطلاق الحكم، و إلّا فربّما يمكن المناقشة في دلالة الروايات و إطلاقها بالنسبة إلى العالم العامد:

أمّا صحيحة ابن أبي يعفور «2» فموردها الناسي، و دعوىٰ فهم عدم المانعية مطلقاً بإلغاء الخصوصية، ممنوعة بعد اختلاف الحكم في الناسي و غيره في موارد، فمن الجائز اختصاص العفو به في الدم القليل.

و أمّا

رواية إسماعيل الجُعْفي، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال في الدم يكون في الثوب:

«إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و إن كان أكثر من

______________________________

(1) راجع مفتاح الكرامة 1: 158/ السطر 28، المعتبر 1: 429، تذكرة الفقهاء 1:

73، نهاية الإحكام 1: 285.

(2) و هي ما

عن عبد اللّٰه بن أبي يعفور في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به، ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعد ما صلّىٰ أ يعيد صلاته؟

قال: يغسله و لا يعيد صلاته إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله و يعيد الصلاة.

تهذيب الأحكام 1: 255 66/ 740، وسائل الشيعة 3: 429، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 87

قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتّى صلّىٰ فليعد صلاته، و إن لم يكن رآه حتّى صلّىٰ فلا يعيد الصلاة» «1».

فمع ضعفها سنداً، أنّ الظاهر أنّ مقول قول أبي جعفر (عليه السّلام) قوله: «إن كان أقلّ ..» إلىٰ آخره، و لم يذكر الجُعْفي خصوصيات السؤال، و يظهر من الجواب أنّ سؤاله كان فيمن صلّىٰ مع الدم، و لم يتضح أنّه كان مختصّاً بالناسي، أو العامد، أو الأعمّ، و مجرّد عدم ذكره لا يدلّ على الأعمّ. و احتمال كون قوله: «في الدم يكون في الثوب» من أبي جعفر (عليه السّلام) بعيد، بل غير مناسب لابتداء الكلام.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ قوله (عليه السّلام): «و إن كان أكثر» قرينة علىٰ أعمّية السؤال و الجواب في الدم الأقلّ، لكنّه محلّ إشكال و تأمّل.

بل الظاهر من قوله (عليه السّلام): «و كان رآه ..» إلىٰ آخره، أنّ رؤيته السابقة صارت موجبة للإعادة، و هو مخصوص بالناسي.

و بالجملة: في دلالتِها على العفو مطلقاً تأمّل، فتأمّل.

كدلالةِ

مرسلة جميل، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) أنّهما قالا: «لا بأس بأن يصلّي الرجل في

الثوب و فيه الدم متفرّقاً شبه النضح، و إن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم» «2».

فإنّه مع ضعف سندها بعليّ بن حديد و مجرّد أنّ الراوي عنه أحمد بن محمّد بن عيسىٰ، و هو كان يُخْرج مِن «قم» مَن يروي عن الضعفاء

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 255/ 739، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 256/ 742، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 88

و يعتمد المراسيل، لا يوجب وثاقة الراوي «1» و هو ظاهر، و لا موثّقية الصدور» «2»؛ لاحتمال اتكاله علىٰ أمر لم يكن عندنا معتمداً عليه. كما أنّ كون المرسل جميلًا و هو من أصحاب الإجماع، لا يوجب اعتبارها «3»؛ لعدم دليل مقنع علىٰ ما ذكروا في أصحاب الإجماع، و قد مرّ شطر من الكلام فيهم في باب العصير «4» يمكن المناقشة في دلالتها؛ لاحتمال كون «إن» في قوله (عليه السّلام): «و إن كان ..» إلىٰ آخره وصليةً.

و قوله (عليه السّلام): «فلا بأس» أُعيد للفصل الطويل بينه و بين سابقه، و للتوطئة للقيد المذكور؛ أي قوله (عليه السّلام): «ما لم يكن مجتمعاً ..» إلىٰ آخره، فيكون التالي للوصلية أخفى الأفراد. و لو كان العفو مطلقاً حتّى بالنسبة إلى العامد، كان حقّ العبارة غير ما ذكرت. فعلى الوصلية تدلّ الرواية على العفو بالنسبة إلىٰ من رأى، فنسيه و صلّى.

و لو قلنا بشرطية «إن» كان الظاهر من الرواية عدمَ البأس بشبه النضح مطلقاً، علىٰ تأمّل، و التفصيل بين قدر الدرهم و أقلّه في

غيره، فلا يبعد أن يكون الظاهر حينئذٍ أيضاً بيان حال الناسي؛ لظهور قوله (عليه السّلام): «رآه صاحبه قبل ذلك» في أنّ المقتضي للإعادة رؤيته قبلًا، و في العامد يكون المقتضي العلم به فعلًا لا سابقاً.

و كيف كان: لا دلالة فيها على العفو مطلقاً و لو عن العامد.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 373/ السطر 34.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 373/ السطر 34.

(3) نفس المصدر.

(4) تقدّم في الجزء الثالث: 331.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 89

و أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك، و لا إعادة عليك؛ ما لم يزد علىٰ مقدار الدرهم. و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشي ء؛ رأيته من قبلُ أو لم تره. و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صلّيت فيه» «1».

فالتفصيل فيها بين الثوب المنحصر و غيره، و هو مسألة أُخرى. و احتمال أنّ قوله (عليه السّلام): «و ما كان أقلّ» أمر مستأنف، لا من فروع الثوب المنحصر، بعيد غايته. مع أنّه علىٰ فرضه يكون مخصوصاً بالناسي؛ بمناسبة قوله (عليه السّلام): «رأيته من قبلُ أو لم تره» بالتقريب المتقدّم.

نعم، عن «التهذيب»: «و ما لم يزد علىٰ مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي ء» بزيادة الواو، و حذف «و ما كان أقلّ» «2» و عن «الاستبصار» حذفه بلا زيادة الواو «3».

و في نسخة من «التهذيب» مقروءة على المحدّث المجلسي كتبت الواو

في ذيل السطر، مع علامة النسخة، يظهر منها أنّ نسخة الأصل بلا واو، و في نسخة زيادتها، و ليس فيها لفظ «من قبل» بعد قوله (عليه السّلام): «رأيته» فتكون العبارة كذلك: «و ما لم يزد علىٰ مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي ء؛ رأيته أو لم تره ..» إلىٰ آخره.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 6.

(2) انظر الحدائق الناضرة 5: 307، تهذيب الأحكام 1: 254/ 736.

(3) انظر الحدائق الناضرة 5: 307، جامع أحاديث الشيعة 2: 178، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 28، الحديث 1621.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 90

فعلى نسخة زيادة الواو و سقوط «من قبل» تدلّ الرواية علىٰ مذهب المشهور من جهةٍ؛ أي التفصيل بين القليل و الكثير مطلقاً، و جواز الصلاة مع قليله و لو عمداً.

لكنّ الاتكال علىٰ هذه النسخة مع مخالفتها «للكافي» و «الفقيه» «1» بل و «الاستبصار» و بعض نسخ «التهذيب» مشكل، سيّما مع مخالفتها لمذهب المشهور من جهة أُخرى، كما يأتي «2».

و أمّا

رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه أو أبي جعفر (عليهما السّلام) قال: «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض، فإنّ قليله و كثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء» «3»

فمع ضعف سندها «4»، منصرفة عن العمد.

لكنّ الإنصاف: أنّ المناقشة في هذه المسألة المجمع عليها في غير محلّها. بل الظاهر أنّ المناقشة في إطلاق بعض الروايات كرواية الجُعْفي و بعض آخر كذلك.

بل مقتضىٰ

موثّقة داود بن سِرحان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل يصلّي، فأبصر في ثوبه دماً، قال: «يتمّ» «5»

صحّة الصلاة في الدم مطلقاً،

______________________________

(1) الكافي 3: 59/ 3، الفقيه

1: 161/ 758.

(2) يأتي في الصفحة 95 96.

(3) الكافي 3: 405/ 3، تهذيب الأحكام 1: 257/ 745، وسائل الشيعة 3: 432، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 21، الحديث 1.

(4) رواها الكليني، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن النضر بن سويد، عن أبي سعيد المكاري، عن أبي بصير.

و الرواية ضعيفة السند بأبي سعيد المكاري، كما يأتي التصريح به من المصنّف (قدّس سرّه) في الصفحة 103.

(5) تهذيب الأحكام 1: 423/ 1344، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 91

خرج منه الزائد علىٰ مقدار العفو إجماعاً و نصوصاً، و بقي الباقي.

و توهّم التفصيل بين أثناء الصلاة و غيره، فاسد مخالف للإجماع.

و كيف كان: لا ينبغي الإشكال في المسألة من هذه الجهة.

إلحاق البدن بالثوب في العفو

كما لا ينبغي الإشكال في إلحاق البدن بالثوب؛ لعدم القول بالفرق. بل مقتضىٰ تصريح جمع «1» و إطلاق آخر «2» الإجماع عليه. و مجرّد سكوت جمع عن البدن «3»، لا يوجب استظهار الفتوىٰ بالاختصاص، سيّما أنّ مثل الصدوق يوافق لفظ النصّ في التعبير «4».

و الشيخ في «الخلاف» على النسخ المشهورة «5» ألحق البدن به، و يظهر منه الإجماع عليه، و هو قرينة علىٰ أنّ ما في «المبسوط» «6» ليس مخالفاً للخلاف.

كما أنّ دعوى السيّد إجماع الإمامية على العفو في البدن «7»، دليل علىٰ أنّ رأي أُستاذه المفيد «8» موافق له.

______________________________

(1) الانتصار: 13 و 14، السرائر 1: 177 178، نهاية الإحكام 1: 285.

(2) المعتبر 1: 429، تذكرة الفقهاء 1: 73، مدارك الأحكام 2: 311.

(3) المقنعة: 69، المراسم: 55، غنية النزوع 1: 41.

(4) الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 48/

السطر 25.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 158/ السطر 30، الخلاف 1: 476.

(6) المبسوط 1: 36.

(7) الانتصار: 13.

(8) المقنعة: 69.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 92

و أمّا ابن زُهرة، فكلامه في دم القروح و الجروح، و هو أمر آخر. مع أنّه لا يظهر منه الاختصاص، بل مقتضىٰ مجموع كلامه عدمه، و إنّما ذكر الثوب مثالًا، و لهذا ذكره أيضاً في الدماء الثلاثة «21» مع القطع بعدم إرادته الخصوصية.

و أمّا سلّار، فقد عقد البحث رأساً في تطهير الثياب عن النجاسات، فلا يظهر منه القيدية «31».

هذا مضافاً إلىٰ إمكان استفادة الإلحاق من رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه أو أبي جعفر (عليهما السّلام) المتقدّمة «1»، فإنّ مقتضىٰ إطلاق صدرها عدم وجوب الإعادة في الدم القليل في الثوب و البدن.

و أمّا ذكر الثوب في التعليل الراجع إلى المستثنىٰ، فالمقطوع عدم قيديته، بل ذكر من باب المثال؛ ضرورة وجوب تطهير البدن كالثوب عن دم الحيض، فلا يجوز تقديره في الصدر و دعوىٰ دخالته في الحكم، كما لا تتجه دعوى عدم الإطلاق في الصدر؛ بتوهّم أنّه بصدد بيان الفرق بين الدمين، أو أنّ الصدر توطئة لبيان حكم دم الحيض، فإنّ كلّ ذلك تكلّف و تهجّس مخالف للظاهر.

ثمّ إنّ المستفاد منها أصل التفصيل، و أمّا مقدار المعفوّ عنه فمستفاد: من سائر الروايات؛ بعد الجزم بعدم التفصيل فيه بين الثوب و البدن، و من

صحيحة ابن مسلم المتقدّمة «2»؛ فإنّ قوله (عليه السّلام): «و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشي ء»

ظاهر في أنّ القليل منه لأجل قلّته ليس بشي ء، و لا يكون مانعاً، و أنّ القلّة بما هي تمام الموضوع لعدم المانعية، و لو كان الثوب دخيلًا في

الحكم لم يتجه ذلك التعبير.

______________________________

(21) غنية النزوع 1: 41.

(31) المراسم: 55.

(1) تقدّمت في الصفحة 90.

(2) تقدّمت في الصفحة 89.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 93

بل يمكن الاستئناس لعدم دخالة الثوب في الروايات بمقطوعية عدم دخالته في الدم الذي بمقدار الدرهم أو أكثر، مع أنّه مذكور فيها أيضاً، فالقطع بعدم دخالته في غير المعفوّ عنه و أنّه ذكر تبعاً للسائل أو من باب المثال، يقرّب أنّ ذكره في المعفوّ عنه أيضاً كذلك؛ فإنّ التفرقة بين الفقرات خلاف ظاهر السياق و ارتكاز العرف.

و من

رواية مثنّى بن عبد السلام، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: إنّي حككت جلدي، فخرج منه دم، فقال: «إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله، و إلّا فلا» «1»

بعد عدم إمكان التفصيل بين الثوب و البدن في مقدار الدم، و فساد حمل الرواية علىٰ عدم نجاسته إذا كان أقلّ من حمّصة؛ لمخالفته لارتكاز العقلاء و المتشرّعة، بل للقطع بفساده، فلا محيص عن حملها علىٰ عدم مانعية الأقلّ منها، و هو يعطي التفصيل بين القليل و الكثير في البدن، و إن كانت في مقداره محمولة علىٰ بعض المحامل «2»، تأمّل. و كيف كان: لا إشكال في أصل الحكم.

هل الدرهم غاية للرخصة أو للمنع؟

و إنّما الإشكال في أنّ مقدار الدرهم غاية للرخصة أو للمنع، فالمشهور كما عن «كشف الالتباس» و «المسالك» الثاني «3»، بل في «الخلاف» الإجماع عليه «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 255/ 741، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 5.

(2) جواهر الكلام 6: 108، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 373/ السطر 16، مصباح الفقيه، الطهارة: 589/ السطر 14.

(3) كشف الالتباس: 239/ السطر 3 (مخطوط)، مسالك الأفهام 1: 125.

(4) الخلاف 1: 477.

كتاب

الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 94

و ذهب سلّار إلى الأوّل «1»، و ربّما نسب ذلك إلى السيّد في «انتصاره» «2» و هو خلاف الواقع؛ فإنّه بعد ما صرّح بأنّه ممّا انفردت به الإمامية هو جواز الصلاة في ثوب أو بدن أصاب منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم، و نقل عن الشافعي القول بعدم الاعتبار بالدرهم في جميع النجاسات «3»، و عن أبي حنيفة القول باعتبار مقداره في جميعها «4» قال: «فاعتباره في بعضها دون بعض هو التفرّد».

ثمّ قال: «و يمكن القول: بأنّ الشيعة غير متفرّدة بهذه التفرقة» ثمّ حكىٰ قول زفر و قال: «هو نظير قول الإمامية» ثمّ حكىٰ قول محسن بن صالح و قال: «هذا مضاهٍ لقول الإمامية» «5».

و مراده في أصل التفصيل و التفرقة بين الدم و غيره، لا في مقداره؛ ضرورة أنّ قوليهما مختلفان في المقدار، فإنّ الأوّل جعل الدرهم معفوّاً عنه دون الثاني.

و أمّا ما في خلال كلامه في مقام الاستدلال ممّا يوهم خلاف المشهور، فلا بدّ من حمله علىٰ صدر كلامه دفعاً للتناقض. بل ليس في خلال البحث بصدد بيان الخصوصيات، بل بصدد بيان أصل التفرقة، فالمخالف هو سلّار ظاهراً.

و تدلّ على المشهور صحيحة ابن أبي يعفور و مرسلة جميل بل و

رواية إسماعيل الجُعْفي «6» فإنّ الظاهر من قوله: «إن كان أقلّ فكذا، و إن كان أكثر فكذا»

______________________________

(1) المراسم: 55.

(2) مدارك الأحكام 2: 312.

(3) الامّ 1: 55.

(4) المجموع 3: 136/ السطر 10.

(5) الانتصار: 13.

(6) تقدّمت الروايات في الصفحة 86 87.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 95

أنّ الجملة الثانية بيان لمفهوم الجملة الأُولىٰ، و إنّما خصّ بالذكر بعض المصاديق الشائعة منه؛

لأنّ المساوي لمقدار الدرهم قليل الوجود، بخلاف الأكثر منه، و لا مفهوم للجملة الثانية التي بصدد بيان مفهوم الاولىٰ عرفاً. فتوهّم أنّ مفهومي الجملتين متعارضان، بل مفهوم الثانية معارض للروايتين المتقدّمتين، أيضاً ضعيف.

و أضعف منه توهّم كون الجملة الأُولىٰ بيان بعض مصاديق مفهوم الجملة الثانية عكس ما قلناه؛ ضرورة أنّه في غاية الحزازة، و مخالف للمحاورات العرفية.

نعم، يحتمل أن لا يكون لمثل الجملتين مفهوم، فكان مقدار المساوي مسكوتاً عنه.

لكنّ الأقرب ما ذكرناه و إن لا يختلف الحكم علىٰ هذا الاحتمال، غاية الأمر لا تكون هذه الرواية متعرّضة للمقدار المساوي، فنأخذ فيه بالروايتين المتقدّمتين.

و أمّا صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة «1»، فعلى نسخة «الكافي» و «الفقيه» لا يبعد أن يكون مفادها كرواية الجُعْفي؛ فإنّ قوله (عليه السّلام): «ما لم يزد عليه» من تتمّة حكم انحصار الثوب مع رؤية الدم في الأثناء، و هو مسألة أُخرى، و الظاهر أنّ قوله (عليه السّلام): «و ما كان أقلّ من ذلك» مسألة أُخرى برأسها، لا في موضوع الثوب المنحصر حتّى يكون تتمّة للجملة السابقة؛ فإنّ جعله من تتمّتها يوجب التكرار في حكم الزائد عن مقدار الدرهم.

مضافاً إلىٰ أنّ ظاهر الذيل ينافي كونه في الفرض السابق، فحينئذٍ تكون الشرطيتان نظير الشرطيتين في رواية الجُعْفي، و قد عرفت حالهما، فلو فرض كونها من تتمّتها فتكون مسألة أُخرى: هي فرض انحصار الثوب، تأمّل.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 89.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 96

نعم، علىٰ نسخة «التهذيب» تكون معارضة لسائر الروايات، لكن قد عرفت عدم جواز الاعتماد علىٰ نسخته «1»، و علىٰ فرض التعارض لا يعتمد عليها؛ لمخالفتها للمشهور، و كونها شاذّة، و لموافقتها لأبي حنيفة، و مخالفتها للقواعد و

العمومات، فلا إشكال في الحكم. هذا إن كان الدم مجتمعاً قدر الدرهم.

حكم الدم المتفرّق

و أمّا إن كان متفرّقاً، فإن لم يكن قدره لو اجتمع فلا إشكال بل لا خلاف كما في «الجواهر» «2» في مساواته للمجتمع في العفو عنه؛ لإطلاق الأدلّة، و خصوص ما تقدّم «3».

و إن كان قدره أو زائداً ففيه خلاف، فعن «المبسوط» و «السرائر» و «النافع» و «الشرائع» و ابن سعيد «4» و الأردبيلي «5» و «التلخيص» و «الكفاية» و «الذخيرة» و «الحدائق» و بعض من متأخّري المتأخّرين العفو «6». و عن «الذكرى»: «أنّه المشهور» «7».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 89 90.

(2) جواهر الكلام 6: 125.

(3) هي صحيحة ابن أبي يعفور، تقدّمت في الصفحة 86.

(4) المبسوط 1: 36، السرائر 1: 178، المختصر النافع: 18، شرائع الإسلام 1: 45، الجامع للشرائع: 23.

(5) انظر جواهر الكلام 6: 125، مجمع الفائدة و البرهان 1: 317 و 328.

(6) تلخيص المرام: 30 (مخطوط)، كفاية الأحكام: 12/ السطر 27، ذخيرة المعاد: 159/ السطر 12، الحدائق الناضرة 5: 315 316، مدارك الأحكام 2: 318.

(7) ذكرى الشيعة 1: 137.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 97

و في «المراسم» و «الوسيلة» «1» و عن العلّامة في جملة من كتبه «2» و جملة وافرة ممّن تأخّر عنه «3» عدمه، بل عن بعضهم دعوى الشهرة عليه «4»، و عن جملة نسبته إلىٰ أكثر المتأخّرين «5»، و هو ظاهر «نهاية الشيخ» علىٰ تأمّل «6».

و عن المحقّق في «المعتبر» القول بالعفو إلّا أن يتفاحش «7»، لكنّ عبارته فيه علىٰ خلاف ما نسب إليه، فراجع «8».

و منشأ اختلافهم الاختلاف في فهم الروايات، فقد استدلّ كلّ من القائل بالعفو و عدمه برواية ابن أبي يعفور، و

محتملاتها كثيرة لا يمكن الركون إلىٰ واحد منها، و لا استظهار واحد من القولين منها؛ لاحتمال أن يكون «مقدار الدرهم» في قوله (عليه السّلام): «إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً» مرفوعاً اسماً للفعل الناقص، و خبره «مجتمعاً».

و أن يكون منصوباً خبراً له، و اسمه الضمير الراجع إلى الدم و «مجتمعاً» خبراً بعد خبر، أو الراجع إلىٰ نقط الدم و «مجتمعاً» خبراً ثانياً؛ إمّا لسهولة أمر

______________________________

(1) المراسم: 55، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77.

(2) تحرير الأحكام 1: 24/ السطر 27، منتهى المطلب 1: 173/ السطر 16، تذكرة الفقهاء 1: 74، قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 5.

(3) ذكرى الشيعة 1: 137، جامع المقاصد 1: 172، روض الجنان: 166/ السطر 9.

(4) كشف الالتباس: 239/ السطر 3، (مخطوط).

(5) روض الجنان: 166/ السطر 8، ذخيرة المعاد: 159/ السطر 13، الحدائق الناضرة 5: 315.

(6) النهاية: 51 52.

(7) انظر مدارك الأحكام 2: 318.

(8) المعتبر 1: 430 431.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 98

التذكير و التأنيث، أو لكونها مضافة إلى المذكّر الممكن قيامه مقامها.

و على التقديرين: يمكن أن يكون «مجتمعاً» حالًا محقّقة من «مقدار الدرهم» أو من الضمير. و أن يكون حالًا مقدّرة.

و علىٰ جميع الاحتمالات تكون ظاهرة في العفو، إلّا علىٰ تقدير كون الحال مقدّرة، و قد قيل: «باتفاق أئمّة الأدب على اشتراط كون الحال مقدّرة بمخالفة زمان العامل مع الحال» «1» و هو مفقود في المقام، فعلى فرض صحّة ذلك يكون هذا الاحتمال مرجوحاً؛ و إن كان انقطاع الاستثناء علىٰ سائر الاحتمالات مخالفَ الظاهر أيضاً.

لكنّ الإنصاف: أنّ الاتكال علىٰ تلك الرواية مع تلك الاحتمالات الكثيرة لإثبات كلّ من طرفي الدعوى مشكل.

نعم، ظاهر مرسلة جميل «2» العفو؛ فإنّ

قوله (عليه السّلام): «و إن كان قد رآه صاحبه ..» إلىٰ آخره، وصلية، و إلّا يلزم التفصيل بين شبه النضح و غيره في العلم به و عدمه، و هو خلاف الواقع، و على الوصلية تكون ظاهرة في العفو؛ فإنّ قوله (عليه السّلام): «فلا بأس به ..» إلىٰ آخره، بيان للجملة المتقدّمة؛ أي لا بأس بالدم ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم، فشبه النضح لا بأس به.

لكنّ الاتكال عليها مشكل؛ لضعف سندها «3»، و عدم جابر له؛ لأنّ الأصحاب و إن أفتوا بمضمون روايات الباب، لكن لمّا كانت بينها روايات صحيحة معتمدة لا يظهر منهم الاتكال علىٰ تلك المرسلة.

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 378، مستند الشيعة 4: 302، جواهر الكلام 6: 126 127، مغني اللبيب 2: 603 604.

(2) تقدّمت في الصفحة 87.

(3) تقدّم وجه ضعف سندها بعلي بن حديد في الصفحة 87.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 99

و أمّا رواية إسماعيل الجُعْفي «1» و صحيحة محمّد بن مسلم «2» فيمكن أن يستدلّ بهما للطرفين بأن يقال: إنّ المراد بالدم و الثوب جنسهما، فيكون المعنىٰ: إن كان جنس الدم في جنس الثوب أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد، و إن كان أكثر فيعيد، و إطلاقهما شامل للمتفرّق.

و أن يقال: إنّ الحكم علىٰ طبيعي الدم و الثوب، و هما صادقتان على المصداق الخارجي الفعلي، و ليس في الخارج من طبيعة الدم إلّا هذا المصداق، و ذاك، و ذلك، و كذا الثوب، و أمّا مجموع الدمين و الدماء فليس مصداقاً للدم، و لا موجوداً في الخارج، و فرض الاجتماع لا يوجب إلّا المصداق الفرضي لا الفعلي، و هذا خلاف ظواهر الأدلّة.

فكلّ مصداق محقّق في الخارج منه

أقلّ من مقدار الدرهم فرضاً، و غير ذلك غير موجود خارجاً إلّا بحسب الفرض و التعليق المخالف للظاهر، فالروايتان دالّتان على القول بالعفو إن كان العرف مساعداً علىٰ ما ذكرناه، كما لا يبعد.

و من هنا يمكن الاستدلال عليه

برواية أبي بصير المعمول بها عند الأصحاب، عن أبي جعفر أو أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قال: «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض، فإنّ قليله و كثيره في الثوب إن رآه و إن لم يره سواء» «3».

فإنّ ما في الخارج شبه النضح مصاديق كثيرة يصدق علىٰ كلّ منها: «أنّها دم لا تبصره» و مجموعها ليس إلّا مصداقاً تخيلياً. إلّا أن يكون قوله (عليه السّلام): «لا تبصره» كناية عن الدم القليل المقابل للكثير، و قلنا: بأنّ العرف يرى الدماء التي علىٰ شبه النضح كثيراً.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 86.

(2) تقدّمت في الصفحة 89.

(3) تقدّمت في الصفحة 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 100

و تدلّ على العفو

صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب، هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال: «لا، و إن كثر فلا بأس أيضاً بشبهه من الرعاف، ينضحه و لا يغسله» «1».

فإنّ الظاهر أنّ قوله (عليه السّلام): «ينضحه و لا يغسله» راجع إلىٰ دم البراغيث؛ لأنّه مورد السؤال و الجواب، و إنّما ذكر الرعاف استطراداً و تطفّلًا، و المنظور الأصلي بيان حكم دم البراغيث. و للمناسبة بينه و بين النضح، كما هو وارد في بعض موارد أُخر نظيره ممّا لا يكون قذراً، كالملاقي مع الكلب يابساً. و للقرينة العقلية علىٰ عدم كون المراد منه دم الرعاف؛ حيث يوجب النضح تكثير

النجس لا تطهيره، فلا شبهة في رجوعهما إلىٰ دم البراغيث، فلا إشكال في الرواية من هذه الحيثية.

و أمّا دلالتها على المطلوب فواضحة، بل تدلّ على العفو و إن كثر و تفاحش؛ لظهور التشبيه فيه، فلا إشكال في الرواية سنداً و لا دلالة.

و تدلّ عليه إطلاق

مرفوعة أبي عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قال: «دمك أنظف من دم غيرك، إذا كان ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس، و إن كان دم غيرك قليلًا أو كثيراً فاغسله» «2»

بعد حمل ذيلها على الاستحباب في الدم القليل، و كون المراد بالكثير مقابل النضح؛ لعدم الفصل في الدماء.

فتحصّل ممّا ذكر: قوّة القول الأوّل.

______________________________

(1) الكافي 3: 59/ 8، تهذيب الأحكام 1: 259/ 753، وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 7.

(2) الكافي 3: 59/ 7، وسائل الشيعة 3: 432، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 21، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 101

عدم الفرق في الدم المتفرّق بين المتفاحش و غيره

و مقتضى إطلاق الروايات عدم الفرق بين المتفاحش و غيره. مضافاً إلىٰ ظهور صحيحة الحلبي فيه كما تقدّم. و دعوى انصرافها عن المتفاحش «1» في غير محلّها، كما أنّ الاستبعاد في الأحكام التعبّدية المجهولة المناط، في غير محلّه.

و أمّا رواية «دعائم الإسلام» «2» فلا ركون إليها بعد ضعفها سنداً، و وهنها متناً.

لكنّ الاحتياط حسن علىٰ كلّ حال، سيّما مع كون الثوب واحداً، و سيّما مع التفاحش جدّاً.

______________________________

(1) راجع مصباح الفقيه، الطهارة: 595/ السطر الأخير.

(2) و هي ما

عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام) أنّهما قالا في الدم يصيب الثوب: «يغسل كما تغسل النجاسات» و رخصا في النضح اليسير منه و من سائر النجاسات، مثل دم البراغيث

و أشباهه، قالا: «فإذا تفاحش غسل».

دعائم الإسلام 1: 117، بحار الأنوار 77: 92/ 9، مستدرك الوسائل 2: 565، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 15، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 102

حول ما استثني من أدلّة العفو
اشارة

ثمّ إنّه قد استثني من أدلّة العفو موارد:

منها: الدماء الثلاثة
اشارة

كما في «الوسيلة» و «المراسم» و «الغنية» و «الشرائع» و عن «السرائر» و «كشف الحقّ» و كتب الشهيدين «1»، بل في «الغنية» الإجماع «2»، و لا يبعد استظهار دعوى الإجماع من «الخلاف» «3» و عن «السرائر» عدم الخلاف فيه «4»، بل عن ظاهر «كشف الحقّ» هو من دين الإمامية «5». و يظهر من «الانتصار» إلحاق النفاس بالحيض «6».

هذا مضافاً إلىٰ رواية أبي بصير المتقدّمة «7»

بالنسبة إلىٰ دم الحيض،
اشارة

و هي مرويّة في «الوافي» عن أبي جعفر أو أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) و في «التهذيب» عن أبي عبد اللّٰه و أبي جعفر (عليهما السّلام) كليهما «8».

______________________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77، المراسم: 55، غنية النزوع 1: 41، شرائع الإسلام 1: 45، السرائر 1: 176، نهج الحقّ و كشف الصدق: 419، الدروس الشرعيّة 1: 126، البيان: 95، مسالك الأفهام 1: 125، الروضة البهيّة 1: 302.

(2) غنية النزوع 1: 41.

(3) الخلاف 1: 476 477.

(4) السرائر 1: 176.

(5) نهج الحقّ و كشف الصدق: 419.

(6) الانتصار: 14.

(7) تقدّمت في الصفحة 90.

(8) الوافي 6: 183/ 7، تهذيب الأحكام 1: 257/ 745.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 103

و الإشكال فيها بالقطع «1» غير وجيه، مضافاً إلىٰ أنّ قطع مثل أبي بصير لا يضرّ؛ بعد القطع بأنّ مثله لا يقول إلّا مع السماع عن المعصوم (عليه السّلام).

كما أنّ تضعيفها بأبي سعيد المُكاري «2» في غير محلّه بعد الجبر بعمل الأصحاب، كما أشار إليه المحقّق «3» أيضاً.

و ظاهرها بل صريحها عدم العفو عن الأقلّ من الدرهم، فإنّ الاستثناء فيه عن دم لم تبصره، و هو أقلّ من الدرهم، فالمراد بالقليل هو مثل ما في المستثنىٰ منه، و هو واضح.

و أمّا دم النفاس،

فمضافاً إلى الإجماعات المتقدّمة التي لا يضرّ بها نسبة الإلحاق في «المعتبر» إلى الشيخ؛ بحيث يظهر منه اختصاصه به «4»، فإنّه خلاف الوجدان؛ لأنّ كثيراً ممّن تقدّم على المحقّق لم يفرّق بين الدماء الثلاثة، بل ادعى الإجماع أو عدم الخلاف عليه «5» الإجماعات المدعاة في اتحاد حكم النفاس مع الحيض إلّا فيما استثني «6».

و أمّا دعوى: أنّ النفاس حيض محتبس «7»، فقد مرّ في محلّه أنّه لا دليل

عليها «8».

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 428، مدارك الأحكام 2: 316.

(2) نفس المصدر.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 103

(3) المعتبر 1: 428.

(4) المعتبر 1: 429.

(5) راجع الخلاف 1: 476 477، غنية النزوع 1: 41، السرائر 1: 176.

(6) غنية النزوع 1: 40، المعتبر 1: 257، تذكرة الفقهاء 1: 332، جواهر الكلام 6: 120.

(7) جواهر الكلام 6: 120.

(8) تقدّم في الجزء الأوّل: 512.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 104

و أمّا دم الاستحاضة،

فمضافاً إلىٰ ما تقدّم، تدلّ علىٰ عدم العفو عنه الإجماعات المستفيضة المنقولة «1» و الشهرة المحقّقة علىٰ لزوم تبديل القطنة في أوقات الصلاة في القليلة منها.

مع أنّ الغالب فيها عدم بلوغ الدم مقدار الدرهم، سيّما إذا قلنا: بأنّ مقداره قدر أخمص الراحة.

فالشهرة قائمة علىٰ وجوب التبديل من غير تفصيل من الصدر الأوّل، و هي الحجّة القاطعة، سيّما مع ما مرّ في محلّه: من أنّ إطلاق الأدلّة علىٰ خلاف الإجماعات و الشهرات «2»، و معه يزيد الوثوق بها.

و لا شبهة في أنّ التبديل ليس واجباً تعبّدياً نفسياً، بل لمانعيته عن الصلاة، كما لا شبهة في أنّ الظاهر من الأدلّة أنّ المانع هو الدم بما هو من غير دخالة للقطنة و المحلّ فيه، و لهذا قلنا بلزوم تبديل الخرقة أيضاً إن تلوّثت به «3»، فيستفاد منها مانعيته في الثوب و البدن؛ قليلًا كان أو كثيراً.

بل يمكن الاستدلال عليه بإطلاق بعض ما ورد في المستحاضة المتوسّطة علىٰ لزوم تبديل القطنة «4» لعدم ملازمة التوسّط مع كون الدم بمقدار الدرهم، فإنّ

الميزان فيه هو ثقب القطن، و لا يلزم منه أكثريته منه، فلو منع ذلك فيكفي ما تقدّم.

فإلحاقهما بالحيض مع أنّه أحوط، لا يخلو من قوّة.

______________________________

(1) الخلاف 1: 476 477، منتهى المطلب 1: 120/ السطر 4، جواهر الكلام 6: 120.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 432.

(3) تقدّم في الجزء الأوّل: 434.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 105

و منها: دم نجس العين

فقد استثناه العلّامة في «القواعد» و «التذكرة» و عن سائر كتبه ذلك «1»، بل عن جملة من الأصحاب استثناؤه «2».

و عن الطوسي «3» و الراوندي «4» استثناء دم الكلب و الخنزير، و ربّما ينسب إليهما استثناء مطلق دم نجس العين «5».

و عن ابن إدريس بعد نسبة استثناء دم الكلب و الخنزير إلى الراوندي معلّلًا: بأنّه دم نجس العين قال: «و هذا خطأ عظيم و زلل فاحش؛ لأنّ هذا هدم و خرق لإجماع أصحابنا» «6» انتهىٰ.

و قد استدلّ عليه تارة: بأنّ ملاقاة دم نجس العين لسائر أجزائه، موجبة لطروّ نجاسة أُخرى عليه منها، و هي غير معفوّ عنها «7».

و بعبارة اخرىٰ: أدلّة العفو عن الدم ناظرة إلى العفو عنه، لا عنه و عن ملاقيه، كما لو لاقىٰ نجاسة أُخرى كالعذرة و البول.

______________________________

(1) قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 2، تذكرة الفقهاء 1: 73، تحرير الأحكام 1: 24/ السطر 29، منتهى المطلب 1: 173/ السطر 33، تبصرة المتعلّمين: 17، مختلف الشيعة 1: 318.

(2) الدروس الشرعيّة 1: 126، مسالك الأفهام 1: 125، رياض المسائل 2: 381، جواهر الكلام 6: 121 122.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 162/ السطر 4، مختلف الشيعة 1: 318.

(5) كشف الالتباس:

120 (مخطوط).

(6) السرائر 1: 177.

(7) المعتبر 1: 429، منتهى المطلب 1: 173/ السطر 33، جواهر الكلام 6: 121.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 106

و أُخرى: بأنّ دم نجس العين منطبَق عنوانين:

أحدهما: كونه دماً، و هو مانع.

و ثانيهما: كونه جزء من نجس العين، و هو مانع آخر.

و ما دلّ على العفو عن الدم قاصر عن الدلالة على العفو عن العنوان الثاني «1».

و ثالثة: بأنّ دم نجس العين من أجزاء غير المأكول، و هو مانع آخر، فالعفو عن الدم لا عنه «2».

و سيأتي الكلام في هذا الأخير.

و أمّا الوجه الأوّل ففيه: أنّه لا دليل على انفعال أجزاء نجس العين بعضها ببعض، بل و لا انفعال نجس بمثله، فلا يتنجّس بول من بول آخر، و لا بعض أجزاء الكافر بملاقاة بعض آخر من أجزائه. بل لا دليل علىٰ تنجّس النجاسات بملاقاة بعضها مع بعض حتّى فيما إذا كان أحد النجسين أغلظ و أشدّ؛ لعدم إطلاق أو عموم في أدلّة الانفعال بالملاقاة، و عدم إمكان إلغاء الخصوصية من الموارد الجزئية.

و لهذا لا يبعد القول بالعفو فيما إذا لاقى الدم المعفوّ عنه نجاسة أُخرى؛ إذا لم تكن أجزاؤها محقّقةً فيه فعلًا، بل استهلكت فيه، و مع عدم ملاقاتها للجسد، فإنّه مع ملاقاته يشكل العفو.

و بالجملة: لا شبهة في عدم الدليل علىٰ تنجّس دم نجس العين بملاقاة أجزائه، فلا يكون دمه نجساً ذاتاً و عرضاً.

و أمّا الوجه الثاني ففيه: أنّه لا دليل علىٰ مانعية أجزاء نجس العين بما أنّه أجزاؤه؛ بمعنى أنّ جزء الكلب بما أنّه كلب يكون مانعاً، بل الظاهر من

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 593/ السطر 17.

(2) جواهر الكلام 6: 121، مصباح الفقيه، الطهارة:

593/ السطر 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 107

الأدلّة أنّ المانع النجاسة، فأجزاء الكلب بما أنّها نجسة مانعة عن الصلاة لا بما أنّها أجزاؤه، و كذا الدم ليس بعنوانه مانعاً، فلا يكون عنوان «نجس العين» مانعاً آخر مغايراً لمانعية النجس.

و منها: دم غير المأكول

فقد استثناه من العفو بعضهم «1»، و عن الأُستاذ اختياره «2»، و هو مخالف لتضاعيف كلمات الفقهاء، حيث اقتصروا على استثناء الدماء الثلاثة، أو مع نجس العين «3»، و لإجماع الحلّي «4».

و يدلّ على العفو إطلاق أدلّته. و دعوى الانصراف فاسدة جدّاً، كدعوىٰ «5» معارضتها لموثّقة ابن بكير «6» فإنّها حاكمة عليها أوّلًا.

و يحتمل قريباً عدم شمول الموثّقة للدم و المني المانعين عن الصلاة؛ سواء كانا من مأكول اللحم أو غيره، ثانياً.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 121، العروة الوثقى 1: 102، الثاني ممّا يعفى عنه في الصلاة.

(2) كشف الغطاء: 175/ السطر 13.

(3) الخلاف 1: 476 477، مختلف الشيعة 1: 318، الدروس الشرعيّة 1: 126.

(4) السرائر 1: 177.

(5) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 594/ السطر 9.

(6)

سأل زرارة أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر؟ إلىٰ أن قال (عليه السّلام) و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شي ء منه فاسد.

الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 108

و مثلها في الضعف دعوى: أنّ أدلّة العفو متعرّضة لحيثية نجاسة الدم لا لحيثية اخرىٰ منطبقة عليه؛ و هو كونه من غير المأكول «1»، ضرورة أنّه ليس فيها ما

يمكن استشمام تعرّضها لحيثية نجاسته، بل الموضوع فيها نفس الدم، و مقتضى إطلاقها عدم مانعيته بأيّ عنوان منطبق عليه ذاتاً، فلا قصور فيها لشمول مطلق الدماء؛ من المأكول أو غيره، نجس العين أو غيره، و قد عرفت حكومتها علىٰ موثّقة ابن بكير و إن كان بينهما عموم من وجه.

و دعوىٰ قوّة إطلاق الموثّقة بل صراحتها في الإطلاق كدعوىٰ إبائها عن التقييد «2» مردودة علىٰ مدعيها.

و أضعف من الجميع استبعاد العفو عن الدم القليل من غير المأكول مع كونه نجساً، و عدم العفو عن سائر أجزائه مع طهارتها «3»؛ ضرورة عدم طريق للعقول إلىٰ فهم مناطات الأحكام التعبّدية، و إلّا فأيّ فارق عند العقول بين الدم و غيره، و بين مقدار الدرهم و الأقلّ منه، و بين دم القروح و الجروح و غيره .. إلىٰ غير ذلك من التعبّديات؟! فالفقيه كلّ الفقيه من يقف على التعبّديات، و لا يستبعد شيئاً منها بعد ما رأى رواية أبان في الدية «4».

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 121، مستمسك العروة الوثقى 1: 566.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 594/ السطر 15.

(3) جواهر الكلام 6: 121، مصباح الفقيه: 594/ السطر 15.

(4) الكافي 7: 299/ 6، الفقيه 4: 88/ 283، تهذيب الأحكام 10: 184/ 719، وسائل الشيعة 29: 352، كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 44، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 109

تعيين سعة الدرهم

ثمّ إنّ البحث في أطراف كون الدرهم هو البغلي أو الوافي، و كونهما واحداً أو متعدّداً، و كون وزنه درهماً و ثلثاً، لا فائدة فيه في المقام.

و ما هو مفيد: البحث عن تعيين سعته التي هي موضوع الحكم نصّاً و فتوى، لكن لا طريق لنا إليه؛

لاختلاف الكلمات في ذلك.

و ما نسب إلى الحلّي من كونه قريباً من أخمص الراحة «1» ليس علىٰ ما ينبغي؛ قال في محكي «السرائر»:

«إنّ الشارع عفىٰ عن ثوب و بدن أصابه منه دون سعة الدرهم الوافي المضروب من درهم و ثلث.

و بعضهم يقولون: دون قدر الدرهم البغلي المضروب المنسوب إلىٰ مدينة قديمة يقال لها: «بغل» قرية من «بابل» بينهما قريب من فرسخ، متصلة ببلد «الجامعين» يجد فيها الحَفَرة دراهم واسعة، شاهدت درهماً من تلك الدراهم. و هذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة «السلام» المعتاد، يقرب سعته من سعة أخمص الراحة» «2» انتهىٰ.

و هذا كما ترى بعد الغضّ عن نحو إجمال فيه، ليس شهادة برؤية الدرهم الوافي و أنّ سعته كذا، بل شهادة برؤية درهم ممّا وجدها الحَفَرة، من غير تعرّض لكون ما شاهده عين الوافي.

______________________________

(1) روض الجنان: 166/ السطر 2، رياض المسائل 2: 374.

(2) السرائر 1: 177.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 110

مع أنّ الشهادة في ذلك مبنيّة على الحدس و الاجتهاد و لو فرض رسم فيه يدلّ علىٰ كونه وافياً أو بغلياً؛ لاحتمال ضرب الحَفَرة دراهم علىٰ نعت الدراهم القديمة اختلاقاً؛ لجلب الأنظار و بيعها بثمن غالٍ علىٰ طالبي الآثار القديمة.

كما أنّه لا اعتماد علىٰ مدعي الخبرة في هذا العصر، و لا على الدراهم المنقوشة ممّا يزعم الناظر أنّها من الآثار القديمة؛ لكثرة الخدعة و الاختلاق، و عدم الوثوق بأقوالهم و ما في أيديهم.

فمقتضى القاعدة الاقتصار على الأقلّ فيما دار الأمر بينه و بين الأقلّ منه.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 111

المطلب الثالث عدم جواز إدخال النجاسات في المساجد
اشارة

و من أحكام النجاسات: عدم جواز إدخالها في المساجد و لو مع عدم التعدّي.

قال الشيخ في «الخلاف»:

«لا يجوز للمشركين أن يدخلوا المسجد الحرام، و لا شيئاً من المساجد؛ لا بإذن و لا بغير إذن».

ثمّ تمسّك بالآية الشريفة الآتية. ثمّ قال:

«و إذا ثبت نجاستهم فلا يجوز أن يدخلوا شيئاً من المساجد؛ لأنّه لا خلاف في أنّ المساجد يجب أن تجنّب النجاسات» «1» انتهىٰ.

و عن الحلّي في مقام الاستدلال علىٰ طهارة ميّت الإنسان:

«و لا خلاف بين الأُمّة كافّة أنّ المساجد يجب أن تجنّب النجاسات العينية، و قد أجمعنا بغير خلاف بيننا أنّ من غسّل ميّتاً له أن يدخل المسجد، و يجلس فيه» «2» انتهىٰ.

______________________________

(1) الخلاف 1: 518.

(2) السرائر 1: 163.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 112

و قد أنكر المحقّق عليه جواز دخول الغاسل المسجد «1»، و لم ينكر عليه دعواه عدم الخلاف بين الأُمّة تجنّب المساجد.

و لأحد أن يقول: إنّ معقد عدم الخلاف وجوب تجنّب المساجد النجاسات، و الظاهر من تجنّبها منها أو المتيقّن منه هو وجوب تجنّبها عن التلوّث بالقذارة، لا حرمة إدخال النجاسة غير المتعدّية فيها، و لعلّ استدلالهما علىٰ ما ذكراه مبني على اجتهادهما و استظهارهما الإطلاق من معقد الإجماع، و هو ليس بحجّة.

و منه يظهر النظر فيما عن «كشف الحقّ» في توجيه الاستدلال بالآية: «بأنّه لا خلاف في وجوب تجنّب المساجد كلّها النجاسات بأجمعها» «2» فضلًا عمّا عن «المفاتيح» من نفي الخلاف عن إزالة النجاسة عنها «3»، فإنّ «الإزالة» ظاهرة في رفع تلوّث المسجد عنها، أو منصرفة إليه، و أمّا إخراج النجس غير المتعدّي منها فلا يقال له: «الإزالة».

فالمتيقّن من تلك الدعاوي وجوب تنزّه المساجد عن التنجّس أو حرمة تنجّسها، أو وجوب إزالتها عنها، سيّما مع دعوى الحلّي عدم الخلاف في جواز

دخول من غسّل الميّت المساجدَ و الجلوسَ فيها «4» و هو و إن استدلّ به علىٰ أمر آخر، لكن نحن نأخذ بروايته، و نترك درايته كما أشار إليه الشيخ الأعظم «5».

______________________________

(1) المعتبر 1: 350.

(2) نهج الحقّ و كشف الصدق: 436.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 74.

(4) السرائر 1: 163.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 370/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 113

حول التمسّك بآية إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ ..

و استدلّ «1» على حرمة إدخال مطلق النجاسات فيها و لو مع عدم التعدّي قوله تعالىٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ «2».

و قد مرّ في باب نجاسة الكافر تقريب أنّ المراد بالنجاسة المعنى المعهود «3»، فلا نعيده.

نعم، هاهنا مناقشة أُخرى في دلالتها: و هي أنّ النهي قد تعلّق بالفعل الاختياري؛ أي دخول المشركين المسجد، و مقتضى تفريع الحكم علىٰ نجاستهم أنّ كلّ نجس لا يدخله، فيعمّ الحكم سائر طوائف الكفّار، و أمّا إدخال النجس فيه فلا؛ لاحتمال دخالة الفعل الاختياري من نجس العين في الحكم، و هذا الاحتمال سيّال في جميع الأوامر و النواهي المتعلّقة بالأفعال الاختيارية، إلّا أن تقوم القرينة علىٰ إلغاء الخصوصية.

لكنّها مدفوعة: بأنّ النهي عن القرب متفرّع على النجاسة، فيدلّ علىٰ أنّ نجاستهم تمام الموضوع لعدم الدخول، لا الاختياري منه، فدخالة الاختيارية خلاف الظاهر. مع أنّ العرف يساعد علىٰ إلغاء خصوصية الاختيار، سيّما في المقام الذي يؤكّده مناسبة الحكم و الموضوع.

نعم، هنا أمر آخر: و هو أنّ حمل المصدر على الذات لا يصحّ إلّا بادعاء

______________________________

(1) انظر مدارك الأحكام 2: 305، جواهر الكلام 6: 93.

(2) التوبة (9): 28.

(3) تقدّم في الجزء الثالث: 403.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 114

و

تأوّل، و هو لا يصحّ إلّا في مقام المبالغة، سيّما مع المقارنة لكلمة إنّما المفيدة للحصر أو التأكيد، فكأنّه قال: «لا حيثية للمشركين إلّا حيثية القذارة» أو «المشركون بتمام حقيقتهم عين القذارة».

و هذه الدعوىٰ إنّما تحسن و تصير بليغة إذا كان المشرك خبيثاً في باطنه، و نجساً في ظاهره، و لا تكون له نقطة طهارة و لو ادعاء، و إنّما تفرّع عدم قرب المسجد الحرام علىٰ هذه المرتبة من النجاسة الادعائية، و هي مختصّة بالمشرك، أو هو و سائر الكفّار، و أمّا سائر النجاسات فلا دليل علىٰ إلحاقها بهم ما لم يدع لها ما ادعي، فالحكم لم يتفرّع على النجِس بالكسر حتّى يتعدّىٰ إلىٰ سائر النجاسات، بل علىٰ ما بلغ مرتبة يدعىٰ له هذه الدعوىٰ علىٰ سبيل المبالغة.

و لعلّ ما ذكرناه هو مراد من قال بغلظة نجاستهم «1»، فلا يرد عليه ما قيل: «إنّ أغلظية نجاسة الكافر من الكلب أو دم الحيض، غير معلومة» «2».

و بالجملة: إسراء الحكم من هذه الحقيقة الادعائية المبنية علىٰ ما أشرنا إليه إلىٰ غيرها مشكل، بل ممنوع.

و لا يتوهّم: أنّ أعيان النجاسات كلّها عين النجَس- بالفتح و ذلك أنّ شيئاً منها ليس كذلك، بل لها ذوات و حقائق غير هذا المعنى المصدري، أو الحاصل من المصدر. نعم يصدق عليها النجِس بالكسر بلا تأوّل، لكن لم يتفرّع عليه الحكم.

ثمّ إنّ هاهنا كلاماً آخر: و هو أنّ قوله فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا. لا يبعد أن يكون كناية عن عدم دخولهم للحجّ و عمل المناسك؛

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 1: 122.

(2) جواهر الكلام 6: 95.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 115

بقرينة قوله بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا المتفاهم منه عدم

قربهم في سائر الأعوام، و مع كون المعهود من شدّ رحال المشركين في كلّ سنة إلى المسجد الحرام لعمل المناسك، لم يبقَ للآية ظهور في الكناية عن مطلق الدخول، بل لا يبعد أن تكون كناية عن الدخول للعمل، أو عمل المناسك المستلزم للدخول.

ففي «المجمع»: «و العام الذي أشار إليه هو سنة تسع الذي نادى فيه عليّ (عليه السّلام) بالبراءة، و قال: «لا يحجّنّ بعد هذا العام مشرك» «1».

و

في «البرهان» عن العيّاشي، عن حَريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بعث أبا بكر إلىٰ أن قال-: و قال أي قال عليّ (عليه السّلام): لا يطوف بالبيت عريان و لا عريانة و لا مشرك بعد هذا العام» «2».

و

عنه، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «خطب عليّ (عليه السّلام) بالناس و اخترط سيفه، و قال: لا يطوفنّ بالبيت عريان، و لا يحجّنّ بالبيت مشرك ..» «3»

إلىٰ آخره.

و

عن الصدوق بسنده عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: «إنّما سمّي: الأكبر» أي الحجّ «لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون و المشركون، و لم يحجّ المشركون بعد تلك السنة» «4».

______________________________

(1) مجمع البيان 5: 32، مستدرك الوسائل 9: 408، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 37، الحديث 2.

(2) البرهان في تفسير القرآن 2: 101/ 6، تفسير العيّاشي 2: 73/ 4، وسائل الشيعة 13: 401، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 7.

(3) البرهان في تفسير القرآن 2: 101/ 9، تفسير العيّاشي 2: 74/ 7، وسائل الشيعة 13: 401، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 5.

(4) البرهان في تفسير القرآن 2: 102/ 25، علل

الشرائع: 442/ 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 116

و

في بعض الروايات: «فكان ما نادى به: أن لا يطوف بعد هذا العام عريان، و لا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك» «3».

و لا يبعد أن يكون الظاهر من تلك الروايات: أنّ النهي عن القرب لأجل الحجّ و الطواف و أعمال المناسك لا مطلقاً. لكن الظاهر تسالمهم علىٰ عدم جواز تمكين الكفّار المسجد الحرام.

ثمّ إنّ إلحاق سائر المساجد به بعد عدم إلغاء الخصوصية عرفاً؛ لما له من العظمة و الأحكام الخاصّة يحتاج إلىٰ دليل. و دعوىٰ عدم القول بالفصل «4» غير مسموعة، بل هو غير حجّة ما لم يرجع إلى الإجماع على التلازم.

جواز إدخال النجاسات غير المتعدّية إلى المساجد

و لو سلّم عدم القول بالفصل بين تمكينهم سائر المساجد و تمكينهم المسجد الحرام، لكن عدم القول بالفصل بين تمكينهم و إدخال النجاسة سائر المساجد لو نوقش في دلالة الآية بما تقدّم، أو عدم القول بالفصل بين حرمة إدخال النجاسات في المسجد الحرام، و بين إدخالها في سائر المساجد علىٰ فرض تسليم دلالتها بالنسبة إلى المسجد الحرام بحيث يرجع إلىٰ الإجماع على التلازم أنّىٰ لنا بإثباته؟! فالقول بجواز إدخال النجاسات غير المتعدّية غير المستلزمة لهتك حرمة المسجد، لا يخلو من قوّة؛ فإنّ عمدة الدليل علىٰ عدم الجواز دعوى

______________________________

(3) البرهان في تفسير القرآن 2: 102/ 14، تفسير العيّاشي 2: 76/ 12، وسائل الشيعة 13: 401، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 6.

(4) مدارك الأحكام 2: 305، جواهر الكلام 6: 93.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 117

الإجماع و الشهرة و دلالة الآية، و قد تقدّم الكلام فيهما.

و أمّا قوله تعالىٰ وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ

«1» فهو أجنبي عن إدخال النجاسة غير المتعدّية فيها. مع أنّ الخطاب لإبراهيم (عليه السّلام) أو هو و إسماعيل (عليه السّلام) كما في آية أُخرى «2».

و أمّا ما

عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «جنّبوا مساجدكم النجاسة» «3»

ففي سنده و دلالته إشكال؛ إذ استنادهم إليه غير ثابت، و احتمال أن يكون المراد بالمساجد محالّ السجدة قريب.

هذا مضافاً إلىٰ ما دلّت علىٰ جواز اجتياز الجنب و الحائض المساجد؛ بما لا يمكن حملها على الجواز الحيثي،

كصحيحة أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): «إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول، فاحتلم فأصابته جنابة، فليتيمّم، و لا يمرّ في المسجد إلّا متيمّماً، و لا بأس أن يمرّ في سائر المساجد، و لا يجلس في شي ء من المساجد» «4».

و هي كما ترى ظاهرة في أنّ الذي احتلم يجوز له الاجتياز، و هو حكم فعلي لا حيثي.

و قريب منها

روايته الأُخرىٰ إلّا أنّ فيها: «و كذلك الحائض إذا أصابها

______________________________

(1) الحجّ (22): 26.

(2) قال اللّٰه تعالىٰ وَ عَهِدْنٰا إِلىٰ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ ..، البقرة (2): 125.

(3) المعتبر 2: 449، تذكرة الفقهاء 2: 433، وسائل الشيعة 5: 229، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 24، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 1: 407/ 1280، وسائل الشيعة 2: 206، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 118

الحيض تفعل ذلك، و لا بأس أن يمرّا في سائر المساجد، و لا يجلسان فيها» «1».

و هذه بملاحظة ذيلها أوضح دلالة. مضافاً إلىٰ أنّه قلّما يتفق كون الحائض طاهرة. بل لعلّ نوع النساء لا يتجنّبن عن بعض النجاسات

في أيّام الحيض، فتجويز دخولها في المساجد ملازم لتجويز دخول النجاسة.

و تدلّ عليه ما وردت في المستحاضة: من جواز دخولها في المسجد، و جواز الطواف لها «2». و السيرة المستمرّة علىٰ تمكين الصبيان، بل إدخالهم في المساجد. بل ادعيت السيرة علىٰ عدم منع أصحاب القروح و الجروح و من به دم قليل عن الجمعة و الجماعات «3».

و هذه كلّها شاهدة علىٰ عدم العموم في الآية، و عدم إمكان إلغاء الخصوصية، و عدم صحّة دعوى عدم القول بالفصل بين حرمة تمكين الكفّار المسجد الحرام أو مطلق المساجد، و بين إدخال سائر النجاسات غير المتعدّية.

و ممّا ذكر ظهر عدم حرمة إدخال المتنجّس فيها مع عدم السراية.

حرمة إدخال النجاسات السارية لاستلزامه تنجيس المساجد

و أمّا إدخال النجاسات السارية، فالظاهر أنّ حرمته لا بعنوان إدخالها فيها، بل بعنوان تنجيس المساجد، و هو القدر المتيقّن من الإجماعات. بل حرمة التنجيس معروفة لدى المتشرّعة.

و هما العمدة فيها، و أمّا سائر ما استدلّ لها كقوله تعالىٰ

______________________________

(1) الكافي 3: 73/ 14، وسائل الشيعة 2: 205، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1 و 8.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 370/ السطر 16، مصباح الفقيه، الطهارة: 585/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 119

وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ .. «1» إلىٰ آخره، و

رواية الثمالي التي لا يبعد صحّتها، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها: «إنّ اللّٰه أوحىٰ إلىٰ نبيّه أن طهّر مسجدك، و أخرج من المسجد من يرقد بالليل، و مر بسدّ أبواب من كان له في مسجدك باب إلّا باب عليّ (عليه السّلام) و مسكن فاطمة (عليها السّلام) و لا يمرّن

فيه جنب» «2»

، و صحيحة الحلبي الواردة في زُقاق قذر بينه و بين المسجد «3»، و رواية عليّ بن جعفر الواردة في إصابة بول الدابّة المسجد أو حائطه «4» .. إلىٰ غير ذلك فغير تامّ:

إذ الآية الشريفة مع كونها مربوطة بالامم السالفة، لا يبعد أن يكون المراد من «التطهير» فيها هو التنظيف العرفي و الكنس، لا التطهير من النجاسة؛ بمناسبة قوله لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ .. «5» إلىٰ آخره. مع أنّ التعدّي من المسجد الحرام يحتاج إلىٰ دليل.

و رواية الثمالي راجعة إلىٰ مسجد النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و التعدّي منه إلىٰ غيره يحتاج إلىٰ دليل بعد عدم إمكان إلغاء الخصوصية عرفاً.

و رواية الزقاق أجنبية عن المقام؛ فإنّ الظاهر منها أنّ مورد الكلام تنجّس الرِّجل المانع عن الصلاة.

______________________________

(1) الحجّ (22): 26.

(2) الكافي 5: 339/ 1، وسائل الشيعة 2: 205، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 38/ 3، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 4.

(4) مسائل عليّ بن جعفر: 188/ 380، قرب الإسناد: 205/ 794، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 18.

(5) البقرة (2): 125.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 120

و رواية عليّ بن جعفر لا تدلّ على المطلوب بعد طهارة أبوال الدوابّ، فيمكن أن يكون وجه السؤال معهودية كراهة الصلاة مع تلوّث المسجد.

و قد يستدلّ علىٰ ذلك بالأخبار المستفيضة الدالّة علىٰ جواز اتخاذ الكنيف مسجداً بعد تطهيره، مثل

صحيحة الحلبي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) في مسجد يكون في الدار، فيبدو لأهله أن يتوسّعوا بطائفة منه، أو يحوّلوه عن مكانه، فقال: «لا بأس

بذلك».

قال فقلت: أ فيصلح المكان الذي كان حشّا زماناً حشي رماداً (خ ل) أن ينظّف و يتخذ مسجداً؟ قال: «نعم، إذا القي عليه من التراب ما يواريه، فإنّ ذلك ينظّفه و يطهّره» «1».

و قريب منها رواية أبي الجارود «2» و صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان «3».

و مثل

رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سأله عن بيت كان حشّا زماناً، هل يصلح أن يجعله مسجداً؟ قال: «إذا نظّف و أُصلح فلا بأس» «4».

و

رواية مَسْعدة التي لا يبعد أن تكون موثّقة «5» عن جعفر بن

______________________________

(1) الفقيه 1: 153/ 713، وسائل الشيعة 5: 208 و 209، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 10 و 11، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 368/ 2، تهذيب الأحكام 3: 259/ 727، وسائل الشيعة 5: 210، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 11، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 3: 260/ 730، وسائل الشيعة 5: 210، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 11، الحديث 4.

(4) قرب الإسناد: 289/ 1142، وسائل الشيعة 5: 211، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 11، الحديث 7.

(5) راجع تنقيح المقال 3: 212/ السطر 5 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 121

محمّد (عليهما السّلام): أنّه سأل أ يصلح مكان حشّ أن يتخذ مسجداً؟ فقال: «إذا القي عليه من التراب ما يواري ذلك و يقطع ريحه فلا بأس، و ذلك لأنّ التراب يطهّره، و به مضت السنّة» «1».

و استدلّ بعضهم بها علىٰ وجوب تطهير ظاهر المسجد دون باطنه مطلقاً، أو في خصوص مورد الأخبار، و بعضهم علىٰ عدم وجوبه مطلقاً «2».

أقول: لا يبعد أن يكون المساجد في تلك الروايات، غيرَ المساجد المعهودة التي

هي محلّ البحث، بل المراد منها الأمكنة التي اتخذت في البيت مسجداً، كما قد يشهد صدر الروايات الثلاث المتقدّمة، و يشعر به قوله: «يتخذ مسجداً».

و يحتمل في بعضها أن يكون المراد من «اتخاذ المسجد» اتخاذها محلّا يسجد عليه، فيكون سؤاله عن جواز السجدة علىٰ مكان كان حشّا بعد تنظيفه.

و أمّا الحمل على السؤال عن بناء المسجد أو الوقف للمسجدية، فبعيد عن سوق الروايات.

و ربّما تشهد لما ذكرناه

رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «الأرض كلّها مسجد إلّا بئر غائط أو مقبرة» «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 3: 260/ 729، وسائل الشيعة 5: 210، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 11، الحديث 5.

(2) راجع مجمع الفائدة و البرهان 2: 160، جواهر الكلام 14: 98 100، مصباح الفقيه، الطهارة: 586/ السطر 3.

(3) تهذيب الأحكام 3: 259/ 728، وسائل الشيعة 5: 211، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 11، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 122

و لو أُريد بها المساجد المعهودة، فمقتضى الجمع بينها جواز جعل الكنيف بعد تطهيره و تنظيفه مسجداً، و عليه يحمل المطلق منها، و أمّا إلقاء التراب فلكمال النظافة، لا للتطهير الشرعي، و لهذا أمر به مع فرض السائل تنظيفه.

و حمل «التنظيف» في لسان السائل على الكنس مع بقاء النجاسة «1»، لا وجه معتدّ به له.

و كيف كان: لا يمكن التشبّث بتلك الروايات علىٰ جواز تنجيس بواطن المساجد، أو عدم وجوب تطهيرها.

نعم، ربّما يقال: إنّ المتيقّن من معاقد الإجماع و الروايات تطهير ظواهرها «2».

و فيه: أنّ «المسجد» عنوان معهود و اسم للمعبد المعهود بين المسلمين، و المعنى الوضعي منسي، و الإجماع القائم علىٰ تجنّب المساجد النجاسات،

يدلّ علىٰ وجوب ما يصدق عليه هذا العنوان، و هو مجموع ما جعلت للمعبدية: أرضها إلىٰ مقدار متعارف، و سقفها و جدارها داخلًا و خارجاً، و ليس «المسجد» من قبيل المطلق حتّى يؤخذ بالقدر المتيقّن فيه، بل هو كالعلم اسم لهذه البنْية.

فالأظهر حرمة تنجيس أجزائه ظاهراً و باطناً. بل لا يبعد استفادة حرمة تنجيس حصيرة و فرشه بالمناسبات المغروسة في الأذهان من النبوي و معقد الإجماع. بل الظاهر معهوديتها لدى المتشرّعة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 14: 99.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 586/ السطر 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 123

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد و المشاهد و المصاحف و التربة

ثمّ إنّه كما يحرم تنجيسه يجب إزالة النجاسة منه، و لا يبعد أن يكون

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «جنّبوا مساجدكم» «1»

و كذا معاقد الإجماعات، ظاهرةً في وجوب الإزالة.

لكن المتفاهم منها عرفاً أنّ الأمر بها و بتجنّب المساجد؛ لمبغوضية تنجيسها حدوثاً و بقاءً. و منه يعلم أنّ وجوب الإزالة فوري عقلًا؛ لاستفادة مبغوضية تلوّث المساجد مطلقاً من الأدلّة.

و يلحق بالمساجد المصحف الشريف، و المشاهد المشرّفة، و الضرائح المقدّسة، و التربة الحسينية، سيّما المتخذة للتبرّك و الاستشفاء و السجدة عليها، بلا إشكال مع لزوم الوهن، بل مطلقاً علىٰ وجه موافق للارتكاز. بل لا يبعد أن يكون المناط في نظر المتشرّعة و ارتكازهم في وجوب تجنّب المساجد النجاسات، هو حيثية عظمتها و حرمتها لدى الشارع الأقدس، أو كون التنجيس مطلقاً هتكاً عنده و لو لم يكن عندنا كذلك.

هذا بالنسبة إلىٰ غير الخطّ من المصحف، و أمّا هو فلا ينبغي الإشكال في حرمة تنجيسه، و وجوب الإزالة عنه؛ لارتكازية الحكم لدى المتشرّعة، و لفحوىٰ قوله تعالىٰ لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «2» الظاهر منه

مبغوضية مسّ غير الطاهر إيّاه بأيّ وجه اتفق، و المفهوم منه الحكم فيما نحن فيه، سيّما أنّ الظاهر من الآية الكريمة أنّ المناط فيها غاية علوّ القرآن و عظمته و كرامته.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 117.

(2) الواقعة (56): 79.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 125

المطلب الرابع فيما يعتبر في التطهير بالماء
اعتبار انفصال الغسالة عند التطهير بالقليل

يعتبر في التطهير بالماء القليل انفصال الغسالة على النحو المتعارف، ففي مثل الأجسام التي لا يرسب فيها النجاسة كالبدن و الجسم الصقيل يكفي صبّ الماء بنحو ينفصل غسالته عنها، و فيما ترسب النجاسة فيه و تنفذ، لا بدّ من إخراج الغسالة بالعصر أو بغيره بأيّ نحو يمكن:

لا لقيام إجماع أو شهرة عليه، كما قد يدعىٰ «1»، فإنّ الظاهر من تعليل من يدعي الشهرة أو الإجماع أنّ الاستناد لم يكن إليهما، بل المسألة من التفريعات التي يدخلها الاجتهاد، و في مثلها لا يكون الإجماع حجّة، فضلًا عن الشهرة.

بل الظاهر أنّه لم يكن للشارع إعمال تعبّد في تطهير النجاسات، إلّا ما استثني ممّا نصّ علىٰ كيفية تطهيره. و الشاهد عليه: أنّ الروايات الواردة في باب تطهير أنواع النجاسات علىٰ كثرتها لم تزد على الأمر بالغسل أو الصبّ في

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 176/ السطر 6، الحدائق الناضرة 5: 365، مستند الشيعة 1: 266.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 126

بعض الموارد، من غير تعرّض لبيان الكيفية إلّا نادراً. و التنصيصُ في بعض الموارد على التعدّد كالبول «1» أو علىٰ كيفية خاصّة كالولوغ «2»، دليل علىٰ كونها في مقام البيان في سائر النجاسات أيضاً، فإطلاق الأمر بالغسل فيها، يكشف عن عدم طريقة خاصّة في التطهير، فدعوى ورود تعبّد خاصّ زائداً علىٰ لزوم الغسل، في غير محلّها.

و لا

لأنّ «الغسل» متضمّن للعصر لغةً أو عرفاً؛ و إن قال المحقّق في «المعتبر»: «الغسل يتضمّن العصر، و مع عدم العصر يكون صبّاً».

ثمّ قال: و يجري ذلك أي قولهم: «يغسل الثياب و البدن» مجرى قول الشاعر: علفتها تبناً و ماء بارداً «3».

ثمّ استشهد

برواية الحسين بن أبي العلاء، حيث قال في الجسد: «يصبّ عليه الماء مرّتين» و في الثوب: «اغسله مرّتين» «4»

فجعل الصبّ مقابل الغسل.

ثمّ قال: «أمّا الفرق بين الثوب و البدن: فلأنّ البول يلاقي ظاهر البدن، و لا يرسب فيه، فيكفي صبّ الماء؛ لأنّه يزيل ما علىٰ ظاهره، و ليس كذلك الثوب؛ لأنّ النجاسة ترسخ فيه، فلا تزول إلّا بالعصر» «5» انتهىٰ.

و الظاهر من كلامه أنّ العصر مأخوذ في مفهوم «الغسل» فلا بدّ في الثياب من الغسل، و لا يكفي فيها الصبّ؛ لأنّه لا يزيل النجاسة التي رسبت فيها، و سائر

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 516، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 70.

(3) و تمامه: علفتها تبناً و ماء بارداً حتّى شتت همالة عيناها انظر جامع الشواهد 2: 100.

(4) يأتي تمام الرواية في الصفحة 130.

(5) المعتبر 1: 435.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 127

كلامه تعقيب لما فهم من معنى «الغسل».

و لا يبعد أن يكون قوله: «و هو مذهب علمائنا» استشهاداً بفهمهم لتضمّن «الغسل» العصرَ، لا دعوى الإجماع علىٰ حكم تعبّدي. و إنّما قلنا: لا لذلك؛ لأنّ «الغسل» صادق عرفاً و لغةً علىٰ صبّ الماء على البدن لإزالة القذارة و غيرها، و قد ورد الأمر بغسل الجسد و البدن و الوجه و اليدين في الكتاب «1» و السنّة «2» إلىٰ ما

شاء اللّٰه من غير شائبة تجوّز و تأوّل.

و سيأتي الكلام في مثل رواية الحسين بن أبي العلاء «3».

و توهّم اعتبار العصر في مفهوم «غسل الثياب» و نحوها دون غيرها، فيكون «الغسل» مشتركاً لفظياً «4»، في غاية الفساد يردّه العرف و اللغة.

و لا لأنّ خروج الغسالة و انفصالها معتبر في مفهوم «الغسل» كما يظهر من المحقّق القمّي «5» علىٰ ما ببالي لمنع ذلك، و صدقه مع عدم انفصالها عرفاً.

و لا لأنّ مفهوم «الإزالة» مأخوذ في ماهية الغسل، كما قال به في «مصباح الفقيه» «6» ضرورة صدقه على الفاقد لها أيضاً، فيصدق علىٰ صبّ الماء على اليد و لو لم تكن قذرة، كالغسلتين في الوضوء.

بل لأنّ الظاهر من أدلّة غسل النجاسات: أنّ الأمر به غيري لإزالة

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 402، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 7، الحديث 10، و الباب 12، الحديث 9، و الباب 13، الحديث 3 و 4، و الباب 14، الحديث 3.

(3) يأتي في الصفحة 130.

(4) انظر منتهى المطلب 1: 175/ السطر 30.

(5) غنائم الأيّام 1: 440.

(6) مصباح الفقيه، الطهارة: 599/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 128

النجاسة، و لا يكون عنوان «الغسل» بما هو مطلوباً حتّى نقتصر في تحقّقه علىٰ أوّل المصاديق بأيّ نحو وجد، و لا شبهة في أنّ إزالة النجاسة و إرجاع الأجسام إلىٰ حالتها الأصلية، تختلف باختلاف الأجسام و اختلاف النجاسات، فإذا أمر بغسل الثوب من المني، يفهم العرف منه أنّه لا بدّ من الفرك و الدلك و الغمز و نحوها، لا لاعتبارها في مفهوم «الغسل» بل لأنّه توصّلي إلىٰ حصول النظافة للجسم و رجوعه إلىٰ حالته الأصلية، و هو

لا يحصل إلّا بها.

و إذا أمر بغسل اليد من البول الذي لا جرم له، لا يفهم منه إلّا صبّ الماء عليه و إخراج غسالته؛ لأنّ ملاقاة البول لا توجب حصول أثر يحتاج إلى الدلك؛ و إن احتاج إلىٰ إخراج غسالته لزوال القذارة به.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الغسل بالماء إنّما يوجب النظافة و رفع القذارة، لأنّه إذا صبّ على المحلّ و غسل به، يوجب ذلك انتقال القذارة منه إليه، فمع بقاء الغسالة على المحلّ لا يرتفع القذارة، فلو يبس الثوب المغسول بالماء من غير إخراج غسالته، تبقىٰ قذارته عرفاً، بخلاف ما لو خرجت منه، فالمعتبر في التطهير ليس العصر بعنوانه، بل المعتبر خروج الغسالة بأيّ علاج كان، و هو أمر عقلائي متفاهم من الأوامر الواردة في غسل النجاسات.

و هذا بالنسبة إلى القذارات التي يدرك العرف قذارتها، لا إشكال فيه، و لا في مساعدة العرف عليه.

و إن كانت حكمية بنظر العرف؛ بأن لا يبقى في الملاقي أثر من الملاقى، لكن تتنفّر الطباع بمجرّد ملاقاته، كملاقاته لبدن الميّت، أو العَذِرة اليابسة، أو ملاقاة طعامه لها، فإنّ غسله لرفع النفرة لا يتحقّق إلّا بانفصال الغسالة.

و أمّا النجاسات الجعلية الإلحاقية كالكافر و الكلب و نحوهما، فهي أيضاً كذلك لأنّ الغسل كما عرفت لإزالة القذارة، و هي تتوقّف علىٰ إخراج الغسالة بالعصر أو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 129

ما يقوم مقامه في القذارات العرفية، فإذا جعل الشارع قذارة لشي ء، و أوجد مصداقاً من القذارة في عالم التعبّد، يجب على المكلّف ترتيب آثار القذارة العرفية عليه.

نعم، لمّا لم يكن التنزيل و الجعل إلّا في نفس القذارة لا غير، يكون حكمه حكم القذارات غير العينية إذا لم يلصق

من أعيانها على الملاقي، كالمثال المتقدّم، فلا يحتاج في التطهير إلى الدلك و نحوه.

اعتبار انفصال الغسالة حتّى مع القول بعدم انفعال الغسالة

ثمّ إنّ ما ذكرناه من لزوم العصر أو ما يقوم مقامه لإخراج الغسالة، ثابت حتّى مع القول بعدم انفعال الغسالة «1»؛ فإنّ عدم انفعالها لا يلازم إزالة النجاسة عن المحلّ المتوقّفة علىٰ إخراج الماء و انفصاله.

نعم، لو قلنا: بأنّ المحلّ يصير طاهراً قبل خروج الغسالة، و مع بقائها فيه ينفعل ثانياً بها، لكان للتفصيل وجه. لكن المبنىٰ غير صحيح؛ لأنّ طهارة المحلّ و نظافته إنّما تحصل بمرور الماء على المحلّ القذر، و خروجِه منه، فلو صبّ الماء في إناء قذر، و قلنا بعدم انفعاله، فمع بقائه فيه حتّى ييبس، لا يصير طاهراً نظيفاً بحكم العقلاء و لو لم ينفعل الماء، فالنظافة موقوفة علىٰ إزالة النجاسة و ذهابها بوسيلة مرور الماء على المحلّ؛ سواء انفعل أم لا.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الماء يزيل القذارة بمروره على المحلّ و انفصاله عنه، لا بانتقال النجاسة إليه محضاً. مضافاً إلىٰ أنّ الأقوى انفعال الغسالة، و عدم التلازم بين طهارة المحلّ و طهارتها، كما هو المقرّر في محلّه «2».

______________________________

(1) المبسوط 1: 92.

(2) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 130

عدم منافاة الأخبار الواردة في غسل البول للمختار

ثمّ إنّ الأخبار الواردة في غسل البول

كصحيحة الحسين بن أبي العلاء على الأصحّ «1» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن البول يصيب الجسد، قال: «صبّ عليه الماء مرّتين؛ فإنّما هو ماء»

و سألته عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله مرّتين»، و سألته عن الصبي يبول على الثوب، قال: «يصبّ عليه الماء قليلًا، ثمّ يعصره» «2»،

و صحيحة البَزَنْطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد، قال: «صبّ عليه الماء مرّتين؛ فإنّما هو ماء» سألته عن الثوب، قال: «اغسله مرّتين» «3»

لا

تدلّ على اعتبار العصر أو نحوه في مفهوم «الغسل» و هو واضح.

و لا تدلّ علىٰ أنّ الصبّ ليس بغسل، بل تدلّ علىٰ أنّ الغسل المطلوب لإزالة القذارة، يحصل في مثل البول و الجسد بالصبّ من غير احتياج إلى الدلك و الغمز، و لهذا يفهم العرف منه أنّ الصبّ بوجه خاصّ تزال به القذارة مطلوب، لا مطلقه و لو لم يمرّ على المحلّ، و لم تخرج غسالته.

و إنّما قال في الثوب: «اغسله» لأجل أنّه لو قال: «صبّ عليه» لتوهّم

______________________________

(1) الحسين بن أبي العلاء الخفّاف هو أبو علي الأعور و أخواه علي و عبد الحميد و كان الحسين أوجههم، و لا ريب في كونه إمامياً و لكن اختلفوا في وثاقته، فمنهم من أثبتها و منهم من أنكرها، و لكنّ المصنّف (قدّس سرّه) رجّح جانب الوثاقة.

رجال النجاشي: 52/ 117، الفهرست: 54/ 194، تنقيح المقال 1: 317/ السطر 11.

(2) الكافي 3: 55/ 1، وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 4، و: 397، الباب 3، الحديث 1.

(3) السرائر 3: 557، وسائل الشيعة 3: 396، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 131

منه عدم لزوم إخراج غسالته ردعاً لبناء العقلاء في كيفية الغسل، و أمر بالغسل لمعهودية كيفيته إذا كان لإزالة القذارة.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ما يعتبر في التطهير إخراج الغسالة و انفصالها بأيّ علاج كان. بل لو كان «العصر» مصرّحاً به في الروايات، لما كان ينقدح منه في الأذهان إلّا الطريقية لخروج الغسالة، لا موضوعية عنوانه بحيث لم يقم مقامه ما فَعل فعلَه.

اعتبار انفصال الغسالة عند التطهير بالجاري و نحوه

ثمّ إنّه يظهر ممّا مرّ من أنّ عدم انفعال ماء الغسالة،

لا يلازم عدم لزوم إخراجها في التطهير: أنّه يعتبر في الغسل بالماء الجاري و الكثير المعتصم، خروج الماء المحيط بالثوب و لو بتغيّره و تبدّله؛ و لو في داخل الماء، بأيّ نحو كان: من الغمز، أو تموّج الماء، أو قوّة حركته و جريانه .. إلىٰ غير ذلك.

فالاكتفاء في التطهير بمطلق إصابة الثوب الكرّ أو الجاري، مشكل لا دليل عليه. و الأخذ بإطلاق أدلّة الغسل «1» بعد ما مرّ من مساعدة العرف في كيفية التطهير علىٰ إمرار الماء على المحلّ لإذهاب القذارة في غير محلّه.

كما أنّ التمسّك «2»

بمرسلة الكاهلي الواردة في المطر، و فيها: «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «3»

مع دعوى عدم القول بالفصل بينه و بين الجاري، بل

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 601/ السطر 6، مستمسك العروة الوثقى 2: 36.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 601/ السطر 7.

(3) الكافي 3: 13/ 3، وسائل الشيعة 1: 146، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 132

عدمِ القول به بينه و بين الكثير، مضافاً إلى المرسل المحكي عن «المنتهىٰ» عن أبي جعفر (عليه السّلام) مشيراً إلىٰ غدير ماء: «إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلّا طهّره» «4» مشكل؛ لضعف المرسلة و لو سلّم جبرها بالعمل، كما لا يبعد، و سيأتي في محلّه «1».

فعدم القول بالفصل و الإجماع على التلازم بين المطر و الجاري و الكرّ، غير ثابت. بل مقتضىٰ إطلاق كثير من الأصحاب علىٰ ما حكي عدم الفرق في لزوم العصر بين القليل و غيره «2» و لو لبنائهم علىٰ كون العصر مأخوذاً في مفهوم «الغسل».

و مرسلة «المنتهىٰ» غير حجّة، و اشتهار الحكم بين المتأخّرين بل و استنادهم

إليها لا يوجب الجبر مع عدم معلومية الاستناد إليها.

فالأحوط لو لم يكن الأقوىٰ لزوم الفرك، أو العصر، أو التحريك، أو نحوها ممّا يوجب تبدّل الماء الداخل في الجملة.

و الظاهر تحقّقه بالغمس في الجاري الذي يكون جريانه محسوساً، سيّما إذا كان قويّاً.

بل الظاهر حصول ذلك في القليل في بعض الأحيان، كما إذا صبّ من مكان مرتفع بقوّة، أو صبّ على الثوب مستمرّاً؛ بحيث خرجت الغسالة بورود الماء بعد ورود مستمرّاً.

______________________________

(4) لم نعثر عليه في «المنتهي» و الصحيح هو «المختلف». و الظاهر أنّ المصنّف (قدّس سرّه) أخذه من المصباح.

انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 601/ السطر 9، مختلف الشيعة 1: 15، مستدرك الوسائل 1: 198، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 8.

(1) يأتي في الصفحة 331.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 601/ السطر 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 133

كفاية صبّ الماء علىٰ بول الصبي و عدم لزوم غسله

ثمّ إنّه يستثنىٰ ممّا ذكر بول الصبي قبل أن أكل و أُطعم، و قد ادعى السيّد إجماع الفرقة المحقّة علىٰ جواز الاقتصار علىٰ صبّ الماء و النضح، ثمّ تمسّك بما

روي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: «يغسل من بول الجارية، و ينضح من علىٰ (خ ل) بول الصبي ما لم يأكل الطعام».

و

بما روت زينب لباب (خ ل) بنت الجون: أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أخذ الحسين بن عليّ (عليهما السّلام) فأجلسه في حجره، فبال عليه، قالت فقلت له: لو أخذت ثوباً و أعطيتني إزارك لأغسله، فقال: «إنّما يغسل من بول الأُنثىٰ، و ينضح علىٰ بول الذكر» «1»

انتهىٰ. و الروايتان من غير طرق أصحابنا «2».

و كذا ادعى الشيخ إجماع الفرقة فيه

علىٰ كفاية الصبّ بمقدار ما يغمره، و عدم وجوب غسله «3».

و عن غير واحد من المتأخّرين دعوى عدم الخلاف، و أنّه مذهب الأصحاب «4».

و تدلّ عليه مضافاً إلىٰ ذلك

صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن بول الصبي، قال: «تصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلًا،

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 8.

(2) سنن أبي داود 1: 155/ 375، و: 156/ 377، سنن ابن ماجة 1: 174/ 522 و 525.

(3) الخلاف 1: 484 485.

(4) مدارك الأحكام 2: 332، ذخيرة المعاد: 164/ السطر 29، مفاتيح الشرائع 1: 74، الحدائق الناضرة 5: 384، جواهر الكلام 6: 160.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 134

و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء» «1»

و نحوها عن «فقه الرضا (عليه السّلام)» «2».

و

عن الصدوق في «معاني الأخبار»: أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) اتي بالحسن بن عليّ (عليهما السّلام) فوضع في حجره فبال، فقال: «لا تزرموا ابني» ثمّ دعا بماء فصبّ عليه «3».

و

عن «دعائم الإسلام»: قال الصادق (عليه السّلام) في بول الصبي: «يصبّ عليه الماء حتّى يخرج من الجانب الآخر» «4».

و

موثّقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام): «أنّ عليّاً (عليه السّلام) قال: لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة أُمّها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل أن يطعم؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين» «5».

و روى في «فقه الرضا (عليه السّلام)» نحوها، عنه (عليه السّلام) «6» و قريب منها ما عن

______________________________

(1) الكافي 3: 56/ 6، وسائل الشيعة 3:

397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 2.

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 95، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 1.

(3) معاني الأخبار: 211/ 1، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 4.

(4) دعائم الإسلام 1: 117، مستدرك الوسائل 2: 555، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 5.

(5) تهذيب الأحكام 1: 250/ 718، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 4.

(6) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 95، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 135

«الجعفريات» عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) «1».

و

عنها، عن جعفر بن محمّد، عن عليّ (عليهم السّلام): «أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بال عليه الحسن و الحسين (عليهما السّلام) قبل أن يطعما، فكان لا يغسل بولهما من ثوبه» «2».

و لا منافاة بين ما دلّ علىٰ عدم الغسل من بوله، و بين ما دلّ علىٰ وجوب الصبّ؛ فإنّ دلالة الأوّل علىٰ طهارته و عدم لزوم شي ء، بالسكوت في مقام البيان، و هو لا يقاوم التصريح بالصبّ. بل في كون موثّقة السكوني و ما بمضمونها في مقام البيان من هذه الجهة منع؛ فإنّ الظاهر أنّها في مقام بيان نكتة الفرق بين بول الغلام و الجارية بعد معهودية أصل الفرق.

و أمّا

موثّقة سَماعة قال: سألته عن بول الصبي يصيب الثوب، فقال: «اغسله». قلت: فإن لم أجد مكانه، قال: «اغسل الثوب كلّه» «3».

فطريق الجمع بينها و بين صحيحة الحلبي تقييدها بها. و يمكن حملها على الاستحباب

و كمال النظافة؛ تحكيماً لنصّ رواية السكوني علىٰ ظاهرها.

و أمّا

رواية الحسين بن أبي العلاء الصحيحة على الأصحّ «4» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن البول يصيب الجسد قال: «صبّ عليه الماء مرّتين؛

______________________________

(1) الجعفريات، ضمن قرب الإسناد: 12، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 3.

(2) الجعفريات، ضمن قرب الإسناد: 12، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 251/ 723، و: 267/ 785، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 3.

(4) الحسين بن أبي العلاء هو أبو علي الأعور، و لا ريب في كونه إمامياً و لكن اختلفوا في وثاقته، فمنهم من أثبتها و منهم من أنكرها، و لكنّ المصنّف (قدّس سرّه) رجّح جانب الوثاقة.

رجال النجاشي: 52/ 117، الفهرست: 54/ 194، تنقيح المقال 1: 317/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 136

فإنّما هو ماء». و سألته عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله مرّتين».

و سألته عن الصبي يبول على الثوب، قال: «يصبّ عليه الماء قليلًا، ثمّ يعصره» «1».

فليس المراد من «العصر» فيها العصر المعهود في غسل الثياب؛ بقرينة مقابلة صبّ الماء قليلًا و العصر، مع غسل الثوب في بول غير الصبي، فإنّه لو كان المراد منه صبّ الماء و العصر على النحو المعهود في غسل سائر النجاسات لقال: «اغسله» و لو كان الفرق بين بوله و بول غيره بالمرّة و المرّتين لقال: «اغسله مرّة» فتغيير التعبير دليل علىٰ عدم لزوم الغسل، فلو كان العصر هو المعهود لزم منه وجوب الغسل، و هو ينافي المقابلة سيّما مع تقييد الصبّ بكونه قليلًا، و هو دليل

آخر علىٰ عدم لزوم الغسل، و علىٰ عدم كون العصر لإخراج الغسالة.

بل الظاهر أنّه لإيصال الماء إلىٰ جوف الثوب؛ فإنّ من طباع البول- لحرارته أن يرسب في الثوب، و من طباع الماء البارد أن لا يرسب عاجلًا إلّا بالعلاج، سيّما مع قلّته، فلا منافاة بينها و بين صحيحة الحلبي المقتصر فيها على الصبّ، فإنّه أيضاً لا يكفي إلّا مع الغلبة على البول و وصول الماء إلىٰ جميع ما وصل إليه البول، و لا يكفي الصبّ علىٰ ظاهر الثوب لتطهير باطنه، كما هو الظاهر من رواية «الدعائم» المتقدّمة «2»، فإنّ الخروج من الجانب الآخر من الثوب لوصوله إلىٰ كلّ ما وصل إليه البول في غالب الثياب، فلا تعارض بين الروايات بحمد اللّٰه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 130.

(2) تقدّم في الصفحة 134.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 137

حول إلحاق الصبية بالصبي

و هل تلحق الصبية بالصبي؟ ظاهر «الخلاف» بل «الناصريات» الإجماع علىٰ عدم الإلحاق «1». و عن «المختلف» الإجماع على اختصاص الحكم بالصبي «2». و عن جمع دعوى الشهرة عليه «3».

و عن «الذكرى»: «و في بول الصبية قول بالمساواة» «4»، و لعلّه استظهره من محكي عبارة الصدوقين «5»، حيث أوردا عبارة «الرضوي» بعينها «6» و اختاره صاحب «الحدائق» صريحاً «7».

و الأقوى عدم الإلحاق كما عليه الأصحاب؛ لإعراضهم عن ذيل الصحيحة. مع معارضتها لموثّقة السكوني «8»، حيث إنّها نفت التفرقة بينهما،

______________________________

(1) الخلاف 1: 484 485، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 8.

(2) نقله عنه صاحب مفتاح الكرامة، لكن لم نعثر عليه في «المختلف» كما قاله صاحب الجواهر أيضاً.

انظر مفتاح الكرامة 1: 177/ السطر 8، جواهر الكلام 6: 167.

(3) مدارك الأحكام 2: 333، ذخيرة المعاد: 165/ السطر 3، جواهر

الكلام 6: 167.

(4) ذكرى الشيعة 1: 123.

(5) انظر المعتبر 1: 437، الفقيه 1: 40/ 156، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 48/ السطر 23.

(6) هذا نصّ عبارة الرضوي: «و إن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبّاً و إن كان قد أكل الطعام فاغسله، و الغلام و الجارية سواء»، الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 95، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 1.

(7) الحدائق الناضرة 5: 386.

(8) تقدّمت في الصفحة 134.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 138

و هي صرّحت بها، و لا جمع عقلائي بينهما و مع التعارض فإن قلنا: بأنّ الشهرة مرجّحة، فالترجيح مع الموثّقة.

و إن قلنا: بأنّها موهنة لمخالفها، فالوهن للصحيحة.

و إن قلنا: بأنّ موافقة السنّة القطعية مرجّحة، فالترجيح للموثّقة.

و إن قلنا: بأنّ العمومات مرجع لدى التعارض، فعمومات غسل النجاسات و غسل البول مرّتين حاكمة علىٰ عدم المساواة.

موضوع الحكم هو الصبي الذي لم يطعم أو لم يأكل

ثمّ إنّ الظاهر المتفاهم من الأدلّة: أنّ الموضوع للحكم هو الصبي الذي لم يطعم، أو لم يأكل الطعام، كما هو معقد إجماع «الخلاف» «1» بل «الناصريات» كما يظهر من عنوان البحث فيها، و هو المراد من «الرضيع» في خلال كلامه «2»، كما هو ظاهر.

و هو و مقابله مأخوذان في الروايات المحكية من طرقهم و طرقنا «3» عدا «فقه الرضا (عليه السّلام)» الذي لم يثبت كونه رواية، و لا شبهة في أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام) في

صحيحة الحلبي: «فإن كان قد أكل فاغسله»

أنّه إذا كان متغذّياً و آكلًا بشهوته و إرادته على النحو المعهود؛ بحيث يقال: «إنّه صار متغذّياً» للفرق بين قوله: «إذا أكل فاغسله» و قوله: «فإن كان قد أكل» لأنّ الثاني ظاهر فيما ذكرناه

دون الأوّل.

______________________________

(1) الخلاف 1: 484.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 1.

(3) تقدّمت في الصفحة 133 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 139

و كذا الحال في قوله (عليه السّلام) في موثّقة السكوني: «قبل أن يطعم» و قوله (عليه السّلام): «ما لم يأكل الطعام» .. إلىٰ غير ذلك من التعابير.

و ليس الرضيع موضوعاً للحكم حتّى يقال: بانصرافه إلىٰ من لم يبلغ سنتين. و احتمال كون العنوانين كناية عن عدم كونه رضيعاً، و في مقابله الرضيع، لا يساعده الظاهر، و لهذا لا يحتمل كون بول المولود آن ولادته قبل الرضاع، كبول سائر الناس، و لا أظنّ التزام أحد بذلك. إلّا أن يقال: بصدق «الرضيع» عليه؛ بمعنى كونه في سنّ الرضاع، و هو كما ترى مجاز في مجاز.

و ممّا ذكرناه من كون الموضوع هو الصبي الذي لم يطعم و لم يأكل، يتّضح ثبوت الحكم للصبي الذي شرب من لبن كافرة أو خنزيرة، فضلًا عن بقرة و نحوها.

بل لا يبعد ثبوته لمن شرب من الألبان الجافّة المعمولة في هذه الأعصار، علىٰ إشكال، سيّما إذا كان ممزوجاً ببعض الأغذية، بل الأقرب عدم الثبوت في هذا الفرض.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من ثبوت الحكم للمذكورات؛ إنّما هو لإطلاق الأدلّة، و دعوى انصرافها عنها إنّما تسمع علىٰ تأمّل في بعضها إذا كان الموضوع للحكم الرضيع، و الاستئناس أو الاستدلال لوجوب الغسل في بعضها بموثّقة السكوني «1» بدعوىٰ: أنّ مقتضى التعليل فيها وجوبه «2» كما ترى؛ فإنّ التعليل علىٰ فرض العمل به، تعبّدي يناسب استحباب الغسل لا لزومه؛ ضرورة أنّ اللبن إذا خرج من المثانة، لا يوجب ذلك نجاسته لو أُريد الملاقاة للنجس في الباطن. و مع ذلك هو غير

مربوط بالاغتذاء باللبن النجس، كما هو ظاهر.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 134.

(2) راجع جواهر الكلام 6: 166، مستمسك العروة الوثقى 2: 47.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 140

حكم بول صبي الكافر

نعم، في إلحاق بول طفل الكافر نوع تردّد، ناشئ من أنّ ملاقاته لجسمه يمكن أن يلحقه الأثر الزائد و إن لم ينجّسه. و يأتي ذلك التردّد فيما إذا لاقىٰ بوله نجساً آخر، و استهلك ذلك النجس فيه.

و لو لاقى المحلّ بعد ملاقاته لبول الصبي نجساً آخر كبول غيره فالظاهر وجوب غسله، و عدم الاكتفاء بالصبّ.

عدم كفاية النضح و الرشّ عن الصبّ

ثمّ إنّ الظاهر من الأخبار المعتمدة لزوم الصبّ، فلا يكفي النضح و الرشّ، و هو معقد إجماع «الخلاف» «1».

و لا يبعد أن يكون عطف السيّد في «الناصريات» «النضح» على «الصبّ» «2» إنّما أراد به ما يصدق عليه «الصبّ» كبعض مصاديقه، و لهذا لم يعطفه ب «أو» إذ من البعيد استناده في الفتوىٰ إلى الروايتين المتقدّمتين «3» من طرقهم، و إنّما استدلّ بهما إقحاماً لهم، كما هو دأبه، و كذا دأب شيخ الطائفة و بعض آخر من أصحابنا. كما أنّهم ربّما يستدلّون في الأحكام بأُمور تشبه القياس إرغاماً لهم، لا استناداً إليها، و ظنّ الغافل غير ذلك، و ربّما طعن بهم و العياذ باللّٰه.

و كيف كان: فالأقوىٰ عدم كفاية الرشّ. و دعوىٰ إلغاء الخصوصية لو

______________________________

(1) الخلاف 1: 484.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 8.

(3) تقدّمتا في الصفحة 133.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 141

فرضت قاهرية الماء بالرشّ مع تكرّره «1» و إن لا تخلو من وجه، لكنّ الأوجه خلافها؛ لاحتمال كون الدفعة دخيلة في التطهير، و القاهرية التدريجية غير كافية. بل العرف يساعد علىٰ ذلك في أبواب التطهير و إزالة النجاسات.

عدم لزوم إخراج غسالة بول الصبي و طهارتُها

ثمّ إنّ الظاهر من الأخبار: أنّ مجرّد صبّ الماء علىٰ بوله موجب لطهارته؛ من غير لزوم خروج الغسالة و جري الماء على المحلّ، و لازمه عرفاً عدم نجاسة ما انفصل منه لو فرض انفصاله بعصر أو غيره؛ للفرق الواضح بين غسالته و غسالة سائر النجاسات بحسب اقتضاء الأدلّة؛ فإنّ كيفية تطهير سائرها علىٰ ما مرّ «2» بصبّ الماء على المحلّ القذر و إجرائه عليه؛ لإزالة القذارة بذلك، بمعنى أنّ الماء بإجرائه على المحلّ و انفصاله يذهب بقذارته، فصار الماء

قذراً، و المحلّ طاهراً؛ لانتقال قذارته إلى الماء، و هو أمر يساعد عليه العرف و العقلاء في رفع القذارات العرفية، كما هو واضح، و لهذا قلنا بنجاسة الغسالة حتّى المطهِّرة «3».

و أمّا بول الرضيع الذي بيّن الشارع كيفية تطهيره، و أخطأ العرف فيها، فلا ينبغي الإشكال في أنّ المتفاهم من أدلّتها: أنّ غلبة الماء عليه مطهّرة من غير انفعاله به، و إلّا فلا يحكم بجواز بقائه في الثوب حتّى ييبس، و معه كيف يمكن التفكيك عرفاً بين الماء الذي في المحلّ؛ فيقال

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 163.

(2) تقدّم في الصفحة 128 129.

(3) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 142

بطهارته إذا كان فيه، و نجاسته إذا انفصل منه؟! و بالجملة: فرق واضح بين الغسلة المزيلة للنجاسة بجريانها و انفصالها، و بين الماء المطهّر للمحل بنفس إصابته و قاهريته و لو لم يخرج منه، فالقول بالتفكيك كالقياس على الغسالة «1» ضعيف جدّاً.

كيفية تطهير ظاهر الفراش و باطنه

ثمّ إنّ ما ذكرناه في صدر المبحث من اعتبار حصول الغسل في النجاسات لإزالتها و تطهيرها، و هو يتوقّف علىٰ قاهرية الماء على المحلّ و خروج غسالته؛ لتحصيل الإزالة و إذهاب القذارة بمرور الماء و خروجه هو مقتضى الأدلّة الواردة في غسل النجاسات، و ليس للشارع إلّا فيما استثني طريقة خاصّة في ذلك، و لا إعمال تعبّد، فحينئذٍ يكون غسل الفرش المحشوّة بالصوف أو القطن ممكناً:

أمّا ظاهرها: فبإجراء الماء عليه و عصرها، و لا تسري النجاسة من باطنها إليه بمجرّد رطوبة متصلة ما لم يلاقِ النجسَ برطوبة. و ملاقاة أحد الطرفين لا يوجب نجاسة الطرف الآخر، كما هو مقتضىٰ

صحيحة إبراهيم بن أبي

محمود قال: قلت للرضا (عليه السّلام): الطنفسة و الفراش يصيبهما البول، كيف يصنع بهما و هو ثخين كثير الحشو؟ قال: «يغسل ما ظهر منه في وجهه» «2».

و أمّا باطنها: فلا بدّ في تطهيره من حصول الغسل بالمعنى المتقدّم فيه، و هو يحصل بغمرها في الماء الكثير و تحريكها، أو غمزها أو عصرها لخروج الماء

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 607/ السطر 25.

(2) الكافي 3: 55/ 2، تهذيب الأحكام 1: 251/ 724، وسائل الشيعة 3: 400، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 5، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 143

الداخل فيها، أو صبّ الماء القليل عليها حتّى يقهر على النجاسة، ثمّ إخراج غسالته بوجه من العلاج.

و ربّما يتوهّم «1» من

رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) خلافُ ذلك، و أوسعيةُ الأمر فيها، قال: سألته عن الفراش يكون كثير الصوف، فيصيبه البول، كيف يغسل؟ قال: «يغسل الظاهر، ثمّ يصبّ عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتّى يخرج من جانب الفراش الآخر» «2».

بدعوىٰ دلالتها علىٰ عدم لزوم العصر و إخراج الغسالة.

و فيه أوّلًا: أنّ الظاهر منها إصابة البول لظاهر الفراش؛ للفرق بين قوله (عليه السّلام): «أصابه البول» و بين قوله: «بال عليه شخص» لأنّ الظاهر من الأوّل إصابة ظاهره، و لعلّ السؤال عنه و القيد بكثرة الصوف؛ لاحتماله لزومَ إخراج الصوف منه ثمّ غسله، و عدمَ تحقّق غسل ظاهره إلّا به، و الأمر بصبّ الماء عليه بعد غسل ظاهره؛ لعلّه لاحتمال السراية، كالرشّ الوارد في نظيره، و لهذا أمر بغسل ظاهره أوّلًا، ثمّ صبّ الماء عليه.

و تشهد لما ذكرناه

صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن

الثوب يصيبه البول، فينفذ إلى الجانب الآخر، و عن الفرو و ما فيه من الحشو، قال: «اغسل ما أصاب منه، و مسّ الجانب الآخر، فإذا أصبت مسّ من (خ ل) شي ء منه فاغسله، و إلّا فانضحه» «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 144، مصباح الفقيه، الطهارة: 601/ السطر 29.

(2) مسائل عليّ بن جعفر: 192/ 397، قرب الإسناد: 281/ 114، وسائل الشيعة 3: 400، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 5، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 55/ 3، وسائل الشيعة 3: 400، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 5، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 144

حيث أمره بالغسل في فرض نفوذ النجاسة إلى الباطن.

و ثانياً: أنّه من المحتمل أن يكون مراده من خروجه من الجانب الآخر، خروجَ جميعه أو معظمه، و لم يذكر العصر أو نحوه لعدم الاحتياج إلى الذكر بعد توقّفه عليه، تأمّل.

و ثالثاً: يمكن أن يكون الصوف الكثير في باطن الفراش بوجه لا يقبل الماء نوعاً، و خرج منه الغسالة بلا علاج.

و الإنصاف: أنّ رفع اليد عن إطلاق أدلّة الغسل الموافق للقواعد و ارتكاز العقلاء و خصوص صحيحة إبراهيم المتقدّمة، لا يجوز بمثل هذه الرواية.

هذا كلّه فيما يمكن فيها الغسل بالمعنى المعتبر في إزالة النجاسة.

كيفية تطهير ما لا ينفذ فيها الماء

و أمّا الأجسام التي لا يمكن فيها ذلك كالصابون و الحبوب و الفواكه، و ما يجري مجراها ممّا لا ينفذ الماء فيها، بل تنفذ الرطوبة فيها فالظاهر عدم إمكان تطهير بواطنها؛ لا بالماء الكثير، و لا بالقليل؛ فإنّ تطهيرها يتوقّف علىٰ مرور الماء المطلق عليها و خروجه منها لإزالة القذارة، كما مرّ مراراً «1»، و ليس للشارع تعبّد خاصّ في تطهير البواطن. و سيأتي في حال بعض الأخبار المتمسّك

بها لذلك.

كما أنّه ليس في الأدلّة ما تدلّ علىٰ قبول كلّية الأجسام للتطهير.

و ما قيل: «إنّه يستفاد من تتبّع الأخبار و كلمات الأصحاب: أنّ كلّ متنجّس حاله حال الثوب و البدن في قبوله للتطهير، و التشكيك في ذلك سفسطة» «2» غير وجيه، و لا مستند إلى دليل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 128 و 129 و 130 و 141.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 602/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 145

نعم، لا شبهة في أنّ تحقّق الغسل في كلّ متنجّس موجب للطهارة، و أمّا مع تعذّره لأجل عدم إمكان نفوذ الماء فيه، أو عدم إمكان إخراج غسالته منه فلا دليل علىٰ حصولِ الطهارة له و غمضِ الشارع عن الغسل، و الاكتفاءِ بغيره بدله، أو اكتفائه بغسل ظاهره لطهارة باطنه تبعاً من غير تحقّق الغسل إلّا بعض الروايات،

كرواية زكريّا بن آدم قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر، قطرت في قدر فيه لحم كثير؟

قال: «يهراق المرق، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب، و اللحم اغسله و كله» «1».

و قريب منها خبر السكوني «2».

بدعوىٰ: أنّ مقتضىٰ إطلاقها إمكان غسل اللحم مطلقاً؛ سواء كان ممّا ينفذ فيه الماء أو لا، فتدلّ علىٰ جواز غسل مطلق اللحوم بل مطلق أجسام نحوها بماء كثير أو قليل يمرّ علىٰ ظاهرها، و طهارة باطنها بتبعه، و عدم لزوم مرور الماء أو سرايته و نفوذه إلىٰ باطنها؛ فإنّ اللحم الذي يكون رطباً و لزجاً و قد رسب فيه الماء المتنجّس، لا يرسب فيه الماء حتّى يتحقّق الغسل بالنسبة إلىٰ باطنه، فالأمر بغسله و أكله دليل علىٰ أنّ غسل ظاهره، كافٍ في طهارته ظاهراً و باطناً «3».

و

فيه: أنّ ما ذكر وجيه لو لم يقبل باطن اللحوم مطلقاً غسلًا، و أمّا مع قبول

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 279/ 820، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 8.

(2) الكافي 6: 261/ 3، وسائل الشيعة 24: 196، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 44، الحديث 1.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 604/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 146

كثير من أفرادها فلا وجه له؛ لأنّ الأمر بغسل اللحم و أكله لا يدلّ علىٰ قبول كلّ لحم ذلك، كما هو واضح.

فهل يمكن أن يقال: إنّ قوله: «اغسل ثوبك من البول و صلّ فيه» يدلّ علىٰ قبول كلّ ثوب الغسل، فلو فرض عدم إمكان غسل باطن ثوب لعارض، يكتفىٰ بظاهره و يصلّى فيه؟! بل لأحد أن يقول: إنّ الروايتين بما أنّهما تدلّان علىٰ توقّف جواز الأكل على الغسل الذي هو أمر عقلائي معهود دالّتان علىٰ أنّ ما لا يمكن غسله لا يجوز أكله، فلا يجوز أكل مثل الشحم و بعض أقسام اللحوم الذي لا يرسب فيه الماء، و لا يمكن غسله.

مضافاً إلىٰ أنّ في إطلاقهما لصورة العلم بنفوذ النجاسة إلىٰ باطن اللحم مع ندرة حصوله إشكالًا. بل لعلّ الجمع بين إفادةِ لزوم الغسل فيما يمكن غسل باطنه، و الاكتفاءِ بغسل الظاهر عن الباطن و طهارته تبعاً، بلفظ واحد غير ممكن، و كالجمع بين اللحاظين المختلفين، فتدبّر.

و الإنصاف: أنّ القول بتبعية الباطن للظاهر التي هي خلاف القواعد المحكمة بمثل هاتين الروايتين اللتين هما علىٰ خلاف المطلوب أدلّ، ممّا لا يمكن المساعدة عليه.

و أضعف منه التمسّك «1»

بمرسلة الكاهلي، و فيها: «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «2».

بدعوىٰ عدم

الفصل بينه و بين سائر المياه حتّى الماء القليل من هذه الجهة.

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 378/ السطر 15.

(2) الكافي 3: 13/ 3، وسائل الشيعة 1: 146، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 147

و مرسلة العلّامة في غدير الماء «1» مع الدعوى المذكورة.

و ذلك لمنع إصابة ماء المطر و إصابة الكرّ بواطن الأشياء، بل ما أصابها هو الرطوبة، و هي غير الماء عرفاً.

مع ضعف مرسلة العلّامة، و عدم الجابر لها، و عدم ثبوت الإجماع على الملازمة، سيّما مع القليل.

و أغرب منه التمسّك بمرسلة الصدوق «2» الحاكية لوجدان أبي جعفر (عليه السّلام) لقمة خبز في القذر، فأخذها و غسلها ليأكلها، فأكلها غلامه «3» لأنّها قضية شخصية لا يعلم كيفية قذارة الخبز، بل لا يعلم تأثّره من القذر، فضلًا عن العلم بقذارة باطنه.

و يتلوه في الضعف التشبّث «4» برواية طهارة طين المطر إلىٰ ثلاثة أيّام «5» و نحوها ممّا هي أجنبية عن المقام. مع أنّ في المطر كلاماً ربّما يلتزم فيه بما لا يلتزم في غيره.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ في كلّ جسم من المذكورات تحقّق الغسل بما هو معتبر فيه لإزالة النجاسة و لو بجعله مرّة أو مرّات في الماء العاصم لينفذ

______________________________

(1) مختلف الشيعة 1: 15، مستدرك الوسائل 1: 198، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 8.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 604/ السطر 30.

(3) الفقيه 1: 18/ 49، وسائل الشيعة 1: 361، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 39، الحديث 1.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 603/ السطر 3.

(5) الكافي 3: 13/ 4، تهذيب الأحكام 1: 267/ 783، وسائل الشيعة 3: 522، كتاب الطهارة، أبواب

النجاسات، الباب 75، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 148

الماء المطلق إلىٰ باطنها و يخرج منه صار طاهراً، و إلّا فمجرّد وصول الرطوبة و لو من الماء العاصم إليه، لا يوجب الطهارة.

و دعوىٰ وحدة الماء مع الرطوبة التي في الجوف «1»، غير مسموعة أوّلًا، و غير مفيدة للطهارة ثانياً، كما مرّ «2».

و أوضح منها فساداً دعوى: «أنّ المناط في التطهير علىٰ صدق نفوذ الكرّ فيه، و وصولِ الماء المطلق إلىٰ باطنه، و لا ملازمة بينه و بين إطلاق اسم «الماء» عليه، فإنّه لو سرت نداوة الماء إلىٰ خارج الإناء يطلق عرفاً: «أنّ ماءه نفذ فيه، و خرج منه» إطلاقاً حقيقياً، لكن لو لوحظ الأجزاء المائية السارية فيه بحَيالها لا يطلق عليها اسم «الماء» لاستهلاكها في الظرف» «3» انتهىٰ.

إذ لم يتضح كيف لا يصدق علىٰ ما سرىٰ فيه «الماء» و مع ذلك صدق نفوذ الماء فيه، و وصول الماء المطلق إلىٰ باطنه، و أنّه غسل باطنه بالماء، مع كون الرطوبة غير الماء عرفاً، و هل هذا إلّا تناقض ظاهر؟! و مجرّد لحاظ الأجزاء تارة مستقلا، و أُخرى تبعاً، لا يوجب صيرورة الرطوبةِ ماءً، و الماءِ رطوبةً.

و ليت شعري، ما الداعي إلىٰ هذه التكلّفات البعيدة عن الواقع و الأذهان لإثبات أمر لا دليل عليه، و أيّ دليل علىٰ قبول كلّ شي ء التطهير؟! فالأقوىٰ ما تقدّم.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 602/ السطر 15.

(2) تقدّم في الصفحة 144.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 602/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 149

لزوم إمرار الماء على الأرض في تطهيرها

و يظهر ممّا مرّ في كيفية غسل المتنجّسات: أنّه لو تنجّس الأرض تصير طاهرة بإمرار الماء القليل عليها، و إخراج

الغسالة، و لا يكفي صبّه عليها من غير الإمرار و الإخراج.

و رواية أبي هريرة «1» مع كونها ضعيفة، و تسميتها: «مقبولة» «2» غير مقبولة، و مجرّد تمسّك شيخ الطائفة «3» بها إرغاماً للقوم، لا يوجب مقبوليتها فيها نقل قضية مجهولة لا يعلم كيفيتها؛ لاحتمال أنّ الأعرابي بال عند باب المسجد؛ بحيث صار صبّ ذَنُوب من الماء عليه موجباً لخروج غسالته عن المسجد.

______________________________

(1)

عن أبي هريرة قال: قام أعرابيّ فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): دَعوه و أهريقوا على بوله سَجلًا من ماء أو ذَنُوباً من ماء فإنّما بعثتم ميَسِّرين و لم تبعثوا معسِّرين.

صحيح البخاري 1: 164/ 214، سنن أبي داود 1: 157/ 380، سنن ابن ماجة 1: 176/ 530، سنن الترمذي 1: 99/ 147.

(2) ذكرى الشيعة 1: 130.

(3) الخلاف 1: 494.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 151

المطلب الخامس في اعتبار التعدّد في التطهير

لزوم الغسل مرّتين في تطهير البول بالماء القليل

يعتبر في تطهير البول عدا ما استثني بالماء القليل الغسل مرّتين من غير فرق بين الثوب و الجسد؛ لتظافر الأخبار عليه،

كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن البول يصيب الثوب، قال: «اغسله مرّتين» «1».

و نحوها صحيحة ابن أبي يعفور «2» و صحيحة الحسين بن أبي العلاء المتقدّمة «3».

و

صحيحة البَزَنْطي المنقولة عن «جامعه» قال: سألته عن البول يصيب الجسد، قال: «صبّ عليه الماء مرّتين؛ فإنّما هو ماء».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 251/ 721، وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 251/ 722، وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 2.

(3) تقدّم في الصفحة 130.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4،

ص: 152

و سألته عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله مرّتين» «1».

و

صحيحة أبي إسحاق النحوي ثعلبة بن ميمون الثقة على الأصحّ «2» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن البول يصيب الجسد، قال: «صبّ عليه الماء مرّتين» «3».

فالتفصيل بين الثوب و غيره بلزوم المرّتين في الأوّل و الاكتفاء بالمرّة في الثاني للخدشة في إسناد ما دلّ على المرّتين في الجسد «4» ضعيف؛ لصحّة الروايات المتقدّمة، و وثاقة رواتها على الأصحّ. مع أنّ الحكم مشهور بين الأصحاب، كما عن «البحار» و «المدارك» و «الكفاية» «5» و عن «المعتبر» نسبته إلىٰ علمائنا «6»، و عن «الذخيرة»: «أنّ عليه عمل الطائفة» «7» و ليس لهم مستند غيرها، فإسنادها مجبور لو فرض ضعفها.

و توهّم: أنّ حمل أخبار المرّتين على الاستحباب، أولىٰ من رفع اليد عن إطلاق الروايات الكثيرة المقتصرة على الأمر بالغسل، مؤيّداً بما دلّ على الاكتفاء بالمرّة في الاستنجاء، بعد عدم الفارق عرفاً بينه و بين غيره.

______________________________

(1) السرائر 3: 557، وسائل الشيعة 3: 396، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 7.

(2) راجع تنقيح المقال 1: 196/ السطر 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 249/ 716، وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 3.

(4) مدارك الأحكام 2: 336 337.

(5) بحار الأنوار 77: 129، مدارك الأحكام 2: 336، كفاية الأحكام: 13/ السطر 2.

(6) المعتبر 1: 435.

(7) ذخيرة المعاد: 161/ السطر 38.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 153

فاسد؛ لعدم الإطلاق في الأخبار؛ لأنّ كلّها أو جلّها في مقام بيان أحكام أُخر، فلا إطلاق فيها، كما تقدّم في غسل الفراش «1»؛ لكونها في مقام بيان كيفية غسل الفراش، لا حال البول،

فقوله (عليه

السّلام) في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود: «يغسل ما ظهر منها في وجهه» «2»

يراد منه أنّه يكتفىٰ بغسل ظاهره، و لا يجب إخراج حشوه أو غسله؛ لعدم الاحتياج إليه، و عدم الابتلاء إلّا بظاهره، فلا إطلاق فيها، و كذا الحال في غيرها.

نعم، لا يبعد الإطلاق

في صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «3»

علىٰ إشكال فيه؛ لاحتمال كونه بصدد الفرق بين بول ما يؤكل و ما لا يؤكل، لا بصدد كيفية الغسل. و لو فرض الإطلاق في بعضها، فيقيّد بالمستفيضة الدالّة علىٰ وجوب التعدّد.

و التأييد بما في باب الاستنجاء في غير محلّه، فإنّه لو التزمنا فيه بكفاية المرّة فلا يمكن إلغاء الخصوصية؛ بعد ما نرىٰ فيه من التخفيف ما ليس في غيره.

لزوم إخراج الغسالة في كلّ غسلة

ثمّ إنّ الظاهر منها: أنّ المعتبر في كلّ غسلة هو إخراج الغسالة على النحو المتقدّم «4»، و أمّا الاكتفاء في الغسلة الأُولىٰ بإزالة العين كيفما اتفقت، فخلاف ظاهر الأدلّة حتّى بناءً علىٰ أنّ قوله: «مرّة للإزالة، و مرّة للإنقاء» من تتمّة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 142 144.

(2) تقدّم في الصفحة 142.

(3) الكافي 3: 57/ 3، تهذيب الأحكام 1: 264/ 770، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

(4) تقدّم في الصفحة 125.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 154

رواية ابن أبي العلاء المحكية في «المعتبر» و «الذكرى» «1» فإنّ الغسل للإزالة بنظر العرف هو بإمرار الماء و إخراج غسالته، لا الإزالة كيفما اتفقت.

فالمأمور به الغسلُ للإزالة لا الإزالةُ، كما لا يكتفى بالإنقاء كيفما اتفق، فكما أن الغسل للإنقاء لا يقتضي الاكتفاء بالإنقاء و

لو بغير الغسل، فكذا للإزالة، سيّما مع الارتكاز علىٰ أنّ للماء خصوصيةً، و أنّ للغسل لإزالة النجاسة لديهم كيفيةً معهودةً.

هذا كلّه مع أنّ الوثوق حاصل بعدم كون هذا الذيل من تتمّة الحديث، بل هو من اجتهاد الناقل؛ لعدم وجوده في شي ء من كتب الحديث، كما هو المحكي «2» و المشاهد. هذا كلّه حال بول غير الصبي.

عدم اعتبار تعدّد الصبّ في التطهير من بول الصبي

و أمّا بوله فالظاهر عدم اعتبار تعدّد الصبّ فيه؛ لإطلاق صحيحة الحسين المتقدّمة «3»، سيّما بعد وقوع السؤال عن بوله عقيب السؤال عن البول الذي أصاب الجسد و الثوب، و الأمر فيهما بالصبّ و الغسل مرّتين، إذ لا يبقى معه مجال توهّم عدم الإطلاق.

بل الظاهر إطلاق

صحيحة الحلبي أيضاً، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن بول الصبي، قال: «تصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلًا» «4».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 154

______________________________

(1) المعتبر 1: 435، ذكرى الشيعة 1: 124.

(2) ذخيرة المعاد: 161/ السطر 33، الحدائق الناضرة 5: 359 360، جواهر الكلام 6: 186 187، مصباح الفقيه، الطهارة: 611/ السطر 1.

(3) تقدّم في الصفحة 130.

(4) الكافي 3: 56/ 6، وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 155

فإنّ الظاهر أنّ سؤاله كان بعد الفراغ عن كيفية غسل بول غير الصبي، و إنّما كان شاكّاً في كيفية غسل بوله، فقوله (عليه السّلام): «تصبّ عليه الماء» لبيان كيفيته، و قوله (عليه السّلام): «فإن كان قد أكل»

لبيان غاية الحكم في الصبي، لا لبيان غسل بول غيره حتّى يقال: كما لم يذكر الكيفية في الثاني لعدم كونه في مقام بيانها فكذا بول الصبي.

و بالجملة: إنّ الظاهر كونه في مقام بيان كيفية غسل بول الصبي الذي هو محطّ السؤال، فيؤخذ بإطلاقه، لا لبيان كيفية غسل بول غيره، فلا إطلاق فيها من هذه الجهة، فلا ينبغي الإشكال في كفاية المرّة. هذا حال الغسل بالماء القليل.

كفاية المرّة في غسل البول بالماء الجاري لا الكرّ

و أمّا الجاري فيكفي فيه مرّة واحدة بلا خلاف على المحكي «1»، و تدلّ عليه

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله في المِرْكَن مرّتين، فإن غسلته في ماءٍ جارٍ فمرّةً واحدةً» «2».

و يمكن الاستدلال بها للاكتفاء بالغسل في الكرّ بمرّة واحدة بأن يقال: لا إشكال في أنّ قوله (عليه السّلام): «في المِرْكَن» كناية عن الغسل بالماء القليل، و إلّا فالكون في المِرْكَن لا دخالة له في الحكم، سيّما مع مقابلته للجاري، فكأنّه قال: «اغسله بالقليل مرّتين».

و لا ريب في أنّ لقيد القلّة دخالةً في إيجاب المرّتين، و مفهوم القيد و إن لم

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 195، مصباح الفقيه، الطهارة: 611/ السطر 22.

(2) تهذيب الأحكام 1: 250/ 717، وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 156

يكن حجّة في غير المقام، لكن فيه خصوصية لا بدّ من الالتزام بحجّيته: و هي عدم كون شي ء آخر صالح للقيام مقام القيد في إيجاب المرّتين؛ فإنّ ما يتوهّم إمكان قيامه هو الكثير المقابل للجاري و القليل المذكورين، و هو لا يصلح للنيابة؛ لأنّ دخالة القلّة في ثبوت حكم

لا يمكن مع دخالة الكثرة أيضاً، و كون الحكم للجامع بينهما يخالف ظاهر الرواية، فلا بدّ من القول: بأنّ القلّة علّة منحصرة، و مع فقدها لا يجب المرّتان، و الأكثر منهما مقطوع العدم، فيجب المرّة في غير القليل، و هو المطلوب.

و إنّما ذكر أحد مصاديق المفهوم و هو الجاري؛ لنكتة خفيّة علينا.

و قد قلنا سابقاً «2»: أنْ لا مفهوم للقضية الشرطية التي ذكرت تصريحاً بالمفهوم؛ و إن قلنا بالمفهوم في سائر الموارد. هذا مع أنّ الشرطية في المقام سيقت لبيان تحقّق الموضوع، و الوصف لا مفهوم له في غير المقام، فضلًا عن المقام الذي ذكرت القضية الثانية لبيان مفهوم القيد في القضية الأُولىٰ.

فتحصّل من ذلك: حجّية مفهوم القيد في الجملة الأُولى دون الثانية، فلا تعارض بينهما من حيث المفهوم، و إنّما ذكر الجاري و هو أحد مصاديق المفهوم لنكتة لعلّها كثرة وجوده في بلد السائل.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الصحيحة لإثبات المطلوب.

لكنّه محلّ إشكال و لو سلّم كون المِرْكَن كناية عن القلّة؛ لإمكان أن يكون النائب مناب القيد الركود لا الكثرة، فلا يأتي فيه ما تقدّم من البيان.

لا يقال: إنّ الركود مشترك بين القليل و الكرّ؛ فإنّ الجاري القليل حكمه مرّة، فلا معنى لنيابته عنه.

______________________________

(2) تقدّم في الصفحة 95.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 157

فإنّه يقال: يمكن أن تكون القلّة سبباً مستقلا، و الجريان مانعاً عن تأثيره، و الركود سبباً آخر، و إنّما نسب الحكم في القليل إلى القلّة لكونها كالوصف الذاتي للماء، بخلاف الركود المقابل للجريان، فإنّه من الأعراض اللاحقة، و الوصف الذاتي أسبق في التأثير.

هذا مع إمكان أن يقال: إنّ ذكر المِرْكَن ليس للاحتراز، بل لمجرّد

ذكر قسم من الماء، فحينئذٍ لأحد أن يعكس الأمر و يقول: إنّ توصيف الماء ب «الجاري» لدخالته في الحكم، و ليس شي ء ينوب منابه؛ إذ مقابل الجاري الراكد، و هو لا يصلح للنيابة؛ لعين ما تقدّم، فيكون للجملة الثانية مفهوم بعد عدم المفهوم للأُولىٰ، و إنّما ذكر المِرْكَن لأنّه أحد المصاديق، فتدلّ الرواية بمفهومها علىٰ وجوب التعدّد في غير الجاري.

لكنّه أيضاً محلّ إشكال؛ لأنّ الراكد و إن لم يصلح للنيابة، لكنّ الكثير يمكن أن ينوب عن الجاري، سيّما مع التناسب بينهما.

و لكن الإنصاف: أنّ إثبات حكم المرّة أو المرّتين في الكرّ بهذه الرواية، في غاية الإشكال، و الظاهر سكوتها عن حكم الكرّ.

و أمّا الاستدلال «1» على الاكتفاء بالمرّة

بمرسلة العلّامة المتقدّمة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) مشيراً إلىٰ غدير: «إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلّا طهّره» «2»

بدعوى انجبار سندها بالشهرة، و أقوائية دلالتها ممّا وردت في غسل البول مرّتين؛ لأنّها بالعموم، و تلك بالإطلاق. بل الإطلاق أيضاً صار موهوناً بخروج الجاري منها. بل يمكن إنكار دلالتها إلّا على القليل؛ لكثرة القليل،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 611/ السطر 28، جواهر الكلام 6: 197.

(2) تقدّم في الصفحة 132.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 158

و قلّة الكثير في تلك البلاد، سيّما مع مقابلة الغسل للصبّ فيها، و مصبّه القليل.

ففيه: منع جبر السند بعمل المتأخّرين، مع عدم ثبوت الاشتهار بالعمل بها حتّى منهم.

و منع أقوائية دلالتها؛ لأنّها بالإطلاق أيضاً لا العموم، كما قرّر في محلّه «1». بل للمنع من أقوائية العموم من الإطلاق مجال.

و خروج الجاري لا يوجب وهناً في الإطلاق لو لم نقل بإيجابه القوّة، و لا مجال لإنكار إطلاقها حتّى فيما اشتملت على الصبّ،

فضلًا عن غيرها. و قلّة الكثير في بلد السائل كابن مسلم و أبي إسحاق و ابن أبي يعفور الكوفيين كما ترى.

و الاستدلال عليه «2» بروايات ماء الحمّام

كقوله (عليه السّلام): «هو بمنزلة الماء الجاري» «3»

و

قوله: «ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضاً» «4»

فرع إثبات عموم التنزيل، و هو ممنوع؛ لأنّ الناظر في الروايات لا ينبغي أن يشكّ في أنّ التنزيل في عدم الانفعال، و تقوّي بعضه ببعض آخر، و تطهيرِ المادّة الحياضَ كما هو الظاهر من الأسئلة و الأجوبة، فلا دلالة علىٰ عمومه، سيّما مع كون المعهود ذلك.

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 237، تهذيب الأُصول 1: 466.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 611/ السطر 32.

(3) تهذيب الأحكام 1: 378/ 1170، وسائل الشيعة 1: 148، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 1.

(4) الكافي 3: 14/ 1، وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 159

و دعوىٰ إلغاء الخصوصية عرفاً من

قوله (عليه السّلام): «فإن غسلته بالماء الجاري فمرّة واحدة» «1»

فإنّ الاكتفاء فيه بها ليس إلّا لقاهريته و استهلاك النجاسة فيه، و لا دخالة للمادّة و الجريان فيه. بل ربّما يدعى القطع بالمساواة «2».

فيها ما لا يخفى؛ لعدم مجال لإلغائها عرفاً بعد ما نرىٰ أنّ للجاري خصوصية عرفاً ولدي العقلاء. و من هنا لا ظنّ بالمساواة، فضلًا عن القطع بها، سيّما مع ما في الأحكام من المناطات التي تقصر العقول عن إدراكها.

و لقد أطنب المحقّق صاحب «الجواهر» و أكثر في الاستدلال على الاكتفاء، و لم يأتِ بشي ء مقنع يمكن التشبّث به في مقابل الإطلاقات و الأصل «3».

عدم الفرق بين بول الإنسان و غيره من الحيوانات غير المأكولة

ثمّ إنّ مقتضى الأدلّة عدم

الفرق بين بول الإنسان و غيره من الحيوانات غير المأكولة، و دعوى الانصراف و عدم الإطلاق «4» ضعيفة، كما لا يتوهّم فيما ورد في الدم و غيره، مع كونهما من قبيلة، أو أسوأ حالًا.

بل لا يبعد استفادة حكم سائر الأبوال لو فرض السؤال عن بوله الذي أصاب ثوبه، فإنّه كما تلغى الخصوصية من الثوب عرفاً تلغىٰ من البول، فيقال: إنّ الحكم لطبيعة البول، لا لبول نفسه أو نوعه، تأمّل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 155.

(2) جواهر الكلام 6: 196 197.

(3) جواهر الكلام 6: 195 198.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 613/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 160

مضافاً إلىٰ أنّه لا قصور في إطلاق صحيحة ابن مسلم و أبي إسحاق و ابن أبي يعفور و غيرها «1»، و الظاهر منها أنّ الحكم لنفس طبيعته، و قلّة الابتلاء ببول غير الإنسان و كثرة الابتلاء ببوله، لا توجب الانصراف، كما لا تنصرف سائر المطلقات عن الإفراد القليلة الابتلاء بها. مع منع قلّة الابتلاء ببعض الأبوال.

مضافاً إلىٰ

موثّقة سَماعة قال: سألته عن أبوال الكلب و السنَّوْر و الحمار و الفرس، فقال: «كأبوال الإنسان» «2».

و مقتضى عموم التشبيه أنّ حدّ قذارتها كقذارة بوله، فلا بدّ من غسلها مرّتين. و حمل الحكم في الحمار و الفرس علىٰ محمل كالتقية و نحوها «3»، لا يوجب رفع اليد عن غيره. و الظاهر أنّ ذكر الكلب و السنَّوْر من باب المثال لكلّ ما لا يؤكل. و لو نوقش فيما ذكر ففي الإطلاقات كفاية.

لزوم التعدّد سواء زالت عين البول بشي ء آخر أو بالغسلة الأُولى

كما أنّ مقتضىٰ إطلاقها لزوم الغسل مرّتين و لو بعد جفاف البول، أو زواله بغير الماء، و كذا مقتضاه عدم لزوم كونهما بعد زوال العين إذا فرض زوالها بالغسلة

الأُولىٰ.

و بالجملة: ما يعتبر فيه هو المرّتان، سواء كانت عين البول زائلة بشي ء آخر، أو زالت بإحداهما، فيضمّ إليها الأُخرىٰ، و يكتفى بهما.

و القول: بالاكتفاء بالمرّة مع زوال العين و لو بالجفاف، أو بغير الماء؛

______________________________

(1) تقدّمت الروايات في الصفحة 151 152.

(2) تهذيب الأحكام 1: 422/ 1336، وسائل الشيعة 3: 406، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 7.

(3) كما حمله الشيخ الطوسي، انظر الاستبصار 1: 180، ذيل الحديث 627.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 161

بدعوىٰ أنّ الغسلة الأُولىٰ للإزالة، فإذا تحقّقت لا يحتاج إليها، بل يطهر مع مرّة، كما هو مقتضىٰ ذيل صحيحة الحسين علىٰ نقل المحقّق و الشهيد «1» «2».

ضعيف؛ لعدم الدليل علىٰ كون الاولىٰ لمجرّد الإزالة بأيّ نحو اتفقت، بل لا دليل علىٰ كونها لها مطلقاً، و قد مرّ الكلام في حال ذيل الصحيحة.

بل قلنا: إنّه مع فرضه أيضاً لا ينتج، فمقتضىٰ إطلاق الأدلّة لزومهما؛ جفّ أو لا، أُزيل بغير الغسل أو لا.

كما أنّ القول بكفاية المرّتين و لو لم تزل العين بالأُولىٰ «3»، ضعيف جدّاً؛ فإنّ فرض حصول الغسل بالأُولىٰ و بقاء عين البول، فرض غير واقع أو نادر جدّاً، و لو فرض تحقّقه في بعض الأحيان كما إذا تكرّر البول في شي ء و رسب، و بقي جرمه و رسوبه فيه فلا يطهر إلّا بالدلك و إزالة العين، ثمّ غسله مرّتين، و يكفي ضمّ غسله إلى الغسلة المزيلة.

عدم كفاية الغسل المستمرّ بقدر الغسلتين

و قريب منها في الضعف دعوى كفاية التقدير في الغسلتين؛ بمعنى الاكتفاء بالصبّ المستمرّ بقدر الغسلتين، بدعوىٰ: أنّ الأمر بالمرّتين لحصول النظافة، و هي تحصل بالاستمرار. بل ربّما يكون ذلك أوقع في التنظيف. بل لا دخالة لقطع الماء جزماً، و

ما هو المزيل و المطهّر جريان الماء و قاهريته، و قد حصلا بالاستمرار «4».

______________________________

(1) تقدّم تخريجهما في الصفحة 154، الهامش 1.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 610/ السطر 33، قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 6.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 612/ السطر 4.

(4) انظر جواهر الكلام 6: 190، ذكرى الشيعة 1: 128.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 162

و فيها: أنّ تلك الدعاوي لا توجب رفع اليد عن ظاهر الأخبار المستفيضة. و دعوى الجزم بالمناط في غير محلّها في الأحكام التعبّدية.

فالأقوى اعتبار التعدّد و لو في الكرّ؛ بناءً على اعتباره فيه. و لا يكفي الجري تحت الماء مرّتين إلّا إذا حصل تعدّد الغسل عرفاً، كما لا يبعد حصوله بعض الأحيان، تأمّل.

فرع في عدم اعتبار التعدّد في التطهير عن غير البول

هل يختصّ اعتبار التعدّد بغسل البول، فيكفي في غيره غسله مرّة واحدة، أم يجري في سائر النجاسات؟

الأقوى الأوّل، كما نسب إلى الأكثر، بل المشهور «1»:

لا لإطلاق الأدلّة «2»؛ لعدم الإطلاق في جميع الأنواع، بل يتطرّق الإشكال في كثير من الموارد التي ادعي فيها الإطلاق. نعم لا يبعد في بعضها، لكن كفايته بالنسبة إلىٰ ما لا إطلاق فيه مشكلة.

و دعوىٰ عدم القول بالفصل «3» غير متجهة.

و ما يمكن دعوى الإطلاق فيها بالنسبة إلىٰ جميع النجاسات، ليست إلّا

مرسلة محمّد بن إسماعيل، عن أبي الحسن (عليه السّلام) في طين المطر: «أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام، إلّا أن يعلم أنّه قد نجّسه شي ء بعد المطر، فإن

______________________________

(1) مستند الشيعة 1: 286، مصباح الفقيه، الطهارة: 612/ السطر 22.

(2) انظر جواهر الكلام 6: 192 193، مصباح الفقيه، الطهارة: 612/ السطر 24.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 612/ السطر 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص:

163

أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله، و إن كان الطريق نظيفاً لم تغسله» «4».

بدعوىٰ: أنّ قوله (عليه السّلام): «فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله» يراد به أنّه إذا نجّسه شي ء من النجاسات، و مقتضى إطلاقها كفاية المرّة في مطلق النجاسات إلّا ما خرجت بالدليل.

لكنها مشكلة، بل ممنوعة؛ فإنّه بعد الغضّ عن كونها في مقام بيان حكم آخر فلا إطلاق فيها من هذه الجهة، أنّ ظاهرها لزوم الغسل بعد ثلاثة أيّام في فرض عدم العلم، و إلّا فلا وجه للفرق بين ثلاثة أيّام و بعدها، فلا بدّ من حمل الأمر على الاستحباب بعد المخالفة للقواعد، و الظاهر عدم التزامهم بمضمونها. مع أنّها ضعيفة أيضاً.

و أمّا غيرها، ففي موارد خاصّة «1» لا يمكن إلحاق غيرها بها بدعوىٰ إلغاء الخصوصية؛ بعد إعمال التعبّد في بعض الموارد، كالبول و الولوغ.

و لا لأصالة البراءة عن الغسلة الثانية بدعوىٰ: أنّ النجاسة في الحكميات انتزاعية من التكليف، فمرجع الشكّ في زوالها إلى الشكّ في لزوم المرّة أو المرّتين، فتدفع الثانية بالأصل، و لا يجري الاستصحاب «2».

إذ هي ضعيفة مخالفة لظواهر الأدلّة، و لقد قلنا سابقاً: إنّه ليس للشارع

______________________________

(4) الكافي 3: 13/ 4، تهذيب الأحكام 1: 267/ 783، وسائل الشيعة 3: 522، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 75، الحديث 1.

(1) مثل ما ورد في الكلب و الخنزير و الكافر و غيره.

راجع وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12 و 13 و 14 و 15 و 16، و 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33 و 34 و 38.

(2) جواهر الكلام 6: 193، مصباح الفقيه، الطهارة: 613/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4،

ص: 164

المقدّس في باب النجاسات اصطلاح خاصّ، و قد تصرّف فيها بالإلحاق و الإخراج «1»، فالقذارة كما لدى العرف و العقلاء أمر قائم بالجسم، باقٍ فيه إلىٰ أن تزول بمزيل و لو في المعنوي منها بنظرهم، فكذلك لدى الشارع، و مع الشكّ في بقائها يجري الاستصحاب، و لا مجال لجريان أصالة البراءة.

و بالجملة: للقذارة مصداقان: عرفي، و جعلي وضعي، و لا ينبغي الإشكال في جريان الاستصحاب فيها، كما في أشباهها.

و لا

لقوله (عليه السّلام) «2»: «خلق اللّٰه الماء طهوراً لا ينجّسه شي ء» «3»

ضرورة عدم الإطلاق فيه للمقام، و مثله أجنبي عنه.

بل لأنّ الطهور و إزالة النجاسة لمّا كانا أمرين معلومين لدى العقلاء، و تكون كيفية حصولهما معهودة معروفة لديهم، و لهم طريقة عقلائية معمولة فيهما، و حصول الطهور و هو إرجاع الأمر المتلوّث بالقذارة إلىٰ حالته الأوّلية و نظافته الذاتية أمر معلوم لدى كلّ أحد، فلا محالة إذا حكم الشارع بعدم جواز الصلاة في الثوب المستقذر بالمني أو الدم مثلًا إلّا إذا طهّر، لا يشكّ العرف في كيفية رفع قذارته و حصول الطهارة له، فإذا تحقّق لا يرى العقلاء بقاء المانع أو عدم حصول الشرائط، إلّا أن يدلّ دليل على الخلاف.

و إن شئت قلت: إنّ ذلك نظير بناء العقلاء على العمل بشي ء، فإذا لم يرد منع عنه يكشف عن ارتضاء الشارع به. بل هو أولىٰ من ذلك؛ فإنّه أمر تكويني حاصل بالوجدان، فإذا قال الشارع: «إنّ الثوب النجس بالبول أو الدم لا يجوز

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الثالث: 9 11.

(2) انظر مستمسك العروة الوثقى 2: 17.

(3) السرائر 1: 64، المعتبر 1: 41، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث

9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 165

الصلاة فيه حتّى يطهّر» لا يشكّ العرف في كيفية تطهّره و إرجاعه إلىٰ حالته الأُولىٰ، إلّا أن يرد تعبّد خاصّ من الشارع يردعه عمّا هو المعلوم عنده.

و إن شئت سمّ ذلك: ب «الإطلاق المقامي» بل هو أوضح عنده، و لهذا لم يرد في شي ء من الأدلّة إلّا فيما فيه تعبّد خاصّ بيان كيفية الغسل إلّا نادراً، و ليس ذلك إلّا لعدم الاحتياج إليه، كعدم الاحتياج إلىٰ بيان سائر الموضوعات المعلومة لدى العرف.

هذا مضافاً إلىٰ إمكان الاستدلال للمطلوب بكفاية المرّة في ملاقي الكلب؛ لإطلاق أدلّة غسله،

كصحيحة الفضل قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء» «1».

و

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل، قال: «يغسل المكان الذي أصابه» «2».

و

في حديث الأربعمائة عن عليّ (عليه السّلام) قال: «تنزّهوا عن قرب الكلاب، فمن أصاب الكلب و هو رطب فليغسله، و إن كان جافّاً فلينضح ثوبه بالماء» «3».

إلىٰ غير ذلك ممّا لا ينبغي الإشكال في إطلاقها، سيّما صحيحة ابن مسلم، فإنّ السامع إذا سمع مثل ذلك، يفهم منه أنّ تحقّق الغسل كافٍ في رفع القذارة، سيّما مع كون الغسل من القذارات معهوداً عندهم.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 261/ 759، وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 260/ 758، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 4.

(3) الخصال: 626، وسائل الشيعة 3: 417، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 4، ص: 166

فإذا ضمّ إلىٰ ذلك

موثّقة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «و إيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام؛ ففيها يجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهلَ البيت، و هو شرّهم؛ فإنّ اللّٰه تبارك و تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، و إنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه» «1».

يستفاد منها أنّ سائر النجاسات التي لا تكون بمثابة نجاسة الكلب تطهر بمرّة، إلّا ما ورد دليل علىٰ عدم الاكتفاء بها، فيستكشف منه أقذريته من الكلب. و استثناء شي ء منها موضوعاً أو حكماً لا مانع منه.

و توهّم عدم ملازمة الأقذرية لما ذكر، مدفوع بمخالفته لفهم العرف. نعم لا يلزم أن يكون ملاقي الأقذر محتاجاً إلىٰ مرّتين؛ لإمكان أن تكون المرّة مزيلة لتمام مراتب النجاسة.

و لا ينبغي الإشكال في أنّ النجاسة المذكورة في الرواية هي المعهودة؛ بقرينة صدرها، لا القذارة المعنوية.

و المراد من «غسالة الحمّام» فيها هي ماء البئر الذي يكون من فضالة ماء الحياض التي لها مادّة من المنابع التي في الحمّامات، فإنّ الظاهر من مجموع ما وردت في الحمّامات: أنّ لها في تلك الأعصار منابع محفوظة، لها مزمّلة، و تحت المزمّلات حياض صغار متقوّيات بتلك المنابع بوسيلة المزمّلات، و كان يغتسل الناس في تلك الحياض، و تجري فضالتها إلىٰ محلّ آخر يقال له: «البئر».

______________________________

(1) علل الشرائع: 292/ 1، وسائل الشيعة 1: 220، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 167

فما وردت من عدم انفعال ماء الحمّام و أنّه بمنزلة الجاري «1» يراد به ما في الحياض الصغار المتقوّية بالمنابع التي

يقال لها: «المادّة» و ما بمضمون الموثّقة «2» يراد به ماء البئر الذي غير متقوٍّ بالمادّة، فلا منافاة بينها حتّى نحتاج إلىٰ حمل هذه الطائفة على الاستحباب، كما صنع صاحب «الوسائل» «3» و تخرج عن الاستشهاد بها للمقام. و دعوى اختصاص أقذرية الكلب بولوغه أو أنّه أقذر بلحاظها، مخالفة لظاهر الدليل، كما لا يخفى.

و أمّا الاستدلال «4» للزوم المرّتين في سائر النجاسات

بقوله (عليه السّلام) في البول: «إنّما هو ماء» «5»

مع لزوم المرّتين فيه، فإذا وجب الغسل في الأهون مرّتين يجب في غيره، كالمنيّ الذي شدّده و جعله أشدّ من البول، كما في الحديث «6».

فضعيف؛ لأنّ قوله (عليه السّلام): «هو ماء» يراد به عدم لزوم الدلك، لا أهونية نجاسته، كما يراد بأشدّية المنيّ احتياجه إليه، لا أقذريته من البول، و لهذا

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) علىٰ ما في حديث إبطال القياس ردّاً علىٰ أبي حنيفة: «أيّهما أرجس: البول أو الجنابة؟» فقال: البول، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «فما بال الناس يغتسلون من الجنابة، و لا يغتسلون من البول؟!» «7».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 148، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 218، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11.

(3) وسائل الشيعة 1: 220، ذيل الحديث 5.

(4) منتهى المطلب 1: 175/ السطر 19، كشف اللثام 1: 437، مصباح الفقيه، الطهارة: 613/ السطر 13.

(5) تقدّم في الصفحة 151.

(6) وسائل الشيعة 3: 424، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 2.

(7) علل الشرائع: 90/ 5، وسائل الشيعة 2: 180، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 2، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 168

و الظاهر أنّ أرجسية البول

كان متسالماً بينهما؛ و إن احتمل كونها عند أبي حنيفة، و ألزمه بما هو مسلّم عنده.

اعتبار جريان الماء على المتنجّس بعد زوال عين النجاسة

ثمّ إنّ الظاهر كون المرّة في سائر النجاسات غير الغسلة المزيلة، لا بمعنى لزوم مرّة بعدها، بل بمعنى إمرار الماء على المحلّ بعد الإزالة و لو باستمرار الغسلة المزيلة؛ فإنّ التطهير و إزالة القذارة لدى العرف معهودان، و إطلاقات الغسل محمولة علىٰ ما هو المعهود، و هما متقوّمتان علىٰ ما مرّ «1» بما ذكر، فلا مجال للأخذ بإطلاق الأدلّة «2».

عدم العبرة ببقاء لون النجاسة أو ريحها عند التطهير

و يظهر ممّا مرّ آنفاً من أنّ الغسل للإزالة معهود أنّه لا عبرة باللون و الريح، و نحوهما ممّا لا تعدّ لدى العرف من أعيان النجاسات، فغسل الدم من الثوب ليس إلّا إزالة عينه بالماء بالطريق المعهود، و اللون ليس بدم عرفاً، و ليس بنجس، و لا يحتاج في تطهير الدم إلىٰ إزالته.

و لا عبرة بحكم العقل البرهاني ببقاء العين حتّى في الرائحة، و لا بالآلات المستحدثة المكبّرة للأجزاء الصغار حتّى يرىٰ بتوسّطها الألوان أعياناً.

و هذا واضح لا يحتاج إلىٰ تجشّم استدلال؛ بعد وضوح كون المشخّص لموضوعات الأحكام مفهوماً و مصداقاً هو العرف العامّ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 128.

(2) مدارك الأحكام 2: 338، مستمسك العروة الوثقى 2: 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 169

و أمّا الروايات المستدلّ بها «1» للمطلوب، فلا تخلو دلالتها من نوع مناقشة؛ لأنّ

صحيحة ابن المغيرة عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ للاستنجاء حدّا؟ قال: «لا، حتّى ينقىٰ ما ثمّة».

قلت: فإنّه ينقىٰ ما ثمّة و يبقى الريح، قال: «الريح لا ينظر إليه» «2»

يحتمل فيها أن يكون الحكم من مختصّات الاستنجاء، و لا يجوز إلغاء الخصوصية بعد اختصاصه بأحكام و تخفيفات لا تعمّ غيره.

نعم، لو أراد بقوله (عليه السّلام): «الريح لا ينظر إليه» أنّه ليس بشي ء،

يمكن أن يقال باستفادة الحكم الكلّي منه، و أمّا إن أراد منه أنّه لا بأس به فالاستفادة مشكلة.

و منه يظهر الكلام في مرسلة الصدوق في الريح الباقي بعد الاستنجاء «3».

و أمّا ما ورد من نفي الشي ء عليه من الشقاق «4»، فلعلّه لكونه من البواطن كباطن الأنف، بل هو أولىٰ منه.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 297، جواهر الكلام 6: 198 199.

(2) الكافي 3: 17/ 9، وسائل الشيعة 3: 439، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 25، الحديث 2.

(3)

قال: «سئل الرضا (عليه السّلام) عن الرجل يطأ في الحمّام و في رجله الشقاق فيطأ البول و النورة فيدخل الشقاق أثر أسود ممّا وطء من القذر و قد غسله، كيف يصنع به و برجله، التي وطء بهما؟ أ يجزيه الغسل أم يخلّل أظفاره بأظفاره و يستنجي فيجد الريح من أظفاره و لا يرى شيئاً؟ فقال: لا شي ء عليه من الريح و الشقاق بعد غسله».

الفقيه 1: 42/ 165، وسائل الشيعة 3: 440، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 25، الحديث 6.

(4) الشقاق: تشقّق الجلد من بَرْد أو غيره، لسان العرب 7: 165.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 170

و

رواية عليّ بن أبي حمزة، عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال: سألته أُمّ ولد لأبيه- إلىٰ أن قال قالت: أصاب ثوبي دم حيض، فغسلته فلم يذهب أثره، فقال: «اصبغيه بمشق «1» حتّى يختلط و يذهب أثره» «2»

فمع ضعفها «3» علىٰ خلاف المطلوب أدلّ؛ لاحتمال أن يكون بصدد بيان العلاج لرفع الأثر و صيرورته طاهراً؛ ضرورة أنّ مجرّد الاختلاط لا يذهب بالأثر، بل لا بدّ من غسله حتّى يذهب، و السكوت عنه لمعلوميته. و الحمل علىٰ أمر عادي لا حكم شرعي، خلاف

المعهود من شأن المعصوم (عليه السّلام).

و عليها يحمل إطلاق

قول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «قل لها: تصبغيه بمشق حتّى يختلط» «4»

و

مرفوعة الأشعري قال: «اصبغيه بمشق» «5»

فإنّ الاختلاط بغير الغسل بعده لا يذهب بالأثر.

فالاستدلال بتلك الروايات لإثبات عدم العبرة مشكل، و لإثبات العبرة بها أشكل؛ بعد ضعف إسنادها، و مخالفتها للسيرة القطعية في تطهير الأشياء و معهودية كيفية التطهير.

______________________________

(1) المِشق: المغرة، و هو طين أحمر و منه ممشق أي مصبوغ به، مجمع البحرين 5: 236.

(2) الكافي 3: 59/ 6، تهذيب الأحكام 1: 272/ 800، وسائل الشيعة 3: 439، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 25، الحديث 1.

(3) لوقوع علي بن أبي حمزة البطائني في السند و قد مرّ الكلام فيه من المصنِّف في الجزء الثالث: 337.

(4) تهذيب الأحكام 1: 272/ 801، وسائل الشيعة 3: 439، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 25، الحديث 3.

(5) تهذيب الأحكام 1: 257/ 746، وسائل الشيعة 3: 440، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 25، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 171

و أشكل منها الاستدلال

بضعيفة القسمي «1»، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام): أنّه سأل عن جلود الدارِش التي يتخذ منها الخفاف قال: «لاتصلّ فيها؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب» «2».

لأنّ الظاهر النهي عنها لنجاستها الحاصلة من ملاقاة الخرء، كقوله: «لاتصلّ في الثوب الكذائي؛ لأنّه أصابته الخمر» فلا تدلّ علىٰ عدم تطهّرها بالغسل بالماء.

مع أنّ ظاهرها النهي عن الصلاة في الخفّ، و هو ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، و احتمال كون السؤال عن أثواب أُخر غير الخفاف، خلاف الظاهر منها، تأمّل.

______________________________

(1) تقدّم وجه الضعف في الصفحة 75، الهامش 1.

(2) الكافي 3: 403/ 25، تهذيب الأحكام 2: 373/

1552، وسائل الشيعة 3: 516، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 71، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 173

فصل في كيفية تطهير الأواني
اشارة

و فيها مسائل:

المسألة الأُولىٰ: في كيفية تطهير الأواني من ولوغ الكلب
اشارة

اختلفت كلمات الأصحاب في كيفية تطهيرها من ولوغ الكلب؛ فعن المشهور: يغسل ثلاث مرّات أُولاهنّ بالتراب «1». و في «الناصريات»: «الصحيح عندنا أنّ الإناء يغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرّات، أُولاهنّ بالتراب».

ثمّ قال بعد كلام: «لا خلاف بين الأصحاب في التحديد بوجوب الثلاث» «2».

و الظاهر منه عدم الخلاف في الثلاث على الكيفية المتقدّمة، سيّما مع قوله: «الصحيح عندنا» و ادعى الإجماع عليها في «الغنية» «3».

______________________________

(1) المهذّب البارع 1: 265 266، مفتاح الكرامة 1: 195/ السطر 27، مستند الشيعة 1: 293.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 218/ السطر 30 و 36.

(3) غنية النزوع 1: 43.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 174

و علىٰ ما في «الناصريات» يحمل ما في «الانتصار» و هو قوله: «ممّا انفردت الإمامية إيجابهم غسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرّات، إحداهنّ بالتراب» «1».

و كذا ما في «الخلاف» أي «ثلاث مرّات إحداهنّ بالتراب» «2» بقرينة قوله في «النهاية»: «إحداهنّ و هي الاولىٰ بالتراب» «3». فهي مفسّرة لما في «الخلاف» بل يمكن رفع الإجمال عنه بإجماع «الناصريات» إذ من البعيد أن يكون مراد الشيخ الإجماع علىٰ عنوان «إحداهنّ» في مقابل دعوى السيّد. كما أنّه من البعيد دعوى ابن زهرة الإجماع علىٰ أنّ أُولاهنّ بالتراب، مقابل دعوى الشيخ الإجماع على الإطلاق.

فلا ينبغي الإشكال في أنّ مراد الجميع حتّى الصدوقين «4» واحد؛ و هو كون الاولىٰ بالتراب، كما تدلّ عليه صحيحة البقباق الآتية «5».

كما لا إشكال في اعتبار العدد؛ للإجماع المتقدّم، و عدم نقل خلاف من أحد منّا، فيقيّد به إطلاق

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الكلب يشرب من الإناء، قال: «اغسل الإناء»

«6»

لو فرض لها إطلاق.

______________________________

(1) الانتصار: 9.

(2) الخلاف 1: 175.

(3) النهاية: 5.

(4) انظر منتهى المطلب 1: 188/ السطر 1، المقنع: 37، الفقيه 1: 8/ 10.

(5) و هي صحيحة الفضل أبي العبّاس، يأتي في الصفحة الآتية.

(6) تهذيب الأحكام 1: 225/ 644، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 175

مع إمكان الخدشة فيه؛ بأن يقال: إنّها بصدد بيان أصل نجاسة الكلب، لا كيفية الغسل، و إنّما أمر به إرشاداً لنجاسته، تأمّل.

و إطلاق

صحيحة الفضل أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال في الكلب: «رجس نجس، لا يتوضّأ بفضله، و اصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أوّل مرّة، ثمّ بالماء» «1».

و يحتمل بعيداً عدم الإطلاق فيها؛ بدعوىٰ كونها بصدد بيان الترتيب بين الغسل بالتراب و الغسل بالماء، فلا إطلاق لها من جهة العدد.

هذا مع أنّها منقولة في «الخلاف» في أوّل مسائل الولوغ مع زيادة «مرّتين» بعد قوله: «ثمّ بالماء» «2» و إن نقلها في مواضع أُخر منه و كذا في «التهذيب» بغير الزيادة «3»، و في «المعتبر» و «المنتهىٰ» مع الزيادة «4»، و عن «المختلف» بلا زيادة «5»، و عليه لا وثوق بإطلاقها. بل يمكن كشف الزيادة من شهرة القول بالعدد بين قدماء أصحابنا «6». بل استدلّ الشيخ في «التهذيب» و «الخلاف» بها علىٰ لزوم الثلاث «7»؛ و إن تشبّث في الأوّل عليه بما لا دلالة فيه، و لو لا استدلاله بغيرها لم يبقَ شكّ في كون النقيصة من النسّاخ.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(2) الخلاف 1: 176.

(3) الخلاف

1: 177 و 188، تهذيب الأحكام 1: 225/ 646.

(4) المعتبر 1: 458، منتهى المطلب 1: 188/ السطر 11.

(5) مختلف الشيعة 1: 336.

(6) المقنعة: 68، الانتصار: 9، المراسم: 36، المهذّب 1: 28.

(7) تهذيب الأحكام 1: 224 225، الخلاف 1: 175 176.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 176

هذا مع ما اشتهر بينهم من تقديم أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة؛ و إن كان للتأمّل في أصله مجال، فضلًا عن مثل المقام الذي تكرّر الحديث بلا زيادة في كتب الأُصول و الفروع.

و أمّا ما قال الشيخ البهائي ردّاً علىٰ من قال: «بأنّ الزيادة من قلم النسّاخ» «1»: «إنّ المحقّق مصدَّق فيما نقله، و عدم اطلاعنا عليها في الأُصول المتداولة في هذا الزمان غير قادح؛ فإنّ كلامه في أوائل «المعتبر» «2» يعطي أنّه نقل بعض الأحاديث المذكورة فيه عن كتب ليس في أيدي أهل زماننا هذا إلّا أسماؤها، ككتب الحسن بن محبوب و محمّد بن أبي نصر البَزَنْطي [1] و الحسين بن سعيد و الفضل بن شاذان و غيرهم، فلعلّه طاب ثراه نقل هذه الزيادة من بعض تلك الكتب» «3» انتهىٰ.

فغير وجيه؛ لأنّ الظاهر من الفصل الرابع من مقدّمات «المعتبر» أنّه اقتصر في النقل فيه عن كتب المتقدّمين علىٰ ما نقله الحسين بن محبوب و أحمد بن محمّد بن أبي نصر و الحسين بن سعيد و الفضل بن شاذان و يونس بن عبد الرحمن، و عن المتأخّرين علىٰ كتب الصدوقين و الكليني و الشيخ و عدّة اخرىٰ سمّاهم «4»، و ليس أبو العبّاس الفضل منهم، فلم ينقل منه إلّا بتوسّط الجوامع المتأخّرة، لا من أصل آخر.

______________________________

[1] هكذا في الحبل المتين، و كذا في نسخة

غير نقية من المعتبر. و الصحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر [منه (قدّس سرّه)].

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 391.

(2) المعتبر 1: 33.

(3) الحبل المتين: 98/ السطر 19.

(4) المعتبر 1: 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 177

هذا مع أنّه لم يُنقل لأبي العبّاس إلّا كتاب واحد نقله سعد بن عبد اللّٰه و النجاشي «1»، فلا معنىٰ لنقل المحقّق روايته عن أصل آخر غير كتابه، فهو إمّا ناقل عن كتابه، أو من كتاب آخر ناقل عنه، أو من «التهذيب» الناقل عنه.

و علىٰ أيّ حال: يدور الأمر بين الزيادة و النقيصة في كتاب أبي العبّاس، أو فيما نقل عنه.

و الظاهر أنّه حكاها عن «التهذيب» و الشاهد عليه أنّ العلّامة في «المنتهىٰ» نقلها مع الزيادة عن الشيخ «2»، فيظهر منه اختلاف نسخ «التهذيب» بل من البعيد أن يكون كتاب أبي العبّاس عند المحقّق، و كانت الرواية فيها مع الزيادة، و لم يطلع عليها العلّامة مع تلمّذه عليه، و نقَلها بتوسّط الشيخ.

و علىٰ أيّ حال: فالاعتماد في الحكم على الإجماع و الشهرة قديماً و حديثاً في مثل هذه المسألة التعبّدية، سيّما لو كانت الرواية خالية منها، و سيّما مع إطلاقها و البناء علىٰ إطلاق صحيحة ابن مسلم المتقدّمة «3»، فإنّ ترك أصحابنا إطلاق الصحيحتين و الفتوىٰ بلزوم العدد، يوجب الجزم بكون الحكم معروفاً بين السلف و الخلف، و مأخوذاً عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام).

و يظهر ممّا مرّ ضعف قول ابن الجنيد من لزوم السبع، إحداهنّ أو أُولاهنّ بالتراب «4»، وفاقاً للشافعي «5»؛ و إن أمكن الاستدلال عليه بعد عدم ثبوت الزيادة

______________________________

(1) رجال البرقي: 34، رجال النجاشي: 308/ 843.

(2) منتهى المطلب 1: 188/ السطر 11.

(3)

تقدّم في الصفحة 174.

(4) انظر المعتبر 1: 458، الحدائق الناضرة 5: 474.

(5) الامّ 1: 6/ السطر 4، المحلّى بالآثار 1: 123، بداية المجتهد 1: 88.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 178

المتقدّمة في صحيحة أبي العبّاس بتقييد إطلاقها

بموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الإناء يشرب فيه النبيذ، قال: «تغسله سبع مرّات، و كذا الكلب» «1»

و تقييد الغسلات في الموثّقة بكون الاولىٰ منها بالتراب، و كذا الكلب بالولوغ؛ و إن كانت التقييدات سيّما الأخيرتان بعيدة.

و كيف كان: لا ينبغي التأمّل في ضعف ما ذهب إليه بعد عدم موافق له، فالمتيقّن حمل الموثّقة على الاستحباب.

و يتلوه في الضعف قول المفيد؛ و هو وجوب الثلاث وسطهنّ بالتراب «2»، و إن قال في «الوسيلة»: «به رواية» «3» إذ هي غير ثابتة، و مع ثبوتها شاذّة بلا إشكال، فالأقوىٰ ما عليه المشهور.

تنبيهات
الأوّل: اختصاص التعفير بالولوغ
اشارة

ظاهر الأصحاب قديماً و حديثاً عدا شاذّ منهم، كالصدوقين «4» و المحكي عن المفيد «5» من القدماء، و كالمحكي عن الكركي و صاحبي «المدارك» و «الحدائق» من المتأخّرين «6» اختصاص الحكم بالولوغ، و هو شربه من الإناء

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 116/ 502، وسائل الشيعة 25: 368، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30، الحديث 2.

(2) المقنعة: 65 و 68.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 80.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 195/ السطر 18، المقنع: 37، الفقيه 1: 8/ 10.

(5) المقنعة: 68.

(6) جامع المقاصد 1: 190، مدارك الأحكام 2: 390، الحدائق الناضرة 5: 475.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 179

بأطراف لسانه، علىٰ ما هو المعهود من شربه، و يظهر من اللغة «1». و هو معقد إجماع السيّد

و الشيخ و ابن زهرة «2».

و ألحق جمع اللطع بالولوغ «3»، و ادعىٰ شيخنا المرتضى الشهرة عليه «4»، و هي غير ثابتة، بل الظاهر من قدماء أصحابنا الاختصاص «5»، و التعدّي من بعض المتأخّرين.

و ألحق الصدوق الوقوع بالولوغ «6»، و هو المحكي عن أبيه «7» موافقاً «للرضوي» «8».

و الأصل في الحكم

صحيحة أبي العبّاس المتقدّمة «9» ففي صدرها: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن فضل الهرّة و الشاة إلىٰ أن قال حتّى انتهيت إلى الكلب، فقال: «رجس نجس ..»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) الصحاح 4: 1329، لسان العرب 15: 397، القاموس المحيط 3: 119.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 218/ السطر 30، الخلاف 1: 175 176، غنية النزوع 1: 43.

(3) جامع المقاصد 1: 190، الحدائق الناضرة 5: 475، مدارك الأحكام 2: 390.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 395/ السطر 8.

(5) الخلاف 1: 175 176، غنية النزوع 1: 43، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 80، السرائر 1: 91.

(6) المقنع: 37، الفقيه 1: 8/ 10.

(7) انظر مفتاح الكرامة 1: 195/ السطر 23، منتهى المطلب 1: 188/ السطر 35.

(8) و

ما في فقه الرضا (عليه السّلام) هكذا: «إن وقع كلب في الماء، أو شرب منه، أهريق الماء، و غسل الإناء ثلاث مرّات: مرّة بالتراب و مرّتين بالماء، ثمّ يجفف».

الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 93، مستدرك الوسائل 2: 602، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 1.

(9) تقدّم في الصفحة 175.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 180

و احتمل بحسب التصوّر: أن يكون «رجس نجس» علّة للحكم، فتعمّم إلىٰ كلّ رجس و لو كان غير الكلب.

و أن يكون علّة لكون فضله محكوماً بالحكم، فيتعدّىٰ إلىٰ فضل كلّ نجس، كالخنزير و الكافر.

و أن

تكون نجاسة الكلب علّة، فيتعدّىٰ من ولوغه إلىٰ مباشرة سائر أجزائه.

و أن تكون نجاسته علّة لكون فضله محكوماً بالحكم، فيختصّ بالولوغ.

و الحقّ: عدم استفادة العلّية منها؛ بحيث يدور الحكم مدارها كائنة ما كانت، بل هو خلاف المقطوع به و ضرورة الفقه، نعم الحكم متفرّع علىٰ كون الكلب رجساً نجساً، و من المحتمل بل المعلوم أنّ لمرتبة نجاسته دخالةً في ذلك، فاحتمال أنّ الحكم لمطلق النجس، أو لفضل مطلق نجس العين، ضعيف؛ و إن قال الشيخ و بعض من تأخّر عنه: «إنّ الخنزير كالكلب» «1» بل في «الخلاف»: «هو مذهب جميع الفقهاء» لكنّ ظاهره فقهاء العامّة، و لهذا لم يستدلّ عليه بالإجماع، بل تشبّث بأمرين ضعيفين «2»، فراجع.

فانحصر الاحتمال بالآخرين، و أقواهما الثاني؛ لعدم فهم العلّية بنحو توجب التعدّي من فضله إلىٰ مباشرة سائر أجزائه، و عدم إمكان إلغاء الخصوصية عن الفضل؛ لخصوصية ظاهرة في ولوغه ليست في غيره حتّى في لطعه، فإنّ لشربه بأطراف لسانه بكيفية معهودة موجبة لرجوع المشروب إلى الإناء مراراً قذارةً ليست في سائر ملاقياته حتّى لطعه، بل و لا لعابه، فمن المحتمل أن يكون للشرب كذلك دخالة في الحكم، فلا تلغى الخصوصية عرفاً.

______________________________

(1) الخلاف 1: 186، المبسوط 1: 15، المهذّب 1: 28.

(2) الخلاف 1: 186 187.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 181

فما يقال في اللطع: «إنّه مساوٍ للولوغ، و لا يفقد شيئاً ممّا يتضمّنه من الأُمور المناسبة للتنجيس» «1» و في اللعاب: «إنّ المقصود قلعه من غير اعتبار السبب» «2».

ممنوع؛ لوضوح الفرق بين الولوغ و مجرّد اللطع، فإنّ الثاني يفقد بعض الخصوصيات المناسبة لشدّة الاستقذار ممّا يتضمّنها الأوّل، كما مرّت الإشارة إليه، و عدم الدليل علىٰ أنّ

المقصود قلع اللعاب، بل في شربه خصوصية خاصّة به.

فالتحقيق قصور الرواية عن إثبات الحكم لما عدا ولوغه. بل لو شرب بغير النحو المتعارف لعلّة كقطع لسانه بحيث لم يسمّ: «ولوغاً» لا يلحقه الحكم.

و توهّم: أنّ الحكم متعلّق بالفضل، و هو أيضاً فضله «3»، في غير محلّه بعد معهودية نحو شربه الموجبة لانصراف الدليل إليه، سيّما مع الخصوصية التي في شربه المعهود، و لهذا أُخذ الولوغ خاصّة في معاقد الإجماعات و ظواهر الفتاوىٰ، مع أنّ الأصل في الحكم صحيحة أبي العبّاس.

و لكن الاحتياط سيّما في الأخير و في وقوع اللعاب لا ينبغي تركه.

نعم، لا إشكال في أنّ العرف لا يرىٰ لخصوصية الماء دخالة، بل الظاهر المتفاهم من الدليل: أنّ الشرب الكذائي تمام الموضوع للحكم، فلو كان المشروب لبناً أو غيره من المائعات يلحقه الحكم.

و أمّا فضله من غير المائعات كاللحم الفاضل منه في الإناء مع ملاقاته له فلا يلحقه الحكم؛ لقصور الدليل عن إثباته.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 659/ السطر 6.

(2) نهاية الإحكام 1: 294.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 659/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 182

اختصاص التعفير بالإناء دون غيره

فهل يلحق غير الإناء ممّا يمكن تعفيره بالإناء؛ بأن يقال: إنّ الإناء غير مذكور في النصّ، و لو فرض فهمه منه لكن لا يفرّق العرف بينه و بين حجر مثلًا لو اجتمع علىٰ سطحه الماء، و ولغ فيه الكلب، فإنّ الحكم عرفاً للولوغ من غير دخالة للمحلّ فيه؟ «1» لكنّ الأقوى الاختصاص، كما هو ظاهر الفقهاء و ظاهر معاقد الإجماعات «2»؛ لأنّ في الأواني التي مورد استعمال الأكل و الشرب غالباً خصوصية ليست في غيرها، و النظافة المطلوبة فيها ليست مطلوبة في غيرها، و لهذا ترى

أنّ الشارع الأقدس اعتبر في كيفية تطهيرها ما لا يعتبر في غيرها، كالغسل ثلاثاً من مطلق النجاسات، و سبعاً من بعضها، فالأقوىٰ اختصاص الحكم بولوغ الكلب في الأواني و نحوها، كما هو ظاهر الأصحاب و المتيقّن من النصّ، و طريق الاحتياط واضح.

الثاني: فيما يعفّر به الإناء

هل يعتبر مزج التراب بالماء مع بقاء مسمّى «التراب»؟ أو يتعيّن عدم مزجه؟ أو يعتبر المزج بما يخرجه عن مسمّاه؟ أو بمقدار حصول الميعان؟ أو يعتبر الغسل بالماء مع مزجه بالتراب بما لا يخرجه عن الإطلاق؟ أو بما يخرجه عنه؟ أو يجب الجمع بين الأوّلين؟ أو هما مع الثالث؟ أو هي مع ما قبل الأخير؟ أو يتخيّر بينها؟ وجوه، بل في بعضها قول.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 359، مستمسك العروة الوثقى 2: 31.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 178.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 183

لم يتعرّض النصّ و لا الفتوىٰ في الطبقة الاولى من الفقهاء كالصدوقين و السيّد و الشيخين، و من في تلك الطبقة، أو قريب منها لكيفية الغسل بالتراب، بل اقتصروا على ما في النصّ؛ أي غسله بالتراب.

و عن الحلّي و الراوندي لزوم المزج «1»، و لم يظهر من الاستدلال المحكي عن الأوّل أنّه قائل بأيّ نحو من الامتزاج؛ قال: «إنّ الغسل بالتراب غسل بمجموع الأمرين منه و من الماء، لا يفرد أحدهما عن الآخر؛ إذ الغسل بالتراب لا يسمّى «غسلًا» لأنّ حقيقته جريان المائع على الجسم المغسول، و التراب وحده غير جارٍ» «2» انتهىٰ، و لا يبعد إرادته المزج بمقدار حصول الميعان.

و يظهر من «التذكرة» أنّه عند القائل بالامتزاج الاكتفاء بامتزاج لا يخرج الماء عن إطلاقه مسلّم؛ قال: «التاسع: إن قلنا بمزج الماء بالتراب، فهل يجزي

لو صار مضافاً؟ إشكال» «3».

ثمّ إنّ أردأ الوجوه الوجه الثالث و ما هو نظيره بحسب ظاهر النصّ؛ لأنّه موجب لرفع اليد عن مفهوم «الغسل» و مفهوم «التراب» و مفهوم «الغسل بالتراب» جميعاً.

و دعوىٰ كونه موافقاً لفهم العرف من إضافة «الغسل» إلى «التراب» «4» فاسدة، كما يأتي الإشارة إليه.

ثمّ الوجه الخامس؛ لأنّه و إن كان موجباً لحفظ ظهور «الغسل» لكن موجب لرفع اليد عن ظهور «التراب» و ظهور الظرف في اللغوية و تعلّقه بالغسل،

______________________________

(1) انظر ذكرى الشيعة 1: 125.

(2) انظر منتهى المطلب 1: 188/ السطر 31، السرائر 1: 91.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 87.

(4) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 659/ السطر 24، كشف اللثام 1: 495.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 184

و عن ظهور المقابلة بين الغسل بالتراب و الغسل بالماء في المغايرة. و صِرف كون أحد الماءين خالصاً و الآخر مخلوطاً بما لا يخرجه عن الإطلاق، لا يوجب مقابلته للغسل بالماء، بل في مثله لا بدّ من مقابلة القُراح بالمخلوط، و ظاهر النصّ خلافه، فحفظ ظهور الغسل موجب لارتكاب مخالفات للظواهر المتقدّمة.

و أمّا الاحتياط بالجمع بين الاثنين فما زاد، فلزومه يتوقّف على التوقّف في فهم النصّ.

و الظاهر المتفاهم منه عرفاً بالمناسبات المغروسة في الأذهان؛ من كون الغسل بالتراب لقلع اللزوجة الحاصلة للإناء من لعاب الكلب الخارجة من فمه بواسطة الولوغ، أو لأجل رفع القذارة الشديدة التي حصلت به أنّ المراد من ذلك التعفير، و وضع التراب في الإناء، و دلكه عنيفاً حتّى يقلع الأثر، أو يدفع الاستقذار منه، و هذا هو الموافق لفهم العرف في محاوراتهم و مقاولاتهم.

و بعبارة اخرىٰ: كانت الظهورات المتقدّمة محكّمة لدى العرف علىٰ ظهور «الغسل» لو سلّم ظهوره، بل

تكون إضافته إلى «التراب» موجبة لظهوره فيما قلناه.

نعم، مقتضىٰ إطلاق الرواية عدم الفرق بين التراب اليابس، أو مع المزج بمقدار لا يخرجه عن مسمّى «التراب» و كما أنّ العرف يرىٰ أنّ التراب مع مزج ما موجب لقلع القذارة، كذلك يرىٰ هذه الخاصّة للتراب بلا مزج، كما يشاهد أنّ ذلك التراب أو نحوه يابساً على الأواني، موجب لنظافتها جدّاً، بل لعلّه أبلغ فيها من الممزوج بالماء.

فالأقوىٰ هو التخيير بينهما أخذاً بإطلاق النصّ و معاقد الإجماعات.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 185

ثمّ إنّ طريق الاحتياط التامّ الموجب للعمل بقول جميع الأصحاب: أن يغسله أوّلًا بالماء، ثمّ أربع مرّات بالتراب؛ أي يابسة، و ممزوجة مع بقاء اسمه، و ممزوجة مع ميعانه، و مزجه بالماء مع بقاء إطلاقه، ثمّ ستّاً بالماء عملًا بقول ابن الجنيد «1».

و أمّا ما أفاده الشيخ الأعظم: «من لزوم العشر إذا روعي مذهب المفيد مع احتمالات أربعة: ثمان بالتراب بينها غسلة و بعدها غسلة، و إذا روعي مذهب الإسكافي بالسبع صارت الغسلات المتأخّرة خمساً، فيصير أربعة عشر» «2» انتهىٰ، فيحتاج إلىٰ مزيد تأمّل، و إلّا فيرد علىٰ ظاهره إشكالات.

الثالث: في قيام غير التراب مقامه في التعفير
اشارة

حكي عن أبي عليّ الغسل بالتراب أو ما يقوم مقامه من غير قيد بفقده «3». و عن «التحرير» احتمال القيام مطلقاً «4». و عن الشيخ في «المبسوط» و العلّامة في جملة من كتبه قيام ما يشبهه- كالاشْنان و الصابون و الجصّ و نظائرها مقامَه عند فقده «5». و عن الشيخ و جمع آخر: «أنّه مع تعذّر التراب سقط اعتباره، و طهر الإناء بغسله مرّتين» «6».

______________________________

(1) انظر منتهى المطلب 1: 188/ السطر 2.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 395/ السطر 6.

(3) انظر مختلف الشيعة 1:

338.

(4) تحرير الأحكام 1: 26/ السطر 6.

(5) المبسوط 1: 14، تحرير الأحكام 1: 26/ السطر 6، تذكرة الفقهاء 1: 86، مختلف الشيعة 1: 338.

(6) انظر مفتاح الكرامة 1: 196/ السطر 13، مدارك الأحكام 2: 393.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 186

و لو لا مخافة مخالفة ظاهر الأصحاب و الاحتياط، لكان قول أبي عليّ قويّاً في النفس؛ فإنّ النصّ و إن اقتصر على التراب، و كذا ظاهر كلمات الأصحاب لزوم الغسل بالتراب، لكن ليس باب غسل القذارات كباب التيمّم من الأُمور التعبّدية التي ليس للعرف طريق إلىٰ فهم الملاك منها، فإنّه أمر معهود معلوم الملاك.

بل طريق تطهير جملة من الأُمور لدى العرف الغسل بالتراب، كالأواني المتلوّثة بالدسومات و نحوها ممّا فيها لزوجة، بل استقذار شديد، و لم يقتصروا فيها على الغمس في الماء، أو الدلك باليد.

و مع هذا و ذاك لا ينقدح في ذهن العرف من قوله: «اغسله بالتراب أوّل مرّة» إلّا أنّ ذكره من باب المثال لكلّ قالع نحوه، و إنّما ذكره لكونه كثير الوجود و المتعارف في التعفير، فلو أمر بعض أهل العرف بعضاً بغسل إناء دسم بالتراب لا ينقدح في ذهنه أنّ للتراب خصوصية لا يحصل التنظيف إلّا به، و أنّه لو غسله بالرماد أو الرمل أو النورة أو الجصّ و نحوها، تخلّف عن الإتيان بالمراد.

و توهّم: أنّ نجاسة الولوغ أمر معنوي مغفول لا يصل إليها العقول، و الغسل بخصوص التراب موجب لحصول النظافة منه بكشف الشارع، فاسد و إن كانت نجاسة الكلب بجعل من الشارع، لكن لم تكن إلّا كسائر النجاسات الشديدة التي كان لنظافتها طريق معهود.

و بالجملة: لمّا كان التطهير في ارتكاز العقلاء، عبارةً عن إرجاع الأجسام

و الملاقيات للقذارات إلىٰ حالتها الأصلية الأوّلية، و هو يحصل بقلع المادّة القذرة بكيفية معهودة عندهم من التغسيل بالماء في جملة منها، و التعفير ثمّ التغسيل في جملة أُخرى لا ينقدح في ذهنهم من قوله: «اغسله بالتراب أوّل

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 187

مرّة ثمّ بالماء مرّتين» إلّا ما هو المعهود بينهم في التعفير و الغسل فيما يحتاج إليهما، و إلّا كان لازم الاقتصار و الجمود على النصّ، وجوبَ غسله بالتراب الخالص، و عدمَ كفاية التراب الممزوج بالتبن أو الرمل أو الحصاة في الجملة مثلًا، كما أنّ الأمر كذلك في التيمّم بالتراب، فيعتبر أن يكون خالصاً من الأجزاء غير الأرضية إلّا إذا استهلك فيها، و لا أظنّ التزامهم به في المقام، و ليس ذلك إلّا لما ذكرناه من الارتكاز.

و بالجملة: لا ينقدح في الأذهان الخالية عن الدقائق العلمية و الفارغة من الشبهات المخرجة للنفوس عن السذاجة لفهم المطالب العرفية: أنّ للتراب خصوصية ليست لغيره، فكما لا يفهم العقلاء من قوله: «رجل شكّ بين الثلاث و الأربع» أنّ للرجل خصوصية، فلا يكون إسراء الحكم إلى المرأة قياساً، كذلك الأمر فيما نحن فيه.

و لو لا مخافة مخالفتهم لقلنا بقيام كلّ قالع مقامه، لكنّ الخروج عمّا قالوا مشكل، بل الخروج عن مورد النصّ كذلك، فالاقتصار علىٰ مورده لو لم يكن أقوى فهو أحوط، سيّما في هذه النجاسة المجعولة من قِبل الشارع.

إبطال سقوط التعفير و قيام غير التراب مقامه عند فقده

و أمّا سقوط التعفير مطلقاً مع فقد التراب و الاقتصار على الغسلتين، فغير وجيه جدّاً، فهو نظير الالتزام بسقوط إحدى الغسلتين إذا فقد الماء إلّا لمرّة، أو سقوطهما مع فقده.

كما أنّ قيام غير التراب مقامه حال الفقدان و العذر كذلك؛ لأنّ خصوصية

التراب معتبرة، فلا تتحقّق الطهارة إلّا به، و العذر و الفقدان لا يوجبان مطهّرية غير المطهّر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 188

و دليل الميسور «1» مع عدم ثبوت جابر له، و عدم كون مثل المورد مصبّه لا يدلّ علىٰ حصول الطهارة بالميسور، و لهذا لو فقد الماء بمقدار الغسلتين، لا يقوم المرّة مقام المرّتين بدليله.

كما أنّ مثل المورد ليس مجرى دليل الحرج «2» و الضرر «3»، و لا يكون دليلهما مشرّعاً، و لهذا لو فقد الماء و التراب، لا يمكن أن يقال بطهارة الإناء، و هو واضح.

فالأوجه من تلك الأقوال قول أبي عليّ؛ و إن كان الوقوف علىٰ ظاهر النصّ و كلمات الأصحاب أحوط أو أوجه.

الرابع: في صور العجز عن التعفير و أحكامها

لو لم يمكن التعفير، فهو إمّا لضيق المجرىٰ؛ بحيث لا يمكن معه ذلك و لو بآلة، كخشبة رقيقة أو ميل كذلك تجعل في رأسهما خرقة ليعفّر بها.

أو لعدم قابلية المحلّ، ككون الإناء من القرطاس و نحوه.

أو يلزم منه فساده، كآنية منقوشة لو غسلت بالتراب زالت النقوش و فسدت.

لا شبهة في أنّ الأخيرة لا تطهر إلّا بالتعفير، و زوال النقوش به لا يوجب طهارتها بلا مطهّر معتبر، كما لو فرض زوالها بالغسل، فإنّه لا يوجب طهارتها بلا غسل. و قد مرّ ما في التمسّك بدليل الحرج و الضرر.

و أمّا الأُوليان، فيمكن القول بقصور دليل التعفير عن إثباته لنحوهما:

______________________________

(1) عوالي اللآلي 4: 58/ 205 و 207.

(2) الحجّ (22): 78.

(3) راجع وسائل الشيعة 25: 428، كتاب إحياء الموات، الباب 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 189

أمّا الاولىٰ: فلأنّ تحقّق الولوغ فيها غير معلوم، أو معلوم العدم؛ لأنّه عبارة عن شرب الكلب من الإناء بأطراف

لسانه بالنحو المعهود، و هو لا يحصل في مثل قارورة ضيّقة الفم جدّاً بحيث لا يمكن إدخال ميل فيه.

نعم، لو فرض تحقّقه كما لو كان رأسها وسيعاً، و عنقها ضيّقاً فالظاهر بقاؤها على النجاسة. و كون تعطيلها حرجاً أو ضرراً قد مرّ الكلام فيه.

و أمّا الثانية: فلأنّ سوق الرواية في إناء يمكن تعفيره، فالدليل منصرف عمّا لا يمكن تعفيره لفقد القابلية، و لهذا اقتصر الفقهاء قديماً و حديثاً على الأواني، مع أنّ مورد النصّ فضل الكلب، و هو صادق فيما إذا ولغ في ثوب اجتمع فيه الماء، كعمامة أو قَلَنْسوة، لكن لمّا لم يكن التعفير و نحوه في الأثواب و نظائرها متعارفاً لدى العرف، بل لم تكن قابلة له عرفاً، لم يفهم من النصّ غير الأواني القابلة له.

فالأقوىٰ في مثل الآنية غير القابلة ذاتاً للتعفير عدم لزومه، و طهارته بغيره؛ أخذاً بإطلاق

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الكلب يشرب من الإناء، قال: «اغسل الإناء» «1»

لقصور صحيحة البقباق «2» عن تقييدها في مثل المورد.

و لو استشكل في إطلاقها أو قيل بوهنها لاستلزام تقييدها بصحيحة البقباق في الأواني الممكنة الغسل، بقاءَ الفرد النادر تحتها، و هو مستهجن حتّى في المطلقات يمكن التمسّك

بموثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 644، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2. و تقدّمت في الصفحة 175.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 190

سئل عن الكوز و الإناء يكون قذراً، كيف يغسل،

و كم مرّة يغسل؟ قال: «يغسل ثلاث مرّات: يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ ذلك الماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه، فقد طهر» «1».

بعد تقييدها بصحيحة البقباق في إناء يمكن تعفيره، و لا يلزم فيه استهجان، كما لا يخفى.

فالأقوىٰ في الموارد التي كانت خارجة عن مصبّ الصحيحة، الغسل ثلاثاً، و الاكتفاء بالواحد غير جائز؛ لما عرفت من الإشكال في إطلاق صحيحة ابن مسلم. بل لقرب احتمال عدم الإطلاق فيها، بل لعلّه مقطوع الخلاف؛ لما يأتي من لزوم غسل الأواني من مطلق النجاسات ثلاث مرّات «2»، مع كون الكلب أنجس من سائر المخلوقات، و كون المتنجّس بولوغه أشدّ رجساً من سائر أجزائه، كما يظهر من الروايات «3».

و منه يظهر: أنّ الاكتفاء بالمرّتين بدعوىٰ: أنّ التعفير ساقط و الغسلتين مطهّرتان بعد سقوطه أخذاً بصحيحة البقباق في المرّتين ضعيف؛ لأنّ مصبّها أنّ الغسلتين مطهّرتان فيما إذا سبقهما التعفير، المؤثّر في تخفيف النجاسة بالقلع و رفع الأثر، و لو لا موثّقة عمّار المتقدّمة لأمكن القول ببقاء تلك الأواني على النجاسة أخذاً بالاستصحاب.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 496، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 53، الحديث 1.

(2) سيأتي في الصفحة 197.

(3) نظير موثّقة ابن أبي يعفور، و صحيحة الفضل أبي العبّاس، تقدّمتا في الصفحة 166 و 175.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 191

الخامس: في سقوط التعفير و العدد عند الغسل بالماء الكثير و الجاري

هل يسقط التعفير بالغسل بالماء الكثير و الجاري و المطر و ما بحكمها و كذا العدد فيكتفىٰ بمرّة واحدة؟ أو يسقط العدد دون التعفير؟ أو يسقط العدد أيضاً؟ وجوه:

قال في «الحدائق»: «المشهور بين الأصحاب

سقوط التعدّد في الغسل إذا وقع الإناء في الماء الكثير، و كذا كلّ نجس يحتاج إلى العدد، إلّا أنّه لا بدّ من تقديم التعفير في إناء الولوغ» «1» انتهىٰ.

و فيما ادعىٰ من الشهرة سيّما في الطبقة المتقدّمة من فقهاء أصحابنا إشكال و منع، بل مقتضىٰ إطلاقهم و إطلاق معاقد الإجماعات المدّعاة «2»، عدم الفرق بين القليل و الكثير و سائر أقسام المياه. و يؤكّد الإطلاق تصريح شيخ الطائفة بلزوم العدد في الكثير «3»، فيظهر منه أنّه أراد بلزوم الغسل بالماء مرّتين مطلقَ المياه، فتمسّكه بالإجماع و صحيحة أبي العبّاس، يكون في الأعمّ من القليل «4».

و كيف كان: الأقوىٰ عدم سقوط التعفير، و كذا العدد:

أمّا الأوّل، فلأنّ المتفاهم من قوله (عليه السّلام): «اغسله بالتراب» أنّ التعفير به لقلع الأثر لا التطهير. و مرسلة الكاهلي في المطر «5» و مرسلة العلّامة في الكثير «6» مع الغضّ عن إرسالهما إنّما تدلّان علىٰ قيام المطر و الكثير مقام

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 489.

(2) تقدّم في الصفحة 173 174.

(3) الخلاف 1: 178 و 179، المبسوط 1: 14.

(4) الخلاف 1: 176.

(5) تقدّم في الصفحة 131.

(6) تقدّم في الصفحة 132.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 192

العدد في المطهّر المعتبر فيه العدد، لا في القالع للأثر؛ لظهورهما في كونهما مطهّرين و قائمين مقام المطهّر لا القالع، و ليس القالع مطهّراً، و لهذا إنّ الأقوىٰ عدم اعتبار الطهارة في التراب؛ لإطلاق الصحيحة «1»، و منع الانصراف إلى الطاهر فيما لا يكون إلّا للقلع الحاصل به مطلقاً «2».

و إن شئت قلت: إنّ الروايتين منصرفتان عن القيام مقامه.

و أمّا القيام مقام العدد، فقد يقال في تقريبه: بأنّه إذا سلّمنا وجود المرّتين في

رواية البقباق، و مقتضى إطلاقها لزومهما حتّى في غير القليل، لكن تقييدها بما إذا كان الغسل بالقليل، أولىٰ في مقام الجمع من تخصيص الخبرين بها؛ فإنّ ظهور المطلق أضعف من ظهور العامّين في العموم بالنسبة إلىٰ مورد الاجتماع.

بل قد يدعى انصراف المطلق في حدّ ذاته إلىٰ إرادة الغسل بالماء القليل؛ لكونه هو الغالب في مكان صدور المطلق «3».

و لا يخفىٰ ما فيه؛ فإنّ الأمر لا يدور بين التخصيص و التقييد حتّى يقال فيه بالترجيح، مع إشكال فيه أيضاً، بل يدور بين التقييدين؛ فإنّ

لقوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «4»

عموماً أفرادياً بالنسبة إلى المتنجّسات، و إطلاقاً لازمه الاكتفاء بمجرّد الرؤية و عدم لزوم العدد، فلو خرج المتنجّس بالولوغ عنه تخصيصاً، يلزم منه عدم مطهّرية المطر له؛ سواء أصابه مرّة أو دفعات، و هو كما ترى. و أمّا لو قيل بلزوم العدد فليس ذلك تخصيصاً للأفراد، بل تقييد لإطلاق الرؤية، كما أنّ لزوم التعفير

______________________________

(1) و هي صحيحة البقباق التي تقدّمت في الصفحة 175.

(2) جواهر الكلام 6: 365.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 661/ السطر 11.

(4) و هي مرسلة الكاهلي التي تقدّمت في الصفحة 131.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 193

أيضاً تقييد؛ لو فرض إطلاقها من هذه الجهة، و غضّ البصر عمّا تقدّم.

فحينئذٍ الأرجح في النظر العرفي تقديم إطلاق الصحيحة علىٰ إطلاق المرسلة؛ لأنّ العرف يرىٰ أنّ للولوغ خصوصية موجبة لشدّة نجاسة الإناء به، بحيث لا يكتفى فيه بالماء فقط، و لا بالمرّة، فلا ينقدح في الأذهان إلّا إخراج الإناء الذي ولغ فيه الكلب من سائر النجاسات؛ لمزيد خصوصية فيه.

و إن شئت قلت: إنّ الأظهر تحكيم الصحيحة على المرسلة.

و أضعف

منه دعوى الانصراف إلى القليل؛ فإنّ مجرّد ذلك لا يوجبه. مع أنّ السائل من الكوفيين، و المجيب يراعي حال السائل و بلده، و هو محلّ وفور الجاري و الكثير.

و ممّا ذكرناه يظهر حال مرسلة العلّامة، مع أنّ فيها ضعفاً غير مجبور. نعم الظاهر كون سند الاولىٰ مجبوراً بالعمل.

المسألة الثانية: في تطهير إناء الخنزير أو الخمر أو ما مات فيه جُرَذ
اختلفوا في إناء شرب منه الخنزير؛

فالشيخ في «الخلاف» ألحقه بولوغ الكلب متمسّكاً بوجهين غير وجيهين «1». و ألحقه المحقّق بسائر النجاسات؛ و اكتفىٰ بمرّة «2».

و حكيت الشهرة بين المتأخّرين علىٰ وجوب السبع «3»؛ أخذاً

بصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن خنزير يشرب من الإناء، كيف

______________________________

(1) الخلاف 1: 186 و 187.

(2) المعتبر 1: 459 460.

(3) الحدائق الناضرة 5: 492، مصباح الفقيه، الطهارة: 661/ السطر 22.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 194

يصنع به؟ قال: «يغسل سبع مرّات» «1».

و قد حملها المحقّق على الاستحباب «2».

قيل: «لقلّة العامل بها» «3» و هو كذلك؛ لأنّ الظاهر من قدماء أصحابنا كالمفيد و السيّد و الشيخ و ابن حمزة و سلّار بل الصدوق و من بعدهم كالحلّي و ابن زهرة عدم وجوب السبع «4»، بل ظاهر «الخلاف» علىٰ عدم وجوب الزيادة على الثلاث في النجاسات سوى الولوغ «5»، و معه لا يبقى وثوق بها مع كونها بمرءى و منظر لهم رواها الكليني و الشيخ، و مع عدم معارض لها، فتقييد موثّقة عمّار الآتية «6» بها مشكل، و طريق الاحتياط واضح.

و أمّا الخمر،

فذهب جملة من الأصحاب إلىٰ وجوب غسل الإناء منها سبعاً «7». و ذهب جمع إلى الثلاث «8»، و هو مقتضى الجمع بين الروايات؛ فإنّ منها: ما تدلّ على السبع،

كموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الإناء

______________________________

(1) هذه ذيل رواية الكليني على ما رواها الشيخ الطوسي في «التهذيب» و الشيخ الحر في «الوسائل» و لكن هذا الذيل غير موجود في النسخ الموجودة لدينا من الكافي.

الكافي 3: 61/ 6، تهذيب الأحكام 1: 261/ 760، وسائل الشيعة 1: 225، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 2، و 3:

417، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 1.

(2) المعتبر 1: 460.

(3) جواهر الكلام 6: 358.

(4) انظر المقنعة: 68، الانتصار: 9، الخلاف 1: 186 و 187، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 80، المراسم: 36، المقنع: 37، السرائر 1: 91 92، غنية النزوع 1: 43.

(5) راجع الخلاف 1: 182.

(6) تأتي في الصفحة 197.

(7) المراسم: 36، الدروس الشرعيّة 1: 125، جامع المقاصد 1: 191.

(8) شرائع الإسلام 1: 48، قواعد الأحكام 1: 9/ السطر 13، كشف الرموز 1: 121.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 195

يشرب فيه النبيذ، قال: «تغسله سبع مرّات، و كذلك الكلب» «4».

و الظاهر إلغاء الخصوصية و فهم حكم الخمر منها، و لهذا استدلّوا بها لها «5».

و منها: ما تدلّ على الثلاث،

كموثّقته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن الدَّنّ يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ، أو ماء كامخ، أو زيتون؟ قال: «إذا غسل فلا بأس».

و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر، أ يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: «إذا غسل فلا بأس».

و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال: «تغسله ثلاث مرّات».

و سأل: أ يجزيه أن يصبّ فيه الماء؟ قال: «لا يجزيه حتّى يدلكه بيده، و يغسله ثلاث مرّات» «1».

فتحمل الاولىٰ على الاستحباب جمعاً، سيّما مع عطف الكلب عليها، و يحمل إطلاق الغسل في الدَّنّ و الإبريق على المقيّد.

لكن هو في المقام لا يخلو من إشكال؛ لقوّة ظهور الصدر في الإطلاق، لمقابلته مع الأمر بالثلاث في القدح و الإناء، و احتمالِ الفرق بين الأواني المستعملة في الشرب و غيرها.

لكنّ الأقوى التقييد؛ لأنّ من المحتمل بل الظاهر أنّ عمّاراً جمع في النقل بين روايات مستقلّة، لا أنّها كانت واحدة،

و معه لا قوّة في الإطلاق.

______________________________

(4) تهذيب الأحكام 9: 116/ 502، وسائل الشيعة 25: 368، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30، الحديث 2.

(5) كشف الرموز 1: 121، جامع المقاصد 1: 191، مدارك الأحكام 2: 396.

(1) الكافي 6: 427/ 1، تهذيب الأحكام 9: 115/ 501، وسائل الشيعة 25: 368، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 196

مع أنّ ذلك التفصيل مخالف لفهم العقلاء، و لهذا لم ينقل من أحد حتّى احتماله.

بل لا يبعد إنكار إطلاق الصدر رأساً؛ لاحتمال أن تكون شبهة السائل عدمَ جواز جعل الخلّ في ظرف الخمر و لو بعد الغسل، فأجاب بجوازه بعده، فلا يكون في مقام بيان كيفية الغسل.

و أمّا ما مات فيه الجُرَذ،

فقد ورد عن عمّار في الموثّقة الغسل سبعاً «1» و مقتضى الجمود هو الأخذ بها مع كونها موثّقة، و لا معارض لها، فيقيّد بها موثّقته الأُخرى الآتية «2» في مطلق القذارات الآمرة بالثلاث.

لكن في النفس وسوسة: و هي أنّ السبع في الكلب و الخمر و الخنزير بعد ما كان محمولًا على الاستحباب، و اكتفي فيها بالثلاث، و كذا في جميع النجاسات، يشكل الالتزام بوجوب السبع من بين جميع النجاسات بميتة الجُرَذ. مع أنّ الكلب بحسب النصّ أنجس من جميع المخلوقات «3»، و ورد في الخمر ما يظهر منه شدّة قذارته «4». مضافاً إلىٰ دعوى الشيخ الإجماع علىٰ طهارة النجاسات سوى الولوغ بالثلاث «5».

______________________________

(1)

عن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتاً، سبع مرّات».

تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 496، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 53، الحديث

1.

(2) تأتي في الصفحة الآتية.

(3) تقدّم في الصفحة 166.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 6 و 7، و 25: 368، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30، الحديث 1 و 2.

(5) الخلاف 1: 182.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 197

و الإنصاف: أنّ حمل الموثّقة على الاستحباب مع ما نرىٰ من حمل نظائرها عليه في الباب أهون من تقييد الموثّقة الآمرة بالثلاث، مع قوّة إطلاقها، كما يظهر بالتأمّل فيها. لكن رفع اليد عن ظاهر الأمر بالسبع مع دعوى اشتهاره «1»، و فتوى جمع من قدماء أصحابنا «2» جرأة على المولى، فالسبع أشبه مع كونه أحوط؛ و إن بقيت الوسوسة في النفس.

إلّا أن يقال أو يحتمل: كون الغسل سبعاً لشي ء آخر غير محض القذارة.

المسألة الثالثة: في لزوم غسل الأواني ثلاث مرّات من سائر النجاسات
اشارة

مقتضىٰ

موثّقة عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) وجوب غسل الأواني من سائر النجاسات ثلاثاً، قال: سئل عن الكوز و الإناء يكون قذراً، كيف يغسل، و كم مرّة يغسل؟

قال: «يغسل ثلاث مرّات: يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ ذلك الماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه، و قد طهر» «3».

و هو المحكي عن أبي عليّ «4» و الشيخ في غير «المبسوط» «5» و الشهيد في

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 191.

(2) المقنع: 34، النهاية: 5 و 6، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 80.

(3) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 496، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 53، الحديث 1.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 197/ السطر 13، المعتبر 1: 461.

(5) الخلاف 1: 182، مصباح المتهجّد: 14،

النهاية: 5، الجمل و العقود، ضمن الرسائل العشر: 171.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 198

«الذكرى» و «الدروس» «1» و الكركي في «جامع المقاصد» و «تعليق النافع» «2» و جعلها في «الشرائع» و محكي «المبسوط» و «النافع» و «الإصباح» أحوط «3».

و اختار في «المعتبر» المرّة، و قال: «و الذي يقوىٰ عندي الاقتصار في اعتبار العدد على الولوغ، و فيما عداه علىٰ إزالة النجاسة، و غسلِ الإناء بعد ذلك مرّة واحدة؛ لحصول الغرض من الإزالة» «4» انتهىٰ.

و تقريب ما ذكره: أنّ النجاسة و الطهارة ليستا من الأُمور المعنوية التي لم يصلها العقول، بل هما من الأُمور الواضحة و المفاهيم الظاهرة عنواناً و مصداقاً، فإذا علم من الشارع لزوم تطهير الأواني أو غيرها، و عدم جواز استعمالها إلّا مع طهارتها، لا يحتاج العقلاء في تحصيل الطهارة إلىٰ بيان من الشارع، كما لا يحتاجون في بيان سائر المصاديق العرفية و العناوين الكذائية إليه.

و احتمال أنّ الطهارة أمر غير ما يدركها العقلاء كاحتمال لزوم الغسل تعبّداً؛ من غير نظر إلى التطهير و إرجاع الشي ء إلىٰ حالته الأصلية ضعيف مخالف لظواهر الأدلّة و فهم العقلاء منها، و لهذا لا ينقدح في ذهن العقلاء من الأمر بغسل الأواني ثلاثاً، إلّا أنّه لغرض تنظيفها، فإذا حصلت النظافة بمرّة إذا بالغ في تنظيفها، فقد حصل الغرض.

و بهذا الوجه يمكن الاستدلال علىٰ جواز الاكتفاء بمرّة في الغسل بماء جارٍ أو كثير؛ إذا حصل الغرض من الغمس فيهما.

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 1: 127، الدروس الشرعيّة 1: 125.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 197/ السطر 14، جامع المقاصد 1: 192.

(3) شرائع الإسلام 1: 48، المبسوط 1: 15، المختصر النافع: 20، إصباح الشيعة، ضمن سلسلة الينابيع

الفقهيّة 2: 425.

(4) المعتبر 1: 461 462.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 199

بل يتسع نطاق البيان إلىٰ جميع أنواع النجاسات، كالبول و الولوغ أيضاً؛ بدعوىٰ عدم إعمال تعبّد من الشرع في باب النجاسات و الطهارات، إلّا بجعل مصداق نجساً، أو سلب النجاسة عن قذر عرفي، فالطهارة أمر واضح يدركه العقلاء، و الأمر بالغسل و الدلك و التعفير و التعدّد لأجل حصولها، من غير إعمال تعبّد في ماهيتها، فإذا علم حصولها و لو بنحو مغاير لما في الأوامر الشرعية التوصّلية تسقط الأوامر؛ لحصول الغرض.

هذا غاية تقريب كلام المحقّق (رحمه اللّٰه).

و به قال العلّامة، و حمل الروايات الآمرة بالعدد على الغالب، لا على المقدّر؛ قال في جملة من كلامه في الخمر:

«و الأقرب عندي عدم اعتبار العدد، بل الواجب الإنقاء، لنا محلّ نجس، فوجب تطهيره بصيرورته إلى الحال الأوّل، و ذلك إنّما يحصل بالنقاء، فيجب الإنقاء. لكنّ الغالب أنّه لا يحصل إلّا مع الثلاث، فيجب لا باعتبار أنّه مقدّر» «1» انتهىٰ، و هو متين.

لكن مع ذلك يشكل الخروج عن مقتضىٰ موثّقة عمّار، سيّما مع ما نرىٰ من إعمال التعبّد في أبواب النجاسات إلىٰ ما شاء اللّٰه، كالاكتفاء في محلّ النجو بالأحجار و نحوها، دون محلّ البول، مع أشدّية قذارة الأوّل عرفاً، و كالاكتفاء بالأرض في تطهير بعض الأُمور خاصّة، مثل تحت الأقدام، و كالاكتفاء بتطهير الشمس في بعض الأُمور؛ أي غير المنقول، و كزوال عين النجاسة في الحيوان الصامت بأيّ نحو كان .. إلىٰ غير ذلك، و معه كيف يمكن دعوى عدم إعمال تعبّد من قِبله من أبوابهما؟! فلا محيص عن الوقوف على المنصوص.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 189/ السطر 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 4، ص: 200

لزوم التعدّد حتّى مع الغسل بالكثير و الجاري و المطر

و عليه لا فرق ظاهراً بين القليل و الكثير و الجاري و المطر؛ لأنّ الظاهر من

موثّقة عمّار أنّه (عليه السّلام) سئل عن كيفية الغسل و عن كمّيته، فأجاب عن الثانية بقوله (عليه السّلام): «يغسل ثلاث مرّات» و عن الاولىٰ بقوله: «يصبّ فيه الماء ..» «1»

إلىٰ آخره. و إطلاق الجواب الأوّل يقتضي عدم الفرق بين القليل و غيره.

و الجملة الثانية لا تكون قرينة علىٰ أنّ المراد بالأُولى الغسل بالقليل؛ لأنّ بيان الكيفية إنّما يحتاج إليه في القليل، دون الكرّ و الجاري؛ فإنّ كيفية غسله فيهما واضحة، و أمّا الغسل بالقليل فلمّا كان في نظر العرف أنّ صبّ الماء في الإناء يوجب تنجيسه، فلا يمكن التطهير به إلّا بنحو يجري الماء من غير أن يجتمع فيه، كان بيانه لازماً و رافعاً للتحيّر، فلا يصير الذيل قرينة على الصدر، و لا مقيّداً له، فتكون الموثّقة مقدّمة علىٰ مرسلة الكاهلي الواردة في المطر، و علىٰ مرسلة العلّامة في الكثير «2»؛ لما مرّ سابقاً من تحكيم مثلها عليهما «3». هذا مع ضعف الثانية بلا جبر.

فالأحوط لو لم يكن أقوى اعتبار التعدّد مطلقاً.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 197.

(2) تقدّمتا في الصفحة 131 و 132.

(3) تقدّم في الصفحة 193.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 201

فائدة استطرادية في أحكام الأواني و الجلود
اشارة

جرت عادتهم باستطراد أحكام الأواني و الجلود في المقام، و فيها مسائل:

المسألة الأُولىٰ: حكم استعمال آنية الذهب و الفضّة
اشارة

لا يجوز الأكل و الشرب و كذا سائر الاستعمالات من آنية الذهب و الفضّة و هو في الجملة ثابت، ادعي عليه الإجماع «1» و عدم الخلاف «2»، و سيأتي الكلام فيه «3».

في التمسّك بالروايات لإثبات حرمة الأكل و الشرب

و تدلّ على الأوّل جملة من الروايات من طرق الناس،

كالمروي عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «لا تشربوا في آنية الذهب و الفضّة، و لا تأكلوا في صحافها، فإنّها لهم في الدنيا، و لكم في الآخرة» «4».

و

عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «نهىٰ عن الشرب في آنية الفضّة» «5».

و

عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «من يشرب في آنية الفضّة في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة» «6».

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 1: 145، مجمع الفائدة و البرهان 1: 362، مدارك الأحكام 2: 379.

(2) كشف الرموز 1: 118، الحدائق الناضرة 5: 504.

(3) سيأتي في الصفحة 208.

(4) صحيح البخاري 7: 144/ 338، صحيح مسلم 4: 300/ 4 و 5.

(5) صحيح البخاري 7: 214/ 540، صحيح مسلم 4: 298/ 3.

(6) صحيح مسلم 4: 298/ 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 202

و

عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «الذي يشرب في آنية الفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم» «1».

و

من طرقنا صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا تأكل من آنية الذهب و الفضّة» «2».

و

صحيحته الأُخرىٰ على الأصحّ «3» عنه (عليه السّلام): «أنّه نهىٰ عن آنية الذهب و الفضّة» «4».

و

رواية داود بن سِرحان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لا تأكل في آنية الذهب و الفضّة» «5».

و

في حديث المناهي قال: «نهىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه

عليه و آله و سلّم) عن الشرب في آنية الذهب و الفضّة» «6».

______________________________

(1) صحيح البخاري 7: 213/ 538، سنن الدارمي 2: 121، صحيح مسلم 4: 297/ 1.

(2) الفقيه 3: 222/ 1031، وسائل الشيعة 3: 508، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 7.

(3) رواها الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم. و ليس في السند من يتأمّل فيه إلّا سهل بن زياد و هو ثقة عند المصنّف (قدّس سرّه) لكثرة رواياته و قدمه الراسخ في جميع أبواب الفقه.

راجع الجزء الأوّل: 78.

(4) الكافي 6: 267/ 4، وسائل الشيعة 3: 506، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 3.

(5) الكافي 6: 267/ 1، وسائل الشيعة 3: 506، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 2.

(6) الفقيه 4: 4/ 1، وسائل الشيعة 3: 508، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 9.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 203

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 203

و

رواية مَسعدة بن صدقة الموثّقة ظاهراً «3» عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السّلام): «أنّ رسول اللّٰه (صلّى الهّٰو عليه و آله و سلّم) نهاهم عن سبع منها: الشرب في آنية الذهب و الفضّة» «4».

لكن بإزائها روايات ربّما يكون مقتضى الجمع العقلائي بينها و بين الاولىٰ، الحكم على الكراهة لولا الجهات الخارجيّة،

كموثّقة سَماعة بن مِهران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لا ينبغي الشرب في آنية الذهب

و الفضّة» «5».

و

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أنّه كره آنية الذهب و الفضّة و الآنية المفضّضة» «1».

و ظاهرها أنّ الكراهة في الفضّة و المفضّضة سواء، فتكون الكراهة ظاهرة في الاصطلاحية.

و لو قيل: إنّ الكراهة لأصل الآنية، لا تنافي حرمة الشرب منها.

يقال: الظاهر أنّ المراد من كراهتهما كراهة الأكل و الشرب، كما تشهد به

روايته الأُخرىٰ عنه (عليه السّلام) قال: «لا تأكل في آنية من فضّة، و لا آنية مفضّضة» «2».

______________________________

(3) راجع تنقيح المقال 3: 212/ السطر 5 (أبواب الميم).

(4) قرب الإسناد: 71/ 228، وسائل الشيعة 3: 508، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 11.

(5) الكافي 6: 385/ 3، الفقيه 3: 222/ 1030، وسائل الشيعة 3: 507، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 5.

(1) المحاسن: 582/ 61، وسائل الشيعة 3: 508، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 10.

(2) الكافي 6: 267/ 3، وسائل الشيعة 3: 509، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 66، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 204

و لعلّ الرواية الأُولىٰ نقل بالمعنى للثانية، و إنّما فهم الحلبي من النهي الكراهة بقرينة ذكر المفضّضة. و هو جيّد؛ لأنّ الظاهر من الثاني أنّ المفضّضة كالفضّة، فإذا ضمّ إليها

صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض، و اعزل فمك عن موضع الفضّة» «1»

يستفاد منها الكراهة. و كون الاولى في الأكل و الثانية في الشرب، لا يقدح في ذلك؛ لإلغاء الخصوصية عرفاً، و عدم الفصل جزماً.

و

موثّقة بُرَيد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أنّه كره الشرب في الفضّة، و في القدح المفضّض،

و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض، و المشطة كذلك» «2».

و هي ظاهرة الدلالة في الكراهة الاصطلاحية بعد عطف «المفضّض» و «المشطة» عليها.

و

صحيحة ابن بَزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن آنية الذهب و الفضّة فكرههما، فقلت: قد روىٰ بعض أصحابنا: أنّه كان لأبي الحسن (عليه السّلام) مرآة ملبّسة فضّة، قال: «لا و الحمد للّٰه، و إنّما كانت لها حلقة من فضّة ..» إلىٰ أن قال: «نحواً من عشرة دراهم، فأمر به أبو الحسن (عليه السّلام) فكسر» «3».

و هي أيضاً بلحاظ ذيلها و نحو تعبيرها ظاهرة في الكراهة مقابل الحرمة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 91/ 392، وسائل الشيعة 3: 510، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 66، الحديث 5.

(2) الكافي 6: 267/ 5، وسائل الشيعة 3: 509، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 66، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 267/ 2، وسائل الشيعة 3: 505، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 205

و

رواية موسى بن بكر، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: «آنية الذهب و الفضّة متاع الذين لا يوقنون» «1».

و هي أيضاً مشعرة بالكراهة، أو ظاهرة فيها.

و الإنصاف: أنّ الجمع بين الطائفتين من أهون التصرّفات العقلائية. نعم لو كانت الروايات التي من طرقهم معتبرة عندنا، كان الجمع بينهما مشكلًا، لكنّها غير معوّل عليها. هذا حال الأكل و الشرب.

بيان حكم سائر الاستعمالات على ضوء الأخبار

و منه يظهر حال سائر الاستعمالات، فإنّ ما يمكن الاستشهاد بها علىٰ حرمة سائرها، ليست إلّا صحيحة محمّد بن مسلم الثانية «2»، لكن لمّا لا يمكن أن يتعلّق النهي بماهية آنية الذهب و الفضّة، لا بدّ و أن يتعلّق بمحذوف، كالأكل و الشرب، أو الاستعمال، أو

الاقتناء.

و ليس المقام ممّا يقال فيه: «إنّ حذف المتعلّق دليل العموم» لأنّ محمّد بن مسلم حكىٰ أنّه (عليه السّلام) نهىٰ عنها، و لم يحكِ نحو النهي الذي في كلامه، و لا متعلّقه، و المتيقّن بل الظاهر هو النهي عن الأكل و الشرب، لا كلّ شي ء، كما تشهد به سائر الروايات.

و قياس المورد

بقوله (عليه السّلام): «نهى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الغرر» «3»

حيث يستفاد

______________________________

(1) المحاسن: 582/ 62، الكافي 6: 268/ 7، وسائل الشيعة 3: 507، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 4.

(2) تقدّمت في الصفحة 202.

(3) الخلاف 3: 319.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 206

منه الغرر في كلّ معاملة، مع الفارق؛ لأنّ «الغرر» مصدر يمكن تعلّق النهي به، دون آنية الذهب.

بل الظاهر أنّ هذه الرواية نقل بالمعنى

لروايته الأُخرىٰ عنه (عليه السّلام) قال: «لا تأكل من آنية الذهب و الفضّة» «1».

و بالجملة: لو سمع ابن مسلم من أبي جعفر (عليه السّلام) هذا النهي، يجوز له أن يقول: «نهىٰ أبو جعفر (عليه السّلام) عن آنية الذهب و الفضّة».

و توهّم: أنّ الصادر عن أبي جعفر (عليه السّلام) بتوسّط ابن مسلم روايتان: إحداهما منقولة بلفظها، و الأُخرى بمعناها، و لا بدّ أن يكون النهي عن عنوان عامّ حتّى يصحّ له أن يحكي عنه (عليه السّلام) بقوله: «نهىٰ عن الآنية» كما ترى.

و الحاصل: أنّه لا يمكن إثبات نهي عن مطلق الاستعمال بحكايته النهي عن الآنية، مع صحّة الحكاية إن لم يصدر عن أبي جعفر (عليه السّلام) إلّا روايته الأُخرى المتقدّمة.

و أمّا سائر الروايات التي يمكن استفادة حكم مطلق الاستعمال منها، فظاهرة في الكراهة، كرواية موسى بن بكر، و صحيحة

ابن بَزيع و صحيحة الحلبي مع إشكال فيها تقدّم ذكره: و هو أنّها عين صحيحته الأُخرىٰ منقولة بالمعنى و

رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن المرآة، هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة من فضّة؟ قال: «نعم؛ إنّما يكره استعمال ما يشرب فيه» «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 202.

(2) مسائل عليّ بن جعفر: 299/ 756، المحاسن: 583/ 69، وسائل الشيعة 3: 511، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 67، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 207

بناءً علىٰ أنّ المراد كراهة مطلق استعمال إناء يشرب فيه؛ أي يكون معدّاً للشرب. و هذه أيضاً ظاهرة الدلالة على الكراهة المصطلحة. بل لو فرض ظهور في صحيحة ابن مسلم في حرمة مطلق الاستعمال، تكون هذه الرواية حاكمة عليها موجبة لصرفها عنه.

فتحصّل ممّا ذكر: عدم دليل لفظي علىٰ حرمة استعمال الأواني بنحو الإطلاق، و لا الأكل و الشرب منها.

حكم الاستعمالات غير المتعارفة و التزيين و الاقتناء

ثمّ لو فرض دلالة الأدلّة علىٰ حرمة الأكل و الشرب و كذا حرمة الاستعمال، هل تنصرف إلىٰ حرمة الشرب و الأكل في آنية يتعارف الأكل و الشرب منها، و كذا تنصرف إلى الأكل و الشرب المتعارفين، أو تعمّ غير المتعارفين في البابين؟

وجهان، لا يبعد القول بالتعميم؛ لأجل ارتكاز العقلاء علىٰ عدم دخالة كيفية الأكل و الشرب، و لا تعارف الإناء فيهما.

نعم، الظاهر أنّ استعمال الإناء منصرف إلى استعمال يكون من شأن الأواني، لا مثل قتل الحية و دقّ الباب بها، فلو ورد دليل علىٰ أنّ استعمال الأواني محرّم-

كمرسلة «الخلاف»: روي عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «أنّه نهىٰ عن استعمال أواني الذهب و الفضّة» «1»

لا يعمّ إلّا

ما يكون الاستعمال نحو استعمال الأواني.

و لو استعمل ما للشرب في الأكل أو بالعكس، أو استعمل ما ليس لهما

______________________________

(1) الخلاف 1: 70، مستدرك الوسائل 2: 598، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 208

فيهما، فشرب من القنديل و غلاف السيف، يكون محرّماً علىٰ إشكال في مثل الأخير دون ما لو استعمل الإناء فيما لا يكون شأن الأواني بما هي، كاستعمالها في ضرب الدابّة، و وضعها و الجلوس عليها.

كما أنّ الظاهر عدم التعميم لمثل الوضع على الرفوف للتزيين، إلّا ما كان نحو استعمالها كذلك؛ بناءً علىٰ عموم حرمة الاستعمال.

و أولى بعدم الحرمة اقتناؤها. نعم لو استفيد من صحيحة ابن بَزيع «1» الحرمة، لا يبعد أن يقال: إنّها متعلّقة بذات الآنية، فيكون وجودها مبغوضاً لا يجوز اقتناؤها، بل يجب كسرها، كما أمر أبو الحسن (عليه السّلام) بكسر قضيب ملبّس بالفضّة علىٰ ما فيها لكنّها ظاهرة في الكراهة، أو غير دالّة على الحرمة.

كما أنّه لو فرض استفادة الحرمة من

قوله (عليه السّلام): «آنية الذهب و الفضّة متاع الذين لا يوقنون» «2»

يكون دالّاً علىٰ حرمة مطلق الانتفاع و التمتّع بها ممّا هو من شأن الأواني. نعم لا يشمل مثل الاقتناء، فإنّه تعطيل عن الانتفاع، لا انتفاع بها.

هذا كلّه حال الأدلّة اللفظية، و قد عرفت عدم نهوضها لإثبات حرمة الأكل و الشرب، فضلًا عن سائر الاستعمالات.

في التمسّك بالإجماع على حرمة الأكل و الشرب و سائر الاستعمالات

نعم، قد تكرّر و استفاض نقل الإجماع من عصر العلّامة إلىٰ عصرنا علىٰ حرمة الأكل و الشرب في جملة من الكتب «3»، و عن «الذكرى»

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 204.

(2) تقدّم في الصفحة 205.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 225، الحبل المتين: 128/ السطر 6،

جواهر الكلام 6: 328.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 209

و «المجمع» للأردبيلي و «المدارك» و غيرها علىٰ حرمة سائر الاستعمالات أيضاً «1»، و عن «كشف الرموز»: «لا خلاف فيه» «2» و نسبه في محكي «الكفاية» إلى المشهور «3».

و عن الصدوق و المفيد و سلّار و الشيخ في «النهاية» الاقتصار على الأكل و الشرب «4»، و عن «المدارك» و «الكفاية»: «أنّ تحريم اتخاذها لغير الاستعمال هو المشهور» «5» و عن «المجمع»: «هو مذهب الأكثر» «6» و هو المحكي عن الشيخ و المحقّق و اليوسفي و العلّامة و الفخر و الكركي و ظاهر الشهيد «7».

و عن الحلّي و العلّامة في «المختلف» تقريب الجواز «8»، و عن «المدارك» استحسانه «9»، و عن شيخه الأردبيلي الميل إليه «10».

هذا، و الذي يوجب وسوسة في النفس أمران

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 1: 145، مجمع الفائدة و البرهان 1: 362، مدارك الأحكام 2: 379، رياض المسائل 2: 419.

(2) كشف الرموز 1: 118.

(3) كفاية الأحكام: 14/ السطر 38.

(4) الفقيه 3: 222/ 1030 و 1031، المقنع: 424، المقنعة: 584، المراسم: 210، النهاية: 589.

(5) مدارك الأحكام 2: 380، كفاية الأحكام: 14/ السطر الأخير.

(6) مجمع الفائدة و البرهان 1: 363.

(7) المبسوط 1: 13، المعتبر 1: 456، كشف الرموز 1: 119، نهاية الإحكام 1: 297، إيضاح الفوائد 1: 32، جامع المقاصد 1: 188، ذكرى الشيعة 1: 145.

(8) انظر مفتاح الكرامة 1: 193/ السطر 28، السرائر 3: 123، مختلف الشيعة 1: 336.

(9) مدارك الأحكام 2: 380.

(10) مجمع الفائدة و البرهان 1: 363 364.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 210

أحدهما: احتمال تخلّل الاجتهاد في الحكم؛ و أنّ الفقهاء إنّما أفتوا بالحرمة في

الأكل و الشرب و سائر الاستعمالات اتكالًا على الروايات، سيّما مع استدلال الشيخ و المفيد، و من بعدهما كالمحقّق و العلّامة، و أمثالهما من عُمَد أصحاب الفتوى و أئمّة الفنّ، بها.

و معه كيف يمكن القطع بأنّ عندهم غير تلك الروايات أمراً آخر، و يكون الحكم معروفاً من لدن زمن الأئمّة (عليهم السّلام) و إنّما ذكروا الروايات إيراداً، لا استناداً و اعتماداً، أو أعرضوا عن الروايات الحاكمة عليها، لا رجّحوا مفاد ما دلّت على التحريم عليها بالتقريبات التي ذكرها المتأخّرون؟! و الحاصل: أنّه مع الظنّ الراجح على استنادهم إلى الروايات، كيف يمكن القطع بكشف الإجماع عن الدليل المعتبر غيرها، أو عن أخذهم الحكم خلفاً عن سلف من غير تخلّل اجتهاد؟! و ثانيهما: عبارة الشيخ في «الخلاف» قال في (مسألة: 15) من كتاب الطهارة: يكره استعمال أواني الذهب و الفضّة، و كذلك المفضّض منها.

و قال الشافعي: «لا يجوز استعمال أواني الذهب و الفضّة» «1» و به قال أبو حنيفة في الشرب و الأكل و التطيّب علىٰ كلّ حال «2».

و قال الشافعي: «يكره المفضّض» «3» و قال أبو حنيفة: «لا يكره» «4» و هو مذهب داود «5».

______________________________

(1) المغني، ابن قدامة 1: 62/ السطر 15، المجموع 1: 246/ السطر 20.

(2) بدائع الصنائع 5: 132.

(3) المجموع 1: 258/ السطر 6.

(4) المغني، ابن قدامة 1: 64/ السطر 11، المجموع 1: 261/ السطر 5.

(5) المجموع 1: 249/ السطر 10، و: 250/ السطر 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 211

دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضاً

روى الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «لا تأكل في آنية من فضّة، و لا في آنية مفضّضة» «1».

و

روى ابن محبوب، عن العلاء

بن رَزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام): «أنّه نهىٰ عن آنية الذهب و الفضّة» «2».

و

روي عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «أنّه نهىٰ عن استعمال أواني الذهب و الفضّة» «3»

انتهىٰ.

و هذه كما ترى ظاهرةٌ في الكراهة المصطلحة، غيرُ ممكن التأويل بغيرها من وجوه؛ و إن كان مقتضىٰ تمسّكه بالروايات الظاهرة في الحرمة أن يكون مدعاه التحريم، لكن نصوصية الصدر حاكمة على الذيل، سيّما مع أنّ رواية الحلبي محمولة على الكراهة بقرينة عطف «المفضّضة» علىٰ «آنية الفضّة» و النصّ قائم علىٰ عدم البأس بها؛ و هو صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان المتقدّمة «4».

و لعلّ استناد الشيخ إليها للكراهة كذلك، كما أنّ

الحلبي الناقل لها عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في موضع آخر: «إنّه كره آنية الذهب و الفضّة، و الآنية المفضّضة» «5».

______________________________

(1) الكافي 6: 267/ 3، وسائل الشيعة 3: 509، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 66، الحديث 1.

(2) الكافي 6: 267/ 4، وسائل الشيعة 3: 506، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 3.

(3) الخلاف 1: 69.

(4) تقدّمت في الصفحة 204.

(5) المحاسن: 582/ 61، وسائل الشيعة 3: 508، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 212

و أمّا فتواه في زكاة «الخلاف» بحرمة الاتخاذ و الاستعمال «1» مستدلّاً بالنبويين المتقدّمين «2»، و كذا فتواه في «النهاية» بحرمة الأكل و الشرب «3»، فلا يصيران قرينة علىٰ أنّ مراده في المقام الحرمة، أو الجامع بينهما و بين الكراهة؛ فإنّ التصرّف في عبارة «الخلاف» كطرح النصّ، لا تأويل الظاهر أو المجمل.

نعم، لأحد أن يقول بتصحيف نسخة «الخلاف» و هو كما

ترى.

فإذا كان الأمر كذلك، و المسألة علىٰ هذه المنوال، كيف يمكن الاتكال علىٰ دعوى إجماع العلّامة و من تأخّر عنه، سيّما في مطلق الاستعمال. مع أنّ جمعاً من المتقدّمين اقتصروا على الأكل و الشرب، كما تقدّم؟! فالمسألة قوية الإشكال.

و لكن الخروج عن الإجماعات المنقولة في الأكل و الشرب و الاستعمالات المتعارفة المتيقّنة أشكل؛ للوهن الحاصل منها في الروايات المقابلة للنواهي الواردة عن الأكل و الشرب، أو حصول الوثوق بأنّ المراد من «الكراهة» في الروايات غير معناها الاصطلاحي.

المختار في المقام

و علىٰ أيّ حال: غاية ما يمكن الاتكال عليها في ذاك و ذلك، هي حرمة الأكل و الشرب و الاستعمالات المتعارفة، دون غير المتعارفة، أو غير المتوقّعة

______________________________

(1) الخلاف 2: 90.

(2) و هما: «نهىٰ عن الشرب في آنية الفضّة» و «نهىٰ عن استعمال أواني الذهب و الفضّة» تقدّمتا في الصفحة 201 و 207.

(3) النهاية: 589.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 213

من الأواني، و لا سيّما الثانية، فضلًا عمّا لا يكون استعمالًا أو شكّ فيه، كالوضع على الرفوف للتزيين و الاقتناء و نحوهما.

فالأقوىٰ حلّية غير الأكل و الشرب و الاستعمالات المتوقّعة من الأواني؛ و إن لا يخلو عن تأمّل فيما لا يتعارف فيها، كالشرب من غلاف السيف لو قلنا: بأنّه آنية، أو جعل الكوز و الكأس محلّا للمداد لأجل الكتابة و نظائرها.

عدم حرمة الأكل و الشرب من الآنية المفضّضة

و قد ظهر من بعض ما تقدّم عدم حرمة المفضّض. و هل يحرم الشرب من موضع الفضّة، أو يكره؟

ظاهر ذيل صحيحة ابن سِنان المتقدّمة «1» الأوّل، و به قال جملة من الأصحاب قديماً و حديثاً «2»، بل عن «الكفاية» نقل الشهرة عليه «3»، و في «المدارك» نسبته إلىٰ عامّة المتأخّرين «4».

و اختار المحقّق في «المعتبر» الاستحباب «5»، و استحسنه صاحب «المدارك» «6»، لإطلاق

صحيحة معاوية بن وهب قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 204.

(2) المبسوط 1: 13، المهذّب 1: 28، الجامع للشرائع: 391، جامع المقاصد 1: 188 189، رياض المسائل 2: 422، جواهر الكلام 6: 341.

(3) كفاية الأحكام: 15/ السطر 6.

(4) مدارك الأحكام 2: 383.

(5) المعتبر 1: 455.

(6) مدارك الأحكام 2: 383.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 214

الشرب في القدح فيه

ضَبّة من فضّة، قال: «لا بأس، إلّا أن يكره الفضّة فينزعها» «1».

و مقتضى الجمود علىٰ قواعد الفنّ و إن كان تقييد هذا الإطلاق، لكن لا يبعد أقربية حمل الصحيحة على استحباب العزل أو كراهة الشرب من المحلّ منها؛ لقوّة الإطلاق، سيّما إذا كانت «الضبّة» بمعنى الشعَب التي يزيّن بها الإناء، فإنّ الابتلاء بها في الشرب كثير، فعدم النهي عنها و التذييل بقوله (عليه السّلام): «إلّا أن يكره الفضّة فينزعها» و المناسبات المغروسة في الذهن، ربّما توجب ترجيح الحمل على الكراهة على التقييد.

لكن مع ذلك رفع اليد عن ظهور الصحيحة مشكل.

فالأحوط العزل، كما أنّ الأحوط إلحاق المذهّب بالمفضّض، بل لا يخلو من قوّة.

______________________________

(1) المحاسن: 582/ 65، تهذيب الأحكام 9: 91/ 391، وسائل الشيعة 3: 509، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 66، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 215

المسألة الثانية في الاحتمالات المتصوّرة في موضوع الحرمة

يحتمل بحسب التصوّر حرمة «الأكل» و «الشرب» من الآنيتين، و كذا سائر العناوين التي نظيرهما في استلزام الاستعمال، ك «الوضوء» و «التدهين» و «التطيّب» و «التدخين» و هكذا؛ بمعنى أنّ المنهي عنه ذات تلك العناوين، فكلّ منها محرّم بعنوانه.

و يحتمل حرمة عنوان «استعمالهما» سواء كان في الأكل أو الشرب أو غيرهما من المقاصد؛ بحيث يكون نفس الاستعمال بما هو محرّماً، لا العناوين المتقدّمة.

و يحتمل أن يكون الأكل و الشرب بعنوانهما محرّماً دون سائر العناوين، بل هي بعنوان الاستعمال محرّمة.

ظاهر شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة «1» عن موضعين من «الخلاف» ثاني الاحتمالات.

و هو ظاهر المحقّق في «المعتبر» «2» و «النافع» «3» حيث قال في الأوّل: «لا يجوز استعمال أواني الذهب و الفضّة في الأكل و الشرب و غيرهما» و الظاهر منه حرمة نفس الاستعمال،

لا عنوان «الشرب» و «الأكل» و هكذا.

و يشهد له ما قال بعد ذلك: «لا يحرم المأكول و المشروب فيهما و إن كان

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 210 211، 212.

(2) المعتبر 1: 454 و 456.

(3) المختصر النافع: 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 216

الاستعمال محرّماً؛ لأنّ النهي عن الاستعمال لا يتناول المستعمل».

و يؤيّده ما قال في ردّ من قال ببطلان الوضوء من آنية الذهب و الفضّة: «لنا: أنّ انتزاع الماء ليس جزءً من الطهارة، بل لا يحصل الشروع فيها إلّا بعده» انتهىٰ، تأمّل تعرف.

بل لا يبعد رجوع عبارة «الشرائع» إليه، قال: «لا يجوز الأكل و الشرب في آنية من ذهب أو فضّة، و لا استعمالها في غير ذلك» «1».

بأن يقال: إنّ الأكل و الشرب المذكورين، مثال لأنحاء الاستعمال المذكور في الذيل، فكأنّه قال: «لا يجوز استعمالها في الأكل و الشرب و غير ذلك» سيّما مع قرينيّة ما في «المعتبر» و «النافع» عليه.

و هو ظاهر «القواعد» «2» و «التذكرة» «3» قال في الثاني: «و يحرم استعمال المتخذ من الذهب و الفضّة في أكل و شرب و غيرهما عند علمائنا أجمع».

ثمّ قال:

«فروع: الأوّل: لا فرق في تحريم الاستعمال بين الأكل و الشرب و غيرهما، كالبخور و الاكتحال منه، و الطهارة و شبهه، و جميع وجوه الاستعمال؛ لأنّ في تحريم الأكل و الشرب تنبيهاً علىٰ منع غيرهما» انتهىٰ.

فيظهر منه البناء علىٰ إلغاء الخصوصية من الأكل و الشرب الواردين في النصوص.

و لو لا ذهابه إلىٰ صحّة الوضوء و الغسل في آنيتهما «4»، و استدلاله بما

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 47.

(2) قواعد الأحكام 1: 9/ السطر 7.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 225 و 226.

(4) تذكرة الفقهاء 2: 227

228.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 217

استدلّ به المحقّق، لكان المحتمل في عبارته أنّ مراده من سائر الاستعمالات- غير الأكل و الشرب عناوين أُخر نظيرهما ك «الوضوء» و «الغسل» حتّى يكون موافقاً للاحتمال الأوّل من الاحتمالات المتقدّمة.

لكنّ ما ذكره أخيراً كالنصّ في أنّ النهي لم يتعلّق بالعناوين، فيكون قرينة علىٰ أنّ مراده من كون الأكل و الشرب تنبيهاً علىٰ منع غيرهما، أنّهما مثال لمطلق الاستعمال، فهو محرّم منطبق علىٰ سائر العناوين، و هو قرينة علىٰ ما في «المنتهىٰ» «1».

و كيف كان: ظاهرهم حرمة الاستعمال و التناول، كما نسب إلى المشهور «2».

و ما ذكروه هو الأقرب؛ لأنّ مقتضى الجمود علىٰ ظاهر النواهي المتعلّقة بعنوان «الأكل» و «الشرب» و إن كان موضوعيتهما؛ و أنّ المحرّم نفس عنوانهما، لا الاستعمالات التي هي مقدّمات لهما، فلا بدّ من الاقتصار عليهما لولا دليل آخر، لكن بعد ثبوت حرمة مطلق الاستعمالات إمّا للإجماع «3» أو بعض الأدلّة المتقدّمة «4» و بعد كون الشرب و الأكل فيها نحو استعمال لها عرفاً، لا يبقى ظهور في موضوعية العنوانين.

أ لا ترى أنّه لو ورد دليل بعدم جواز استعمال الأواني مطلقاً، ثمّ ورد النهي عن الاغتراف منها، لا ينقدح في الذهن إلّا أنّ النهي عنه لكونه استعمالًا، لا لخصوصية في عنوانه!!

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 185/ السطر الأخير.

(2) كفاية الأحكام: 14/ السطر 38.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 208 209.

(4) تقدّمت في الصفحة 205 207.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 218

و إن شئت قلت: إنّ ملازمةَ الأكل و الشرب للاستعمال، و كونَهما من الأفراد الشائعة في استعمال الأواني، و بُعدَ حرمة العنوانين مستقلا في مقابل الاستعمال المطلق، و

بُعدَ كون الشرب من الآنية محرّماً من حيث الشرب و من حيث الاستعمال، فيكون وضع الفم على الآنية و جذب الماء منها محرّماً، و بلعه و ازدراده محرّماً آخر، و بُعدَ عدم حرمة التناول و الاستعمال في الأكل و الشرب، فيكون المحرّم مطلق الاستعمالات إلّا ما كانت مقدّمة لهما، توجب رفع اليد عن موضوعية عنوان «الأكل» و «الشرب».

بل بعد التنبيه علىٰ تلك المقدّمات، لا ينقدح في الذهن من قوله: «لا تأكل من آنية الذهب و الفضّة» إلّا ما يفهم من قوله: «لا تحجّ على الدابّة المغصوبة» و قوله: «لا ترتفع على السطح بالسلَّم المغصوب» حيث يرى العرف أنّ المبغوض هو التصرّف في المال المغصوب، لا الحجّ أو الكون على السطح.

نعم، لو لم يكن في المقام إلّا قوله: «لا تشرب من آنية الذهب» أو «لا تأكل منها» كان الظاهر حرمة عنوانهما، بخلاف باب الغصب في المثالين؛ للقرينة العرفية فيهما، لكن بعد ما ذكرناه من الشواهد، لا يبقى مجال لدعوى الظهور في حرمة نفس العنوانين «1»، بل المستفاد عرفاً منه أنّ المحرّم هو الاستعمال مطلقاً، و لهذا ترى أنّ الشيخ قد استدلّ علىٰ حرمة مطلق الاستعمالات بالروايات الناهية عن الأكل و الشرب «2»، و كذا المحقّق «3»، بعد الوثوق بأنّ استدلالهما بروايات الناس ليس استناداً و اعتماداً، بل جدلًا في مقابلهم.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 649/ السطر 22.

(2) الخلاف 1: 69، و 2: 90.

(3) المعتبر 1: 455.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 219

المسألة الثالثة في عدم سراية الحرمة إلى المأكول و المشروب

لو فرضنا حرمة العنوانين، فهل تسري إلى المأكول و المشروب؟

فعن المفيد: نعم «1». و عن «الذكرى»: «و هو يلوح من كلام أبي الصلاح» «2».

و ردّه المحقّق: «بأنّ النهي عن الاستعمال لا

يتناول المستعمل» «3» و هو موافق للتحقيق و لو كان المراد من الاستعمال عنوان «الشرب» و «الأكل» لأنّ ما تعلّق به النهي هو الشرب من الآنية من غير لحاظ إضافته إلىٰ مشروب أصلًا، و لزوم التعلّق بمشروب ما محقّق عنوان «الشرب» لا جزء موضوع المحرّم.

و إن شئت قلت: إنّ هاهنا عناوين يمكن بحسب الثبوت أن يتعلّق النهي بكلّ منها:

الأوّل: «الشرب» المطلق، مقابل الأكل و المشي و نحوهما، فيكون المبغوض أصل الشرب، لا الشرب المتعلّق بمائع؛ و إن كان في تحقّقه يتوقّف علىٰ متعلّق ما، لكنّه خارج عن الموضوع المنهي عنه.

الثاني: «شرب الخمر» مقابل شرب الماء، فيكون المنهي عنه شرب هذا العنوان الخاصّ، و هو بذاته مبغوض.

______________________________

(1) لم نعثر عليه في المقنعة، انظر ذكرى الشيعة 1: 148، المقنعة: 584.

(2) ذكرى الشيعة 1: 148، الكافي في الفقه: 278.

(3) المعتبر 1: 456.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 220

و منه شرب المتنجّس أو أكل لحم الموطوء، فإنّ النهي إذا تعلّق بالعنوان الخاصّ كشرب المتنجّس يكون بذاته مبغوضاً، نعم إذا تعلّق بمائع إذا تنجّس يكون المائع مبغوضاً بالعرض.

و الثالث: «شرب المائع» مطلقاً، و الفرق بينه و بين الأوّل: بأنّ المائع هاهنا أُخذ جزء الموضوع بخلافه هناك.

و الرابع: «شرب الخمر من آنية كذائية» أو «في مكان كذا» بحيث يكون عنوان «الخمر» جزء الموضوع، و الإضافة إلى الآنية أو المكان جزءً آخر له.

و الخامس: «شرب المائع المطلق من آنية كذائية» أو «مكان كذا».

و السادس: «الشرب في آنية» أو «من آنية كذائية» بحيث تكون نفس طبيعة الشرب بلا تعلّق بمتعلّق إذا كانت من آنية كذائية أو فيها مبغوضةً، فيكون الشرب في آنية كذائية متعلّق النهي، فيكون الشرب المطلق من

حيث المتعلّق جزءً من الموضوع، و الإضافة إلى الآنية جزءً آخر منه، فالمتعلّق في هذه الصورة محتاج إليه في وجوده من غير أن يكون مقوّماً للموضوع المنهي عنه.

و المقام من قبيل الأخير؛ فإنّ قوله: «لا تشرب في آنية الذهب و الفضّة، و لا تأكل فيها» يكون من حيث المتعلّق ساقط الإضافة، فلا يكون المائع بنحو الإطلاق و لا العناوين الخاصّة كالماء و اللبن جزءً للموضوع المنهي عنه، و لا متعلّقاً للنهي، و لا مبغوضاً.

و هذا مرادنا من أنّ النهي عن الشرب لا يتناول المشروب، و لعلّه مراد المحقّق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 221

أيضاً و إن استظهرنا من كلامه: أنّ المحرّم هو الاستعمال و التناول من الآنيتين «1».

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال للسراية

بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «الذي يشرب في آنية الذهب و الفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم» «2»

فإنّ ظاهره أنّ نفس الشرب منها يوجب الجرجرة، لا المشروب. بل المناسب للجرجرة هو الشرب؛ لأنّه سببها، لا المشروب.

و كيف كان: يتضح ممّا ذكرناه ضعف توجيه صاحب «الحدائق» كلام المفيد: «بأنّ المأكول صار حراماً بالعرض، و يرجع النهي ثانياً و بالعرض إلى المأكول، فيكون حراماً متى أكل بهذه الكيفية، و ظاهر النصوص يساعده» «3» انتهىٰ.

أقول: بل لا يساعده شي ء من النصوص؛ فإنّ النهي فيها إنّما تعلّق بالشرب من الآنية، لا بالمشروب.

و أضعف منه تنظيره بما أُخذ من الحقّ الشرعي بحكم حاكم الجور؛ لوضوح الفارق فإنّ الدليل هناك و هو مقبولة عمر بن حنظلة «4» دالّ علىٰ أنّ ما أخذه بحكمه سُحت، فالحرمة تعلّقت بما أخذ، بخلاف المقام، فإنّ النهي لم يتعلّق بما شرب.

______________________________

(1) تقدّم في

الصفحة 215.

(2) سنن الدارمي 2: 121، صحيح مسلم 4: 297/ 1.

(3) الحدائق الناضرة 5: 508.

(4) الكافي 1: 67/ 10، و 7: 412/ 5، تهذيب الأحكام 6: 218/ 514، و: 301/ 845، وسائل الشيعة 27: 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 222

و يتلوه في الضعف قول بعض أهل النظر: «بأنّ أضافه الحرمة إلى الذوات، إنّما هي بلحاظ الفعل المتعلّق بها، فالمراد بحرمة المأكول ما دام في الآنية، ليس إلّا حرمة أكله فيها، فالاعتراض عليه: بأنّ النهي عن الأكل لا يتعدّى إلى المأكول، ليس علىٰ ما ينبغي».

ثمّ ذكر المناقشة التي أوردوها في الاستدلال بحديث الجرجرة، و أجاب عنها: «بأنّ المتبادر منه كون الشرب بنفسه سبباً لجرجرة النار في البطن، لا مقدّمته التي هي أجنبية عن البطن، فالمتبادر إلى الذهن من التشبيه، ليس إلّا حرمة المأكول التي مآلها إلىٰ حرمة الأكل، كما أنّ هذا هو المتبادر من الأخبار الناهية، فهذا هو الأقوىٰ» «1» انتهىٰ.

و أنت خبير بما فيه؛ فإنّ المراد من عدم حرمة المأكول، ليس عدم حرمة الذات بما هي، حتّى يقال: إنّ الذات لا يتعلّق بها النهي إلّا بلحاظ الفعل، بل المراد أنّ المنهي عنه هو الاستعمال، أو الشرب و الأكل من الآنية أو فيها، لا شرب المائع فيها، أو شرب الماء و اللبن و سائر العناوين، فلا تسري الحرمة من الشرب إلىٰ متعلّقه؛ أي الماء، فلا يكون شرب الماء من الآنية حراماً، بل الشرب منها حرام بلا إضافة إلىٰ متعلّق، و إنّما هو دخيل في تحقّق عنوان المحرّم، لا جزء لموضوعه.

فالمفيد (رحمه اللّٰه) قائل: بأنّ المأكول حرام كحرمة الخمر، أو حرمة المال الذي

أُخذ بحكم حاكم الجور، أو حرمة لحم الموطوء، أو العين المنذور عدم أكلها، و كلّ ذلك يرجع إلىٰ حرمة أكل هذه العناوين ذاتاً أو عرضاً

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 649/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 223

بالمعنى الذي أشرنا إليه «1»، علىٰ تأمّل في المثال الأخير، قد أشرنا إليه في بعض مسفوراتنا «2».

و المحقّق (رحمه اللّٰه) منكر لذلك «3»؛ إمّا لأنّ المحرّم التناول و الاستعمال، كما قدّمنا تقريبه و تقويته «4»، و إمّا لأنّ المحرّم الشرب و الأكل من الإناء، لا شرب المائع أو الماء، كما تقدّم «5». و قد تقدّم الكلام في حديث الجرجرة «6».

و إنّما ارتكبنا في المقام التطويل المملّ مع وضوح المطلب بنظر القاصر، لما وقع الخلطُ من بعض أهل التحقيق، و حملُه كلام المحقّق علىٰ غير مرضية «7».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 219.

(2) مناهج الوصول 1: 168، و 2: 141.

(3) تقدّم في الصفحة 219.

(4) تقدّم في الصفحة 215 217.

(5) تقدّم في الصفحة 220.

(6) تقدّم في الصفحة 221.

(7) مصباح الفقيه، الطهارة: 649/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 224

المسألة الرابعة جواز الوضوء و الغسل بأواني الذهب و الفضّة
اشارة

إن قلنا: بأنّ المنهي عنه استعمال الأواني، فالأقوىٰ صحّة الوضوء و الغسل بها؛ سواء كانا بالاغتراف أو الارتماس، و سواء كان الماء منحصراً و لم يمكن إفراغه في غيرها أم لا:

أمّا في صورة عدم الانحصار و إتيانه بالاغتراف فواضح.

و أمّا مع الانحصار و الإتيان بالاغتراف، فلأنّ غاية ما يقال في وجه البطلان: عدم الأمر بهما، أو عدم تنجّز التكليف بهما «1».

و فيه: أنّ صحّتهما لا تتوقّف على الأمر، و لا علىٰ تنجّزه، و كفى فيها عباديتهما و مطلوبيتهما الذاتية، و المفروض أنّ النهي لم

يتعلّق بهما، و التبديل بالتيمّم ليس لمبغوضيتهما في هذه الحالة، بل لمبغوضية استعمال الإناء.

و بالجملة: إنّ المقام من قبيل تزاحم المطلوب الأعلى مع المبغوض، فاكتفاء الشارع بالمطلوب الأدنى بلحاظ عدم الابتلاء باستعمال المبغوض، لا بلحاظ عدم الاقتضاء في المحبوب الأعلى أو مبغوضيته، فلو تخلّف المكلّف و أتى بالمطلوب الأعلى، صحّ وضوؤه و إن عصىٰ باستعمال الآنية.

مع أنّ لنا الالتزام بتعلّق الأمر الاستحبابي النفسي بالوضوء و الغسل؛ بناءً علىٰ ما حقّقناه «2»: من أنّ عباديتهما غير متقوّمة بالأمر الوجوبي الغيري، بل إنّما

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 186/ السطر 20، جواهر الكلام 6: 332، مصباح الفقيه، الطهارة: 650/ السطر 14.

(2) مناهج الوصول 1: 385، تهذيب الأُصول 1: 253، و راجع ما تقدّم في الجزء الثاني: 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 225

تتوقّف على الأمر الاستحبابي بناءً علىٰ توقّفها على الأمر و ذلك لأنّ الأوامر متعلّقة بنفس الطبائع من غير لحاظ حال التزاحم، و في صورة التزاحم لا يسقط الأمر، بل يرجّح العقل أو الشرع المزاحمَ الأقوىٰ على الأضعف، فالوضوء فيما نحن فيه متعلّق لأمر استحبابي فعلي، لكنّ الشارع رجّح جانب حرمة الاستعمال على الوضوء الاستحبابي الذي هو مقدّمة و شرط للصلاة الواجبة.

و يتضح ممّا ذكر حال ما لو قلنا بتقوّم العبادية بالأمر الغيري، فتدبّر.

و بالجملة: لا وجه معتدّ به لبطلان الوضوء و الغسل في صورة الانحصار؛ لأنّ الأمر بالتيمّم لا يوجب النهي عن الوضوء، و لا مبغوضيته، بل و لا عدم الأمر، علىٰ ما حقّقناه في تصويره «1».

و كذا يصحّ الوضوء و الغسل ارتماساً؛ لما قلنا في باب اجتماع الأمر و النهي: من صحّة العبادة المتحدة في الوجود مع المنهي عنه، و حديث

«أنّ المبعّد لا يمكن أن يصير مقرّباً» قد فرغنا عن حلّه «2».

بل لو قلنا: بأنّ المستفاد من الأدلّة النهي عن العناوين الخاصّة، فكأنّه قال: «لا تتوضّأ من الآنيتين» يمكن تقريب الصحّة بأن يقال: إنّ المنهي عنه في أمثال المقام هو إيجاد الطبيعة بتلك الإضافة، فالنهي في

قوله (عليه السّلام): «لا تصلّ في الحمّام» «3»

إنّما تعلّق بأمر خارج؛ و هو تمكين الصلاة المطلوبة في المكان الكذائي.

و هكذا الحال في المقام، فإنّ النهي تعلّق بالإضافة الخارجية أو نحوها؛

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الثاني: 112.

(2) مناهج الوصول 2: 128 135.

(3) الكافي 3: 390/ 12، تهذيب الأحكام 2: 219/ 863، وسائل الشيعة 5: 177، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 34، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 226

و هي كون الوضوء من آنية الذهب، لا بنفس طبيعة الوضوء، فالمسألة في هذه الصورة- بحسب حكم العقل محلّ نظر و إشكال و إن كان العرف لا يساعد علىٰ هذا التحليل، و يكون قوله: «لا تتوضّأ من آنية الذهب» من قبيل النهي في العبادة عرفاً، فالأوجه في هذه الصورة البطلان.

مرجعية العرف في تشخيص الإناء

ثمّ إنّ المرجع في تشخيص الإناء و الآنية و الأواني المذكورة في النصوص، هو العرف، كما عن كثير من اللغويين إيكاله إليه «1». و التفسير ب «الوعاء» و «الأوعية» «2» في غير محلّه؛ لإطلاق «الوعاء» علىٰ ما لا تكون آنية جزماً من غير تأويل، قال تعالىٰ في قضيّة يوسف علىٰ نبيّنا و آله و عليه السلام- فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعٰاءِ أَخِيهِ «3» و معلوم أنّ أوعيتهم لم تكن من الأواني، بل كانت من الجواليق و ما يشبهها.

و أمّا ما عن كاشف الغطاء في تشخيص الموضوع: من اعتبار الظرفية،

و كون المظروف معرضاً للرفع و الوضع؛ احترازاً عن موضع فصّ الخاتم و عَكُّوز الرمح و نحوها.

و أن تكون موضوعة علىٰ صورة متاع البيت الذي يعتاد استعماله عند أهله في أكل أو شرب أو طبخ أو غسل أو نحوها؛ احترازاً عن كوز الغليان و رأسها، و رأس الشطب، و قراب السيف و نحوه، و بيت السهام، و بيت المكحلة و المرآة و الصندوق و قوطي النَّشُوق و العطر و نحوها.

______________________________

(1) الصحاح 6: 2274، لسان العرب 1: 250، مجمع البحرين 1: 36.

(2) المصباح المنير: 28.

(3) يوسف (12): 76.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 227

و أن يكون لها أسفل يمسك ما يوضع فيه، و حواشٍ كذلك؛ احترازاً عن القناديل و المشبّكات و المخرّمات و الطبق «1».

فلا يخلو من إشكال؛ و إن كان كلامه ذلك مع كونه من أهل اللسان يوجب لنا الشكّ في صدقها علىٰ كثير ممّا ذكره، و معه مقتضى الأصل الإباحة.

و الإنصاف: أنّ المتيقّن منها ما ذكره؛ و إن كان الاحتياط في مثل كوز الغليان لا ينبغي تركه، بل لا يترك.

و أمّا ما عدّ صاحب «الجواهر» منها كرأس الغليان، و رأس الشطب، و ما يجعل موضعاً له، و قراب السيف و الخنجر و السكّين، و بيت السهام، و ظروف الغالية و الكحل و العنبر و القير و المعجون و التتن و التنباك و الأفيون، و المشكاة و المجامر و المحابر و نحوها «2».

فكثير منها محلّ إشكال أو منع، سيّما مع جزم الأُستاذ علىٰ خلافه، و هو يوجب الشكّ لنا. مع عدم إمكان إحرازها أو إحراز كثير منها من العرف و اللغة؛ بعد ما كان الإناء في عصرنا قليل الاستعمال أو عديمه،

علىٰ ما شهد به صاحب «الجواهر» و غيره من أهل اللسان «3».

و دعوىٰ: استفادة إنائية كثير منها أو جميعها من

صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن آنية الذهب و الفضّة فكرهها، فقلت: قد روىٰ بعض أصحابنا أنّه كان لأبي الحسن (عليه السّلام) مرآة ملبّسة فضّة، فقال: «لا و الحمد للّٰه، إنّما كانت لها حلقة من فضّة، و هي عندي».

ثمّ قال: «إنّ العبّاس حين عذر عمل له قضيب ملبّس فضّة من نحو ما

______________________________

(1) كشف الغطاء: 183/ السطر 30.

(2) جواهر الكلام 6: 334.

(3) جواهر الكلام 6: 334، مستمسك العروة الوثقى 2: 173.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 228

يعمل للصبيان، تكون فضّة نحواً من عشرة دراهم، فأمر به أبو الحسن (عليه السّلام) فكسر» «2».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر أنّ الراوي نقض عليه بفعل أبي الحسن (عليه السّلام) فأنكره شديداً، و حكىٰ أمره بكسر القضيب الملبّس، و هو دليل علىٰ صدقها في جميع تلك الموارد «3» حتّى فيما لا يقول به صاحب «الجواهر» كالمثال.

ضعيفة؛ لمنع كون كلام الراوي نقضاً بالنسبة إلى المرآة بدعوىٰ صدق «الآنية» عليها، بل من المحتمل قريباً أنّه فهم من كراهة أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) أنّ استعمال مطلق الذهب و الفضّة مكروه، فقال ما قال، و إلّا فالظاهر عدم صدق «الآنية» على المرآة الملبّسة، و لا علىٰ لباس المرآة، و كذا لا يصدق على القضيب أو لباسه.

و الظاهر من قوله (عليه السّلام): «تكون فضّة نحواً من عشرة دراهم» أنّ ادخار الفضّة حتّى بهذا المقدار، كان مكروهاً لدى أبي الحسن (عليه السّلام) فضلًا عن ادخار الملبّسة بها.

و الإنصاف: أنّ دعوى تشخيص الآنية من الرواية في غاية

السقوط؛ بعد عدم صدقها علىٰ ما فيها.

و أضعف منه دعوى كون الموضوع الشرعي أعمّ؛ بدعوىٰ أنّ للآنية حقيقة شرعية، و هو كما ترى.

نعم لا يبعد استفادة كراهة مطلق استعمال الآلات المعمولة من الفضّة و الذهب من هذه الرواية و بعض روايات أُخر واردة فيها و في الذهب «1» و الأمر سهل.

______________________________

(2) المحاسن: 582/ 67، الكافي 6: 267/ 2، وسائل الشيعة 3: 505، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 1.

(3) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 392/ السطر 21.

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 510، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 67، الحديث 1 و 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 229

المسألة الخامسة اشتراط التذكية في جواز استعمال الجلود
اشارة

لا يجوز استعمال شي ء من الجلود إذا كانت من ذوات الأنفس فيما يشترط فيه الطهارة إلّا إذا كانت من حيوان وردت عليه تذكية شرعية بالشروط المقرّرة و لو دبغت سبعين مرّة؛ إذ هي بدون التذكية نجسة ميتة لا تحلّ الصلاة فيها. و هذا لا إشكال فيه نصّاً و فتوى إلّا من ابن الجنيد القائل بطهارتها بالدباغة؛ و إن قال بعدم جواز الصلاة فيها «1».

حكم الحيوان مشكوك التذكية

و الذي ينبغي بسط الكلام فيه: أنّه هل يعتبر في جواز استعمالها، و كذا في حلّية اللحوم من الحيوانات المحلّلة الأكل، و كذا في صحّة الصلاة فيما تجوز فيها مع التذكية، إحرازها بالعلم أو بأمارة شرعية معتبرة، و مع عدمه يحكم بنجاستها، و حرمةِ الانتفاع بها، و عدمِ جواز الصلاة فيها؟

أو عدم التذكية يحتاج إلىٰ دليل، و مع عدمه يحكم بطهارتها، و جوازِ الصلاة فيها، و حلّيةِ أكل اللحم؟ أو تفصيل بين الطهارة و غيرها؟

قد استقرّ آراؤهم علىٰ جريان أصالة عدم التذكية في الجملة، و إن فصّل بعضهم بين ما إذا رتّبت الأحكام علىٰ مجرّد عدم التذكية بنحو السالبة المحصّلة، و بين ما إذا كان الموضوع بنحو الإيجاب العدولي، كما لعلّه الظاهر من الشيخ الأعظم «2».

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 342، و 2: 93.

(2) فرائد الأُصول 1: 371 372، و 2: 641 643.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 230

و فصّل آخر بين كون المذكى و مقابله من قبيل الضدّين فلا تجري، و بين كونهما من قبيل العدم و الملكة فتجري، و تترتّب عليها الأحكام؛ بدعوىٰ كون الموضوع في هذه الصورة من قبيل الموضوعات المركّبة أو المقيّدة المشكوك فيها بقيدها أو جزئها، فيحرز بالأصل، و هو ظاهر المحقّق

الخراساني «1».

و ثالث بين الآثار التي رتّبت علىٰ عدم كون الحيوان مذكّى، كعدم الحلّية، و عدم جواز الصلاة، و عدم الطهارة؛ من الأحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات التي تكون التذكية شرطاً في ثبوتها، فيقال: الأصل عدم تعلّق التذكية بهذا اللحم الذي زهق روحه، فلا يحلّ أكله، و لا الصلاة فيه، و لا استعماله فيما يشترط بالطهارة، و بين الآثار المترتّبة علىٰ كونه غير المذكى، كالأحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميات، كحرمة أكله، و نجاسته و تنجيس ملاقيه و نحوها.

بدعوىٰ: أنّ الحلّية و سائر الأحكام الوجودية المترتّبة علىٰ سبب حادث تصير منتفية بانتفاء سببها، فالموت المقرون بالشرائط أمر مركّب سبب للأحكام، و هو أمر حادث مسبوق بالعدم، فأصالة عدمه ممّا يترتّب عليها عدم الحلّية و الطهارة و جواز الصلاة فيها، فعدم حلّية اللحم من آثار عدم حدوث ما يؤثّر في حلّيته بعد الموت، لا من آثار كون الموت فاقداً للشرائط حتّى لا يمكن إحرازه بالأصل.

و هو صريح المولى الهمداني «2» تبعاً لظاهر الشيخ الأعظم، و لعلّه يرجع إلى التفصيل الأوّل، أو قريب منه.

______________________________

(1) درر الفوائد، المحقّق الخراساني: 340 341.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 653/ السطر 20، حاشية فرائد الأُصول، المحقّق الهمداني: 91/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 231

حول جريان أصالة عدم التذكية

و نحن قد استقصينا البحث في أطراف أصالة عدم التذكية و ما هي نحوها بما لا مزيد عليه مع مقدّمات مفيدة في المقام و سائر المقامات في الأُصول «1»، و تذكارها و نقلها هاهنا موجب للتطويل المخالف لوضع هذا المختصر، و لهذا نشير إلىٰ لمحة منها احترازاً عن الحوالة.

فنقول: لا شبهة في أنّ التذكية عبارة عن أمر وجودي؛ هو إزهاق الروح بكيفية خاصّة معتبرة

في الشرع؛ أي فري المسلم الأوداج الأربعة، متوجّهاً بالحيوان إلى القبلة، ذاكراً عليه اسم اللّٰه، مع قابلية الحيوان لها، و هو الموضوع للأحكام المتقدّمة؛ أي الطهارة، و حلّية الأكل، و جواز الصلاة في أجزائه و غيرها.

و مقابل هذا العنوان الذي يكون موضوعاً لأحكام أُخر أي الحرمة و النجاسة، أو عدم الحلّية و عدم الطهارة، و عدم جواز الصلاة فيه يمكن أن يكون عنواناً وجودياً؛ هو إزهاق الروح بكيفية أُخرى ضدّ الكيفية المأخوذة في التذكية.

و يمكن أن يكون إزهاقه لا بالكيفية المذكورة؛ علىٰ نعت الإيجاب العدولي.

أو إزهاقه الذي لم يكن بالكيفية الخاصّة؛ علىٰ نعت الموجبة السالبة المحمول.

أو إزهاقه مسلوباً عنه الكيفية الخاصّة؛ علىٰ نعت سلب محصّل بسلب المحمول، مع فرض وجود الموضوع.

______________________________

(1) أنوار الهداية 2: 97 124، الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 104 112، تهذيب الأُصول 2: 213 228.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 232

و يمكن أن يكون أمراً سلبياً بالسلب التحصيلي الأعمّ من سلب الموضوع.

و يمكن أن يكون مركّباً من إزهاق الروح، و عدمِ تحقّق الكيفية الخاصّة بنحو العدم المحمولي. هذا بحسب التصوّر و الاحتمال البدوي.

لكن لا شبهة في أنّ الموضوع للأحكام، ليس عدم إزهاق الروح بالكيفية الخاصّة بنحو السالبة المحصّلة الأعمّ من سلب الموضوع؛ ضرورة عدم إمكان موضوعية عدمٍ محض للأحكام ثبوتاً، و عدم مساعدة الأدلّة عليها إثباتاً.

و منه يظهر بطلان الصورة الأخيرة؛ لعدم تعقّل كون جزء الموضوع للأحكام، شيئاً أعمّ من الوجود. بل يلزم من جزئيته له التناقض؛ لأنّ فرضَ إزهاق الروح الذي هو صفة لأمر وجودي و فرضَ سلب الكيفية بالسلب البسيط الأعمّ، فرض كون المتناقضين موضوع الحكم.

فبقيت الاعتبارات الأُخر، و في شي ء منها لا مصير لجريان أصالة

عدم التذكية لإثبات الحكم:

أمّا في صورة الضدّية فواضح؛ ضرورة أنّ سلب الضدّ علىٰ فرض جريان الأصل لا يثبت تحقّق الضدّ الآخر إلّا بالأصل المثبت و لو مع فرض عدم الثالث لهما.

و أمّا صورة اعتبار الإيجاب العدولي، و الموجبة السالبة المحمول، و السالبة المحصّلة مع فرض وجود الموضوع و كون السلب عنه، فليس لشي ء منها بعنوانه حالة سابقة يقينية.

و استصحاب السلب البسيط التحصيلي الجامع بين سلب الحيوان و سلب الزهوق و سلب الكيفية، لا يثبت الحكم المترتّب علىٰ مصداقه المنحصر إلّا بالأصل المثبت؛ فإنّ موضوع الحكم إذا كان بأحد الاعتبارات الثلاثة، لا يكون

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 233

السلب التحصيلي موضوعاً له، بل هو أي السلب المطلق كلّي جامع منطبق على السلب الأزلي بسلب الحيوان و سلب الإزهاق مع وجود الحيوان و إزهاق روحه بغير الكيفية الخاصّة، و موضوع الحكم هو الأخير، و استصحاب الجامع و إثبات الفرد و أحكامه مثبت، كما هو ظاهر.

و منه يتضح بطلان ما يمكن أن يقال: إنّ الحيوان في حالة حياته يصدق عليه: أنّه غير زاهق الروح بالكيفية الخاصّة، أو مسلوب عنه الزهوق الكذائي، و هذا العنوان و إن لم يكن موضوعاً للحكم في حال اليقين، لكنّه موضوع له في حال الشكّ، و هو كافٍ في الاستصحاب.

و ذلك لأنّ موضوعه ليس عنوان عدم زهوق الروح القابل للصدق على الحيوان الحي و لو بنحو الإيجاب العدولي مع موضوعية الحيوان، بل الموضوع زهوقه بلا كيفية خاصّة، فاستصحاب أنّ الحيوان غير زاهق الروح بالكيفية الخاصّة لترتّب الأحكام عليه، غير صحيح؛ لأنّ هذا العنوان المستصحب ليس موضوع الحكم، بل الموضوع عنوان آخر منطبَق هذا العنوان، و استصحاب العنوان الأعمّ لا

يثبت أحكام الأخصّ.

و ما ذكره المولى الهمداني «1» فهو غفلة عن دقيقة: و هي أنّ سلب السبب الموجب لأحكام وجودية بالسلب المطلق، لازمه سلبُ الأحكام الوجودية القابلُ للانطباق علىٰ عدم التشريع رأساً، لا ثبوت حكم آخر سلبي أو ثبوتي، فاستصحاب عدم تحقّق السبب لإثبات حكم من الشارع كعدم الحلّية و نحوه من المثبتات لو لم نقل: بأنّ سلب السبب لإثبات سلب المسبّب أيضاً من

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 654/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 234

المثبتات، فأصالة الحلّ و الطهارة محكّمة ما لم يدلّ دليل علىٰ خلافها.

هذا إجمال ممّا فصّلناه في الأُصول «1»، و لا بدّ أن يطلب التحقيق من هناك.

دلالة الأخبار على توقّف حلّية الأكل علىٰ إحراز التذكية

و الأولى في المقام صرف الكلام إلىٰ حال الروايات:

فنقول: قد وردت جملة من الأخبار في باب الصيد و الذباحة، يستفاد منها توقّف حلّية الأكل علىٰ إحراز الذبح الشرعي،

كصحيحة الحذّاء قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يسرّح كلبه المعلّم، و يسمّي إذا سرّحه، قال: «يأكل ممّا أمسك عليه، فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه، و إن وجد معه كلباً غير معلّم فلا يأكل منه» «2».

و

رواية أبي بصير، عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن قوم أرسلوا كلابهم و هي معلّمة كلّها، و قد سمّوا عليها، فلمّا أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحباً، و اشتركت جميعاً في الصيد، فقال: «لا يؤكل منه؛ لأنّك لا تدري أخذه معلّم أم لا» «3».

و

صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «من جرح صيداً بسلاح، و ذكر اسم اللّٰه عليه، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع، و قد علم

______________________________

(1) تقدّم تخريجه في

الصفحة 231، الهامش 1.

(2) الكافي 6: 203/ 4، تهذيب الأحكام 9: 26/ 106، وسائل الشيعة 23: 332، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 1، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 206/ 19، وسائل الشيعة 23: 343، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 5، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 235

أنّ سلاحه هو الذي قتله، فليأكل منه إن شاء» «1»

و بمضمونها عدّة روايات «2».

و

صحيحته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في صيد وجد فيه سهم، و هو ميّت لا يدرىٰ من قتله، قال: لا تطعمه» «3».

و

حسنة «4» حُمران، عنه (عليه السّلام): أنّه سأله عن الذبح فقال: «إن تردّى في جُبّ أو وَهْدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعم؛ فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح» «5» ..

إلىٰ غير ذلك.

و يستفاد من التعليل فيها و في رواية أبي بصير و لو بالمناسبات و إلغاء الخصوصيات عرفاً أنّه مع الشكّ في وقوع التذكية الشرعية على الحيوان، لا يجوز الأكل منه، فجواز الأكل موقوف علىٰ إحراز التذكية الشرعية.

و بإزائها

موثّقة السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق ..» إلىٰ أن قال: «قيل له: يا أمير المؤمنين،

______________________________

(1) الكافي 6: 210/ 2، وسائل الشيعة 23: 362، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 16، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 23: 362 و 365، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 16 و 18.

(3) الكافي 6: 211/ 8، وسائل الشيعة 23: 368، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 19، الحديث 1.

(4) رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن

أبيه، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبيه، عن حمران بن أعين.

و الظاهر أنّ الرواية حسنة بالقاسم بن إسحاق و هو والد داود بن القاسم المعروف بأبي هاشم الجعفري.

(5) الكافي 6: 229/ 4، وسائل الشيعة 24: 26، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 13، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 236

لا يدرى سفرة مسلم، أم سفرة مجوسي، فقال: هم في سعة حتّى يعلموا» «4».

و مقتضى إطلاقها و إن كان جواز الأكل حتّى مع الشكّ في التذكية، لكنّها مقيّدة بالروايات المتقدّمة، فتحمل علىٰ جواز الأكل إذا كانت الشبهة في الطهارة و النجاسة.

نعم، لو كان بدل «المجوسي» «اليهودي» لكان الحمل مشكلًا؛ لأنّ اليهود لا يأكلون من ذبائح المسلمين، و نقل عن بعضهم: «أنّ أكل ذبائح المسلمين علامة الخروج عن التهوّد» أو «كالخروج منه» لكن الظاهر أنّ المجوس ليسوا كذلك، فلا مانع من هذا الجمع.

الكلام في مقدار ما يستفاد من الأخبار السابقة

إنّما الكلام في أنّه هل يستفاد من تلك الروايات: أنّه مع عدم إحراز التذكية يحكم بأنّه غير مذكّى في جميع الأحكام، فهو محكوم بالنجاسة، و لا تصحّ الصلاة في أجزائه، مع قطع النظر عن الروايات الواردة في الصلاة؟:

إمّا بدعوىٰ: أنّ الظاهر منها أنّ هذا الحكم إنّما هو للاتكال على الاستصحاب، فيكشف منها جريان استصحاب عدم التذكية، كما جعلها بعضهم شاهدة علىٰ جريانه «1».

و إمّا بدعوىٰ: إلغاء الخصوصية عرفاً بين عدم جواز الأكل و سائر أحكام غير المذكى.

______________________________

(4) الكافي 6: 297/ 2، وسائل الشيعة 24: 90، كتاب الصيد و الذبائح، الباب 38، الحديث 2.

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 654/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 237

و إمّا بدعوىٰ: أنّ التعليل في الروايتين، دليل علىٰ أنّ

تمام العلّة للحكم بعدم جواز الأكل، هو الجهل بالتذكية، و معه يكون محكوماً بعدمها.

و إمّا بدعوىٰ: أنّ النهي عن الأكل ليس إلّا للشكّ في عدم التذكية، فما شكّ في تذكيته محكوم بعدمها، و الحكم بالحرمة متفرّع علىٰ ذلك، سيّما مع ما يأتي من الروايات الدالّة علىٰ لزوم إحراز التذكية الشرعية في صحّة الصلاة «1».

فإذا ضمّ تلك الروايات إلىٰ هذه، يستفاد منها استفادة قطعية بأنّ المشكوك فيه في حكم غير المذكى مطلقاً، و أنّ الحكم بعدم جواز الصلاة فيه و عدم جواز الأكل منه، متفرّعان علىٰ ترجيح احتمال عدم التذكية على الاحتمال المقابل.

و للإشكال في جميع الدعاوي مجال واسع؛ فإنّ الاتكال على الاستصحاب لم يظهر في شي ء منها، بل الظاهر منها أنّ مجرّد عدم الدراية موضوع للحكم بالحرمة، لا إحراز عدم التذكية بالأصل. مع أنّ لازمه حجّية الاستصحاب في المثبتات بعد ما عرفت: أنّ الأصل المذكور مثبت، و هذا و إن لم يكن محذوراً لو دلّ الدليل عليه، لكنّ التزامهم به مشكل. مع أنّ الشأن في قيام الدليل عليه، و هو ممنوع مخالف للظواهر.

و دعوىٰ إلغاء الخصوصية عرفاً ممنوعة، مع الاحتمال القريب في أنّ لأكل الميتة خصوصية لا يرضى الشارع بارتكابه بمجرّد الشكّ و أصل الحلّ، بل لا بدّ فيه من إحراز التذكية و الحلّية بأمارة معتبرة، فدعوى إلغاء الخصوصية من حرمة الأكل و من عدم صحّة الصلاة، و الحكم بترتّب سائر الأحكام- كالنجاسة و حرمة سائر الانتفاعات غير وجيهة.

و أضعف منها دعوى الاستفادة من التعليل؛ فإنّه و إن يعمّ، لكن لا لموضوع

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 239.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 238

أجنبي أو حكم كذلك، فأيّ تناسب بين قوله (عليه

السّلام): «لا تأكله؛ فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح» و بين نجاسة الحيوان المذبوح، أو عدم جواز الصلاة في أجزائه؟! و النهي عن الأكل و إن كان للشكّ في تذكيته، لكن لا ينتج: أنّ كلّ ما شكّ في تذكيته محكوم بعدمها في جميع الأحكام، و حكم حرمة الأكل متفرّع على التعبّد بعدمها مطلقاً؛ إذ لا شاهد عليها، و إنّما هي مجرّد دعوى بلا بيّنة، كدعوىٰ ترجيح جانب احتمال عدم التذكية.

و الحاصل: أنّ المشكوك فيه ليس غير المذكى واقعاً، فلا بدّ من قيام دليل على التعبّد بعدم التذكية مطلقاً، و لم يظهر من تلك الروايات و لا الروايات الآتية إشعار بأنّ المشكوك فيه محكوم بعدمها، فضلًا عن الدلالة، فضلًا عن عموم التنزيل و التعبّد، و التفكيك في الأحكام تعبّداً بين المتلازمات غير عزيز.

نعم، دعوى حصول الظنّ من جميع ما ذكر بعدم التفكيك وجيهة، لكنّه لا يغني من الحقّ شيئاً.

فمقتضىٰ قصور الأخبار عن إثبات عدم التذكية مطلقاً تعبّداً، البناء على الطهارة و جواز لبسها و سائر الانتفاعات بها إلّا الأكل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 239

حكم الصلاة في مشكوك التذكية
اشارة

و أمّا جواز الصلاة في أجزائها، فمع عدم جريان أصالة عدم التذكية و البناء على البراءة في الأقلّ و الأكثر، هو ذلك مع قطع النظر عن الأخبار، فلا بدّ من التماس دليل على المنع، و في كلّ مورد قصرت الأدلّة عن إثبات المنع يحكم بالجواز علىٰ طبق القواعد.

الأخبار الواردة في المقام

ثمّ إنّ الأخبار في المقام علىٰ طوائف:

منها: ما تدلّ علىٰ عدم جواز الصلاة فيها إلّا بعد العلم بالتذكية:

كموثّقة ابن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصلاة في الثعالب .. إلىٰ أن قال: «فإن كان ممّا يؤكل لحمه، فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز؛ إذا علمت أنّه ذكي و قد ذكّاه الذبح» «1».

و منها: ما تدلّ على الجواز مطلقاً حتّى يعلم أنّها ميتة:

كصحيحة جعفر بن محمّد بن يونس: أنّ أباه كتب إلىٰ أبي الحسن (عليه السّلام) يسأله عن الفرو و الخفّ، ألبسه و أُصلّي فيه و لا أعلم أنّه ذكي، فكتب «لا بأس به» «2».

______________________________

(1) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

(2) الفقيه 1: 167/ 789، وسائل الشيعة 4: 456، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 55، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 240

و

موثّقة سَماعة: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) في تقليد السيف في الصلاة و فيه الفراء و الكيمخت، فقال: «لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة» «1».

و

رواية عليّ بن أبي حمزة: أنّ رجلًا سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا عنده عن الرجل يتقلّد السيف و يصلّي فيه قال: «نعم».

فقال الرجل: إنّ

فيه الكيمخت، قال: «و ما الكيمخت؟» فقال: جلود دوابّ، منه ما يكون ذكيا، و منه ما يكون ميتة، فقال: «ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه» «2».

و منها: ما دلّت علىٰ جوازها في موارد:

كمورد السؤال عن الاشتراء من السوق، و هي

صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخفاف التي تباع في السوق، فقال: «اشتر و صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه» «3»

و قريب منها صحيحته الأُخرىٰ «4».

و

صحيحة البَزَنْطي قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء، لا يدري أذكيه هي أم غير ذكية، أ يصلّي فيها؟

فقال: «نعم، ليس عليكم المسألة؛ إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) كان يقول: إنّ الخوارج

______________________________

(1) الفقيه 1: 172/ 811، تهذيب الأحكام 2: 205/ 800، وسائل الشيعة 3: 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 12.

(2) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1530، وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 2: 234/ 920، وسائل الشيعة 3: 490، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 2.

(4) الكافي 3: 403/ 28، وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، ذيل الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 241

ضيّقوا علىٰ أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك»

«1» و قريب منها صحيحته الأُخرىٰ عن الرضا (عليه السّلام) «2».

و

رواية الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): أعترض السوق فأشتري خفّاً لا أدري أذكي أم لا، قال: «صلّ فيه».

قلت: فالنعل، قال: «مثل ذلك». قلت: إنّي أضيق من هذا، قال: «أ ترغب عمّا كان أبو الحسن (عليه السّلام) يفعله؟!» «3».

و مثل مورد الضمان، و هي

رواية محمّد

بن الحسين الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلىٰ أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال: «إذا كان مضموناً فلا بأس» «4».

و مورد المصنوع في أرض الإسلام، و هي

موثّقة إسحاق بن عمّار، عن العبد الصالح (عليه السّلام) أنّه قال: «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني، و فيما صنع في أرض الإسلام». قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: «إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1529، وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 2: 371/ 1545، وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 404/ 31، وسائل الشيعة 3: 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 9.

(4) الكافي 3: 398/ 7، وسائل الشيعة 3: 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 10.

(5) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1532، وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 242

و مورد صلاتهم فيها،

كرواية إسماعيل بن عيسىٰ قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجيل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟

قال: «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» «1».

و منها: ما فصّلت بين النعل و الخفاف في المشترىٰ في أرض غير المسلمين و غيرهما،

كموثّقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن لباس الجلود و الخفاف و النعال و الصلاة فيها إذا لم

تكن من أرض المسلمين- المصلّين (خ ل)-؟ فقال: «أمّا النعل و الخفاف فلا بأس بهما» «2».

و منها: ما يظهر منها التفصيل بين ما صنع في أرض يستحلّ أهلها الميتة بدباغتها و غيرها،

كرواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصلاة في الفراء، فقال: «كان عليّ بن الحسين (عليه السّلام) رجلًا صَرِداً لا يدفئه فراء الحجاز؛ لأنّ دباغها بالقَرَظ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتىٰ ممّا قِبلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك، فقال: إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميّت، و يزعمون أنّ دباغه ذكاته» «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 371/ 1544، وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 2: 234/ 922، وسائل الشيعة 4: 427، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 38، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 397/ 2، وسائل الشيعة 4: 462، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 61، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 243

و

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: «تكره الصلاة في الفراء إلّا ما صنع في أرض الحجاز، أو ما علمت منه ذكاة» «1».

وجوه الجمع بين الطوائف السابقة من الأخبار

و قد جمعوا بين الروايات بحمل المطلقات من الطرفين على الموارد الخاصّة، فصارت النتيجة: عدم جواز الصلاة فيها إلّا إذا علم تذكيته، أو قامت أمارة عليها، كسوق المسلمين، أو الصنع في أرضهم، أو يد المسلم مطلقاً، أو مع معاملته معه معاملة المذكى، أو إخباره بالتذكية «2».

و هذا الجمع لا يخلو من إشكال:

أمّا في مثل الطائفة الاولىٰ من الطائفة الثالثة التي لم يرد القيد في كلام المعصوم (عليه السّلام) كصحيحتي الحلبي و

ما بعدهما فلأنّ فهم القيدية فيهما مشكل؛ فإنّ قوله: «الرجل يأتي السوق فيشتري» أو قوله: «أعترض السوق فأشتري خفّاً» بل و كذا قوله: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخفاف التي تباع في السوق» إنّما يجري مجرى العادة، كقوله: «ادخلْ السوق و اشترِ كذا» و ليست العناية بالاشتراء منه بخصوصه و السؤال عن حاله حتّى يقال: إنّه بصدد بيان أمارية السوق للتذكية، بل الظاهر من قوله (عليه السّلام): «صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه» أنّ الموضوع لجواز الصلاة عدم العلم، لا الأمارة على التذكية.

______________________________

(1) الكافي 3: 398/ 4، وسائل الشيعة 4: 462، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 61، الحديث 1.

(2) مستند الشيعة 1: 352 355، مصباح الفقيه، الطهارة: 655/ السطر 5، مستمسك العروة الوثقى 1: 325.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 244

فهل ترى من نفسك فيما إذا

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر»

«1» ثمّ سئل عنه منفصلًا: «إنّي اعترض السوق، فأشرب من المياه التي فيه» فقال: «اشرب منها حتّى تعلم أنّها قذرة» تقييد الرواية الأُولىٰ بالثانية، فيقال: لا يجوز الشرب إلّا مع قيام أمارة و هي سوق المسلمين على الطهارة؟! فهل المقام إلّا نظيره؟! إذ قال (عليه السّلام) في مورد: «لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة» و سئل في مورد: إنّي أعترض السوق، فأشتري الخفّ و أُصلّي فيه، فقال: «صلّ حتّى تعلم أنّه ميتة» فهل الذهن الخالي عن شبهة جريان أصالة عدم التذكية و أنّه لا بدّ من قيام أمارة يدفع بها الأصل، ينقدح فيه غير ما ينقدح فيه من المثال المتقدّم؟! فكما لا يتوهّم منه أمارية السوق كذلك فيما

نحن فيه، سيّما مع ما تقدّم من عدم جريان أصالة عدم التذكية «2».

إن قلت: نعم، و لكن إلغاء الخصوصية و فهم الإطلاق أشكل.

قلت: إنّما المراد عدم صالحية تلك الروايات لتقييد المطلقات، لا التمسّك بإطلاقها. مع أنّ الإنصاف أنّ عدّ تلك الروايات في عداد المطلقات، أقرب إلى الفهم العرفي من عدّها في المقيّدات و البناء علىٰ أمارية سوق المسلمين، سيّما إن قلنا: إنّ إحراز عدم التذكية يحتاج إلىٰ أمارة، لا جواز الصلاة و نحوه.

و أمّا سائر الروايات ما عدا موثّقة ابن بكير و موثّقة الهاشمي، فالجمع بينها بالحمل علىٰ مراتب الفضل في التنزّه عن المشكوك فيه، أقرب من تقييد المطلقات أو حملها علىٰ مورد قيام الأمارة؛ فإنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه» و ما هو نظيره؛ أنّ تمام الموضوع لجواز الصلاة هو

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

(2) تقدّم في الصفحة 236 238.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 245

عدم العلم بكونه ميتة، و عدم اعتبار قيام الأمارة على التذكية في الجواز، و إرجاع مثله إلىٰ مورد قيام الأمارة بعيد عن الأذهان.

و دعوى الانصراف إلىٰ ما يشترى من سوق المسلمين «1» و إن لم تكن بعيدة ذلك البعد، لكن حملها علىٰ مراتب الفضل في التنزّه أو مراتب الكراهة في الارتكاب لعلّه أقرب، بأن يقال: إنّ ما شكّ في تذكيته تصحّ الصلاة فيه إلىٰ أن يعلم كونه ميتة، أو قامت أمارة عليه، لكن يكره ارتكابه، و ترتفع كراهته بمراتبها إذا علم وجداناً بتذكيته، أو صنع في مثل أرض الحجاز، كما هو ظاهر صحيحة الحلبي الأخيرة.

و

عليه يحمل فعل زين العابدين عليّ بن الحسين (عليه السّلام) و تنزّهه عمّا صنع في أرض العراق، و فعل أبي جعفر (عليه السّلام) علىٰ ما

في رواية عبد اللّٰه بن سِنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «أُهديت لأبي جبّة فرو من العراق، و كان إذا أراد أن يصلّي نزعها فطرحها» «2».

فإنّ اشتراءه و قبول هديته و لبسه و عدم التنزّه عنه إلّا في الصلاة، دليل علىٰ أنّه علىٰ سبيل الفضل.

و كذا ترتفع ببعض مراتبها أو جميعها إذا اشترىٰ من سوق المسلمين من مسلم ضمن تذكيته، و هو ظاهر رواية الأشعري «3»، فإنّ «الاشتراء من السوق» منصرف إلى الاشتراء من سوق المسلمين، و الظاهر من قوله (عليه السّلام): «إذا كان مضموناً» أنّ الضامن البائع المسلم لا الكافر فإنّه في غاية البعد، فمع قيام أمارة أو أمارتين- أي سوق المسلم، و بيعه على التذكية لا يكون اعتبار الضمان إلّا على الفضل.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 655/ السطر 8.

(2) مكارم الأخلاق 1: 257/ 772، وسائل الشيعة 4: 428، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 38، الحديث 5.

(3) تقدّمت في الصفحة 241.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 246

و ترتفع ببعض مراتبها فيما إذا صنع في أرض الإسلام، أو أرض كان الغالب عليها المسلمين، أو صلّىٰ فيه المسلم، أو كان في سوق المسلمين.

و الحمل المذكور قريب جدّاً، لكنّ المانع منه موثّقة ابن بكير المتقدّمة «1»، حيث إنّ ظاهرها أنّ الصلاة في الجلود مع عدم العلم بتذكيتها فاسدة، و أنّ الجواز موقوف على العلم بالتذكية، و حملها على الجواز بلا كراهية مع العلم بها، بعيد غايته، سيّما مع التصريح بالفساد في صدرها و ذيلها،

الموجب لقوّة ظهور كون الجواز مقابل الفساد.

فالأقرب بالنظر إلى الموثّقة، حمل الروايات المتقدّمة التي ترك فيها الاستفصال علىٰ كون الكيمخت و غيره كان في أرض المسلمين و سوقهم لا الكفّار؛ فإنّ المظنون أنّ ما كان مورد السؤال، الأشياءُ التي اشتريت من الأسواق، و كانت هي من المسلمين، أو كان الغالب علىٰ أهلها الإسلام.

فتحصّل من ذلك: أنّ الجمع الذي صنعه أهل التحقيق «2» لا محيص عنه.

نعم، يبقى الكلام في موثّقة الهاشمي «3»، و لا يبعد أن يكون التفصيل فيها بين ما تتمّ و ما لا تتمّ في غير المذكى، لا في مشتبه التذكية، كما فصّل بينهما في النجس، و يشهد له أنّ الظاهر منها قيام الأمارة العقلائية علىٰ عدم التذكية، فإنّ قوله: «في غير أرض المسلمين» أو «المصلّين» يراد به أنّه من أرض الكفّار، و الحمل علىٰ مشتبه الحال أو الأعمّ فاسد.

فاتضح أنّها بصدد بيان مسألة غير ما نحن بصددها.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 239.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 243، الهامش 1.

(3) تهذيب الأحكام 2: 234/ 922، وسائل الشيعة 4: 427، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 38، الحديث 3. و تقدّمت في الصفحة 242.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 247

أمارية سوق المسلمين على التذكية و إن كانوا مستحلّين لغير المذكى

ثمّ إنّ «السوق» منصرف إلى سوق المسلمين، سيّما بالنظر إلىٰ موثّقة إسحاق بن عمّار «1»، و هو واضح. و لا فرق بين سوق المستحلّين و غيرهم؛ لما قدّمنا من ظهور رواية أبي بصير «2» الحاكية عن فعل عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) في أنّ جلود العراق أيضاً محكومة بالتذكية، و إلّا لما اشتراها، و لما لبسها، و لما قبل أبو جعفر (عليه السّلام) هديتها، و إنّما ألقاها لفضل التنزّه منها، فهي و

نحوها ظاهرة في عدم الفرق بين السوقين، فتوهّم تقييد إطلاق الأدلّة بها فاسد.

و يشهد للتعميم موثّقة إسحاق بن عمّار، حيث نفي فيها البأس عن الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام، و مقتضى المقابلة بينهما جواز الصلاة فيما صنع في أرض غير المستحلّين كاليمن، و المستحلّين، و حملها علىٰ سائر المستحلّين بعيد، لها إطلاق قوي في قوّة التصريح.

و يشهد له أيضاً كون السائلين فقهاء العراق، كالحلبي و ابن أبي نصر و إسحاق بن عمّار، و من البعيد جدّاً استثناء سوق العراق، و عدم جواز الصلاة فيما يشترى من أرضه، و عدم التنبّه للعراقيين مع ابتلائهم به، و لعلّ سوق العراق القدر المتيقّن من الروايات.

أمارية سوق المسلمين و مجتمعهم و إن كان البائع كافراً

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق الأدلّة، اعتبار سوق المسلمين و أماريته للتذكية مطلقاً و لو كان الكافر بائعاً في سوقهم، فضلًا عن مجهول الحال. بل لموثّقة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 241.

(2) تقدّمت في الصفحة 242.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 248

إسحاق بن عمّار قوّة إطلاق بالنسبة إلى الأخذ من الكافر. بل قوله: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: «إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» «1» لا يبعد أن يراد به الاشتراء من غير المسلم بعد كون يد المسلم أمارة بنفسها. بل الظاهر منها أنّ غلبة المسلمين في بلد، أمارة علىٰ أنّ المصنوع من صنعهم، لا صنع الصنف الذي في الأقلّية.

و الحاصل: أنّ مقتضى الإطلاق اعتبار سوق المسلمين و أرضهم، فهما أمارة علىٰ وقوع التذكية الشرعية، و إن شئت قلت: أمارة علىٰ إجراء يد المسلمين عليه، و كون المصنوع منهم و لو كان بيد الكافر، إلّا أن يعلم عدم إجراء يد المسلم عليه.

و الظاهر أنّ الأمر كذلك

لدى العقلاء أيضاً؛ فإنّ السوق إذا كان للمسلمين، و يكون موضع متاع تجارتهم، و كان فيهم بعض أهل ملّة اخرىٰ، و كانت تحت يده من ذلك المتاع، يكون احتمال كونِه من غير بلد المسلمين و اشترائه من غير أهل هذا السوق، احتمالًا بعيداً لا يعتني به العقلاء.

و لو استشكل في هذا البناء أو حجّيته، لكن لا إشكال في أنّ ذلك الارتكاز موجب لفهم العرف من الروايات: أنّ سوق المسلمين و غلبتهم صار سبباً لحكم الشارع بجواز الصلاة فيما يشترى منه، أو ممّا صنع في أرضهم.

نعم ربّما يقال «2»: إنّ

رواية إسماعيل بن عيسىٰ قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجيل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟

قال: «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 241.

(2) جواهر الكلام 8: 54.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 249

رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» «1»

دلّت علىٰ أنّ يد الكافر أمارة علىٰ عدم التذكية.

و فيه: مع ضعف الرواية «2» أنّ الظاهر منها أنّ الفراء إذا كان من المتاع الذي يبيعه المشركون، و كان له نحو اختصاص بهم في التجارة، و كانوا هم الذين يبيعونه، لا يجوز الصلاة فيه، و يجب السؤال عنه، و هو غير أمارية يد الكافر، فكما أنّ سوق المسلمين أمارة على التذكية بما قدّمناه، كذلك سوق الكفّار، و كون المتاع منهم و من مال تجارتهم يكون أمارة علىٰ عدمها.

و بالجملة: فرق بين قوله: «إذا كان المشركون يبيعون ذلك» و بين قوله: «إذا اشتريت من مشرك» أو «من المشركين» فالمفهوم من العبارة الاولىٰ أنّ

للمتاع نحو اختصاص بهم في التجارة دون الثانية. و لا أقلّ من مساواة هذا الاحتمال للاحتمال الآخر، فلا يجوز معه رفع اليد عن إطلاق أدلّة اعتبار السوق الموافق لارتكاز العقلاء.

نعم، سوق الكفّار أو كون المتاع من أمتعتهم، أمارة علىٰ عدم التذكية، ما لم تقم أمارة أقوى عليها، كترتيب المسلم آثار التذكية عليها. و لعلّه الظاهر من ذيل رواية إسماعيل، و هو قوله (عليه السّلام): «و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه». فإنّ المفهوم منه أنّ ما رأيتم المشركين يبيعونه يجب السؤال عنه، إلّا إذا رأيتم المسلمين يصلّون فيه؛ أي في ذلك المتاع الذي يبيعه المشركون. و ليس المراد

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 371/ 1544، وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 7.

(2) رواها الشيخ بإسناده، عن أحمد بن محمّد، عن سعد بن إسماعيل، عن أبيه إسماعيل بن عيسى.

و الرواية ضعيفة بسعد بن إسماعيل و أبيه فإنّهما غير مذكورين في كتب الرجال.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 250

من قوله: «يصلّون فيه» أنّ جميع المسلمين يصلّون فيه، فلا محالة يراد به جواز الصلاة إذا رتّب المسلم آثار التذكية عليه. و لا اختصاص بالصلاة فيه، بل الظاهر أنّ ترتيب مطلق آثارها موجب لذلك، و سيأتي إشكال فيه «1».

ثمّ اعلم: أنّا و إن قلنا بعدم جريان أصالة عدم التذكية «2»، لكن بمقتضىٰ موثّقة ابن بكير التي علّق فيها جواز الصلاة على العلم بالتذكية «3»، نحكم بعدم الجواز إلّا مع قيام الأمارة عليها، أو دلّ دليل علىٰ جواز معاملة المذكى معه، و لا شبهة عندهم في أنّ سوق المسلمين و الصنع في أرضهم أمارة عليها، لا بمعنى اعتبار مفهوم «السوق» بل

الظاهر أنّ ما هو الموضوع للحكم هو اجتماع المسلمين، و كون المتاع في مجتمعهم و مورد تجارتهم، سواء كان في السوق أو غيره.

كما أنّ المراد بما صنع في أرض الإسلام، أنّ المصنوع من مصنوعات مجتمعهم و لو لم تكن الأرض لهم، فلو اجتمع المسلمون في أرض غيرهم، و كان المتاع الفلاني كالفراء من مصنوعات ذلك المجتمع، و كان صنع غيرهم له مشكوكاً فيه أو نادراً، يحكم عليه بالتذكية.

و الحاصل: أنّ الأمارة على التذكية كون الجلد في مجتمعهم؛ سوقاً أو غيره، و كونُه صنعَ مجتمعهم و مستقرّهم؛ كان الأرض ملكاً لهم أو لا، و هذا لا ريب فيه ظاهراً. و احتمال خصوصية «السوق» و نحوه من العناوين، ضعيف ملغى بنظر العرف؛ ضرورة أنّهم لا يرون لخصوصية السقف و الجدار دخالة في الحكم، و كذا لمملوكية الأرض. و كون النكتة للجعل دفع الحرج، مشتركة بين السوق و غيره. مع أنّ كونها ذلك غير معلوم.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 252.

(2) تقدّم في الصفحة 236 238.

(3) تقدّم في الصفحة 239.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 251

أمارية سوق المسلمين على التذكية بلا وسط

ثمّ إنّه لا ثمرة مهمّة في البحث عن أنّ عنوان «السوق» و عنوان «الصنع في أرض المسلمين» أو «الفراء اليماني» أو «الحجازي» ممّا ورد في النصوص يرجع إلىٰ عنوان واحد هو «كون الشي ء في مجتمعهم» أو عناوين مستقلّة؟

نعم، الظاهر بناءً على الأمارية أنّ عنوان «السوق» و غيره أمارة على التذكية بلا وسط لا أمارة على الأمارة عليها، و ما هي أمارة بلا وسط يد المسلم، أو يده مع ترتيبه أثر التذكية علىٰ ما في اليد، أو نفس ترتيب المسلم أثرها و لو لم يكن تحت يده، مثل عدم احترازه عن

ملاقاته و الصلاة في ملاقيه لأنّ ظاهر الأدلّة أنّ السوق بنفسه أمارة عليها لا بوسط، و لا دليل على الوسطية، بل لا إشعار في الروايات عليها.

حول أمارية يد المسلم على التذكية

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ يد المسلم مطلقاً أو مع ترتيب أثر التذكية أو نفس ترتيبه الأثر، أمارة عليها، فإن كان شي ء تحت يده أو تعامل معه معاملة المذكى في غير سوق المسلمين و أرضهم، يحكم عليه بالتذكية؟ الظاهر ذلك.

لا لكون الأدلّة الواردة في المقام، ظاهرة في أمارية يده عليها أصالة؛ لما عرفت.

و لا لرواية إسماعيل بن عيسى المتقدّمة «1»: بدعوىٰ: أنّ الظاهر منها عدم لزوم السؤال عمّا كان بائعه مسلماً غير

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 248.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 252

عارف، فضلًا عن العارف؛ لقصرها لزوم السؤال علىٰ ما إذا كان المشركون يبيعونه، فكأنّه قال: «لا يجب السؤال إذا كان المسلم يبيعه».

و بدعوىٰ: أنّ دلالة ذيلها علىٰ أنّ ترتيب المسلم أثر التذكية أمارة كما تقدّم «1»، فتدلّ على اعتبار يد المسلم و ترتيبه الأثر و إن كانت يده مسبوقة بيد الكافر، كما يظهر من ذيلها بالتقريب السابق.

و ذلك لأنّ في الرواية احتمالًا آخر مساوياً له، أو أقرب منه؛ و هو أنّ قوله (عليه السّلام): «عليكم أنتم أن تسألوا عنه» أي عليكم أن تسألوا عمّا يبيعه المسلم غير العارف إذا كان المتاع ممّا يبيعه المشركون، فيكون المراد أنّ المبيع إذا كان من متاع المشركين و مورد تجارتهم نوعاً، يجب السؤال عنه و إن باعه مسلم؛ ترجيحاً للغلبة.

و قوله (عليه السّلام): «و إذا رأيتهم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» معناه: أنّ ما كان من متاع تجارة المشركين، و كان له نحو اختصاص بهم، لا يجوز

الصلاة فيه، إلّا أن يكون المسلمون يصلّون فيه، لا بمعنى صلاة جميع المسلمين فيه، بل بمعنى بناء المسلمين على الصلاة فيه.

و حاصل فقه الحديث علىٰ هذا الاحتمال: أنّ البائع إذا كان مسلماً، و باع المتاع الذي كان يبيعه المشركون نوعاً بحيث ينسب المتجر إليهم يجب السؤال عنه؛ لترجيح غلبة الكفّار علىٰ فرد من المسلمين.

نعم إن كان بناء المسلمين على الصلاة فيه، يجوز الصلاة فيه بلا سؤال؛ ترجيحاً لعمل المسلمين علىٰ سوق الكفّار.

و هذا الاحتمال لو لم يكن ظاهر الرواية، فلا أقلّ من مساواته

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 249.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 253

للاحتمال المتقدّم، فتدلّ الرواية حينئذٍ علىٰ عدم اعتبار يد المسلم في مثل الواقعة، نعم لا تدلّ علىٰ نفي الاعتبار مطلقاً، و لا على الاعتبار و لو في الجملة. هذا بعد تسليم أنّ السوق المسئول عنه أعمّ من سوق المسلمين في خصوص الرواية؛ لقرينة.

و لا للروايات الواردة في باب سَوْق الهدي،

كصحيحة حفص بن البَخْتَري قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل ساق الهدي، فعطب في موضع لا يقدر علىٰ من يتصدّق به عليه، قال: «ينحره، و يكتب كتاباً يضعه عليه؛ ليعلم من مرّ به أنّه صدقة» «1»

و قريب منها روايات أُخر «2».

و ذلك لأنّ في مورد تلك الروايات يكون النحر وجدانياً، و كونه بيد مسلم مجزوماً به بالأمارات، كالنحر و الكتابة و كونه في طريق الحجّ، و إنّما الشكّ في حصول التذكية الشرعية، و هي محرزة بأصالة الصحّة، و لا كلام في جريانها فيما إذا أُحرز عمل المسلم و شكّ في صحّته، و هو غير ما نحن بصدده من إحراز التذكية من غير إحراز الذبح و النحر، فضلًا

عن كونهما بيد المسلم، فتلك الروايات أجنبية عن المدّعىٰ.

و لا لأولوية اعتبار يد المسلم من يد مجهول الحال في سوق المسلمين؛ و ذلك لأنّ المعتبر في المفروض سوق المسلمين، لا يد مجهول الحال. و لو لا مخافة مخالفة الأصحاب، لقلنا باعتبار سوق المسلمين و لو كان الشي ء في يد الكافر، لا لكون يده معتبرة، بل لكون السوق كذلك.

______________________________

(1) الفقيه 2: 297/ 1477، وسائل الشيعة 14: 141، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 31، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 14: 141، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 254

و لا لأصالة الصحّة؛ لأنّ إثباتها لتلك المثبتات محلّ إشكال. مضافاً إلىٰ أنّ مبنىٰ أصالة الصحّة عند العقلاء، أنّ العاقل إذا أتى بعمل يعتبر في صحّته أُمور لا يتركها عمداً، و لا يأتي بها فاسداً؛ لمنافاة الترك عمداً لقصد فراغ الذمّة و قصد تحقّق المأتي به، و الترك من غير عمد مخالف للأصل، و هذا غير جارٍ في المستحلّ.

و لا تجري أصالة الصحّة مع احتمال التصادف للواقع في باب الاتفاق، كما قرّر في محلّه «1».

مع أنّ الصحّة في بعض الأحيان و الأعمال لا تلازم التذكية، كما لو صلّىٰ في شي ء لإمكان كون صلاته فيه لعذر، و لا يحرز بأصالة الصحّة عدم العذر.

و لا لكون ترتيب آثار التذكية بمنزلة الإخبار عنها، فكما أنّ إخبار ذي اليد حجّة عند العقلاء كذلك ما هو بمنزلته؛ و ذلك لمنع كونه بمنزلته، سيّما في المستحلّ ذبيحة أهل الكتاب و مستحلّ الصلاةَ في جلد الميتة مع دباغه، و سيّما مع اختلاف الناس معنا في بعض شرائط التذكية، كالتسمية و فري الأوداج و غيرهما.

بل لا يلازم بعض الأعمال

من غير المستحلّ أيضاً التذكيةَ، كما تقدّم، فلا يكون مطلق ترتيب الآثار بمنزلة الإخبار.

بل لبناء المتشرّعة علىٰ ترتيب آثار الملكية علىٰ ما في يد المسلمين من غير نكير، و هو كاشف عن التذكية.

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 361 364.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 255

و إن شئت قلت: سيرة المتشرّعة علىٰ ترتيب آثار الملكية و التذكية علىٰ ما في يدهم من غير تفرقة بين المستحلّ و غيره؛ سواء كان في سوق المسلمين أم لا.

مضافاً إلىٰ أنّ البناء العملي على التذكية فيما في يد غير المستحلّ مع ترتيبه آثارها، كأنّه إجماعي لم ينقل الخلاف فيه من أحد «1».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 255

و الإنصاف: أنّ الخدش في كلّ واحد ممّا ذكر و إن أمكن، لكن لا يبعد دعوى الوثوق من مجموعها علىٰ أنّه يتعامل مع ما في أيدي المسلمين معاملة المذكى، سيّما مع كون ذبيحة المسلمين محلّلة علينا، و قد اختلفوا معنا في شرائط الذبح، مع مناسبة الحكم لسهولة الملّة و سماحتها.

مضافاً إلىٰ أنّ سوق المسلمين في تلك الأعصار و البلاد، كان لغير الطائفة المحقّة، و لم يكن لهذه الطائفة سوق في تلك البلاد، و هم مختلفون مع الطائفة في كثير من الشرائط، كفري الأوداج «2» و استقبال القبلة «3»، و التسمية «4»، و مورد النحر و الذبح «5»، و آلة الذبح «6»، و في الصيد أيضاً في صائده و شرائطه «7»، و في استحلال ذبيحة أهل الكتاب «8» مع كثرتهم في

ذلك العصر، كما

______________________________

(1) راجع مستند الشيعة 1: 352.

(2) الخلاف 6: 47، الامّ 2: 236/ السطر الأخير، المجموع 9: 90.

(3) الخلاف 6: 50، الامّ 2: 239، المجموع 9: 86.

(4) الخلاف 6: 10، الامّ 2: 227 و 234، المغني، ابن قدامة 11: 4 5.

(5) الخلاف 6: 48، الامّ 2: 239، المجموع 9: 90.

(6) الخلاف 6: 22، المغني، ابن قدامة 11: 45.

(7) الخلاف 6: 5 6، الامّ 2: 227 و 272، المجموع 9: 95 97.

(8) الخلاف 6: 23 24، الامّ 2: 231 و 232، المجموع 9: 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 256

يظهر من الأسئلة و الأجوبة في الروايات الواردة في ذبيحتهم و أوانيهم و أثوابهم «1». و معه يمكن أن يقال:

اعتبار يد المسلم لأجل التوسعة على العباد لا الأمارية

إنّ حكم تحليل ما يشترى من السوق، لأجل التوسعة على العباد لا لكاشفيته و أماريته عن التذكية؛ ضرورة أنّه مع هذا الاختلاف الفاحش بين الفرقتين، و أقلّية الفرقة الحقّة، لم يكن سوق المسلمين و لا يدهم أمارة عقلائية على التذكية الشرعية، فخصوصية السوق ليست لكاشفيته عن التذكية الشرعية، بل لأجل أنّه يتعامل مع المأخوذ من يد المسلمين الذين لا يراعون شرائط التذكية، معاملة المذكى توسعةً على العباد، كما أنّه يعمل مع ما في سوقهم و ما صنع في أرضهم معاملته، كلّ ذلك للتوسعة.

و تشهد لما ذكرناه مضافاً إلىٰ عدم صالحية مثل هذا السوق و تلك اليد للأمارية الروايات الواردة في الباب «2» الظاهرة فيما ذكرناه، و ليس فيها بكثرتها ما تشعر بالأمارية، بل لسانها لسان أدلّة الأُصول:

كقوله (عليه السّلام): «هم في سعة حتّى يعلموا».

و

قولِه (عليه السّلام): «إنّ الدين أوسع من ذلك».

و

قولِه (عليه السّلام): «لا بأس ما لم تعلم أنّه

ميتة».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 24: 48، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 26 و 27، و 3: 517، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 72 74.

(2) راجع ما تقدّم من الروايات في الصفحة 236 و 239 242.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 257

و

قولِه (عليه السّلام): «صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه».

و ما ظهر لي بعد التأمّل في الأخبار و النظر في حال سوق المسلمين في تلك الأعصار الذي كان منحصراً بالعامّة أمران:

أحدهما: أنّ منشأ سؤال السائلين احتمال عدم مراعاة القصّابين شرائطَ التذكية.

و ثانيهما: أنّ الحكم علىٰ سبيل التوسعة، لا للأمارية العقلائية، و لا الجعلية الشرعية لو سلّم إمكانها، كما تشهد لهما

صحيحة الفضلاء: أنّهم سألوا أبا جعفر (عليه السّلام) عن شراء اللحوم من الأسواق، و لا يدرىٰ ما صنع القصّابون؟ فقال: «كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين، و لا تسأل عنه» «1».

فكان منشأ سؤال فقهاء أصحاب أبي جعفر (عليه السّلام) اطلاعهم علىٰ فتاوىٰ أبي حنيفة و مالك، و اختلافها معنا.

و قوله (عليه السّلام): «كل ..» إلىٰ آخره، لا يدلّ إلّا علىٰ جواز الأكل ممّا كان في سوق المسلمين، لا لأماريته على التذكية الشرعية بالشرائط المقرّرة عند الفرقة المحقّة؛ ضرورة عدم أماريته لها، كما مرّ.

و لا لأصالة الصحّة، فإنّها غير جارية في مثل المقام الذي يحتمل الانطباق من باب الاتفاق.

و لا لأمارية اليد الكذائية؛ لعين ما ذكر.

بل للتوسعة على العباد، كما تدلّ عليه الروايات المتقدّمة.

و إن شئت قلت: هذه الرواية لا تدلّ إلّا علىٰ جواز الأكل بلا سؤال، و سائر

______________________________

(1) الكافي 6: 237/ 2، الفقيه 3: 211/ 976، وسائل الشيعة 24: 70، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح،

الباب 29، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 258

الروايات ظاهرة في أنّ الحكم علىٰ نحو التوسعة لا الأمارية، فلا تنافي بينهما.

بل يمكن أن يقال: إنّ تجويزَ الأكل و تركَ السؤال في موضوع لا يقوم عليه أمارة عند العقلاء، ظاهر في التوسعة.

و تشهد أيضاً لما ذكرناه

رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و فيها: «و اللّٰه، إنّي لأعترض على السوق، فأشتري اللحم و السمن و الجبن، و اللّٰه ما أظنّ كلّهم يسمون: هذه البربر، و هذه السودان» «1».

فلو كان السوق أمارة على التذكية لكان المناسب أن يقول (عليه السّلام): «إنّ ما يشترى منه مذكّى» و لا يتناسب هذا التعبير مع إلغاء احتمال الخلاف في الأمارات.

و يشهد له خبر

عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أدخل السوق أعني هذا الخلق الذي يدعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة، و أقول لصاحبها: أ ليس هي ذكية؟ فيقول: بلىٰ، فهل يصلح لي أن أبيعها علىٰ أنّها ذكية؟ فقال: «لا، و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكية».

قلت: ما أفسد ذلك؟ قال: «استحلال أهل العراق الميتةَ» «2».

حيث يظهر منها جواز البيع و الشراء مطلقاً، و عدم جواز الإخبار بتذكيتها حتّى مع إخبار صاحبها؛ لاستحلال أهل العراق الميتة، فلو كان سوق المسلمين

______________________________

(1) المحاسن: 495/ 597، وسائل الشيعة 25: 119، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 5.

(2) الكافي 3: 398/ 5، وسائل الشيعة 3: 503، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 259

أمارة على التذكية، جاز الإخبار

بها و لو لم يخبر صاحبها بها، و ليس هذا إلّا لكون جواز ترتيب أثر التذكية عملًا، إنّما هو للتوسعة على العباد، لا أنّ السوق أو اليد أمارة عليها.

فظهر من جميع ذلك جواز معاملة المذكى لما في سوق المسلمين و ما صنع في أرضهم و ما في أيدي المستحلّ و غيره، بل مورد الروايات هو ما في أيدي المستحلّين للميتة و لو لاستحلال ذبيحة أهل الكتاب، أو استحلال ما لا يكون مذكّى شرعاً عند الفرق الناجية.

و مقتضى إطلاق الروايات جواز الشراء من يد مجهول الحال.

بل لعلّ سوق المسلمين و أرضهم أمارة علىٰ أنّ مجهول الحال مسلم.

و أمّا المأخوذ من يد الكافر، فمع كون الحكم بعدم التذكية مظنّة الإجماع «1»، يمكن دعوى قصور الروايات عن شموله بالتقريب الأخير؛ فإنّها سؤالًا و جواباً بصدد بيان حال المأخوذ من سوق العامّة و أيديهم. و المسألة بجميع جوانبها تحتاج إلىٰ مزيد تدبّر.

______________________________

(1) مستند الشيعة 1: 353.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 261

المطلب السادس في بيان طرق ثبوت الطهارة و النجاسة

في ثبوت الموضوعات بالعلم

طريق ثبوت النجاسة و الطهارة و غيرهما من الموضوعات الخارجية: العلم، و ما قام مقامه من الأمارات الشرعية، و بعض الأُصول.

و قيل: «بثبوتها بمطلق الظنّ؛ فإنّ الشرعيات كلّها ظنّية، و العمل بالمرجوح في مقابل الراجح قبيح و هو منقول عن أبي الصلاح الحلبي» «1».

و فيه منع اعتبار الظنّ المطلق في الشرعيات. و لو فرض اعتباره في الأحكام فإلحاق الموضوعات بها قياس. و منع كون عدم العمل بالظنّ من باب ترجيح المرجوح عليه، بل لعدم الدليل على اعتباره، و العمل بالأُصول المعتبرة في مقابل الظنّ عمل بالراجح.

و عن ابن البرّاج أنّ طريق ثبوتها العلم فقط، قائلًا: «إنّ الطهارة ثابتة بالعلم، و البيّنة لا تفيد

إلّا الظنّ» «2».

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 608/ السطر 7، إيضاح الفوائد 1: 23، الكافي في الفقه: 140.

(2) جواهر الفقه: 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 262

و فيه منع ثبوت الطهارة بالعلم إلّا في بعض الأحيان. و منع الملازمة بين ثبوتها بالعلم و ثبوت النجاسة به؛ لعدم الدليل علىٰ أنّ الشي ء إذا ثبت بالعلم لا بدّ و أن يثبت ضدّه به أيضاً.

و أمّا الاستدلال «1» له بنحو

قوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» «2»

فلا يخفى ما فيه بعد تحكيم أدلّة اعتبارات الأمارات عليه؛ لو سلّم أنّ المراد بالعلم هو العلم الوجداني، و إلّا فهو أيضاً محلّ منع أشرنا إلىٰ وجهه في بعض المقامات «3».

في ثبوت الموضوعات الخارجية بالبيّنة

فالأولىٰ صرف الكلام إلىٰ ما يثبت به النجاسة غير العلم:

لا ينبغي الإشكال في ثبوتها بالبيّنة، كما عن المشهور «4»؛ فإنّ الأدلّة الواردة في ثبوت المعظّمات بها كما يوجب القتل، مثل الزندقة و عبادة الأوثان و اللواط، أو القطع كالسرقة، أو الحدّ، كشرب الخمر و نحوها ممّا يعثر عليه المتتبّع «5» و كذا في موارد حقوق الناس و غيرها من الموارد الكثيرة المختلفة

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 608/ السطر 12.

(2) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

(3) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 241.

(4) جواهر الكلام 6: 172، مصباح الفقيه، الطهارة: 609/ السطر 3، مستمسك العروة الوثقى 1: 202.

(5) راجع وسائل الشيعة 27: 241، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم، الباب 7 و 8 و 12 و 15، و: 332، كتاب الشهادات، الباب 14 و 41 و 49 و 51، و 28: 156، كتاب الحدود

و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 2، و: 239، أبواب حدّ المسكر، الباب 14، و: 262، أبواب حدّ السرقة، الباب 8، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 263

موجبة لإلغاء الخصوصية عرفاً؛ لأنّ العرف يرىٰ أنّ ثبوت تلك الأحكام كالقطع و القتل و الحدّ، إنّما هو لثبوت موضوعاتها بالبيّنة من غير دخالة لخصوصية الموضوع أو الحكم في ذلك.

بل دعوى الجزم باعتبارها في مثل النجاسة و الطهارة من غير المعظّمات- بعد ثبوت تلك المعظّمات بها غير جزاف.

هذا مضافاً إلىٰ

موثّقة مَسْعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه، فتدعه من قِبل نفسك، و ذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته و هو سرقة، و المملوك يكون عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك و هي أُختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها علىٰ هذا حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة» «1».

و في الرواية احتمالان:

أحدهما: ما فهموا منها؛ و هو أنّ كلّ شي ء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه؛ سواء كان من قبيل الأمثلة ممّا قامت أمارة عقلائية و شرعية علىٰ حلّيتها أم لا، فإنّ الأمارة لا توجب العلم الوجداني بالحلّية، فيصحّ انسلاك موردها فيما لا يعلم، و ذكر خصوص تلك الأمثلة إنّما هو من باب الاتفاق.

ثمّ عقّبها بقاعدة كلّية شاملة لمواردها و غيرها؛ هي قوله (عليه السّلام): «و الأشياء كلّها علىٰ هذا ..» إلىٰ آخره.

______________________________

(1) الكافي 5: 313/ 40، تهذيب الأحكام 7: 226/ 989، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 4، ص: 264

و المراد بالاستبانة المقابلة للبيّنة إن كان خصوص العلم الوجداني، فاختصاصهما بالذكر لكونهما أوضح مصاديق ما يثبت به الموضوع، فلا ينافي ثبوته بغيرهما، كإخبار ذي اليد و الاستصحاب.

و إن كان المراد بها مطلق الأمارات و الأُصول المحرزة، فاختصاص البيّنة بالذكر لكونها أوضح مصاديق ما جعله الشارع حجّة.

و المراد من «قيام البيّنة» قيامها على السرقة و الحرّية و الأُختية و نحوها من الموضوعات التي تقوم عليها البيّنة عادة.

و توهّم أنّ المراد قيامها على الحكم، فاسد جدّاً مخالف لظاهر الرواية، و للمعهود من قيامها على الموضوعات فتترتّب عليها الأحكام، لا عليها.

و لا شبهة في عدم فهم خصوصية للموضوعات التي تترتّب عليها الحرمة حتّى يقال: لا دلالة لها علىٰ حجّية البيّنة فيما يترتّب عليه حكم وجوبي؛ لأنّ المستفاد منها أنّ تمام الملاك لثبوت الموضوع قيام البيّنة، سيّما مع كونها أمارة عقلائية مضاعفة، فإنّ خبر الثقة أيضاً أمارة عقلائية.

و بالجملة: لمّا كانت للبيّنة حيثية الأمارية، فلا يفهم العرف من قاطعيتها للحلّية إلّا لأماريتها على الواقع و ثبوته بها؛ من غير خصوصية للموضوعات أو الأحكام المترتّبة عليها، خصوصاً مع جعلها عدلًا للاستبانة.

و الاحتمال الثاني الذي يمكن أن يكون ثقيلًا على الأسماع ابتداءً، و ليس بعيداً بعد التنبّه لخصوصيات الرواية: هو أنّ المراد بقوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء هو لك حلال» أنّ ما هو لك بحسب ظاهر الشرع حلال، فيكون قوله (عليه السّلام): «هو لك» من قيود الشي ء «و حلال» خبره، و تشهد لهذا أُمور:

منها: ذكر «هو» في خلال الكلام، و هو غير مناسب لبيان حلّية المجهول،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 265

كما هو غير مذكور في الروايات التي سيقت لبيان حلّيته

«1»، فنكتة ذكر الضمير لعلّها لإفادة خصوصية زائدة؛ هي تقييد الشي ء بكونه لك.

و منها: قوله: «و ذلك مثل ..» كذا و كذا، فإنّ الظاهر منه أنّ له عناية خاصّة بالأمثلة التي ذكرها، و لها نحو اختصاص بالحكم.

و منها: ذكر الأمثلة التي كلّها من قبيل ما تقدّم من كون الموضوع ممّا يختصّ به بحسب أمارة شرعية، كاليد، أو أصالة الصحّة، أو الاستصحاب، فذكر خصوص تلك الأمثلة التي ليست واحدة منها من مورد كون الشكّ موجباً للحلّية، يؤكّد ما ذكرناه، بل يدلّ عليه.

و منها: أنّ لسان الرواية بناءً على الاحتمال الأوّل لسان الأصل، و هو لا يناسب الأمثلة المذكورة، و أمّا بناءً على الاحتمال الثاني فليس المنظور جعل الحكم الظاهري حتّى لا يناسبها، بل أمر آخر يأتي بيانه.

و منها: تخصيص العلم الوجداني و البيّنة بالذكر، فإنّ الظاهر من «الاستبانة» في مقابل البيّنة هو العلم الوجداني، فحملها على الأعمّ خلاف الظاهر المتفاهم منها، فعليه تكون الرواية بصدد بيان أنّ ما هو لك بحسب الأمارات الشرعية و نحوها، لا تنقطع حلّيته إلّا بالعلم الوجداني و خصوص البيّنة من بين الأمارات، و ليست بصدد بيان الحكم الظاهري.

ففقه الحديث علىٰ هذا: أنّ ما هو بحسب ظاهر الشرع لك و مختصّ بك- كالثوب الذي اشتريته و احتمل أن يكون سرقة، و المملوك الذي تحت يدك

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1، و 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 1 و 2 و 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 266

و محكوم بملكيتك و احتمل حرّيته، و الامرأة التي تحتك و احتمل كونها أُختك

أو رضيعتك، مع أنّ اليدَ و أصالةَ الصحّة بل و الاستصحابَ الموضوعي في الرضيعة بل في الأُخت علىٰ فرض جريانه في الأعدام الأزلية، كلّ يقتضي كونها زوجتك هو حلال لك لا تنقطع حلّيته إلّا بأمرين: العلم الوجداني، و البيّنة، دون سائر الأمارات.

و هذا الاحتمال و إن كان بعيداً ابتداءً؛ لأُنس الأذهان بأنّ مثل العبارة سيقت في سائر الروايات لبيان الحكم الظاهري، لكن بعد التأمّل في الجهات المتقدّمة لا يبعد أن يكون أظهر من الأوّل، و لا أقلّ من مساواته له في رفع الإشكال به عن الرواية، فيكون حينئذٍ المراد من قوله (عليه السّلام): «و الأشياء كلّها علىٰ هذا» أنّ كلّ شي ء من قبيل الأمثلة، لا جميع الأشياء.

و كيف كان: تثبت علىٰ هذا الاحتمال أيضاً حجّية البيّنة مطلقاً؛ ضرورة أنّ جعلها عِدلًا للعلم في قطع الأُصول و الأمارات العقلائية و الشرعية المخالفة لها، موجب لاستظهار كونها أقوى الأمارات في إثبات الموضوعات، و احتمال دخالة خصوصية قيام الأمارة علىٰ خلافها في حجّيتها، مدفوع بالقطع و مخالفته لفهم العقلاء، فالمستفاد منها أنّ البيّنة عِدل العلم في إثبات الموضوعات حتّى مع قيام الأمارات علىٰ خلافها.

و تدلّ علىٰ ثبوتها بها أيضاً

رواية عبد اللّٰه بن سليمان قال: «كلّ شي ء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة» «1».

______________________________

(1) الكافي 6: 339/ 2، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 267

في عدم ثبوت الموضوعات الخارجية بخبر الثقة
اشارة

و هل يثبت النجاسة بل سائر الموضوعات بخبر الثقة؟

قيل: نعم «1»؛ تمسّكاً باستقرار سيرة العقلاء على العمل به، و لم يثبت الردع من الشارع، بل ثبت الإنفاذ في أخذ الأحكام و الأخبار

من الثقات.

و الظاهر من الأخبار الواردة في هذا المضمار أنّ الشارع لم يؤسّس حكماً بل أنفذ ما لدى العقلاء من الأخذ عن الثقات، و لا فرق في نظر العقل و العقلاء بين الأحكام و موضوعاتها. نعم، ورد الردع في بعض الموارد، كأبواب الخصومات.

بل يمكن الاستدلال للمطلوب بموثّقة مَسْعدة المتقدّمة «2»؛ بدعوىٰ أنّ الاستبانة أعمّ من العلم و غيره، كخبر الثقة، و إنّما خصّت البيّنة بالذكر لكونها أوضح الطرق الشرعية، لا لخصوصية فيها.

و تشهد له أيضاً الأخبار الواردة في أبواب مختلفة، مثل

صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و فيها: قلت: فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنّه قد عزل عن الوكالة، فالأمر علىٰ ما أمضاه؟

قال: «نعم». قلت له: فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر، ثمّ ذهب حتّى أمضاه، لم يكن ذلك بشي ء؟ قال: «نعم؛ إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس، فأمره ماضٍ أبداً، و الوكالة ثابتة؛ حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه، أو يشافه بالعزل عن الوكالة» «3».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 609/ السطر 20.

(2) تقدّمت في الصفحة 263.

(3) الفقيه 3: 49/ 170، تهذيب الأحكام 6: 213/ 503، وسائل الشيعة 19: 162، كتاب الوكالة، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 268

و

موثّقةِ إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل كانت له عندي دنانير، و كان مريضاً، فقال لي: إن حدث بي حدث فأعط فلاناً عشرين ديناراً، و أعط أخي بقيّة الدنانير، فمات و لم أشهد موته، فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي: إنّه أمرني أن أقول لك: انظر الدنانير التي أمرتك

أن تدفعها إلىٰ أخي، فتصدّق منها بعشرة دنانير؛ اقسمها في المسلمين، و لم يعلم أخوه أنّ عندي شيئاً، فقال: «أرىٰ أن تصدّق منها بعشرة دنانير» «1».

و

موثّقةِ سَمَاعة قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة أو تمتّع بها، فحدّثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال: إنّ هذه امرأتي، و ليست لي بيّنة، فقال: «إن كان ثقة فلا يقربها، و إن كان غير ثقة فلا يقبل» «2».

و الأخبار الدالّة علىٰ جواز الاعتماد علىٰ أذان الثقة «3» و ما دلّت علىٰ جواز وطي الأمة بغير استبراء إذا كان البائع ثقة أميناً «4».

و

صحيحةِ ابن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «اغتسل أبي من الجنابة، فقيل له: قد أبقيت لُمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكتّ؟! ثمّ مسح تلك اللُّمعة بيده» «5».

______________________________

(1) الكافي 7: 64/ 27، تهذيب الأحكام 9: 237/ 923، وسائل الشيعة 19: 433، كتاب الوصايا، الباب 97، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 7: 461/ 1845، وسائل الشيعة 20: 300، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 23، الحديث 2.

(3) راجع وسائل الشيعة 5: 378، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3.

(4) راجع وسائل الشيعة 21: 89، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 6، الحديث 1 و 4 و 6.

(5) الكافي 3: 45/ 15، وسائل الشيعة 2: 259، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 41، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 269

أقول: و في الجميع نظر:

أمّا استقرار سيرة العقلاء،

فمسلّم، لكن مع ما نرىٰ من اعتبار البيّنة في موارد كثيرة لا تحصى، لا يبقى وثوق بها؛ فإنّها بنفسها ليست بحجّة، و مع ورود الردع في تلك الموارد لا

يمكن استكشاف عدمه في الموارد المشكوك فيها.

إلّا أن يقال: إنّ للموارد المردوعة خصوصيات، كباب الخصومات؛ فإنّ غالب مواردها قامت أمارة شرعية علىٰ أمر يراد دفعها، فلا بدّ و أن تكون الأمارة الدافعة أقوى منها، و لهذا اعتبرت فيها البيّنة لقطعها، و في موارد الحدود و نحوها، يكون للشارع الأقدس مزيد عناية بعدم ثبوتها، و محفوظيةِ عِرض المسلم و دمه، و لهذا تدرأ بالشبهات، و لا يعتنىٰ في بعض الموارد بإقرار المرتكب مرّة أو مرّتين أو أزيد، فردع الشارع في تلك الموارد المهمّة، لا يدلّ علىٰ ردعه في سائر الموارد.

لكن نَقْل الشهرة علىٰ عدم اعتبار خبر الثقة فيما نحن فيه «1»، و كذا نَقْلها بل نَقْل الإجماع في الموارد التي ورد فيها الخبر بالخصوص باعتبار خبر الثقة علىٰ عدم الثبوت به، كمورد عزل الوكيل «2»، و مورد الوصية «3»، و مورد أذان الثقة «4»، ممّا تأتي الإشارة إليه «5»، ربّما توجب الوثوق بمعهودية عدم اعتباره في الموضوعات.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 609/ السطر 20.

(2) جامع المقاصد 8: 290.

(3) جواهر الكلام 28: 352 و 354.

(4) جواهر الكلام 7: 268، مستمسك العروة الوثقى 5: 152.

(5) ستأتي في الصفحة 271 272.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 270

هذا مع أنّ موثّقة مَسْعدة «1» ظاهرة في الردع عنه؛ بناءً علىٰ ما هو المعروف في معناها، أي الاحتمال الأوّل من الاحتمالين المتقدّمين؛ فإنّ الظاهر أنّ الغاية للحلّ مطلقاً البيّنة، فلو كان خبر الثقة مثبتاً للموضوع، كان اعتبار البيّنة بلا وجه؛ فإنّ معنى اعتبارها أن يكون كلّ واحد من الشاهدين جزء الموضوع للإثبات، و مقتضى ثبوته بخبر الثقة أنّه تمام الموضوع، فلا يمكن الجمع بينهما في الجعل، فالقول بأنّ الاستبانة

أعمّ من العلم و خبر الثقة «2»، ضعيف غايته؛ ضرورة لغوية جعل البيّنة حينئذٍ غايةً.

فإن قلت: المراد بالبيّنة شاهدا عدل و لو لم يكونا ثقتين من غير جهة الكذب، بل من جهته أيضاً، فإنّ ظهور الصلاح كاشف تعبّدي عن العدالة، فحينئذٍ يكون خبر الثقة في مقابل البيّنة، لا جزءها حتّى يرد الإشكال العقلي، فالبيّنة إحدىٰ طرق الإثبات، و هي شاهدا عدل ثبت عدالتهما بظهور الصلاح و لو لم نثق بهما من جهة الاحتراز عن الكذب، أو من جهة الغفلة و الخطأ، و خبر الثقة و لو لم يكن عدلًا طريق آخر له مباين لها، لا مداخل فيها. نعم لو قلنا باعتبار خبر واحد عدل، لتطرّق الإشكال المتقدّم.

قلت: نمنع عدم اعتبار الوثوق من جهة احتمال الغفلة و الخطأ في البيّنة؛ فإنّ الشاهدين إذا كانا من متعارف الناس، تجري فيهما أصالة عدم الخطأ و الغفلة لدى العقلاء. و إن لم يكونا كذلك، و كان الغالب عليهما الاشتباه و الخطأ، أو كانا بحيث لم يتكل عليهما العقلاء، و لم تجرِ في حقّهما الأُصول العقلائية، لا تعتبر شهادتهما، و تكون أدلّة اعتبار البيّنة منصرفة عن مثلهما.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 263.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 609/ السطر 35.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 271

و الظاهر ملازمة ظهور الصلاح بالمعنى المعتبر في الكاشف للوثوق النوعي بالاحتراز عن الكذب، و الوثوق الشخصي غير معتبر؛ لا في البيّنة، و لا في خبر الثقة، و مع عدم حصول الوثوق النوعي لجهة من الجهات في الشاهدين، فلا محالة تكون تلك الجهة منافية لظهور الصلاح.

مضافاً إلىٰ أنّ إطلاق الموثّقة، يقتضي اعتبار التعدّد و لو كان الشاهدان موثّقين. و حملها علىٰ خصوص غير الموثّق

مع كون العدلين موثوقاً بهما نوعاً، كما ترى.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الموثّقة رادعة عن العمل بخبر الثقة في الموضوعات، و من هنا ظهر ضعف التمسّك بها لإثبات اعتبار خبر الثقة، كما هو واضح.

نعم، بناءً على الاحتمال الثاني لا تكون الموثّقة رادعة إلّا عن الموارد التي قامت أمارة علىٰ إحراز موضوع، و يراد إثبات خلافها، نظير الأمثلة المتقدّمة «1».

و أمّا الروايات المستشهد بها،

فمع كونها في موارد خاصّة لا يمكن إثبات سائر الموارد بها، سيّما مع البناء علىٰ كون الموثّقة رادعة، و سيّما مع قلّة العامل بها على الظاهر، كما حكي عن «التذكرة» و «جامع المقاصد» الإجماع علىٰ عدم ثبوت العزل بخبر العدل «2»، و ظهور الكتاب و السنّة في عدم ثبوت الوصية إلّا بشاهدين عدلين «3»، بل أرسل الأصحاب إرسال المسلّمات عدم ثبوت شي ء من الوصية بإخبار رجل عدل «4»؛ و إن ثبت الربع منها بإخبار مرأة، و الربعين

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 269.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 143/ السطر 15 (ط حجري)، جامع المقاصد 8: 290.

(3) المائدة (5): 106 107، وسائل الشيعة 19: 309، كتاب الوصايا، الباب 20.

(4) جامع المقاصد 11: 305، مسالك الأفهام 6: 204، جواهر الكلام 28: 352 و 354.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 272

بمرأتين، و ثلاثة أرباع بثلاث للنصّ «1» فضلًا عن ثبوت التمام به، و عدم عمل المشهور بالأخبار الواردة في أذان الثقة في حال إمكان العلم «2»، و مع عدمه يكون مطلق الظنّ حجّة يثبت به الوقت.

أنّ المحتمل في خبر عزل الوكيل، أنّ العزل المحقّق واقعاً إذا بلغ بثقة، ينعزل الوكيل به، لا لأجل ثبوت العزل به، بل لبلوغه، ففرق بين ثبوت العزل به عند الشكّ فيه، و بين

بلوغ العزل المحقّق بثقة، فالأوّل محطّ البحث هاهنا، و الثاني مورد دلالة الخبر.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ العزل الواقعي لا يكون موضوع حكم حتّى يكون خبر الثقة مثبتاً له، بل الموضوع للحكم بلوغ العزل بثقة؛ علىٰ أن يكون كلّ من العزل و البلوغ جزءً للموضوع، و هو أجنبي عمّا نحن بصدده، و لا دليل علىٰ أنّ أحد الجزءين مثبت للجزء الآخر؛ و بهذا اللحاظ يكون موضوعاً له، فتدبّر تعرف.

و المحتمل في خبر الوصية، أنّ الوصي لم تكن شبهته في ثبوت الوصاية بخبر الثقة، بل الظاهر فرض حصول الاطمئنان بها، حيث فرض كون المخبر صادقاً.

مع أنّه أخبر عن واقعة شخصية كانت بينه و بين الموصي، و معه تطمئنّ النفس بصدقه، سيّما في أمر لا داعي له أن يكذب فيه، بل كانت شبهته في أنّ تبديل الوصية بوصية أُخرى جائز، و معه هل يجب على الموصي العمل بالأُولىٰ أو الثانية؟ تأمّل.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 19: 316، كتاب الوصايا، الباب 22.

(2) مستمسك العروة الوثقى 5: 152.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 273

و موثّقة سَماعة «1» محمولة على الاستحباب؛ ضرورة عدم اعتبار قول المدعي و لو كان ثقة، و قد ورد في موردها ما يدلّ علىٰ عدم سماع دعواه إلّا بالبيّنة «2».

و خبر قبول الاستبراء من البائع «3» من إخبار ذي اليد، و هو أمر آخر غير مربوط بالمقام.

و لم يظهر من خبر اللُّمعة «4» العمل بخبر الثقة، بل لعلّه كان مشتغلًا بالعمل، فصار خبره موجباً للشكّ حال الاشتغال، أو كانت اللمعة في الطرف الأيسر؛ بناءً على اعتبار الشكّ فيه و لو بعد الفراغ، أو كان من باب الاحتياط.

فالمسألة محلّ إشكال من جهة الإشكال في معنىٰ

موثّقة مَسْعدة، و من جهة عدم العثور علىٰ مورد عمل الأصحاب بخبر الثقة في الموضوعات كما عملوا به في الأحكام. و من هنا يشكل الاعتماد على السيرة و الوثوق بعدم الردع، فالأحوط عدم الثبوت بخبر الثقة لو لم يكن الأقوىٰ.

في ثبوت الموضوعات الخارجية بإخبار ذي اليد

و أمّا إخبار ذي اليد أي من كان له نحو استيلاء و تصرّف في الشي ء و لو كان غاصباً و فاسقاً، فضلًا عمّن كان مالكاً أو أميناً، كالمستأجر و المستودع، بل و الخادم و غيرهم فلا ينبغي الإشكال في اعتبار قوله في ثبوت النجاسة و الطهارة، بل و غيرهما إلّا ما استثني.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 268.

(2) وسائل الشيعة 20: 300، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 23، الحديث 3.

(3) تقدّم تخريجها في الصفحة 268، الهامش 4.

(4) تقدّم في الصفحة 268.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 274

و الدليل عليه السيرة المستمرّة، و بناء العقلاء، و نقل الشهرة، و الاتفاق علىٰ قبول قوله «1».

و يدلّ على اعتباره في الجملة الأخبار المختلفة في موارد لا يبعد إلغاء الخصوصية منها عرفاً:

منها: روايات قبول خبر غير العارف و غير معروف الحال في البختج إن لم يكن مستحلا،

كصحيحة عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يهدي إليه البختج من غير أصحابنا فقال: «إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه، و إن كان ممّن لا يستحلّ فاشربه» «2».

و

صحيحةِ معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ، يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ على الثلث، و أنا أعرف أنّه يشربه على النصف، فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال: «لا تشربه».

قلت: فرجل من غير أهل

المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث، و لا يستحلّه على النصف، يخبرنا أنّ عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه، و بقي ثلثه، يشرب منه؟ قال: «نعم» «3».

دلّتا علىٰ أنّه مع كون الرجل غير متهم و لا مكذّب عملُه قولَه، يقبل منه إخباره و لو كان إخباراً عملياً؛ سواء كان من أهل المعرفة أو لا، معلوم الحال أو

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 610/ السطر 11، مستمسك العروة الوثقى 1: 206.

(2) الكافي 6: 420/ 4، تهذيب الأحكام 9: 122/ 524، وسائل الشيعة 25: 292، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 1.

(3) الكافي 6: 421/ 7، تهذيب الأحكام 9: 122/ 526، وسائل الشيعة 25: 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 275

لا، و إطلاقهما يقتضي قبول قول الفاسق في مذهبه.

نعم، في بعض الروايات اعتبار كون المخبر مسلماً ورعاً مؤمناً، أو مسلماً عارفاً، أو اعتبار كون البختج حلواً يخضّب الإناء مضافاً إلىٰ إخبار صاحبه «1»، و الأُوليان محمولتان على الاستحباب حملًا على النصّ، و الثالثة محمولة علىٰ ما إذا كانت الأمارة علىٰ خلاف قوله؛ فإنّ عدم الاختضاب دليل علىٰ عدم التثليث، بل لعلّه دليل قطعي علىٰ عدمه، و أمّا الاختضاب فأعمّ من حصول التثليث، فاعتباره لأجل حصول الشكّ فيه، لا قيام الأمارة عليه.

نعم، إطلاق

صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها: «إذا كان يخضّب الإناء فاشربه» «2»

يقتضي أمارية الاختضاب على التثليث، لكنّها محمولة علىٰ صحيحة معاوية بن وهب «3» التي اعتبر فيها مضافاً إلىٰ ذلك أخبار ذي اليد؛ حملًا للمطلق على المقيّد.

و منها: بعض

الروايات الواردة في الجبن،

كرواية بكر بن حبيب قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الجبن؛ و أنّه توضع فيه الإنفحة من الميتة؟ قال: «لا تصلح» ثمّ أرسل بدرهم، فقال: «اشترِ من رجل مسلم، و لا تسأله عن شي ء» «4»

و نحوها

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 25: 294 و 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 6 و 7 و 3.

(2) الكافي 6: 420/ 5، تهذيب الأحكام 9: 122/ 525، وسائل الشيعة 25: 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 420/ 6، تهذيب الأحكام 9: 121/ 523، وسائل الشيعة 25: 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 3.

(4) المحاسن: 496/ 598، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 276

في عدم لزوم السؤال رواية حمّاد بن عيسىٰ «1».

و هذه الروايات و إن صدرت تقيّة؛ لأنّ الإنفحة من الميتة طاهرة عندنا، لكن يظهر منها أنّه لا بأس بالاشتراء و الأكل من سوق المسلمين، و لا يلزم السؤال، لكن لو سأل، و أجاب صاحب اليد بكون الميتة فيه، لا يجوز الأكل، فيظهر منهما أنّ هذا الحكم كان معهوداً في ذلك العصر.

و منها: ما وردت في قبول قول البائع الأمين الثقة في استبراء الأمة «2» و اعتبار الأمانة و الثقة؛ لكون أمر الفروج مهمّاً، كما يظهر من تلك الروايات.

و منها:

رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أدخل السوق أعني هذا الخلق الذي يدعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة، و أقول لصاحبها: أ

ليس هي ذكية؟ فيقول: بلىٰ، فهل يصلح لي أن أبيعها علىٰ أنّها ذكية؟ فقال: «لا، و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكية».

قلت: ما أفسد ذلك؟ قال: «استحلال أهل العراق الميتةَ» «3».

و قد مرّ في المسألة السابقة «4»: أنّ الظاهر منها و من سائر الروايات أنّ سوق المسلمين أي هذا الخلق ليس أمارة على التذكية و إن جاز لنا ترتيب

______________________________

(1) قرب الإسناد: 19/ 63، وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 8.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 268، الهامش 4.

(3) الكافي 3: 398/ 5، وسائل الشيعة 3: 503، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 4.

(4) تقدّم في الصفحة 256 259.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 277

آثارها توسعةً، و أمّا جواز الإخبار بها فهو من آثار ثبوتها لدى المخبر، و إنّما نهي عن الإخبار بها مع إخبار ذي اليد؛ لاستحلال أهل العراق الميتة، فيظهر منه أنّه لولا ذلك لجاز الاتكال علىٰ إخباره.

و قول عبد الرحمن: «ما أفسد ذلك؟» دليل علىٰ معروفية الاتكال علىٰ قول صاحب اليد، فسأل عن وجه عدم الجواز، فأجابه (عليه السّلام) بذلك.

إن قلت: مع عدم استحلاله تكون يده أمارة.

قلت: المراد ب «الاستحلال» استحلال الميتة بالدباغ، و لهذا نسبه إلىٰ أهل العراق، فحينئذٍ مع عدم الاستحلال أيضاً لا يكون سوقهم أمارة، و لا يدهم؛ لاختلافهم معنا في معظم شرائط التذكية، تأمّل.

و يمكن أن تعدّ من الشواهد أو الأدلّة الروايات الواردة في سياق الهدي،

كصحيح حفص بن البَخْتَري قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل ساق الهدي، فعطب في موضع لا يقدر علىٰ من يتصدّق به عليه، قال:

«ينحره، و يكتب كتاباً يضعه عليه؛ ليعلم من مرّ به أنّه صدقة» «1».

بدعوىٰ دلالتها علىٰ معروفية قبول قول صاحب اليد: بأنّها صدقة.

إلىٰ غير ذلك من الموارد التي يعلم بإلغاء الخصوصية عنها عرفاً أنّ قول صاحب اليد معتبر عند الشارع، كما هو معتبر عند العرف، سيّما مع قبوله في المهمّات.

______________________________

(1) الفقيه 2: 297/ 1477، وسائل الشيعة 14: 141، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 31، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 279

المطلب السابع في بطلان الصلاة الواقعة في النجس

اشارة

مقتضىٰ إطلاق أدلّة شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة

كقوله (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور» «1»

المتيقّن منها بقرينة ذيلها الطهور من الخبث، و

قوله (عليه السّلام): «لا تعاد الصلاة ..» «2»

إلىٰ آخره؛ بناءً علىٰ أنّ الطهور في المستثنىٰ أعمّ من الخبث بطلان الصلاة التي يؤتىٰ بها في النجس مطلقاً؛ سواء كان عن عمد، أو جهل بالحكم، أو الموضوع، أو النسيان، أو غيرها من الأعذار، فلا بدّ من التماس دليل علىٰ صحّة الصلاة المأتي بها في النجس.

حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالحكم

و قد يقال: إنّ الأدلّة قاصرة عن إثبات الحكم للجاهل؛ لقبح تعلّق التكليف بالغافل «3»، و عليه يكون المأتي به مع النجاسة مجزياً؛ لأنّه صلاة تامّة في

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(2) الفقيه 1: 225/ 991، وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 342، مدارك الأحكام 2: 344.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 280

حقّه بعد عدم الدليل علىٰ إثبات المانعية أو الشرطية في حقّه.

و فيه ما حقّق في الأُصول: من عدم قصور الأدلّة عن إثبات التكليف لمطلق المكلّفين، و لا مانع من تعلّقه بالعناوين الكلّية الشاملة لعامّة المكلّفين؛ و إن كان التارك عن عذر معذوراً في أدائه «1».

و السرّ فيه: عدم انحلال الخطاب المتعلّق بالعناوين ك «الناس» و «المؤمنين» إلىٰ خطابات جزئية بعدد النفوس أو العناوين الطارئة، و لهذا يكون العصاة مكلّفين، مع أنّ العاصي الذي يعلم المولى طغيانه، لا يمكن تكليفه جدّاً لغرض الانبعاث؛ لامتناع انقداح إرادة التكليف جدّاً ممّن لا يطيع.

هذا مع أنّ

ما ذكر لا يتأتّىٰ في الوضعيات،

كقوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور»

و لا شبهة في إطلاقه بالنسبة إلىٰ كلّ صلاة من دون إشكال.

نعم، لا فرق في الإشكال بين الأوامر النفسية، و ما هي للإرشاد إلى الشرطية، كقوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. «2» إلىٰ آخره فإنّها و إن كانت للإرشاد، لكنّها لم تنسلخ عن البعث و التكليف، و لم تستعمل في الاشتراط، بل يفهم العرف من البعث إلىٰ تحصيل الطهور للصلاة اشتراطها بها، فإنْ قَبح أو امتنع تعلّق التكليف بالغافل، لا يمكن انتزاع الاشتراط مطلقاً منها بحيث يشمل الغافل.

فما قد يقال في الجواب عنه: «إنّ الأوامر الإرشادية لا إشكال فيها» «3» كأنّه في غير محلّه.

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 25 28، أنوار الهداية 2: 214 218.

(2) المائدة (5): 6.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 616/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 281

هذا مع اقتضاء بعض الأدلّة الخاصّة في المقام، بطلان الصلاة في النجاسة،

كصحيحة عبد اللّٰه بن سِنان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم، قال: «إن كان علم أنّه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلّي، ثمّ صلّىٰ فيه و لم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلّىٰ» «1»

و غيرها ممّا تشمل بإطلاقها العالم و غيره «2».

حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالموضوع و التفاصيل فيه
اشارة

و أمّا الجاهل بالموضوع ففيه أقوال: عدم الإعادة مطلقاً «3»، و الإعادة كذلك، كما حكي عن بعض «4»، و التفصيل بين التذكّر في الوقت و خارجه، فيعيد في الأوّل «5»، و التفصيل بين المتذكّر الذي لم يتفحّص و غيره، فيعيد الأوّل «6».

وجه التفصيل الأوّل و نقده

و قد يقال: إنّ مقتضى الجمع بين الروايات التفصيل الأوّل؛ لأنّ منها: ما تدلّ علىٰ عدم الإعادة مطلقاً،

كموثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت

______________________________

(1) الكافي 3: 406/ 9، تهذيب الأحكام 2: 359/ 1488، وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 10.

(3) مدارك الأحكام 2: 348 349، جواهر الكلام 6: 209 210، مصباح الفقيه، الطهارة: 616/ السطر 15.

(4) انظر مستند الشيعة 4: 263، مصباح الفقيه، الطهارة: 616/ السطر 16.

(5) المهذّب 1: 27 و 153 و 154، غنية النزوع 1: 66، جامع المقاصد 1: 150.

(6) المقنعة: 149، الحدائق الناضرة 5: 414 417، رياض المسائل 2: 400.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 282

أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي و في ثوبه عَذِرة إنسان أو سِنَّوْر أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال: «إن كان لم يعلم فلا يعيد» «1»

و نحوها روايات «2».

و منها: ما تدلّ على الإعادة مطلقاً،

كصحيحة وهب بن عبد ربّه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم به صاحبه، فيصلّي فيه، ثمّ يعلم بعد ذلك، قال: «يعيد إذا لم يكن علم» «3».

و

رواية أبي بصير الصحيحة بناءً علىٰ كون وهب بن حفص هو الجريري الثقة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل

صلّىٰ و في ثوبه بول أو جنابة، فقال: «علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم» «4».

و منها: ما تدلّ علىٰ عدم وجوب القضاء،

كصحيحة العِيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل صلّىٰ في ثوب رجل أيّاماً، ثمّ إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه، قال: «لا يعيد شيئاً من صلاته» «5».

و

رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن

______________________________

(1) الكافي 3: 406/ 11، تهذيب الأحكام 2: 359/ 1487، وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 5.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 2 و 3 و 7.

(3) تهذيب الأحكام 2: 360/ 1491 (و فيه «لا يعيد»)، وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 8.

(4) تهذيب الأحكام 2: 202/ 792، وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 9.

(5) الكافي 3: 404/ 1، تهذيب الأحكام 2: 360/ 1490، وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 283

الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم، فلم يعلم به حتّى إذا كان من الغد، كيف يصنع؟ قال: «إذا كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته علىٰ قدر ما كان يصلّي، و لا يَنقص منه شي ء. و إن كان رآه و قد صلّىٰ فليعتدّ بتلك الصلاة ثمّ ليغسله» «1».

و طريق الجمع بينها بتقييد صحيحة ابن عبد ربّه و رواية أبي بصير بالروايتين الأخيرتين، فيصير مفادهما بعده الإعادة في الوقت دون خارجه، فتقيّد بهما الطائفة الأُولى الدالّة علىٰ

عدم الإعادة مطلقاً، فتصير النتيجة التفصيل بين الوقت و خارجه.

و فيه: مضافاً إلىٰ منع كون الأخيرتين مختصّتين بالقضاء:

أمّا صحيحة العِيص فظاهر؛ ضرورة أنّ ترك الاستفصال في وقت إخبار صاحب اليد، دليل علىٰ عموم الحكم لما إذا أخبره في الوقت و قد صلّىٰ في ثوبه و بقي وقت الإعادة.

و الرواية الثانية و إن كان صدرها متعرّضاً للقضاء، لكنّ ذيلها مطلق يشمل الفرض المتقدّم. و مجرّد تعرّض الصدر للقضاء، لا يوجب الانصراف أو تقييد الإطلاق.

أنّ المتفاهم العرفي من نفي القضاء هو الإرشاد إلىٰ صحّة الصلاة المأتي بها فيفهم العرف من نفي القضاء نفي الإعادة، كما أنّه يفهم من نفي الإعادة نفي القضاء؛ و ذلك لأنّ نفي كلّ منهما دليل عرفاً علىٰ صحّة الصلاة، و إرشاد إليها. و احتمال أن تكون النجاسة المحرزة في جزء من أجزاء الوقت مانعة منها- و بعبارة اخرىٰ: تعقّبها بالإحراز في الوقت و لو بعد الصلاة مانعة بعيد عن فهم العرف غايته.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 208/ 810، وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 284

نعم، لو ورد دليل على التفصيل بين الإعادة في الوقت و عدم القضاء خارجه، كان هذا التصوير العقلي موجباً لعدم جواز طرحه و عدم العمل به، و أمّا إن كانت الواقعة مثل المقام في عدم الدليل على التفصيل، و إنّما أردنا البناء عليه بدليل نفي القضاء و التقييد المشار إليه، فلا يساعده العرف؛ فإنّ ما يدلّ علىٰ نفي القضاء يدلّ علىٰ صحّة الصلاة لدى العرف، فيعارض ما دلّ على الإعادة.

هذا مع التأمّل في أنّ هذا النحو من التقييد و انقلاب النسبة، جمع مقبول عقلائي، بل كأنّه

أمر صناعي عقلي، لا جمع عرفي، و الميزان في جمع الأدلّة هو الثاني، و هو محلّ إشكال، سيّما في المقام الذي يأبىٰ جلّ الروايات عن الحمل علىٰ ما بعد الوقت، كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

فبقيت صحيحة ابن عبد ربّه و رواية أبي بصير، معارضتين لسائر الروايات.

و يمكن أن يجاب عن الأُولىٰ: بأنّ الشرطية المذكورة فيها ظاهرة في دخالتها في الحكم، فيكون موضوع الإعادة النجاسة غير المعلومة، و هذا غير البناء على المفهوم، كما هو المقرّر في محلّه، فإذا قطعنا بعدم دخالتها في الحكم، بل كان ذكرها مخلًّا بالمقصود، أو لغواً يجب تنزيه ساحة القائل عنهما، يدور الأمر بين زيادة الشرطية و ما بعدها، و نقصان كلمة «لا» قبل «يعيد» أو كون أداة الاستفهام غير مذكورة؛ فيكون الاستفهام إنكارياً، و لا ترجيح لواحد منها.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ العمل بالظواهر ليس أمراً تعبّدياً، بل أمر عقلائي يتوقّف علىٰ جريان الأُصول العقلائية كأصالة عدم الخطأ و النسيان و الغفلة في صدورها حتّى يجوز الاتكال عليها، و في مثل المورد الذي كان القيد الزائد بلا وجه، لا يعتدّ العقلاء بالأُصول المتقدّمة، سيّما مع معارضتها بالروايات

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 285

المستفيضة المصرّحة: بأنّه لا يعيد إذا لم يعلم.

و الإنصاف: أنّ دعوى الجزم بوجود خلل فيها غير بعيدة.

و أوضح منه الجواب عن الثانية؛ فإنّه بعد الغضّ عن عدم الدليل علىٰ أنّ وهب بن حفص هو الجريري الثقة، أنّ صحّة الشرطية فيها أيضاً تحتاج إلى التوجيه و التأويل، و إلّا فبعد قوله (عليه السّلام): «علم به» الظاهر في أنّه علم به حين الصلاة، لا وجه للتقييد بأنّه إذا علم، فلا بدّ من أن يقال: «سواء

علم به فنسي أو لم يعلم، فعليه الإعادة إذا علم بالخلل» و هو تأويل فيها بلا دليل.

و لا ترجيح لهذا الاحتمال على الاحتمال الآخر: و هو الحمل علىٰ أنّ قوله (عليه السّلام): «علم به أو لم يعلم» استفسار عن الواقعة؛ و أنّ الشرطية لإفادة أنّ في شقّ منهما يعيد دون الآخر، و عليه تكون الرواية من أدلّة القول المشهور.

و الإنصاف: عدم إمكان التعويل عليهما في مقابل تلك الروايات الظاهرة الدلالة، الواضحة المراد، السليمة عن المناقشة في الإسناد و المتون.

و الحمل على الاستحباب «1» لا يخلو من بُعْد و إشكال، سيّما في المقام الذي يكون الأمر بالإعادة لدى العرف، إرشاداً إلى الفساد.

كما أنّ النهي عنها إرشاد إلى الصحّة، و لم ينقدح في الأذهان منهما النفسية؛ وجوباً كان أو استحباباً.

كما أنّه مع تصديق التعارض بين الأخبار، يشكل ترجيح الروايات النافية للإعادة عليهما؛ بعد ما قرّر في محلّه: أنّ كثرة الرواية ليست من المرجّحات «2». و ليس في المقام شهرة فتوائية موهنة لمقابلها؛ بحيث يكون المقابل شاذّاً نادراً؛

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 212، مصباح الفقيه، الطهارة: 617/ السطر 11 و 24.

(2) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 177.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 286

بعد عملِ عُمَد الفقهاء بها، كالشيخ و ابن زهرة و المحقّق و العلّامة و ثاني المحقّقين و الشهيدين و غيرهم علىٰ ما حكي عنهم «1»، و موافقتِهما لأدلّة الاشتراط،

مثل «لا صلاة إلّا بطهور» «2»

و «لا تعاد ..» «3»

بناءً علىٰ أنّ «الطهور» أعمّ، و غيرهما من أدلّة اعتبار الطهارة أو مانعية النجاسة.

فالتفصيل المتقدّم ضعيف، لا لما ذكر آنفاً، بل لما تقدّم من الوجه «4».

وجه التفصيل الثاني و ردّه

و أضعف منه التفصيل الثاني؛ لعدم دليل

عليه سوىٰ

رواية ميمون الصيقل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل، فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة، فقال: «الحمد للّٰه الذي لم يدع شيئاً إلّا و له حدّ: إن كان حين قام نظر فلم يرَ شيئاً فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة».

كذا في نسخة «الوسائل» و «مرآة العقول» «5».

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 211، المبسوط 1: 38، غنية النزوع 1: 66، المختصر النافع: 19، قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 11، جامع المقاصد 1: 150، مسالك الأفهام 1: 127، المهذّب 1: 154.

(2) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(3) الفقيه 1: 225/ 991، وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.

(4) تقدّم في الصفحة 283 284.

(5) وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 3، مرآة العقول 15: 325/ 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 287

و في «الوافي» عن «الكافي» و «التهذيب» بزيادة «و صلّى» بعد «فاغتسل» «1».

و في هامش «الوافي»: «هذا الخبر أورده في «التهذيب» مرّتين «2»، و ليس في أحدهما قوله (عليه السّلام): «حين» الأوّل إلىٰ «حين» الثاني [منه (رحمه اللّٰه)]» «3» انتهىٰ.

و

في «الوسائل» بعد نقله عن «الكافي» كما تقدّم قال: و رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب، و رواه أيضاً بإسناده عن الصفّار، عن الحسن بن عليّ بن عبد اللّٰه، و رواه أيضاً مثله إلىٰ قوله (عليه السّلام): «فلا إعادة عليه» «4».

و في نسخة من «التهذيب» مقروءة على المحدّث المجلسي كما

تقدّم عن «الوسائل» لكن بزيادة «إلى الصلاة» بعد قوله (عليه السّلام): «حين قام» الأوّل.

و قد اختلف نقلها في الكتب الاستدلالية أيضاً «5».

فهذه الرواية مع هذا السند الضعيف «6» بل المغشوش، كما يظهر بالرجوع إلىٰ كتب الحديث و هذا المتن المشوّش، لا يمكن الاتكال عليها، سيّما مع عدم تحقّق عامل بها.

مع أنّه علىٰ نسخة «الوسائل» التي ليس فيها قوله: «و صلّى» لم يتضح

______________________________

(1) الوافي 6: 163/ 10.

(2) تهذيب الأحكام 1: 424/ 1346، و 2: 202/ 791.

(3) الوافي 1: 26، أبواب الطهارة عن الخبث (ط حجري).

(4) وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، ذيل الحديث 3.

(5) راجع الحدائق الناضرة 5: 415، رياض المسائل 2: 400، مستند الشيعة 4: 264، جواهر الكلام 6: 213.

(6) و السند ضعيف بميمون الصيقل فإنّه مجهول.

راجع تنقيح المقال 3: 265/ السطر 10 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 288

أنّ الإعادة إعادة الصلاة، و لعلّها إعادة الغسل.

و لزوم فساد المتن علىٰ هذا الفرض لا يوجب العلم بكون المقدّر فيها الصلاة، إلّا أن يكون ذلك موجباً لترجيح النسخة الأُخرىٰ.

و على النسخة التي ليس فيها جملة: «و إن كان حين قام لم ينظر ..» إلىٰ آخره، لا تدلّ على المقصود إلّا بتوهّم: أنّ المفهوم لها «أنّه إذا لم ينظر ..» إلىٰ آخره، و هو غير معلوم؛ لأنّ أخذ النظر و غيره من العناوين التي لها طريقية إلى الواقع في موضوع، لا يكون ظاهراً في الموضوعية، و لعلّ قوله (عليه السّلام): «نظر فلم يرَ» أُخذ أمارة علىٰ عدم الجنابة فيه واقعاً، و مقابلها وجودها واقعاً فيه. و معارضة هذا المفهوم للأدلّة المتقدّمة لا توجب ظهوراً فيها.

و أمّا دعوى

تقدّم أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة، فعلى فرض تسليمها لا تسلّم في المقام؛ فإنّ المحتمل فيه أن تكون الزيادة عن عمد نقلًا بالمعنى، و تفصيلًا لما أُجمل في الرواية، و هو ليس بممنوع حتّى ينافي العدالة، فيدور الأمر بين النقيصة السهوية أو العمدية بلا وجه، و بين الزيادة السهوية أو العمدية مع الوجه.

إلّا أن يقال: يحتمل في النقيصة أن تكون عن عمد في المقام أيضاً؛ لاحتمال اكتفاء الراوي بالمنطوق و إيكال فهم المفهوم إلى السامع، لكنّه بعيد.

بل ما ذكرناه أيضاً كذلك، فالأوجه في الجواب عنها الطعن في السند و الهجر في العمل.

و بالأخير يجاب عن سائر الروايات التي استدلّ بها «1» للمقصود لو سلّمت

______________________________

(1) راجع الحدائق الناضرة 5: 415 416، مستمسك العروة الوثقى 1: 532.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 289

دلالتها، لكنّها غير مسلّمة؛ لأنّ الظاهر من

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ذكر المنيّ فشدّده و جعله أشدّ من البول، ثمّ قال: «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثمّ صلّيت فيه، ثمّ رأيته بعد، فلا إعادة عليك، و كذلك البول» «1»

أنّ الجملة الثانية مفهوم الشرطية للأُولىٰ، و ليست جملة مستقلّة غير مربوطة بها، فيكون المراد عدم رؤية المنيّ في الثوب، و قد مرّ منّا: أنّ الجملة المذكورة لبيان المفهوم لا مفهوم لها «2».

و أمّا مرسلة الصدوق «3» فهي على الظاهر عين الرواية المتقدّمة، و رواية مُيسِّر «4» أجنبية عن المقام.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 252/ 730، و 2: 223/ 880، وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،

الباب 41، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 156.

(3) هكذا نصّها:

قال: و قد روي في المني أنّه: «إن كان الرجل جنباً حيث قام نظر و طلب فلم يجد شيئاً فلا شي ء عليه، فإن كان لم ينظر و لم يطلب فعليه أن يغسله و يعيد صلاته».

الفقيه 1: 42/ 167، وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 4.

(4)

قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله، فأُصلّي فيه فإذا هو يابس. قال: «أعد صلاتك، أمّا أنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي ء».

الكافي 3: 53/ 2، وسائل الشيعة 3: 428، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 18، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 290

حكم الصلاة فيما لو رأى النجاسة في أثنائها
اشارة

و لو رأى النجاسة في أثناء الصلاة، فإن علم بسبقها و أنّ بعض صلاته وقع مع النجاسة، بطلت صلاته مع سعة الوقت؛ لبطلان المشروط مع فقد شرطه، و لجملة من الروايات الآتية عن قريب «1».

القول بتصحيح الصلاة في هذه الصورة و ما فيه

و قد يقال: إنّ مقتضى الرواياتِ الواردة في حدوث الدم في أثناء الصلاة-

كصحيحة معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرعاف أ ينقض الوضوء؟ قال: «لو أنّ رجلًا رعف في صلاته، و كان عنده ماء، أو من يشير إليه بماء، فتناوله فقال برأسه فغسله، فليبن علىٰ صلاته و لا يقطعها» «2»

و نحوها جملة من الصحاح و غيرها «3» و الرواياتِ الواردة في صحّتها لو علم بالنجاسة بعدها «4»، صحّة صلاته في الفرض؛ فإنّ الجهل إذا كان في جميعها عذراً، يكون في بعضها بالأولوية و إلغاء الخصوصية عرفاً، فصحّت صلاته إلىٰ حين الالتفات، و في حاله و الاشتغال بالتطهير، يكون معذوراً بمقتضى الروايات المتقدّمة في الرعاف، و العرف لا يفرّق بين الحدوث و العلم بالوجود؛ لأنّ المانع للصلاة النجاسة لا حدوثها.

______________________________

(1) سيأتي في الصفحة 293 297.

(2) تهذيب الأحكام 2: 327/ 1344، وسائل الشيعة 7: 241، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 11.

(3) راجع وسائل الشيعة 7: 238، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 291

و بالجملة: تصحّ صلاته هذه بعضها بدليل معذورية الجاهل، و بعضها بما دلّ علىٰ معذوريته حال الاشتغال بالتطهير، و بعضها بوجدانها للشرط «1».

و فيه: منع الأولوية المدعاة:

و أمّا إن قلنا بالعفو؛ فلأنّ العفو في الجميع ربّما يكون تخفيفاً على المكلّف؛

و عدم إرادة إعادة جميع الصلاة، دون بعضها.

و إن قلنا بعدم المانعية فكذلك؛ لإمكان أن يكون للجهل في جميع الصلاة دخالة فيه، فلا قطع بالمناط، و هو واضح، سيّما مع وقوع نظائره في الشرع.

و لا يمكن دعوى إلغاء الخصوصية؛ لمنع فهم العرف من الأدلّة ذكر بعد الصلاة من باب المثال مثلًا؛ بعد ما يرىٰ أنّ لتمام الصلاة خصوصيةً و أحكاماً في الشرع ليست لبعضها.

و منع القطع بعدم الفارق بين حدوث الدم و حدوث الالتفات إليه؛ لاحتمال أن يكون للحدوث القهري خصوصية لم تكن لغيره. بل لو كان الدليل في الباب منحصراً بأدلّة الرعاف، لا يمكن لنا التعدّي منها إلىٰ سائر النجاسات؛ بعد ثبوت التخفيف في الدم بما لا يكون في غيره، كالتخفيف في دم القروح و الجروح كائناً ما كان، و كالأقلّ من الدرهم.

لكن سيأتي ما يستفاد منه العموم لسائر النجاسات.

و قد يقال لتصحيح العبادة في الفرض و سائر الفروض في المقام: إنّه لا دليل علىٰ مانعية النجاسة في جميع الصلاة أفعالًا و أكواناً؛ لقصور أدلّة الاشتراط أو المانعية عن شمول الأكوان، و مع الشكّ مقتضى الأصل البراءة، فتكون الصلاة صحيحة إلىٰ حين الالتفات بأدلّة الجهل كما تقدّم، و في حينه

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 619/ السطر 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 292

و حين الاشتغال بالتطهير بأصالة البراءة «1».

و فيه: ما مرّ من عدم الدليل علىٰ معذورية الجاهل مع الالتفات في أثناء الصلاة، و منع فقدان الدليل على اعتبار الطهارة أو عدم النجاسة في الأكوان؛ لعدم قصور

صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنّة عن رسول

اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله» «2»

عن إفادة ذلك؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الصلاة باطلة مع فقد الطهور، فإذا فَقدت الطهور في بعضها لم تكن هي بطهور، و بالجملة الظاهر منها اعتباره في جميعها.

إن قلت: نعم، لكن الأكوان ليست بصلاة، بل هي عبارة عن التكبير إلى التسليم؛ أي الأجزاء الوجودية من الأذكار و غيرها، و السكوتات المتخلّلات بينها ليست من الصلاة «3».

قلت: مضافاً إلىٰ إمكان أن يقال: إنّ المصلّي من أوّل صلاته إلىٰ آخرها، لا يخلو من التلبّس بفعل من أفعال الصلاة، كالقيام و القعود و الركوع و السجود، بل يمكن أن يقال: إنّ النهوض للقيام و الهوي للسجود أيضاً من أجزائها، لا من مقدّماتها، فأجزاء الصلاة متصلة إلىٰ آخرها، تأمّل إنّ المرتكز لدى المتشرّعة أنّ المصلّي إذا كبّر، يكون في الصلاة إلىٰ أن يخرج عنها بالسلام، فتكون الصلاة عندهم أمراً ممتدّاً يكون المكلّف متلبّساً بها في جميع الحالات؛ أكواناً أو أفعالًا، و دعوىٰ أنّ الأكوان خارجة عنها مخالفة لارتكازهم.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 619/ السطر 36.

(2) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 619/ السطر 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 293

مع أنّ التعبير ب «القاطع» في جملة من الموارد «1»، يدلّ علىٰ أنّها أمر ممتدّ في الاعتبار يقطعها بعض القواطع. و القول بأنّ التعبير ب «القاطع» لأجل إبطاله الأجزاء السابقة، و سلب صلوح اتصالها بالأجزاء اللاحقة، خلاف ظاهر «القطع» و «القاطع».

مع أنّ اعتبار الطهور و سائر ما يعتبر في الصلاة في

جميع الأجزاء و الأكوان، ممّا لا ينبغي الشكّ و الترديد فيه، و من هنا لا يجوز الإتيان بالموانع عمداً في الأكوان و رفعها للأفعال، و هو كالضروري، و ليس إلّا لبعض ما تقدّم.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ مقتضى القاعدة بطلان الصلاة في صورة العلم بسبق العروض؛ سواء علم بسبقه على الدخول في الصلاة، أو سبقه على الرؤية، مع إتيان بعض الصلاة مع النجس.

الروايات الدالّة علىٰ بطلان الصلاة هنا

هذا مضافاً إلىٰ دلالة

صحيحة زرارة الطويلة عليه، قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منيّ، فعلّمت أثره .. إلىٰ أن قال:

قلت: إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة، قال: «تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته، و إن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت الصلاة و غسلته، ثمّ بنيت على الصلاة؛ لأنّك لا تدري لعلّه شي ء أُوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ» «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 7: 233، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 2، و الباب 7، الحديث 2 و 3 و 4، و الباب 25، الحديث 6.

(2) علل الشرائع: 361/ 1، تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 482، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 44، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 294

و لا ريب في أنّه يستفاد منها حكم مطلق النجاسات؛ ضرورة أنّ ذكر الدم و المنيّ من باب المثال، كما يظهر مضافاً إلىٰ وضوحه من سائر فقرأتها.

كما لا شبهة في أنّ المراد بالفرع الأوّل من الفرعين، مورد العلم بسبق النجاسة علىٰ زمان الرؤية. و قوله (عليه السّلام): «إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته» لتنقيح موضوع الاطمئنان بكون ما رآه

هو المشكوك فيه قبلًا، كما يظهر ذلك من تقييد المرئي في الفقرة الثانية بكونه رطباً؛ فإنّه مع فرض اليبوسة يعلم بسبقه.

و يؤيّده بل يشهد عليه قوله (عليه السّلام): «لأنّك لا تدري لعلّه شي ء أُوقع عليك» فإنّه لإلقاء الشبهة بحدوث النجاسة.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في ظهورها في أنّه مع العلم بوجود النجاسة قبل الرؤية، تبطل الصلاة، و مع الشكّ لا تبطل. و حمل الفقرة الأُولى علىٰ مورد العلم الإجمالي «1»، مخالف للظاهر من وجوه.

فيبقىٰ سؤال الفارق بين الفرعين، حيث تمسّك في الثانية بالاستصحاب دون الأوّل، مع أنّ جريان الأصل إنّما يفيد لحال الجهل، لا الالتفات بوجود النجاسة، و في الفرع الأوّل أيضاً كان المصلّي شاكّاً في عروضها، و تبيّن الخلاف غير مضرّ به، كما أجراه في صدر الصحيحة بالنسبة إلىٰ من صلّىٰ في الثوب، ثمّ علم بالنجاسة.

و بالجملة: كما أنّه في الفرع الثاني يجري الاستصحاب، و يفيد بالنسبة إلىٰ حال قبل الالتفات، كذا في الأوّل بالنسبة إليه، و لا بدّ في تصحيح حال الالتفات و العلم من دليل آخر غير الاستصحاب.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 620/ السطر الأخير.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 295

و الجواب عنه ما ذكرناه «1»: من احتمال عدم العفو عن النجاسة الموجودة قبل حال الرؤية في حالها؛ لقصور الأدلّة الدالّة علىٰ حدوث الرعاف بين الصلاة عن إثباته، و هذه الصحيحة شاهدة علىٰ ما ذكرناه من اقتضاء القواعد، و إنّما تمسّك في الفرع الثاني بالاستصحاب لإصلاح حال الجهل، لا حال الالتفات، و أمّا في حال العلم فلمّا شكّ في وقوعها من الأوّل أو حدوثها في الآن، يشكّ في حدوث المانع، فأصالة البراءة عقلًا و شرعاً جارية، و مع

التطهير تصحّ صلاته ببركة الاستصحاب و أصالة البراءة و الطهارة الواقعية.

هذا إذا كان المراد من الاستصحاب في الرواية، استصحابَ عدم عروض النجاسة، و إنّما تمسّكنا بأصالة البراءة دون أدلّة الرعاف، فإنّ استصحاب عدم عروض النجاسة إلىٰ زمان الرؤية، لا يثبت حدوثها في الحال حتّى ينقّح به موضوع الأدلّة الاجتهادية، فالأصل لإثبات الحدوث مثبت.

و أمّا إن أُريد استصحاب عدم عروض المانع أو استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية للصلاة علىٰ فرض جريانهما فالأمر واضح.

و أمّا الفرع الأوّل فلا يمكن تصحيحه بالاستصحاب؛ لأنّه مع انكشاف أنّ النجس عرض سابقاً، يحرز عدم اندراج المورد في أدلّة العفو الظاهرة في حدوث النجاسة لدى الرؤية، فتبقىٰ أدلّة اعتبار الطهور في الصلاة بلا مقيّد.

و تدلّ على المطلوب أيضاً

صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل صلّىٰ في ثوب فيه جنابة ركعتين، ثمّ علم به، قال: «عليه أن يبتدئ الصلاة».

قال: و سألته عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 291.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 296

صلاته، ثمّ علم، قال: «مضت صلاته، و لا شي ء عليه» «1».

و احتمال أن يكون المراد فرض نسيان النجاسة «2»، في غاية البعد لو لم نقل: مقطوع الخلاف، سيّما بملاحظة ذيلها الذي لا شبهة في أنّ المراد منه الجهل لا النسيان.

و احتمال أنّ الفقرة الثانية كانت رواية أُخرى مستقلّة ذكرت في ذيلها تلفيقاً «3»، بعيد لا يصار إليه.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في دلالتها على المطلوب.

و تدلّ عليه أيضاً إطلاق صدر

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ذكر المنيّ فشدّده و جعله أشدّ من البول، ثمّ قال: «إن رأيت

المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، و صلّيت فيه، ثمّ رأيته بعد ذلك، فلا إعادة عليك، و كذلك البول» «4».

و لو نوقش فيها بدعوىٰ ظهورها بمناسبة الإعادة و غيرها فيما لو صلّىٰ و أتمّها بعد رؤية الدم «5»، ففيما عداها كفاية و إن أمكن إنكار المناقشة.

و ربّما يقال: بأنّ الإعادة مختصّة بما إذا لم يمكن نزع الثوب أو تطهيره،

______________________________

(1) الكافي 3: 405/ 6، تهذيب الأحكام 2: 360/ 1489، وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 2.

(2) انظر مرآة العقول 15: 325، مصباح الفقيه، الطهارة: 621/ السطر 9.

(3) انظر الوافي 6: 163.

(4) تهذيب الأحكام 1: 252/ 730، و 2: 223/ 880، وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 2.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 621/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 297

و مع إمكان ذلك فعَله و أتمّها؛ جمعاً بين الروايات «1» بشهادة

صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك، و لا إعادة عليك ما لم يزد علىٰ مقدار الدرهم، و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشي ء؛ رأيته من قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم، فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صلّيت فيه» «2».

و فيه: بعد الغضّ عن اغتشاش متنها و نقلها، كما مرّ في باب العفو عن الدم القليل

«3»، و الغضّ عن أنّ ظاهرها بيان أحكام لموضوعات ثلاثة: الدم المساوي للدرهم، و الدم الأقلّ منه، و الأكثر منه؛ فإنّ «ما لم يزد» إذا وقع في مقابل الزائد و القليل، يتعيّن أن يكون بمقداره، و هو تفصيل لم يقل به أحد أنّ الاستدلال بها لما ذكر موقوف علىٰ أنّ المراد بالشرطية الأُولى الدم الكثير، و بالثانية طبيعة الدم، و إرجاع القيد إلى الثانية فقط، و هو خلاف الظاهر؛ فإنّ الظاهر أنّ قوله (عليه السّلام): «و إن لم يكن عليك ثوب غيره» بيان مفهوم الشرطية الأُولىٰ، فحينئذٍ يكون القيد راجعاً إليهما، فيكون الأمر بالطرح محمولًا على الاستحباب إن أُريد ب «ما لم يزد» الدم الأقلّ، و إلّا كانت الشرطية الثانية خلاف الإجماع و الأخبار.

و الإنصاف: أنّ رفع اليد عن القواعد و التصرّف في الأخبار بهذه الرواية، غير ممكن.

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 223، مصباح الفقيه، الطهارة: 619/ السطر 4، و: 620/ السطر 3.

(2) وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 6، و راجع ما تقدّم أيضاً في الصفحة 89.

(3) تقدّم في الصفحة 89 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 298

حكم الصلاة مع نسيان النجاسة
اشارة

و أمّا الناسي، بأن علم بالنجاسة فنسيها و صلّى، فعليه الإعادة في الوقت و خارجه على المشهور، أو مذهب الأكثر، كما عن «المعتبر» و «كشف الالتباس» و «الروض» و غيرها «1». و عن «كشف الرموز» نسبته إلى الشيخ و المفيد و علم الهدىٰ و أتباعهم «2».

و عن «التنقيح»: «أنّه مذهب الثلاثة و أتباعهم، و عليه الفتوىٰ» «3».

و عن ابن زهرة و الحلّي و ظاهر «شرح القاضي» الإجماع عليه «4».

و لم ينسب الخلاف إلىٰ متقدّمي أصحابنا إلّا الشيخ في

«الاستبصار» «5» الذي لم يعدّ للفتوىٰ، بل لرفع التنافي بين الأخبار، فلا ينبغي عدّه مخالفاً.

نعم عن «التذكرة» نسبة عدم وجوب الإعادة مطلقاً إليه في بعض أقواله «6».

و علىٰ أيّ تقدير: الشهرة محقّقة في الطبقة الاولىٰ من أصحابنا.

و قبل التكلّم في مفاد الأخبار الخاصّة، لا بأس بالتكلّم في مقتضى القواعد:

______________________________

(1) المعتبر 1: 441 442، كشف الالتباس: 240/ السطر 12 (مخطوط)، روض الجنان: 168/ السطر 22، ذخيرة المعاد: 168/ السطر 8.

(2) كشف الرموز 1: 113.

(3) التنقيح الرائع 1: 152.

(4) غنية النزوع 1: 66، السرائر 1: 271، شرح جمل العلم و العمل: 101 102.

(5) انظر السرائر 1: 183، الاستبصار 1: 184.

(6) تذكرة الفقهاء 2: 490.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 299

بيان مقتضى القواعد

فنقول: مقتضىٰ أدلّة اشتراط الطهور أو مانعية النجس سيّما مثل

قوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور» «1»

هو بطلانها مع فقده نسياناً. و قد فرغنا عن رفع إشكال الأردبيلي و من تبعه في المسألة المتقدّمة «2».

و أمّا

حديث «لا تعاد الصلاة ..» «3»

إلىٰ آخره، فإن قلنا: بأنّ «الطهور» في المستثنىٰ أعمّ من الطهور من الخبث كما هو الأظهر، يكون مقتضاه موافقاً لأدلّة الاشتراط.

و إن قلنا باختصاصه بالطهور من الحدث، فيكون الطهور من الخبث في العقد المستثنىٰ منه، تكون النسبة بينه و بين «لا صلاة إلّا بطهور» أعمَّ من وجه؛ سواء كان الحديث مخصوصاً بالنسيان، كما حكي عن المشهور «4»، أو كان الأعمّ منه و من الجهل بالحكم و الموضوع و من نسيان الحكم، و يكون الخارج منه العالم العامد؛ للانصراف عنه، لا للإشكال العقلي كما قيل «5».

و كيف كان: يكون «لا صلاة إلّا بطهور» حاكماً عليه؛ لأنّ الصحيحة تنفي موضوع الحديث بلسانها، و هو

الصلاة المأخوذة في موضوعه، فوزان الصحيحة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 279.

(2) تقدّم في الصفحة 279 280.

(3) تقدّم في الصفحة 279.

(4) الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 406، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 238 239، مستمسك العروة الوثقى 7: 383.

(5) الصلاة، المحقّق الحائري: 315.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 300

معه وزان

«لا سهو لمن أقرّ علىٰ نفسه بالسهو» «1»

مع أدلّة السهو.

و ما قد يقال من حكومة حديث «لا تعاد ..» علىٰ أدلّة اعتبار الأجزاء و الشرائط «2»، ممنوع علىٰ إطلاقه، نعم هو حاكم علىٰ نحوِ قوله: «لا تصلّ في النجس» لا مثلِ الصحيحة التي تتصرّف في عقد وضع الحديث. بل و لا علىٰ ما دلّت على الإعادة بعنوانها؛ فإنّها متعارضة معه، أو مخصّصة إيّاه.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ حديث «لا تعاد ..» إمّا معاضد للصحيحة، أو محكوم لها، فتصير النتيجة بطلان الصلاة مع نسيان الطهور.

و أمّا حال حديث «لا تعاد ..» مع حديث الرفع «3»، فإن قلنا باختصاص «لا تعاد ..» بالنسيان، و شمولِ المستثنىٰ للطهور من الخبث، فيكون مخصّصاً لحديث الرفع؛ لأخصّيته منه، و يقدّم عليه و لو فرض تحكيم لسان حديث الرفع؛ فإنّ التحكيم إنّما يفيد في الجمع العرفي فيما كانت نتيجته التخصيص، لا فيما كانت النتيجة سقوط الدليل في جميع مفاده، فالخاصّ و المقيّد مقدّمان على العامّ و المطلق و لو كان لسانهما الحكومة.

نعم، لو كان «لا تعاد ..» أعمّ من النسيان، و شاملًا لغير العامد العالم، تكون النسبة بينه و بين حديث الرفع العموم من وجه، و يمكن أن يقال بتقدّم حديث

______________________________

(1) السرائر 3: 614، وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،

الباب 16، الحديث 8.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 238 239، مستمسك العروة الوثقى 1: 528، و 7: 383.

(3) الخصال: 417/ 9، الفقيه 1: 36/ 132، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 301

الرفع عليه؛ فإنّ المستثنىٰ في «لا تعاد ..» إن كان إرشاداً إلى اشتراط الصلاة بالخمسة في جميع الأحوال، فحديث الرفع حاكم عليه؛ لأنّه ناظر إلىٰ أدلّة الاشتراط بالرفع حال النسيان.

و إن كان متعرّضاً لعدم التقبّل في المستثنىٰ، و التقبّل في المستثنىٰ منه، فالمفروض فيه الاشتراط حال العمل، و لسان الرفع مقدّم عليه، علىٰ تأمّل، لكن لا يمكن تحكيم حديث الرفع عليه؛ لأنّ «لا تعاد ..» و إن كان شاملًا لغير العامد، لكن حديث الرفع أيضاً بفقراته مستغرق لجميع مفاد «لا تعاد ..» في العقد المستثنىٰ، فيقع التعارض بينهما، كما قرّر في محلّه «1»، فيكون المرجع أو المرجّح أدلّة الاشتراط.

و أمّا حال حديث الرفع، و

قوله (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور»

مع الغضّ عن «لا تعاد ..» فلا يبعد أن يقال بتحكيمه علىٰ حديث الرفع؛ فإنّ الحديث يرفع الشرط و الجزء بعد مفروغية كون المأتي به صلاة، و الصحيحة ترفع الموضوع، و مع عدمه لا معنىٰ لرفع الجزء و الشرط، تأمّل.

فتحصّل من ذلك: أنّ مقتضى القواعد بطلانها مع فقد الطهور نسياناً.

بيان مقتضى الروايات و تعارضها

و تدلّ عليه مضافاً إلىٰ ذلك روايات مستفيضة،

كصحيحةِ زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منيّ، فعلّمت أثره إلىٰ أن أُصيب له الماء، و حضرت الصلاة، و نسيت أنّ بثوبي شيئاً و صلّيت، ثمّ إنّي ذكرت

بعد ذلك، قال: «تعيد الصلاة و تغسله».

______________________________

(1) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 55.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 302

قلت: فإنّي لم أكن رأيت موضعه، و علمت أنّه أصابه، فطلبته فلم أقدر عليه، فلمّا صلّيت وجدته، قال: «تغسله و تعيد ..» «1»

إلىٰ آخره.

و

صحيحةِ أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إن أصاب ثوب الرجل الدم، فصلّى فيه و هو لا يعلم، فلا إعادة عليه. و إن هو علم قبل أن يصلّي، فنسي و صلّى فيه، فعليه الإعادة» «2».

و

موثقةِ سَماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يرىٰ في ثوبه الدم، فينسىٰ أن يغسله حتّى يصلّي، قال: «يعيد صلاته كي يهتمّ بالشي ء إذا كان في ثوبه؛ عقوبة لنسيانه» «3».

إلىٰ غير ذلك ممّا وردت في البول و الدم و الاستنجاء،

كموثّقة سَماعة قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إذا دخلت الغائط، فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء، ثمّ توضّأت و نسيت أن تستنجي، فذكرت بعد ما صلّيت، فعليك الإعادة. فإن كنت أهرقت الماء، فنسيت أن تغسل ذكرك حتّى صلّيت، فعليك إعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك؛ لأنّ البول مثل البراز» «4»

و قريب منها غيرها «5».

______________________________

(1) علل الشرائع: 361/ 1، تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 254/ 737، وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 254/ 738، وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 5.

(4) الكافي 3: 19/ 17، علل الشرائع: 580/ 12، وسائل الشيعة 1: 319، كتاب الطهارة، أبواب أحكام

الخلوة، الباب 10، الحديث 5.

(5) راجع وسائل الشيعة 1: 294، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 18، و: 317، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 303

و بإزائها روايات:

منها:

صحيحة العلاء، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجّسه، فينسىٰ أن يغسله فيصلّي فيه، ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله، أ يعيد الصلاة؟ قال: «لا يعيد، قد مضت الصلاة و كتبت له» «1».

و منها:

موثّقة عمّار بن موسى قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «لو أنّ رجلًا نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي، لم يعد الصلاة» «2»

و نحوها غيرها «3».

وجوه الجمع بين الروايات السابقة و إبطالها و تقديم ما دلّت على الإعادة

و لو لا روايات الاستنجاء، أو أمكن الالتزام باختلاف حكمه مع غيره كما قيل «4»، لأمكن الجمع بين روايات الباب بالتفصيل بين نسيان الغسل من أعيان النجاسات، كالدم و المنيّ و غيرهما، فيقال فيه بالإعادة، و بين نسيان غسل المتنجّس بها، فيقال بعدمها؛ فإنّ موردَ روايات إيجاب الإعادة نسيان الأعيان، و موردَ صحيحة العلاء تنجّس الثوب بها.

لكن مضافاً إلىٰ بُعْد ذلك جدّاً، أنّ هذا التفصيل لم ينقل من أحد و لو احتمالًا.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 423/ 1345، و 2: 360/ 1492، وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 2: 201/ 789، وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 3.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 317، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 2 و 4.

(4) انظر الحدائق الناضرة 5: 418، مصباح الفقيه، الطهارة: 622/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 304

و يمكن الجمع بين

الروايات بحمل ما دلّت علىٰ عدم الإعادة على الحكم الحيثي؛ بقرينة موثّقة سَماعة الأُولىٰ، فإنّ ظاهرها أنّ إيجاب الإعادة إنّما هو لعقوبة الناسي و عدم اهتمامه، فتحمل رواياتُ إيجابها علىٰ كونه للعقوبة، لا جبراً لبطلانها، و أخبارُ نفيها علىٰ أنّها لا تعاد لأجل فسادها، و «قد مضت صلاته و كتبت له» لكن تجب الإعادة لكي يهتمّ بالشي ء.

و هذا الجمع و إن كان أقرب من حمل روايات الإعادة على الاستحباب «1»؛ لإباء بعضها عنه، سيّما مع ما أشرنا إليه «2»: من أنّ الأمرَ بالإعادة إرشاد إلىٰ فساد الصلاة، كما أنّ النهي عنها إرشاد إلىٰ صحّتها، و الحملَ على الاستحباب النفسي بعيد في الغاية و غير مقبول عرفاً، لكنّه أيضاً بعيد عن مذاق العرف، و ليس جمعاً عقلائياً مقبولًا.

و أبعد منه التفصيل بين الوقت و خارجه «3»؛ بشهادة

صحيحة علي بن مَهْزِيار قال: كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل، و أنّه أصاب كفَّه بردُ نقطة من البول لم يشكّ أنّه أصابه، و لم يره، و أنّه مسحه بخرقة، ثمّ نسي أن يغسله، و تمسّح بدهن، فمسح به كفّه و وجهه و رأسه، ثمّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى.

فأجابه بجواب قرأته بخطّه: «أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك، فليس بشي ء إلّا ما تحقّق، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها؛ من قِبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً، لم يعد الصلاة إلّا ما كان في

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 348، وسائل الشيعة 3: 481، ذيل الحديث 6.

(2) تقدّم في الصفحة 285.

(3) الاستبصار 1: 184، ذيل

الحديث 642.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 305

وقت، و إن كان جنباً، أو صلّىٰ علىٰ غير وضوء، فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته؛ لأنّ الثوب خلاف الجسد، فاعمل علىٰ ذلك إن شاء اللّٰه» «4».

و أنت خبير: بأنّ الروايات آبية عن هذا التفصيل، و لو سلمت هذه الصحيحة عن الخدشة، فكيف يمكن حمل موثّقة الساباطي المتقدّمة علىٰ نفي القضاء؟! و كذا الحال

في صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته أنّه لم يستنجِ من الخلاء، قال: «ينصرف و يستنجي من الخلاء، و يعيد الصلاة، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك، و لا إعادة» «1».

فضلًا عن أنّه لم تسلم عنها سنداً؛ لإضمارها و إن كان المظنون كون المسئول عنه أبو الحسن الرضا، أو أحد الإمامين بعده (عليهم السّلام)، و متناً، و هو واضح.

و المظنون أنّ فيها سقطاً بعد قوله (عليه السّلام): «و ما فات وقتها» و لا يبعد أن يكون السقط نحو هذه العبارة: «و إن كان ثوبك نجساً» و يكون قوله: «و ما فات وقتها» عطفاً علىٰ سابقه، لا استئنافاً، و يكون المراد من قوله: «إنّ الثوب خلاف الجسد» أنّ النجاسة خلاف الحدث الذي محلّه الجسد.

و كيف كان: لا يمكن الاتكال علىٰ مثل هذه الرواية؛ و التصرّف بها في سائر الروايات، و تخصيص القواعد بها.

و الإنصاف: أنّ الروايات متعارضة، و الترجيح لروايات إيجاب الإعادة. بل

______________________________

(4) تهذيب الأحكام 1: 426/ 1355، وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 1.

(1) تهذيب الأحكام 1: 50/ 145، وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة،

أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 306

الظاهر عدم عمل متقدّمي أصحابنا بروايات نفي الإعادة، و أعرضوا عنها، فلا تصلح للحجّية؛ لما ذكرنا أنّ العمل بالأخبار لبناء العقلاء و إمضاء الشارع «1»، و في مثل تلك الروايات التي لم يعمل بها رواتها، لا يتكل العقلاء عليها، فهي ساقطة عن الحجّية، لا مرجوحة بعد الفراغ عن حجّيتها.

و مع الغضّ عنه فالترجيح مع أخبار الإعادة؛ لموافقة مقابلاتها للعامّة، كأبي حنيفة و الشافعي في القديم و الأوزاعي، حيث ذهبوا علىٰ ما حكي عنهم إلىٰ عدم وجوب الإعادة في الناسي و غيره «2»، بل ذهب أبو حنيفة إلى استحباب الاستنجاء من الغائط «3»، فتحمل موثّقة عمّار «4» على التقيّة. و رواية هشام بن سالم «5» ضعيفة «6».

مع أنّ أخبار وجوب الإعادة موافقة لقواعد السنّة القطعية، و لعلّها تكون مرجّحة كموافقة الكتاب.

فالأقوىٰ وجوب الإعادة وقتاً و خارجاً. هذا حال الناسي.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 20.

(2) انظر الخلاف 1: 479، المجموع 3: 132/ السطر 4، و: 157/ السطر 4.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 306

(3) انظر الخلاف 1: 104، المغني، ابن قدامة 1: 141/ السطر 11، فتح العزيز، ذيل المجموع 1: 456.

(4) تقدّم في الصفحة 303.

(5)

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، في الرجل يتوضّأ و ينسىٰ أن يغسل ذكره و قد بال، فقال: «يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة».

تهذيب الأحكام 1: 48/ 140، وسائل الشيعة 1: 317، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث

2.

(6) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد، عن موسى بن الحسن و الحسن بن علي، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم. و الرواية ضعيفة بأحمد بن هلال.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 307

العفو عن ثوب المربّية المتنجّس ببول المولود

و أمّا إذا صلّىٰ فيه عالماً عامداً، فعليه الإعادة بلا إشكال نصّاً و فتوى.

نعم، يستثنىٰ منه موارد قد تقدّم بعضها «1»، و منها المرأة المربّية لمولود إذا تنجّس ببوله قميصها مع وحدته، فإنّها تغسل ثوبها في اليوم مرّة واحدة، و تجزيها عن الغسل في بقيته. و الأصل فيه

رواية أبي حفص، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن امرأة ليس لها إلّا قميص واحد، و لها مولود فيبول عليها، كيف تصنع؟ قال: «تغسل القميص في اليوم مرّة» «2».

و لا ينبغي الإشكال في سندها «3» بعد عمل الأصحاب بها قديماً و حديثاً، فأصل الحكم لا إشكال فيه، و إنّما الكلام في بعض الفروع، و لا بدّ من الخروج عن القواعد بمقدار دلالتها.

فنقول: إلحاق الرجل المربّي بالمرأة محلّ إشكال؛ لأنّ النصّ مخصوص بها، و لها خصوصية؛ و هي كونها ضعيفة بحسب النوع جسماً و روحاً، فيمكن أن يكون التخفيف عنها دون الرجال، فإنّ غسل الثوب في كلّ يوم مراراً ربّما يكون موجباً لمعْرضية فساده، و هو مشقّة على النساء نوعاً دون الرجال، فإلغاء الخصوصية منها أو القطع بالملاك ممنوعان.

و الظاهر عدم الفرق بين القميص و غيره كالسربال، لا نحو المقنعة التي لا يبول عليها عادة؛ و ذلك لإلغاء الخصوصية عرفاً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 61 و 70 و 86.

(2) تهذيب الأحكام 1: 250/ 719، وسائل الشيعة 3: 399، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،

الباب 4، الحديث 1.

(3) مدارك الأحكام 2: 355.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 308

نعم، لا يجوز التعدّي إلى البدن؛ لعسر الغسل في الثوب دون البدن، لاحتياج الأوّل في تجفيفه إلىٰ زمان معتدّ به دون الثاني، فلا يمكن التعدّي.

و هل الحكم مختصّ بقميص واحد كما هو مورد النصّ، أو يتعدّىٰ إلى المتعدّد مع الاحتياج إليه في اللبس؛ بحيث لا يمكنها الاكتفاء بغيره؟

الظاهر ذلك؛ لمساعدة العرف في الفهم من النصّ بإلغاء الخصوصية.

كما أنّ الحكم لا يختصّ بما ولد منها، فيتعدّىٰ إلى المؤجرة و المتبرّعة و المربّية بغير رضاع؛ لأنّ العرف يرىٰ أنّ الحكم جعل تخفيفاً عن المرأة المتصدّية للطفل؛ من غير دخالة للولادة في ذلك، و إنّما ذكر المولود مثالًا و من باب الغلبة.

كما أنّه شامل للذكر و الأُنثى، و الواحد و المتعدّد، و لو قيل باختصاصه بالأوّلين منهما لا يختصّ الحكم بهما؛ لأنّ المفهوم من النصّ أنّ ذلك تخفيف بالنسبة إلى المرأة؛ من غير دخالة لخصوصية الولد، و لا لكونه واحداً، فتوهّم أنّ بول الصبي و الواحد أخفّ من الصبية و المتعدّد، فيمكن الاختصاص بهما «1»، في غير محلّه بعد ما يتفاهم منه أنّ الحكم جعل للتخفيف عن المرأة، لا لتخفيف البول.

و الظاهر أنّ الحكم مختصّ بالبول لخصوصية فيه دون الغائط، فضلًا عن سائر نجاساته و هي كثرة الابتلاء به دون غيره، فلا يمكن التعدّي من ظاهر النصّ. نعم الظاهر أنّ ملاقي بوله في حكمه.

و الظاهر أنّ المراد ب «الغسل» في النصّ، ليس إلّا ما كان تكليفها في تطهير

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 623/ السطر 30، نهاية الإحكام 1: 288، الحدائق الناضرة 5: 347.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4،

ص: 309

بول المولود، فإن كان ذكراً فبالصبّ، و إن كان أُنثى فبالغسل، فتوهّم أنّ الغسل في خصوص المورد واجب؛ حتّى في مورد جواز الصبّ «1»، ضعيف.

و إن شئت قلت: إنّ الرواية ليست بصدد بيان حال الغسل و كيفيته، حتّى يقال: أراد ب «الغسل» عنوانه مطلقاً، بل بصدد بيان الاجتزاء بتطهير واحد عن الكثير. بل لا إشكال في أنّها بصدد تخفيف ما كان عليها، لا تبديل الحكم بحكم آخر، فضلًا عن التضييق عليها.

و الظاهر أنّ المراد من «اليوم» اليوم بليلته؛ بمعنى كفاية غسل واحد للصلوات النهارية و الليلية، و لا دخالة لبياض اليوم في الحكم. و تخصيص التخفيف باليوم و التضييق في الليل مع أنّها أولىٰ بالتخفيف مخالف لفهم العرف من الرواية.

و هل يجب وقوع الغسل في النهار، و لا يكفي الغسل في الليل عنه؟

مقتضى الجمود على اللفظ ذلك، لكن الظاهر المتفاهم من الرواية: أنّ «اليوم» فيها في مقابل اليومين و الثلاثة، و كذا في مقام ردع لزومه لكلّ صلاة، فلا عناية فيه بحيثية وقوع الغسل فيه، سيّما أنّ السائل إنّما سأل عن تكليفها في صلواتها الخمس؛ و أنّه مع الابتلاء بالبول كيف تصنع؟ فترك ذكر الليل و أنّه لو ابتليت فيها لا بدّ من غسله لكلّ صلاة، يدلّ علىٰ أنّ الغسل مرّة واحدة عند الابتلاء به و إرادة الصلاة، كافٍ و لو وقع في الليل، و تكون تلك النجاسة معفوّة في سائر الصلوات. و البناء على الشرط المتأخّر «2» كما ترى.

و بالجملة: لا يفهم العرف لليوم خصوصية و إن كان الغسل فيه أسهل، بل

______________________________

(1) ذخيرة المعاد: 165/ السطر 20، الحدائق الناضرة 5: 348.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 625/ السطر 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 4، ص: 310

الظاهر المتفاهم أنّ الغسل الواحد المحتاج إليه، كافٍ لجميع الصلوات.

و الظاهر أنّ المقصود ب «الغسل في اليوم مرّة» هو وقوع صلاة منها مع الطهارة، و العفو عن البقيّة، فالغسل في غير موقع الصلاة و إتيان جميع الصلوات مع النجس، غير مراد جزماً.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الغسل لمّا كان لأجل الصلاة و لا نفسية له، لا ينقدح في الذهن إطلاق في الرواية لوقوعه في أيّ قطعة من اليوم، بل لا بدّ من إيقاعه قبل صلاة من الصلوات اليومية؛ لتقع بعضها مع الطهور.

نعم، لا يجب عليها الجمع بين الصلوات، بل و لا الصلاتين؛ لإطلاق الرواية، فلو كان عليها الجمع لكان عليه التنبيه عليه، سيّما أنّ بناءهم في الصدر الأوّل علىٰ تفريق الصلوات، و كانوا يصلّون صلاة الظهر أوّل الزوال، و العصر في موقعه، و هكذا في المغرب و العشاء، كما ورد في أخبار المستحاضة من الأمر بتأخير الظهر و تقديم العصر، و كذا في العشاءين «1» فيظهر منها أنّ بناء النساء أيضاً كان على التفريق بينها، و مع هذا البناء و العادة، لو كان الواجب عليها الجمع بين الصلاتين، لوجب عليه التنبيه عليه.

و توهّم عدم الإطلاق لها؛ فإنّها بصدد بيان الاجتزاء بغسل واحد مقابل الغسل لكلّ صلاة «2»، في غاية الفساد؛ لأنّه سأل عن تكليفها؛ و أنّها كيف تصنع مع هذا الابتلاء؟ فلو كان أمر آخر غير الغسل دخيلًا، فيه لنبّه عليه.

ثمّ إنّ الظاهر من الرواية: أنّ الغسل إنّما هو لتحصيل شرط الصلاة علىٰ وِزان سائر المكلّفين؛ و إن عفي عن الشرط في بعضها، لا أنّ الشرط المجعول

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1.

(2) مصباح

الفقيه، الطهارة: 624/ السطر 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 311

لسائر المكلّفين سقط عنها، و جعل لها شرط آخر متأخّر إذا أوقعت الطهارة آخر النهار بعد الصلوات اليومية و الليلية السابقة، أو بعد العشاء على احتمال، و متقدّم إذا أوقعت قبلها، و متقدّم و متأخّر إن أوقعت في خلالها، فإنّ كلّ ذلك خلاف الواقع و المتفاهم من الدليل. و مع القول بالعفو أيضاً لا ينقدح في الأذهان هذا النحو من العفو؛ بأنْ يكون موقوفاً علىٰ أمر متأخّر تارة، و متقدّم اخرىٰ، و هما معاً ثالثة. فدعوى الإطلاق بالنسبة إلىٰ ساعات النهار «1» ممنوعة.

و كذا بالنسبة إلى الصلوات أيضاً؛ بأن تكون مخيّرة في إيقاعه قبل صلاة من صلواتها الخمس؛ بحيث تصحّ المتقدّمة و المتأخّرة بغسلها المتخلّل «2»، فإنّه أيضاً مستلزم لتغيّر شرط الصلاة بالنسبة إليها من بين سائر المكلّفين، و هو مقطوع الفساد.

كما أنّه لا إطلاق لها يشمل ما إذا غسلت ثوبها للصلاة، فبال عليه قبل إتيان الصلاة؛ فإنّ الأمر بالغسل في المقام، ليس إلّا كالأمر به في سائر المقامات، و الفرق بينه و بينها: أنّ الشارع الأقدس خفّف عليها إذا غُسل ثوبها و صلّت فيه مع الطهارة في أوّل الدورة؛ بالنسبة إلىٰ سائر الصلوات في هذه الدورة.

و الحاصل: أنّ الظاهر منها أنّه إذا تنجّس ثوبها ببول الصبي، غسلته و صلّت فيه، فإذا ابتلت به بعدها يكون معفوّاً عنه، و تصحّ صلاتها في ذلك اليوم و ليلته، و لا يجوز عليها إتيان الصلاة في النجس في أوّل الابتلاء و الغسل لسائرها، فإذا ابتلت في الصبح غسلته و صلّت بطهور، و عفي عن سائر صلواتها إلى

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 406، جواهر الكلام

6: 236، مستمسك العروة الوثقى 1: 587.

(2) انظر جواهر الكلام 6: 237، مستمسك العروة الوثقى 1: 589.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 312

العشاء، و يجب عليها الغسل ليوم آخر، و إذا ابتلّت في الظهر صلّت الظهر بطهور، و عفي عمّا بعدها إلى العشاء و هكذا. و التلفيق و إن كان محتملًا، لكن خلاف ظاهر الدليل.

فرع حكم من علم إجمالًا بنجاسة أحد الثوبين
اشارة

لو كان مع المصلّي ثوبان أحدهما نجس، و لا يعلمه بعينه، و تعذّر غسل أحدهما ليصلّي فيه بطهارة، صلّىٰ في كلّ منهما تحصيلًا للقطع بفراغ الذمّة، على المشهور نقلًا و تحصيلًا، بل لا نعرف فيه خلافاً إلّا من ابني إدريس و سعيد، كما في «الجواهر» «1».

و عن الشيخ في «الخلاف» حكاية الخلاف عن قوم من أصحابنا، فأوجبوا الصلاة عارياً «2».

و هو ضعيف مخالف للنصّ و الفتوىٰ،

ففي صحيحة صفوان بن يحيىٰ، عن أبي الحسن (عليه السّلام): أنّه كتب إليه يسأله عن الرجل كان معه ثوبان، فأصاب أحدَهما بول، و لم يدرِ أيّهما هو، و قد حضرت الصلاة و خاف فوتها، و ليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال: «يصلّي فيهما جميعاً» «3».

و عن الحلّي الاستدلال علىٰ ما ذهب إليه بأمرين:

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 241، السرائر 1: 184 185، الجامع للشرائع: 24.

(2) الخلاف 1: 481.

(3) الفقيه 1: 161/ 757، تهذيب الأحكام 2: 225/ 887، وسائل الشيعة 3: 505، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 64، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 313

أحدهما: أنّه يجب عليه عند افتتاح كلّ فريضة القطع بطهارة ثوبه؛ فإنّ المؤثّرات في وجوه الأفعال تجب أن تكون مقارنة لها، لا متأخّرةً عنها، و المسألة خلافية، و دليل الإجماع فيها مفقود، و الاحتياط

يوجب ما قلناه.

ثانيهما: أنّ كون الصلاة واجبة وجهٌ تقع عليه الصلاة، و كيف يؤثّر في هذا الوجه ما يأتي بعدها، و من شأن المؤثّر في وجوه الأفعال أن يكون مقارناً لها لا يتأخّر عنها؟! «1» و الظاهر أنّهما يرجعان إلىٰ عدم إمكان الجزم بالنيّة المعتبر في العبادات.

و فيه: أنّه علىٰ فرض تسليم اعتبار الجزم لا يتمّ مطلوبه؛ لعدم القطع بكون الصلاة عارياً مأموراً بها، و لا يدلّ عليه دليل شرعي، و لهذا تمسّك هو بفقد الإجماع و تشبّث بدليل الاحتياط، و معه كيف يمكن الجزم بأنّ المأتي به هو الواجب الشرعي، و الفرض أنّ الوجوب وجه للواجب يجب العلم به مقارناً للإتيان؟! بل الإتيان عارياً أسوأ حالًا من الإتيان فيهما؛ فإنّه مع الإتيان فيهما يعلم بإتيان المأمور به الواقعي و إن ترك نيّة الوجه، و مع الإتيان عارياً لا يعلم بإتيانه بعد الصلاة، و لا مقارناً لها، تأمّل.

و ليت شعري، أنّه كيف بنىٰ علىٰ تحقّق الجزم في الصلاة عارياً مع تمسّكه في الواقعة بالاحتياط؟! هذا مع ما في مبناه من الضعف؛ لعدم الدليل على اعتباره، و لا يمكن كشف الحكم الشرعي من الإجماع المنقول فيه؛ لأنّ المسألة عقلية كلامية، و لهذا نقل عليها الإجماع في الكتب الكلامية «2».

______________________________

(1) السرائر 1: 185.

(2) انظر فرائد الأُصول 2: 507، شرح المقاصد 5: 129 130.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 314

و أمّا ما أجاب عنه صاحب «الجواهر»: «من إمكان الجزم في النيّة في المقام؛ لأنّ كلّ واحد منهما واجب و إن كان أحدهما أصلياً، و الآخر مقدّمياً» «1».

ففيه ما لا يخفىٰ؛ لأنّ التحقيق عدم وجوب المقدّمات الوجودية، فضلًا عن المقدّمة العلمية، و لا يستفاد من

الصحيحة المتقدّمة وجوبهما شرعاً؛ بعد كون الحكم موافقاً للعقل، و وضوح عدم تغيير التكليف الشرعي في المورد، فلا يفهم منها إلّا الإرشاد إلىٰ حكم العقل، فدعوى كونهما صلاة شرعية تمسّكاً بها في غير محلّها.

ثمّ علىٰ فرض تسليم اعتبار الجزم في النيّة و حصوله بالصلاة عارياً، لا يرد عليه: أنّه مع الدوران بين سقوط هذا و غيره من الأُمور المعتبرة في الماهية، يتعيّن سقوط هذا الشرط المتأخّر عن غيره في الرتبة «2».

ضرورة أنّ القائل باعتباره في العبادات إنّما يدّعي: أنّها بلا نيّة جازمة لا تقع عبادة، فالجزم كالنيّة مقوّم لعبادية العبادة؛ إذ وقوعها علىٰ صفة الطاعة للمولىٰ متوقّف على انبعاثه ببعثه، و مع عدم الجزم لا يمكن ذلك، فلا تقع ما فعل عبادة، فدار الأمر بين ترك أصلها، أو ترك شرطها، أو جزئها.

مع أنّ مجرّد التأخّر الرتبي لا يوجب أولوية السقوط، بل هي تابعة للأهمّية، و القائل يمكنه أن يقول بأهمّية النيّة و ما بحكمها؛ لتقوّم العبادة بها، دون سائر الشروط. فالتحقيق في الجواب تضعيف المبنىٰ و فساد ما بني عليه. هذا مع ما تقدّم من النصّ الصحيح الصريح المعمول به «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 242.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 626/ السطر 27.

(3) تقدّم في الصفحة 312.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 315

بيان الحكم في صورة كثرة الثياب

و لو كانت الثياب كثيرة، و أمكن الإتيان بصلاة في ثوب طاهر بتكرارها، يجب عليه ذلك حتّى يعلم الإتيان بصلاة صحيحة؛ علىٰ قاعدة العلم الإجمالي. بل يستفاد حكمها من الصحيحة المتقدّمة بإلغاء الخصوصية عرفاً.

حكم عدم التمكّن إلّا من إيقاع صلاة واحدة

و لو لم يمكنه إلّا صلاة واحدة؛ لضيق أو غيره، هل يجب عليه نزع الثوب و الصلاة عارياً، أو يصلّي في أحدهما، أو يتخيّر بينهما؟ وجوه.

و يقع الكلام هاهنا بعد الفراغ عن وجوبها عارياً مع انحصار الثوب النجس، كما يأتي في المسألة الآتية «1».

و أمّا إن قلنا في تلك المسألة بوجوبها في النجس، فلا إشكال في وجوبها في محتمل النجاسة في المقام؛ ضرورة أنّه علىٰ أيّ تقدير يجب الصلاة فيه.

و كذا إن قلنا فيها بالتخيير بين الصلاة فيه أو عارياً؛ فإنّ الإتيان فيه حينئذٍ مسقط يقيني، لأنّ الثوب إمّا طاهر يتعيّن الصلاة فيه، أو نجس يتخيّر بين الصلاة فيه أو عارياً، و أمّا إن صلّىٰ عارياً فلا يحصل له اليقين بالبراءة؛ لاحتمال كونه طاهراً يجب الصلاة فيه، ففي مورد دوران الأمر بين التعيين و التخيير يحكم العقل بالتعيين، سيّما في مقام إبراء الذمّة و الفراغ عن الاشتغال اليقيني.

فمع وجوبها عارياً في تلك المسألة، قد يقال: بوجوبها فيه في هذه

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 319.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 316

المسألة؛ لدوران الأمر بين المخالفة القطعية لدليل الستر، و المخالفة الاحتمالية لدليل مانعية النجس «1».

و قد يجاب عنه: باحتمال أن يكون أهمّية المانع بحدّ يقدّم مخالفته الاحتمالية على المخالفة القطعية لشرطية الستر، و لازمه التخيير بينهما «2».

و التحقيق أن يقال: إنّ كون المورد من قبيل الدوران بين المخالفة القطعية و الاحتمالية، يتوقّف على استفادة شرطية الستر للصلاة مطلقاً؛

بحيث يكون مطلوباً و لو مع النجاسة، و تكون النجاسة أيضاً مانعة مطلقاً، فيكون المورد من قبيل المتزاحمين و إن قدّم الشارع أحدهما و هو المانع على الآخر، و ذلك يتوقّف علىٰ إطلاق أدلّة الستر، و هو مفقود؛ فإنّ دليله الإجماع «3» الذي لا إطلاق فيه، و بعض الأخبار «4» التي في مقام بيان حكم آخر، و لا إطلاق فيها.

فحينئذٍ يحتمل أن يكون الستر الطاهر مطلوباً واحداً، فيكون المورد من الدوران بين الموافقتين الاحتماليتين؛ فإنّ إتيان الصلاة في الثوب لا يكون موافقة قطعية للشرط، كما أنّ ترك الصلاة في أحد الثوبين، ليس مخالفة قطعية في خصوص المقام الذي لا يمكنه إلّا صلاة واحدة، فحينئذٍ يمكن أن يقال: إنّ الأوجه وجوب الصلاة عارياً؛ لأنّ أهمّية مراعاة المانع كما أوجبت الصلاة عارياً مع النجس المحرز، توجب تقديم الموافقة الاحتمالية فيه على الموافقة الاحتمالية في الستر عقلًا في مقام الامتثال، فيجب الصلاة عارياً.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 627/ السطر 31.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 627/ السطر 33، مستمسك العروة الوثقى 1: 547.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 444، جواهر الكلام 8: 175.

(4) راجع وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 317

إلّا أن يقال: إنّه مع احتمال تعدّد المطلوب يأتي احتمال أهمّية الستر من المانع، كما يحتمل العكس، فالقاعدة التخيير.

لكن يمكن أن يقال: إنّه مع الشكّ في اعتبار الستر مع نجاسته، يكون إطلاق دليل مانعية النجس محكّماً.

هذا مضافاً إلىٰ جريان البراءة الشرعية عن الستر في حال نجاسته، و هو كافٍ في وجه التقديم في المقام، فتدبّر جيّداً و تأمّل؛ فإنّه لا يخلو منه.

عدم سقوط القضاء عند العمل علىٰ وفق حكم العقل

و هل العمل علىٰ طبق

حكم العقل يوجب سقوط القضاء؟

بدعوىٰ كشف التكليف الشرعي من حكم العقل بتقديم محتمل الأهمّية، و مع إحرازه يحكم بسقوط الأمر، فلا إعادة عليه و لا قضاء.

مضافاً إلىٰ أنّ إثبات القضاء يتوقّف علىٰ إحراز الفوت، و هو لا يحرز بالأصل.

أو لا يوجبه؟

بدعوىٰ: أنّ كشف الحكم الشرعي، يتوقّف علىٰ إحراز وحدة المطلوب في الستر الطاهر، و أمّا مع احتمال التعدّد فلا يمكن ذلك. و هذا لا ينافي ما تقدّم من تقدّم محتمل الأهمّية، تأمّل.

مضافاً إلىٰ أنّ تقديم محتمل الأهمّية علىٰ غيره بحكم العقل، لا يكشف عن حكم الشرع، فلا دليل علىٰ سقوط القضاء.

و أمّا دعوى: أنّ القضاء مترتّب على «الفوت» و هو عنوان لا يمكن إحرازه بالأصل.

فممنوعة؛ لأنّ الأمر بالقضاء و إن علّق على «الفوت» في غالب

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 318

الأخبار «1»، لكن علّق علىٰ عدم الإتيان و الترك في بعضها «2»، فلا يبعد دعوى عدم دخالة هذا العنوان الوجودي فيه، و موضوعه صِرْف عدم الإتيان بها في الوقت؛ أي عدم إتيانها إلىٰ خارج الوقت، و معه لا مانع من إحرازه بالأصل.

و قد يقال: بأنّه لا شكّ في الخارج في المورد؛ لأنّ ما أتى بها هي الصلاة عارياً، و ما لم يأتِ بها هي مع الثوب، فالمقام نظير الشكّ في كون الغروب سقوط الشمس أو ذهاب الحمرة؛ ممّا لا يجري فيه الاستصحاب.

و فيه ما لا يخفىٰ و لو سلّم عدم الجريان في مورد النقض؛ لأنّا لا نريد إثبات حكم للصلاة المتحقّقة في الخارج، بل الموضوع لوجوب القضاء عدم إتيان المكلّف بالصلاة المأمور بها إلىٰ بعد الوقت، و الآتي بها عارياً يشكّ في إتيانه للمأمور به شرعاً؛ لاحتمال أن يكون الثوب

طاهراً، و كان تكليفه إتيانها فيه، فيجري استصحاب عدم الإتيان بالمأمور به، فيجب عليه القضاء.

فالأحوط لو لم يكن أقوى إتيانها عارياً، و قضاؤها خارج الوقت.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 1 و 3 و 5، و الباب 4، الحديث 2 و 8 و 13، و الباب 6، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 2 و 5، و الباب 3، الحديث 25، و الباب 4، الحديث 1 و 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 319

فرع حكم من لم يجد إلّا ثوباً نجساً
اشارة

لو لم يجد إلّا ثوباً نجساً يجب أن يلقيه و يصلّي عرياناً؛ إذا لم يتمكّن من غسله، و لم يضطرّ إلىٰ لبسه لضرورة عرفية أو شرعية، كما عن جلّ المتقدّمين، بل كلّهم عدا ابن الجنيد، فإنّ المحكي عنه التخيير بين الصلاة فيه و الصلاة عرياناً «1»، و لم ينقل ذلك عن غيره إلىٰ عصر المحقّق.

نعم، حكي عن الشيخ احتماله «2»، لكن ادّعىٰ في «الخلاف» الإجماع على الأوّل «3» و عن «الدروس» و «المسالك» و «الروض» و «الدلائل» و «المدارك» نقل الشهرة فيه «4».

و عن المحقّق في «المعتبر» «5» و العلّامة في بعض كتبه «6» و بعض من تأخّر عنهما «7» القول بالتخيير.

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 330.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 182/ السطر 28، كشف اللثام 1: 455، تهذيب الأحكام 2: 224، ذيل الحديث 855.

(3) الخلاف 1: 398 و 474.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 182/ السطر 26، الدروس الشرعيّة 1: 127، مسالك الأفهام 1: 129، روض الجنان: 169/ السطر 14، مدارك الأحكام 2: 359.

(5) المعتبر 1: 445.

(6) منتهى المطلب 1:

182/ السطر 27.

(7) الدروس الشرعيّة 1: 127، جامع المقاصد 1: 177، مسالك الأفهام 1: 129.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 320

و لم يحك عن أحد القول بتعيّن الصلاة فيه، و إنّما هو أمر حادث بين بعض متأخّر المتأخّرين ممّن قارب عصرنا «2».

فالمسألة لدى القدماء ذات قول واحد حقيقة، ولدي المتأخّرين ذات قولين إلى الأعصار القريبة منّا، فحدث قول ثالث فيها.

ثمّ إنّه حكي عن «المنتهىٰ»: «أنّه لو صلّىٰ عارياً فلا إعادة قولًا واحداً» «3» و عن «الذخيرة» و «الكفاية» حكاية الشهرة علىٰ أنّه لو صلّىٰ بالثوب لم يعد «4»، و لعلّ مرادهما فيما لا يمكن نزعه، أو حكاية الشهرة بين المتأخّرين.

و اختلفت آراء العامّة فيها؛ فعن الشافعي: «يصلّي عرياناً، و لا إعادة عليه» «5» و عن مالك و محمّد بن الحسن و المُزني: «يصلّي فيه، و لا إعادة عليه» «6» و عن أبي حنيفة: «إن كان أكثره طاهراً لزمه أن يصلّي فيه، و لا إعادة عليه، و إن كان أكثره نجساً فهو بالخيار بين أن يصلّي فيه، و بين أن يصلّي عرياناً، و كيف كان ما صلّىٰ فلا إعادة عليه» «7» و منشأ الاختلاف بيننا اختلاف الأخبار.

تعيّن الصلاة عارياً و ردّ القول بجواز الصلاة في النجس

فممّا تدلّ على الصلاة فيه

صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب في ثوبه، و ليس معه ثوب غيره، قال: «يصلّي فيه، فإذا

______________________________

(2) العروة الوثقى 1: 98، المسألة 4.

(3) منتهى المطلب 1: 182/ السطر 31.

(4) ذخيرة المعاد: 169/ السطر 32، كفاية الأحكام: 13/ السطر الأخير.

(5) الخلاف 1: 398، المجموع 3: 143 و 188.

(6) الخلاف 1: 474، المبسوط، السرخسي 1: 187/ السطر 13، المجموع 3: 143.

(7) الخلاف 1: 475، المبسوط، السرخسي

1: 187/ السطر 11، المجموع 3: 143.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 321

وجد الماء غسله» «1».

و قريب منها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عنه (عليه السّلام) «2» و موثّقته «3» و هما رواية واحدة.

و يحتمل في هذه الروايات أن يكون السؤال عن عرق المجنب، كما سئل عنه في روايات عديدة «4». و حمل شيخ الطائفة رواية الحلبي علىٰ عرق المجنب من الحرام «5». و ما ذكرناه و إن كان خلاف المظنون، لكنّه ظنّ خارجي لا دليل علىٰ حجّيته، تأمّل.

و أمّا

موثّقة الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سأل عن رجل ليس معه إلّا ثوب، و لا تحلّ الصلاة فيه، و ليس يجد ماءً يغسله، كيف يصنع؟ قال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أصاب ماءً غسله و أعاد الصلاة» «6».

فلا يظهر منها بأنّه يصلّي فيه، سيّما مع قوله: «و لا تحلّ الصلاة فيه»

______________________________

(1) الفقيه 1: 40/ 155، تهذيب الأحكام 1: 271/ 799، وسائل الشيعة 3: 447، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 11، و: 484، الباب 45، الحديث 1.

(2) الفقيه 1: 160/ 754، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 2: 224/ 885، وسائل الشيعة 3: 485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 6.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 444، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 1 و 4 و 8 و 9 و 10 و 12.

(5) تهذيب الأحكام 1: 271، ذيل الحديث 799.

(6) تهذيب الأحكام 1: 407/ 1279، و 2: 224/ 886، وسائل الشيعة 3: 485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 4، ص: 322

فيمكن أن أقرّه علىٰ عدم الصحّة، و أراد ب «الصلاة» الصلاة عرياناً. و الظنّ الخارجي بأنّ المراد الصلاة فيه قد مرّ حاله.

و أمّا

صحيحة الحلبي الأُخرىٰ: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون له الثوب الواحد، فيه بول لا يقدر علىٰ غسله، قال: «يصلّي فيه» «1».

فمن المحتمل قريباً وقوع التقطيع فيها؛ فإنّ الحلبي روىٰ ثلاث روايات:

الاولىٰ: ما تقدّمت، و هي متعرّضة لحكم الثوب الذي أجنب فيه.

و الثانية: متعرّضة لحكم البول؛ و هي أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل ..» إلىٰ آخره التي تقدّمت آنفاً.

و الثالثة:

قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب في الثوب، أو يصيبه بول، و ليس معه ثوب غيره، قال: «يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه» «2».

فيحتمل أن تكون الثالثة هي الأصل، و الأُوليان تقطيعاً منها؛ إذ من البعيد أن يسأل الحلبي أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) تارة: عن الثوب الذي أجنب فيه، و أُخرى: عن الثوب الذي أصابه البول، و ثالثة: عن كليهما، فقيد الاضطرار غير مذكور للتقطيع. و هذا و إن كان غير مرضي في غير الباب، لكن يوجب فيه نحو وهن فيها لخصوصية فيه، و الرواية الثالثة إمّا ظاهرة في الاضطرار في اللبس؛ لبرد أو ناظر محترم، أو محتملة له، فلا يمكن معه استفادة الإطلاق منها.

فبقيت

صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم، يصلّي فيه، أو

______________________________

(1) الفقيه 1: 160/ 753، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 2: 224/ 883، وسائل الشيعة 3:

485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 323

يصلّي عرياناً؟ قال: «إن وجد ماءً غسله، و إن لم يجد ماءً صلّىٰ فيه، و لم يصلّ عرياناً» «1»

فهي صريحة الدلالة و صحيحة السند.

لكن ربّما يمكن الخدشة فيها: بأنّ الظاهر من «إصابة الثوب» أنّه وجده مطروحاً كاللقطة، فكيف أجاز التصرّف و الصلاة فيه؟! و هو نحو وهن فيها.

و لو نوقش في الخدشات بضعف الاحتمالات المتطرّقة، و ظهورها في صحّة الصلاة في الثوب النجس، كما هو الصواب، يمكن أن يقال: إنّ وجه الجمع بينها و بين

موثّقة سَماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض، و ليس معه إلّا ثوب فأجنب فيه، و ليس يجد الماء، قال: «يتيمّم و يصلّي عرياناً قائماً يومي إيماء» «2».

و نحوها

روايته الأُخرىٰ، إلّا أنّ فيها: «و يصلّي قاعداً» «3»

و عن الكليني و الشيخ رواية الموثّقة أيضاً كذلك «4».

و

مصحّحةِ الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة، و ليس عليه إلّا ثوب واحد، و أصاب ثوبه منيّ، قال: «يتيمّم و يطرح ثوبه فيجلس مجتمعاً، فيصلّي فيومئ إيماء» «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 224/ 884، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1271، وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 1.

(4) الكافي 3: 396/ 15، تهذيب الأحكام 2: 223/ 881.

(5) تهذيب الأحكام 1: 406/ 1278، و 2: 223/ 882، وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 4.

كتاب

الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 324

بحمل الأخبار المتقدّمة علىٰ حال وجود الناظر المحترم؛ بدعوىٰ أنّ قوله: «و هو في الفلاة» لإفادة فقدان الناظر المحترم، فتكون أخصّ مطلقاً منها، فتقيّد بها.

و تشهد له رواية الحلبي المتقدّمة. و حملها على اضطرار اللبس للصلاة «1» تأكيد، و التأسيس خير منه و أظهر.

و لو نوقش في ذلك: بأنّ ذكر «الفلاة» توطئة لبيان عدم إصابة ثوب آخر و عدم إصابة الماء، و بمنع ظهور رواية الحلبي في الاضطرار التكويني؛ بعد كون الصلاة عند المسلمين من الضروريات التي يصدق معها الاضطرار، فصارت الروايات متعارضة، فلا ينبغي الإشكال في ترجيح الروايات الحاكمة بالصلاة عارياً علىٰ معارضاتها.

بل لا تصلح هي للحجّية؛ لإعراض الطبقة الاولىٰ من أصحابنا عنها، و الميزان في وهن الرواية هو إعراض تلك الطبقة المتقدّمة.

و الظاهر أنّ المحامل التي تراها من شيخ الطائفة ممّا هي مقطوع الخلاف، و لا يليق بجنابة، كحمل صحيحة عليّ بن جعفر على الدم المعفوّ عنه «2»، و حمل الأخبار الأُخر علىٰ صلاة الجنازة «3» إنّما هي بعد مفروغية عدم صلوحها للعمل، لا أنّ اتكاله علىٰ هذا الجمع في الفتوىٰ.

فتركُ الروايات المتكثّرة الصحيحة الظاهرة الدلالة لأجل روايتين ربّما يخدش في سندهما بالقطع، و بأحمد بن محمّد بن يحيىٰ و محمّد بن عبد الحميد و سيف بن عميرة إلىٰ عصر المحقّق، و عدمُ طرح أحد من أصحابنا هاتين

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 1: 546.

(2) تهذيب الأحكام 2: 224، ذيل الحديث 886.

(3) تهذيب الأحكام 2: 224، ذيل الحديث 885.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 325

الروايتين حتّى صاحب «المدارك» الذي دأبه الإشكال و الخدشة في الروايات، فإنّه لم يردّهما، بل جعل الأخذ

بالروايات الأُولىٰ أولىٰ «1»، يدفعنا عن الاستبداد بالرأي اغتراراً بصحّة تلك الروايات و كثرتها، ففي مثل المقام يقال: «كلّما ازدادت الروايات صحّة و كثرة، ازدادت ضعفاً و وهناً».

هذا مع موافقتها لمالك و غيره ممّن تقدّم ذكره «2»، و لأبي حنيفة غالباً، و الروايتان الآمرتان بالصلاة عارياً مخالفتان لأبي حنيفة و مالك، و هما من عُمَد الفقهاء من أهل الخلاف في عصر صدور الروايات، و لم يكن الشافعي موجوداً فيه، بل لعلّه لم يكن معتمداً في زمن أبي الحسن (عليه السّلام) فإنّه كان شابّاً في عصره، فلا ينبغي الإشكال في تعيّن الصلاة عارياً.

فما قد يقال: من أنّ أصل الستر أولىٰ بالرعاية من وصفه أو أنّه مع إلقائه يلزم ترك السجود و الركوع الاختياري «3».

اجتهاد في مقابل النصّ المعمول به.

ثمّ إنّه مع عدم تمكّنه من النزع لعذر عقلي أو شرعي، صلّىٰ فيه بلا إشكال؛ لعدم سقوط الصلاة بحال، و تكون صحيحة مجزية لا تجب إعادتها، كما عن المشهور «4»، و هو الموافق للقواعد. و ما في موثّقة الساباطي من الأمر بالإعادة «5» فمع اشتمالها على التيمّم محمول على الاستحباب.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 361.

(2) تقدّم في الصفحة 320.

(3) كشف اللثام 1: 455، جواهر الكلام 6: 249.

(4) جواهر الكلام 6: 252، مصباح الفقيه، الطهارة: 629/ السطر 22.

(5) تقدّم في الصفحة 321.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 327

خاتمة في باقي المطهّرات

اشارة

و هو أُمور

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 329

الأمر الأوّل في مطهّرية المطر

اشارة

المطر و مطهّريته كطهارته من الواضحات التي لا ينبغي التكلّم فيها، كيف؟! و هو من أقسام الماء المطلق الذي خلقه اللّٰه طهوراً، و نزل فيه قوله تعالىٰ وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1» و قوله وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ .. «2» إلىٰ آخره.

اعتصام المطر و كيفية التطهير به

و لهذا لم يعنون في كلمات القوم أصل طهوريته أو طهارته، و إنّما أفردوه بالذكر لبيان حكمين آخرين:

أحدهما: عدم انفعاله بملاقاة النجس حال تقاطره، مع أنّه من أقسام الماء القليل، فكان معتصماً حين نزوله؛ سواء فيه القطرات النازلة المعتصمة بعضها بالبعض، كالماء الجاري و الكرّ المعتصم بالمادّة و الكثرة، أو ما اجتمع منه بعد

______________________________

(1) الفرقان (25): 48.

(2) الأنفال (8): 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 330

النزول و كان قليلًا؛ بشرط تمطير السماء فعلًا، و عدم الانقطاع و ارتباط بينهما.

و ثانيهما: كيفية التطهير به؛ و أنّ مجرّد إصابته للمحلّ المتنجّس موجب لطهارته؛ بشرط قابليته لها.

ثمّ اعلم: أنّا لو التزمنا باعتبار الكرّية في الماء الجاري، أو قلنا باعتبار العصر فيه في مثل الثياب، أو التعدّد في الأواني، لا يوجب ذلك التزامنا باعتبارها في المطر؛ لعدم دليل علىٰ مشاركته للجاري في الأحكام و الشروط، و إنّما حكي الشهرة علىٰ أنّ ماء المطر كالجاري في عدم الانفعال و تطهير ما أصابه «1»، بعد الفراغ عن عدم اعتبار ما تقدّم؛ أي الكرّية و العصر و التعدّد في الجاري، فمع سقوط تلك القيود نزّلوا المطر منزلته، لا لقيام دليل على التنزيل، فالمتبع في ماء المطر الأدلّة الخاصّة.

أدلّة الحكمين السابقين

فنقول: تدلّ على الحكمين مضافاً إلى الشهرة المنقولة، و اعتراف بعض الأعيان بعدم معرفة الخلاف بين الأصحاب، بل عن «الذخيرة»: «الظاهر عدم الخلاف في أنّه لو أصاب حال تقاطره متنجّساً غير الماء طهر مطلقاً» «2» اللازم منه عدم انفعاله

مرسلة عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: أمرّ في الطريق، فيسيل عليّ الميزاب في أوقات أعلم أنّ الناس يتوضّأون، قال: «ليس به بأس،

لا تسأل عنه».

قلت: يسيل عليّ من ماء المطر، أرىٰ فيه التغيّر، و أرى فيه آثار القذر، فتقطر القطرات عليّ، و ينتضح عليّ منه، و البيت يتوضّأ علىٰ سطحه، فيكف علىٰ

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 312، مصباح الفقيه، الطهارة: 647/ السطر 9.

(2) ذخيرة المعاد: 121/ السطر 35.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 331

ثيابنا، قال: «ما بذا بأس لا تغسله؛ كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «1».

و الظاهر جبر سندها بالشهرة؛ لنقل جمع من الأعيان الشهرة على الحكم الثاني من الحكمين المتقدّمين «2»، و ليس في المسألة دليل صالح للاتكال عليه إلّا المرسلة، و لهذا لم يرمها صاحب «المدارك» بالضعف «3».

و قال الأردبيلي بعد الإشكال في طريقها: «و قد يقال: ينجبر بالشهرة، و فيه تأمّل» «4» و الظاهر تأمّله في الانجبار بالشهرة، لا في تحقّقها، و لعلّه استشكل في أصل الانجبار بها، أو ثبوت اتكالهم عليها.

أقول: في مثل هذا الحكم المخالف للقواعد المفقود فيه الدليل إلّا المرسلة و المرسلة الآتية «5» علىٰ إشكال فيها يطمئنّ النفس بأنّ اتكالهم كان عليها، و هذا يكفي في الجبر.

و لا إشكال في دلالتها علىٰ مطهّريته بمجرّد الإصابة؛ من غير لزوم خروج الغسالة أو شرط آخر فيما يعتبر في الغسل بالماء القليل، و لازمه عدم انفعاله؛ إذ لو انفعل لما يمكن التطهير به مع بقاء الغسالة، فتدلّ على الحكمين.

ثمّ إنّ قوله: «أمرّ في الطريق ..» إلىٰ آخره في صدرها، سؤال عن مورد يظنّ بكون ما سال من الميزاب نجساً؛ فإنّ المراد ب «توضّي الناس» إمّا

______________________________

(1) الكافي 3: 13/ 3، وسائل الشيعة 1: 146، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 5.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1:

256، الحدائق الناضرة 1: 220 و 222، مشارق الشموس: 211/ السطر 8، مستند الشيعة 1: 28.

(3) مدارك الأحكام 2: 376.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 256.

(5) سيأتي في الصفحة 333.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 332

استنجاؤهم، أو الوضوء، لكنّهم كانوا يتوضّأون في محلّ يبولون فيه و يستنجون، فأجابه بما أجاب.

ثمّ سأل عن سيلان المطر مع فرض العلم بملاقاته للنجاسة برؤية آثارها فيه، و رؤية تغيير فيه، و هذا التعبير لا يدلّ علىٰ كون ماء المطر متغيّراً و لو فرض أنّ المراد التغيير بالنجاسة، فإنّ الظاهر من رؤية التغيير فيه أنّ فيه آثار القذارة؛ بأن يكون بعض الماء الذي يسيل متغيّراً، فقوله: «و أرى فيه آثار القذر» علىٰ هذا يكون بياناً للجملة المتقدّمة.

و بالجملة: الظاهر منه عدم تغيّر جميع الماء، بل رأى تغيّراً و آثاراً من القذارة فيه، فأجاب بأنّه لا بأس به، و علّله بأنّ «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر».

لا يقال: التعليل لا يناسب هذا الحكم؛ لأنّ المناسب أن يقول: «ماء المطر لا ينفعل» لا «أنّه مطهّر لما يراه» لعدم التنافي بين مطهّريته و تنجّسه به، كغسالة الماء القليل.

فإنّه يقال: يحتمل أن يكون المراد تطبيق الكبرى على الماء الذي يسيل و يرى فيه آثار القذر، فأفاد أنّ هذا الماء الذي يسيل حال تقاطر المطر يطهّر ما أصابه، فكيف يتنجّس به، بل كيف يمكن انفعاله، فإنّ الماء المتنجّس لا يكون مطهّراً؟! فأفاد المراد بلازمه بنحو بليغ.

و يحتمل أن يكون المراد تطبيقها على الماء حال وصوله إلى المحلّ القذر قبل جريانه؛ بأن يقال: إنّ ماء المطر ليس كسائر المياه القليلة؛ لأنّه بمجرّد الإصابة مطهّر، و ما من شأنه ذلك لا بدّ

و أن لا ينفعل بملاقاة النجس و لو بمثل الأعيان النجسة؛ لعدم الفرق في التنجّس بينها و بين ما تنجّس بها، تأمّل.

و كيف كان: لا إشكال في إفادتها الحكمين المتقدّمين.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 333

و تدلّ عليهما أيضاً

مرسلة محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن (عليه السّلام) في طين المطر: «أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام، إلّا أن يعلم أنّه قد نجّسه شي ء بعد المطر. فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله، و إن كان الطريق نظيفاً فلا تغسله» «1».

و مقتضى إطلاقها أنّ طينه طاهر و لو نجّسه شي ء قبل المطر، سيّما مع تعقّبه بقوله (عليه السّلام): «إلّا أن يعلم ..» إلىٰ آخره، المتفاهم منه أنّ العلم بنجاسته قبل المطر لا يوجب التحرّز. و لعلّ الأمر بالغسل بعد ثلاثة أيّام للاستحباب.

و علىٰ أيّ تقدير: يظهر منها طهارة المتنجّس، و لازمها عدم انفعال ماء المطر؛ لعدم خروج الغسالة و اختلاط المطر بالطين.

و تدلّ على الحكم الأوّل من الحكمين المتقدّمين جملة من الروايات،

كصحيحةِ هشام بن سالم: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن السطح يبال عليه، فتصيبه السماء، فيكفّ فيصيب الثوب، فقال: «لا بأس به؛ ما أصابه من الماء أكثر منه» «2».

و

صحيحةِ هشام بن الحكم، عنه (عليه السّلام): في ميزابين سالا، أحدهما بول، و الآخر ماء المطر، فاختلطا فأصاب ثوب رجل: «لم يضرّه ذلك» «3» ..

إلىٰ غير ذلك.

______________________________

(1) الكافي 3: 13/ 4، تهذيب الأحكام 1: 267/ 783، وسائل الشيعة 3: 522، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 75، الحديث 1.

(2) الفقيه 1: 7/ 4، وسائل الشيعة 1: 144، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث

1.

(3) الكافي 3: 12/ 1، تهذيب الأحكام 1: 411/ 1295، وسائل الشيعة 1: 145، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 334

و يمكن أن يستدلّ بها للحكم الثاني في الجملة؛ بأن يقال: إنّه بعد عدم انفعال ماء المطر بملاقاة النجس إذا أصاب المتنجّس و غلب عليه يصير طاهراً؛ لصدق «الغسل» و عدم لزوم إخراج غسالته.

و إنّما اعتبر إخراجها في الغسل بالماء القليل لانفعاله بالملاقاة، فلا بدّ في الغسل به من صبّ الماء عليه و إخراج غسالته؛ لإزالة النجاسة بعد انتقال القذارة من المتنجّس إلى الماء، كما مرّ تقريبه في بابه «1».

و أمّا ماء المطر، فلمّا لم ينفعل بحكم تلك الروايات، فلا يحتاج في التطهير به إلىٰ إخراجه من المحلّ المتنجّس، و لازمه تطهيره بإصابته و غلبته عليه.

هذا بناءً علىٰ عدم لزوم العصر في الكثير و الجاري؛ بدعوىٰ صدق «الغسل» بمجرّد نفوذ الماء في المحلّ.

و أمّا لو بني علىٰ عدم صدقه أو شكّ فيه إلّا بعد العصر، أو التحريك في الماء؛ حتّى ينتقل الماء الداخل في الجملة كما تقدّم احتماله أو اختياره «2» فلا تدلّ تلك الروايات على الحكم الثاني.

و على الفرض الأوّل أيضاً لا تدلّ علىٰ تمام المطلوب؛ أي الكفاية عمّا يحتاج إلى التعدّد، كالبول و الأواني، بخلاف مرسلة الكاهلي المتقدّمة «3»، فهي الأصل في إثبات الحكم علىٰ نحو الإطلاق.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 125 128.

(2) تقدّم في الصفحة 131.

(3) تقدّم في الصفحة 330.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 335

عدم اعتبار الجريان في التطهير بالمطر

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق المرسلتين و صحيحة هشام بن سالم و ذيل صحيحة عليّ بن جعفر الآتية و

رواية أبي بصير

قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكنيف يكون خارجاً، فتمطر السماء، فتقطر عليّ القطرة، قال: «ليس به بأس» «1».

ثبوت الحكم بمجرّد صدق «المطر» من غير اعتبار الجريان على الأرض، فضلًا عن كونه بحدّ يجري من الميزاب، كما لعلّه مراد الشيخ و ابن سعيد «2»؛ ضرورة فساد توهّم: أنّ مرادهما من «الجريان منه» دخالة الجريان منه في الحكم؛ بحيث لو لم يجرِ منه بالفعل لفقدانه، أو كون محلّ التمطير كالصحاري و البراري، لم يحكم بمطهّريته، فالنقض عليهما بمثل ذلك «3» غير صحيح؛ فإنّ ذكر الميزاب لبيان تعيين حدّ الجريان، لا اعتبار ذاك الخشب و الجريان منه.

كما إنّ الظاهر من ابن حمزة أنّ الحدّ جريانه من الشعْب، قال في بيان ما هو بحكم الماء الجاري: «و حكم الماء الجاري من الشعْب من ماء المطر كذلك» «4» و «الشعْب» بكسر الأوّل-: الطريق في الجبل، و مسيل الماء في بطن الأرض «5»، فيرجع كلامه إلى اعتبار الجريان بمقدار يسيل من مسيل الجبل المنحدر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 424/ 1348، وسائل الشيعة 1: 147، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 8.

(2) تهذيب الأحكام 1: 411، ذيل الحديث 1296، المبسوط 1: 6، الجامع للشرائع: 20.

(3) مستمسك العروة الوثقى 1: 176 177.

(4) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 73.

(5) أقرب الموارد 1: 593، المنجد: 390.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 336

و هو يوافق الجريان من الميزاب الذي ظاهر الشيخ، قال في «التهذيب»: «قال محمّد بن الحسن: الوجه في هذين الخبرين أي خبر هشام بن الحكم و خبر محمد بن مروان الواردين في ميزابين أنّ ماء المطر إذا جرىٰ من الميزاب، فحكمه حكم الماء الجاري؛ لا ينجّسه شي ء

إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو رائحته.

و يدلّ علىٰ ذلك ما

رواه عليّ بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن البيت يبال علىٰ ظهره، و يغتسل فيه من الجنابة، ثمّ يصيبه المطر، أ يؤخذ من مائه فيتوضّأ به للصلاة؟ فقال: «إذا جرىٰ فلا بأس «1»»

«2» انتهىٰ.

و لا يبعد أن يكون مراده مطلق الجريان، و إنّما ذَكر في ذيل الخبرين الواردين في ميزابين، وجهَ عدم الانفعال في موردهما، لا تقييد أصل الحكم؛ بقرينة تمسّكه برواية عليّ بن جعفر، فالقول باشتراطه الجريان من خصوص الميزاب، فاسد جدّاً. نعم، لا يبعد اعتباره ذلك بحدٍّ جرىٰ من الميزاب.

لكنّ الأقرب أنّه اشترط أصل الجريان، علىٰ تأمّل فيه أيضاً ناشئ من أنّ كتاب «التهذيب» لم يعمل للفتيا، بل عمل لتأويل الروايات المختلفة و توجيهها؛ لحفظ القلوب الضعيفة التي ثقل عليها الاختلاف فيها، كما يظهر من أوّله «3». و لم يحضرني كتاب «المبسوط» «4».

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 204/ 433، الفقيه 1: 7/ 6، وسائل الشيعة 1: 145، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 411، ذيل الحديث 1296.

(3) تهذيب الأحكام 1: 2 3.

(4) المبسوط 1: 6، قال فيه «و مياه الموازيب الجارية من المطر حكمها حكم الماء الجاري سواء».

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 337

و كيف كان: فالمشهور- علىٰ ما حكي عدم اعتبار الجريان شهرةً عظيمةً «1» بل عن «الروض» أنّه جعل المخالف الشيخ «2» و عن «المصابيح» بعد نسبته إلىٰ فتوى الأصحاب: «أنّه لم يثبت مخالف ناصّ» «3» و هو كذلك بالنسبة إلى الشيخ في «تهذيبه» علىٰ ما تقدّم. لكن ظاهر ابن حمزة اعتباره بنحو ما تقدّم.

و

مستند أصل الجريان صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة، فتقيّد بها المطلقات.

و لا يخفىٰ ما فيه؛ فإنّ الظاهر من قوله: «البيت يبال علىٰ ظهره» أنّ ظهره معدّ لذلك، و الظاهر أنّه كان متعارفاً في تلك الأمكنة و الأزمنة، كما يظهر من سائر الروايات «4»، فحينئذٍ يكون اشتراط الجريان لخصوصية المورد؛ لعدم غلبة المطر على النجاسة بلا جريان في مثله ممّا يكون مُبالًا. كما أنّ السؤال عن الاغتسال من الجنابة يؤيّده، فيكون اعتبار الجريان للغلبة على النجاسة.

و يحتمل أن يكون المراد من «الأخذ من مائه» أخذ ما جرىٰ خارج المحلّ؛ فإنّه إذا كان الماء فيه و كان معدّاً للبول، لم يذهب بالمطر عينُ النجاسة، و مع بقائها فيه و الأخذ منه لا محالة يبتلي المكلّف بها إذا أخذ منه، فيكون القيد للإرشاد إلى الأخذ من المحلّ الخارج؛ لئلّا يبتلي بها، و لهذا لم يذكر الجريان في ذيلها، و هو هكذا:

قال: و سألته عن الرجل يمرّ في ماء المطر، و قد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه، هل يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ فقال: «لا يغسل

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 312.

(2) روض الجنان: 138/ السطر 27.

(3) المصابيح في الفقه: 102/ السطر 4 (مخطوط).

(4) راجع وسائل الشيعة 1: 144، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 338

ثوبه و لا رجله، و يصلّي فيه، و لا بأس به» «1».

هذا مضافاً إلى احتمال أن يكون المراد من «جريانه» فعلية تمطير السماء، فالشرط لأجل أنّ المحلّ المعدّ للبول، لا يرتفع جرم البول المتراكم فيه بالمطر، فمع قطع الجريان ينفعل ماؤه، كسائر المياه القليلة.

و الإنصاف: أنّه لا يجوز رفع اليد عن الإطلاقات سيّما مثل

قوله (عليه

السّلام): «ما أصابه من الماء أكثر» «2»

بمثل هذه الرواية.

و أمّا

رواية الحِمْيَري بإسناده عن عليّ بن جعفر: و سألته عن الكنيف يكون فوق البيت، فيصيبه المطر، فيكف فيصيب الثياب، أ يصلّىٰ فيه قبل أن تغسل؟ قال: «إذا جرىٰ من ماء المطر فلا بأس» «3».

فظاهرها أنّ ما يكف إن كان من ماء المطر فلا بأس، في مقابل ما كان من البول أو ماء الكنيف، فهي في الحقيقة من أدلّة عدم اعتبار الجريان فيه، أو لا أقلّ من عدم دلالتها على اعتباره.

كما إنّ ما

في «كتاب عليّ بن جعفر» عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن المطر يجري في المكان فيه العَذِرة، فيصيب الثوب، أ يصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال: «إذا جرىٰ فيه المطر فلا بأس» «4» لا ظهور فيه في القيدية بعد مسبوقيته

______________________________

(1) الفقيه 1: 7/ 7، وسائل الشيعة 1: 145، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 333.

(3) مسائل عليّ بن جعفر: 192/ 398، قرب الإسناد: 192/ 724، وسائل الشيعة 1: 145، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 3.

(4) مسائل عليّ بن جعفر: 130/ 115، وسائل الشيعة 1: 148، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 339

بفرض جريانه في المكان، فكأنّه قال: «علىٰ هذا الفرض لا بأس به».

مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر أنّ المفروض جريان ماء المطر إلىٰ محلّ فيه العَذِرة، و لم يكن ذلك المكان مورد إصابة المطر، فالسؤال عن تمطير السماء في مكان، و إجراء مائه في مكان آخر فيه العَذِرة، فلا يدلّ على القيدية في مورد البحث.

مع أنّ الشرطية لبيان تحقّق الموضوع؛ فإنّ

مفهومها «إذا لم يجر فيه المطر» لا «إذا تحقّق المطر و لم يكن جارياً» فالأقوىٰ ما عليه القوم من عدم اعتبار الجريان.

نعم، لا عبرة بالقطرات اليسيرة؛ لانصراف الأدلّة عنها، بل لا يبعد عدم صدق «المطر» عليها عرفاً، بل و لغة.

توقّف التطهير بالمطر علىٰ صدق رؤية مائه للمتنجّس

ثمّ إنّ التطهير بالمطر متوقّف علىٰ صدق رؤية مائه للشي ء النجس؛ أي المحلّ الذي تنجّس، فإذا تقاطر علىٰ بعض الجسم النجس، طهر موضع التقاطر لا غير.

هذا في غير المائعات، و أمّا فيها فلا إشكال في عدم طهارة غير الماء منها به؛ لعدم إمكان رؤيته جميع أجزائها، و ما وصل إليه أيضاً لا يطهر؛ للسراية، ففي مثله لا يمكن حصول الطهارة.

و إن شئت قلت: إنّ

قوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «1»

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 331.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 340

لا يشمل مثل المائعات؛ فإنّها غير قابلة للتطهير كالأعيان النجسة؛ فإنّ رؤية المطر جميعَ أجزائها غير ممكن، و بعضَها المتصل بالنجس غير قابل له فلا يشمله الدليل.

و من ذلك يعلم الحال في الماء أيضاً.

و دعوىٰ صدق رؤيته إيّاه بتقطير قطرات بل قطرة عليه «1»، غير وجيهة؛ لأنّ المراد من صدقها إن كان صدق الرؤية لهذا الجسم بملاحظة كونه موجوداً واحداً، فإذا صدق رؤيته لجزء منه صدق رؤيته له، فلازمه طهارة جميع الأرض إذا تقاطر علىٰ نقطة منها المطر؛ لصدق رؤيته إيّاها.

و الحلّ: أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء يراه ..» إلىٰ آخره- بمناسبة الحكم و الموضوع أنّ الطهارة مخصوصة بموضع الملاقاة دون غيره، و هو واضح.

و لو قيل «2»: إنّ مقتضىٰ إطلاق الرؤية طهارة الجزء الذي رآه المطر، و لازمه طهارة جميع الماء؛ للإجماع علىٰ

عدم محكومية الماء الواحد بحكمين.

يقال له: بعد تسليم ثبوت الإجماع المذكور إنّا نمنع إطلاقها لمثل المورد؛ لعدم إمكان قبوله للتطهير كسائر المائعات؛ فإنّ الجزء المائع المتصل بالنجس اللازم الانفعال منه، لا يصير طاهراً بورود المطهّر عليه.

بل لولا الإجماع علىٰ قبول المياه للطهارة «3» و دلالة بعض الأخبار عليه

______________________________

(1) روض الجنان: 139/ السطر 3، جواهر الكلام 6: 319.

(2) انظر جواهر الكلام 6: 319.

(3) مستند الشيعة 1: 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 341

- كصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع الواردة في ماء البئر «1» و ما وردت في ماء الحمّام «2» لكان الحكم بقبوله لها مشكلًا، و المتيقّن من الإجماع طهارته بعد الامتزاج، كما إنّ مورد الروايات المتقدّمة «3» ذلك، فالأقوىٰ عدم طهارة الماء المتنجّس إلّا بالامتزاج بالمعتصم.

و قد يقال: بدلالة مرسلة الكاهلي علىٰ طهارته بالتقاطر عليه علىٰ بعض نسخ «الكافي» كما نقل في «الوافي»: «و يسيل على الماء المطرُ» بتعريف «الماء» و جرّه ب «علىٰ» و كون «المطرُ» فاعل «يسيل» قال في «الوافي»: «و الغرض من السؤال الثاني أنّ المطر يسيل على الماء المتغيّر بالقذر، فيثب من الماء القطرات، و ينتضح عليّ، و «البيت يتوضّأ علىٰ سطحه ..» سؤال آخر» «4» انتهىٰ، بدعوىٰ: أنّ «كلّ شي ء يراه ..» إلىٰ آخره بعد تعقّبه بذلك، يدلّ على المطلوب «5».

و فيه: مع عدم ثبوت صحّة هذه النسخة، و لهذا لم يشر إليها المحدّث المجلسي في «مرآته» «6» و لا الحرّ في جامعه «7».

______________________________

(1) عن الرضا (عليه السّلام) قال: «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه، فينزح حتّى يذهب الريح و يطيب طعمه لأنّ له مادّة».

تهذيب الأحكام 1: 234/

676، وسائل الشيعة 1: 172، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 7.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 148، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7.

(3) تقدّم في الصفحة 333.

(4) الوافي 6: 46.

(5) مستمسك العروة الوثقى 1: 182.

(6) مرآة العقول 13: 43 44.

(7) وسائل الشيعة 1: 146، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 342

و الاستشهاد علىٰ صحّتها بمنافاة فرض السيلان عليه على النسخة المعروفة مع فرض ورود القطرات عليه «1»، غير تامّ؛ لإمكان رفع التنافي بأن يقال: إنّ فرض ورود القطرات، قرينة علىٰ أنّ المراد من سيلانه عليه سيلانه من فوق رأسه، فكأنّه قال: «يسيل عليّ الميزاب، فيقطر عليّ منه القطرات» أنّ سيلان المطر على الماء بناءً علىٰ هذه النسخة، ملازم لامتزاجه به، و لعلّه مع الامتزاج صدق الرؤية عرفاً بنحو من التسامح.

مع أنّ لنا أن نقول: إنّ تطبيق الكبرى على المورد دليل علىٰ صحّة النسخة المشهورة؛ لو منع الصدق العرفي مع الامتزاج.

و كيف كان: لا يمكن إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد و الارتكاز العرفي بهذه النسخة غير الثابتة.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 1: 182.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 343

الأمر الثاني في مطهّرية الشمس

اشارة

من المطهّرات الشمس إذا جفّفت بإشراقها البول و غيره من النجاسات و المتنجّسات التي لا يبقى جِرمها بعد الجفاف بالتبخير عن الأرض و غيرها ممّا لا ينقل، كالنباتات و الأشجار، و أثمارها الموصولة بها، و الأبنية و ما يتعلّق بها من الأبواب و الأخشاب و المسامير و غيرها، بل عن البواري و الحصر من المنقولات، على الأظهر الأقوىٰ في جميع المذكورات.

و قد خالف في أصل الحكم المحدّث الكاشاني، فاختار

في «الوافي» عدم مطهّريتها، بل عدم العفو حتّى عن السجدة عليها،

قال في ذيل رواية ابن أبي عمير قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أُصلّي على الشاذكونة و قد أصابتها الجنابة، قال: «لا بأس» «1»

بهذه العبارة:

«و الوجه في ذلك عدم اشتراط الطهارة في مواضع الصلاة إلّا بقدر ما يسجد عليه. نعم يشترط أن لا يكون فيها إذا كانت نجسة رطوبة يتعدّىٰ بها

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 370/ 1538، وسائل الشيعة 3: 454، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 344

النجاسة إلىٰ ثوب المصلّي أو بدنه. و بناء الأخبار الآتية علىٰ هذا الأصل، إلّا أنّ جماعة من أصحابنا اشتبه ذلك عليهم، فزعموا أنّ الشمس تطهّر الأرض و البواري» «1».

ثمّ ذكر في ذيل بعض الأحاديث مؤيّداتٍ لما اختاره، و حمل صحيحة زرارة الآتية و رواية أبي بكر الحضرمي على المعنى اللغوي؛ أي عدم سراية القذر،

كقوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء يابس ذكي» «2»

ليوافقا سائر الأخبار «3».

و عن جملة من الأصحاب القول بصحّة السجود عليها و بقائها على النجاسة «4»، فيكون البناء على العفو في خصوص هذا الحكم.

و المشهور البناء على الطهارة، بل عن جملة منهم دعوى الإجماع عليها، ففي «الخلاف» الإجماع علىٰ طهارة الأرض و الحصر و البواري من البول «5»، و عن «السرائر» الإجماع على التطهير بالشمس «6»، و عن «كشف الحقّ»: «ذهب الإمامية إلىٰ أنّ الأرض لو أصابها البول و جفّت بالشمس طهرت، و جاز التيمّم منها» «7» و عن جملة منهم دعوى الشهرة عليها «8».

______________________________

(1) الوافي 6: 231.

(2) تهذيب الأحكام 1: 49/ 141، وسائل الشيعة 1: 351، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 31، الحديث

5.

(3) الوافي 6: 231 و 232 و 234.

(4) انظر جواهر الكلام 6: 258، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 79، المعتبر 1: 446.

(5) الخلاف 1: 218 219 و 495.

(6) السرائر 1: 182.

(7) نهج الحقّ و كشف الصدق: 418.

(8) مختلف الشيعة 1: 323، المهذّب البارع 1: 252، مفاتيح الشرائع 1: 79، الحدائق الناضرة 5: 436 437.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 345

و أيضاً يظهر من بعضهم اختصاص الحكم بالبول «1». و عن جملة منهم دعوى الشهرة على التطهير من سائر النجاسات المائعة «2». و ظاهر بعضهم اختصاص الحكم بالأرض و الحصر و البواري «3». و عن جملة منهم نقل الشهرة عليها و علىٰ كلّ ما لا ينقل، كالنباتات و الأبنية و غيرهما «4».

و الأقوى في المقامات الثلاثة ما حكي عن المشهور أي: 1 حصول الطهارة.

2 و عموم الحكم لكلّ مائع متنجّس أو نجس، نظير البول ممّا يتبخّر بإشراق الشمس.

3 و عمومه لكلّ ما لا ينقل، و للحصر و البواري.

التمسّك للطهارة بصحيحة زرارة في المقام

و تدلّ على المطلوب في المقامات الثلاثة

صحيحة زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن البول يكون على السطح، أو في المكان الذي يصلّى فيه، فقال: «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه؛ فهو طاهر» «5».

______________________________

(1) المقنعة: 71، المبسوط 1: 38، المراسم: 56.

(2) مختلف الشيعة 1: 323، المهذّب البارع 1: 252، الحدائق الناضرة 5: 450، جواهر الكلام 6: 259 260.

(3) المقنعة: 71، المبسوط 1: 38، السرائر 1: 182، المختصر النافع: 19.

(4) الحدائق الناضرة 5: 436، مستند الشيعة 1: 320، مستمسك العروة الوثقى 2: 78.

(5) الفقيه 1: 157/ 732، وسائل الشيعة 3: 451، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)،

ج 4، ص: 346

أمّا دلالتها على الطهارة فلا ينبغي الإشكال فيها. و توهّم أنّ «الطهارة» فيها بمعنى عدم السراية «1»

كقوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء يابس ذكي» «2»

خلاف الظاهر بل الصريح؛ لا يذهب إليه إلّا مع قيام قرينة، و سيأتي حال بعض ما يتوهّم قرينيته «3».

بل الظاهر من قوله (عليه السّلام): «فصلّ عليه» أنّ شرط الصلاة عليه حاصل، و معلوم أنّ المتعارف في تلك الأعصار السجود على المكان الذي كانوا يصلّون فيه.

نعم، من كان علىٰ مذهب الحقّ، كان لا محالة يراعي كون المكان ممّا تصحّ السجدة عليه، و أمّا وضع شي ء كتراب قبر مولانا الحسين سلام اللّٰه عليه أو حجر، أو خشب، فلم يكن معهوداً و متعارفاً، سيّما مع شدّة التقيّة.

فسؤال زرارة عن البول في المكان الذي يصلّى فيه، إنّما هو عن صحّة الصلاة و السجود عليه مع جفاف البول؛ ضرورة عدم تعقّل السؤال عن البول الرطب الساري، فقوله (عليه السّلام) في مقام الجواب: «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه» يدلّ علىٰ حصول شرط السجود.

و الحمل على العفو مع بقاء النجاسة، خلاف الظاهر المتفاهم، فهل ترى من نفسك بعد معهودية اشتراط الطهارة في ثوب المصلّي انقداحَ احتمال العفو و بقاء النجاسة من قوله مثلًا: «إن أصابه المطر صلّ فيه»؟! و ليس ذلك إلّا لأنّ تجويز الصلاة فيه دليل علىٰ حصول شرطه، فيستفاد من الصحيحة مع الغضّ عن قوله (عليه السّلام): «فهو طاهر» حصول شرط السجدة مع الجفاف بالشمس.

فاحتمال التجفيف مخالف للظاهر، فضلًا عن احتمال ارتكبه الكاشاني؛ فإنّه بناءً علىٰ ما ذكره يكون ذكر الشمس و التعليق عليها، في غير محلّه؛ إذ لو

______________________________

(1) الوافي 6: 234.

(2) تقدّم في الصفحة 344.

(3) يأتي في الصفحة 349.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 4، ص: 347

كان الموضوع هو التجفيف فلا معنىٰ للتقييد. و كون الشمس أسرع في التجفيف، لا يوجب تعليقه عليها من غير دخالة لها.

هذا مع أنّ «الطاهر» في مقابل «القذر» عرفاً و شرعاً، و ليس للشارع اصطلاح خاصّ فيهما، كما مرّ مراراً «1». و حملها علىٰ عدم السراية مع الجفاف، من قبيل توضيح الواضحات بعد وضوحه لدى العرف.

و بالجملة: لا شبهة في دلالتها و صراحتها على المطلوب.

التمسّك للطهارة برواية الحضرمي

و تدلّ عليه أيضاً

رواية الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» «2».

و

في رواية أُخرى عنه (عليه السّلام) «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر» «3».

و الظاهر أنّهما رواية واحدة، و السند و إن كان ضعيفاً بعثمان بن عبد الملك، بل في الحضرمي تأمّل، لكن رواية أحمد بن محمّد بن عيسىٰ إيّاها مع ما هو المعروف من طريقته «4» لا يبعد أن تكون نحو توثيق لهما، أو دالّةً علىٰ قرينة علىٰ صدورها.

و أمّا

صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع قال: سألته عن الأرض

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15 و 164، و في الجزء الثالث: 9 11.

(2) تهذيب الأحكام 2: 377/ 1572، وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 273/ 804، وسائل الشيعة 3: 452، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 5.

(4) راجع رجال النجاشي: 185/ 490، 332/ 894، رجال العلّامة الحلّي: 14/ 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 348

و السطح يصيبه البول و ما أشبهه، هل تطهّره الشمس من غير ماء؟ قال: «كيف يطهر من غير ماء؟!» «1».

فالظاهر منها أنّ الشمس تطهِّر مع الماء، سيّما لو

كان «يطهّر» في الذيل من التفعيل، و ضميره راجعاً إلى الشمس، كما هو المناسب للسؤال.

و في نسخة «الوافي»: «تطهّر» بالتاء «2»، و الظاهر منها كونه من التفعيل، لا من باب المجرّد، فتكون الرواية دالّة على المطلوب، فدعوى الكاشاني بأنّها صريحة في عدم التطهّر بالشمس «3»، غير وجيهة.

التمسّك للطهارة بصحيحة زرارة و حديد الأزدي

و من بعض ما ذكرناه يظهر إمكان الاستدلال للمطلوب- أي حصول الطهارة

بصحيحة زرارة و حديد الأزدي قالا: قلنا لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): السطح يصيبه البول أو يبال عليه، يصلّى في ذلك المكان؟ فقال: «إن تصيبه الشمس و الريح و كان جافّاً فلا بأس به، إلّا أن يكون يتخذ مبالًا» «4».

فإنّ التفصيل بين ما يتخذ مبالًا، فلا يجوز فيه الصلاة مع جفافه، و بين غيره فيجوز، كالصريح في مخالفة مختار الكاشاني. و مع معهودية اشتراط الطهور في محلّ سجدة المصلّي، و كون المتعارف عدم وضع شي ء للسجود، تدلّ الرواية علىٰ حصول الشرط؛ أي الطهور.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 273/ 805، وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 7.

(2) الوافي 6: 231/ 20.

(3) نفس المصدر.

(4) الكافي 3: 392/ 23، تهذيب الأحكام 2: 376/ 1567، وسائل الشيعة 3: 451، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 349

فدعوى: أنّ تجويز الصلاة فيه و نفي البأس، لا يدلّان علىٰ حصول الطهارة؛ لإمكان كونهما مبنيين على العفو «1»، خلاف فهم العرف و ظهور الرواية.

نعم، فيها مناقشة ناشئة من ضمّ الريح إلى الشمس «2».

و مناقشة اخرىٰ: و هي دعوى كون قوله (عليه السّلام): «و كان جافّاً» ظاهراً في أنّ الجفاف موضوع الحكم و لو لم يحصل بالشمس «3».

و هما ضعيفتان؛

فإنّ ذكر الريح بعد قيام الإجماع «4» و ظهور الأدلّة في عدم دخالتها لعلّه لدفع توهّم: أنّ دخالتها الجزئية مضرّة بتطهير الشمس، و من المعلوم أنّ الشمس إذا أشرقت علىٰ موضع، و هبّ الريح عليه، يكون التأثير في التجفيف مستنداً إلىٰ إشراقها؛ و إن كان للريح أيضاً تأثير ضعيف، فلا يكون هذا التأثير مضرّاً، لا أنّه جزء الموضوع بحيث ينتفي الحكم بانتفائه.

و أمّا قوله (عليه السّلام): «و كان جافّاً» فلا ظهور فيه فيما ادعي. نعم لا ظهور فيه بأنّ الجفاف حصل بالشمس فقط؛ و إن لا يبعد ظهوره العرفي فيه. و لو كان فيه إجمال يرفع بسائر الروايات، فلا إشكال فيها.

التمسّك للطهارة بموثّقة الساباطي و الأحكام المستفادة منها

و أمّا

موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره، فلا تصيبه الشمس، و لكنّه قد يبس الموضع القذر، قال: «لا يصلّى، و أعلم موضعه حتّى تغسله».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 630/ السطر 17.

(2) انظر جواهر الكلام 6: 255، الوافي 6: 231.

(3) انظر جواهر الكلام 6: 255، مستمسك العروة الوثقى 2: 77.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 630/ السطر 19.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 350

و عن الشمس هل تطهّر الأرض؟ قال: «إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك، فأصابته الشمس ثمّ يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة. و إن أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر و كان رطباً، فلا يجوز الصلاة حتّى ييبس، و إن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر، فلا تصلّ علىٰ ذلك الموضع حتّى ييبس. و إن كان غير الشمس أصابه حتّى ييبس فإنّه لا يجوز

ذلك».

كذا في «الوسائل» «1» و ليس في «الوافي»: «حتّى ييبس» بعد قوله (عليه السّلام): «ذلك الموضع» و يكون بدل «غير الشمس» «عين الشمس» و بدل «أصابه» «أصابته» «2».

و في نسخة من «التهذيب» مقروءة على المولى المجلسي رواها نحو «الوافي» إلّا أنّه جعل فيها لفظ «غير» فوق «عين» مع علامة نسخة، و نقل «أصابه» مذكّراً.

و في «حبل المتين»: «ربّما يوجد في بعض نسخ «التهذيب» بدل «عين الشمس» بالعين المهملة و النون «غير الشمس» بالغين المعجمة و الراء، و الصحيح الموجود في النسخ الموثوق بها هو الأوّل» «3» انتهىٰ.

و في «المنتهي» رواها نحو ما في «الوسائل» و صرّح في ذيلها: «بأنّ رواية عمّار فرّقت بين اليبوسة بالشمس و غيرها» «4».

و في هامش «حبل المتين»: «و قد ظفرنا في النسخ الصحيحة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 452، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 4.

(2) الوافي 6: 232/ 21.

(3) الحبل المتين: 126/ السطر 10.

(4) منتهى المطلب 1: 177/ السطر 14 25.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 351

المعتمد عليها جدّاً علىٰ لفظة «غير» أيضاً نسخة» «1»، و الظاهر أنّ الهامش لمصحّح الكتاب.

و كيف كان: فالموثّقة متعرّضة لأحكام:

منها: أنّه إن يبس الموضع بغير الشمس، لا يجوز الصلاة عليه حتّى يغسل، و وجهه لزوم كون محلّ السجدة طاهراً، فالمراد من النهي عنها إمّا عن خصوص السجود، أو عن الصلاة بجميع أجزائها التي منها السجود؛ لما ذكرناه من عدم تعارف وضع شي ء للسجدة عليه «2»، فلا محالة يكون السؤال عن الصلاة علىٰ موضع قذر، شاملًا للسجود عليه.

و منها: أنّه إذا كان الموضع قذراً ببول أو غيره فيبس بالشمس، يجوز الصلاة عليه، و التفصيل بين الجفاف بالشمس و غيرها كالنصّ

علىٰ ردّ الكاشاني، و ليس المراد من قوله (عليه السّلام): «ثمّ يبس» اليبوسة و لو بغير الشمس، بل المراد الجفاف بها، و تخلّل لفظة «ثمّ» لكون الجفاف يحصل بتدريج، فيكون متأخّراً عن حدوث إصابتها.

و لو كان فيه نوع إجمال يرفع بصحيحة زرارة المتقدّمة «3»، و بالإجماع علىٰ أنّ الجفاف بغير الشمس غير مفيد «4»، كما أنّه لو كان له إطلاق يقيّد بهما.

و التقريب فيها لحصول الطهارة بنحو ما تقدّم من أنّ العرف بعد ما رأى أنّ الطهارة في محلّ السجدة معتبرة، لا ينقدح في ذهنه من تجويز الصلاة إلّا حصول الشرط، و العفو لا ينقدح في الأذهان غير المشوّشة بالعلميات.

______________________________

(1) الحبل المتين: 126، الهامش.

(2) تقدّم في الصفحة 346 و 348.

(3) تقدّم في الصفحة 345.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 630/ السطر 19.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 352

و منها: أنّه إن أصابته الشمس فلم ييبس و كان رطباً، لا يجوز الصلاة عليه حتّى ييبس.

و الظاهر أنّ هذه الفقرة مفهوم الفقرة المتقدّمة، و قولَه (عليه السّلام): «حتّى ييبس» تأكيد لها. و لو فرض الإجمال أو الإطلاق فيها يرفع أو يقيّد، كما تقدّم.

و منها: أنّه مع رطوبة الأعضاء لا يجوز الصلاة عليه حتّى ييبس، و المراد اليبوسة بالشمس بقرينة الفقرة الآتية؛ أي «و إن كان غير الشمس أصابه ..» إلىٰ آخره.

و المراد من الفقرتين التفصيل في الصلاة عليه مع رطوبة الأعضاء بين الجفاف بالشمس و غيرها، فتدلّ علىٰ حصول الطهارة بالأوّل دون الثاني.

هذا علىٰ نسخة «الوسائل» الموافقة ل «منتهى العلّامة» و للنصوص و الفتاوىٰ، و المناسب لتذكير الضمير، كما في «التهذيب» و «الوسائل».

و لعلّ البهائي و الكاشاني تصرّفا في النسخة بعد ترجيح «عين» علىٰ «غير»

فجعلا الضمير مؤنّثاً، كما يظهر من «حبل المتين» حيث جعل «أصابته» بالتأنيث في المتن، و التذكير فوق السطر مع علامة «التهذيب» «1» مع أنّ الرواية من «التهذيب» فكأنّ نسخته كذلك، و تصرّف فيها تصحيحاً.

و أمّا على النسخة الأُخرىٰ و هي هكذا:

«و إن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر، فلا تصلّ علىٰ ذلك الموضع و إن كان عين الشمس أصابه حتّى ييبس؛ فإنّه لا يجوز ذلك».

ففيه احتمالان

______________________________

(1) الحبل المتين: 125/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 353

أحدهما: أنّ المراد ب «ذلك الموضع» هو الموضع القذر الرطب؛ أي لاتصلّ مع رطوبة الأعضاء علىٰ ذلك الموضع و إن كان عين الشمس أصابته إلّا أن ييبس بالشمس، فيجوز حينئذٍ الصلاة عليه مع رطوبتها، فكأنّ المقصود بهذه الفقرة إثبات طهارة ما أصابته الشمس، فتكون مخالفة للقول بالعفو دون الطهارة.

فعلى هذا الاحتمال تكون الفقرة السابقة علىٰ هذه الفقرة، متعرّضةً لعدم جواز الصلاة على الموضع حتّى ييبس، و هذه الفقرة لجواز الصلاة مع رطوبة الأعضاء فيما إذا يبس الموضع بالشمس، فيكون التعرّض لعدم الجواز حتّى ييبس، توطئةً لهذا الحكم، فتدلّ علىٰ طهارة الموضع بالتجفيف بالشمس. و علىٰ هذا الاحتمال يكون «حتّى ييبس» غاية لعدم جواز الصلاة.

نعم، يحتمل أن يكون متعلّقاً بقوله: «أصابه» فتدلّ علىٰ عدم الطهارة.

و ثانيهما: أنّ المراد الموضع القذر بعد اليبوسة؛ أي لاتصلّ مع رطوبة الأعضاء على الموضع الذي يبس و إن كان أصابه عين الشمس و يبس بها، فتدلّ علىٰ نجاسة ما يبس بالشمس.

و لا ترجيح لهذا الاحتمال على الاحتمال الأوّل، بل الترجيح معه، سيّما مع كونه موافقاً لسائر الروايات الدالّة على الطهارة صريحاً.

فدعوى

الكاشاني بأنّ الرواية علىٰ هذه النسخة صريحة في عدم الطهارة «1» غير وجيهة، بل لا ظهور لها فيه، بل الأرجح دلالتها على الطهارة علىٰ هذه النسخة أيضاً.

______________________________

(1) الوافي 6: 232.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 354

الاستدلال على عدم الطهارة بصحيحة ابن بَزيع و ردّه

و استدلّ «1» علىٰ عدم الطهارة بها

بصحيحة ابن بَزيع قال: سألته عن الأرض و السطح يصيبه البول و ما أشبهه، هل تطهّره الشمس من غير ماء؟ قال: «كيف يطهر من غير ماءٍ؟!» «2».

بدعوىٰ: أنّ المراد من السؤال أنّ الشمس مطهّرة في قبال الماء، و من الجواب أنّه كيف يطهر بالشمس؟! بل لا بدّ من الغسل بالماء.

و فيها: أنّ هاهنا احتمالًا آخر أقرب منه بلفظ الرواية؛ و هو أنّ الشمس في تطهيرها تحتاج إلىٰ ماء، أو يطهر المحلّ بصِرف إشراقها عليه؟ فتعجّب من ذلك و قال: «كيف تطهر من غير ماءٍ؟!» أي تحتاج في التطهير إلى التبخير و التجفيف، و هما لا يتمّان إلّا بماء، و لعلّ المراد ب «الماء» مطلق المائع القابل للتبخير، و لهذا نكّره. و لو نوقش في ذلك يجب تقييد إطلاقها بصحيحة زرارة «3».

و إنّما قلنا: هذا الاحتمال أقرب؛ لأنّ الرواية مشعرة بأنّ مطهّرية الشمس كانت مفروضة، و إنّما سئل عن كيفيتها؛ و أنّ الإشراق بلا ماء كافٍ أو لا؟

و قوله (عليه السّلام): «كيف يطهر ..؟!» معناه: كيف يطهر المحلّ بالشمس فقط من دون ماء؟! سيّما علىٰ نسخة «الوافي» فإنّ فيها «تطهّر» بالتاء المثنّاة «4»، و الظاهر

______________________________

(1) الوافي 6: 231.

(2) تهذيب الأحكام 1: 273/ 805، وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 7.

(3) تقدّمت في الصفحة 345.

(4) الوافي 6: 231/ 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط -

الحديثة)، ج 4، ص: 355

أنّه من التفعيل بمناسبة السؤال، و سيّما مع تنكير «ماءٍ» فإنّه مشعر بأنّ المراد ليس التطهير بالماء على النحو المعهود، بل لا بدّ فيه من ماء يتبخّر بالشمس.

و مع تساوي الاحتمالين، لا يجوز رفع اليد عن صحيحة زرارة و غيرها الناصّة على الطهارة بمثلها.

بل مع فرض أرجحية الاحتمال الأوّل صارت معارضة لها، و الترجيح معها؛ لموافقتها مع الشهرة و الإجماعات المنقولة «1».

و الإنصاف: أنّ طرح الصحيحة الصريحة بمثل هذه المضمرة المجملة غير جائز.

الجواب عن التمسّك بروايات الشاذكونة و غيرها لإثبات عدم الطهارة

و أمّا الروايات الواردة في الشاذكونة و غيرها «2»؛ ممّا تدلّ علىٰ جواز الصلاة عليها مع الجفاف بلا تقييد بالشمس، و هي التي صارت موجبة لاغترار الكاشاني؛ و ارتكابه للتأويل البعيد في صحيحة زرارة و غيرها، فهي مطلقات يمكن تقييدها بتلك الروايات.

و مع المناقشة فيه فالتصرّف فيها بحملها علىٰ جواز الصلاة فيها، أو عليها إذا كان موضع السجدة طاهراً بتقييدها بالإجماع علىٰ لزوم طهارته أولىٰ من التصرّف في صحيحة زرارة و نحوها الموافقة للشهرة و الإجماعات المنقولة. هذا حال إحدى المقامات الثلاثة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 344.

(2) وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 356

في تعميم موضوع الحكم لغير السطح و المصلّىٰ

و أمّا دلالة صحيحة زرارة علىٰ تعميم الموضوع و عدم الاختصاص بالسطح و المكان الذي يصلّى فيه، فبإلغاء الخصوصية عرفاً. بل لدلالة الشرطية علىٰ أنّ تمام العلّة للتطهير هو تجفيف الشمس، من غير دخالة القابل فيه، و المقام لا يقصر عن سائر المقامات التي يدعىٰ فيها إلغاء الخصوصية عرفاً.

و بالجملة: لا ينقدح في ذهن العرف من هذا الكلام؛ أنّ السطح بما هو مكان خاصّ أو مكان المصلّي بما هو كذلك، دخيل في تطهيره بالشمس، بل يرىٰ أنّ التأثير للشمس و إشراقها و التجفيف بها، من غير دخالة الأرض و السطح و مكان المصلّي فيه.

نعم، لو كان الحكم من قبيل العفو لكان لدعوى الخصوصية وجه، لكن بعد البناء علىٰ حصول الطهارة، لا ينقدح في الأذهان الخصوصية، سيّما مع وقوع المكان الخاصّ في كلام السائل، فلو كان بدل هذه الشرطية قوله: «إذا أصابه المطر صلّ عليه، و هو طاهر» هل يختلج في الذهن أنّ المطر مطهّر السطح أو مكان المصلّي؛ بحيث

يكون للجدار تحت السطح أو لصلاة المصلّي دخالة فيه؟! و المقام من قبيله.

و عدم معهودية كون الشمس مطهّرة، لا يوجب فهم الخصوصية بعد دلالة الدليل علىٰ أصل الحكم.

و بالجملة: إنّ الظاهر المتفاهم من الشرطية أنّ السبب الوحيد للتطهير تجفيف الشمس، كما هو المتفاهم في غير المقام.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 357

نعم، يستثني المنقولات ما عدا الحصر و البواري عنها بالإجماع «1» و دلالة بعض الأدلّة «2»، أو بدعوىٰ عدم إلغاء الخصوصية بالنسبة إليها؛ بملاحظة الأخبار الواردة في كيفية تطهير الأواني و الثياب و أمثالهما «3»، تأمّل.

و يدلّ على التعميم رواية أبي بكر الحضرمي المتقدّمة «4» بعد تقييدها بحصول الجفاف، لو لم نقل بانصرافها عمّا قبله؛ بعد عدم إمكان كون إشراقها مطهّراً مع بقاء عين النجس أو الرطوبة المتنجّسة، فلا ينقدح في الأذهان من قوله (عليه السّلام): «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» إلّا إذهاب الإشراق عين النجس أو الرطوبة المتنجّسة بالتبخير. لكن يجب تقييدها بالمنقولات بالإجماع.

و توهّم انصرافها إلىٰ غير المنقول الذي من شأنه الثبات و إشراق الشمس عليه «5»، كما ترى.

إلّا أن يدعى الانصراف بملاحظة ما وردت في كيفية تطهير الأواني و الثياب، و هو أيضاً لا يخلو من تأمّل.

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 410، مستند الشيعة 1: 320، مستمسك العروة الوثقى 2: 80.

(2)

كرواية فقه الرضا (عليه السّلام) «و ما وقعت الشمس عليه من الأماكن التي أصابها شي ء من النجاسة مثل البول و غيره طهرتها و أمّا الثياب فلا تطهر إلّا بالغسل».

الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 303، مستدرك الوسائل 2: 574، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 5.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،

الباب 1 و 2 و 3 و 13 و 14 و 51 و 53.

(4) تقدّم في الصفحة 347.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 631/ السطر 23، مستمسك العروة الوثقى 2: 79.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 358

و يشهد على التعميم حكاية جمع من الأعاظم الشهرة عليه «1».

و ممّا تقدّم يظهر الحال في الأُمور التي يشكّ في كونها منقولًا أو لا؛ لعدم دليل علىٰ هذا العنوان، بل ما دلّ على الاستثناء هو الإجماع، و الواجب الأخذ بالمتيقّن منه؛ و هو غير المذكورات.

في تعميم الحكم بالنسبة إلىٰ غير البول

و تدلّ على تعميم الحكم بالنسبة إلىٰ غير البول ممّا هو نظيره في رقّته و تبخيره صحيحة زرارة بعد إلغاء الخصوصية منه عرفاً، سيّما مع كون البول أشدّ نجاسة من المائعات المتنجّسة بسائر النجاسات، بل من كثير من النجاسات.

و يدلّ عليه أيضاً مضافاً إلى الشهرة المنقولة بتوسّط كثير من الأعيان «2» إطلاق رواية الحضرمي و موثّقة الساباطي «3» و صحيحة ابن بزيع بناءً علىٰ أحد الاحتمالين «4».

اشتراط تحقّق اليبوسة و استقلال الشمس فيه

ثمّ إنّ المراد من «الجفاف» في صحيحة زرارة و غيرها هو حصول اليبوسة، كما في موثّقة عمّار؛ ضرورة أنّه مع بقاء رطوبة عين البول و كذا سائر المائعات النجسة أو المتنجّسة، لا يطهر المحلّ، و هو واضح،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 631/ السطر 15، جواهر الكلام 6: 262، مستمسك العروة الوثقى 2: 78.

(2) تقدّم تخريجها في الصفحة 345، الهامش 2.

(3) تقدّمتا في الصفحة 347 و 349.

(4) تقدّمت في الصفحة 354.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 359

و الميزان حصول اليبوسة، و عدم بقاء أثر النجس.

و لو كان للبول و غيره بواسطة التكرار على المحلّ جِرم لا يتبخّر بإشراق الشمس، لم يطهر، و هذا هو المراد من استثناء المحلّ المتخذ مبالًا في صحيحة زرارة و حديد «1»، و لعلّه مراد الشيخ من استثناء الخمر «2».

و الظاهر من النصوص أن يكون الجفاف و اليبس، حاصلًا بإشراقها استقلالًا، فلو اشترك معه غيره و لو بتنشيف المحلّ؛ بحيث لا يبقى من الرطوبة السارية شي ء، أو اعينت الشمس في فعلها بحرارة و نحوها، لا يطهر المحلّ. و كون الشمس متأخّرة في التأثير في بعض الصور، لا يوجب استقلالها في حصوله.

نعم، لا يضرّ تقليل العين و الرطوبة عنه مع بقاء شي ء من

الرطوبة السارية؛ للصدق العرفي.

لا يقال: إطلاق

موثّقة عمّار أي قوله (عليه السّلام): «إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك، فأصابته الشمس، ثمّ يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة»

يقتضي طهارته و لو مع نداوة غير سارية، فاللازم استقلال الشمس في تحصيل اليبوسة، و هو حاصل و لو كان الوصول إلىٰ حدّ الرطوبة غير السارية بفاعل آخر، بل و لو لم يبقَ للمحلّ إلّا نداوة ضعيفة جدّاً؛ لصدق أنّ المحلّ كان قذراً بالبول، و يبس بالشمس «3».

فإنّه يقال: إطلاقها محلّ تأمّل؛ لأنّ اليبوسة فيها في مقابل الرطب المذكور في الفقرة الثانية، و هو لا يصدق على النداوة الضعيفة غير السارية؛

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 348.

(2) المبسوط 1: 93.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 359

(3) مستمسك العروة الوثقى 2: 82.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 360

فإنّ المتفاهم من كون الشي ء رطباً و لو بالانصراف هو كونه ذا نداوة سارية، و لا يلزم أن تكون الرطوبة أيضاً كذلك؛ أي لا تصدق إلّا على السارية؛ لاختلاف المشتقّات بعضها مع بعض أحياناً و لو للانصراف، ك «جري الماء» و «الماء الجاري» أ لا ترى أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام) في الفقرة الأُخرىٰ منها: «إن كانت رجلك رطبة ..» إلىٰ آخره، كونها ذات نداوة سارية؟! مع إمكان أن يقال: إنّها بصدد بيان حكم آخر؛ و هو حصول اليبس بالشمس تارة، و بغيرها اخرىٰ، لا بصدد بيان كيفية التطهير بها.

مضافاً إلىٰ أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل على الاحتمال الراجح

تقيّد الإطلاق لو كان.

هذا مع أنّ في صحيحة زرارة التي هي الأصل في المسألة، علّق الحكم على التجفيف، و هو لا يصدق علىٰ ما ذكر، و لا يلزم منه كفاية حصول الجفاف مع بقاء رطوبة غير سارية في التطهير؛ للقرينة العقلية علىٰ أنّ المراد حصول الجفاف إلىٰ حدّ اليبوسة، فلا بدّ من حفظ مفهوم «الجفاف» غير الصادق علىٰ حصول اليبس من النداوة غير السارية، و التقييد بانتهائه إلىٰ حدّ اليبوسة.

فالأحوط بل الأقوىٰ عدم الطهارة إلّا مع نداوة سارية للمحلّ.

و لو جفّ بغير الشمس و يراد تطهيره يرشّ عليه الماء، فإذا جفّفته الشمس طهر؛ لعدم الفرق بين النجس و المتنجّس.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 361

الأمر الثالث في مطهّرية النار

اشارة

و الكلام فيها يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في أنّها هل هي مطهّرة كمطهّرية الشمس؟
اشارة

فكما أنّ الثانية مطهّرة بإشراقها على المحلّ و تبخير النجس أو المتنجّس، كذلك الأُولىٰ إذا أصابت شيئاً طهّرته؟

يظهر من الشيخ في مياه «نهايته» و محكي «استبصاره» «1» ذلك في الجملة، قال في «النهاية»: «فإن استُعمل شي ء من هذه المياه النجسة في عجين يعجن به و يخبز، لم يكن بأس بأكل ذلك الخبز؛ لأنّ النار قد طهّرته» «2».

نعم، عدل عنه في أطعمتها فقال: «لم يجز أكل ذلك الخبز، و قد رويت رخصة في جواز أكله، و ذكر أنّ النار طهّرته» «3».

و يظهر من «المقنع» ذلك أيضاً، حيث أجاز الأكل من خبز عجينٍ عجن بماء

______________________________

(1) الاستبصار 1: 29 30، ذيل الحديث 77.

(2) النهاية: 8.

(3) نفس المصدر: 590.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 362

البئر الواقع فيه الفأرة و غيرها و ماتت فيها «1»؛ بناءً على انفعال ماء البئر عنده.

و عن «خلاف الشيخ» و «مبسوطه» و جمع آخر القول بطهارة الخزف و الآجرّ مع نجاسة طينهما «2»، و ادعى الشيخ الإجماع عليه «3»، و استدلّ على الطهارة بصحيحة ابن محبوب الآتية. و الظاهر منهم مطهّريتها مع عدم تبدّل الموضوع، سيّما مع الاستدلال بالصحيحة.

و قد أفتى الشيخ في أطعمة «النهاية» «4» بمضمون رواية زكريّا بن آدم «5» الظاهر منها: أنّ النار إذا أكلت الدم طهر المرق، فكانت مطهّريتها فوق سائر المطهّرات حتّى الماء.

الروايات التي يمكن الاستدلال بها للمطهّرية و جوابها

و كيف كان: فما يمكن أن يستدلّ به علىٰ مطلوبهم روايات:

منها:

صحيحة الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الجصّ يوقد عليه بالعَذِرة و عظام الموتى، ثمّ يجصّص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطّه: «إنّ الماء و النار قد طهّراه» «6».

______________________________

(1) المقنع: 33.

(2) الخلاف 1: 499، المبسوط 1:

94، البيان: 92، كفاية الأحكام: 14/ السطر 9، رياض المسائل 2: 415.

(3) الخلاف 1: 500.

(4) النهاية: 588.

(5) تأتي في الصفحة 365 366.

(6) الفقيه 1: 175/ 829، تهذيب الأحكام 2: 235/ 928، وسائل الشيعة 3: 527، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 81، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 363

بدعوىٰ: أنّ السؤال عن الجصّ الملاقي للعَذِرة و العظام الموقدتين عليه، و هما ملازمتان للرطوبة، سيّما الثانية التي لا تنفكّ غالباً عن دسومة سارية في أوّل الإيقاد، فسئل عن النجاسة العارضة للجصّ، فأجاب (عليه السّلام): ب «إنّ الماء و النار قد طهّراه».

و معلوم أنّهما لم يقعا عليه دفعة، بل النار أصابته أوّلًا للطبخ، و الماء بعدها للتجصيص، و بعد عدم مطهّرية الماء المخلوط بالجصّ جزماً و إجماعاً، و عدم كونه جزء المطهّر أيضاً كالمرّة الثانية في الماء المطهّر للبول فلا محالة تكون المطهّرية مستندة إلى النار حقيقة، و للماء أيضاً نحو تأثير في رفع القذارة العرفية.

و لا يلزم منه استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي و المجازي؛ لما مرّ مراراً: من أنّ «الطهارة» و «القذارة» في اصطلاح الشارع ليستا إلّا بالمعنى العرفي و اللغوي «2». مع أنّ الاستعمال في الجامع بعد قيام القرينة لا مانع منه. بل لا يمتنع الاستعمال في المعنيين، كما قرّر في محلّه «3».

فتحصّل من ذلك: أنّ الجصّ النجس بملاقاة النجاسة، صار طاهراً بإيقاد النار عليه.

و فيه: أنّ في الرواية احتمالات أُخر لعلّ بعضها أقرب ممّا ذكر، كاحتمال كون السؤال عن الجصّ الموقد عليه ما ذكر لأجل اختلاطه برمادهما و عدم إمكان تفكيكه عنه، فعليه يكون المراد من التطهير بالنار استحالتهما و بالماء رفع القذارة العرفية، و التطهير بالاستحالة و تبدّل

______________________________

(2) تقدّم في الصفحة 15 و 164، و في الجزء الثالث: 9 11.

(3) مناهج الوصول 1: 180.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 364

الموضوع غير ما هو المطلوب في المقام.

و كاحتمال كون السؤال لتوهّم: أنّ الطبخ بالعَذِرة و عظام الموتى، منافٍ لاحترام المسجد و السجود، فسئل عن جوازه، فأجاب بعدم المنافاة؛ لرفع القذارة العرفية بالنار و الماء.

و كاحتمال أن يكون المراد أنّ إيقادهما عليه معرض لعروض النجاسة، فيكون مظنّة لذلك، فأجاب بما ذكر، و المراد بالتطهير رفع القذارة المظنونة أو المحتملة، كما ورد الرشّ في موارد الشبهات في الأخبار «1».

و الإنصاف: أنّ إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد بمثل هذه الرواية، غير ممكن. مع أنّ الظاهر منها أنّ النار جزء الموضوع للتطهير، و الحمل المتقدّم بعيد جدّاً.

و منها:

مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في عجين عجن و خبز، ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة، قال: «لا بأس؛ أكلت النار ما فيه» «2».

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّه لم يصرّح فيها بأنّ العجين عجن بالماء النجس، بل الظاهر منها أنّه بعد العجن علم: أنّ في الماء الذي أُخذ ماء العجين منه كانت ميتة، فلو فرض أنّ المأخوذ منه لم يكن بئراً، لكن لم يعلم أنّ الميتة كانت فيه حين أُخذ الماء منه، أو وقعت فيه بعده، كانت الشبهة موضوعية.

و قوله (عليه السّلام): «أكلت النار ما فيه» لدفع القذارة المحتملة، كرشّ الماء في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 292، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 16، الحديث 3، و: 320، أبواب أحكام الخلوة، الباب 11، الحديث 1، و 3: 403، أبواب النجاسات، الباب 7، الحديث 6.

(2) تهذيب الأحكام 1: 414/ 1304، وسائل

الشيعة 1: 175، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 365

مثله، و لم يتضح حال من أرسل عنه ابن أبي عمير، فلعلّه كان رجلًا مبتلى بوسواس، فأراد أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) دفعها، كما نقل عن الشيخ الأعظم: «أنّه رأى رجلًا مبتلى بالوسواس يتحرّز عن بخار الحمّام؛ لكونه بخار الماء النجس، فقال له: إنّ هذا البخار متصل بالخزانة، و هي كرّ، فلا ينفعل».

و بالجملة: إنّ الشبهة ظاهراً كانت موضوعية، تأمّل.

أنّها معارضة بما هو أوضح سنداً و متناً، و هو

مرسلته الأُخرىٰ بالسند المتقدّم، عن بعض أصحابنا و ما أحسبه إلّا عن حفص بن البَخْتَري قال: قيل لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في العجين يعجن من الماء النجس، كيف يصنع به؟ قال: «يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة» «1».

و

بالإسناد عنه، عن بعض أصحابه، عنه (عليه السّلام) قال: «يدفن و لا يباع» «2».

و حمل الثانية على الاستحباب «3» كما ترى؛ فإنّ دفن المال المحترم تبذير. و لا يبعد حملها على النهي عن بيعه على المسلم، فيجوز البيع على المستحلّ، و مع عدمه أو عدم اشترائه كما هو الغالب يدفن، فهذه نصّ في العجين بالماء النجس، و الأولى محتمل للأمرين، فتحمل علىٰ مورد الشبهة.

هذا مع عدم نقل عامل بها يعتدّ به؛ فإنّ الشيخ قد رجع عن القول به في أطعمة «النهاية». و «الاستبصار» ليس كتاب الفتوىٰ.

و منها:

رواية زكريّا بن آدم قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن قطرة خمر أو

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 414/ 1305، وسائل الشيعة 1: 242، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 11، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 414/ 1306، وسائل الشيعة 1: 243، كتاب

الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 11، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 1: 243، ذيل الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 366

نبيذ مسكر، قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير، قال: «يهراق المرق، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب، و اللحم أغسله و كله».

قلت: فإنّه قطر فيه الدم، قال: «الدم تأكله النار إن شاء اللّٰه».

قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم، قال فقال: «فسد».

قلت: أبيعه من اليهودي و النصراني و أُبيّن لهم؟ قال: «نعم؛ فإنّهم يستحلّون شربه ..» «1»

إلىٰ آخره.

و فيه: أنّها مع ضعفها سنداً «2»، و مناقضة صدرها و ذيلها في الدم، و مخالفتها لقاعدة انفعال المضاف، و تفصيلها بين الدم و غيره، و هو كما ترى، و ظهور ذيلها في كراهة أكل ما قطر فيه الفُقّاع لا تصلح لإثبات هذا الحكم المخالف للقواعد. بل الظاهر منها أنّ أكل النار الدم موجب لطهارة المرق أيضاً، و هو غير معهود في شي ء من المطهّرات.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الدم المستهلك في المرق، لا تأكله النار بالتبخير أو لا يمكن العلم به إلّا بعد تبخير جميع المرق. بل المستهلك ليس بشي ء عرفاً حتّى تأكله النار.

فتحصّل ممّا ذكر: عدم كون النار مطهّرة مطلقاً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 279/ 820، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 8.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن المبارك، عن زكريا بن آدم. و الرواية ضعيفة لوقوع الحسن بن المبارك كما في المطبوعة أو الحسين بن المبارك كما في بعض النسخ المعتبرة في سندها فإنّه مجهول أو مهمل لم يرد بشأنه شي ء من

الجرح أو التعديل.

انظر رجال النجاشي: 56/ 129، الفهرست: 56/ 200.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 367

المقام الثاني: في تطهيرها كلّ ما أحالته دخاناً أو رماداً
اشارة

و هذا الحكم ليس من مختصّات النار، و ليست الاستحالة مطهّرة، بل هي من قبيل تبديل موضوع بموضوع آخر، كما أنّ الأمر كذلك في بعض آخر ممّا يعدّ مطهّراً.

و الميزان الكلّي في الحكم بالطهارة بالاستحالة: تبدّل موضوع النجس أو المتنجّس بآخر طاهر؛ بنحو لا يصدق عليه عنوان موضوع الدليل الاجتهادي المثبت للحكم على الموضوع الأوّل، و لم يبق موضوع القضية المتيقّنة عرفاً حتّى يستصحب، فإنْ فرض حصول التغيّر للموضوع الأوّل، لكن بنحو لم يخرج عن صدق عنوانه عليه، أو فرض حصوله بنحو بقي عرفاً موضوع القضية المتيقّنة المعتبر في الاستصحاب، حكم عليه بالنجاسة، و خرج عن موضوع الاستحالة و لو ظاهراً.

نعم، قد يتفق حصول التغيّر على النحو الأوّل دون الثاني، فيكون المورد مجرى الاستصحاب، لكن قام دليل لفظي اجتهادي أو إجماع أو سيرة علىٰ طهارته، فيحكم بها تحكيماً للدليل على الأصل.

ثمّ إنّ الاختلافات التي وقعت في المقام كالاختلاف في التفرقة بين النجاسات و المتنجّسات و عدمها، و كالاختلاف في الآجرّ و الخزف المعمولين من الطين النجس، و كالاختلاف في الفحم، و في بخار الماء النجس، أو المائع النجس، و دخان الدهن المتنجّس و غيرها كلّها موضوعية، فالقائل بالنجاسة يرى الموضوع الاستصحابي باقياً، و القائل بالطهارة ينكره، أو يشكّ فيه، و ليست الاختلافات فيها فقهية؛ و إن يظهر من بعض استدلالاتهم كونها في بعض الموارد كذلك.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 368

حكم الانتقال علىٰ ضوء القاعدة

ثمّ إنّ الانتقال من الاستحالة لو فرض إيجابه لتعدّد الموضوع؛ بحيث لا يبقى موضوع الدليل الاجتهادي، و لا القضية المتيقّنة، و ذلك مثل ما إذا انتقل إلى النبات، و تبدّل إلى الرطوبة التي جزء له، و خرج عن مسمّاه، أو

شرب حيوان دم إنسان، فتبدّل بتصرّف جهاز هضمه إلىٰ أجزائه، كالدم و غيره.

و أمّا لو لم يتبدّل، بل انتقل إلى المنتقل إليه و بقي علىٰ حقيقته، فلا يخلو إمّا أن يصدق عليه أنّه من المنتقل منه، و لم يصدق أنّه من المنتقل إليه، أو علىٰ عكسه، أو يصدقا عليه، أو لم يصدق شي ء منهما عليه، أو يصدق أحدهما، و يشكّ في صدق الآخر، أو شكّ في صدق كلّ منهما عليه.

و علىٰ أيّ تقدير: فإمّا كان لدليل المنتقل منه إطلاق يشمله، أو للمنتقل إليه، أو لدليلهما، أو لا إطلاق لهما:

فمع إطلاق دليل أحدهما و إحراز موضوعه و لو بالأصل دون الآخر، يحكم به، فلو أُحرز أنّ الدم من الإنسان كدم مصّه العلق، و كان لدليل نجاسته إطلاق، حكم بها له. و كذا لو شكّ في تبديل الإضافة؛ لتنقيح موضوع الدليل بالاستصحاب.

و لو كان لدليل طهارة دم المنتقل إليه إطلاق دون المنتقل منه، و أُحرز كونه من المنتقل إليه، يحكم عليه بالطهارة. و لو شكّ فيه يحكم بالنجاسة؛ للاستصحاب الحكمي.

و لو كان لدليلهما إطلاق، و أُحرز كونه لهما لو فرض صحّة ذلك يقع التعارض بين الدليلين، فيؤخذ بالأرجح لو قلنا بالترجيح في مثل المقام، و مع عدمه يحكم بالنجاسة لو قلنا بسقوطهما في مثله. بل و كذلك لو شكّ في كونه

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 369

مضافاً إلى المنتقل منه؛ سواء أُحرز كونه من المنتقل إليه، أم شكّ فيه؛ كلّ ذلك للاستصحاب، علىٰ تأمّل في بعض الصور.

و منه يظهر حال الفروض الأُخر. هذا بحسب القاعدة.

طهارة دم البقّ و البرغوث دون العلق

لكن لا يبعد الحكم بطهارة دم البقّ و البرغوث؛ و لو مع العلم بأنّ الدم الذي فيهما

من الإنسان؛ لقيام السيرة علىٰ عدم الاحتراز منه، و لإطلاق

صحيحة ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في دم البراغيث؟ قال: «ليس به بأس».

قلت: إنّه يكثر و يتفاحش، قال: «و إن كثر» «1».

و

رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن دم البراغيث في الثوب، هل يمنعه ذلك من الصلاة؟ قال: «لا» «2».

و

رواية غياث، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: «لا بأس بدم البراغيث و البقّ و بول الخشاشيف» «3».

و

مكاتبة محمّد بن ريّان قال: كتبت إلى الرجل (عليه السّلام): هل يجري دم البقّ مجرى دم البراغيث، و هل يجوز لأحد أن يقيس دم البقّ على البراغيث فيصلّي

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 255/ 740، وسائل الشيعة 3: 435، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 59/ 8، تهذيب الأحكام 1: 259/ 753، وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 266/ 778، وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 370

فيه، و أن يقيس علىٰ نحو هذا فيعمل به؟ فوقّع: «يجوز الصلاة، و الطهر منه أفضل» «3».

و تلك الروايات و إن وردت في الدم المضاف إليهما، لكن ما يضاف إليهما- سيّما إلى البقّ هو ما اجتمع في جوفهما من دم الإنسان، و أمّا بعد هضمه فلا يتبدّل بالدم عرفاً، و لهذا لا يرى للبقّ دم إلّا ما امتصّه من الإنسان.

و لعلّ البرغوث أيضاً كذلك، و لو كان له دم أيضاً فلا شبهة في شمول الروايات للدم الذي في جوفه و امتصّه من الإنسان.

فالأقوىٰ

ما ذكر؛ و إن كان الأحوط الاجتناب عن الدم الذي امتصّه من الإنسان و لم يستقرّ في جوفه زماناً.

كما إنّ الأقوىٰ نجاسة الدم الذي امتصّه العلق؛ للاستصحاب. بل لإطلاق الدليل، على احتمال، و عدم سيرة أو دليل آخر علىٰ طهارته.

نعم، لو صار جزء بدنه و تبدّل إلىٰ موضوع آخر و لو كان دماً طهر.

طهارة الخمر بانقلابها خلّا و لو بعلاج

و أمّا انقلاب الخمر خلّا فلا يكون استحالة؛ للتبدّل في الصفة عرفاً، فبقي موضوع الاستصحاب، و جرى الاستصحاب الحكمي فيه. بل مع الغضّ عنه يحكم بنجاسته؛ لملاقاته مع الإناء المتنجّس بالخمر.

فلا بدّ في الحكم بطهارته من قيام دليل مخرج عن الأصل و إطلاق الدليل، و هو النصوص المستفيضة مضافاً إلى الإجماع المنقول مستفيضاً فيما ينقلب

______________________________

(3) الكافي 3: 60/ 9، وسائل الشيعة 3: 436، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 371

خلّا بنفسه «1»، و إطلاق بعض معاقده فيما ينقلب بالعلاج «2». و عن جمع دعوى الشهرة عليه «3» مثل

موثّقةِ زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلّا، قال: «لا بأس» «4».

و

موثّقةِ عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلّا، قال: «لا بأس» «5».

و

موثّقتِه الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام): أنّه قال في الرجل إذا باع عصيراً، فحبسه السلطان حتّى صار خمراً، فجعله صاحبه خلّا، قال: «إذا تحوّل عن اسم «الخمر» فلا بأس» «6».

و الظاهر منها جعلها خلّا بالعلاج؛ فإنّ الخمر بنفسها و لو بقيت طويلًا لا تصير خلّا، فالمراد من جعلها خلّا هو علاجها حتّى صارت كذلك؛ بأن يوضع فيها شي ء كالخلّ و الملح.

هذا مع

تصريح بعض الروايات به، مثل ما

عن ابن إدريس نقلًا عن

______________________________

(1) الانتصار: 200، منتهى المطلب 1: 167/ السطر 33، التنقيح الرائع 4: 61، مجمع الفائدة و البرهان 1: 354.

(2) المهذّب البارع 4: 240، كشف اللثام 1: 466.

(3) مسالك الأفهام 12: 101، كفاية الأحكام: 253/ السطر 25، مستند الشيعة 1: 332.

(4) الكافي 6: 428/ 2، وسائل الشيعة 25: 370، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 1.

(5) الكافي 6: 428/ 3، تهذيب الأحكام 9: 117/ 505، وسائل الشيعة 25: 370، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 3.

(6) تهذيب الأحكام 9: 117/ 507، وسائل الشيعة 25: 371، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 372

«جامع البَزَنْطي» عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سئل عن الخمر تعالج بالملح و غيره لتحوّل خلّا، قال: «لا بأس بمعالجتها ..» «1»

إلىٰ آخره.

و

صحيحةِ عبد العزيز بن المهتدي على الأصحّ «2» قال: كتبت إلى الرضا (عليه السّلام): جعلت فداك، العصير يصير خمراً، فيصبّ عليه الخلّ و شي ء يغيّره حتّى يصير خلّا، قال: «لا بأس به» «3».

فما في بعض الروايات الشاذّة من المنع مطروح، أو مأوّل و محمول على الكراهة، مثل ما

عن «العيون» عن عليّ (عليه السّلام): «كلوا من الخمر ما انفسد، و لا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم» «4».

و

رواية أبي بصير و لا يبعد أن تكون صحيحةً «5» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

______________________________

(1) السرائر 3: 577، وسائل الشيعة 25: 372، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 11.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده،

عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن عبد العزيز بن المهتدي. و ليس في السند من يتأمّل فيه غير محمّد بن عيسى بن عبيد، فإنّه وثّقه النجاشي و ضعّفه الشيخ. أمّا عند المصنف (قدّس سرّه) فهو ثقة على الأصح كما صرّح به في الجزء الأوّل أيضاً في الصفحة 349. فراجع.

(3) تهذيب الأحكام 9: 118/ 509، وسائل الشيعة 25: 372، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 8.

(4) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 40/ 127، وسائل الشيعة 25: 25، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 10، الحديث 24.

(5) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن حسين الأحمسي، عن محمّد بن مسلم و أبي بصير و عليّ عن أبي بصير. و ليس في السند من يناقش فيه إلّا عليّ بن أبي حمزة البطائني.

راجع رجال النجاشي: 249/ 656، الفهرست: 96/ 418، اختيار معرفة الرجال: 403/ 755، تنقيح المقال 2: 260/ السطر 39 (أبواب العين).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 373

سئل عن الخمر يجعل فيها الخلّ، فقال: «لا، إلّا ما جاء من قِبَل نفسه» «1».

مع ما في الاولىٰ من الإجمال. بل الثانية لا تخلو منه أيضاً.

حول كمّية ما يعالج به و كيفيته

و أمّا

موثّقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخمر تجعل خلّا، قال: «لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها»

ففي «الوسائل» و «الكافي»: «يغلبها» بالغين المعجمة «2»، و في بعض كتب الاستدلال «يقلبها» بالقاف «3».

و الظاهر أنّها موافقة لمضمون

روايته الأُخرىٰ عنه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخمر يصنع فيها شي ء حتّى

تحمّض، قال: «إن كان الذي صنع فيها هو الغالب علىٰ ما صنع فيه، فلا بأس به» «4».

فهي مؤيّدة لصحّة نسخة «الكافي» و «الوسائل» و فيها نحو إجمال يرفع بما في النسختين، فيكون المراد من الروايتين النهي عن غلبة ما يعالج به الخمر لتصير خلّا، فلا يجوز صبّ مقدار منها في خلّ كثير، و لا تطهر و لو مع العلم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 118/ 510، وسائل الشيعة 25: 371، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 7.

(2) الكافي 6: 428/ 4، وسائل الشيعة 25: 371، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 4.

(3) جواهر الكلام 6: 284، مصباح الفقيه، الطهارة: 635/ السطر الأخير.

(4) الكافي 6: 428/ 1، تهذيب الأحكام 9: 119/ 511، وسائل الشيعة 25: 370، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 374

بصيرورتها خلّا؛ لأنّه صار نجساً بصبّها فيه. و لا دليل علىٰ صيرورته طاهراً بالتبع؛ فإنّ ما طهر بالتبع هو شي ء يصبّ للعلاج بحسب المتعارف، كمقدار من الملح أو الخلّ ممّا يتعارف صبّه فيها للانقلاب.

فما عن الشيخ من القول بطهارة الخمر القليلة الملقاة في خلّ كثير؛ إذا مضى عليها زمان يعلم عادة باستحالتها «1» ضعيف، لا لما قيل: «بأنّ صبّ المائع حتّى للعلاج محلّ إشكال، فضلًا عن غيره» «2» فإنّ الخلّ الوارد في الأدلّة من المائعات. مضافاً إلىٰ أنّ مقتضىٰ إطلاق الأدلّة عدم الفرق.

بل منشأ الإشكال أنّ المستفاد من الأدلّة، هو طهارة ما يعمل علاجاً و يتعارف استعماله فيه دون غيره، فإلقاء الأجسام الأجنبية فيها سواء كانت من المائعات أو الجامدات؛ لتصير طاهرة بالتبع

محلّ إشكال و منع.

بل الإشكال في الجامدات أشدّ إذا كانت المائعات بمقدار يستهلك فيها؛ و إن زاد عن المتعارف. بل مع الاستهلاك يكون للقول بالطهارة وجه.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ مقتضىٰ موثّقتي أبي بصير، جواز جعل الخلّ و غيره فيها إذا لم يغلبها و إن زاد عن المتعارف. لكنّ الاتكال عليهما مع اختلاف نسخة الاولىٰ، و الإجمال في الثانية لا يخلو من إشكال، فالأحوط عدم التجاوز عن المقدار المتعارف للعلاج.

و أمّا ذهاب الثلثين، فلا موجب للبحث عنه بعد ما تقدّم من عدم نجاسة العصير بغليانه «3». و لو فرض حصول الإسكار في بعض الأحيان و صار خمراً، فلا يطهر إلّا بالانقلاب.

______________________________

(1) النهاية: 592 593، تهذيب الأحكام 9: 118 119.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 636/ السطر 16.

(3) تقدّم في الجزء الثالث: 294.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 375

الكلام في مطهّرية الإسلام
اشارة

و أمّا الإسلام، فموجب لارتفاع نجاسة الكفر، و هو نظير الانقلاب من تبدّل عنوان بالآخر دلّت الأدلّة علىٰ طهارة المعنون به.

نعم، إن قلنا بطهارة رطوباته المتصلة به، كعرقه و بصاقه و وسخه و ثوبه المتنجّس بها، كما ادعي عليها السيرة «1»، و عدم معهودية الأمر بتطهيره بعد الإسلام مع ملازمته لها، يكون الإسلام مطهّراً لها.

و أمّا بناءً علىٰ ما قيل من تبدّل النسبة و صيرورتها من المسلم «2»، فيكون من الانقلاب. لكنّه كما ترى، سيّما في بعضها.

و كيف كان: فالحكم بطهارة المسلم من الكفر الأصلي إجماعي «3»، بل ضروري، كما ادعاه الأعلام «4»، و هو كذلك.

طهارة من أسلم عن الارتداد الملّي

و هو متسالم عليه فيمن أسلم عن ارتداد ملّي، و حكي عليه الاتفاق «5». و تدلّ عليه مضافاً إلىٰ أولوية قبول إسلامه و توبته من الفطري، الذي يأتي قوّة قبوله منه آنفاً

صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن (عليه السّلام) قال

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقى 2: 116.

(2) جواهر الكلام 6: 299.

(3) منتهى المطلب 1: 168/ السطر 28، ذكرى الشيعة 1: 131.

(4) مستند الشيعة 1: 341، جواهر الكلام 6: 293.

(5) مستمسك العروة الوثقى 2: 116.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 376

سألته عن مسلم تنصّر، قال: «يقتل و لا يستتاب».

قلت: فنصراني أسلم ثمّ ارتدّ، قال: «يستتاب، فإن رجع و إلّا قتل» «1».

و بها يقيّد إطلاق نحو

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المرتدّ، فقال: «من رغب عن الإسلام، و كفر بما انزل علىٰ محمّد بعد إسلامه، فلا توبة له و قد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و يقسم ما ترك علىٰ ولده» «2».

و المراد من قوله (عليه السّلام): «بعد

إسلامه» بعد كونه مسلماً، لا بعد دخوله في الإسلام؛ جمعاً بينها و بين صحيحة عليّ بن جعفر المصرّحة باستتابته.

قبول توبة المرتدّ الفطري باطناً و ظاهراً و طهارته بعدها

و أمّا المرتدّ الفطري، فالظاهر قبول توبته أيضاً:

أمّا باطناً: فيمكن دعوى القطع به؛ لعموم رحمته تعالىٰ و فضله على العباد، و عدم إمكان طرد من رجع إليه و تاب و أسلم و آمن؛ بأن ردّه من بابه، و عذّبه عذاب الكفّار. بل لعلّه مخالف لأُصول العدلية.

و أمّا ظاهراً: بمعنى صحّة إسلامه فقد يقال بعدم قبوله. و علىٰ فرض قبوله و صيرورته مسلماً فلا دليل علىٰ صيرورته طاهراً؛ لعدم عموم علىٰ طهارة كلّ مسلم يشمل مثله، فمقتضى الاستصحاب نجاسته «3».

______________________________

(1) الكافي 7: 257/ 10، تهذيب الأحكام 10: 138/ 548، وسائل الشيعة 28: 325، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 1، الحديث 5.

(2) الكافي 7: 256/ 1، تهذيب الأحكام 10: 136/ 540، وسائل الشيعة 28: 323، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 1، الحديث 2.

(3) مستمسك العروة الوثقى 2: 118 119.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 377

و قد يستدلّ «1» علىٰ عدم قبوله بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.

و فيه: مضافاً إلىٰ عدم الملازمة بين عدم قبول توبته و عدم صحّة إسلامه؛ لإمكان أن يكون المرتدّ الذي عصىٰ ربّه و استوجب القتل في الدنيا و العذاب في الآخرة، لا تقبل توبته من هذا العصيان و إن صار مسلماً، فمقتضى الجمع بين الصحيحة و بين ما دلّت علىٰ أنّ الإسلام عبارة عن الشهادتين «2»، أن يصحّ إسلامه، و يترتّب عليه أحكام الإسلام: من الطهارة و غيرها، لكن لا يصير إسلامه موجباً لقبول توبته من عصيانه السابق، فيستحقّ العقوبة في الآخرة، لا نحو

عقوبة الكفّار من الخلود، و في الدنيا تترتّب عليه أحكام المرتدّ.

أنّ الصحيحة قاصرة عن إثبات عدم قبول توبته باطناً و ظاهراً؛ فيما هو راجع إلى الأحكام الثابتة له بالارتداد، كوجوب قتله و بينونة زوجته و تقسيم ماله و ما لا يرجع إليه؛ لأنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «و قد وجب قتله، و بانت امرأته، و يقسم ما ترك علىٰ ولده» أنّ الجمل حالية.

فحاصل الصحيحة: أنّ الأحكام الثلاثة بعد ثبوتها بحدوث الارتداد، لا ترفع بالتوبة، فلا توبة له و الحال أنّ القتل صار ثابتاً، و الامرأة بائنةً، و المال منتقلًا إلى الورثة، فيمكن دعوى ظهورها أو إشعارها بأنْ لا توبة لها بالنسبة إلىٰ ما ثبت عليه و مضىٰ؛ و هي الأحكام الثلاثة، دون ما سيأتي من الأحكام، كطهارته و غيرها.

بل الظاهر أنّ الصحيحة نظير غيرها من الروايات الواردة في الباب «3»، الدالّة علىٰ أنّ المرتدّ الملّي يستتاب و لا يقتل، و الفطري لا يستتاب، و على الإمام

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 294.

(2) الكافي 2: 25/ 1.

(3) وسائل الشيعة 28: 323، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 1 و 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 378

أن يقتله بلا استتابة، فلا إطلاق فيها.

و بالجملة: لا يصحّ إثبات هذا الحكم المخالف للعقول في قبول توبته باطناً و للأدلّة في قبول إسلامه و تحقّقه منه، بتلك الرواية. و لا يبعد رجوع كلمات الفقهاء إلىٰ ما تقدّم، فلا يمكن الاعتماد على الشهرة المحكية في الباب «1».

و أمّا احتمال بقاء نجاسته بعد صحّة إسلامه، فلا ينبغي التفوّه به بعد وضوح طهارة كلّ مسلم لدى المتشرّعة. بل لو أنكر أحد نجاسة هذا المرتدّ الراجع عن ارتداده،

كان أقرب إلى الصواب من إنكار طهارة هذا المسلم الذي إسلامه كسائر المسلمين.

مضافاً إلىٰ أنّ الروايات الواردة في تشريح حقيقة الإسلام، ظاهرة في أنّ جميع أحكام الإسلام مترتّبة علىٰ من أقرّ بالشهادتين، كموثّقة سَماعة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أخبرني عن الإسلام .. إلىٰ أن قال: «الإسلام: شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و التصديق برسول اللّٰه، به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث، و علىٰ ظاهره جماعة الناس» «2» و نحوها صحيحة حُمران بن أعين «3».

و معلوم أنّ تلك الأمثلة لإفادة أنّ جميع الأحكام الظاهرة من المعاشرات و المناكحات و غيرها مترتّبة على الشهادتين، فتوهّم أنّ الطهارة التي هي من أوضح ما يحتاج إليها الناس في عشرتهم لا تترتّب عليها، في غاية السقوط.

نعم، لأحد أن يقول: إنّ الروايات في هذا المضمار إنّما هي لبيان الإسلام المقابل للإيمان، و لا إطلاق لها بالنسبة إلى المرتدّ عن الإسلام إذا رجع و أظهر الشهادتين.

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 294، مصباح الفقيه، الطهارة: 638/ السطر 34.

(2) الكافي 2: 25/ 1.

(3) الكافي 2: 26/ 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 379

لكنّه و هم؛ فإنّ المنساق من الروايات أنّ الشهادتين تمام حقيقة الإسلام، و تمام الموضوع لترتّب الآثار الظاهرة علىٰ مظهرها، فالتشكيك في طهارة المسلم- سيّما المؤمن بجميع ما جاء به النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الذي هو أعزّ من الكبريت الأحمر، و يكون من أولياء اللّٰه تعالىٰ .. إلىٰ غير ذلك من الأوصاف التي ذكرت له في الروايات «1» كالتشكيك في البديهي.

و أمّا الاستدلال عليها: بأنّه مكلّف بالإسلام و شرائعه، فلا بدّ من صحّتها منه، و إلّا فلا يعقل

تكليفه بها جدّاً، و الصحّة متوقّفة علىٰ قبول إسلامه و علىٰ طهارته «2».

فغير وجيه؛ إذ غاية ما يدلّ عليه هذا الوجه، هو قبول إسلامه الذي هو شرط في قبول عمله، و لا يمكن التخصيص في دليله، و أمّا اشتراط الطهارة فيمكن أن يقال بسقوطه منه، فالعلم بصحّة العبادات منه ملازم للعلم بصحّة إسلامه، لا العلم بطهارته.

و منه يظهر أنّ الاستدلال «3» عليها

برواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام): فيمن كان مؤمناً فحجّ و عمل في إيمانه، ثمّ أصابته في إيمانه فتنة فكفر، ثمّ تاب و آمن، قال: «يحسب له كلّ عمل صالح في إيمانه، و لا يبطل منه شي ء» «4»

غير وجيه؛ لأنّها تدلّ علىٰ قبول أعماله الصالحة، و هو لا يلازم طهارة بدنه.

نعم، يلازم صحّة عباداته و لو مع إسقاط شرطية الطهارة.

______________________________

(1) راجع الكافي 2: 242/ 1، بحار الأنوار 64: 159/ 3.

(2) الروضة البهيّة 9: 337 338، مستمسك العروة الوثقى 2: 118.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 639/ السطر 35.

(4) تهذيب الأحكام 5: 459/ 1597، وسائل الشيعة 1: 125، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 30، الحديث 1، (و فيه: «عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)»).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 381

الأمر الرابع في مطهّرية الأرض

اشارة

و لا ينبغي الإشكال في مطهّريتها إجمالًا، و عن «جامع المقاصد» الإجماع عليها في باطن النعل و أسفل القدم و الخفّ و القبقاب و نحوه «1».

و عن «المدارك»: «أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، و ظاهرهم الاتفاق عليه» «2».

و عن «الدلائل»: «هو مقطوع به في كلام الأصحاب، و نقل بعضهم الإجماع عليه» «3».

و عن «المعالم» و «الذخيرة»: «لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب» «4».

و ربّما

يظهر من الشيخ في «الخلاف» خلاف في ذلك «5»، علىٰ إشكال في ظهور كلامه، و علىٰ فرضه لا بدّ من تأويله.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 179.

(2) مدارك الأحكام 2: 372.

(3) انظر مفتاح الكرامة 1: 187/ السطر 21.

(4) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 752، ذخيرة المعاد: 173/ السطر 7.

(5) الخلاف 1: 217 218.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 382

الروايات الدالّة علىٰ مطهّرية الأرض

و تدلّ عليها الكبرى الواردة في الروايات ب «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»:

تارة: في وطء العَذِرَة،

كصحيحة محمّد بن مسلم قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السّلام) إذ مرّ علىٰ عَذِرة يابسة، فوطأ عليها فأصابت ثوبه، فقلت: جعلت فداك، قد وطأت علىٰ عَذِرة فأصابت ثوبك، فقال: «أ ليس هي يابسة؟» فقلت: بلىٰ، قال: «لا بأس؛ إنّ الأرض تطهّر بعضها بعضاً» «1».

و لعلّ المراد أنّه لا بأس بإصابة الثوب؛ لكونها يابسة، و لا بوطئها الملازم لصحابة أجزائها للرجل أو النعل؛ لأنّ الأرض تزيلها، و علىٰ هذا يكون مفادها غير مفاد ما تأتي في سائر الروايات.

و يحتمل بعيداً أن يراد بنفي البأس إذا كانت يابسة، نفيه عن إصابة الثوب، و ذكر الكبرى لأجل التنبيه علىٰ أنّها لو كانت رطبة و تلوّثت بها الرجل، تطهر بالأرض، فضلًا عمّا كانت يابسة، و عليه يكون مفادها كغيرها. و احتمل بعضهم وقوع سقط فيها «2».

و أُخرى: في مورد التنجّس بملاقي الخنزير،

كحسنة «3» المعلّى بن خُنيس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخنزير يخرج من الماء، فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء، أمرّ عليه حافياً؟

______________________________

(1) الكافي 3: 38/ 2، وسائل الشيعة 3: 457، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 2.

(2) غنائم الأيّام 1: 483.

(3) تقدّم وجهها في الصفحة 23،

الهامش 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 383

فقال: «أ ليس وراءه شي ء جافّ؟» قلت: بلىٰ، قال: «فلا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «1».

و ثالثة: في مورد التنجّس بالبول،

كحسنة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه، فربّما مررت فيه و ليس عليّ حذاء، فيلصق برجلي من نداوته، فقال: «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟» قلت: بلىٰ، قال: «فلا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «2» ..

إلىٰ آخره.

و رابعة: في مورد التنجّس بمطلق القذر، كموثّقة الحلبي «3» لو كانت القضية غير ما في الحسنة، و إلّا كان المراد من «القذر» البول، كما صرّح به في الأُولىٰ.

و كيف كان: يظهر من تلك الكبرى أنّ الأرض مطهّرة للرجل و لو فرض أنّ فيها إجمالًا؛ فإنّ صدورها لإفادة طهارتها و جواز الدخول معها في المسجد و الدخول في الصلاة كما لعلّه المنساق منها ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

و إنّما الإشكال في كيفية إفادتها طهارة الرجل، و لا يبعد أن يكون المتفاهم منها: أنّ الأرض يطهّر بعضها ما يتنجّس ببعضها، أو يكون المراد ب «البعض» الثاني نفسَ النجاسات الحالّة في الأرض بنحو من التأويل، فإنّها صارت كالجزء لها، و المراد ب «تطهيرها» تطهير آثارها من الملاقي، كقوله: «الماء يطهّر الدم».

______________________________

(1) الكافي 3: 39/ 5، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 3.

(2) السرائر 3: 555، وسائل الشيعة 3: 459، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 9.

(3) الكافي 3: 38/ 3، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 4، و قد تقدّم متنه في الصفحة

13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 384

نعم، ما احتمله الكاشاني «1» غير بعيد بالنسبة إلىٰ صحيحة ابن مسلم المتقدّمة «2»، و الظاهر أنّ مراده توجيه هذه الرواية دون غيرها.

بل يمكن استفادة الطهارة من سائر الروايات أيضاً؛ فإنّ اشتراط طهارة البدن لمّا كان معهوداً لدى السائل و المسؤول، فلا يفهم من تجويز الصلاة مع رجل ساخت في العَذِرة بعد مسحها و ذهاب أثرها «3»، و لا من نفي البأس إذا مشىٰ نحو خمسة عشر ذراعاً «4»، إلّا حصولَ شرط الصلاة و الطهارة، و أمّا رفع اليد عنه و العفو فشي ء لا يفهمه العرف، فلا ينبغي التأمّل في حصولها.

نعم، الاستدلال عليها «5» بمثل

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» «6»

أو

قوله (عليه السّلام): «إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «7»

ضعيف؛ لأنّ الظاهر منهما سيّما الثانية كونهما إشارة إلىٰ آية التيمّم «8»، و إلّا فالأخذ بإطلاقهما خلاف الإجماع، بل الضرورة. و تقييدهما موجب للاستهجان.

______________________________

(1) الوافي 6: 225.

(2) تقدّمت في الصفحة 382.

(3) كما في صحيحة زرارة الآتية في الصفحة 387.

(4) كما في صحيحة الأحول الآتية في الصفحة 385.

(5) الحدائق الناضرة 5: 457.

(6) الفقيه 1: 155/ 724، وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2.

(7) الفقيه 1: 60/ 223، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

(8) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 385

عموم مطهّرية الأرض لجميع النجاسات

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق بعض الروايات كالكبرى المتقدّمة «1»، و

صحيحة الأحول، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: في الرجل يطأ على الموضع

الذي ليس بنظيف، ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً، قال: «لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً، أو نحو ذلك» «2»

بل و

موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّه سأله عن رجل يتوضّأ و يمشي حافياً و رجله رطبة، قال: «إن كانت أرضكم مبلّطة أجزأكم المشي عليها ..» «3»

إلىٰ آخره عموم الحكم لجميع النجاسات من غير فرق بين العَذِرة و البول و غيرهما.

اختصاص الحكم بالنجاسة الحاصلة من الأرض بالمشي و نحوه

و هل يعمّ الحكم حصولها بأيّ نحو كان، أو يختصّ بحصولها من الأرض بمشي و نحوه، لا النجاسة الخارجية؛ كأن قطرت علىٰ باطن القدم قطرة دم أو غيره؟

قد يقال: «إنّ مورد جلّ الروايات أو كلّها و إن كان ما حصل التلوّث من الأرض، بل قد يستشعر من

قوله (عليه السّلام): «الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «4»

ذلك،

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 382.

(2) الكافي 3: 38/ 1، وسائل الشيعة 3: 457، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 2: 372/ 1548، وسائل الشيعة 3: 459، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 8.

(4) تقدّم في الصفحة 382.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 386

لكن استبعاد مدخلية مثل هذه الخصوصية في موضوع الحكم، مانع عن أن يقف الذهن دونها، و لهذا لم يفهم الأصحاب منها الاختصاص» «1».

و حاصل كلامه يرجع إلىٰ إلغاء الخصوصية عرفاً.

و يمكن أن يستدلّ له بإطلاق صحيحة الأحول؛ فإنّ الموضع الذي ليس بنظيف أعمّ من الأرض؛ كأن وطأ علىٰ فراش و نحوه، و يتمّ في غيره بعدم الفصل جزماً.

لكن الحكم بالتعميم في المقام لا يخلو من إشكال؛ لأنّ الكبرى المتقدّمة لمّا كانت في مقام بيان الضابط، لا بدّ من أخذ القيود التي فيها،

و لا يجوز إلغاؤها إذا كانت في مورد إعطاء القاعدة، و لا يبعد أن يكون أظهر الاحتمالات فيها أحد الاحتمالين المتقدّمين «2»، فيفهم منها دخالة خصوصية حصول النجاسة من الأرض، و إلّا لم يأخذها في مقام إعطاء الضابط.

و احتمال أن يكون المراد من «البعض» الثاني الأرض، و يكون المراد من «تطهيرها» إزالة أثرها، أو استحالتها و تبديل موضوعها، و يكون الاستدلال بهذه القضية لطهارة الرجل و الخفّ، مبنياً علىٰ تنزيلهما منزلة الأرض بعلاقة المجاورة «3»، بعيد مخالف للمتفاهم العرفي، بل لعلّه من أبعد الاحتمالات.

كما أنّ في إطلاق صحيحة الأحول إشكالًا، سيّما مع أنّ المراد من المكان النظيف الذي بعده هو الأرض، كما يأتي الكلام فيه «4». و التفكيك بينهما بدعوىٰ إطلاق «الموضع الذي ليس بنظيف» لكلّ موضع؛ لمساعدة العرف، مع عدم الفرق

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 643/ السطر 4.

(2) تقدّما في الصفحة 383.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 642/ السطر 35.

(4) يأتي في الصفحة 390.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 387

بين أسباب حصول النجاسة، و عدم إطلاق قوله: «مكاناً نظيفاً» بعيد، سيّما مع الكبرى المتقدّمة.

بل يمكن تقييد إطلاقه بها لو فرض الإطلاق؛ بعد ما عرفت ظهورها؛ و أنّ القيد فيها ظاهر في القيدية. بل و ظهور النبويين العامّيين في الاختصاص؛ فإنّ

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «إذا وطأ أحدكم الأذىٰ بخفّيه فطهورهما التراب» «1»

و

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «إذا وطأ أحدكم بنعليه الأذىٰ فإنّ التراب له طهور» «2»

ظاهر أو مشعر بالاختصاص، و معه يشكل إلغاء الخصوصية.

و أمّا عدم ذكر الأصحاب هذا القيد، بل مقتضىٰ إطلاق كلامهم عدم القيدية، فليس إلّا لاجتهادهم في تلك الروايات؛ للجزم بعدم

أمر آخر عندهم وراءها، و معه ليست الشهرة بحجّة.

إلّا أن يقال: إنّ عدم دخالة الخصوصية عرفاً يستكشف من فهم الأصحاب؛ فإنّهم أيضاً من العرف.

و هو مشكل بعد عدم استفادتنا إلغاء الخصوصية بالشواهد المتقدّمة، فالأحوط لو لم يكن أقوى اعتبار كون النجاسة من الأرض.

كفاية ملاقاة عين النجس الملقاة على الأرض

نعم، لا يلزم أن يكون التنجّس بملاقاة الأرض المتنجّسة، بل أعمّ منه و من ملاقاة عين النجس الملقاة فيها، كما تدلّ عليه

صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل وطأ علىٰ عَذِرة، فساخت رجله فيها، أ ينقض ذلك وضوءه،

______________________________

(1) سنن أبي داود 1: 158/ 386.

(2) سنن أبي داود 1: 158/ 385، مستدرك الحاكم 1: 166.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 388

و هل يجب عليه غسلها؟ فقال: «لا يغسلها إلّا أن يقذرها، و لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها و يصلّي» «1».

كما تدلّ علىٰ ثبوت الحكم لملاقاة الأرض المتنجّسة حسنة المعلّى «2» و إطلاق بعض الروايات.

مطهّرية الأرض لأسفل القدم و باطن النعل

ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال في ثبوت الحكم لأسفل القدم؛ لإطلاق بعض الروايات، كصحيحة الأحول و إحدى روايتي الحلبي، و صراحة جملة منها، كحسنتي المعلّى و الحلبي و صحيحة زرارة و موثّقة عمّار، و لم يتضح مع ذلك وجه إشكال العلّامة في محكي «التحرير» «3» و توقّفه في محكي «المنتهىٰ» «4» فيه.

و أمّا باطن النعل و الخفّ، فمضافاً إلىٰ حكاية الشهرة «5» و الإجماع و عدم الخلاف فيه «6»، يدلّ عليه إطلاق الكبرى المتقدّمة، و إطلاق صحيحة الأحول و صحيحة ابن مسلم، فإنّ من المعلوم عدم كون أبي جعفر (عليه السّلام) بلا حذاء، و

رواية حفص بن أبي عيسىٰ قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي وطأت علىٰ عَذِرة بخفّي،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 275/ 809، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 7.

(2) تقدّمت في الصفحة 382.

(3) تحرير الأحكام 1: 25/ السطر 14.

(4) منتهى المطلب 1: 179/ السطر 14.

(5) الحدائق الناضرة 5: 451، مستند الشيعة 1: 335.

(6) تقدّم في الصفحة

381.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 389

و مسحته حتّى لم أرَ فيه شيئاً، ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال: «لا بأس» «1».

إذ الظاهر أنّ سؤاله عن طهارته بالمسح، و إلّا فصلاته صحيحة مع نجاسته أيضاً.

و يلحق بهما مثل القبقاب، و ظاهر القدم و النعل إذا كان المشي عليه لنقص في الخلقة علىٰ الأقوىٰ؛ لإطلاق بعض الأخبار.

و في إلحاق الركبتين و اليدين ممّن يمشي عليهما تأمّل، و إن لا يخلو من وجه؛ للتعليل المتقدّم. بل لا يبعد صدق «الوطء» عليهما علىٰ تأمّل، سيّما في اليدين.

و في إلحاق عصى الأعرج و خشبة الأقطع إشكال؛ لاحتمال انصراف الأدلّة عنهما. و أشكل منهما نعل الدوابّ و أسفل العكّاز و كعب الرمح. و من الكلّ أسفل العربات و الدبّابات و نحوها.

و احتمال إلحاق الجميع؛ لإطلاق الكبرى المتقدّمة، غير وجيه؛ لعدم إمكان الأخذ بإطلاقها، إذ مقتضىٰ ذلك أنّ كلّ ما تنجّس بالأرض يطهر بها، و هو مقطوع البطلان، فلا بدّ من اختصاصها بأنحاء ما وقع السؤال عنها، و عدم التعدّي عن إطلاق بعض الأدلّة، مثل صحيحة الأحول.

و بالجملة: بعد وضوح بطلان الأخذ بإطلاق الكبرى المتقدّمة للزوم التعدّي إلىٰ كلّ ما تنجّس بالأرض؛ حتّى الثياب و الأواني لا يبقى لإطلاقها في المذكورات وثوق، بل يوهن ذلك الإطلاق، و يشكل التعدّي عن موردها؛ أي القدم و النعل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 274/ 808، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 390

نعم، لا فرق بين أنحاء النعال، بل لا يبعد إلحاق الجورب إذا خيط في أسفله جلد الدابّة كما قد يعمل علىٰ تأمّل فيه. و أمّا الجورب

المعمول من القطن و الصوف أو غيرهما، فالأقوىٰ عدم الإلحاق؛ لانصراف صحيحة الأحول «1» عنه، و عدم دليل آخر عليه.

اعتبار كون المطهّر أرضاً لا حصيراً مثلًا

ثمّ إنّه يعتبر في المطهّر أن يكون أرضاً، و عن ابن الجنيد كفاية المسح بكلّ قالع «2»، و عن «النهاية» احتماله «3». و اختار النراقي الاجتزاء بالمشي في غير الأرض، كالحصير و النبات و الخشب «4».

و الدليل على الاعتبار: الكبرى الملقاة في مقام الضابط، حيث لا بدّ من الأخذ بقيودها و الحكم بدخالتها، فلو كان مطلق القالع أو المشي علىٰ مطلقه مجزياً، لما كان اختصاص الأرض بالذكر في مقام ذكر الضابط مناسباً، سيّما مع قوله (عليه السّلام) في حسنة الحلبي: «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟».

و هي المراد بقوله (عليه السّلام): «أ ليس وراءه شي ء جافّ؟» في حسنة المعلّى بقرينة ذكر الكبرى بعده، و هما يؤكّدان خصوصية الأرض.

و يؤيّد الاعتبار بل يدلّ عليه موثّقة عمّار. و يؤيّده النبويان المتقدّمان. بل كون الأرض بخصوصها مطهّرة للحدث، لا يخلو من تأييد.

و بكلّ ذلك يقيّد إطلاق صحيحتي الأحول و زرارة و رواية حفص

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 385.

(2) انظر منتهى المطلب 1: 178/ السطر 29، مصباح الفقيه، الطهارة: 644/ السطر 9.

(3) نهاية الإحكام 1: 291.

(4) مستند الشيعة 1: 338.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 391

المتقدّمات، و ذيل

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله، و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما» «1»

علىٰ فرض تسليم إطلاقها.

مع إمكان إنكاره بدعوىٰ: أنّ صحيحة الأحول منصرفة إلى الأرض، كما عن صاحب «الحدائق» «2» و هو غير بعيد، سيّما مع أنّ الوطء

بالرجل القذرة لمثل الفراش بعيد، خصوصاً عمداً. و أنّ غير الأرض في محلّ الصدور نادر.

و دعوىٰ: أنّ صحيحة زرارة في مقام بيان عدم وجوب الغسل و كفاية المسح، و ليست بصدد بيان ما يمسح به و شرائطه. مع أنّ المتعارف في مسح ما يقذر بالعذرة هو المسح على الأرض، سيّما في تلك البلاد و ذلك العصر.

و منه يظهر الحال في رواية حفص. و الصحيحة الأخيرة مع عدم وضوح المراد منها يأتي فيها ما ذكر.

و أمّا دعوى كون المقام نظير باب الاستنجاء، بل هو منه، فكما يكفي فيه مطلق القالع، كذلك في المقام، ففيه ما لا يخفى، فالأقوىٰ اعتبار كون القالع أرضاً.

عدم الفرق بين أجزاء الأرض في التطهير

نعم، لا فرق بين أجزاء الأرض، كالتراب و الحجر و الحصىٰ و الرمل و الجصّ و النورة، بل و الآجرّ و الخزف؛ لصدق «الأرض» عليها، و لجريان استصحاب كونها مطهّرة في بعضها.

و لا يضرّ بالحكم اختلاط غير الأرض بها بما لا يضرّ بالصدق العرفي،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 46/ 129، وسائل الشيعة 3: 459، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 10.

(2) انظر مستمسك العروة الوثقى 2: 67 68، الحدائق الناضرة 5: 458.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 392

كالتبن القليل و نحوه؛ لابتلاء الأراضي نوعاً به، فمقتضى الإطلاق عدم الإضرار، و إلّا لوجب التنبيه عليه.

اعتبار جفاف الأرض و يبوستها

و من بعض ما تقدّم يظهر اعتبار الجفاف و اليبوسة في الأرض؛ لأنّ ذكر «الجافّ» في حسنة المعلّى «1» و «اليابس» في حسنة الحلبي «2»، دليل عليه، سيّما في مقام بيان الضابط.

و دعوىٰ: أنّ «الجافّ» في الاولىٰ في مقابل الماء السائل من الخنزير، و «اليابسة» في الثانية في مقابل نداوة البول «3»، كما ترى؛ فإنّه إن أُريد مقابلتهما للنداوة و الرطوبة مطلقاً فمسلّم، لكن يستفاد منهما التقييد.

و إن أُريد مقابلتهما لنداوة البول و ما سال من الخنزير أي يكون جافّاً من هذه الرطوبة و النداوة حتّى لا ينافي كونه رطباً بغيرها، بل وحلًا فهو ممنوع جدّاً؛ لعدم صدق «الجفاف» و «اليبوسة» عليه، كما لا يخفى.

مع أنّ للمسح على الجافّ و اليابس، دخالةً في قلع القذارة لدى العرف؛ فإنّ المسح بشي ء رطب رطوبة سارية أو بشي ء نحو الوحل، يوجب انتشار القذارة، بل صيرورة المحلّ أقذر، لا قلعها، و لهذا يناسب «الجفاف» و «اليبس» القلعَ بارتكاز العرف، فيفهم منهما القيدية، و بهما يقيّد إطلاق لو كان.

نعم، لا يبعد أن

يقال: إنّ الرطوبة الضعيفة غير السارية غير مضرّة؛ لصدق

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 382.

(2) تقدّمت في الصفحة 383.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 644/ السطر 30، مستمسك العروة الوثقى 2: 70.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 393

«الجافّ» بل و «اليابس» على الأرض إذا كانت كذلك، سيّما بعض مراتبها.

و لو كان «الجفاف» أعمّ من «اليبوسة» و كانت الثانية غير صادقة على الأرض التي لها رطوبة غير سارية، فلا يبعد أيضاً القول بكفاية الجفاف؛ بدعوىٰ أنّ ذكر «اليبوسة» لكونها أحد المصاديق الحاصل به التطهير، فيكون كلّ من الجافّة و اليابسة مطهّرة؛ و إن كانت الثانية أسرع في القلع و أوقع.

و بعبارة اخرىٰ: تقييد حسنة المعلّى بحسنة الحلبي، أبعد من البناء علىٰ ما ذكر.

و أمّا تأييد كفاية الرطوبة السارية بل الوحل: بأنّ الملّة سمحة سهلة، و بحصول الحرج في فصل الشتاء «1»، فهو كما ترى.

اعتبار طهارة الأرض

و تعتبر طهارة الأرض؛ لأنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «2» التقابل بين الأرض التي تنجّس بها القدم و الأرض المطهّرة، فيفهم منه أنّ الأرض الطاهرة ترفع النجاسة الحاصلة من الأرض القذرة، تأمّل.

مضافاً إلىٰ أنّ التناسب بين طهارة الشي ء و مطهّريته، يوجب صرف الذهن إلىٰ ذلك، و لهذه المناسبة قابل الأحول في روايته «3» بين الموضع الذي ليس بنظيف و المكان النظيف، فيمكن أن يستدلّ على اعتبارها بالرواية للارتكاز المذكور.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 188/ السطر 2، غنائم الأيّام 1: 484.

(2) تقدّم في الصفحة 382 و 383.

(3) تقدّمت في الصفحة 385.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 394

و لهذا لو قيل: «إنّ العَذِرة اليابسة مطهّرة للنجاسة إذا ذهب بالمسح بها أثرها» عدّ

عند العرف مستنكراً، فلا ينقدح في الأذهان من الأدلّة إطلاق يشمل الأرض النجسة، فلو كانت الأرض نجسةً بالبول، و كانت رطوبة البول موجودة غير سارية، و قلنا بإجزاء الجفاف، فهل ترى من نفسك أنّ المشي في رطوبة البول صار مطهّراً لنداوته؟! و الإنصاف: أنّ الأدلّة منصرفة عن الأرض النجسة، فلا وجه للتمسّك بإطلاقها لنفي الاعتبار.

و توهّم: أنّ ترك هذا القيد في الأخبار علىٰ كثرتها، دليل علىٰ عدم الاعتبار «1».

مدفوع: بأنّ الترك للاتكال على الارتكاز العقلائي، و لهذا لم يرد هذا القيد في مطهّرية الماء؛ لعدم الاحتياج إلىٰ ذكره، لا لعدم الاعتبار.

عدم الفرق بين المشي و المسح في حصول الطهارة

ثمّ إنّه لا فرق بين المشي و المسح في حصول الطهارة، كما تدلّ علىٰ كلّ منهما الروايات المتقدّمة.

و لا يتقدّر المشي بمقدار معيّن، بل المعتبر زوال عين النجاسة. و لا تصلح

صحيحة الأحول «2» لتقييد الإطلاقات، سيّما مثل قوله (عليه السّلام): «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» خصوصاً بعد قوله (عليه السّلام): «أ ليس وراءه شي ء جافّ؟» أو «أ ليس يمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟».

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 308، رياض المسائل 2: 418.

(2) تقدّمت في الصفحة 385.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 395

مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها» أنّ المسح و نحوه إنّما هو لإذهاب الأثر، فلها نحو حكومة علىٰ سائر الأخبار، فيفسّر المقصود من مشي خمسة عشر ذراعاً بأنّه ليس إلّا للقلع، و لهذا لا يشكّ أحد في أنّه مع عدم القلع بهذا المقدار لا يصير طاهراً.

مع أنّ قوله (عليه السّلام) في الصحيحة: «أو نحو ذلك» دليل علىٰ أنّ التحديد ليس تعبّدياً، بل لحصول الغاية بها نوعاً.

و احتمال

أن يكون في التطهير بالمشي إعمال تعبّد، و هو المقدار الذي في الصحيحة، دون المسح، فإذا مسح كانت الغاية زوال الأثر، دون ما إذا مشىٰ، في غاية السقوط؛ ضرورة عدم انقداح النفسية في أمثال المقامات في الأذهان.

بل يمكن أن يقال: بأنْ لا خفاء لمفهوم «التطهير» عند العرف، فإذا قال الشارع: «إنّ الأرض تطهّر كذا» يستفاد منه أنّ التطهير بها عبارة عن رفع القذارة عن الشي ء بها، و هو بقلع عين النجس عنه، كما إذا قال أحد من أهل العرف لصاحبه: «نظّف قدمك بالتراب» يفهم منه إزالة القذارة منها بمسحها به، أو المشي عليه.

فظاهر قوله (عليه السّلام): «الأرض يطهّر بعضها بعضاً» أنّ تطهيره عبارة عن إزالة قذارته، فلا يختلج في الأذهان بعد هذا الارتكاز إعمال تعبّد خاصّ في مقدار المشي.

نعم، لا مانع من إعمال التعبّد، لكن يحتاج إلىٰ بيان غير ما في الصحيحة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 396

تعيّن مسح القدم على الأرض

و هل يتعيّن المسح على الأرض، أو يجتزىٰ بمسح التراب أو الحجر على الموضع حتّى يذهب أثره؟

ظاهر الكبرى المتقدّمة هو الأوّل؛ لعدم صدق بعض الأرض على الجزء المنفصل عنها صدقاً حقيقياً، و إنّما يصدق عليه حال الاتصال.

و لو نوقش فيه فالظاهر من الكبرى و لو بقرينة سابقها هو المشي على الأرض، و لمّا كانت الكبرى في مقام بيان الضابط، لا بدّ من الحكم بدخالة الخصوصية فيه.

و لا يجوز في المقام الاتكال على ارتكاز العرف؛ فإنّه يوجب اتساع الخرق كما تقدّم «1»، فبها يقيّد إطلاق صحيحة زرارة «2» و [رواية] حفص «3»، علىٰ فرض تسليم إطلاقهما.

قد يقال: إنّ الظاهر منهما أنّ الرجل و الخفّ ممسوحتان، لا ماسحتان «4».

و فيه: أنّ المتعلّق غير مذكور، فإن

كان التقدير: «يمسحها على الأرض» تكون الرجل ماسحة، و إن كان: «يمسحها بالتراب» مثلًا تكون ممسوحة، و مع عدم الذكر و لو فرض أنّ مقتضاه الاجتزاء بكلّ منهما، نظير الإطلاق، لكن مقتضى الكبرى عدم الاجتزاء إلّا بالمسح على الأرض، فيقدّم عليه.

و لو قيل: إنّ بين الصحيحة و الكبرىٰ عموماً من وجه.

قلنا: إنّ الترجيح مع الكبرى؛ لأظهريتها و موافقتها للشهرة ظاهراً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 389.

(2) تقدّمت في الصفحة 387.

(3) تقدّمت في الصفحة 388.

(4) انظر مستمسك العروة الوثقى 2: 66.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 397

في حصول الطهارة بذهاب عين النجاسة و أثرها

ثمّ إنّ التطهير حاصل بذهاب عين النجاسة و أثرها؛ بمعنى الأجزاء الصغار التي تعدّ أثراً لدى العرف، و لا يلزم رفع الآثار، كالرائحة و اللون.

و أمّا احتمال أنّ الأرض مطهّرة للأجزاء الصغار التي يراها العرف الأعيان النجسة، فلا ينبغي التفوّه به، فضلًا عن اختياره؛ لعدم معنى طهارة عين النجاسة.

نعم، لو كانت الإزالة بالأرض من قبيل العفو لا التطهير، لكان لاحتمال العفو عن الأجزاء الصغار سبيل؛ و إن كان أيضاً خلاف الأدلّة، لكن مع البناء على الطهارة فلا سبيل إليه. و بناء الحكم على السهولة لا يوجب طهارة النجس ذاتاً.

و أمّا الأجزاء الصغار التي لا يراها العرف أعياناً، فلا يعتنىٰ بها.

بل الألوان و الروائح من بقايا الأعيان واقعاً بحسب البرهان، أو كشف الآلات الحديثة المكبّرة، لكنّ الميزان في التشخيص العرف العامّ، فلا يعبأ بمثلها.

عدم لزوم إزالة النجاسة بالمشي أو المسح

و هل يتعيّن أن يكون السبب لذهاب عين النجاسة المشي أو المسح، أو لا، فلو ذهبت بغيرهما يطهر المحلّ بالمشي أو المسح؟

و بالجملة: كما أنّهما موجبان للطهارة بإذهاب العين، موجبان لها عن ملاقي الأعيان؟

الأقوى الثاني؛ لإطلاق الكبرى المتقدّمة و صحيحة الأحول. بل إطلاق بعض روايات أُخر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 398

و لا ينافيها صحيحة زرارة و رواية حفص؛ لعدم ظهورهما في القيدية، بل فرض فيهما وجود العين، فقوله (عليه السّلام): «يمسحها حتّى يذهب أثرها» لبيان حال قضية مفروضة، فيكون بياناً عاديا لا يستفاد منه دخالة وجود العين في طهارة المحلّ، و لا ينقدح في الأذهان منه بقاء النجاسة على المحلّ لو زالت العين بغير الأرض و لو مشىٰ بعده ما مشىٰ.

و بالجملة: لا تصلح الصحيحة و نحوها لتقييد إطلاق الكبرى و غيرها. مع أنّ تطهير المحلّ الخالي

من العين، أولىٰ من المشغول بها في نظر العرف. فالأقوىٰ عدم اعتبار وجودها أو أثرها في المحلّ.

و مع عدمهما يكفي مجرّد المسح أو المشي دون المسّ؛ لعدم الدليل عليها إلّا دعوى إطلاق الكبرى، و هو مشكل، سيّما مع سبقِها

في حسنة الحلبي بقوله (عليه السّلام): «أ ليس يمشي بعد ذلك ..؟» «1»

إلىٰ آخره، و تبادرِ المشي من موارد غيرها، و هو و إن لا يصلح لتقييد إطلاق لو كان، لكن يوهن توهّم الإطلاق، فإنّ الأظهر عدم إطلاقها لصِرف المماسّة؛ لأنّ التطهير به خلاف ارتكاز العقلاء في باب التنظيف بالأرض، دون التمسّح الذي هو موافق له، و دون المشي الذي دلّ عليه الدليل.

مع إمكان أن يقال: إنّه كالمسح في رفع الأثر.

هذا مع إمكان تقييد إطلاقها لو فرض بموثّقة عمّار بن موسى «2»، تأمّل.

و كيف كان: فالأحوط لو لم يكن أقوى عدم الاجتزاء بمجرّد المماسّة.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 383.

(2) تقدّمت في الصفحة 385.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 399

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً، و ظاهراً و باطناً، و الصلاة و السلام علىٰ سيّدنا محمّد و آله الطاهرين. و قد وقع الفراغ من هذه الوجيزة يوم الثامن و العشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة (1377 ه. ق).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 439

فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم».

«أ».

1 إثبات الوصية. أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (م- 346)، قم، منشورات الرضي.

2 الاجتهاد و التقليد. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320- 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1418.

3 الاحتجاج على أهل اللجاج. أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (القرن السادس)، قم، منشورات أُسوة،

1413.

4 أحكام الدماء. المحقّق الخراساني، بغداد، مطبعة الولاية.

5 أحكام القرآن. أبو بكر أحمد بن علي الجصّاص (م- 370)، بيروت، نشر دار الكتاب العربي.

6 أحكام النساء ضمن «مصنّفات الشيخ المفيد». أبو عبد اللّٰه محمد بن محمد بن النعمان العكبري (336- 413)، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، 1413 ..

7 اختيار معرفة الرجال «رجال الكشي». أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، مشهد المقدسة، جامعة مشهد، 1348 ش.

8 إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، تحقيق فارس الحسّون، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410.

9 إرشاد القلوب إلى الصواب. أبو محمد الحسن بن محمد الديلمي (م القرن الثامن)، قم، منشورات الرضي.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 440

10 أساس البلاغة. أبو القاسم جار اللّٰه محمود بن عمر الزمخشري (467- 538)، تحقيق عبد الرحيم محمود، بيروت، دار المعرفة، 1399.

11 الاستبصار فيما اختلف من الأخبار. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، إعداد السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390.

12 الاستصحاب. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320- 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1417.

الأسفار، الحكمة المتعالية.

13 الإشارات و التنبيهات. الشيخ الرئيس أبو عليّ حسين بن عبد اللّٰه بن سينا (370- 427) طهران، دفتر نشر كتاب، 1403.

14 إشارة السبق ضمن «الجوامع الفقهية». علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الفضل الحسن بن أبي المجد الحلّي (م- القرن السادس)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1404.

15 إصباح الشيعة ضمن «سلسلة الينابيع الفقهية». الشيخ نظام الدين الصهرشتي (القرن السادس)، الطبعة الاولى، بيروت، الدار

الإسلامية و دار التراث، 1410.

16 أصل زيد النرسي ضمن «الأُصول الستة عشر». لعدّة من الرواة القدماء، قم، دار الشبستري للمطبوعات، 1405.

17 إفاضة القدير في أحكام العصير المطبوع مع «قاعدة لا ضرر». العلامة شيخ الشريعة الأصفهاني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.

18 الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد. أبو جعفر شيخ الطائفة محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، طهران، مكتبة جامع چهل ستون، 1400.

19 أقرب الموارد. سعيد الخوري الشرتوني اللبناني، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1403.

20 الألفية و النفلية. الشهيد الأوّل شمس الدين محمد بن مكّي العاملي (م- 786)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1408.

21 الأُم. محمد بن إدريس الشافعي (150- 204)، بيروت، نشر دار المعرفة، 1408.

22 الأمالي. أبو جعفر محمّد بن علىّ بن الحسين القمي الشيخ الصدوق (م- 381)، الطبعة الخامسة، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1400.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 441

23 الأمالي. (أمالي ابن الشيخ)، أبو جعفر شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (385- 460)، قم، دار الثقافة، 1414.

24 الانتصار. السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (م- 436)، قم، منشورات الشريف الرضي.

25 أنوار الملكوت في شرح الياقوت. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، قم، الرضي و بيدار، 1363 ش.

26 أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320- 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1414.

27 إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد. فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي (م- 771)، قم، المطبعة العلمية، 1387 ..

«ب».

28 بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمة الأطهار. العلّامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (1037- 1110)، الطبعة

الثالثة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403.

29 بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي). الشيخ هاشم الآملي، الطبعة الحجرية، 1370.

30 بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320- 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1414.

31 بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاشاني، (م- 587)، الطبعة الاولى، پاكستان، المكتبة الحبيبية، 1409.

32 بداية المجتهد و نهاية المقتصد. محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520- 595) الطبعة الاولى، قم، منشورات الشريف الرضي، 1412.

33 البرهان في تفسير القرآن. السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني (م- 1107)، الطبعة الثانية، قم، دار الكتب العلمية، 1393.

34 البرهان القاطع. السيّد علي آل بحر العلوم (م- 1298)، الطبعة الحجرية.

35 بشارة المصطفى. عماد الدين أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري (م- 525)، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1420.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 442

36 بصائر الدرجات. أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار (م 290)، تحقيق الميرزا محسن كوچه باغي، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1404.

37 البهجة المرضية. جلال الدين السيوطي، مع تعليقة مصطفى الحسيني الدشتي.

38 البيان. الشهيد الأوّل شمس الدين محمد بن مكّي العاملي (م 786)، قم، مؤسسة الإمام المهدي الثقافية، 1412.

39 البيع. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1375 ش.

«ت».

40 تاج العروس من جواهر القاموس. السيّد محمّد مرتضى الزبيدي (1145 1205)، بيروت، نشر دار مكتبة الحياة.

41 تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، طهران، المكتبة الإسلامية.

42 التبيان في تفسير القرآن.

أبو جعفر شيخ الطائفة محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، تحقيق و تصحيح أحمد حبيب قصير العاملي، بيروت، طبع دار إحياء التراث العربي.

43 تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة. العلّامة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، بالاوفست عن الطبعة الحجرية.

44 التحرير الطاووسي المستخرج من كتاب حلّ الإشكال. الشيخ حسن بن زين الدين بن عليّ صاحب المعالم (م 1011)، تحقيق فاضل الجواهري، الطبعة الاولى، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1411.

45 تحف العقول عن آل الرسول (عليهم السّلام). أبو محمد بن الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحراني (م 381)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1404.

46 تذكرة الفقهاء. جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر، العلّامة الحلّي (726648)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1414.

47 التعادل و الترجيح. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1375 ش.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 443

48 تعليقات على منهج المقال. المولى محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 1206)، مخطوطة.

49 تفسير العيّاشي. أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (القرن الرابع)، طهران، المكتبة العلميّة الإسلاميّة.

تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن.

50 تفسير القمي. أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمي (م 307)، إعداد السيد الطيب الموسوي الجزائري، الطبعة الثالثة، قم، دار الكتاب، 1404.

51 التفسير الكبير. محمّد بن عمر الخطيب فخر الدين الرازي (544 606)، الطبعة الثانية، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1411.

52 تفسير مجمع البيان. أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548)، تحقيق الميرزا أبي الحسن

الشعراني، الطبعة الخامسة، طهران، المكتبة الإسلامية، 1395.

53 التقيّة ضمن «الرسائل العشرة». الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1420.

54 تلخيص المرام. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (726648)، الطبعة الحجرية، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي.

55 تنقيح الأُصول (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)). حسين التقوي الاشتهاردي، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1418.

56 التنقيح الرائع لمختصر الشرائع. جمال الدين المقداد بن عبد اللّٰه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826)، إعداد السيد عبد اللطيف الكوهكمري، الطبعة الاولى، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1404.

57 تنقيح المقال في علم الرجال. الشيخ عبد اللّٰه بن محمد حسن المامقاني (13511290)، الطبعة الثانية، قم، بالاوفست عن طبعة النجف الأشرف، المطبعة المرتضوية، 1352.

58 تنوير المقباس من تفسير ابن عباس. أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (م 817)، بيروت، دار الجيل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 444

59 التوحيد. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق علي أكبر الغفاري و السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1398.

60 تهذيب الأحكام. أبو جعفر محمّد بن الحسن، الشيخ الطوسي (385 460)، إعداد السيد حسن الموسوي الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1364 ش.

61 تهذيب الأُصول (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)). بقلم الشيخ جعفر السبحاني التبريزي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1405.

62 تهذيب اللغة. أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (282 370)، القاهرة، 1384 1387.

«ث».

63 ثواب الأعمال. أبو جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، طهران، مكتبة الصدوق، 1368 ش.

«ج».

64 جامع أحاديث

الشيعة. آية اللّٰه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي (1291 1380)، مطبعة مهر، 1371 ش.

65 الجامع لأحكام القرآن. أبو عبد اللّٰه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 671)، تحقيق أحمد عبد العليم البردوني، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

66 الجامع للشرائع. نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي (601 689)، قم، مؤسسة سيد الشهداء (عليه السّلام)، 1405.

67 جامع المقاصد في شرح القواعد. المحقّق الثاني عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي (868 940)، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1408 1411.

68 الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد». يرويه أبو عليّ، محمّد بن محمّد الأشعث، طهران، مكتبة نينوى الحديثة.

69 جمل العلم و العمل ضمن «رسائل الشريف المرتضى». أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى و علم الهدى، قم، منشورات دار القرآن الكريم، 1405.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 445

70 الجمل و العقود ضمن «الرسائل العشر». أبو جعفر شيخ الطائفة محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1403.

71 جمهرة اللغة. أبو بكر محمد بن الحسن بن دُريد (223 321)، بيروت، دار العلم للملايين، 1988 م.

72 جوابات أهل الموصل ضمن «مصنّفات الشيخ المفيد». أبو عبد اللّٰه محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (336 413). قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، 1413.

73 جواهر الفقه. القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (400 481) تحقيق إبراهيم البهادري، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411.

74 جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام. الشيخ محمد حسن بن باقر النجفي (م 1266)، إعداد عدة من الفضلاء، الطبعة

السادسة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1398.

«ح».

75 حاشية الإرشاد ضمن «غاية المراد». الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (911 965)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1414.

76 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير. شمس الدين محمّد بن عرفة الدسوقي (م 1230)، دار الإحياء الكتب العربية.

77 حاشية فرائد الأُصول. الحاج آقا رضا بن محمد هادي الهمداني النجفي (م 1322)، الطبعة الحجرية.

78 حاشية المدارك ضمن «مدارك الأحكام». المولى محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 1206)، الطبعة الحجرية.

79 الحبل المتين. الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 1030)، قم، مكتبة بصيرتي.

80 الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة. الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 1186)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1406.

81 الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة. صدر المتألهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050)، قم، مكتبة المصطفوي.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 446

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 446

82 حواشي الشرواني. عبد الحميد الشرواني و ابن قاسم العبادي (م 1118)، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

83 الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية. آقا حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري (1019 1099)، قم، منشورات المدرسة الرضوية.

«خ».

خاتمة مستدرك الوسائل مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل.

84 الخصال. أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1403.

خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، رجال العلّامة الحلّي.

85 الخلاف. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، قم، مؤسسة

النشر الإسلامي، 1407.

86 الخلل في الصلاة. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1420.

«د».

87 دائرة المعارف. محمد فريد بن مصطفى وجدي ابن علي رشاد، بيروت، دار الفكر، 1399.

88 درر الفوائد في الحاشية على الفرائد. الآخوند محمّد كاظم الهروي الخراساني (1255 1329)، طهران، مؤسسة الطبع و النشر التابعة لوزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، 1410.

89 الدروس الشرعيّة في فقه الإمامية. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (م 786)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1414.

90 الدُّرّة النجفية «منظومة في الفقه». العلّامة السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي (1155 1212)، قم، مكتبة المفيد، 1414.

91 دعائم الإسلام. القاضي نعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، بالاوفست عن طبعة القاهرة، دار المعارف، 1383.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 447

«ذ».

92 ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد. المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017 1090)، الطبعة الحجرية، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث ..

93 الذريعة إلى أُصول الشريعة. أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي، الشريف المرتضى (355 436)، تحقيق أبو القاسم گرجي، الطبعة الاولى، طهران، جامعة طهران، 1348 ش.

94 الذريعة إلى تصانيف الشيعة. الشيخ محمد حسن آقا بزرگ الطهراني (1293 1389)، بيروت، دار الإضواء، 1403.

95 ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (م 786)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1414.

«ر».

96 رجال ابن داود. تقي الدين الحسن بن عليّ بن داود الحلي (م 707)، إعداد السيد محمد صادق آل بحر العلوم، قم، منشورات الشريف الرضي، بالاوفست عن

طبعة النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1392.

رجال السيد بحر العلوم، الفوائد الرجالية.

97 رجال الطوسي. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1380.

98 رجال العلّامة «خلاصة الأقوال في معرفة الرجال». العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، قم، منشورات الرضي، 1402.

رجال الكشي اختيار معرفة الرجال.

99 رجال النجاشي. أبو العباس أحمد بن عليّ بن أحمد النجاشي (372 450)، تحقيق السيد موسى الشبيري الزنجاني، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1407 ..

100 رسائل الشريف المرتضى. أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى و علم الهدى (355 436)، قم، دار القرآن الكريم، 1405.

101 الرسالة الجعفرية ضمن «رسائل المحقّق الكركي». المحقّق الثاني الشيخ عليّ بن الحسين الكركي (868 940)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1409.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 448

102 رسالة الشيخ الرئيس إلى علماء مدينة الإسلام ضمن «الرسائل». الشيخ الرئيس أبي عليّ الحسين بن عبد اللّٰه بن سينا (370 427)، قم، انتشارات بيدار.

103 رسالة في أحوال أبي بصير ضمن «الجوامع الفقهية». السيد محمد مهدي الخوانساري، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي.

104 رسالة في قاعدة لا ضرر ضمن «تراث الشيخ الأعظم». الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 1281)، قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئويّة الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، 1418.

105 رسالة في قاعدة لا ضرر ضمن «منية الطالب في حاشية المكاسب». (تقريرات المحقّق النائيني) الشيخ موسى النجفي الخوانساري، الطبعة الحجرية.

106 الرعاية في علم الدراية. الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 965)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1408.

107 الرواشح السماوية في شرح أحاديث الإمامية. السيد محمد باقر الحسيني

المرعشي الداماد (م 1041)، الطبعة الحجرية، 1311.

108 روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان. الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي (911 965)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام).

109 الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية. الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي، (911 965)، قم، مكتبة الداوري.

110 روضة المتقين في شرح أخبار الأئمة المعصومين. العلّامة المولى محمَّد تقي المجلسي (1003 1070)، مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشان پور، 1393 1399.

111 رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل. السيّد عليّ بن محمّد عليّ الطباطبائي (1161 1231)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1412.

«س».

112 السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي. أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلي (م 598)، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410 1411.

113 سنن ابن ماجة. أبو عبد اللّٰه محمد بن يزيد بن ماجة القزويني (م 275)، تحقيق فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار الكتب العلمية.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 449

114 سنن أبي داود. أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275)، بيروت، دار الجنان، 1409.

115 سنن الترمذي. أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 279)، تحقيق أحمد محمد شاكر، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

116 سنن الدارقطني. علي بن عمر الدارقطني (306 385)، بيروت، دار المعرفة.

117 سنن الدارمي. أبو محمد عبد اللّٰه بن عبد الرحمن السمرقندي الدارمي (181 255)، بيروت، دار الفكر، 1398.

118 السنن الكبرى. أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (384 458)، بيروت، دار المعرفة، 1408.

119 سنن النسائي. أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (214 303)، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

«ش».

120 الشافي في الإمامة. الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (م 436)، طهران،

مؤسسة الصادق، 1407.

121 شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 676)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1409.

122 شرح تبصرة المتعلّمين. الشيخ ضياء الدين العراقي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1414.

123 شرح جمل العلم و العمل. القاضي ابن البرّاج أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز (400 481)، مشهد، جامعة مشهد، 1352 ش.

124 شرح السنة. المحدّث الفقيه الحسين بن مسعود البغوي (436 516)، بيروت، المكتب الإسلامي، 1403.

125 شرح الكافية. رضي الدين محمّد بن الحسن الأسترآبادي النحوي (م 688)، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1399.

126 الشرح الكبير. أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (597 682)، المطبوع مع المغني، لعبد اللّٰه بن أحمد بن قدامة، بيروت، دار الكتاب العربي.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 450

127 شرح المقاصد. مسعود بن عمر بن عبد اللّٰه المعروف بسعد الدين التفتازاني (م 793)، تحقيق عبد الرحمن عميرة، الطبعة الاولى، قم، منشورات الرضي، 1370 1371 ش.

128 شرح المنظومة. المولى هادي بن مهدي السبزواري (1212 1289)، الطبعة السادسة، قم، مكتبة العلّامة، 1369 ش.

129 الشفاء. الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبد اللّٰه بن سينا (370 427)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1405.

«ص».

130 الصحاح. إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، الطبعة الثانية، بيروت، دار العلم للملايين، 1399.

131 صحيح البخاري. أبو عبد اللّٰه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256)، تحقيق و شرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي، الطبعة الاولى، بيروت، دار القلم، 1407.

132 صحيح مسلم. أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206 261)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة

الثانية، بيروت، دار الفكر، 1398.

133 الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني). الشيخ محمّد عليّ الكاظمي الخراساني (1309 1365)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.

134 الصلاة «ضمن تراث الشيخ الأعظم». الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 1281)، قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئويّة الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، 1418.

135 الصلاة. المحقق الحائري، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1362 ش.

136 الصوم «ضمن تراث الشيخ الأعظم». الشيخ الأعظم مرتضى بن محمد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 1281)، قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، 1418.

«ط».

137 الطلب و الإرادة. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1421.

138 الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)). الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1421.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 451

139 الطهارة. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 1281)، طهران، 1298.

«ع».

140 عدّة الأُصول. أبو جعفر شيخ الطائفة محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، قم، مطبعة ستارة، 1417.

141 العروة الوثقى. السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، مع تعليقات أعلام العصر و مراجع الشيعة الإمامية، الطبعة الثالثة، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، 1363 ش.

142 عقاب الأعمال. أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي (م 381)، طهران، مكتبة الصدوق، 1391.

143 علل الشرائع. أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، الطبعة الاولى، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1386 ..

144 عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية. محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، ابن أبي جمهور (م أوائل القرن العاشر)، تحقيق مجتبى العراقي، الطبعة الاولى، قم، مطبعة

سيد الشهداء، 1403.

145 عيون أخبار الرضا (عليه السّلام). أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح السيد مهدي الحسيني اللاجوردي، الطبعة الثانية، منشورات جهان.

«غ».

146 الغدير في الكتاب و السنة و الأدب. العلّامة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني (1320 1390)، بيروت، دار الكتاب العربي، 1387.

147 غنائم الأيّام في مسائل الحلال و الحرام. الميرزا أبو القاسم بن الحسن الجيلاني المعروف بالمحقق القمي (1151 1231)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1418.

148 غنية النزوع إلى علم الأُصول و الفروع. السيّد حمزة بن عليّ بن زهرة الحلبي (511 585)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة الإمام الصادق (عليه السّلام)، 1417.

«ف».

149 الفائق في غريب الحديث. أبو القاسم جار اللّٰه محمود بن عمر الزمخشري (م 538)، بيروت، دار الفكر، 1414.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 452

150 فتح العزيز في شرح الوجيز. أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني (577 623)، المطبوع مع «المجموع شرح المهذّب»، بيروت، دار الفكر.

151 فرائد الأُصول. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 1281)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411.

152 الفقه على المذاهب الأربعة. عبد الرحمن الجزيري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1406.

153 فقه القرآن. قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة اللّٰه الراوندي (م 573)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1405.

154 الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام). تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاولى، مشهد المقدس، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السّلام)، 1406.

155 الفقيه «كتاب مَن لا يحضره الفقيه». أبو جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق عليّ أكبر

الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390.

156 فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني). الشيخ محمد عليّ الكاظمي الخراساني (1309 1365)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1404.

157 الفوائد الرجالية. السيد محمد المهدي بحر العلوم الطباطبائي (م 1212)، تحقيق محمد صادق بحر العلوم و حسين بحر العلوم، طهران، مكتبة الصادق، 1363 ش.

158 الفهرست. أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (م 460)، إعداد السيّد محمّد صادق بحر العلوم، قم، منشورات الرضي.

159 الفهرست. أبو الفرج محمّد بن إسحاق، ابن النديم (م 385)، طهران، تحقيق رضا تجدد.

160 الفهرست. منتجب الدين أبو الحسن علي بن عبيد اللّٰه بن بابويه الرازي (504 600)، تحقيق السيّد جلال الدين المحدث ارموي، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1366 ش.

«ق».

161 قاموس الرجال. الشيخ محمد تقي التستري (1320 1415)، الطبعة الاولى، طهران، مركز نشر الكتاب، 1379 1391.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 453

162 القاموس المحيط و القابوس الوسيط. أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 817)، بيروت، دار الجيل.

163 قرابادين كبير (مخزن الأدوية). مير محمد خان عقيلي شيرازي، الطبعة الحجرية، طهران، 1277.

164 قرب الإسناد. أبو العباس عبد اللّٰه بن جعفر الحميري القمي (م بعد 304)، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1413.

165 قواعد الأحكام في مسائل الحلال و الحرام. العلّامة الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي (648 726)، الطبعة الحجرية، قم، منشورات الرضي.

166 قوانين الأُصول. المحقق ميرزا أبو القاسم القمي بن المولى محمد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمي (1151 1231)، الطبعة الحجرية، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، 1378.

«ك».

167 الكافي. ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن إسحاق الكليني الرازي (م

329)، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1388.

168 الكافي في الفقه. تقي الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374 447)، تحقيق رضا الاستادي، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، 1403.

169 كامل الزيارات. أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، مؤسسة نشر الفقاهة، 1417.

170 كتاب سليم بن قيس الهلالي. سليم بن قيس الكوفي الهلالي (م 90)، دار الكتب الإسلامية.

171 كتاب العين. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 175)، بيروت، دار و مكتبة الهلال.

كتاب من لا يحضره الفقيه الفقيه..

172 الكشّاف عن حقائق التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل. جار اللّٰه محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (467 538)، بيروت، دار الكتاب العربي، 1407 ..

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 454

173 كشف الالتباس. أبو العباس أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الحلّي (757 841)، مخطوط.

174 كشف الرموز في شرح المختصر النافع. زين الدين أبو عليّ الحسن بن أبي طالب ابن أبي المجد اليوسفي المعروف بالفاضل و المحقّق الآبي (م بعد 672)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1408.

175 كشف الغطاء عن خفيّات مبهمات الشريعة الغرّاء. الشيخ جعفر بن خضر المعروف بكاشف الغطاء (م 1227)، أصفهان، منشورات المهدوي.

176 كشف الغُمّة في معرفة الأئمّة. أبو الحسن عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي، مسجد الجامع، تبريز، 1380.

177 كشف اللثام عن كتاب قواعد الأحكام. الفاضل الهندي بهاء الدين محمّد بن حسن بن محمّد الأصفهاني (1062 1135)، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416.

178 كفاية الأحكام. محمّد مؤمن الشريف الخراساني المحقق السبزواري (1017 1090)، الطبعة الحجرية.

179 كفاية الأُصول. الآخوند الخراساني المولى محمد كاظم بن حسين الهروي (1255 1329)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام)

لإحياء التراث، 1409.

180 كنز العرفان في فقه القرآن. الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد اللّٰه السيوري (م 826)، طهران، المكتبة الرضوية، 1384.

«ل».

181 لسان العرب. أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري (م 711)، بيروت، دار صادر، بالاوفست عن طبعة البولاق بمصر.

182 لمحات الأُصول (تقريرات المحقّق البروجردي). الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1421.

183 اللوامع «لوامع الأحكام». محمد مهدي بن أبي ذر النراقي (م 1209)، الطبعة الحجرية، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي.

184 لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرّتي العين. الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 1186)، تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 455

«م».

185 المبسوط. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1387 1393.

186 مبسوط السرخسي. شمس الدين السرخسي الحنفي محمد بن أحمد بن أبي سهل (م 483)، بيروت، دار المعرفة، 1406، بالاوفست عن طبعته السابقة، 1331.

187 مجمع البحرين و مطلع النيّرين. فخر الدين الطريحي (972 1087)، بيروت، مكتبة الهلال، 1985 م.

188 مجمع البيان. أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548)، تحقيق الميرزا أبي الحسن الشعراني، الطبعة الخامسة، طهران، المكتبة الإسلامية، 1395.

189 مجمع الرجال. زكي الدين المولى عناية اللّٰه عليّ القهپائي، علّق عليه السيد ضياء الدين، قم، مؤسسة إسماعيليان.

190 مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان. أحمد بن محمد المحقق الأردبيلي (م 993)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1402 1414.

191 المجموع شرح المهذّب. أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي

(م 676)، بيروت، دار الفكر.

192 المحاسن. أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280)، تحقيق جلال الدين الحسيني، المحدّث الأرموي، الطبعة الثانية، قم، دار الكتب الإسلامية.

193 المحلّى بالآثار. أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، بيروت، دار الفكر.

194 المختصر النافع. أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي (602 676)، قم، منشورات مؤسسة المطبوعات الديني، 1368 ش.

195 مختلف الشيعة في أحكام الشريعة. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1412 1418.

196 مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام. السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1410.

197 مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول. العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037 1110)، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1411.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 456

198 المراسم في فقه الإمامي. حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلّار (م 463) قم، منشورات حرمين، 1404.

199 المسائل العزية ضمن «الرسائل التسع». المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 676)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1413.

200 مسائل علي بن جعفر و مستدركاتها. تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، قم، 1409.

201 مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام. العلّامة الفاضل الجواد الكاظمي، المكتبة المرتضوية لآثار الجعفرية.

202 مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. زين الدين بن علي العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني (911 965)، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1418 ..

203 المسالك الجامعيّة في شرح الرسالة الألفية ضمن «المقاصد العلية». محمد بن علي بن أبي جمهور الأحسائي (م القرن العاشر)،

الطبعة الحجرية، 1312.

204 مستدرك الحاكم «المستدرك على الصحيحين». الإمام الحافظ أبي عبد اللّٰه الحاكم النيسابوري (312 405)، بيروت، دار المعرفة.

205 مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل. الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري (1254 1320)، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1407.

206 مستمسك العروة الوثقى. السيد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 1390)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1411.

207 مستند الشيعة في أحكام الشريعة. أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1418.

208 مسند أحمد. أحمد بن محمّد بن حنبل (164 241)، بيروت، دار الفكر.

209 مشارق الشموس. آقا حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري (1019 1099)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث.

210 مشرق الشمسين و إكسير السعادتين. الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 1030)، مشهد، مؤسسة الطبع و النشر التابعة للآستانة الرضوية المقدّسة، 1414.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 457

211 مصابيح الظلام في شرح المفاتيح. المولى محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 1206)، مخطوطة.

212 المصابيح في الفقه. السيد محمد مهدي بن مرتضى بن محمد الطباطبائي البروجردي (م 1212)، مخطوط.

213 مصباح الفقيه. الحاج آقا رضا بن محمد هادي الهمداني النجفي (م 1322)، طهران، منشورات مكتبة الصدر.

214 مصباح المتهجّد و سلاح المتعبّد. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، الطبعة الحجرية.

215 مصباح المنير في غريب الشرح الكبير. أحمد بن محمّد بن عليّ المقري الفيومي (م 770)، قم، منشورات دار الهجرة، 1405.

216 مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري). الشيخ أبو القاسم الكلانتري (1236 1316)، قم،

مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام).

217 معالم الدين و ملاذ المجتهدين «قسم الفقه». أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 1011)، قم، مؤسسة الفقه للطباعة و النشر، 1418.

218 معالم الدين و ملاذ المجتهدين «قسم الأُصول». أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 1011)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416.

219 معالم العلماء. أبو جعفر محمد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني (م 588)، إعداد السيد محمد صادق بحر العلوم، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1380.

220 معاني الأخبار. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1361.

221 المعتبر في شرح المختصر. المحقق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 676)، قم، مؤسسة سيد الشهداء (عليه السّلام)، 1364 ش.

222 معجم البلدان. ياقوت بن عبد اللّٰه الرومي الحموي (574 626)، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1399.

223 معجم مقاييس اللغة. أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 458

224 معيار اللّغة. الميرزا محمّد عليّ بن محمّد صادق الشيرازي، الطبعة الحجرية، 1311 1316.

225 المغرب في ترتيب المعرب. أبو الفتح ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي (538 610)، بيروت، دار الكتاب العربي.

226 المغني. أبو محمّد عبد اللّٰه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (م 620)، بيروت، دار الكتاب العربي.

227 مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. ابن هشام أبو محمد عبد اللّٰه بن يوسف الأنصاري (م 761)، قم، مكتبة سيد الشهداء (عليه السّلام)، 1375 ش.

228 مفاتيح الشرائع. المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091)، تحقيق السيّد مهدي رجائي، قم، مطبعة

الخيام، 1401.

229 مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة. السيد محمّد جواد الحسيني العاملي، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث.

230 المفردات في غريب القرآن. حسين بن محمّد المفضّل الراغب الأصفهاني (م 502)، طهران، المكتبة المرتضوية.

231 مقباس الهداية في علم الدراية. الشيخ عبد اللّٰه بن محمّد حسن المامقاني (1290 1351)، تحقيق محمّد رضا المامقاني، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1411.

232 المقنع. أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، قم، مؤسسة الإمام الهادي (عليه السّلام)، 1415.

233 المقنعة. أبو عبد اللّٰه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410.

234 مكارم الأخلاق. أبو نصر رضي الدين الحسن بن الفضل الطبرسي (القرن السادس)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416.

235 ملاذ الأخبار في فهم تهذيب الأخبار. العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1406.

236 الملل و النحل. أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (479 548)، قم، منشورات الشريف الرضي.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 459

237 الملهوف على قتلى الطفوف. أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى بن طاوس الحسني (م 664)، طهران، دار الأُسوة للطباعة و النشر، 1417.

238 مناقب آل أبي طالب. أبو جعفر رشيد الدين محمد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني (م 588)، إعداد محمد حسين دانش الآشتياني و السيد هاشم الرسولي المحلاتي، قم، مكتبة العلّامة.

239 مناهج الوصول إلى علم الأُصول. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1414.

240 المناهل. السيد محمد الطباطبائي (م 1242)، قم، مؤسسة

آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث.

241 منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح و الحسان. الحسن بن زيد الدين العاملي الجباعي، مؤسسة النشر الإسلامي، 1362 ش.

242 منتهى الإرب في لغات العرب. عبد الرحيم بن عبد الكريم الصفي پور، طهران، كتابخانه سنائي، 1298.

243 منتهى المطلب في تحقيق المذهب. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، الطبعة الحجرية، 1333.

244 منتهى المقال في أحوال الرجال. أبو عليّ محمّد بن إسماعيل الحائري المازندراني، (م 1216)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1416 ..

245 المنجد «المنجد في اللغة و الأعلام». اشترك في تأليفه عدّة من المحقّقين، بيروت، دار المشرق.

246 الموجز ضمن «الرسائل العشر». أبو العباس أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الحلّي الأسدي (757 841)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1409.

247 الموطأ. أبو عبد اللّٰه مالك بن أنس بن مالك (93 179)، مصر، 1370.

248 المهذّب البارع في شرح المختصر النافع. العلّامة أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 841)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411.

249 المهذّب. القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (400 481)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1406.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 460

«ن».

250 الناصريات «المسائل الناصريات». أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى و علم الهدى، ضمن «الجوامع الفقهية»، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1404.

251 نزهة الناظر. أبو زكريا نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي (م 690)، النجف الأشرف، مطبعة الآداب، 1386.

252 نوادر الراوندي ضمن «الفصول العشرة». السيد فضل اللّٰه بن علي الحسيني الراوندي (كان حياً في القرن الخامس)، قم، مؤسسة دار الكتاب.

253 النهاية. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد

بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، قم، منشورات قدس.

254 نهاية الإحكام في معرفة الأحكام. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1410.

255 نهاية الأُصول (تقريرات المحقّق البروجردي). الشيخ حسينعلي المنتظري، قم، نشر تفكّر، 1415.

256 نهاية الأفكار (تقريرات المحقّق آقا ضياء الدين العراقي). الشيخ محمّد تقي البروجردي النجفي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1405.

257 نهاية التقرير (تقريرات المحقّق البروجردي). محمد الموحدي الفاضل، قم.

258 نهاية الدراية في شرح الكفاية. الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (م 1361)، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1414.

259 النهاية في غريب الحديث و الأثر. مجدّد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير (544 606)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1364 ش.

260 نهاية النهاية في شرح الكفاية. الميرزا علي الإيرواني النجفي (م 1354)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1370.

261 النهاية و نكتها. الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 461

262 نهج الحق و كشف الصدق. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، قم، دار الهجرة، 1407.

«و».

263 الوافي. محمد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1007 1091)، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، 1412.

الوجيزة ضمن «الحبل المتين» الحبل المتين.

264 وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 1104)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام)، 1409.

265 الوسيلة إلى نيل الفضيلة. عماد الدين أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الطوسي المعروف بابن حمزة (القرن السادس)، قم، مكتبة آية اللّٰه

المرعشي، 1408.

«ه».

266 الهداية ضمن «الجوامع الفقهية». أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1404.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.